منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28 Jun 2015, 03:15 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي طلب العفو في الكلام على قوله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾

طلب العفو في الكلام على قوله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، وصلى الله على نبيِّه خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام، أما بعد:

فقال ربُّنا سبحانه وتعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، وهذه آية عظيمة من كتاب الله عز وجلَّ، قال فيها جعفر بن محمد الصادق (رحمه الله): «ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها»، وقال القرطبي (رحمه الله): «هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات»، وقد أدرت الكلام في هذا المقال حول الجملة الأولى من هذه الآية الكريمة، فبالله التوفيق:

وقفة تفسيرية

اختلف المفسِّرون في معنى العفو هنا على ثلاثة أقوال:

الأوَّل: أن المعنى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ من أخلاق الناس، وهو الفضل وما لا يُجهدهم ويشقُّ عليهم، وبهذا قال عبد الله بن الزبير (رضي الله عنه)، ورُوي عن عائشة (رضي الله عنها) وابن عمر (رضي الله عنه)، وذهب إليه مجاهد (رحمه الله).
روى الإمام البخاري (رحمه الله) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنه): «﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾، ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس»، كذا، وعند ابن جرير: «ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس»، وفي الصحيح معلَّقا، ووصله ابن جرير وغيره عن عبد الله بن الزبير قال: «أمر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أو كما قال».

الثاني: أنَّ المعنى؛ خذ العفو من أموال الناس، وهو الفضل، قالوا : وأمر بذلك قبل نزول الزكاة، فلما نزلت الزكاة نسخ، قال بهذا عبد الله بن عبَّاس (رضي الله عنه)، وكذا السدٍّي، وبنحوه الضحاك وعطاء وأبو عبيدة.
روى الإمام ابن جرير (رحمه الله) في تفسيره وغيرُه عن ابن عبَّاس (رضي الله عنه) أنه قال: قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾، يعني : «خذ ما عفا لك من أموالهم ، وما أتوك به من شيء فخذه».

الثالث: أن ذلك أمرٌ من الله نبيَّه (صلى الله عليه وسلم) بالعفو عن المشركين، وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم عليه، قاله ابن زيد.

قال ابن جرير (رحمه الله): حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾، قال: «أمره فأعرض عنهم عشر سنين بمكة، قال : ثم أمره بالغلظة عليهم ، وأن يقعد لهم كل مرصد ، وأن يحصرهم ، ثم قال: ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة﴾ الآية ، كلها . وقرأ: ﴿ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم﴾ قال : وأمر المؤمنين بالغلظة عليهم ، فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة﴾ بعدما كان أمرهم بالعفو، وقرأ قول الله : ﴿ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله﴾، ثم لم يقبل منهم بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل، فنسخت هذه الآية العفو ».

تنبيه: اقتصر غير واحد من المفسرين على ذكر القولين الأوَّلين فقط، ثمَّ إنَّ ابن جرير (رحمه الله) اختار القول الثَّالث، وهذا واضح من كلامه، ونصَّ على ذلك الحافظ ابن كثير (رحمه الله) في تفسيره، لكن صنيعه –أي ابن جرير- يدلُّ على إدخاله للقول الأول في اختياره، وهذا نصُّ كلامه: «وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم، وقال: أمر بذلك نبي الله (صلى الله عليه وسلم) في المشركين» .

والقول الأوَّل هو ما عليه جمهور المفسرين، لكن قد يكون اختيار الإمام ابن جرير هو الأولى بالصواب، وذلك لدلالة السِّياق عليه، وهو مسلك أصيل في الترجيح بين الأقوال، اهتمَّ به كثير من المفسرين، ولا يمنع ذلك الاعتبار بعموم اللفظ كما سيأتي.

وفي ذلك يقول (رحمه الله): «وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمه نبيه صلى الله عليه وسلم محاجته المشركين في الكلام ، وذلك قوله: ﴿قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون﴾، وعقبه بقوله: ﴿وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها﴾، فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيه صلى الله عليه وسلم في عشرتهم به ، أشبه وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصدقة من المسلمين».

هذا؛ وإن الجمع بين ما ذكره الجمهور وهذا الاختيار غير متعذِّر، بل هو ظاهر الصحَّة، فيكون ذلك من قبيل اختلافِ التنوُّع؛ بكون المشركين فردا من أفراد هذا العموم، وقد قال ابن عاشور (رحمه الله): «ثم العفو عن المشركين المقصود هنا أسبق أفراد هذا العموم إلى الذهن من بقيتها، ولم يفهم السلف من الآية غير العموم» ، واستشهد على ذلك بما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس قال : «قدم عيينة بن حصن المدينة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان الحر بن قيس من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته ، فقال عيينة لابن أخيه : لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه ، فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر ، فلما دخل عليه قال : " هيه يا ابن الخطاب ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل " فغضب عمر حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : " يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِالْجَاهِلِينَ﴾ وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله»، وكذا استشهد بأثر ابن الزبير المتقدم، ثم قال: «ومن قال أن هذه الآية نسختها آيات القتال فقد وهم؛ لأن العفو باب آخر، وأما القتال فله أسبابه، ولعله أراد من النسخ ما يشمل معنى البيان أو التخصيص في اصطلاح أصول الفقه».

وقد أجاب ابن جرير على دعوى النسخ بكلام متين، واضح الدلالة على هذا المعنى السابق الذكر، فقال (رحمه الله): «فإن قال قائل : أفمنسوخ ذلك ؟

قيل : لا دلالة عندنا على أنه منسوخ، إذ كان جائزا أن يكون وإن كان الله أنزله على نبيه (صلى الله عليه وسلم) في تعريفه عشرة من لم يؤمر بقتاله من المشركين مرادا به تأديب نبي الله والمسلمين جميعا في عشرة الناس ، وأمرهم بأخذ عفو أخلاقهم ، فيكون وإن كان من أجلهم نزل تعليما من الله خلقه صفة عشرة بعضهم بعضا، إذا لم يجب استعمال الغلظة والشدة في بعضهم ، فإذا وجب استعمال ذلك فيهم ، استعمل الواجب ، فيكون قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أمرا بأخذه ما لم يجب غير العفو ، فإذا وجب غيره أخذ الواجب وغير الواجب إذا أمكن ذلك . فلا يحكم على الآية بأنها منسوخة ، لما قد بينا ذلك في نظائره في غير موضع من كتبنا» .

فائدة: الأخذ الوارد في الآية يحمل على أحد معنيين بحسب القول المختار، فإننا إن جعلناه أخذا لما عفا من أخلاق الناس، أو ما عفا من أموالهم، يكون على معناه الحقيقي من تناول الشيء للانتفاع به أو الإضرار، وإذا جعلناه لأخذ الصفح والتجاوز عن المذنبين، حملناه على غير معناه الحقيقي من التلبُّس بهذا الفعل والوصف.

لفتة خُلقيَّة

وهذا الذي ذكر في الآية خلق كريم، وتكثر عنه الغفلة، فإن المرء إذا كان لا يأخذ من النَّاس إلا ما تيسَّر من أخلاقهم وترك من ذلك ما يعسر عليهم، وسار في تعامله على نهج الرفق واللِّين، وتجنَّب سبيل الإجحاف والإلزام، ثمَّ إن وقع منهم في حقِّه تقصير قابله بالعفو والصفح يوشك أن تجتمع القلوب على محبَّته وحسن معاشرته، فيعمُّ بذلك الخير، وإذا تعامل بالضدِّ من ذلك أوشكت القلوب أن تتنافر، والبغضاء أن تستحكم، ولهذا جاء في أخلاق من كان خلقه القرآن (عليه الصلاة والسلام)، في صحيح البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ ، لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا "، وإن آكد ما يتأكَّد هذا الخلق الحميد في معاشرة الرجل لزوجه وأولاده في بيته، وكذا خدَمه إن كان له خدَم.


ومن النكت المتعلقة بهذا الباب؛ أنه من أعظم ما يحمل النَّاس على الطعن في رجلٍ وكلامهم في عرضه؛ كونه يثقل عليهم في تعامله، ويكلِّفهم ما يشقُّ عليهم من خُلق ومتاع، فربما اضطروا إلى الكلام فيه، وحتى الافتراء عليه ليبعدوه عن أنفسهم، ويرتاحوا من عِشرته، وهذا مشاهد.

وقد جاء من شعر أبي الأسود الدؤلي الذي تناقله المفسرون عند تفسير هذه الآية قوله:

خُذي العَفوَ مِنّي تَستَديمي مَوَدَّتي وَلا تَنطقي في سَورَتي حينَ أَغضَبُ

هذا آخر الكلام، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 28 Jun 2015 الساعة 04:13 PM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قرآن


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013