مسألة استفدتها من مجالس الشيخ أزهر سنيقرة: قتال الكفار وجب في مقابلة الحراب لا الكفر نفسه

[أبو صهيب منير الجزائري]

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسّلام على محمد أشرف الأنبياء والمرسلين
أما بعد: من فوائد الجلوس في حلق العلم، رفع الجهل والتقرب إلى الله عزوجل بعبادة طلب العلم ، وكذلك في كثير من الأحيان في هذه المجالس ترسيخ للمعلومات وضبط للمسائل ومن بين هذه المجالس الطيبة النيرة مجالس الشيخ أزهر سنيقرة، مما استفدناه نقل شيخنا الوالد إختيار شيخ الاسلام في مسالة خلافية بين أهل العلم وهي: قتال الكفار راجع لعلة الحرب أم لنفس الكفر و اختيار الشيخ هو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وهو قول جماهير العلماء وهو قتال الكفار المقاتلين والمحاربين منهم، وفي هذا الخلاف يقول ابن رشد في بداية المجتهد:" وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ بِالْجُمْلَةِ لِاخْتِلَافِهِمُ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْلِ؛ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ هِيَ الْكُفْرُ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ إِطَاقَةُ الْقَتَّالِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ مَعَ أَنَّهُنَّ كُفَّارٌ - اسْتَثْنَى مَنْ لَمْ يُطِقِ الْقِتَالَ، وَمَنْ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ إِلَيْهِ كَالْفَلَّاحِ وَالْعَسِيفِ" ابن رشد، بداية المجتهد(2/148) ط: دار الحديث القاهرة ط:1425ه.
لبيان المسألة أكثر لبعض الأخوة الذين كانوا يظنون أن قتال الكفار لكفرهم هو القول الرّاجح وربما لم يكن يعرف أن في المسألة خلاف بين الفقهاء وسأنقل بإذن الله تعالى كلام أهل العلم القائلين بأن قتال الكفار لحربهم وقتالهم لا لكفرهم.
فمن اقوال المالكية :
بعد ذكر مراحل الدعوة ثم دعوتهم للجزية ثم القتال، فيذكرون الاستثناء وهذا دليل القتل يقع على المقاتلين والقادرين لا العاجزين عنه " (قُتِلُوا) أَيْ جَازَ قَتْلُهُمْ (إلَّا) سَبْعَةً فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إلَّا الْمَرْأَةَ؛ إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا، وَالصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ: كَشَيْخٍ فَانٍ، وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى، وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ" يقول الشارح: فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الِاسْتِذْكَارِ كَانَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ إتْلَافِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ وَمَنْ لَا يُقَاتِلُ، وَلَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ فِي الْعَادَةِ لَيْسَ فِي إحْدَاثِ الْمَفْسَدَةِ كَالْمُقَاتِلِينَ فَرَجَعَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ." انظر: أبو عبد الله عليش المالكي في شرحه: منح الجليل شرح مختصر خليل( 3/146)ط: 1409ه -دار الفكر- بيروت.
وأما الحنفية فقد استثنوا بعض الاصناف في قتال الكفار وهذا دليل أن العلة عندهم في قتال الكفار ليست نفس الكفر فقال الكاساني: " وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يَحِلُّ قَتْلُهُ مِنْ الْكَفَرَةِ وَمَنْ لَا يَحِلُّ، فَنَقُولُ: الْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ الْقِتَالِ، أَوْ حَالَ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ، وَهِيَ مَا بَعْدَ الْأَخْذِ وَالْأَسْرِ، أَمَّا حَالَ الْقِتَالِ فَلَا يَحِلُّ فِيهَا قَتْلُ امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا شَيْخٍ فَانٍ، وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا يَابِسِ الشِّقِّ، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا مَقْطُوعِ الْيَدِ الْيُمْنَى، وَلَا مَعْتُوهٍ، ........إلى أن قال: كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إلَّا إذَا قَاتَلَ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى بِالرَّأْيِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّحْرِيضِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا" الكساني الحنفي، بدائع الصنائع( 7/101)، ط: 1406ه، دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
وقال الجصاص:" فإنه أمر بقتل المشركين إذا ظفرنا بِهِمْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي قِتَالِ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ قَاتَلَنَا مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلُنَا بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ لَا خلاف أن قتل النساء والذراري محظورا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ قَتْلِ أَهْلِ الصَّوَامِعِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ [وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ] الأمر بقتال من قاتلنا ممن هو أَهْلِ الْقِتَالِ دُونَ مَنْ كَفَّ عَنَّا مِنْهُمْ وَكَانَ قَوْلُهُ [وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] نهى عَنْ قِتَالِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْنَا......" أبي بكر الجصاص، أحكام القرآن(1/321)،ط:1405ه، إحياء التراث العربي، بيروت لبنان.
و أما ماذكره الحنابلة :" ولا تقتل امرأة ولاشيخ فان وبذلك قال مالك وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ومجاهد، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى (ولا تعتدوا) يقول تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير، وقال الشافعي في أحد قوليه وابن المنذر يجوز قتل الشيوخ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه يدخل في عموم قوله تعالى (اقتلوا المشركين) ولأنه كافر لا نفع في حياته فيقتل كالشاب ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة) رواه أبو داود، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه أوصى يزيد حين وجهه إلى الشام فقال: لا تقتل امرأة ولا صبياً ولاهرما، وعن عمر رضي الله عنه أنه أوصى سلمة بن قيس فقال لا تقتل امرأة ولا صبياً ولا شيخاً هرماً رواهما سعيد ولأنه ليس من أهل القتال فلا يقتل كالمرأة، وقد أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه العلة في المرأة فقال (ما بالها قتلت وهي لا تقاتل؟) والآية مخصوصة بما روينا ولأنه قد خرج عن عمومها المرأة والشيخ الهرم في معناها....." ابن قدامة المقدسي، الشرح الكبير على متن المقنع( 10/399)،ط: دار الكتاب العربي.ط:؟
وأما ماذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال رحمه الله تعالى:" وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِتَالِ؛ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد." مجموع الفتاوى (28/534)،ط: 1416ه، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية
ويقول كذلك:" وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِيهَا فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النِّسَاءِ فَكَوْنُهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ........." المرجع السابق:(16/80). وتبعه في هذا ابن القيم الجوزية في أحكام أهل الذمة فقال: " وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إِنَّمَا وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْحِرَابِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَلِذَلِكَ لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَلَا الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانُ وَلَا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ بَلْ نُقَاتِلُ مَنْ حَارَبَنَا. وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْأَرْضِ؛ كَانَ يُقَاتِلُ مَنْ حَارَبَهُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِ أَوْ يُهَادِنَهُ أَوْ يَدْخُلَ تَحْتَ قَهْرِهِ بِالْجِزْيَةِ، وَبِهَذَا كَانَ يَأْمُرُ سَرَايَاهُ وَجُيُوشَهُ إِذَا حَارَبُوا أَعْدَاءَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، فَإِذَا تَرَكَ الْكُفَّارُ مُحَارَبَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَسَالَمُوهُمْ وَبَذَلُوا لَهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلِلْمُشْرِكِينَ.
أَمَّا مَصْلَحَةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ قُوَّةً لِلْإِسْلَامِ مَعَ صَغَارِ الْكُفْرِ وَإِذْلَالِهِ، وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ تَرْكِ الْكُفَّارِ بِلَا جِزْيَةٍ." أحكام أهل الذمة (1/110) ط:1418ه، دار رمادي النشر الدمام.
وبارك الله في شيخنا أزهر سنيقرة لبيان هذا الاختيار وبخاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه القتل باسم الإسلام كما يفعل الخوارج في كل بقاع الأرض.
والحمد لله رب العالمين.