قال الإمام أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (651-689) - رحمه الله تعالى - :
اعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه، فمن كملت بصيرته لم تخف عليه عيوبه، وإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الناس جاهلون بعيوبهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه.
فمن أراد الوقوف على عيب نفسه، فله في ذلك أربع طرق:
- الطريقة الأولى: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها، وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده، فمن وقع به، فقد وقع بالطبيب الحاذق، فلا ينبغي أن يفارقه.
- الطريقة الثانية: أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا، وينصبه رقيبا على نفسه لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله.
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: رحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا.
وسأل سلمان رضي الله عنه لما قدم عليه عن عيوبه، فقال: سمعت أنك جمعت بين إدامين على مائدة، وأن لك حلتين: حلة بالليل وحلة بالنهار، فقال: هل بلغك غير هذا؟ قال: لا، قال: أما هاذان فقد كفيتهما.
وكان عمر - رضي الله عنه - يسأل حذيفة: هل أنا من المنافقين؟ وهذا لأن كل من علت مرتبته في اليقظة زاد اتهامه لنفسه، إلا أنه قد عز في هذا الزمان وجود صديق على هذه الصفة، لأنه قل في الأصدقاء من يترك المداهنة، فيخبر بالعيب، أو يترك الحسد، فلا يزيد على قدر الواجب.
وقد كان السلف يحبون من ينبههم على عيوبهم، ونحن الآن في الغالب أبغض الناس إلينا من يعرفنا عيوبنا، وهذا دليل على ضعف الإيمان، فإن الأخلاق السيئة كالعقارب، ولو أن منبها نبهنا على أن تحت ثوب أحدنا عقربا لتقلدنا له منة، واشتغلنا بقتلها، والأخلاق الرديئة أعظم ضررا من العقرب على ما لا يخفى.
- الطريقة الثالثة: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدي المساويء، وانتفاع الإنسان بعدو مشاجر يذكر عيوبه، أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفي عنه عيوبه.
- الطريقة الرابعة: أن يخالط الناس، فكل ما يراه مذموما فيما بينهم، يجتنبه. انتهى.
(من كتاب : مختصر منهاج القاصدين)
ولا تسل عما آلت إليه الأحوال في زماننا هذا... ولا حول ولا قوة إلا بالله.