منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 Sep 2010, 03:18 PM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي تذكير الأنام بمكانة الأخلاق في الإسلام لفضيلة الشَّيخ: محمَّد لوزاني الجزائري

تذكير الأنام بمكانة الأخلاق في الإسلام
لفضيلة الشيخ:
محمد لوزاني الجزائري
-حفظه الله تعالى-

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أما بعد:

فإنَّ الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة من صميم ديننا وإنَّه لأجل إتمامها بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وغيره.
إنَّ أصول الأخلاق كانت موجودة لدى العرب قبل الإسلام لكنها لم تكن في إطارها الحقيقي، فقد كانوا مثلا أهل جود وكرم لكن هذا الكرم لكسب الثناء والذكر والشهرة، لا لرضا ذي الجلال والإكرام.
عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: «لا ينفعه؛ إنَّه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين». أخرجه مسلم 1/136
وأصرح من هذا في الدلالة على المعنى المشار إليه حديث ابن عمر قال : ذُكر حاتم الطائي عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ذاك رجل طلب أمرا فأدركه» أخرجه البزار 12/294 وتمام في "الفوائد" 2/196.
وفي رواية من حديث عَدِيِّ قال: «إن أباك أراد أمرا فأدركه يعني الذكر» أخرجها ابن حبان 2/41 وأحمد 4/358 والطيالسي2/367 والبيهقي 7/279 والطحاوي في "المشكل" 10/221، والحديث في السلسلة الصحيحة تحت رقم: 3022.
فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الأخلاق بأن وضعها في إطارها الحقيقي وذلك بالإخلاص، بأن تفعل لله وابتغاء وجهه ورضاه وذلك من إتمامه صلى الله عليه وسلم لها.
فالذي يتخلق بالأخلاق الحميدة وهو يريد رضا الناس وثناءهم إن لم يجد ذلك ربما غير وجهته وانقلب على عقبيه فيترك ما كان عليه من حسن الخلق، أمَّا الذي يبتغي بما هو عليه من فضائل الأخلاق ومحاسن الآداب وجه الله فيقول: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان /9ـ10] فكان جزاؤهم ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان/11-12]
قال الحسن: النضرة في الوجه، والسرور في القلب. رواه الطبري وغيره.
وفي النضرة ثلاثة أوجه :
أحدها
: أنها البياض والنقاء ، قاله الضحاك .الثاني : أنها الحسن والبهاء ، قاله ابن جبير .
الثالث
: أنها أثر النعمة ، قاله ابن زيد .
فوصفهم سبحانه بجمال الظاهر والباطن فالنضرة جمال وجوههم والسرور جمال قلوبهم، وكما قال سبحانه: ﴿تعرف في وجوههم نضرة النعيم .
فمن كانت معاملته الناس لله تعالى حتى لو قوبل إحسانه بالإساءة فإنه لا يزيده إلا ثباتا وعزما؛ لأنه يعلم بأن الله معه وأنه راض عنه خاصة إذا كان أولئك من أقاربه وذوي رحمه، فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» أخرجه مسلم.
تسفهم: سَفِفْتُ الماءَ أَسَفُّه سَفّاً إذا أَكثرت منه وأَنت في ذلك لا تَرْوَى.
المل: الرّمادُ الحارُّ الذي يُحمَى لِيُدْفَنَ فيه الخُبزُ ليَنْضَجَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: «تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ» أي تطعمهم الجمر، ومعنى ذلك كما قال بعض أهل العلم إنَّ إحسانك إليهم مع إساءتهم لك ، يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة لما يجدون من ألم الخزي والفضيحة والعار الناشئ في قلب من قابل الإحسان بالإساءة.
فلا بد من الصبر، لابد من احتمال الأذى؛ لأن المسلم يعلم بأنه لا يعامل بشراً، بل يعامل رب البشر، يعامل الله جل جلاله.
إن الله تعالى أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
قال ابن القيم: «قال ابن عباس وغيره: أي على دين عظيم، وسمى الدين خلقا لأن الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة وإرادات زاكية وأعمال ظاهرة وباطنة موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق، تصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات فتكتسب النفس بها أخلاقا هي أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها، فهذه كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم المقتبسة من مشكاة القرآن فكان كلامه مطابقا للقرآن تفصيلا له وتبيينا، وعلومه علوم القرآن، وإرادته وأعماله ما أوجبه وندب إليه القرآن، وإعراضه وتركه لما منع منه القرآن، ورغبته فيما رغب فيه، وزهده فيما زهد فيه، وكراهته لما كرهه ومحبته لما أحبه، وسعيه في تنفيذ أوامره وتبليغه والجهاد في إقامته » التبيان ص132.
هل تعلم أيها المسلم بأن العبادات التي شرعها ربنا سبحانه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم واعتبرت أركانا في الإيمان والإسلام ليست طقوسا مبهمة أو أعمالا غامضة أو حركات لا معنى لها، كلا فالفرائض التي ألزم الله بها عباده إنما هي صلة للعبد بربه قبل كل شيء وهي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظل مستمسكا بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف، فهي مثل التمارين الرياضية التي يمارسها الإنسان ويداوم عليها يلتمس بذلك عافية البدن وقوته ولياقته.
والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق.
فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها فقال:﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45]
فاجتناب الفواحش والمنكرات ومنها رذائل الأخلاق وسفاسف الأمور من الحقائق التي لأجلها شرع الله الصلاة.
والزكاة المفروضة ليست ضريبة لتفريغ جيوب الأغنياء بل هي غرس لمشاعر الحنان والرأفة والرحمة وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين طبقات المسلمين المختلفة. وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة: 103]. فتنظيف النفس من أدرانها ونقائصها وعيوبها، ونشر المودة والرحمة والتعاون بين المسلمين وذلك هو قمة الخلق هو الحكمة الأولى من وراء فريضة الزكاة.
ومن أجل ذلك وسع النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة كلمة الصدقة التي ينبغي أن يبذلها المسلم وأدخل في مفهومها ما يحقق تلك المعاني السامية ومن ذلك حديث أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة لك، وأمرُك بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» حديث صحيح أخرجه ابن حبان والبخاري في "الأدب المفرد" وغيرهما.
وكذلك حين شرع الله تعالى الصوم لم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من الطعام والشراب بل اعتبره خطوة إلى كف النفس عن شهواتها المحظورة ونزواتها المنكرة.
وإقرارا لهذا المعنى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» حديث صحيح رواه أبو داود وغيره.
وقال: «ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فلتقل : إني صائم إني صائم» صحيح أخرجه ابن خزيمة وغيره.
وقد ذكر الله تعالى ثمرة الصوم في القرآن الكريم فقال :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وقد يحسب ذو النظرة السطحية أن السفر إلى بلاد الحرمين لأداء فريضة الحج الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة إنما هو رحلة مجردة عن المعاني الخلقية ومثال لما قد تحتويه الأديان أحيانا من عبادات غيبية غير معقولة المعنى، وهذا خطأ إذ يقول الله تعالى في الحديث عن هذه الشعيرة: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.
فهذا العرض المجمل لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام، وعرفت على أنها أركانه وأعمدته نستبين منه
متانة الأواصر التي تربط الدين بالخلق. إنها عبادات متباينة في جوهرها ومظهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق».
فالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما شرعه الله تعالى من العبادات هي مدارج الكمال المنشود، وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلى شأنها، ونظرا لتلك السجايا الكريمة والأخلاق الرفيعة التي ترتبط بها أو تنشأ عنها أعطيت منزلة كبيرة في دين الله.
فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكى قلبه وينقى نفسه ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى.
إنَّ أعالي الجنان يسكنها أصحاب الأخلاق العالية جزاءًا وفاقًا، قال صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي أمامة.
الزعيم الضامن والكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه ﴿وأنا به زعيم [يوسف : 72]
وربض الجنة ما حولها وما كان في حاشيتها وأطرافها.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار» حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره من حديث جابر رضي الله عنه.
ورغم هذا كله تجد المسلمين اليوم من أبعد الناس عن الخلق الحسن، والكارثة العظمى أن الذين يفترض أن يكونوا هم القدوة والأسوة في حسن الخلق وهم عمار المساجد بمختلف طبقاتهم أصبحوا من أبعد الناس عن ذلك إلا من رحم الله أما غيرهم فحدث ولا حرج.
إن صور سوء الخلق التي يندى لها جبين المرء خجلا في ديار المسلمين اليوم لا يتسع لها ديوان فضلا عن ورقات فانظر إلى قاموس الألفاظ السيئة والبذيئة التي شاعت بين الناس الآن وانظر إلى المرأة المسلمة التي كانت حيية رقيقة عفيفة قد علا صوتها اليوم وتلفظت بما يخدش الحياء، وسارت كاسية عارية، وشابهت الرجال في كل شيء استجابة لما خدعوها به، وانظر إلى سوء الأخلاق عموما والإهمال في التربية الذي تولد عنه ما نحن فيه من البلاء المستطير.
وهذا كله بسبب الإعلام الهابط بكل ما يعرض فيه من الأغاني التافهة والأفلام القذرة والحصص التي يدعى إليها الذين يفسدون ولا يصلحون وهي من الوسائل التي يتخذها أعداء المسلمين وأعوانهم من بني جلدتنا لإفساد المسلمين وتسويق الرذيلة في مجتمعهم وهذا ما يعرف بالغزو الثقافي والفكري وهو أنكى وأشد من الغزو العسكري المادي بل هو غايته وثمرته.
وفي المقابل تجد الفضائل والأخلاق قد هُجِرت، وألقيت في واد سحيق، وحيل بينها وبين المسلمين وضرب بينهم بجدر من التزييف والكذب والدجل تلبيسا وتدليسا.
فأين حسن المعاملة أين التكافل والمواساة والتواد، أين الصدق والأمانة والنصح، أين الجود والعلم والحلم والوفاء والمروءة والشهامة والشجاعة والبذل والصبر؟ أين معاني هذه الألفاظ الكريمة في واقعنا؟ لقد صارت كلمات خاوية لا يعرف الوجود منها إلا اسمها.
إن هذه الانتكاسة الخطيرة التي أصابت أمتنا حيث صرنا ذيل الأمم وتدحرجنا إلى مؤخرة الركب من أسبابها تضيعنا لهذه الأخلاق الحميدة وما حل محلها من الأخلاق السيئة من أذى وتحامل وكذب وخيانة وحسد وشح وغيبة ونميمة وبغض وتشاحن وتقاطع وحب النفس وعبودية الذات والأنانية المفرطة والعجب فأنى لأمة أن تقوم وهي على هذا الحال
إذا الأخلاق قد ولى ذووها فقل يا موت مر بنا سريعا
وقد صدق الشاعر إذ قال:
وإنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم ويذهب عنهم أمرهم حين تذهب
إن سلفنا الصالح ما بلغوا تلك المكانة وما وصلوا إلى ذلك العز والكرامة بالدعوى والباطلة، بل لمعاني قامت بأنفسهم وصفات تحلوا بها أساسها التوحيد والذي من ثماره تلك الأخلاق الرفيعة التي يكاد السامع لها اليوم يحسبها من نسيج الخيال لبعد الشقة بيننا وبينها وانعدامها من الوجود.
وها أنا أطرب مسامعكم بطرف من أخبارهم في هذا الباب لعلها تجد آذانا صاغية ونفوسا قابلة ولعل باعث الشوق يتردد في نفوسكم فيدفعكم إلى الاقتداء بهم.
ذكر القاضي عياض في كتابه "ترتيب المدارك" عن أبي العرب أنَّ الإمام سحنون خلا بتلميذه أبي عثمان سعيد بن عباد يوماً. فقال له: ألست بإمامك؟ قال: نعم. قال: وتقبَل قولي؟ فقال: نعم. لو لم أقبَله لم أختلف إليك. فقال له: هذا قولي، ويميني. فحلف بالله وأراه صُرة في يده. ذكر أن فيها ثلاثين ديناراً. وقال له: ما هي من سلطان، ولا من تجارة، ولا وصية. وما هي إلا من ثمرة شجرة غرستها بيدي، فخذها، تتقوى بها على أمر دينك ودنياك. فقال: أنا عنها غني. وكان مُفرِطَ الحاجة إلى ما دونها. فقال سحنون: خذها سلفاً، فتتزوج منها، وتنفق، فإن رزقك الله، ردها أقبَلْها منك، فإن تعذر ردها فأنت منها في حل. فقال: ما كنت بالذي آخذ ديناً في ذمتي من غير حاجة. فقال سحنون: فإذا أبيت فلا تذكره لأحد ما دمت حياً.
وذكر عن ابن بسطام قال: أرسلني ابن عبدوس إلى سعيد بعشرين ديناراً. وقال قل له: بلغني أنك تريد الزواج، فخذ هذه إن شئت هدية، أو سلفاً. فجزاه خيراً، وقال: قد عرضها سحنون قبله، ولم نَقْبَل. ولا كنت بالذي يتعجل شهوة بدَين في ذمته.
هكذا كانوا، فقراؤهم يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وأغنياؤهم يرون إخوانهم الفقراء شركاء لهم في أموالهم وأن لهم فيها حقا.
وهذا سعيد بن المسيب في خبر تزويجه ابنته لتلميذه كثير بن أبي وداعة مع فقره وقلة ذات يده على درهمين أو ثلاثة، والقصة مشهورة لكن انظر فيها لتفقد سعيد رحمه الله لتلميذه، لأنَّه لم يَحضُر الدرس فسأله عن سبب غيابه فأخبره أنَّ زوجته ماتت فانشغل بتجهيزها .
ذكر الذهبي في "السير" 7/260 عن ابن أبي وداعة قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، ففقدني أياما، فلما جئته، قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها.فقال: ألا أخبرتنا، فشهدناها، ثم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا. فقلت: وتفعل؟ قال: نعم. ثم تحمد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على دِرهمَين -أو قال: ثلاثة- فقمت، وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي، وجعلت أتفكر فيمن أستدين، فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائما، فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزا وزيتا، فإذا بابي يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد. ففكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيِّب، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له. فقلت: يا أبا محمد، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إنك كنت رجلا عَزَباً ، فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك. فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها، فدفعها في الباب، ورد الباب.
أين من هو مثلك اليوم يا سعيد؟ هل هذا في عرفنا زواج ؟ أين الهدايا ؟ أين الشقة ؟ أين المهر ؟
أين.... وأين.... وأين... والقائمة طويلة ؟
وروى الخطيب البغدادي في "تاريخه" 3/227 عن رباح بن الجراح العبدي قال: جاء فتحٌ الموصلي إلى منزل صديق له يقال له عيسى التمار فلم يجده في المنزل، فقال للخادم: أخرجي إلى كيس أخي فأخرجته ففتحه فأخذ منه دِرهمين، وجاء عيسى إلى منزله فأخبرته الخادم بمجيء فتح وأخذه الدرهمين، فقال: إن كنت صادقة فأنت حرة لوجه الله فنظر فإذا هي صادقة فعتقت.
ما رأيكم لو حدث ذلك مع أحدنا؟ أكان يفرح مثل فرحته؟ وهل يتصرف مثل تصرفه؟ أم أنه يجرم الخادم ويسمعها من السب والشتم ما لا تطيقه الأذن وإن لم يوجعها ضربا اعتبرت ذلك فضلا منه ومنة، فالحق يقال إذا ذكر السلف بيننا افتضحنا كلنا، فاللَّهم افتح بصائرنا واجبر كسرنا واستر ضعفنا.
المصدر

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 Sep 2010, 03:22 PM
أبو الفضل لقمان الجزائري
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيكم.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو الفضل لقمان الجزائري ; 07 Dec 2010 الساعة 02:27 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 Sep 2010, 04:45 PM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفضل لقمان الجزائري مشاهدة المشاركة

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:"الدين كله خلق فمن زاد عليه في الخلق زاد عليك في الدين."اهـ المدارج(2/256).

صدقوا
اللهم ربَّنا لا تجعلنا ممَّن لا يستفيد ممَّا ينشر ويكتب...
وأمَّا من تظاهر بالأخلاق على العام؛ ثُمَّ يفجر ويسب ويشتم في الخصام؛ فليس هو -وربِّي- من ذوي الأحلام؛ ولا من متَّبعي الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام؛ ولا صحبه الكرام؛ ولا سلفه الشِّهام والله المستعان

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد ضياء التبسي ; 09 Dec 2010 الساعة 01:54 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 Sep 2010, 12:16 PM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفضل لقمان الجزائري مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك يا أخي المنصف ضياء.

وفيك بارك الله أخي لقمان
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013