منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 20 Apr 2018, 02:14 PM
أبو سهيل يوسف مرنيز أبو سهيل يوسف مرنيز غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2018
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 43
افتراضي دارُ إلتواء لا دارُ استواء

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
إعلم وفقك اللّٰه لمرضاتهِ أنَّ اللّٰه سبحانه و تعالى لم يخلُقْنَا لنأكل و نشرب و نتكاثر بل خلقنا لنعبدهُ وحدهُ و لا نشرك به شيئًا قال سبحانه : { وَ مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَ الإِنسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ }[1] ، قال الإمام النووي رحمه اللّٰه : " هذَا تصريحٌ بِأنَّهُمْ خُلِقوا للعِبادَةِ ، فحَقَّ عليهمُ الإعتناءُ بما خُلقُوا لهُ و الإعراضُ عن حظوظِ الدُّنيا بالزَّهادَةٍ ، فَإنَّها دارُ نفادٍ لا محلُّ إخلادٍ ، وَ مَركبُ عبورٍ لا منزِلُ حُبورٍ ، و مَشْرَعُ انفصامٍ لا موطنُ دوامٍ ، فلهذا كان الأيقاظُ منْ أهلِها همُ العُبَّادُ ، وَ أعقَلُ النَّاسِ فيها همُ الزُّهَادُ { مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [2] و الآيات في هذا المعنى كثيرةٌ ، و لقد أحسنَ القائِلُ :

إنَّ للّٰهِ عبادًا فُطَنَا
طَلَّقُوا الدُّنْيا و خافوا الفِتَنَا
نظَروا فيها فلَمَّا عَلِموا
أنَّهَا ليستْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعلُوها لُجَّةً و اتَّخَذُوا
صالِحَ الأعمَالِ فيها سُفُنا " [3].
و قد عرَّفَ عَلِيٌ رضي اللّٰهُ عنه الدُّنيا بتعريفٍ بليغٍ فقال : " الدُّنيا دارُ ممَرٍّ ، لا دارُ مقرِّ ، النَّاسُ فيهَا رجلانِ رجلٌ باع نفسَهُ فَأوبَقَهَا ، و رجلٌ باع نفسهُ فأعْتَقَهَا " [4] ، قال اللّٰه تعالى : { وَ مَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَـٰـعُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَ زِينَتُهَا وَ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقَىٰ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [5] ، فعن جابر بن عبد اللّٰهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللَّه عليه و سلَّم مرَّ بالسوقِ، داخلًا من بعضِ العاليةِ، والناسُ كنفتْهُ . فمرَّ بجديٍ أسكَّ ميتٍ فتناولَه فأخذ بأذنِه
ثمَّ قالَ " أيُّكُم يحبُّ أنَّ هذا لهُ بدرهمٍ؟ "
فقالوا : " ما نحبُّ أنَّهُ لنا بشيٍءوما نصنعُ بهِ؟"
قال " أتحبون أنَّهُ لكم؟ "
قالوا: " واللهِ لو كان حيًّا، كان عيبًا فيهِ، لأنَّهُ أسكُّ . فكيف وهو ميتٌ؟ "
فقال " فواللَّهِ للدُّنيا أهونُ على اللَّهِ، من هذا عليكم " [6] .
و رُويَ أنَّ ابنَ السَّمَّاكِ دخل على الرَّشيدٍ يومًا فاسْتسقى ، فأُتِيَ بكُوزٍ ، فلَمَّا أخذَهُ قالَ : " على رسْلِكَ يا أميرَ المُؤْمِنينَ ، لوْ مُنِعْتَ هذه الشَّرْبَةَ بكمْ كُنتَ تشْتَرِيهَا؟ "
قالَ : " بِنِصفِ مُلْكي "
قالَ : " اشرَبْ هَنَّاكَ اللَّهُ "
فلَّمَّا شرِبها قالَ : " أسْألُكَ لَوْ مُنِعْتَ خُروجَها مِنْ بَدَنِكَ ، بماذا كُنت تشتري خرُوجَها؟
قالَ : " بجميعِ مُلكي "
فقالَ : " إنَّ مُلكًا قيمَتُهُ شَرْبةُ ماءٍ لَجديرٌ أنْ لا ينافَس فيه "
قالَ : فبكى هارونُ [7] .
فلنتأمَّل رعاك اللّٰه إلى حال النبي صلى اللَّه عليه و سلَّم مع الدُّنيا فعلينا أن نستحضره مرارًا و تكرارًا فنغيِّرُ من أحوالنا و أعمالنا و أقوالنا فيما يرضي ربنا ، فعن إبن عبَّاس أنَّ رسولَ اللّٰه صلى اللَّه عليه و سلَّم دَخَلَ عليْهِ عُمَرُ و هو عَلَى حصيرٍ قد أثَّرَ في جنْبِهِ فقالَ يا نَبِيَّ اللّٰه لَوْ اتَّخَذُتَ فِرَاشًا أوْثَرَ مِنْ هذا ، فقالَ : " مَالِي وَ لِلدُّنيا مَا مَثَلِي وَ مَثَلُ الدُّنيا إلَّا كَرَاكِبٍ سارَ في يَوْمٍ صائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تحتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهارٍ ثُمَّ رَاحَ وَ تَرَكَهَا " [8] ، فتأمل حسن هذا المثال و مطابقته للواقع سواء فإنَّها في خضرتها كشجرة سرعو انقضائها و قبضها شيئا فشيئا كالظل و العبد مسافر إلى ربه ، و المسافر إذا رأى شجرة في يوم صائف لا يحسن به أن يبنى تحتهع دارًا و لا يتخذها قرارًا بل يستظل بها بقدر الحاجة و متى زاد على ذلك انقطع عن الرفاق [9] .
أخي في اللّٰه ، الدنيا كلها قليل ، و الَّذي بقي منها قليل ، و الَّذي لك من الباقي قليل ، و لم يبق من قليلك إلَّا قليل ، و قد أصبحت في دار العزاء ، و غدًا تصير إلى دار الجزاء ، فاشتر نفسك لعلَّك تنجو [10] .
أخي في اللّٰه ، الدنيا غرارة ، غدّارة خدّاعة مكّارة ، تظن مقيمة و هي سيارة ، و مصالحة و قد شنت الغارة [11] .
أخي في اللّٰه أليس من أكثر أسباب همومنا هذه الدُّنيا؟!
فهذه بعض حقيقتها قد سقتها لك و أوصافها سردتها لك ، و بعض مفاتنها قرَّبتُها لك ، فهل تستحق ذلك؟
أجبْ نفسك و راجع حساباتك.

و آخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الذاريات الآية 56.
[2] سورة يونس الآية 24.
[3] رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين صفحة 40.
[4] الآداب الشرعية و المنح المرعية (334/1).
[5] سورة القصص الآية 60.
[6] رواه مسلم تحت رقم 2957.
[7] تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير و الأعلام (1030/4).
[8] رواه أحمد تحت رقم 2745 و صححَّه الألبانيّ في السلسلة الصحيحة تحت رقم 439.
[9] عدة الصابرين و ذخيرة الشاكرين صفحة 197.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013