سلسلة بلايا ووصايا -الوصية الثالثة: عمار الدنيا خراب الآخرة-
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:
سلسلة بلايا ووصايا
الوصية الثالثة: عمار الدنيا خراب الآخرة
ختمت الوصية الفارطة بقول الحسن البصري رحمه الله: اعمل كأنك ميت غداً، ولا تجمع كأنك تعيش أبداً. وهو أجود وأصح مما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" لأن هذا الحديث لا أصل له كما صرح بذلك الإمام الألباني رحمه الله في الضعيفة رقم 8، وزيادة على عدم صحته فهو يدعو إلى الإغراق في طلب الدنيا وعدم الشبع منها، والحرص على جمعها جَمْعَ من لا يفارقها، ومما لا شك فيه أن هذا المعنى يناقض ما تقرر في الشريعة، ويكون سببا للافتتان بالدنيا وذريعة، يوضحه:
ما قاله الإمام الألباني رحمه الله معلقا على الحديث الرابع والسبعين بعد الثمانمئة من الضعيفة وهو:" أصلحوا دنياكم، واعملوا لآخرتكم، كأنكم تموتون غدا" والذي حكم عليه بالضعف الشديد فقال: ضعيف جدا، ثم علق عليه رحمه الله قائلا: قلت: وهذا الحديث نحو الحديث المتقدم بلفظ " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ... " (رقم 8).
وإنما قلت:" نحو" لأن هذا أقل إغراقا في الحض على العمل للدنيا من ذاك، بل هذا لا تأباه الشريعة، وأما ذاك فلا أعتقد أن في الشرع هذه المبالغة في الحض على السعي للدنيا، بل الأحاديث متضافرة على الترغيب في التفرغ للعبادة، وعدم الانهماك في الدنيا، كقوله صلى الله عليه وسلم:" ما قل وكفى خير مما كثر وألهى". فراجع لهذا الموضوع " الترغيب والترهيب " (4 / 81 - 83) للمنذري" اهـ.
فالحذر الحذر من أن تسعى للدنيا سعي معمر فيها، وأن تقعد عن الآخرة قعود زاهد فيها راغب عنها، ولا تكن كمن ذمه الأعرابي فقال: أفسد آخرته بصلاح دنياه، ففارق ما عمر غير راجع إليه، وقدم على ما أخرب غير منتقل عنه.
فعمار الدنيا خراب الآخرة، فإياك أن تخرب الباقي من أجل عمار الفاني، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من طلب الدُّنيا أضرَّ بالآخرةِ، ومن طلَبَ الآخرةَ أضرَّ بالدُّنيا! فأضِرّوا بالفاني للباقي" رواه ابن أبي عاصم في كتاب "الزهد" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحسن إسناده العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 3287.
وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
الاثنين 21 رمضان 1437 هـ
/ 27/06/2016 م
سلسلة بلايا ووصايا -الوصية الثالثة: عمار الدنيا خراب الآخرة-
العرض العادي
