منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 Jun 2019, 05:03 PM
وليد ساسان وليد ساسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 77
افتراضي استشكال في موجز البلاغة والجواب عنه

قال الطاهر بن عاشور في كتابه موجز البلاغة:

والبليغ في إتيانه بهذه الأحوال(1) في كلامه يراعي أحوال المخاطبين ومقامات الكلام فلا يأتي بنكتة وخصوصية إلا إذا رأى أن قد اقتضاها حال المخاطب واستدعاها مقام الكلام وبمقدار تفاوت المتكلمين في تنزيلها على مواقعها يتفاوت الكلام في مراتب البلاغة إلى أن يصل إلى حد الإعجاز الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله وهو الذي اختص به القرآن المنزل من حكيم حميد في جميع آياته *وإلى حد قريب منه وهو الذي اختص به نوابغ بلغاء العرب مثل امرئ القيس والنابغة والأعشى وسحبان في أكثر كلامهم.* اه. (2)

*أولا:*

لقد وقعت هذه الكلمة في موجز البلاغة قلقة المعنى من ابن عاشور - رحمه الله- لايزال قلب القارئ يستغربها ولا يستطيع لذلك افصاحا عما يختلجه من إستفهامات واستغربات، ولاسيما إذا كانت صادرة من أحد حاملي ألوية هذا الفن في عصرنا هذا، وقد وجدت هذه الجملة أيام مدرستنا لهذا الكتاب في المدرسة عكاظ شيئا من الاستغراب في رد هذه اللفظة مع إخواني من الطلبة؛ مستشكلين فواتها على من هو أهل أن لا يفوته مثلها، ولذلك أحببت أن اسوق كلاما لعلم من الأعلام في هذا العصر لايقل أهمية عن كاتبنا هذا في هذا الفن وهو أهل لأن يرد وينتقد والقارئ مطمئن النفس والعقل والقلب.

*ثانيا*

وجه الاستشكال: يكمن وجه الاستشكال في كلامه عند قوله:

...حد الإعجاز الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله وهو الذي اختص به القرآن المنزل من حكيم حميد في جميع آياته *وإلى حد قريب منه* وهو الذي اختص به نوابغ بلغاء العرب مثل....... اه

فالكلام المستشكل عند قوله:
*إلى حد قريب منه؛*
حيث جعل كلام النوابغ قريبَ النظم والبلاغة من نظم القرأن وبلاغته !!

*ثالثا:* لايحصل البيان عن هذا الكلام إلا بحصول البيان عن صفة اللغة وصفة القوم الذين تحداهم القرآن على الإتيان بمثله

*صفة القوم الذين تحداهم القرآن وصفة لغتهم:*

قال الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله :

فإذا صح أن (الإعجاز) كائن في رصف القرآن ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين، وأن خصائصه مباينة للمعهود من خصائص كل نظم وبيان تطيقه قوى البشر في بيانهم، لم يكن لتحديهم به معنى إلا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها:

*أولها:* أن اللغة التي نزل بها القرآن معجزاً، قادرة بطبيعتها هي، أن تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين: كلام هو الغاية في البيان فيما تطيقه القوة، وكلام يقطع هذه القوى ببيان ظاهرِ المباينةِ له من كل الوجوه.(3)

*ثانيها:* أن أهلها قادرون على إدراك هذا الحجاز ال بين الكلامين. وهذا إدراك دال على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ومن العلم بأسراره ووجوهه، قدراً وافراً يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن، وأن يطالبهم بالشهادة عند سماعه، أن تاليه عليهم نبي من عند الله مرسل.

*ثالثهما:* أن البيان كان في أنفسهم أجلّ من أن يخونوا الأمانة فيه، أو يجوروا عن الإنصاف في الحكم عليه. فقد قرّعهم وعيّرهم وسفّه أحلامهم وأديانهم، حتى استخرج أقصى الضرورة في عداوتهم له. وظل مع ذلك يتحداهم، فنهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته وكان أبلغ ما قالوه: "قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا" {الأنفال 8 / 31}، ولكنهم كفوا ألسنتهم فلم يقولوا شيئاً؛ هذه واحدة. وأخرى: أنه لم ينصب لهم حكماً، بل خلّى بينهم وبين الحكم على ما يأتون به معارضين له، ثقة بإنصافهم في الحكم على البيان، فهذا التخلية مرتبة من الإنصاف لا تدانيها مرتبة.

*رابعها:* أن الذين اقتدروا على مثل هذه اللغة، وأوتوا هذا القدر من تذوق البيان، ومن العلم بأسراره، ومن الأمانة عليه، ومن ترك الجور في الحكم عليه، يوجب العقل أن يكونوا قد بلغوا في الإعراب عن أنفسهم بألسنتهم المبينة عنهم، مبلغاً لا يُدانى.

وهذه الصفات تفضي بنا إلى التماس ما ينبغي أن تكون عليه صفة كلامهم، إن كان بقي من كلامهم شيء، فالنظر المجرد أيضاً، يوجب أمرين في نعت ما خلفوه:

*الأول:* أن يكون ما بقي من كلامهم، شاهدا على بلوغ لغتهم غاية من التمام والكمال والاستواء، حتى لا تعجزهم الإبانة عن شيء مما يعتلج في صدر كل مبين منهم.

*الثاني:* أن تجتمع فيه ضروب مختلفة من البيان، لا يجزئ أن تكون دالة على سعة لغتهم وتمامها، بل على سجاحتها أيضاً، حتى تلين لكل بيان تطيقه ألسنة البشر على اختلاف ألسنتهم.

فهل بقي من كلامهم شيء يستحق أن يكون شاهداً على هذا ودليلاً. نعم، بقي (الشعر الجاهلي)! اه. (4). (5)

_____________________

(1) يقصد بالاحوال ماذكره قبل ذلك من أبواب هذا العلم من إيجاز وإطناب وغيرها.

(2) موجز البلاغة ص: 10.

(3) قوله ظاهر المباينة: يرد كلام ابن عاشور أن بلاغة النوابغ قريبة الحد من القرآن الكريم بل كلامهم بعيد كل البعد عن بلاغة القرآن إذ لو كان ماذكره ابن عاشور صحيحا لامكن أن يأتي أحد البلغاء الكبار ببيان قوي مباين لكلام العرب في نظمه كما هو كلام النوابغ ثم يدعي أنه من عند الله مستدلا بمخالفته لكلامه وقد استقر أن بعض شعرائهم قد أتى بمعان لم يسبق إليها ونظم مباين في بعض حالاته لبيانهم، ولكنه لم يكن بعيد المباينة إلى الحد الذي يصل به إلى الإعجاز.



(4) مقدمته على الظاهرة القرآنية.

(5) قوله نعم بقي الشعر الجاهلي: في هذه الكلمة يتذفق في نفس القارئ السبب الذي من أجله شن المستشرقون حربهم على الشعر الجاهلي ومدى الخطر الذي حصل بثورتهم على اللسان العربي وأهله.

وكتبه: وليد ساسان.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013