منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 08 Mar 2011, 01:47 AM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر MSN إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Yahoo إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى سفيان الجزائري
افتراضي بيان تحريم الانتخابات وحكم انتخاب الأصلح في المدلهمات مناقشة مع ...

بيان تحريم الانتخابات وحكم انتخاب الأصلح في المدلهمات
مناقشة مع عبد الحميد الحجوري


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن اتبع هداه،
أما بعد، فقد أوقفني بعض إخواني على فتوى لأبي محمد عبدالحميد الحجوري منشورة على موقعه بعنوان: "البيان في حكم الانتخابات والرد على محمد حسان وأبي عبد الأعلى خالد بن عثمان المصريان"، أجاب فيها على السؤال التالي:
السؤال: ظهرت فتوى لمحمد حسان يدعوا السلفيين للمشاركة في الانتخابات والبرلمانات، وأيضًا هنالك مادة صوتية لأبي عبد الأعلى خالد بن عثمان المصري، سئل: هل يجوز للمواطنين أن ينتخبوا من يرون فيه الصلاح والخير؟ فأجاب: نعم. وفي محتوى الإجابة أنه إذا وجد من يظن فيه الصلاح والخير فلا بأس أن يُعينوه وأن ينتخبوه معلِّلاً بذلك أن هذه صارت طريقة مفروضة وليست باختيارنا، ومعلِّلا ذلك أن اختيار الأصلح من باب تقليل الشر وتكثير الخير، فما قولكم بارك الله فيكم في هذه الفتوى؟
فأجاب الحجوري بمقدمة جيدة بيَّن من خلالها تحريم الانتخابات ومفاسدها، والتي نوافقه عليها كلَّها، ثم تعرَّض لكلام محمد حسان، ونقده نقدًا جيدًا، ثم قال:
" وأما أبو عبد الأعلى خالد بن عثمان المصري: كما أشرتم في سؤالكم فهذا القول منه ليس بقول السلف ولا يوافق عليه بل يجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذه الفتوى...
وقوله: فلا بأس أن يعينوه وأن ينتخبوه، من أين له هذا "فلا بأس" مع ما تقدم من الأدلة ومع ما تقدم من المفاسد التي الواحدة منها كفيلة بتحريم الانتخابات ثم يأتي ويفتي بهذه الفتوى ويقول من باب تخفيف الشر ومن باب تكثير الخير، أي خير في الانتخابات؟ أي خير في الانتخابات؟ {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}[النور: ٦٣] فتنة في الدين والله، الذي يفتي بالانتخابات ويرضى بالانتخابات نخشى عليه من فتنة في دينه فتنة في استقامته".
قلت: كلُّ من يسمع هذا الكلام يظن أن أبا عبد الأعلى جوَّز في كلامه أصل الانتخابات ودعا الناس إلى المشاركة فيها ترشيحًا وانتخابًا رضًا بها وإقرارًا لها، وهذا ما لم يرد في كلامي ولا يُفهم منه بحال من الأحوال.
فكان المتعين على الأخ الحجوري أن يحرِّر الموضع المنتقد من كلامي وأن لا يخيل للسامع أني أقول بجواز الانتخابات، مِمَّا فيه شين للمردود عليه، والله سبحانه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
وكان من الأمانة الواجبة على السائل أن ينقل كلامي كاملاً لا مبتورًا؛ حتى تستقيم للمسئول إجابته دون إجحاف، فمن الكلام المبتور قولي:"فكما بيَّن العلماء أن هذه الانتخابات الأصل فيها أنها لا تجوز".
فلماذا يظهرني الحجوري بمظهر القائل بجواز الانتخابات الداعي إليها، ويدعوني إلى التوبة من هذا؟!
والعجيب أني قد سلمت بيدي إلى عبد الحميد الحجوري في زيارته العلاجية لمصر منذ حوالي ثلاث سنوات بحثًا لي بعنوان: "إحقاق الحق وإبطال الباطل بين الشيخ محمود عامر ومخالفيه"، بيَّنت من خلاله تحريم الانتخابات وعدَّدت مفاسدها، وردَّدت على شبهات القائلين بجوازها، فهو يعلم موقفي منها قديمًا، فلِمَ أخفى هذا ولم يبينه؟! والأدهى والأمر أنه حشرني في سياق واحد مع محمد حسَّان، وشتان شتان بين كلامي وكلام محمد بن حسان، لمن أنصف وخشي من حساب ربنا الرحمن.
وهذا هو موضع الشاهد من هذا البحث، حيث
قلت:
" بالنسبة لمسألة الانتخابات، فقد صرَّح لي الشيخ محمود في مكالمةأخيرة أنه يرى أن أصل الانتخابات القائمة على اختيار الأغلبية وعلى التعددية الحزبية لا يجوز، ولكن في مقاله الأخير كلامًا ظاهره يخالف هذا حيث قال حفظه اللهفي مقال "الانتخابات والبرلمانات": "أما إذا كان ولي الأمر أراد بالانتخابات أن يختار الشعب من ينوب عنه لمراقبة الوزراء وتقييم أدائهم لأن الناس تعايش مشاكلها بنفسها وتستطيع أن تنقل السلبيات وتعبر عنها مما يجعل ولي الأمر على دراية بمدى جدية وزرائه في تخفيف متاعب الناس فأعتقد أنه لا حرج في ذلك ولا يوجد دليل على المنع".
أقول: نعم لا حرج أن يكلف ولي الأمر طائفة من النواب يغلب على ظنه قربهم من أحوال الناس لمتابعة مشاكلهم، إنما الحرج في أن يتم اختيار هؤلاء النواب عن طريق الانتخابات الشعبية، فإن هذا ممنوع شرعًا لعدة أدلة، وهذه الصورة لا تختلف كثيرًاعن سابقتها التي رجحتم عدم جوازها حيث قلتم حفظكم الله-: "إذا كان القصد من الانتخابات دخول عموم الناس على اختلاف مشاربهم العلمية والدينية والثقافية يستويفي ذلك العالم والجاهل ليشرعوا للناس تشريعات لما يستجد من أحداث فهذا فيه نظر ولايجوز".
قلت: وكذلك قيام عامة الناس باختيار أناس ينوبون عنهم فيه العلة نفسها حيث إن الغالب من حال العامة الذين فيهم الجاهل والمنتفع ورعاع الناس لا يحسنون اختيارمَن يصلح لتولي أمورهم، فيصير أمر الناس في أيدي طائفة من المنتفعين الذين تختلف مشاربهم ما بين جاهل ومتعالم..إلخ.
ويفهم من كلامكم السابق أنكم ترون جواز أصل الانتخابات القائم على أن يقوم الشعب باختيار ولاة أمره، أو على اختيار نوابه، وهذا ممنوع شرعًا للأدلة التالية:
أولاً: نهى الشرع عن طلب الإمارة أو السعي إليها،فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري قال: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلان مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ: فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ".
وأخرج الشيخان أيضًا من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ ، فَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا".
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة،فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ".وبلا شك الدخول في الانتخابات هو مبني على طلب الإمارة والسعي إليها.
ثانيًا: الانتخابات بدعة غربية وأصل حزبي، فكما أن المظاهرات بدعة غربية في الإنكار على الولاة، كذلك الانتخابات بدعة غربية في اختيارالولاة.
وقد أخرج الشيخان من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْسَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، قَالَ : فَمَنْ".
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم".
فبلا شك هذه الانتخابات هي من سنن اليهود والنصارى، والأخذ بها تشبه بهم في تحقيق فريضة إقامة الأمير، ناهيك عما يقترن بها من مفاسد عظيمة.
وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
فإن ثبت أن الانتخابات هي وسيلة محدثة أحدثها اليهود والنصارى في أنظمتهم الكافرة، فلا يجوز أن نتقرب إلى الله سبحانه بوسيلة دعوية محدثة مبنية على أصل اعتقادي فاسد، وعلى أمور محرمة كما سيلي.
ثالثًا:الانتخابات بأنواعها هي قرينة النظام الديموقراطي الكافر المبني على قاعدة "حكم الشعب بالشعب"، أو حكم الأغلبية، وهي بلا شك قاعدة باطلة مناقضة للشرع بل مناقضة لأصل الدين وهو التوحيد، حيث إن الحكم في الإسلام هو لله وحده، وليس للشعب أو للأغلبية، واختيار الحاكم يكون بالسبل الشرعية نحو التنصيص، أو اختيار أهل الحل والعقد، أو العهد، وكذلك اختيار من دون الحاكم من الوزراء والنواب والعمال يكون بإذن الإمام أو من يوكله لا باختيار الأغلبية.
فإن مبدأ اختيار الأغلبية سواء للحاكم أو للنواب مبني على أن الحكم للشعب، وهذا باطل.
رابعًا: الانتخابات فيها تزكية للنفس، حيث إن الناخب يجب عليه أن يظهر محاسنه أمام ناخبيه حتى يختاروه،والله سبحانه يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِاللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:49]، وقال سبحانه: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:32].
خامسًا: يصحب الانتخابات التمادح بالباطل من أجل تحسين صورة الناخب في أعين الناخبين.
سادسًا: لا تخلو الانتخابات من الرشاوى وأكل الأموال بالباطل وإهدار الأوقات فيما لا نفع فيه.
سابعًا: إنفاق الأموال الباهظة على تعليق اللافتات وتوزيع الهدايا على الناخبين، وهذا من الإسراف والتبذير.
ثامنًا: قيام الناخبين بإظهار التعظيم للنعرات الجاهلية من ديموقراطية واشتراكية وقومية ووطنية.
تاسعًا: انتشار الأخلاق المذمومة بين المتنافسين على المقعد البرلماني أو المحلي من غل وحقد وتحاسد وتباغض وتدابر وتجسس وتنافس على الدنيا وكذب ومداهنة وظن سيئ، وهذه الأمور محرمة شرعًا بالنصوص المحكمة.
وأما احتجاج البعض على مشروعية الانتخابات بقصة عبد الرحمن بن عوف في اختيار عثمان رضي الله عنه، وما قيل من أنه استشار الرعية حتى النساء وصبيان الكتاتيب في اختياره، فإليكم تحقيق صحة هذه القصة:
أخرج البخاري في كتاب "فضائل الصحابة": باب: قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه وفيه مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (ح3700) من حديث عمرو بن ميمون، وفيه ذكر قصة مقتل عمر رضي الله عنه ثم قصة تولية عثمان، وموضع الشاهد منه: " فَقَالُوا أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ قَالَ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَعَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَلَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ...".
"...فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن:ِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالَا نَعَمْ فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَ افَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ".
قلت: فرواية البخاري صريحة في أن عبد الرحمن بن عوف شاور الستة الذين جعل عمر الأمر فيهم، وليس فيها أن ابن عوف رضي الله عنه استشار عامة المسلمين حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن، وحتى سأل الولدان في المكاتب، والركبان والأعراب في مدة ثلاثة أيام ولياليهن، فلم يجدأ حدًا يعدل بعثمان، كما في الرواية المعلقة التي أوردها ابن كثير في البداية والنهاية (7/164) بدون إسناد.
وأخرج اللاكائي في شرح أصول الاعتقاد (2552) من طريق محمد بن عمر عن أفلح بن سعيد بن كعب قال: قال عبد الرحمن بن عوف: "والله ما بايعت لعثمان حتى سألت صبيان الكتاب فقالوا: عثمان خير من علي".
وعلَّق هذه الرواية يحيى بن أبي الخير العمراني في كتابه "الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار" (2/882) فقال: فروى سعيد بن كعب والليث بن سعد عن عبد الرحمن أنه قال: "والله ما بايعت عثمان حتى شاورت كل أحد حتى صبيان الكتاب فكل يقول عثمان".
قلت: الظاهر أنه حدث سقط في نسخة اللالكائي، وكذا نسخة كتاب الانتصار،فليس هناك من الرواة من اسمه " أفلح بن سعيد بن كعب"، ولا "سعيد بن كعب"، إنما هناك أفلح بن سعيد القُباني يروي عن محمد بن كعب، فالظاهر أن صيغة التحديث واسم محمد قد سقطا من نسخة اللاكائي، والصواب: "أفلح بن سعيد (حدثنا أو أخبرنا أو عن) (محمد) بن كعب".
وأفلح بن سعيد صدوق لا بأس به، والراوي عنه هنا هو محمد بن عمر الواقدي،متروك الرواية.
وعليه فهذا إسناد ضعيف جدًّا لا تقوم به حجة.
لكن بقيت رواية الليث، وقد أخرجها اللاكائي أيضًا (2553) من طريق يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال: قال عبد الرحمن بن عوف: لقد شاورت في الشورى حتى شاورت...- سقط - فكل يقول عثمان.وهذا منقطع بين الليث وعبد الرحمن بن عوف.
ولكن ثبتت بعض الروايات التي تدل على أن اختيار عبد الرحمن بن عوف لعثمان دون علي كان بناء على إجماع أكابرالصحابة على اختيار عثمان، ومن هذه الروايات:
ما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد(12/409)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (49/79) من طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن المسور بن مخرمة قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: شاورت المهاجرين الأولين وأمراء الأجناد وأصحاب رسول الله فلم أر أحدًا يعدل بعثمان.
وأصل هذا الأثر في صحيح البخاري مطولاً في كتاب الأحكام باب: كيف يبايع الإمام الناس:
قال البخاري: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِي نَوَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُعَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَهَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَال:َ أَرَاكَنَائِمًا، فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍا نْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَاثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ ادْعُ لِي عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ.
فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَال:َ أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُون.
وزاد الزبيدي في روايته عن الزهري: "يشاورونه ويناجونه تلك الليالي لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدًا".
قلت: وهذا صريح في أن عبد الرحمن بن عوف شاور أهل الحل والعقد من كبراء المسلمين، لا عامة المسلمين ونساءهم كما في الرواية المعلقة لابن كثير.
قال ابن بطة في الإبانة (جزء فضائل الصحابة/1/82): " فلم تكن بيعته رضي الله عنه إلا بعد اجتهاد رأي الصحابة من المهاجرين والأنصار من السابقين الأولين، وغيرهم من الآخرين، واجتماع كلمتهم واتفاقهم كلهم على فضله وإمامته واستخلافه".
وقال أبو نعيم في "الإمامة والرد على الرافضة" (ص299): "فاجتمع أهل الشورى ونظروا فيما أمرهم الله به من التوفيق وأبدوا حسن النظر والحياطة والنصيحة للمسلمين وهم بقية من العشرة المشهود لهم بالجنة واختاروا بعد التشاور والاجتهاد في نصيحة الأمة والحياطة لهم عثمان بن عفان رضي الله عنه". وأخرج ابن بطة في الإبانة (جزء فضائل الصحابة/1/89) عن شقيق بن سلمة قال: سار عبد الله أي ابن مسعود - من المدينة إلى الكوفة سبعًا، ثم خطبنا فقال: "إن أمير المؤمنين طعنه أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة وهو في صلاة الصبح،فقتله ثم بكى وبكى الناس وقال: ثم اجتمعنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمّرنا خيرنا ذا فُوْق يعني عثمان".
قال أبو بكر الأنباري: قال أهل اللغة "خيرنا ذا فوق" معناه خيرنا سهمًا في الخير والفضل والسابقة في الإسلام، والفوق الموضع الذي يقع في الوَتَر من السهم.
وأخرجه الطبراني في الكبير (9/186)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (ترجمة عثمان)، والأثر حسن لغيره.
وبهذه الروايات المسندة الثابتة تعلَّ رواية ابن كثير، ويحكم بنكارة متنها.
ولو سلمنا جدلاً ثبوت استشارة عبد الرحمن بن عوف لعامة الرعية، فهذا كان بعد استشارته لأكابر الصحابة وأهل الحل والعقد كما ثبت في الروايات الصحيحة، فلا يقال إن اعتماد عبد الرحمن بن عوف في اختيار عثمان كان على استفتاء عامة المسلمين بل كان على ترجيح أولي الأحلام والنهى ثم عضَّد قولهم بسؤال عامة المسلمين استئناسًا بقولهم لا احتجاجًا به.
وهذه الصورة قريب منها ما كان يحدث في بلادنا من قيام مجلس الشعب أو الشورى- الذي المفترض فيه أن يؤلَّف من علماء الشرع وأمراء الأجناد وأولي النهى - من اختيار الرئيس ثم يعرضون هذا الاختيار على عامة المسلمين لتأكيده، لا أن يتنافس اثنان أو ثلاثة أوأكثر حول مقعد الملك والرئاسة، ويصير أمرهم معلَّقًا باختيار العامة مما يصيِّرالأمر فوضى.
وكذلك قولكم في مقال "البرلمانات": "وقديمًا كان عمررضي الله عنه- يسأل الحجيج عن ولاته في الأمصار، أما وقد تغيرت الأحوال وكثرت أعداد الناس ماالمانع أن يختار ولي الأمر هذا الإسلوب في إدارة البلاد على النحو المذكورسابقًا".
قلت: ليس في هذا حجة على الانتخابات المحلية، فليس فيه أن عمر وكَّل أمر تعيين هؤلاء النواب إلى اختيار عامة الناس عن طريق الاستفتاء، إنما كان عمريختارهم بنفسه.
فإذا ثبت أن هذه الانتخابات هي منبع شرور عظيمة، وتتعلق بها محرمات أخرى، وجب عدم اعتبارها وسيلة للإصلاح، لأن الإصلاح لا ينبع من منبت فاسد،وكما قلنا الغاية الصحيحة لا تبرر الوسيلة الفاسدة.
ولمن أراد المزيد عن حكم الانتخابات فليرجع إلى كتاب "تنوير الظلمات لكشف مفاسد وشبهات الانتخابات" لأبي نصرمحمد الإمام، وكتاب "إسعاف أولي الألباب بما في الانتخابات من مفاسد وأضرار وأتعاب" لأبي عبد السلام حسن بن قاسم الريمي.
ولو سلمنا جدلاً بصحة جواز دخول البرلمانات عن طريق الانتخابات فإن هذا يكون بناء على مصلحة راجحة مرتقبة لا على مصلحة متوهمة يغلب على الظن صعوبة بل استحالة تحققها إلا أن يشاء الله، فإن الواقع هنا مثلاً في مصر يشهد بأنه يصعب أن يتمكن شخص من دخول هذه البرلمانات إلا إذا اقترف أنواعًا من المحرمات ليفوز في الانتخابات نحو الرشاوى والممالئة لأهل الباطل والمداهنة وشراء أصوات الناخبين وتزكية النفس...إلخ.
ولو سلمنا جدلاً أنه قدر لكم الفوز دون اقتراف هذه المحرمات بقي الكلام عن مصلحة دخول البرلمان، هل بالفعل سوف يكون لهذه المشاركة أي تأثير إيجابي أم أنه سيكون ضياع لأوقاتكم وجهودكم بلا فائدة تذكر، وأهل هذه البلاد في أشد الاحتياج إلى جهود أمثالكم من طلبة العلم في إيصال دعوة الحق إليهم بالطرق المتاحة التي ينتفع بها عامة المسلمين؟
ولي أيضًا وقفة مع فتوى العلامة ابن باز رحمه الله-، وهي أن فتواه تتعلق بحكم دخول البرلمان لتحقيق المصلحة لكن لم يذكر في الفتوى حكم وسيلة دخول هذا البرلمان وهي الانتخابات وحكم ما يتعلق بها من المفاسد المذكورة، فالذي أراه والله أعلم أن الشيخ ابن باز لو علم ما يصاحب هذه الانتخابات من أمور محرمة لا ينفك عنها المرء ليفوز - ناهيك عن حرمة أصل الانتخابات- فلا ريب ستتغير فتواه، كذلك فتوى الشيخ ابن باز مقيدة بما جاء في السؤال من قيام الداخل بالنصح والإرشاد وإقامة الحجة وتقليل المفاسد فيها، وهذا في واقع الأمر غير حادث، حيث إن الداخل إلى هذا البرلمان لا يستطيع تحقيق هذا على أرضالواقع.
وإن قلتم سلمكم الله- إنكم لن تتلبسوا بهذه المحرمات،
قلت: بقي تحريم
أصل الانتخابات المشار إلى أدلته آنفًا، ولو سلمنا أن خوض هذه الانتخابات صار ضرورة تبيح هذا المحظور بقي التحقيق الواقعي لإمكانية دخول البرلمان دون التلبس بشيء من هذه المحرمات، وإمكانية الإصلاح وتقليل المفاسد من داخل البرلمان، وعندئذ يصيرالكلام في هذه المسألة كلامًا نظريًّا لا طائل من ورائه، وتصير مناقشته لا فائدة ترجى منه.
وقد تفضلتم وبينتم لي بارك الله فيكم- أن مشاركتكم الفعلية في الانتخابات كانت بتعليق اللافتات التي تدعو إلى التوحيد وتحذر من الشرك، وكان قصدكم استغلال تجمع الناس في مثل هذه المحافل لإيصال الدعوة إليهم، وهذا بلا شك قصد صالح أسأل الله أن يثيبكم عليه، لكن بقي حكم الوسيلة:
فأقول: أولاً هذه المشاركة تمت بناء على رأيكم بجواز أصل الانتخابات وقد بينا بطلان هذا الجواز بالأدلة الدامغة،فإذا اتفقنا على أن المشاركة الانتخابية لا تجوز شرعًا انتقلنا إلى حكم اتخاذ هذه المحافل وسيلة للدعوة بتعليق اللافتات الانتخابية، والذي يظهر أن هذه وسيلة محدثة لأن فيها تشبهًا بطريقة هؤلاء الغربيين في إيصال مناهجهم للناس، وقد يأتي آت بعد حين يخرج في مظاهرات تحمل اللافتات التي تطالب بهدم القبور والمقامات التي تعبد من دون الله، ويقول إنها فرصة لاستغلال تجمع الناس وحماسة المتظاهرين لإنكار هذا المنكر العظيم، وبهذا نفتح على الشباب أبوابًا للإحداث والتشبه بطرائق الكفار والخوارج نحن في غنًى عنها.
هذا بجانب أن اعتماد هذه الوسيلة يجرئ الشباب السلفي المبتدئ على استمراء هذه الوسيلة المحرمة وتصير عنده الحمية لخوض نحو هذه التجربة لما يرى أحد دعاة السلفيين قد خاضها مما يؤول مع الوقت إلى تحول الشباب عن طلب العلم النافع إلى هذه المعتركات السياسية، وبالتدريج يجر الشباب مرة أخرى من بابآخر إلى الدعوات السياسية الحزبية البدعية، وهذه المقدمات من خطوات الشيطان.
وقد ثبت بالتجارب السابقة أن الشباب ينبهر بمثل هذه الوسائل الحماسية، فإذا وجد الشباب السلفي مسوغًا شرعيًّا لها، فإنه يسهل بعد ذلك اختطافه من قبل الدعوات الحزبية حيث إنه لن يرى في بادي الرأي كبير فرق في الظاهر بين كلا الفريقين، وهذه مفسدة عظيمة ينبغي أن نصنع لها ألف حساب.
ومن هنا ندرك لما لم يقم من سبق من العلماء السلفيين ممن عاصروا ظهور هذه الانتخابات بالخوض فيها، فلا نعلم أن العلامة المحدث أحمد شاكر، أو الشيخ محمد حامد الفقي رحمهما الله خاضا في هذه التجربة،وكذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ حسن بن عبد الوهاب حفظهما الله -، هذا بالنسبة لأهل مصر، وبالنسبة لبقية العالم الإسلامي، فلم يثبت أن أحد العلماء الأكابر رشَّح نفسه في الانتخابات، وهؤلاء هم سلفنا في هذه المسألة المعاصرة، وكل خير في اتباع من سلف.".اهـ
قلت: هذا المقال نشرته بتاريخ الخميس الرابع من شهرصفر 1428 الموافق 22 فبراير 2007، يعني من أربع سنوات، وما زلت أدين الله سبحانه بما فيه إلى هذه اللحظة.
وأما قوله: " وقوله: فلا بأس أن يعينوه وأن ينتخبوه، من أين له هذا "فلا بأس" مع ما تقدم من الأدلة ومع ما تقدم من المفاسد التي الواحدة منها كفيلة بتحريم الانتخابات ثم يأتي ويفتي بهذه الفتوى ويقول من باب تخفيف الشر ومن باب تكثير الخير، أي خير في الانتخابات...إلخ ".
قلت: ما زال الحجوري يصوِّر للسامعين أني أفتي بجواز الانتخابات، وأني أرضى بها، وهذا مما ينبغي أن يتوب إلى الله منه، وأن يتحلَّل منه قبل أن أقاضيه بين يدي ربِّ العالمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه ؛ حبس في ردغة الخبال ؛ حتى يأتي بالمخرج مما قال".
ومن الواضح أنه لم يحرِّر كلامي لسوء النقل أو سوء الفهم، فكلامي واضح في تحريم الانتخابات.
فأنا لم أقل بجواز عقد الانتخابات ولا بجواز الترشيح فيها، وإنما أقول: إذا صارت الانتخابات أمرًا واقعًا لا قدرة لنا على منعه، وخشينا من تنافس نصراني أو شيوعي أو رافضي أو بهائي ونحوهم أمام أحد المسلمين – ولو كان فاسقًا -، فقد أفتى العلماء بانتخاب الرجل المسلم – ولو كان فاسقًا -؛ لأن شره أخف من هؤلاء بكثير، ومن المتقرر في شريعتنا أن درء أكبر المفاسد مقدَّم، وتقليل الشر واجب على حسب المستطاع، فهذا من باب الضرورة التي تقدر بقدرها.
وهذا هو ما أفتى به كبار أئمة العصر مع قولهم بتحريم الانتخابات وإنكارهم للديمقراطية، فلم أقل بدعًا من القول، وإليك هذه الفتاوى:
أولاً: فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز – رحمه الله تعالى-:
في مجلة لواء الإسلام العدد الثالث ذو القعدة سنة 1409هـ، يونيو سنة 1989م، وقد جاءت جوابًا لسائل يسأل عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب، وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والإخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب سماحته قائلاً: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"؛ لذا فلا حرجَ في الالتحاقِ بمجلسِ الشعبِ إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل، لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدُعاة إلى الله، كما أنه لا حَرَجَ كذلك في استخراج البطاقة التي يُستعان بها على انتخابِ الدُعاة الصالحين، وتأييد الحق وأهله، والله الموفق".
ثانيًا: فتوى الإمام الألباني – رحمه الله تعالى-:
قال – رحمه الله- كما في شريط بعنوان "حكم الانتخابات والبرلمان" لما سئل: نحن الآن مقبلون على الانتخابات البرلمانية ..إلخ؟
".. وأنا كتبت في هذا إلى جماعة الإنقاذ في الجزائر ... إذا كان هناك مسلمون - وهذا موجود مع الأسف في كل بلاد الإسلام- يرشحون أنفسهم؛ ليدخلوا البرلمان بزعم تقليل الشر، فنحن لا نستطيع أن نصدهم عن ترشيح أنفسهم صدًّا؛ لأننا لا نملك إلا النصح والبيان والبلاغ، فإذا كان واقعيًّا سيرشح نفسه للانتخابات الكبرى أو الصغرى – على حد تعبيرك - يرشح مسلم نفسه نصراني أو شيوعي أو نحو ذلك، فإذا ما أمكننا أن نصد المسلم من أن يرشح نفسه سواء في الانتخاب الكبير أو الصغير فنختاره لماذا؟ لأن هناك قاعدة إسلامية على أساسها نحن نقول ما قلنا: [إذا وقع المسلم بين شرين اختار أقلهما شرًّا] لا شك أن وجود رئيس بلدية مسلم أقل شرًّا ولا أقول خير من وجود رئيس بلدية كافر أو ملحد، لكن هذا الرئيس يحرق نفسه وهو لا يدري يرشح نفسه بدعوى أنه يريد أن يقلل الشر وقد يفعل، لكنه لا يدري بأنه يحترق من ناحية أخرى، فيكون مثله كمثل العالم الذي لا يعمل بعلمه وقد قال عليه الصلاة والسلام: "مثل العالم الذي لا يعمل بعلمه كمثل المصباح، يحرق نفسه ويضيء غيره"، لهذا نحن نفرق – بين أن نَنتخب وبين أن نُنتخب- لا نرشح أنفسنا لنُنتخب لأننا سنحترق أما من أبى إلا أن يحرق نفسه قليلاً أو كثيرًا ويرشح نفسه في هذه الانتخابات أو تلك، فنحن من باب [دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر] نختار هذا المسلم على ذاك الكافر أو على ذاك الملحد".اهـ
قلت: والشيخ الألباني نفسه هو الذي قال قبل هذا الكلام مبينًا مخالفة الانتخابات لدين الإسلام: "إن المشاركة في الانتخابات هو ركون إلى الذين ظلموا؛ ذلك أن نظام البرلمانات والانتخابات يعتقد كل مسلم عنده شيء من الثقافة الإسلامية الصحيحة أنه ليس نظامًا إسلاميًّا ...إلخ".
وأذكِّرك بما قاله العلامة مقبل بن هادي – رحمه الله- في "تحفة المجيب": "وهذه الفتوى قد اتصلت بشأنها بالشيخ الألباني حفظه الله وقلت له: كيف أبحت الانتخابات؟ قال: أنا ما أبحتها، ولكن من باب ارتكاب أخف الضررين"، فننظر هل حصل في الجزائر أخف الضررين أم حصل أعظم الضررين.؟!".
قلت: والشاهد أن العلامة مقبل – رحمه الله- لم يستنكر على الإمام الألباني – رحمه الله- استناده إلى قاعدة دفع أعظم الضررين، إنما استنكر واقع الانتخابات وأنها في الغالب لا يحصل منها إلا أعظم الضررين فلا خير في الانتخاب البتَّة.
فلو سلمنا أن هناك عالمًا اجتهد فوجد أن انتخاب فلان سوف يندفع به أعظم الضررين، مع قوله بتحريم الانتخاب، وأن هذا من باب الضرورة المبيحة لهذا المحظور، فلا ينبغي أن يستنكر عليه – أصاب أم أخطأ -، أو يقال له: يجب عليك أن تتوب من قولك.
ثالثًا: فتوى الإمام ابن عثيمين –رحمه الله تعالى-:
سئل – رحمه الله تعالى-: ما حكم الانتخابات الموجودة في الكويت , علمًا بأن أغلب من دخلها من الإسلاميين ورجال الدعوة فتنوا في دينهم؟ وأيضاً ما حكم الانتخابات الفرعية القبلية الموجودة فيها يا شيخ؟
فأجاب – رحمه الله تعالى-: "أنا أرى أن الانتخابات واجبة, يجب أن نعين من نرى أن فيه خيرًا؛ لأنه إذا تقاعس أهل الخير من يحل محلهم؟ أهل الشر, أو الناس السلبيون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر, أتباع كل ناعق, فلابد أن نختار من نراه صالحاً..". (لقاء الباب المفتوح شريط 211).
وقال رحمه الله في جوابه على الأسئلة القطرية جوابًا على السؤال التالي: هل أفتيتم بجواز الإنتخابات؟
الجواب: نعم أفتينا بذلك ولا بد من هذا – لأنه إذا فُقِدَ صوت المسلمين؛ معناه: تَمَحُّض المجلس لأهل الشر, وإذا شارك المسلمون في الإنتخابات؛ انتخبوا مَن يرون أنهم أهل لذلك, فيحصل بهذا خير وبركة".
والعلامة ابن عثيمين نفسه هو الذي قال: "الذين يدعون الديمقراطية في البلاد الغربية وغيرها لا يفعلون هذا وهم كاذبون حتى انتخاباتهم كلها مبنية على التزوير والكذب ولا يبالون أبدًا إلا بأهوائهم فقط الدين الإسلامي متى اتفق أهل الحل والعقد على مبايعة الإمام فهو الإمام شاء الناس أم أبوا فالأمر كله لأهل الحل والعقد ولو جعل الأمر لعامة الناس حتى للصغار والكبار والعجائز والشيوخ وحتى من ليس له رأي ويحتاج أن يولى عليه ما بقى للناس إمام لأنهم لابد أن يختلفوا".
رابعًا: فتوى العلامة المحدِّث عبد المحسن العبَّاد –حفظه الله-:
السؤال: هل المشاركة في الانتخابات من تغيير المنكر باليد، حيث إن الإنسان يختار الرجل الصالح ليكون حاكمًاً؟
الجواب: هذه الانتخابات ليست من الطرق الشرعية، وإنما هي من الطرق الوافدة على المسلمين من أعدائهم، والحكم فيها للغلبة ولو كانت الأغلبية من أفسد الناس، أو كان الذي ينتخبونه من أفسد الناس؛ لأنهم ينتخبون واحدًا منهم، والحكم للغلبة، وحيث يكون الغلبة أشراراً فإنهم سيختارون شريراً منهم. والدخول في الانتخابات إذا لم يحصل من ورائه فائدة ومصلحة فلا يصلح، ولكن إذا كان سيترتب عليه مصلحة من أن الأمر يدور بين شخصين أحدهما سيء والثاني حسن، ولو لم يشارك في تأييد جانب ذلك الحسن فإنه تغلب كفة ذلك السيئ، فإنه لا بأس بالمشاركة من أجل تحصيل تلك المصلحة ودفع المضرة. بل لو كان الأمر يدور بين شخصين أحدهما شرير والثاني دونه في الشر كما يحصل في بعض البلاد التي فيها أقليات إسلامية والحكم فيها للكفار، فإذا صار الأمر يدور بين كافرين أحدهما شديد الحقد على المسلمين, وشديد المعاداة لهم، ويضيق عليهم، ولا يمكنهم من أداء شعائرهم، والثاني مسالم، ومتعاطف مع المسلمين، وليس عنده الحقد الشديد عليهم، فلا شك أن ترجيح جانب من يكون خفيفاً على المسلمين أولى من ترك الأمر بحيث يتغلب ذلك الكافر الشديد الحقد على المسلمين. ومعلوم أنه جاء في القرآن أن المسلمين يفرحون بانتصار الروم على الفرس، وهم كفار كلهم، لكن هؤلاء أخف؛ لأن هؤلاء ينتمون إلى دين، وأولئك يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين، وإن كان الجميع كفاراً، لكن بعض الشر أهون من بعض. ومن قواعد الشريعة ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، فإذا ارتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما فإن هذا أمر مطلوب. فالحاصل أن الانتخابات في الأصل هي وافدة على المسلمين وليست مما جاء به دينهم، والمشاركة فيها إذا كان سيترتب على ذلك ترجيح جانب من فيه خير على من فيه شر ولو ترك ترجح جانب من فيه شر، فلا بأس بذلك، وكذلك عندما يكون كل منهما شرير، ولكن أحدهما أخف، وأريد ترجيح جانب من كان أخف، كما ذكرت في حق الكافرين الذين يرجح جانب أحدهما من أجل عدم حصول الضرر من ذلك الذي يكون أشد خبثًا وحقدًا على المسلمين، فإنه والحالة هذه يسوغ الانتخاب لهذه القاعدة بارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما. فلا يجوز أن يشارك في الانتخابات إلا إذا كان الأمر يدور بين خير وشر، وإذا لم يشارك في تأييد الخير سيتقدّم الشرير على غيره، فيجوز الدخول في الانتخابات من أجل تحصيل هذه المصلحة، أو يكونا اثنين خبيثين لكن أحدهما أخف على المسلمين من الآخر، ويمكِّنهم من إقامة شعائرهم، فمثل هذا إذا رجح جانبه من قبل الأقليات الإسلامية لا بأس بذلك؛ لأنهم لا يختارون إماماً للمسلمين، وإنما يختارون واحداً متعاطفاً معهما، فهما شران لا بد منهما، وبعض الشر أهون من بعض، فمن كان أصلح لهم وأخف ضرراً عليهم فإن ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما أمر مطلوب. والحاصل: أن الدخول في الانتخابات ليس على إطلاقه، والأصل ألا يدخل فيها إلا إذا حصل في الدخول مصلحة بأن كان الأمر دائراً بين شرير وطيب، أو بين شريرين أحدهما أخف من الآخر، وكان ترك المشاركة يؤدي إلى تغلب من هو أخبث وأشد؛ ففي هذه الحالة لا بأس بذلك من أجل ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما".
والشيخ عبد المحسن نفسه هو الذي قال في موطن آخر: "الوصول إلى السلطة في الديمقراطية المزعومة ينبني عل التحزب فيترشح من كل حزب واحد منهم ثم يكون التصويت من كل من أراد من الشعب لمن شاء من المترشحين وعند تمييز الأصوات يقدم من كثرت أصوات منتخبيه وهذه الطريقة التي استوردها بعض المسلمين من أعدائهم مخالفة للإسلام من وجوه ،بناؤها على التحزب...التشريع فيها لفئة معينة...الوصول إلى السلطة فيها بكثرة الناخبين كيف كانوا...الحرص الشديد فيها على السلطة...بناؤها على الحرية المطلقة في الرأي ولو كانت إلحادا وانحلالا...المساواة المطلقة فيها بين الرجال والنساء...تحرر المرأة فيها من أسباب الفضيلة وانغماسها في الرذيلة".
وأما قوله: "وهذه الفتوى نظير فتوى عبيد الجابري لما أفتى أهل العراق ونظير فتوى فركوس لما أفتى أهل الجزائر وغيرها من الفتاوى".
قلت: ولماذا أشرت إلى فتوى الشيخ عبيد الجابري والشيخ فركوس – حفظهما الله-، ولم تشر إلى فتاوى من سبقهم من الأئمة – وهم أولى بالذكر-، والذين نقلنا فتاواهم وهم: ابن باز والألباني وابن عثيمين والعبَّاد؟!
وإليك فتوى الشيخ عبيد الجابري والتي توافق في مضمونها حذو القذة بالقذة فتاوى هؤلاء الأئمة:
قال – حفظه الله- إجابة عن سؤال وجِّه إليه حول حكم الانتخابات في العراق: "فإن حاصل ما نفتي به في الانتخابات - ولنا سلف من العلماء المعاصرين والذين نرى أن منهم أئمة- أن الانتخابات دخيلة على أهل الإسلام ووافدة و ليست هي من شرع محمد صلى الله عليه وسلم، و لهذا فإنه يقتصر في دخولها والتصويت فيها على حد ما تقتضيه الضرورة فإذا خشي أهل الإسلام والسنة أن يفوز علماني أو رافضي أو شيوعي بمنصب رئاسي تترتب عليه مصالح للمسلمين وكان ينافسه رجل آخر يأمل فيه منفعة الإسلام وأهله فإنهم يصوتون لصالح هذا الذي يغلب على ظنهم أو يتيقنون أنه ينفع الإسلام و أهل الإسلام، فإذن الدخول في الإنتخابات أمر ضروري أو مضطر إليه وليس أصله الإباحة والجواز فضلاً عن أن يكون واجباً، هذا الذي أدين الله فيها.
وأما القول بأني – يعني - أجزت أن تختار قائمة فحتى الساعة لا أذكره و إن كنت قلته هو سبقة لسان أبرأ إلى الله منها، بل أنصح أهل الإسلام و السنة-أعني أهل العلم منهم- ألا يدخلوا في الإنتخابات وإنما يفتون بجوازها للضرورة ، لأنه كما ذكر في السؤال الثاني أنه إذا عين شخص و رشح شخص فقد يكون ممن يخيب فيهم الأمل فيقلب المجن على أهل الإسلام أو يكون شخصاً فاجراً علمانياً أو رافضياً فينقلب أسداً مفترساً على من صوتوا لصالح غيره ، هذا هو حاصل ما أفتي به في الإنتخابات و الله أعلم و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين".
قلت: ولذا ألا تشعر – أيها المنصف - أن صنيع الحجوري هذا فيه شيء من التدليس بإظهار الشيخين عبيد وفركوس، ثم أبي عبد الأعلى أنهم متفردون بهذه الفتوى، وأنهم شذُّوا بها عن جمهور أهل العلم؟!
بل التدليس الأعظم إيحاؤه للسامعين أنهم يجيزون الانتخابات !!
وإن من أبين الظلم إظهار المحق في صورة المبطل وتشهويه بأساليب ماكرة لا تليق بمن يرجو الله واليوم الآخر!
وإن كان لا بد للحجوري من الردِّ على مخالفه في هذه المسألة، كما قال في نهاية كلامه: "واستفضت بالإجابة مع أنه كان يمكنني أن أقول لكم هذه الفتوى خاطئة؛ لأن الناس يغترون بمثل هذه الفتاوى النابية فاستطردت من أجل أن تعم المنفعة"، فكان الأولى به أن يرد على هؤلاء الأئمة السابقين، فهم الأكثر أتباعًا، والتضرر بفتواهم – إن أخطؤوا- أعظم من التضرر بفتوى أبي عبد الأعلى، فما وزن أبي عبد الأعلى بجانب هؤلاء الأئمة الفحول – رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء-؟! وهل تسم فتاواهم بالنابية ؟! لا أخالك تفعل، فأنا أنزهك عن سوء الأدب مع العلماء، كما لا أرضى لك استخدام هذا الأسلوب مع إخوانك من طلبة العلم، وإن حدث بينهم خلاف في الفهم!!
والخلاصة من فتاوى العلماء أن الانتخابات هي وسيلة غربية محدثة لا تجوز، ولا تجوز المشاركة فيه بالترشيح، وكذا لا يجوز المشاركة فيها بالانتخاب إلا لتقليل الشر ودفع شر أكبر.
وأزيدك هنا قيودًا أخرى ذكرتها اجتهادًا مني لا تقليدًا في مواطن أخرى غير هذا الموطن من سنوات، وهي:
القيد الأول: في حالة استواء المرشحين في الانتخابات في الشر والبعد عن الإسلام، ففي هذه الحال لا يجوز المشاركة بالانتخاب وتجب مقاطعة هذه الانتخابات وتحذير الناس من اختيار أي واحد من هؤلاء المحاربين للإسلام.
القيد الثاني: إفتاء الناس بجواز اختيار الأصلح الأقرب إلى الإسلام عند وجود المصلحة المرجوة يجب أن يصحبه بيان تحريم الانتخابات، وأنها من طرق الكفار التي يجب إنكارها بالقلب واللسان، ثم باليد لمن استطاع.
القيد الثالث: إذا غلب على الظن أن هذه الانتخابات معدومة النزاهة قائمة على التزوير، ففي هذه الحال لا مصلحة من انتخاب فلان أو علان؛ لأنه في النهاية صاحب القدرة على التزوير هو الذي سينتصر.
وهذا القيد الثالث هو الذي كنت أفتي به منذ سنوات وأذكِّر به في كل انتخابات، أنه لا فائدة من اختيار الأصلح بناء على فتاوى الأئمة في هذا الشأن؛ لأن الأصلح يُغلب في الغالب لأنه لا يلجأ إلى التزوير، ولا تنفعه أصوات المرشحين لأنه يُتلاعب فيها لصالح المزوِّر.
وأخيرًا أورد على أخينا عبد الحميد إيرادًا أرجو أن يرد عليه، ألا وهو:
إذا ترشح في الانتخابات رافضي يدعو إلى الرفض، وسني يحارب الرفض لكنه عاصي فاسق لا يحارب المعصية، لكنه لا يحارب السنة ويقيم الشعائر الظاهرة للإسلام، وثالث علماني شيوعي ليبرالي يدعو إلى التحرر من الأحكام الشرعية، وينتصر للإباحية المطلقة، وجرت انتخابات عادلة لاختيار الأكثر أتباعًا من الشعب، ولا قدرة لأهل الحق على منع هذه الانتخابات، والناس سوف تذهب للانتخاب – شئنا أم أبينا-، فهل من الحكمة الشرعية أن نترك الناس حيارى؟! أم الواجب أن نبين لهم حكم الانتخابات وأنها لا تجوز، ولكن ينبغي أن نناصر المسلم السني – وإن كان عاصيًا- لدفع شر هذا الرافضي أو ذاك العلماني الخبيث.
وأما قوله: "فهذه الفتوى أنا أدعوا أبا عبد الأعلى إلى التوبة إلى الله عز وجل منها وأن يعرف ما يقول لا يركن لا لفلان ولا لعلان، الله عز وجل نهانا عن التقليد وأمرنا بالدليل: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: ٣] أما التقليد فليس من طريقة المسلمين".
فأقول:
أولاً: مَن الذي أوحى إليك أني مقلِّد؟! هل ذكرت هذا في كلامي: أني قلَّدت فلانًا أو علانًا أو أني ركنت إلى أحد في كلامي؟!

ولو كنت مقلدًا – كما تدعي-، فهل العاقل يرد على مقلِّد أم الأولى أن يرد على مَن قلَّده من الأئمة ؟!
ثانيًا: لقد تعلَّمنا من مشايخنا الكبار أن لا يركن طالب العلم إلى اجتهاده الخاص في المدلهمات، بل ينبغي عليه أن يرجع فيها إلى فهم الأئمة الأكابر الذين سبقوه في العلم والفتوى والخبرة بالوقائع، فالرجوع إلى فتاوى الأكابر في المدلهمات ليس تقليدًا، إنما هو ردٌّ للأمر إلى أهله.
وكنت أود – بارك الله فيك- أن تلتزم بهذه النصيحة في نفسك قبل أن تطالبني بها، فقد قال الله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}.
ألا تذكر أني جمعت لك تراهات وأباطيل وسفاسف شاب مصري من حدثاء الأسنان، وقد أقررتني على بعضها، بل ضحكت معي منها، فطلبت منك أن تتخذ الموقف السلفي الصحيح منه؛ نظرًا لاغترار البعض – خاصة الأعاجم- بتزكية الشيخ يحيى الحجوري له، وأنت موافق له عليها، ويغترون بنزولك عليه وصحبتك إياه إذا جئت مصر، فماذا كان ردُّك؟ قلتَ سأعرض هذا على الشيخ يحيى وأرى ماذا يقرر، أفلم تكن مقلدًا للشيخ يحيى في هذا، رغم ظهور البينات على خطأ هذه التزكية لهذا الحدث ؟!
وأما عن قوله: " أخي لا تكون مقلدًا للعوام، العوام هوام ...إلخ"، فأقول: وهل العوام يقولون بنفس كلامي حتى أكون مقلِّدًا لهم؟! أين هذا؟! رجاء أن تدلني على كلامهم الذي أنا قلدته، ودعك من هذا الإرسال في الكلام الذي به يضيع الحق، واتق الله فإنك مسئول عمَّا تقول بين يدي الله الحكم العدل.
وأما قوله: "والانتخابات ليست من الإسلام لا في سرد ولا في ورد فلا يتعلل هؤلاء المتعللون لكن بعضهم يتملقون وأخشى أن يكون خالد بن عثمان من هذا الصنف.
حيث يقول: وإن كان من أفراد الجيش الذين ليس لهم دعوات جاهلية لا بأس من باب تقليل الشر.
يعني لما كان الحكم الآن في مصر للجيش كأنه يريد أن يتملق لهم".
فأقول: بلا شك الانتخابات ليست من الإسلام، فهذا حقٌّ لا مرية فيه.
لكن ما الدليل على اتهامك إياي بأني أتملق بكلامي فلانًا وعلانًا من رجال الجيش – وفقهم الله-؟ أليس هذا من التنقيب عمَّا في قلبي بغير حقٍّ؟! وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»، أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وأقول – ردَّك الله إلى الحق-: إن أفراد الجيش لا يُعرَفون في الغالب بأنهم أصحاب نعرات جاهلية من علمانية وشيوعية واشتراكية، أو أصحاب نعرات بدعية من تشيع ورفض وتصوُّف ونحوه، إلا القليل منهم، وسواء مَن كان فيهم مَن يقول بهذا أم لا، فإن كلامي متنزل على أنه إذا انحصر الأمر بين تولية دعاة العلمانية والإباحية والنعرات الجاهلية، وبين تولية قائد من أفراد الجيش المسلم المعروف بالتدين الفطري والتزام الصلوات والحرص على إقامة الشعائر الظاهرة للإسلام وجمعه بين القوة والأمانة، مع عدم دعوته أو إقراره لهذه النعرات الجاهلية، ولو كان عاصيًا أو جاهلاً، فهذا خير من هؤلاء العلمانيين الخبثاء الذين يسعون لاجتثاث الإسلام من جذوره.
فمقصدي من كلامي – كما هو ظاهر-: الحثُّ لأفراد الجيش على الاستقامة على الإسلام وعدم تمكين أصحاب النعرات العلمانية والجاهلية؛ حيث إن القوة الفعلية في يد الجيش، هذا إن وصل كلامي إليهم، وليس هذا من باب التملق لهم.
وهل أنا قلت هذا الكلام أمام قادة الجيش أو كان يغلب على ظني أن كلامي هذا يصل إليهم حتى أتملق لهم؟ ومن البديهي أن الذي يريد أن يتملق أحدًا أن يكون هذا الشخص حاضرًا أمامه ليتملقه !!
فالله المستعان على سوء الظن بالإخوان، والبهتان المؤدي إلى الخذلان.
وأما قولك: "كيف يعني فرضت علينا ثم يجب علينا أن نأخذ! الله أمرنا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .... أو أمرنا بطاعة ما فرض علينا من قبل المخالفين لأمر الله ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على هذا سيقول الآخر فرضت علينا الخمور في بلاد المسلمين إذن نشرب! وسيقول الآخر فرض علينا الاختلاط إذن نختلط بالنساء وستقول المرأة فرضت علينا ألا ندخل المدرسة إلا منزوعة الحجاب إذن تنزع الحجاب وسيقول الآخر فرض علينا الربا والبنوك الربوية إذن نتعامل بالربا ويقول الآخر الغناء متوفر ومفروض علينا لا نستطيع أن نتحكم فيه إذن نتعامل به! وكل يقول بهذا الأمر ويحتج بهذه الحجة، هذه حجة واهية هذه حجة ميتة لا يحتج بها من يريد تعظيم دين رب العالمين والاستقامة على هدي السلف والصالحين".
قلت: غفر الله لك، وهل في كلامي إيجاب الأخذ بالانتخابات؟! لكن من الواضح أنك لا تفرق بين استخدام كلمة "الفرض" بالمعنى اللُّغوي والمعنى الاصطلاحي الشرعي، وإليك نص كلامي كي نرى هل هو يحتمل ما تقول أم لا؟:
"ولكن إذا فرضت علينا ..يعني صارت مفروضة ليست باختيارنا، فلا بأس أن نشارك فيها الناس لاختيار الأصلح عن طريقها ما دامت فرضت علينا، فعليهم أن يجمعوا الناس على اختيار الأقرب إلى الإسلام الذي ليس داعيًا إلى هذه النعرات الجاهلية ..إلخ".
فنص كلامي صريح في أن هذه الانتخابات صارت مفروضة – ليس فرضًا شرعيًّا يجب الأخذ به-، إنما مفروضة: بمعنى واقعة بدون اختيارنا ولا قدرة لنا على منعها، فلما كان الأمر هكذا كان من المتفق عليه بين أئمة السنة أن تقليل الشر واجب، وكذا دفع الشر الأكبر، وهذه قاعدة عظيمة من قواعد الإٍسلام كما قال شيخنا الإمام ربيع بن هادي – نفع الله بعلمه- في ردِّه على فالح الحربي الحدادي: "فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم لدرء هذه المفسدة –وهذه المفسدة هي خشية ارتداد قريش وغيرهم من العرب-؛ فعمل الرسول هذا تقعيد لقاعدة عظيمة، وتأصيل متين لأمته ليواجهوا به الأحداث والمشاكل الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وإذن فترك الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا العمل ليس من باب ترك عمل فرعي، وإنما هو دفع لفتنة وتأصيل للأمة لتواجه الأخطار والمشاكل والفتن، ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وسدُّ الذرائع المفضية إلى الأضرار والمفاسد من الأصول العظيمة التي لا يقوم الإسلام وحياة المسلمين إلا عليها".[مقال: "هل يجوز التنازل عن الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد عند الحاجات والضرورات"، (الرد الواضح على أصول فالح ص 368)].
وكما هو ظاهر لكل منصف أن كلامي لم يخرج قيد أنملة عن كلام الأئمة السابق النقل عنهم في هذا الشأن.
وأما عن قوله: "وأما إذا قالوا: أن الانتخابات من باب الشورى، نقول: كذبتم لعمرو الله كذبتم والله، فإن الانتخابات قائمة على الأكثرية قائمة على تساوي النساء والرجال قائمة على كون الفاسق يشارك فيها والجاهل يشارك فيها والعالم يشارك فيها والمبطل يشارك فيها والكل يشارك فيها بينما الشورى إنما تكون لأهل الحل والعقد من المسلمين الذين يعرفون ما يصلح وما لا يصلح".
فأقول: لا أدري هل أنا ضمن المعنيين بضمير الجمع في "قالوا"؟! والذي يتبادر إلى ذهن أي قارئ، أني داخل فيه، بقرينة ذكرك هذا في نهاية نقدك لكلامي، وعليه فإن هذا الاتهام يضاف إلى جملة تقوُّلك عليَّ، بل وعلى جمهور العلماء بلا بينة؛ حيث إن هؤلاء الأئمة الذين أفتوا بجواز انتخاب الأصلح لدرء الشر الأكبر، ما قالوا بأن الانتخابات من باب الشورى، وما قالوا بجوازها حتى يلفقوا هذه الشبهات.
قال العلامة الألباني كما في شريط "حكم الانتخابات": "بعضهم يتوهم أن البرلمان الذي يمثله مجلس الأمة يشبه مجلس الشورى الذي أمرنا به في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الأمر كذلك البتَّة".
وقد تقدم كلامي في مقال "إحقاق الحق وإبطال الباطل"، والذي نشرته منذ أربع سنوات، وفيه ردٌّ جلي على أغلب شبهات القائلين بجواز الانتخابات.
وأخيرًا أقول ناصحًا لنفسي ولأخينا الشيخ عبد الحميد الحجوري، كما قال شيخنا الإمام ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله- في مقاله الرائع الذي سماه: "قبول النصح والانقياد للحق من الواجبات العظيمة على المسلمين جميعًا":"وأعوذ بالله أن أرد نصيحة أوأدافع عن خطأ أو باطل صدر مني فإن هذا الأسلوب المنكر إنما هو من طرق أهل الفسادوالكبر والعناد، ومن شأن الذين إذا ذكروا لا يذكرون وأعوذ بالله من هذه الصفات القبيحة.
وأسأل الله أن يجعلني ممن قال فيهم: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لميخروا عليها صما وعميانا}، وأنصح نفسي وجميع المسلمين باتباع هذا المنهج والثبات عليه، وقبول نصح الناصحين والسير في طريق السلف الصالح في التناصح والتواصي بالحق وقبول النصح أخذا بقول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنواوعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وأخذاً بقوله تعالى: {والمؤمنونوالمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
ومن علامات الرشد والاستقامة والسداد والسعادة في الدنيا والآخرة الثبات على الكتاب والسنةوالسير على هذا المنهج عقيدة وعملاً وأخلاقًا وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر وسدًّا للخلل بالحكمة وبالطرق الشريفة".اهـ

وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم.

وكتب: أبو عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري
ليلة الثلاثاء 3 ربيع الأول 1432 هـ

لتحميل المقال: من هنا


التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 08 Mar 2011 الساعة 11:55 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013