"عِرْضُ اللغة من عِرْضِ المسلم" كلام نفيس للشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله في مطلع الجزء الرابع

[يوسف بن عومر]

قال الشيخ "محمد سعيد رسلان" حفظه الله في مطلع الجزء الرابع من: "طليعة الرد على الحلبي":
وكما قالوا قديما: "أول القصيدة كفر".
أقول اليوم: "أول المقال جهل وضلال".
الحلبي يخطئ في عنوان مقاله وقبل بيان جهله أقول:
قد يقول قائل: الحلبي يسبك ويشتمك وأنت تصوب له عنوان السباب والشتم؟
والجواب: نعم، لأني:
أولا: آنف أن يسبني ويشتمني سفيه جاهل بغير الفصيح من القول والبليغ من الكلام.
ثانيا: لأن "عرض اللغة من عرض المسلم"، وقد قال الشيخ بكر أبو زيد- وليس هو من الغلاة على تصنيف الحلبي المبتدع- قال في "حكم الانتماء": "وإمراض اللغة مرض في الدين".
ثالثا: لأن ذلك من هدي المتقدمين من سلفنا الطيبين وقد سمع جبل من جبال "النحو واللغة" هو: "عبد الله بن أبي إسحاق الحَضرمي" سمع الفرزدق ينشد:

إليك أمير المؤمنين رَمَتْ بنا *** هموم المُنى والهَوْجَلُ المتعسِّفُ
وعضُّ زمانٍ يا ابن مروان لم يدع *** من المال مُسْحَتًا أو مجلَّفُ

فقال الحضرمي للفرزدق: "على أي شيء ترفع "أو مجلَّفُ"، فقال الفرزدق: "على ما يسوؤك وينوؤك".
وأنكر عليه الحضرمي كذلك قوله:

مستقبلين شمالَ الشام تضربنا *** بِحاصبٍ كنَديف القطنِ منثورِ
على عمائمنا تُلقى وأرْحلُنا على *** زواحفَ تُزْجى مخُّها رِيرِ

قال ابن أبي إسحاق للفرزدق: "أسأت إنما هي: رِيرُ"، وكذلك قياس النحو في هذا الموضع.
فلما ألحو على الفرزدق قال: "على زواحف نزجيها محاسيرِ". فترك الناس هذا ورجعوا إلى القول الأول.
وكان عبد الله بن أبي إسحاق يكثر الرد على الفرزدق، فهجاه الفرزدق بقوله:

فلو كان عبد الله مولىً هجوته *** ولكن عبد الله مولى مواليا

فلم يلتفت الحضرمي إلى عرضه.
والعرض: "هو موطن المدح والقدح من الإنسان"، وإنما التفت الحضرمي إلى عرض اللغة فقال: "قد لحنت في هذا أيضا"، وصوابه: "مولى موالٍ".

لذلك كله أقول للحلبي الضال: "عنوان مقالاتك التافه: لحن وسفه وضلال".
عنوان مقالاته هو: تحذير عقلاء الأتباع من دعوى(شرطه نايمه)لا دعوة(علامة تعجب) (شرطه نايمه) دكتور رسلان من(افتح قوس)تحرير موطن النزاع(علامة تعجب) (افتح قوس) (علامة تعجب) انتهى كلام "محمد سعيد رسلان" حفظه الله.
**************
قلت: "الهوجل: الفلاة التي لا أعلام فيها يهتدى بها، والمتعسف: الذي يسار فيه بلا دليل، والعض والعظ-بالضاد والظاء- شدة الزمان، والمسحت: المستأصل الذي لم يبق منه بقية، والمجلف: الذي ذهب معظمه وبقي منه يسير.
شمال الشام: الريح المعروفة، الحاصب: الريح التي تثير الحصباء، تزجيها: تسوقها، الزواحف: جمع زاحفة وهي الإبل التي أعيت فجرَّت فراسنها، والفراسن: جمع فرسن وهو الخف، مخها ريرُ: فاسد ذائب من الهزال.
وانظر القصة في "أخبار النحويين" لأبي طاهر المقرئ، و"طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي، و"نور القبس" للحافظ اليغموري، و"الشعر والشعراء" لابن قتيبة الدينوري.
وانظر شرح الغريب في "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" لعبد القادر البغدادي، و"الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل" للبطليوسي، و"الاشتقاق" لابن دريد، وغيرها.

وجاء في "خزانة الأدب" : ((وهذا البيت صعب الإعراب. قال الزمخشري: هذا بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه.
وقال ابن قتيبة في كتاب "الشعراء": رفع الفرزدق آخر البيت ضرورة، وأتعب أهل الإعراب في طلب الحيلة، فقالوا وأكثروا، ولم يأتوا فيه بشيء يرضي.
ومن ذا يخفى عليه من أهل النظر أن كل ما أتوا به من العلل احتيال وتمويه ؟ وقد سأل بعضهم الفرزدق عن رفعه هذا البيت فشتمه وقال: "علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا"،
انتهى)). والله أعلم.