من تراجم الأعلام / الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (رحمه الله)

[مهدي بن صالح البجائي]

من تراجم الأعلام/ الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (رحمه الله)

الحمد لله وصلى الله على نبيِّه محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، أمَّا بعد:

فإنَّ من عظيم تراجم العلماء الذين لم يبعد العهد بهم، ما جاء في «عنوان المجد في تاريخ نجد» و«علماء نجد خلال ثمانية قرون» في الشيخ العلَّامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهَّاب آل الشيخ (رحمه الله)، صاحب أحد أحسن الشُّروح –إن لم يكن أحسنها- على كتاب التوحيد «تيسر العزيز الحميد» الذي اختصره وأكمله ابن عمِّه الشيخ عبد الرحمن بن حسن (رحمه الله) في «فتح المجيد».

والشيخ (رحمه الله) ولد سنة 1200هـ وتوفّيَّ أواخر سنة 1233هـ عن عمُر لا يتجاوز 34 سنة !

قال الشيخ عبد الله البسام (رحمه الله) في «علماء نجد خلال ثمانية قرون» (342/02): «الشيخ الفقيه المحدث سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ولد في مدينة الدرعية عاصمة الجزيرة العربية عام 1200هـ وذلك في أواخر أيام جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فلم يدرك القراءة عليه وإنما تربي في بيت علم وصلاح وتقي فنشأ على هذه الصفات الكريمة منذ نعومة أظفاره وكانت الدرعية يومئذ في أوج عزها وتمام زهرتها من كثرة العلماء ورواج سوق العلم، فحثه هذا البيت العلمي والوسط الفاضل على الإقبال على العلم والانهماك فيه فانقطع إليه بكليته وشغل جميع أوقاته ورابط في مكتبة الدرعية.
والقصد أنه لم يشغل نفسه بغير العلم تعلما وبحثا ومراجعة حتى سبق أقرانه وتفوق على زملائه وحصل علما كثيرا في زمن قصير».

وممَّا جاء كذلك في ترجمته ما قاله ابن بشر (مؤرِّخ الدعوة النجدية -رحمه الله-) في «عنوان المجد في تاريخ نجد»(01 /424-425): «وكان رحمه الله آية في العلم له معرفة تامة في الحديث ورجاله، وصحيحه وحسنه وضعيفه، والفقه والتفسير والنحو، وكان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا يتعاظم رئيسا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتصاغر ضعيفا أتى إليه بطلب فائدة أو يستنصر وكانت له مجالس كثيرة في التدريس، وصنف ودرس وأفتى، وضرب به المثل في زمانه بالمعرفة، كان حسن الخط، وليس في زمانه من يكتب بالقلم مثله».

وقال الشيخ عبد الله البسام (رحمه الله) في «علماء نجد»(342/02): حدثني سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (رحمه الله تعالى)، قال: «خرج الشيخ سليمان بن عبد الله مع بعض أصحابه إلى أحد بساتين الدرعية، فامتحنوه في تمييز شجرة البطيخ من شجرة الدباء، فلم يميز بينهما، وحدث الثقات عنه أنه كان يقول: معرفتي برجال الحديث أكثر من معرفتي برجال الدرعية»
.
وقال كذلك (343/02): «وقد جمع الله له مع هؤلاء العلماء الكبار -يعني من تتلمذ عليهم- الإقبال الشديد والذكاء الحاد والحفظ النادر فبلغ في العلم مبلغا كبيرا فسار مفسرا محدثا أصوليا فقيها نحويا لغويا خطاطا...

فلما رأى الإمام محمد بن سعود بن عبد العزيز صلاحه وتقاه واطلع والده الشيخ عبد الله على سعة علومه وقوة إدراكه جعلاه قاضيا في مكة المكرمة بعد ولايتها
مع حداثة سنه وطراوة شبابه.

كما جلس لتدريس الطلاب في سائر الأوقات فقد عمر غالب أوقاته في التعليم ونصح العامة حتى نفع الله به خلقا كثيرا».

وفي وفاته قال ابن بشر(424/01): «وفي آخر هذه السنة-1233هـ- قتل الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وذلك أن الباشا لما صالح أهل الدرعية كثر عنده الوشاة من أهل نجد بعضهم ببعض فرمي عند الباشا بالزور والبهتان والإثم والعدوان فأرسل إليه الباشا وتهدده وأمر بآلات اللهو فاستعملوها إرغام له بها ثم أرسل إليه الباشا بعد ذلك وخرج به إلى المقبرة ومعه عدد كثير من العسكر فأمرهم أن يثوروا في البنادق والقرابين فثوروها فيه وجمع لحمه بعد ذلك قطعا».

هذا، وفيما انتقيته –إن شاء الله- كفاية لمن أراد الاقتداء بفطاحل العلماء، ولئن قال قائل فيمن مضى منهم وبعُد بهم العهد: أنَّى لنا اللّحاق بهم ؟! قيل ها أنت أمام سيرة من لم يمض من ذلك إلا قليل.