(( ميزان أدقَّ من ميزان الذهب ))

[أبو عبد الرحمن حمزة]

(( ميزان أدقَّ من ميزان الذهب ))

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

فإن كلمة (( ميزان الذهب )) متى طرقت السمع تبادر إلى ذهن السامع الدقة المتناهية في الوزن نظراً لما يتمتع به ذلك الميزان من المواصفات البالغة في صنعه .إلاَّ أن هناك من الموازين ما هو أعظم دقَّةً وأبلغ نتيجة ، إلاَّ أن كثير من الناس قد استبدلوا ذلك الميزان بموازين أخرى مزيفة ، بل هي عند عقلاء الرجال مرفوضة في حكمها غير موثوق بها .فأمّا الميزان الذي يفوق ميزان الذهب فهو : (( ميزان الأخلاق )) ، الذي به يُقّوم الرجال ، وبه بتميز الجيد من الرديء ، ذلك الميزان الذي زكّى به الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال عنه : { وإنك لعلى خلق عظيم } ، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم علامة فارقة للمستقل والمستكثر من معين الأخلاق ، فقال عنه : (( إنّ الرجل ليدرك بحسن خُلقه درجات قائم الليل صائم النهار )) أخرجه أبو داود .وقال : (( إنّ أحبكم إليَّ وأقربكم منّي في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقا ، وأن أبغضكم إليَّ وأبعدكم منّي في الآخرة أسوؤكم أخلاقا ... )) أخرجه أبو داود .إلى غير ذلك من التزكيات النبوية لهذا الميزان وأهله المحافظين عليه .أما الموازين الزائفة بل الجائرة في حكمها والتي جعل كثيرٌ من الناس أحكامها فيصلا وفارقا في ميزان المال وميزان النسب والحسب وما شاكلها تلك الموازين التي بيّن الله أنها لاغية ولا قيمة لرصيد صاحبها الذي لم ينهل من معين (( ميزان الأخلاق )) ، فقال تعالى : { يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم } ، وقال عز وجل : { فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة تصريحا أو التزاما على بطلان تلك الموازين .بعد هذا يُقال : هل يتفطن أولئك القوم الذين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فوزنوا أنفسهم ووزنوا غيرهم بتلك الموازين المرفوضة – إذا استقلت – عند العقلاء ، ونصبوا (( ميزان الأخلاق )) الذي يجعل صاحب التقوى والخُلق راجحا على غيره ؟اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلى أنت .والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

كتبه د/ الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان

[أبو عبد الرحمن حمزة]

للفائدة