تابع “صور التبرج””
ا 6_ومن التبرج تعطر المرأة إذا خرجت: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليَجدوا من ريحها فهي زانية” رواه أبو داود، والترميذي، والنسائي وحسنه الألباني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن امرأة مرت به تعصف ريحُها، فقال: يا أمة الجبار! المسجدَ تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مامن امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيَقبَل الله منها صلاتها حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل)) رواه البيهقي وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) ، وقال في ((الجلباب)) :((فإذا كان ذلك حراما على مريدةالمسجد، فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة الشوارع؟! لاشك أنه أشد حرمة وأكبر إثما، وقد ذكر الهيتمي في ((الزواجر)) أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها))، وقال ابن القيم في ((إعلام الموقِّعين)):(( نهى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو تصيب بخورا، وذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوفهم إليها، فإن رائحتها وزينتها وصورتها وإبداء محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرج تَفِلة وأن لاتتطيب وأن تقف خلف الرجال وأن لاتسبح في الصلاة إذا نابها شيء، بل تصفق ببطن كفها على ظهر الأخرى، كل ذلك سدا للذريعة وحماية عن المفسدة)).
وقد تلعّب الشيطان بكثير من اللائي يعرفن هذا الحكم فاخترع لهن طريقة ماكرة للتطيب خارج البيت بأن يقول لإحداهن: لابأس باستعمال الطيب قبل الخروج إذا كنتتركبين سيارة محرمك ولاتنزلين منها إلا عند باب العرس مثلا المخصص للنساء!! لكن الخبيث لا يذكرها بإمكانية تعطل السيارة فتضطر للنزول منها أو حصول أي سبب آخر لايعلمه إلا علام الغيوب يضطرها إلى المرور بطيبها أمام غير المحارم، كما اخترع لهن حيلة أخرى يتجرأن بها على هذا الحد الشرعي ألا وهو التساهل في استعمال مزيل العرق المطيَّب والتوسع فيه حتى ربما تعصف ريحها عند الرجال الأجانب عنها! ولو أنهن قلن لربهن: سمعنا وأطعنا، ولشيطانهن: خابت فلسفتك وضاعت عندنا وسوستك لكان خيرا لهن، والله العاصم.
ا 7_ ومن التبرج أن يشبه لباس المرأة لباس الرجل: كأن تلبس المرأة معطف الرجال يقال له اليوم (الجاكيت) أو سراويل يقال لها (بنطلون) مثلا،ولا يحفزها لذلك سوى حبِّ تقليد الكافرات الائي تُشغف بالنظر إليهن يوميا في وسائل الإعلام، لاسيما ضعيفات الإيمان المبتليات بمتابعة أهل الفسق من عارضات الأزياء ونساء المجلات النسوية، وقد تلبس (البنطلون) بزعم أنه أستر لها، وقد غفلت عن كونها وقعت في لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل لباس هي قادرة على التخلص منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)) رواه أبو داود وصححه الألباني، وقد يستدلون بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألاوهو: ((اتخذوا السراويلات، فإنه من أستر ثيابكم، وخصّوا بها نساءكم إذا خرجن)) انظر ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السّيِّء في الأمة)) (601)و(3252)
أو تلبس الحذاء الخاص بالرجال، كما اشتهر اليوم لبس النساء الأحذية الرياضية الرجالية التي أريد تأنيثها مع أنها إذا لبستها أكسبتها حركة الرجال في مشيتها وسائر حركاتها، فعن رجل من هُذَيل قال:(( رأيت عبد الله بن عمرو بن العاص ومنزلُه في الحلِّ ومسجده في الحرام، قال: فبينا أنا عنده رأى أم سعيد ابنة أبي جهل متقلِّدة قوسا وهي تمشي مشية الرجال، فقال عبد الله : من هذه؟ قال الهُذلي :فقلت: هذه أم سعيد بنت أبي جهل، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال)) أخرجه أحمد، وانظر تخريجه في ((الجلباب)).
وقد كان من يقظة نساء السلف ودقتهن في ترك التشبه بالرجال منع المرأة من أحذية الرجال، فعن ابن أبي مُلَيكة قال: قيل لعائشة رضي الله عنه:(( إن امرأة تلبس النعل، فقالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرَّجُلة من النساء)) رواه أبو داود وصححه الألباني، فهذا فهم فقيهة النساء عائشة رضي الله عنها، وعلى هذا الفقه درج الفقهاء، حيث كانوا يحذرون من تشبه كل جنس بالآخر في كل شيء، فقد سُئل الإمام أحمد عمن يُلبس جاريته نوعا من المآزر الخاصة بالرجال؟ فقال:(( لايُلبسها من زي الرجال، لايُشبِّهها بالرجال))، وسئل أيضا عن إلباسها نوعا من النعال الرجالية؟ فقال: لا! إلا أن يكون لبسها للوضوء، فقيل له: للجمال؟ قال:لا!))، ثم سئل عن حلق شعرها؟ قال((لا!))، لأن حلق الشعر خاص بالذكور لا الإناث، كذا في (مسائل الإمام أحمد)) لأبي داود.
وقد عد الذهبي تشبه المرأة بالرجال من الكبائر، فقال في كتابه((الكبائر)): ((فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفُرَج والأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم، فتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أي رضي به ولم ينهها، لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية لقوله تعالى: » قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ “[التحريم:6] ، أي أدِّبوهم وعلموهم ومروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصية الله كما يجب ذلك عليكم في حق أنفسكم ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومئول عنهم يوم القيامة)) ، وقال الهيتمي في ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) : ((عدُّ هذا من الكبائر واضح لِما عرفتَ من هذه الأحاديث الصحيحة ومافيها من الوعيد الشديد))، وقال ابن جَرير:((لايجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء والعكس)) نقله عنه ابن حجر في ((الفتح)).
ا 8_ومن التبرج أن يكون الجلباب ثوب شهرة: المرأة أكثر الجنسين وقوعا في هذه المخالفة، لِما فُطرت عليه من المبالغة في حب الجمال وسعيها في حب التميز،ولما فيها من نقص عقلي يدفعها إلى الاهتمام بالمظاهر أكثر، ولذلك تشتد عنايتها بالزخارف وأساليب التزيين، كل ذلك يركِّب فيها عُجبا يظهر في صورة البحث عن التميز، وقد فُتن الناس اليوم بكلمة(التميز)، وحاولوا أن يقرِّبوا معناها من معنى سَبْقِ الآخرين بالإبداع والانتاج، لكن الحقيقة أن (التمّيز) لا يكاد يتخلص من معاني (خالف تعرف)، و(الشذوذ عن المألوف)، (وحب الظهور) الذي قال فيه الحكماء: حب الظهور يقصم الظهور، وقد قالوا ذلك لأن بابه الواسع هو حب الاشتهار،وكم ترى في النساء من تكلف في تفصيل جلباب لايشبه جلابيب الأخريات حتى يُشار إليها بالبَنان وتُعرف بين النساء بأنها مبدعة وعارفة بأزياء العصر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوبا مثله))، زاد عن أبي عوانة:((ثُمّ تُلَهَّبُ فيه النار)) رواه أبو داود وحسنه الألباني في ((الجلباب)) (ص 214)، وقد جعلتُه من التبرج، لأن التبرج هو البروز، وأيُّ بروز يكون كبروز الشهرة؟!
استجابة المؤمنات لله وللرسول صلى الله عليه وسلم
لولا ظهور الحرص على الشهرة والظهور أمام الناس بمظهر يُعجبهم لَما كان لموضوع الحجاب لغط كبير وأخذ وردّ، لأن مسألة الحجاب تعود إلى أمر سهل، ألا وهو ستر الجسد بقطعة قماش، وهذا الفعل ميسور لا كلفة فيه، لاسيما إذا علمت المؤمنة أن ذلك يرضي ربها الذي تعبده وتحبه، فإنها تطير فرحا بالقيام بشيء يُرضي عنها ربها وهو عمل يسير جدا وثوابه عظيم جدا، ومن السفه العقلي أن تدخل النار من أجل قطعة قماش خلقها الله لها وهي تترفع عنها ولاتستجيب لأمر مولاها في شأن مستسهل وهي تدّعي حبّه!
وقد أمر الله أهل الإيمان بالاستجابة له من قَبل حلول عذابه بالمعرضين عنه، فقال: »اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ” [الشورى:47]، وقد تكون عدم الاستجابة له سببا في الحيلولة بين العبد وبين الإيمان فيُحرَمه، كما قال سبحانه وتعالى: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ” [الأنفال:24]، ولذلك فإن المؤمنه تسارع إلى طاعة ربها ولاتختار لنفسها غير مااختاره الله لها، قال سبحانه وتعالى: »وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ” [الأحزاب: 36]، وكل ماسوى هذه الشريعة السمحة فجهل وهوى، لأن الله قال: »ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ” [الجاثية:18]، فأخبر أن كل من لم يتبع شريعته سبحانه وتعالى فهو متبع لهوًى وجهل، وقد ضرب نساء الرَّعيل الأول المُثُلَ العليا في الاستجابة لأمر مولاهن في الحجاب، فقد روى البخاري وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت:((يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَلَ، لّما أنزل الله:”وليضربن بخمرهن على جيوبهن”[النور:31] شققن مروطهن فاختمرن بها))، هكذا في الرواية: ولم تقل إحداهن:نعم! لكن حتى أذهب إلى الخياطة كي تفصل ليَ خمارا حسنا بدلا من تقطيع خمار من ثيابي فيستبشعه الناظر إليه وتنفر منه المتبرجات الضعيفات…! لم يكن ثمَّ مجال للعمل على إرضاء الخلق بالبروز لهم في صورة يستحسنونها، بل إرضاء الرب بالمتيسر أولا هو الذي سارع إليه مؤمنات ذلك الزمان، بل زاد أبو داود في روايته وصححها الألباني:(( شققن أكثف مرطهن فاختمرن بها))، فهذا دليل على أنهن شققن من ثيابهن أغلظها، لأنها أستر.
وروى أبو داود، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) عند هذه الآية_والسياق له والإسناد صحيح_ عن صفية بنت شيبة قالت:((بينما نحن عند عائشة قالت: وذكَرَت نساء قريش فضلَهنّ، فقالت عائشة: إن لِنساء قريش لفضلا، وإني_والله!_ مارأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقا بكتاب الله ولاإيمانا بالتنزيل، لقد أُنزلت سورة النور:”وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ” [النور:31] انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ماأنزل إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كلِّ ذي قرابته، مامنهن امرأة إلا قامت إلى مِرطِها المُرَحَّل فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن يصلين وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان))، ويلاحَظ أن الرواية الأولى ذكرت المهاجرات والثانية ذكرت نساء الأنصار، قال ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)):(( ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك))
وعلى كلٍّ، فذاك جيل عظيم: مهاجروه وأنصاريِّوه، وإنّ تأسي المؤمنة بأيٍّ منهما تاسٍّ بأهل الجنة، كما قال سبحانه وتعالى:”وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ” [التوبة:100] إن عزّ المسلمة اليوم في وقوفها ثابتة على دين الله ثبوت الجبال الرواسي وسط هذا العفن الخلقّي الذي ارتدّت إليه البشرية إلا ماشاء الله، متمسكة بحبله تمسك العاض عليه بالنواجد، حريصة على مرضاته أولا وآخرا،متذكرة قول الرسول صلى اله عليه وسلم:((يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر)) رواه أبو داود والترمذي ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه وصححه الألباني، وزادوا جميعا من حديث أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه:(( فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم))، هذه هي الأسوة الحسنة، ولاأُسوةَ في النساء الائي همَّتهن لاتتجاوز حدود المرآة، والنظر في الأزياء المعروضة في الصحف والمجلات، وتتبُّع الحديث عن الفنانين والفنانات، وكيف يحصلن على بشرة جميلة ولو بتغيير خلق الله وأظافير قوية حتى تصير كمخالب حيوان لاتقلمها شهورا متتابعات!
فلتحافظ المؤمنة على الحجابين: حجاب اللباس وحجاب البيوت، كي تكون أقرب غلأى ربها وأبعد عن كل فتنة، روى أبو داود بإسناد صحيح عن أبي المليح قال:(( دخل نِسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها، فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكًورة التي تدخل نساؤها الحمّامات؟ فلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(( مامن امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هَتكت مابينها وبين الله تعالى))، ألا فتعسا لامرأة تضيِّع الصِّلة التي بينها وبين ربها من أجل قطعة قماش خلقها الله لها وهي ترفضها! وهو يصونها في بيت عزِّها وهي تأبى إلا أن تكون متعة كلِّ عين خائنة، قال ابن العربي في (( أحكام القرآن)): ((ولقد دخلتُ نيِّفاً على ألف قرية من بريَّة، فما رأيت نساءً أَصْوَنَ عِيالا، ولاأعفّ نساءً من نساء نابُلس التي رُمي فيها الخليل عليه السلام بالنار، فإنّي أقمت فيها أشهرا فما رأيت امرأة في طريقٍ نهارا إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، وسائر القرى تُرى نساؤها متبرجات بزينة وعطلة، متفرقات في كل فتنة وعُضلَة، وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ماخرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه)).
وبعدُ، فإن الله شرع لكِ_أيتها المؤمنة!_ حجابا ظاهرا ليصونك، فإن شرح الله صدرك للتحجب وانتصرت على الشيطان في هذا، فلا تغفلي عن الحجاب الباطني، بل ينبغي أن يكون حذرُك من تمزيق هذا أشدّ، وهو أن تحجبي نفسك عن غشَيان المآثم، لأنك إن كنت في حالٍ محجوبة عن نظر الناس إليك فإنه ليس بينك وبين الله حجاب، فلتراقبي باطنك وظاهرك في الخلوات والجلوات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( اتق الله حيثُما كنت)) رواه التمذي وهو حسن، وكما تلبسين حجابك عند بيت الله الحرام، تلبسينه إذا اضطرّك الحال للسفر إلى بلد لايَعرف الحلال من الحرام، فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( لأعلمن أقواما من أمّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تِهامة بِيضاً فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورا، قال ثوبان:يارسول الله! صفهم لنا، أن لانكونمنهم ونحن لانعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جِلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وإن التي تظهر للناس بحجاب سابغ ثم تنقضُ حُرمته إذا لم يكن عليها منهم رقيب يُخشى عليها أن يكون لها من هذا الحديث أوفر نصيب! فتزيني_أيتها المؤمنة!_في هذا اليوم ليوم العرض، وإذا كان الناس قد اعتادوا على التزين في هذه الدنيا بإصلاح الظاهر، فإن التزين لليوم الآخر يكون بإصلاح الباطن والظاهر، قال الله تعالى:”وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ” [الأنعام:120]، مع أن إعمار الباطن بلباس التقوى هو أكمل زينة وأعظمها لمن لم تفرِّط في زينة ظاهرها بما يحب الله ويرضى، قال تعالى:”يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ “[الأعراف:26].
فتأملي حالك مع حجابك ومع من تتزينين له يوم تلقينه، وليس بنافعك لباسُ زخرفتيه للخلق في دنياك، أو تركُ حجاب خلعتيه خوفا من ضحك الحضارة عليك، فإن هؤلاء جميعا لايعرفونك يوم يقومون من قبورهم إلا بحسناتك إن كانت لك، أما لباس التبرج فإلى اللعنات وطول الحسرات، بل لاينظرون إليك أصلا بعد أن كانوا في الدنيا يُكبِرون منك حسن اختيارك لأرقى (الماركات) وسعة اطِّلاعك على أحدث التفصيلات، في ذلك اليوم كل مشغول بمصيره، قال سبحانه وتعالى:”فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وأمِّهِ وأبيه (35) وَصَاحِبَتِهِ وبَنِيه (36) لِكُلِّ امرِئٍ منهم يومئذ شأن يُغنيه” [عبس]، وإن لم تستفسقي هنا بان لك أمرك يوم تُبلى السرائر وتنكشف الستائر، وياخيبة المفرِّطين إذا بُعثر مافي القبور، وحصِّل مافي الصدور! فعند ذلك يتميز الخالص من البَهرج الزائف، وينقسم الناس مابين آمن وخائف، فنعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر، قال تعالى:”يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ” [الحاقة:18]، روى أبو نُعيم والبيهقي في ((الشُّعب)) عن عنبسة الخوّاص يقول:((كان عُتبةُ_وهو ابن أبان الغلام_ يزورني فربما بات عندي، قال: فبات عندي ذات ليلة فبكى من السَّحر بكاء شديدا، فلما أصبح قلت له: قد فزَّعت قلبي الليلة ببكائك، ففيم ذاك ياأخي! قال” ياعنبسة! إنّي_والله!_ ذكرت يوم العرض على الله، ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عَينَيه يتقلبان قد اشتدت حمرتهما، قال: ثم أزبد وجعل يخور، فناديته:عُتبة! عتبة! فأجابني بصوت خفيٍّ: قَطع ذِكر يوم العرض على الله أوصال المحبين! قال: ويردِّده، ثم جعل يُحشرج البكاء يردده حشرجة الموت ويقول: تُراك تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؟قال: فلم يزليرددها حتى_والله!_ أبكاني)).
لقد أنزل الله شريعته في لباس المرأة وهو خالقها وخالق اللباس لها، وبين هذه الشريعة لها ولم يكتمها عنها كي لاتضلَّ، كما قال:”يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” [النساء:176]، فعمل بها أجيال من المؤمنات الصالحات فسعِدن بها في الدنيا ولم يبأسن ولم يشقَين، ثمّ انتقلن غلى الدار الأولى من دور الآخرة محمودات مرضًّا عنهن، وتخلَّف عن العمل بها من النساء اللائي ماقدرن الله حق قدره، وآثرن الفانية على الباقية، منخدعات باللهث وراء الزينة التي زينها لهن الشيطان، فكَبرَت أسنانهن على حب العاجل الزائل إلى أن ضعُف الجسم وذهب جماله وانحل رونقه ودلاله، فاحدودب الظهر، وسقط الشعر، وتشحّبت البشرة التي طالما بذلن الأموال الطائلة ليَخرجن للناس فيها بوجوه لمّاعة خداعة، ثم مُتْنَ متحسّرات على مافرطن في جنب الله، قد كنّ يُجمِّلن أعضاءً بما لم يأذن به الله، ثم تنقلب عليهم يوم القيامة بماأذن الله، حيث تشهد عليهم بما عملوا فيها، قال سبحانه وتعالى:”شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ” [فصلت]، فأي الفريقين أحق بالسعادة والحبور؟! قال سبحانه وتعالى:”وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ” [فصلت]، فلاتبيعي مستقبلك الأُخروي الأكيد، بسرابٍ دنيوي إدراكه بعيد، قد بوأك الله منزلة نفيسة، فلاتهبطي دركاتٍ خسيسة، طلبا للأوهام الكاذبة، وتتبُّعا للصيحات الخائبة، والله وحده الموفق لسلوك الطريق المُوصل إلى دار السرور، وبيده وحده التيسير للزُّهد في دار الغرور، والحمد لله رب العالم
منقول
التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 15 Dec 2010 الساعة 11:17 AM
|