منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 11 Jun 2012, 10:57 PM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي محبة العبد لله عزوجل والرد على المعطلة النفاة

بسم الله الرحمن الرحيم

محبة العبد لله – عزوجل – في الكتاب والسنة, والرد على المعطلة النفاة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن سار على طريقتهم, واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فإن عبادة الله عزوجل وحده لا شريك له, هي الغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس, وأرسلت من أجلها الرسل, وأنزلت بها الكتب, وهي أول دعوة الأنبياء والمرسلين, وأول منازل الطريق, وأول مقام يقوم فيه السالك إلى رب العالمين.
قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلاَّ ليعبدون) (الذاريات: 56)؛ والمعنى: إلاَّ لآمرهم بعبادتي أو للعبادة, وأبتليهم بالتكاليف ثمَّ أجازيهم على أعمالهم, إن خيراً فخير, وإن شراً فشر(تفسير الطبري (22/444), والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/55), وتفسير البغوي (7/380), وتفسير ابن كثير (7/425), وأضواء البيان للشنقيطي (24/21) ). وهذا المعنى هو المأثور عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه( معالم التنزيل للبغوي (7/380), والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/55).), وهو المروي عن مجاهد بالإسناد الثابت( مجموع الفتاوى (8/52)), والمروي كذلك عن الإمام الشافعي( السنن الكبرى للإمام البيهقي (9/3) برقم (18164).), وغيره من السلف، وهو اختيار الزَّجَّاج(معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزَّجَّاج (5/58) ).

قال ابن تيمية – رحمه الله -: «فهذا المعنى هو الذي قصد بالآية قطعاً, وهو الذي تفهمه جماهير المسلمين, ويحتجون بالآية عليه, ويعترفون بأن الله خلقهم ليعبدوه, لا ليضعوا حقه»( مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/51- 53)).
ويدل على هذا المعنى قوله تعالى:(وما أمروا إلاَّ ليعبدوا إله واحداً)( التوبة:31). وقوله تعالى:(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة:5 ), وممَّا يفسر ذلك ويوضحه أيضاً آيات محكمات من كتاب الله العزيز – وخير ما يفسر به القرآنُ القرآنَ – منها: قوله تعالى:(وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) سورة هود: 7 ), وقوله تعالى:(إنَّا جعلنا ما على الأرض زينة لنبلوهم أيهم أحسن عملا) ( سورة الكهف الآية:7), وقوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) ( الملك:2 ).

فهذه الآيات المحكمات قد أوضحت أن الحكمة في خلقه السموات والأرض, وجميع ما على الأرض, والموت والحياة, هي أن يدعوهم لعبادته على ألسنة رسله, ويبتليهم أيهم أحسن عملا, ولا يكون العمل حسنا إلاَّ إذا كان خالصاً لوجهه الكريم, موافقاً لشرعه الحكيم فتصريحه بذلك – جلا وعلا – يفسِّر آية الذاريات( : أضواء البيان للعلامة الشنقيطي (28/151, 54/21)).

معنى «الإله» في اللغة والشرع:
و«الإله»: في كلام العرب هو «المعبود» سواءً عبد بحق, أو باطل, وكان حق هذا الاسم أن لا يُجمع؛ إذ لا معبود يستحق العبادة سوى الله عزوجل, لكن العرب لاعتقادهم أن هاهنا معبودات جمعوه فقالوا: «الآلهة», وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم لا ما عليه الشيء في نفسه (المفردات في غريب القرآن للراغب (ص 21), والصحاح للجوهري (6/2224).


إلا أن المعنى الشرعي للفظ (الإله) هو:
المعبود بحق, أي المستحق للعبادة, وهو الله سبحانه وتعالى, فلا إله غيره, ولا معبود بحق سواه, قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين»(جامع البيان للطبري (1/41). ).
وقال الإمام أبو إسحاق الزَّجَّاج: «ومعنى قولنا «إله»: إنما هو الذي يستحق العبادة وهو تعالى المستحق لها دون ما سواه»( تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق الزَّجَّاج (ص 26)).
وقال الإمام ابن جرير الطبري: «فالإله: هو المعبود وهو الله سبحانه وتعالى, وهو على وزن فعال بمعنى مفعول, مثل كتاب بمعنى مكتوب, وبساط بمعنى مبسوط, فالإله إذن على ما روي عن ابن عباس: هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق»( تفسير الطبري (1/41), وانظر: تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحق الزَّجَّاج (1/26), واشتقاق أسماء الله لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزَّجَّاجي (ص 30).).

و«الإله»: هو المعبود محبة وتعظيماً, وخوفاً ورجاءً, قال ابن تيمية: «والإله: هو المألوه الذي تألهه القلوب, وكونه يستحق الإلهية مستلزماً لصفات الكمال, فلا يستحق أن يكون معبوداً محبوباً لذاته إلاَّ هو»(اقتضاء الصراط المستقيم (2/855) ).

و«توحيد الألوهية»: هو إفراد الله عزوجل بالعبادة, مع كمال المحبة له, والخوف والرجاء, والتوكل عليه سبحانه وتعالى, وغير ذلك من أفراد العبادة, وكونه يستحق الإلهية مستلزماً لصفات الكمال, فلا يستحق أن يكون محبوباً لذاته إلاَّ هو, وعبادة غيره, وحُبُّ غيره يوجب الفساد كما قال تعالى:(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)( سورة الأنبياء: 22 ).

معنى «المحبة», والأدلة عليها من القرآن والسنة:
«المحبة» – كما ذكر ابن قيِّم الجوزية -: لا تحد بحدٍّ أوضح منها, فالحدود لا تزيدها إلاَّ خفاءً, وجفاءً, فحدُّها: وجودها, ولا توصف المحبة بوصف أظهر من «المحبة», والناس إنما يتكلمون في أسبابها, وموجباتها, وعلاماتها, وشواهدها, وثمراتها, وأحكامها, فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة, وتنوعت بهم العبارات, وكثرت الإشارات, بحسب إدراك الشخص, ومقامه, وحاله, وملكه للعبارة( مدارج السالكين لابن القيِّم (3/10).) .

و«المحبة» هي الركن الأساسي من أركان العبادة, وهي أصل كل عمل وإرادة, فممَّا هو معلوم لدى العقلاء أن كل حيّ فله إرادة وعمل بحسبه, وكل متحرك فأصل حركته المحبة والإرادة, ولا صلاح للموجودات إلاَّ أن يكون كمال محبتها وحركتها لله تعالى, كما لا وجود لها إلاَّ بأن يبدعها الله( قاعدة في المحبة لابن تيمية (ص 75)).

وقد تضافرت النصوص القرآنية, والأحاديث النبوية في إثبات محبة الله – عزوجل – لعباده, وكونه كذلك محبوباً من العباد, وقد جمعهما الله في قوله تعالى:(يحبهم ويحبونه)( المائدة:54), وقال في محبته لعباده المؤمنين:(وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)( البقرة:195), وقال أيضاً:(إن الله يحب المقسطين) ( المائدة الآية:42), وقال في محبة المؤمنين لربهم: (والذين ءامنوا أشد حبا لله) (البقرة:165 ), إلى غير ذلك من الآيات الكثيرات.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحبُّ فلاناً فأحبَّه فيُحبُّه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يُحبُّ فلاناً فأحبُّوه فيُحبُّه أهل السماء ثمَّ يوضع له القبول في الأرض»( متفق عليه: أخرجه البخاري (4/111) برقم (3209), ومسلم (4/2030) برقم (2637) ), وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحبُّ العبد التَّقيَّ الغنيَّ الخفيَّ»( أخرجه مسلم (4/2277) برقم (2965).).
وقوله أيضاً: «ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان – وذكر منها -: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممَّا سواهما»(متفق عليه: أخرجه البخاري – واللفظ له – (1/12) برقم (16), ومسلم (1/66) برقم (43). ), والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.

موقف النفاة المعطلة من محبة العباد لله – عزوجل -, وشبهتهم في ذلك:
إن طوائف كثيرة من المتكلمين المنكرين أن يكون الله يُحِبُّ شيئاً محبة حقيقيةً: أنكروا كونه كذلك محبوباً من العباد, فأوَّلوا محبة الله لعباده بـ: إرادة إحسانه, أو إرادة ثوابه, أو غير ذلك, وأوَّلوا محبة العباد لربهم : بإرادة التقرب له, أو إرادة العبادة له, أو هي مجرد محبة طاعته والتقرب إليه, ونحو ذلك.

قال الرازي – إمام المتكلمين والفلاسفة -: «فقال جمهور المتكلمين: إن المحبة نوعٌ من أنواع الإرادة, والإرادة لا تعلق لها إلاَّ بالجائزات, فيستحيل تعلق المحبة بذات الله تعالى وصفاته, فإذا قلنا: نحب الله: فمعناه: نحب طاعة الله وخدمته, أو نحب ثوابه وإحسانه»(تفسير الرازي (4/227) ).
وقال في موضعٍ آخر: «والمراد من محبة الله تعالى له: إعطاؤه الثواب, ومن غفران الذنوب: إزالة العقاب, وهذا غاية ما يطلبه كل عاقل»(تفسير الرازي (8/20).).

وقال ناصر الدين البيضاوي - المتكلم -: «ومحبة العبد لله تعالى: إرادة طاعته, والاعتناء بتحصيل مراضيه.
ومحبة الله للعبد: إرادة إكرامه, واستعماله في الطاعة, وصونه عن المعاصي»( حاشية القُونوي الحنفي على تفسير البيضاوي (4/411)).

ومنشأ الغلط عند هؤلاء الموافقين للجهمية والمعتزلة( أشار إليه ابن تيمية في النبوات (1/285).): أنهم فسَّروا «الإلهية»: بالقدرة على الاختراع, و«الإله»: هو الخالق, أو القادر على الاختراع, وأن العباد يألههم الله: بمعنى يخلقهم, لا أنهم هم يألهون الله, وقد تقدم بيان معنى «الإله» في اللغة والشرع, مما يبطل هذا المعنى ويرده.

وشبهة هؤلاء القوم أنهم قالوا: أن حقيقة المحبة, إنما تكون مع الجنس والمثال؛ أي أنها إنما تكون بين الجنسين المتماثلين, كما تكون بين المخلوق والمخلوق, أمَّا بين الخالق والمخلوق فيمتنع ذلك؛ لأنه لا مناسبة بين الخالق والمخلوق, وهذه أصل شبهة الجهمية: فإنهم أنكروا حقيقة المحبة بين الطرفين, زعماً منهم: أن المحبة لا تكون إلاَّ لمناسبة؛ فالمحبة تقتضي المناسبة بين المُحِب والمَحبوب, وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة, فهي إذاً منتفية(انظر: مجموع الفتوى لابن تيمية (10/66), والنبوات له (1/351), ومنهاج السنة له (5/400) ).

وهذا القول هو في الأصل من أقوال الجهمية المعطلة الأوائل, وتبعهم على ذلك طوائف من متكلمي المعتزلة, والأشاعرة, وغيرهم, قال ابن تيمية: «وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة من الطرفين, زعماً منهم أن المحبة لا تكون إلاَّ لمناسبة بين المحب والمحبوب, وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة, وكان أول من ابتدع هذا في الإسلام هو الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية, فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق, والمشرق بواسط»( مجموع الفتاوى (10/66)).

ومذهبهم هذا باطل شرعاً وعقلاً, وذلك من عدة أوجه:
- أحدها: أن هذا القول الذي ذهب إليه هؤلاء فيه مخالفة صريحة لنصوص القرآن والسنة, ولما اتفق عليه سلف الأمة, بل ولما عليه جمهور المسلمين, وهذا الوجه وحده كافٍ في إبطال قولهم وردِّه.
- الثاني: من غلط هؤلاء الذين فسَّروا محبة العباد له بمجرد محبتهم لطاعته, أو التقرب إليه, أنهم لم يفقهوا قولهم هذا؛ لأن «محبة المتقرِّب إلى المتقرَّب إليه تابع لمحبته وفرعٌ عليه, فمن لا يحب الشيء لا يمكن أن يحب التقرب إليه؛ إذ التقرب وسيلة, ومحبة الوسيلة تبعٌ لمحبة المقصود, فيمتنع أن تكون الوسيلة إلى الشيء المحبوب هي المحبوب دون الشيء المقصود بالوسيلة»(مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/69) ).

قال أبو حامد الغزالي – وهو من أئمة القوم – منكراً على أصحابه: «وأمَّا محبة الله تعالى فقد عزَّ الإيمان بها, حتَّى أنكر بعض العلماء إمكانها وقال: لا معنى لها إلاَّ المواظبة على طاعة الله تعالى, وأمَّا حقيقة المحبة فمحال إلاَّ مع الجنس والمثال, ولمَّا أنكروا المحبة أنكروا الأُنس, والشوق, ولذة المناجاة, وسائر لوازم الحب وتوابعه ولا بد من كشف الغطاء عن هذا الأمر, ونحن نذكر في هذا الكتاب: بيان شواهد الشرع في المحبة..- إلى أن قال -: اعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فرض, وكيف يفرض ما لا وجود له, وكيف يفسَّر الحب بالطاعة, والطاعة تبع الحب وثمرته فلا بد وأن يتقدم الحب, ثمَّ بعد ذلك نطيع من أحب»( إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (14/2570)).

وأما الجواب عن شبهة المناسبة:
- الثالث: وهو أن يقال لهم( انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (15/73, 74), والنبوات له (1/351), ومنهاج السنة له (5/400).) : هذا كلام مجمل, أتعنون بالمناسبة: الولادة؟ أي أنه ليس بينهما توالد, فهذا حق, فالله – عزوجل – لا يخرج منه شيء, ولم يخرج منه شيء, ولا له مثل, ولا له نظير, فلم يلد, ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد, لكن لا يُسلَّم لهم أن المحبة لا بدَّ فيها من هذا, وكذلك إن أرادوا أنه ليس بينهما من المناسبة ما بين الناكح والمنكوح, والآكل والمأكول؛ أو نحو ذلك ممَّا يجب تنزيه الرب عنه, فهذا أيضاً حق.
وإن أرادوا: أنه لا مناسبة بينهما توجب أن يكون أحدهما مُحبًّا عابداً, والآخر معبوداً محبوباً, وأرادوا بالمناسبة: أن يكون المحبوب متَّصفاً بمعنى يُحبه المحِب, فهذا لا زم المحبة, والرب متصفٌ بكلِّ صفةٍ تُحب, وكل ما يٌحب فإنما هو منه, فهو أحق بالمحبة من كلِّ محبوب, فالاحتجاج بذلك إذاً مصادرة على المطلوب, ويكفي في ذلك المنع.
وإذا كان الإنسان يُحب الملائكة, وهم من غير جنسه, لما اتصفوا به من الصفات الحميدة, فالسُّبُّوح القُدُّوس رب الملائكة والروح, الذي كل ما اتصف به الملائكة وغيرهم, فهو من جوده, وإحسانه, وهو العزيز الرحيم, فمحبته من باب أولى, بل هي واجبة وجوباً عينياً على كل مسلم, وهي متقدمة على كل محبة.
فكل ما فطرت القلوب على محبته من نعوت الكمال, فالله هو المستحق له على الكمال, وكل ما في غيره من محبوب فهو منه سبحانه وتعالى, فهو المستحق لأن يُحب على الحقيقة والكمال.

- الرابع: أن هذا القول الذي ذهب إليه هؤلاء يلزم عليه لوازم باطلة منها:

- إنكارهم لكونه إلهاً معبوداً, ومُطمأنًّا بذكره؛ فإن الإله – كما ذكر سابقاً -: هو المألوه الذي يستحق أن يُؤله ويُعبد, والتَّأله والتعبُّد: يتضمن غاية الحب بغاية الذلِّ, لأنه لا شيء يُستحق أن يحب لذاته محبة مطلقة إلاَّ الله وحده, وهذا من معنى كونه معبوداً؛ فحيث جاء القرآن بالأمر بالعبادة, والثناء على أهلها, أو على المنيبين إلى الله, والتَّوابين إليه, أو المطمئنِّين بذكره, أو المحبين له, ونحو ذلك, فهذا كله يتضمن محبته, وما لا يُحبُّ يمتنع كونه على الأوصاف المذكورة سابقاً, وكما أن إنكار محبته لعبده يستلزم إنكار مشيئته, وهو يستلزم إنكار كونه ربًّا خالقاً, فصار إنكارها مستلزماً لإنكار كونه رب العالمين, ولكونه إله العالمين, وهذا قول أهل التعطيل والجحود( النبوات لابن تيمية (1/284, 338), ومجموع الفتاوى له (10/73) ).

- ويلزم عليه إنكار التلذذ بالنظر إلى وجه الرب – عزوجل – يوم القيامة في الجنة, بل قد صرح به بعض أئمتهم, كأبي المعالي الجويني؛ حيث ذكر: أن المؤمنين إذا رأوه لم يلتذوا بنفس النظر, بل يخلق لهم لذَّة ببعض المخلوقات مع النظر, وادَّعى الجويني أن إنكار محبته من أسرار التوحيد, وهو من أسرار توحيد الجهمية المعطلة المبدِّلة, وحُكي عن «ابن عقيل» أنه سمع رجلاً يقول: «أسألك لذَّة النظر إلى وجهك الكريم»(وهذا الرجل الذي على الفطرة اقتدى بدعائه هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم, كما جاء في الحديث الذي رواه عمار بن يسار صلى الله عليه وسلم, وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «وأسألك لذة النظر إلى وجهك, والشوق إلى لقائك» الحديث, وقد أخرجه النسائي في سننه (3/54) برقم (1305). قال عنه الألباني: صحيح. ) , فقال له: هب أنَّ له وجهاً( هذا تعريض منه بإنكار صفة «الوجه» للرب- عزوجل -, ) , أله وجهٌ يُلتذَّ بالنظر إليه؟!, وهذا بناءً على هذا الأصل, وهو إنكار أن يكون الله محبوباً( انظر: النبوات لابن تيمية (1/341- 342)).

فقد ظهر مما سبق تقريره, إنكار هؤلاء المتكلمين لمحبة العباد لله – عزوجل – وهو في الحقيقة قطعٌ للطريق, وصدٌّ للناس عن عبادة الله وحده لا شريك له(ويشبه ذلك أيضاً: إنكارهم لنزول الرب – عزوجل – في الثلث الأخير, وهو في الحقيقة صدٌّ للناس عن الاستغفار, والسؤال, والدعاء, كما ورد ذلك في الحديث المشهور ) , فقطَّاع الطرق الذين يتربصون بالناس في طرقهم, ويسلبون منهم متاعهم وأموالهم, هم في الحقيقة أهون من هؤلاء, وأخف ضررا؛ وذلك أن أولئك سلبوا أغلى ما يملكه الإنسان في هذه الحياة الدنيا, وهو الأنس والطمأنينة, والتلذذ بطاعة الله – عزوجل – ومحبته والإنابة إليه, ونحو ذلك من أنواع العبادات, ممَّا يفوت على المرء ويحرمه الخير الكثير في الدنيا وفي الآخرة.

وأمَّا قطاع الطرق الذين يسرقون متاع الناس, فضررهم قاصر على أمور الدنيا فقط, ومن فاته شيء منها عوضه الله خيراً ممَّا فاته في هذه الدنيا, أو في الآخرة, ففوات الأمور الدنيوية ليس هو بأعظم من فوات الدين – والله المستعان -.
فهذه اللوازم الباطلة مما تدل على بطلان هذا القول وفساده.

فهذا آخر ما أردت جمعه في هذا الموضوع, والكلام على المحبة متشعب, وهذا جانب واحد من جوانبها, فنسأل الله – عزوجل – أن يوفقنا لعبادته, وأن يرزقنا محبته, ومحبة رسول صلى الله عليه وسلم, ومحبة الأعمال التي تقربنا إليه, كما نسأله لذة النظر إلى وجهه الكريم في دار كرامته, إنه سميع مجيب الدعوات.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد العزيز بوفلجة ; 12 Jun 2012 الساعة 12:26 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 Jun 2012, 07:38 PM
عبد الصمد بن أحمد السلمي عبد الصمد بن أحمد السلمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: في بلد ممتدة أرجاؤه...وطيب هواءه وماؤه
المشاركات: 351
افتراضي

مقال طيب، كطيبة عقيدة السلف الصالح

بارك الله في أخي بوفلجة وجزاه الله خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 Jun 2012, 01:19 AM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي

جزانا الله وإياك أخي الفاضل عبد الصمد, ونفعنا الله بما نكتب ونسمع.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, محبةالله, توحيد, عقيدة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013