ذكر الحافظ ابن كثير في كتاب البداية والنهاية/الجزء الثاني عشر/ثم دخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة
احتيط ببغداد على شاعر ينشد للروافض أشعارا في ثلب الصحابة وسبهم، وتهجين من يحبهم، فعقد له مجلس بأمر الخليفة ثم استنطق فإذا هو رافضي خبيث داعية إليه، فأفتى الفقهاء بقطع لسانه ويديه، ففعل به ذلك.
ثم اختطفته العامة فما زالوا يرمونه بالآجر حتى ألقى نفسه في دجلة فاستخرجوه منها فقتلوه حتى مات، فأخذوا شريطا وربطوه في رجله وجروه على وجهه حتى طافوا به البلد وجميع الأسواق، ثم ألقوه في بعض الأتونة مع الآجر والكلس، وعجز الشرط عن تخليصه منهم.
فرق ما بين أهل السنة وغيرهم أنهم أتباع وحي وأنهم وقَّافون عند حدود الشَّرع، فالذي يحبه أهل الإيمان ويفرحون به هو ما طابق شرع الله تعالى، ومن ذلك ما أفتى به فقهاء بغداد في ذاك البعيد الطريد.
أمَّا ما وراءه من جرِّه ورجمه والتَّنكيل به فقد نسبه الحافظ ابن كثير رحمه الله إلى العامَّة، والعهدُ بما يُنسب إليهم فلفساده وعدم جريانه على وفق الشرع، فلا يصلح للمؤمن المتبع أن يتمنى ذلك ويطلب تكراره، بل نأمل ما يطابق الشرع وهو أن يقيِّض الله لأهل الإسلام في كل زمنٍ ولاة أمور يجمعون الفقهاء للإفتاء في سبَبَة الأصحاب رضي الله عنهم.
نعم، إذا فعل رجل شيئا بمقتضى الغيرة الدينية والحميَّة الشرعية فإنه لا يذمُّ ولا يعاقب كما أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ على قوله: "لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسَّيف غير مصفح"، فمع أن الشرع بخلاف ذلك لكن حملته الغيرة عليه فهو فيه معذور، أي لا إثم عليه في قتله إن كان صادقا، ومع ذلك فعليه أن يقيم الشهود أو يقتصُّ منه للمقتول.
وعلى هذا، فالعامة فيما فعلوه في القصَّة المذكورة أو ما فعلوه بشحاتة المصري معذورون لا يذمون ولا يعاقبون، لكن يعلم أن ذلك بخلاف الشرع، إذ الحد والعقوبة إنما هي لولي الأمر دون العامَّة، والله أعلم.