منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 20 Jul 2010, 10:50 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

كلمة عن المرجئة
إنّ الذي دعاني إلى عقد هذا الفصل هو أنني رأيت كثيراً من المغرضين يَرمون الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين بالإرجاء؛ لأن هؤلاء فسَّروا آيةَ الحكم بغير ما أنزل الله على التفصيل المعروف عند السلف، ولم يُكَفِّروا مطلقاً، ولأنهم يمنعون الخروج على الحكام الظلمة من المسلمين ما لم يروا كفراً بواحاً، بل ولو رأوا كفراً بواحاً منعوه أيضاً إذا كانت المصلحة الشرعية والقدرة تنْأَيان عن ذلك ... وأقول:
1ـ إنّ القول بالخروج السابق هو مذهب المرجئة؛ فقد روى ابن شاهين عن الثوري أنه قال: " اتَّقوا هذه الأهواء المضِلَّة!"، قيل له: بَيِّن لنا رحمك الله! فقال سفيان: " أما المرجئة فيقولون ... "، وذكر شيئاً من أقوالهم، إلى أن قال: " وهُم يَرَوْن السيفَ على أهل القبلة! ".
وروى أيضاً أنه قيل لابن المبارك: ترى رأي الإرجاء؟ فقال: " كيف أكون مرجئاً؛ فأنا لا أرى السيف؟! .. ".
بل روى الصابوني بإسناده الصحيح إلى أحمد بن سعيد الرباطي أنه قال: قال لي عبد الله بن طاهر: " يا أحمد! إنكم تبغضون هؤلاء القوم (يعني المرجئة) جهلاً، وأنا أُبغضهم عن معرفة؛ أولاً: إنهم لا يَرَوْن للسلطان طاعة ...".
قلت: ألا تدلّ هذه النصوص دلالةً واضحةً على أنهم هم المرجئة على الحقيقة، وأن أئمتنا المذكورين آنفاً براءٌ من ذلك.
ولا عجب حينئذ أن ينشأ الإرجاء على أعقاب الخروج؛ قال قتادة: " إنما حدَثَ الإرجاء بعد فتنة ابن الأشعث ".
ومن الأدلة على إرجائهم أيضاً:
2ـ ترك الاستثناء في الإيمان وما يتبعه، وإنْ زعم بعضهم ـ بلسانه ـ أنه على مذهب السلف، ألاَ تراهم يقولون: ( الشهيد حسن البنا .. الشهيد سيّد قطب ..)، ولو قيل لهم: إن كان وَصْفهم بالشهادة واجباً حركيًّا ما لكم منه بدّ فاستثنُوا بقولكم ـ على الأقل ـ: ( إن شاء الله)؛ فقد عقد البخاري
في كتاب الجهاد من (( صحيحه )) باباً في ذلك فقال: " باب لا يُقال فلان شهيد "، وذكر الأدلة على ذلك، قلتُ: وقد طُلِب منهم هذا مراراً فاستنكفوا؛ وقالوا إنما أنتم في الجهاد تطعنون، وللمخابرات العالمية مُسَخَّرون!!
وهذا الاستنكاف عن الاستثناء هو أصل الإرجاء؛ قال عبد الرحمن بن مهدي ـ رحمه الله ـ: " أصل الإرجاء ترْكُ الاستثناء ".
3ـ ثم عوداً على بدء فأقول: إن المرجئة الأولين أُتُوا من قِبَل تعظيمهم الإيمانَ واستهانتهم بالمعاصي؛ فاستبعدوا لذلك أن يحبط الإيمان بالذنوب، فقالوا: " لا يضرّ مع الإيمان ذنب! "، فمن ثَمّ كان ضلالهم. وأما هؤلاء
ـ اليوم ـ فأُتوا من قِبَل تعظيمهم السياسةَ؛ وكل من كان معهم في حركتهم فهو صاحب الولاء، ولا يضرّ مع الفقه الحركي ذنب، ولو كان هو الشرك بربّ العالمين!!! ألا ترى كيف يسقط أقطابهم والمُنَظِّرون لهم في العظائم ولا يُحَرِّكون ساكناً غيرةً على الدين؟! إنما غيرتهم علىحزبهم وحركتهم!! ألا ترى كيف يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها إن سمعوا الشيخ عبد العزيز والشيخ الألباني يقولان بترك المواجهة الدموية مع اليهود ريثما يتقوَّى المسلمون؟! وهي فتوى من مجتهدَيْن حقيقةً. وأما إذا أخطأ مُحرِّكوهم، فإنّ الواجب الحركي عندهم غضُّ الطرف عنهم مهما كانت شناعتها، وما أكثر ما يُفتُون في الدماء والأعراض والأموال فيُهدِرونها! مع أنهم لو بلغوا درجة طلبة العلم لكان هذا أحسن الظنّ بهم!
ـ فهذا علي بن حاج يُفْتي بقتل آلاف من المسلمين وبتشريد بقيتهم ويُرَوِّع بلداً آمناً، ويقول ما يقول من الإشادة بالمذهب الديمقراطي وغير ذلك مما نقلتُه عنه قَبْل، مع ذلك فلا ينتقده ـ عندهم ـ إلا عميلٌ!!
ـ ويطعن من قَبْله سيّدُ قطب في بعض أنبياء الله تعالى، ويطعن في جمع من الصحابة المشهود لهم بالجنة، ويرى السياسة الشرعية متمثلة في المذهب الاشتراكي الغالي، وغيرها من الدواهي التي بيَّنها الشيخ ربيع المدخلي في كتبه الأخيرة، وقد قال الألباني: " حامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر: الشيخ ربيع "، وهذه شهادة من متخصِّص!
ـ ويجيء الترابي بدولة الإسلام المزعومة في السودان ليُنظِّم مؤتمرات لوحدة الأديان وليُشِيد بدين القبوريين وليُشَيِّد عددا كبيرا من الكنائس ما كانت تحلم به أيُّ دولة علمانية من قبله.
ـ ويقوم للأفغان كيان في دولتهم، فلا يغيِّرون من دين القبورية والخرافة شيئا! بل يقتلون أهل التوحيد دفاعا عن طواغيتها! وما مؤامرتهم على ولاية كنر الإسلامية عنا ببعيد! مع أن هذه القرية هي الوحيدة في أفغانستان التي أقيم للتوحيد فيها صرحه، وتقام فيها الصلاة أحسن إقامة وكذا الحدود الشرعية، ولا تُعرَف هناك بلدة تُحارَب فيها المخدِّرات مثلها ... فجاءت دولة ( الإخوان ) لا تألوهم خبالاً؛ حتى خربوها واغتالوا أميرها الشيخ السلفي: جميل الرحمن ـ رحمه الله ـ ... فجمعوا بين أكبر الكبائر على الإطلاق وهي: الشرك وقتل النفس بغير حقّ ...
كل هذا وغيره كثير جدا! ولا يضرّ إيمانَهم! ولا يُسقط إمامتَهم!! بل الويل لمن يفكِّر في انتقادهم؛ لأنه يطعن في مصداقية الجهاد!! بل أمّلوا ـ مع هذه المخازي والبدع المكفّرة ـ أن تكون الدولة الإسلامية المنشودة هي التي في أفغانستان والسودان!! كما في شريط سلمان العودة: » لماذا يخافون
من الإسلام؟ «. وليس الأمر كذلك؛ لأن الله تعالى قال:{ليس بأمانِيِّكم
ولا أَمانِيِّ أهل الكتاب مَن يَعمَلْ سوءًا يُجْزَ به ولا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً}.
فلذلك عدّهم بعض أهل العلم من غلاة المرجئة؛ لأن المرجئة عظَّموا الإيمان وهو أصل الدين، وأما هؤلاء فعظَّموا جزءا من جزئيات الدين؛ ألا وهو السياسة، مع العلم بأن سياستهم هذه لا تعدو أن تكون مزيجا من الاشتراكية والديمقراطية؛ كما هو معلوم عند من اطّلع على كتب سيّد قطب وغيره ممن هو على شاكلته، بل قلْ باختصار: هي الفقه الحركي المبتدع، والمرجئة لم
ينفوا تضرّر صاحب الإيمان بشرك يرتكبه، بل اعترفوا بأنه لا ينفع مع الكفر
حسنة، وأما هؤلاء فهم شافعون لأئمتهم ولو قالوا بالكفر الصريح كما
سبق!!!
4ـ هذا الأصل تبعه أصل آخر عند المرجئة، ألا وهو عدم بيان السنة للناس، مع ترك الرّدّ على المبتدعة؛ قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بعد كلام له عن أهل التكفير: " وبإزاء هؤلاء المكفِّرِين بالباطل أقوامٌ لا يَعرِفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يَعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا يُبَيِّنونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمّون أهل البدع ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمّون الكلام في السنة وأصول الدين ذمًّا مطلقاً .. أو يُقِرُّون الجميع على مذاهبهم المختلفة ... وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوِّفة والمتفلسفة ... وكلا هاتين الطريقتين ( أي المكفِّرة والمرجئة ومن معهم ) منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة ".
ولا يَختلف اثنان أن هذا من أعظم الأسس التي يرتكز عليها دين الحركية؛ وهل ثَمَّ أحدٌ يُنكر مقولتهم: ( ليَعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، ولنعمل فيما اتَّفقنا عليه!! )، وقد بيّنت ـ في هامش قريب ـ من كلام حسن البنا أنهم يَعنون الاختلاف بإطلاق! قالوا هذا؛ لأنهم لو أخذوا يُنكرون على أهل البدع لضيَّعوا أكثر متبوعيهم الذين يمدّونهم في الغيّ!
ثم لم يقف هذا عند أهل البدع، بل تعدّاه إلى أهل الكفر؛ فقد سبق أن نقلتُ في ص (220) كلام ( الإخوان ) في رضاهم بأُخُوّة النصارى لهم بل ومطالبتهم بذلك! كما نقلتُ كلام حسن البنا في ص (221)، والقرضاوي ص (222) في أنه لا خصومة دينية بيننا وبين اليهود!! فماذا بعد هذا؟!
فهذه أربعة أصول وافقوا فيها المرجئة، فأيّ الناس أحقّ بوصف الإرجاء؟! أليس يَصدق فيهم قول القائل: رمتني بدائها وانسَلَّت؟! والأمر لله.
التفريق بين فقه النفس وفقه الواقع
عرَف المتقدِّمون فقه الواقع باسم ( فقه النفس )، وبين القديم والجديد فروق جوهرية تتجلى من كلمة ذهبية لابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث يقول: " ولا يتمكَّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حَكَم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبِّق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يُعدَم أجرين أو أجرا، فالعالم مَن يتوصَّل بمعرفة الواقع والتفقّه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله، كما توصَّل شاهد يوسف بشقّ القميص مِن دبر إلى معرفة براءته وصدقه، وكما توصَّل سليمان بقوله: » ائتوني بالسكين حتى أشقّ الولد بينكما « إلى معرفة عين الأم، وكما توصّل أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله للمرأة التي حمَلت كتاب حاطب لمّا أنكرته: " لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لنُجَرِّدَنّك " إلى استخراج الكتاب منها، وكما توصّل الزبير بن العوّام بتعذيب أحد ابني أبي الحقيق بأمر رسول الله حتى دلَّهم على كنز حُيَي لمّا ظهر له كذبه في دعوى ذهابه بالإنفاق بقوله: " المال كثير والعهد أقرب من ذلك "، وكما توصّل النعمان بن بشير بضرب المتهَمين بالسرقة إلى ظهور المال المسروق عندهم، فإن ظهر وإلا ضرب مَن اتّهمهم كما ضربهم، وأخبر أن هذا حكم رسول الله . ومَن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بَعث الله بها
رسوله ".
ومن خلال هذه الأمثلة وشرح ابن القيم لها يتبيَّن لك أنه ـ رحمه الله ـ يتحدَّث عن الفراسة التي يُؤْتاها الحاكم حينما تعرض له قضايا يَجهلها ولا يَعرف واقعها، لا كما ظَنَّ قوم ـ حين وجدوا ابن القيم استعمل لفظ ( فهم الواقع والفقه فيه ) ـ أنه يعني فقه الواقع الذي استحدثوه، وفسَّروه بالاطِّلاع على الواقع ومتابعة أخباره! فإن هذا المعنى لم يُعَرِّج عليه ـ رحمه الله ـ قط، لأنه ليس عِلماً فكيف يكون فقهاً وهو مقدور لكل ( حشّاش ) ونوكي؟! ثم إنني ما زدْتُ ههنا على أن نقلْتُ كلامه الذي في » إعلام الموقعين « ـ وهو الذي أخطأوا فهمه ـ بشرحه له هو نفسه في » الطرق الحكمية «.
ولذلك صدَّر ابن القيم كتابه » الطرق الحكمية في السياسة الشرعية « بالحديث عن فراسة الحاكم والقاضي، بل لقد جاء عنوانه في بعض المخطوطات: » الفِراسة المَرْضية في أحكام السياسة الشرعية « فتدبّر! ومِن كلام ابن القيم هذا أخذت تسمية كتابي، فوصفت القادر على هذا النوع من الفهم بوصفين هما: الاجتهاد والفراسة.
لذا فإن الذي ننعاه على متفقهي زماننا في واقع المسلمين ليس هو مجرد الاطلاع على مكايد الأعداء، فهذا شرّ لا بدَّ من معرفته، ولكن ننعى عليهم ما يأتي:
أ ـ تأسيسهم الإصلاح على العمل السياسي، وهذا الخطأ وحده كاف لإسقاط منهجهم كله نظرا لمخالفته منهج الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، فكيف وقد انضمّ إليه ما سيأتي.
ب ـ دخولهم في العمل السياسي وإفتاؤهم في قضاياه وليسوا من أهله قال الله تعالى: {ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
ج ـ ومِنْ ثم افْتِياتهم على أهله:العلماء والأمراء، قال الله تعالى: {ولَوْ رَدّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
د ـ ومِنْ ثم طعنهم في أهله، وهو انحراف واقع، ما له من دافع، لأن صدورهم أضيق عن تحمُّل خلافهم لهم، لو كان لخلافهم اعتبار، ولقد ساءني جدا أن أقرأ جواب سلمان العودة على سؤال مجلة » الإصلاح « الإماراتية عن قضية الخليج، حيث قال: " وأكَّدَت على أنهم ليسوا على مستوى مواجهة مثل هذه الأحداث الكبيرة، وكشفَتْ كذلك على عدم وجود مرجعية علمية صحيحة وموثوقة للمسلمين بحيث أنها تحصر نطاق الخلاف وتستطيع أن تُقدِّم لها حلاًّ جاهزا صحيحا وتحليلا ناضجا ..!!".
يَعلم الله أنني كنت أعلم ما عند سلمان من مزالق مهلكة، لكنني لم أتصوره يوما ما بهذا المستوى والجرأة على أهل العلم، ولو أخبرني به أحد لكذّبتُ أو تأوّلتُ؛ لأنه لو جاز لأحد أن يُسقط جهود العلماء بل أن ينفي وجودهم لم يجز لسلمان أن يكون فريسته، لأنه يعيش بين ظهراني هيئة كبار العلماء، التي كثيرا ما يُظهر توقيره لها، فهل هي عنده مرجعية علمية غير صحيحة؟! وهل فتاواها تحليلات غير ناضجة؟! وهل يُعَدّ الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين غير موثوقين حتى يَعتبر وجودهم كالعدم؟! اللهم إن هذا لظلم عظيم!
هذا وليَقُل المتعصبون للرجال: لعله لا يقصد ذلك! أو لا بدَّ من قراءة السابق واللاحق! فقد تركنا لكم الوقت لذلك فهل أنتم فاعلون؟
وهذا المزلق انحراف شنيع؛ لأنه :
ـ إما طعن في العلماء، فقد صحّ عن عبادة بن الصامت t أن رسول الله قال: (( ليس من أمتي مَن لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويَعرف لعالمنا حقه )) رواه أحمد وغيره وهو صحيح.


يتبع


التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 23 Jul 2010 الساعة 04:57 AM
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 22 Jul 2010, 01:10 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

ـ وإما طعن في الأمراء، فلا يزال الأمر بهم يشتدّ حتى ينكروا عليهم بطريقة الخوارج، التي أول علاماتها التشهير بأخطائهم على المنابر، ونهايتها التي لا مناص منها الخروج عليهم، وفي ذلك مخالفة صريحة للهدي النبوي في الإنكار عليهم، قال ابن أبي عاصم في » كتاب السنة 171 \: " باب كيف نصيحة الرعية للولاة "، وأسند فيه عن شريح بن عبيد الحضرمي وغيره قال: جلد عياض بن غنم صاحبَ دار حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي يقول: » إن مِن أشد الناس عذابا أشدهم عذابا في الدنيا للناس «، فقال عياض بن غنم: " يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعتَ ورأينا ما رأيتَ، أو لم تسمع رسول الله يقول: »"" مَن أراد أن يَنصح لسلطان بأمر فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيَخْلُو به، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه له «، وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجتريء على سلطان الله، فهلاّ خشيتَ أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى؟!".
وحتى لا يَعظم عليك أن نسبتُ مخالفي هذا المنهج إلى مسلك الخوارج، فإنني أورد هنا ما رواه الترمذي وغيره عن زياد بن كُسيب العدوي قال: كنتُ مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر، وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبوبكرة: اسكت؛ سمعتُ رسول الله e يقول: » من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله «.
قال الذهبي: " أبو بلال هذا هو مرداس بن أُدَيّة، خارجيّ، ومن جهله عدَّ ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق! ".
ومثله ما رواه سعيد بن جُمْهان قال: أتيتُ عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلّمت عليه، قال لي: مَن أنت؟ فقلت: أنا سعيد ابن جمهان، قال: فما فعل والدك؟ قلت: قتلَتْه الأزارقة، قال: " لعن الله الأزارقة! لعن الله الأزارقة! حدَّثنا رسول الله e أنهم » كلاب النار «، قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بلى الخوارج كلها، قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناسَ ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال: " ويحك يا ابن جمهان! عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فأْتِهِ في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قَبِل منك وإلا فدَعْهُ؛ فإنك لست بأعلم منه ".
فائدة: روى عبدالله بن أحمد بإسناده الصحيح إلى سعيد بن جمهان أنه قال: " كانت الخوارج تدعوني حتى كدتُ أن أدخل معهم، فرأت أخت أبي بلال في النوم أن أبا بلال كلب أهلب أسود، عيناه تذرفان، قال: فقالت: بأبي أنت يا أبا بلال! ما شأنك أراك هكذا؟ قال: جُعِلْنا بعدكم كلاب النار، وكان أبو بلال من رؤوس الخوارج ".
وعلى كل حال فإن مجرَّد التحريض على السلطان المسلم ـ وإن كان
فاسقا ـ صنعة الخوارج، قال ابن حجر في وصف بعض أنواع الخوارج:
" والقَعَدية الذين يُزَيِّنون الخروجَ على الأئمة ولا يباشِرون ذلك "، وقال عبد الله بن محمد الضعيف: " قَعَدُ الخوارج هم أخبث الخوارج ".
قلت: فأيّ الخطباء اليوم سَلِم من هذه اللوثة؟! ولاسيما منهم الذين يخطبون من الناس جمهرتهم والشهرة عندهم! فاللهم سلِّم!!
ولذلك قال الشيخ صالح السدلان فيهم: " .. فالبعض من الإخوان قد يفعل هذا بحسن نية معتقدا أن الخروج إنما يكون بالسلاح فقط، والحقيقة أن الخروج لا يقتصر على الخروج بقوة السلاح، أو التمرد بالأساليب المعروفة فقط، بل إن الخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح؛ لأن الخروج بالسلاح والعنف لا يُرَبِّيه إلا الكلمة فنقول للأخوة الذين يأخذهم الحماس، ونظن منهم الصلاح إن شاء الله تعالى عليهم أن يتريثوا، وأن نقول لهم رويدا فإن صلفكم وشدتكم تربي شيئا في القلوب، تربي القلوب الطرية التي لا تعرف إلا الاندفاع، كما أنها تفتح أمام أصحاب الأغراض أبوابا ليتكلموا وليقولوا ما في أنفسهم إن حقا وإن باطلا.
ولا شك أن الخروج بالكلمة واستغلال الأقلام بأي أسلوب كان أو استغلال الشريط أو المحاضرات والندوات في تحميس الناس على غير وجه شرعي أعتقد أن هذا أساس الخروج بالسلاح، وأحذر من ذلك أشد التحذير، وأقول لهؤلاء: عليكم بالنظر إلى النتائج وإلى من سبقهم في هذا المجال، لينظروا إلى الفتن التي تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية ما سببها وما الخطوة التي أوصلتهم إلى ما هم فيه، فإذا عرفنا ذلك ندرك أن الخروج بالكلمة واستغلال وسائل الإعلام والاتصال للتنفير والتحميس والتشديد يُرَبِّي الفتنة في
القلوب ".
قال عمر بن يزيد: سمعتُ الحسن ـ أي البصري ـ أيّام يزيد بن المهلب قال: وأتاه رهطٌ فأمَرَهم أن يَلزَموا بيوتَهم ويُغلِقوا عليهم أبوابَهم، ثم قال: " والله! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن قِبَل سلطانهم صبروا، ما لبِثوا أن يرفع اللهُ ذلك عنهم؛ وذلك أنهم يَفزَعون إلى السيف فيوكَلُوا إليه! ووالله! ما جاؤوا بيوم خير قطّ!"، ثم تلا:{وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَني إسْرَائِيلَ بِما صَبَرُوا ودَمَّرْنا مَا كان يَصْنَعُ فِرعَوْنُ وقومُه وما كانوا يَعْرِشُون} ".
هـ ـ جهلهم بالطريقة التي تُغربَل بها الأخبار، وليس ثم إلا طريقة أهل الحديث، ألا ترى كيف يكتب السلف التاريخ ويُسندون؟ ذلك لأن الله قال: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. ولا شك أن أنباء وسائل الإعلام الكافرة أكذب من نبإ الفاسق، وهؤلاء يعتمدونها لمعرفة الواقع! فلا يَسْلَمون من شرّ البواقع؛ لأن هذه الوسائل قد سيطر عليها اليهود عليهم من الله الذِّلَّة، وخبر الكافر مردود باتفاق أهل الملة، ومن الغفلة بمكان أن يَتصوّر المسلم عدوَّه يُهدي إليه مخططاته من خلال نشرات علنية، كما فعل سفر الحوالي في نشرة الأخبار التي جمعها في كتاب أسماه » وعد كيسنجر «، وحسِب نَشرته علماً! وأضاع معها عمراً نفيساً بلا طائل، بل أضاع بها أعمار الغمر من الشباب؛ فقد جاءت نَشْرتُه نُشرةَ تخبيب بين طلبة العلم وأهله أصحاب الفضائل، فضلاً عمَّا فيها من إغراء الأمراء بالعلماء مما يوقع بينهم وَحشة، والتجربة تدلّ على ذلك.
والحق أن الاطلاع على أسرار الكفار مِن إسرارهم لا من إعلانهم أمر مطلوب من ذوي الاجتهاد، وعلى هذا بوَّب البخاري في » صحيحه « لقصة حاطب بن أبي بلتعة آنفة الذكر بقوله: " باب من نظر في كتاب مَن يُحذَر على المسلمين ليستبين أمره "، فتدبّر الفرق يرحمك الله.
وقد انتقد الشيخُ الألباني قولَ ناصر العمر ـ وهو يعدِّد مصادر ( فقه
الواقع ) ـ: " المصادر السياسية والمصادر الإعلامية، وهي من أهم المصادر المعاصرة، سواء أكانت مسموعة أم مقروءة أم مرئية، مِن أبرزها الصحف والمجلات والدوريات، نشرات وكالات الأنباء العالمية، الإذاعات، التلفزيون، الأشرطة والوثائق وغير ذلك من الوسائل الإعلامية المعاصرة ". قال أحد الحضور للشيخ: ما رأيك في هذا المصدر؟
قال الشيخ الألباني: " مزالق! كلنا يعلم أنهم لا ينشرون على العالم الإسلامي إلا ما يكيدون به لهم، فكيف يكون هذا سببا لمعرفة الواقع؟! يجب أن يقال: ينبغي أن يكون هناك ـ يعني ماذا يسمَّون؟ ـ مراسلين مثلا أو إخباريين أو إعلاميين: صحفيين إسلاميين، الذين يدرسون الواقع دراسة في حدود عقيدتهم ودينهم، ولا ينبغي أن نكون عالة كما أنت أشرت، كيف؟ هذا لا يلتقي مع هذا؛ الذي أشرتَ إليه لا يلتقي مع هذه المصادر الأخيرة التي أشرتَ إليها! ".
فاعترض عليه ناصر العمر بأنه وضع ضوابط لذلك ومحاذير، وذكر منها:
ـ" أولا: الالتزام بالأصول الشرعية والمنطلقات العلمية والعقلية في وصف الواقع وتوقّع النتائج ورؤية المستقبل.
ـ ثانيا: التثبت في نقل الأخبار وتلقيها، وذكرتُ هذه القضية، وبيَّنتُ هذا الأمر: حسن التعامل وتجنّب المخاطر والمزالق، ذكرت أن الأخذ من هذه الأشياء لا بد من هذه الضوابط ".
قال الشيخ: " لكن هذا لا يمكن ( تضبيطه )، أنت وضعت ضوابط نظرية، لا تتم هذه إلا بالاختراع السابق، هذه ( شَغْلة ) الحكومة، وليس بفرد من الأفراد أو بجماعة، كما نسمع أن إذاعة لندن ليست إذاعة حكومية، إنما هي الجمعية مثلا أم ماذا يسمونها؟ " فقيل له: هي شركات خاصة.
قال الشيخ: " يجب أن يكون هناك إذا ما قامت ما تعهدت الدولة بالقيام بهذا الواجب الكفائي المساعد على فهم فقه الواقع، إذا لم تقم الدولة ـ وهي أولى وأحق وأقوى من يستطيع أن يقوم بهذا الواجب الكفائي ـ فيجب أن يكون هناك شركات مؤلفة من أشخاص من الإسلاميين الغيورين، وأن يوظِّفوا أشخاصا لنقل الأخبار، كما يفعل الكفار، وحينئذ لا نكون نحن عالة في تلقي الأخبار من أعدائنا وخصومنا، ثم نحاول أن نطبق القيد الذي ذكرته أنت. لا يستطيع أي إنسان إذا أراد أن يتأكد من صحة بعض هذه الأخبار، ما يستطيع أن يتأكد من ذلك؛ لأن مصادرها أجنبية، تماما لو أردنا أن نتأكد من صحة بعض الأخبار في التوراة والإنجيل، ليس عندنا وسيلة لمعرفة الأخبار التي في التوراة والإنجيل: ما هو صحيح مما ليس بصحيح، إلا بمقابلتها بأخبار أهل صدق وثقة و... الخ، فإذا هؤلاء لم يكونوا موجودين ذهبت أدراج من يريد فقه الواقع معرفة حقيقية اعتمادا منه على الأخبار التي ترِدنا من بلاد الكفر والضلال والفسق والفجور، لا يمكن حينئذ تحقيق ما ألمحتَ إليه من التثبت، ولذلك ( فقه الواقع ) هذا الآن نظري، ولا يمكن أن يكون واقعيا إلا بإيجاد شركة توظِّف أناسا لنقل الأخبار بطرق موثوقة ينطبق عليها تماما علم مصطلح الحديث.
قال العمر: إذا لم يوجد هذا يا شيخ، حتى يوجد هذا الأمر؟
قال الألباني: إيه! من الصعب تحقيقه.
قال العمر: ألا نستفيد يا شيخ من بعض ..
قال الألباني: يا شيخ! ـ بارك الله فيك ـ لكثرة الأخبار وكثرة المخبرين من الكفار، يضيع الباحث بين هذه الأخبار وهذه، ما يستطيع أن يتحقق إلا ما ندر جدا جدا " .
قلت: ولذلك تجد الهدهد وصف نبأه الذي أخبر به سليمان عليه الصلاة والسلام باليقين فقال:{وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}، مع ذلك ومع أن الله سخَّر لسليمان الجنّ والحيوان، فإنه لما كان الحيوان مصدرا قاصرا من مصادر التلقي، قال سليمان عليه الصلاة والسلام: {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكَاذِبِينَ}، فلا إله إلا الله! ما أعظم هذا المنهج وما أعدله وما أدقه! فاحرص على هذه الدقة التي لست واجدها إلا عند السلفية، لأنها حققت منهج أهل الحديث بجدارة، وليس مجرد انتساب لهم مع تأثّر بالغ بمناهج أخرى. وعلى هذا لا لوم على السلفية إذا كانت لا ترفع رأساً بهذه الأخبار التي ملأت أدمغة الشباب اليوم، ولا تطيب بها نفساً ولا تعوِّل عليها، مع التنبيه علىأنه قد يستفاد منها بعد تبيُّن صدقها من كذبها، وتُبنى عليها أحكام بالقرائن التي تحتفّ بها، لكن تنبَّه
ـ أخي القاريء! ـ تنبَّه إلى قول الله تعالى: {وما يَعقِلُها إلا العالِمُون}، أي لا يقدر عليها إلا من جمع الله له بين التضلّع بعلم الكتاب والسنة حتى يصير مجتهداً، وبين قوة الفراسة وصدق التوسّم كما سبق بيانه.
و ـ ومِن ثم اعتمادهم الأخبار المشوَّهة والمكذوبة، قال الله تعالى: {إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُم مَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ}.
ص ـ ومِن ثَم نسبتهم للشريعة السمحة أحكاما جائرة استنبطوها
من الأخبار المشوّهة، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: " الحكم قسمان: إثبات وإلزام، فالإثبات يعتمد الصدق، والإلزام يعتمد العدل {وتمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلاً} ".
حـ ـ تكهّنهم مستقبلاً لاَحقيقة له، وقَفْوُهم سرابَ تخميناتٍ لا تختلف عن تخمينات القانونيين المعروفين باسم ( الملاحظين السياسيين )؛ فيقال لأحدهم أيام قضية الخليج: ما هو ( تكهّنكم! ) لمستقبل جزيرة العرب مع وجود القوات الأجنبية؟ فيقول: " أرى أن وعد كيسنجر تحقَّق!!"، ويقول: " إنه الاحتلال الذي قرأته من عشر سنوات في مجلة كذا الأمريكية!!".
ويقول آخر: " هذه آخر أيام تطبيق الشريعة الإسلامية، ولن تَخرج هذه القوات حتى يطبَّق القانون العالمي الجديد في الجزيرة!!".
ويقول آخر: " نحن تحت الاحتلال!!! " ...
تحَكُّم ليس عليه أثارة من علم إلا الرجم بالغيب، قد بان للذكيّ والغبيّ تكذيب الواقع لها، فعلامَ يتغافل الأتباع عن محاسبة ( شيوخهم ) عليها؟! وإن هي إلا تخرُّصات تخيَّلوها إرهاصات.
والأدهى والأمرّ أنهم لا يزالون يعتمدون عليهم، بل لا يَرضون في السياسة وغيرها إلا بهم، رغم كثرة ترَّهاتهم! فما أشد العصبية العمياء للأشخاص على أهلها! وكان الواجب على هؤلاء أن يوَظِّفوا في دعاتهم هؤلاء قولَ الله تعالى: {ولا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِنْهُمْ أَحَداً}؛ لأنهم كما قال الله عز وجل: {إنْ يتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الأَنفُسُ ولَقَدْ جَاءَهُم مِن رَبِّهِمُ الهُدَى}.
ط ـ إغراقهم في السياسة إلى حدّ تعليمها وإسنادها إلى عامة الناس، مع أن النبي يقول: »" مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه « رواه الترمذي وهو حسن.
ولم يقف الأمر عند هذا حتى سمعتُ سلمان العودة ينْمي هذا الخطأ إلى سلفنا الصالح، فقد قال: " أما في المجال السياسي فالأمر معروف: فقد أصبحت الأمة رضيَت بألا تفكر ولا تنظر ولا تتأمّل ولا تدرس المصالح والمفاسد، ولا تستخدم عقلها، ولا سمعها لترى ولا بصرها لتسمع ( هكذا )! لأنه كما يتردّد وينقل الجميع أن الإنسان يستمتع برحلة ممتعة هادئة هانئة، وقد ترك الأمر لغيره، حتى دون أن يَسأل أو يناقش، مع أن الله تعالى جعل الأمة كلها مسئولة، ولم يجعل المسئولية العلمية ولا السياسية ولا الدعوية على شخص واحد...وهذا خطأ؛ لأنه يختصر الأمة ـ كما ذكرتُ ـ في أفراد، والله تعالى قال: {وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} وقال: {وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ}، مع أن الرسول عليه السلام مؤيَّد من السماء، فالمشاورة فيها تعزيز للعقول، وتنمية للمواهب، وجَعْل الجميع يشعرون بأن الأمر لهم، وهو شأنهم وقضيتهم، وهذه لكم أنتم وليست لي، وإذا وقع خطأ فتتحمَّلونه جميعاً، لن يتحمَّله العالم وحده ولا الحاكم وحده ولا الداعية وحده!! ".
ويؤكد هذا الخطأ الفادح بقوله: " من الخطورة بمكان ـ أيها الأحبة! ـ أن تتمحور الصحوة الإسلامية حول أشخاص، أو أن تتمحور الأمة كلها على أشخاص سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد العلمي أو على الصعيد الدعوي ".
ولي على هذا الكلام الخطير ثمان ملاحظات:
1 ـ جعل الفروض الكفائية فروضا عينية حين أنكر على الأمة ـ بلا استثناء ـ عدم المشاركة في السياسة والعلم والدعوة، والذي يدل على أنه ليس سبق لسان، وإنما هو منهج له أنه أكَّده بتكراره أولاً، وباستعمال أسلوب التأكيد ثانياً حين قال: " مع أن الله تعالى جعل الأمة كلها مسئولة ... ".
قلت: وقد وجدتُ عند العلامة الشيخ عبد الله بن حُميد ـ رئيس مجلس القضاء في وقته وكذا المجمع الفقهي رحمه الله ـ كلمةً مختصرة كافية في ردّه على كاتب في جريدة » القصيم « بتاريخ (8/5/1381هـ) حيث قال: " وأما قولكم: ( لا بد أن يكون لنا كلمة في شئون ديننا، وأن الدين للجميع، وليس وقفاً على أحد دون الآخر ) فهو كما تفضلتم، ولكن لم يقل أحد بذلك، ولا أظن أن يقال هذا".
قلت: لو عاش الشيخ ابن حميد إلى زمننا هذا لوجد الكثير ممن تتابع على هذا الذي استغربه؛ فقد قال عبد الرحمن عبد الخالق: " .. وأنه لا بدّ لكل مسلم أن يَنخرط في عمل سياسي ينصر الدين!! ".
لكن صدق الشيخ ابن حميد ـ رحمه الله! ـ؛ فإنه لا يُعلم أحد من العقلاء سبقه هو وسلمان وعبد الرحمن إلى هذا فضلاً عن أهل العلم! خاصة في هذه المجالات الثلاثة الخطيرة، التي أجمع أهل العلم على عدم فرضها على الأعيان، وإليك بيان ذلك في إلماعة سريعة؛ لأن مظانها لا تخفى على صغار طلبة العلم:
ـ أما السياسة: فقد بيَّنتُ أدلة حصر ممارستها في أولي الأمر: العلماء والأمراء، فلا أعيده.
ـ وأما العلم: فقد نصّ الله تعالى بأنه لم يفرض طلبه إلا على طائفة من المسلمين، أما الآخرون فيكفيهم أن يعْلموا منه ما يقيمون به دينهم ودنياهم، قال الله عز وجل:{ومَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ ولِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.
قال القرطبي: " وفي هذا إيجابُ التفقّه في الكتاب والسنة وأنه على الكفاية دون الأعيان ".
ـ أما الدعوة: فقد أمر الله عز وجل بها طائفةً،ولم يُلزِم الجميع بها، فقال: {ولْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ}، قال ابن كثير: " والمقصود من هذه الآية أن تكون فِرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن ... " ، ثم أشار إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الناس؛ كل بحسَبه.
2 ـ إيغاله العوام فيها يوَرِّطهم في ثلاث فتن هي:
ـ أنه يُرَبِّي فيهم التجرّؤ على الفتيا.
ـ ويدفعهم إلى التجنّي على أهل العلم إذا لم يفهموا مسالكهم، وتَعْظم الفتنة بهم في القضايا السياسية، بل يفتِنون حتى دعاتهم، ألم ترهم في قضية الخليج كيف كانوا بفهوم العوام محصورين، وتحت ضغوط مطالبهم مأسورين؟
ـ وتهييجهم على الأمراء، والجنوح بهم إلى التكفير، ومَن جرَّب جماعة التكفير عرف كيف احتوى الجهال الدعوة، والأمرلله.
3 ـ دعوته الأمة إلى دراسة المصالح والمفاسد من أكبر مزالقه؛ لأن تبيُّن المصلحة ـ التي فيها الأمن ـ من المفسدة ـ التي فيها الخوف ـ لا يَقدر عليه إلا الراسخون في العلم: أهل الاستنباط، ويظهر هذا الحصر في قوله تعالى: {وإذَا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
4 ـ كثيرا ما تجد المهيِّجين من المراهقين السياسيين يُشَرِّكون العامة فيما يسمونه واقع الأمة، حتى إذالم ينتج عن تحليلاتهم شيء من غُنْمها، شرَّكوهم في غُرْمها، ولم يقع اللوم عليهم وحدهم، كما صرَّح به هنا سلمان حين قال: " فتتحمَّلونه جميعاً، لن يتحمَّله العالم وحده، ولا الحاكم وحده، ولا الداعية وحده!! ".
وهذا يفسِّر تصرُّف علي بن حاج في استشارته العوام لإحداث أول مسيرة! تلك المسيرة المشئومة التي ذهب ضحيتها في عشية واحدة مئات الشباب في مقتبل العمر وبراءة المُحَيّا، حتى اضطر إلى أن يقول في الجمعة التي تلَتْها: " أنا لم أدعُ إلى مسيرة، ولكنني دعوتُ إلى الجلوس في ساحة كذا لنسمع مطالب الشعب!!! " .
قلتُ: سبحان الله! ليتَه لم يجمع قَتْل أنفُسٍ وكذباً!!
كما تجد هذه الطريقة في الفرار من المسئولية عند كلام سفر الحوالي الآتي عن أحداث الجزائر؛ حيث يقول: " القضية التي نتكلم عنها ليست مجرد فلان ولا فلان، إن كان من أولياء الله فالله وليّ المتقين، وسينصرهم ولو بعد حين، وإن كانوا غير ذلك فقد جاءهم: عُجِّلت إليهم بعض ذنوبهم ".

يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 23 Jul 2010 الساعة 04:58 AM
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 22 Jul 2010, 01:12 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

فتأمل كيف يهيِّج ويؤَيِّد ثم يتبرّأ فيَكِلُ الأمر إلى إيمان القوم، كأنه يقول حينئذ:{إنِّي بَرِيءٌ مِنكُمْ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ}!!
5 ـ كلام سلمان هذا كله دعوة إلى الديمقراطية بعينها، وهوممن يُظهر الكفر بها، وإلا كيف يدعو الأمة كلها إلى الشورى في السياسة؟! الأمر الذي يدلّك على أن هؤلاء أرادوا أن يكونوا واقعيين، فإذا هم قد صاروا في يد الديمقراطية واقعين!
6 ـ استدلاله بآيتي الشورى لتقرير هذا المعنى الديمقراطي في غاية السقوط، وقبيح جدا بالمسلم ـ بصفة كونه مسلما ـ أن يقع فيه، فكيف بطالب العلم؟! فكيف بمن قيل له:( فضيلة الشيخ؟! ) فكيف بمن أُريد له أن يُضَمَّ رقمُ هاتفه إلى أرقام أصحاب الفضيلة هيئة كبار العلماء؟!
ثم اعلم ـ أعاذك الله من الجهل ـ أن الشورى في الإسلام مختصة بالأئمة الأعلام، سواء أكان ذلك فيما بينهم، أم فيما بينهم وبين الحكام.
واعلم ـ أيضا ـ أنه لا مشورة فيما ثبت فيه نصّ من كتاب الله أو سنة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وإليك باختصار شديد أدلة هذين الحكمين:
قال البخاري في كتاب الأحكام من » صحيحه «: " باب بطانة الإمام وأهل مشورته، البطانة: الدُخَلاء "، وأسند فيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: »" ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحُضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، فالمعصوم من عَصم الله تعالى «.
دلّ هذا الحديث مع تبويبه على أن أهل الشورى ليسوا الأمة كلها كما زعم سلمان! وإنما هم بطانة الإمام، خاصة وأن لهذا الحديث سبب ورود من طريق البخاري نفسه، لكن في غير » صحيحه «، وإنما رواه عنه تلميذه الترمذي في » سننه «، وفيه قصة خروج النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر من بيوتهم بسبب الجوع، فكان إذن أبو بكر وعمر هم بطانة رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولذلك تدبّر ـ رحمك الله! ـ فقه ابن عباس حين فسَّر قوله تعالى: {وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ} قال: " أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ".
ومن تدبَّر سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في النوازل أدرك بلا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يشاور إلا أعيان أصحابه، من ذلك ما رواه مسلم في قصة بدر عن ابن عباس قال: فلما أَسروا الأُسارى قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمررضي الله عنهما: (( ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ )) فقال أبو بكر: يا رسول الله! هم بنو العمّ والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار؛ فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : (( ما ترى يا ابن الخطاب؟ )) قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمَكِّنّا فنضرب أعناقهم، فتُمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكِّنّي من فلان ( نسيباً
لعمر ) فأضربَ عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهَوِيَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني مِن أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيتُ، وإن لم أجد بكاء تباكيتُ لبكائكما، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: » أبكي للذي عَرَض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة « ( شجرةٍ قريبة من نبي الله عليه الصلاة والسلام ) وأنزل الله : {ما كان لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً} فأحلَّ الله الغنيمة لهم.
والشاهد من القصة واضح، أضف إلى ذلك أنها من رواية ابن عباس مفسِّر آية الشورى كما سبق، ولهذا بوّب لها الترمذي في » سننه « بقوله: " باب ما جاء في المشورة ".
وللبخاري في كتاب الاعتصام من » صحيحه « تبويب ماتع، ذكر فيه أدلة ما نحن بصدده بشكل جامع، أقصد تخصيص الشورى بجماعة من العلماء، وتخصيصها بما لم يَرِد فيه نص من وحي السماء.
قال ـ رحمه الله ـ: " باب قول الله تعالى: {وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} {وشاوِرْهم في الأمر} وأن المشاورة قبل العزم والتبيّن لقوله تعالى: {فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ".
قال ابن حجر: " ووقع في الأدب من رواية طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى: {وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} قال: " في بعض الأمر "، قيل: وهذا تفسير لا تلاوة، ونقله بعضهم عن قراءة ابن مسعود ).
وقال ـ رحمه الله ـ: " فإذا عزم الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله ".
قلت: أي صار وحيًا، ولذلك قال ابن حجر: " ويُستفاد من ذلك أن أمره عليه الصلاة والسلام إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيّل في مخالفته "، وكذا قال سفيان ابن عيينة.
وقال ـ رحمه الله ـ: " وشاور النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه يوم أحد في المُقام والخروج، فلما لبس لَأْمَته وعزم قالوا: أَقِمْ، فلم يَمِلْ إليهم بعد العزم وقال:
» لاينبغي لنبي يلبس لَأْمته فيضعها حتى يَحكم الله «. وشاور عليّاً وأسامة فيما رَمَى به أهلُ الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن، فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله، وكانت الأئمة بعد النبي عليه الصلاة والسلام يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدَّوه إلى غيره اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ورأى أبو بكر قتال مَن مَنع الزكاة فقال عمر: كيف تقاتل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " فقال أبو بكر: " والله لأقاتلن مَن فرَّق بين ما جمع رسول الله "، ثم تابعه عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله:» مَن بدَّل دينه فاقتلوه «.
وكان القراءُ أصحابَ مشورة عمر، كهولاً كانوا أو شبانا " اهـ.
وهو يقصد بكلامه الأخير ما رواه هو في » صحيحه « موصولاً عن ابن عباس قال: " قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحرّ ابن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القراء أصحابَ مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا ".
وشرح ابن حجر كلمة ( القراء ) بقوله: " جمع قاريء، والمراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العُبّاد ".
وروى البيهقي بسند صححه ابن حجر عن ميمون بن مهران قال: " كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه خصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، فإن لم يجد في الكتاب نظر هل كانت من النبي فيه سنة، فإن علمها قضى بها، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين فقال: أتاني كذا وكذا، فنظرت في كتاب الله وفي سنة رسول الله فلم أجد في ذلك شيئاً فهل تعلمون أنّ نبي الله عليه الصلاة والسلام قضى في ذلك بقضاء، فربما قام إليه الرهط، فقالوا: نعم قضى فيه بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسول الله ـ قال جعفر: وحدثني غير ميمون أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقول عند ذلك: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا ـ وإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به.
قال جعفر: وحدثني ميمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك، فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكرt فيه قضاء، فإن وجد أبا بكر رضي الله عنه قد قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم، فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم ".
ثم ذكر ابن حجر مشاورات عمر وعثمان لأهل الحلّ والعقد.
ومن أقوى ما يُستدل به هنا ما وقع في وفاة عمر حين قيل له: " أوصِ يا أمير المؤمنين! استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن .. " رواه البخاري.
وواضح جدا أن تلك الأمة العظيمة أَمَّرت عليها الخليفة عثمان بمشورة ستة منها فقط، فهل من معتبر؟
شبهة
كل ما يستدل به هؤلاء الجمهوريون من الإسلاميين! أو من العلمانيين لإثبات ما دندن حوله سلمان، إما هي من مجملات النصوص والآثار التي أُبهِم فيها المستشارون، وإما هي غير ثابتة سندا، وإما في الاستدلال بها تعسف، ومن هذه استشارة النبي e أصحابه في الخروج إلى بدر، فعن أنس: " أن رسول الله شاور حين بلغه إقبالُ أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخِيضها البحر لأخَضْناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْك الغِماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله e الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ... " رواه مسلم.
قلت: ليس في القصة أنه استشار عامة الناس ولذلك قال النووي:
" وفيه استشارة الأصحاب وأهل الرأي والخبرة ".
وعلى فرض أنه يصلح دليلا لمدّعاهم فقد قال النووي: " قال العلماء: إنما قصد اختبار الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يَخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده، فلما عرض للخروج لعير أبي سفيان أراد أن يَعلم أنهم يوافقون على ذلك فأجابوه أحسن جواب ".
7 ـ وفي نعي سلمان على الأمة عدم تدخلها في الشورى يقول: " وهذا خطأ؛ لأنه يَختصر الأمة ـ كما ذكرتُ ـ في أفراد "، ثم نزع بآيتي الشورى، هذا كله يدل على إيجابه الشورى، ليس فقط على ولي الأمر، بل على الأمة كلها كما يظهر من سياقه. وهذا لو وافقناه عليه لأبطلنا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ولأبطلنا الاستخلاف الذي وردت الأدلة بجوازه، منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: " قيل لعمر: ألا تستَخلِف؟ قال: " إن أستخلِف فقد استخلَف من هو خير مني: أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني: رسول الله ، فأثنوا عليه، فقال:
" راغب وراهب، ودِدتُ أني نجوتُ منها كفافا لا ليّ ولا علي، لا أتحمَّلها حياً وميتاً ".
وهذا من أقوى الأدلة على كون أبي بكر استخلَف عمر من بعده ولم يترك الأمر شورى، فهل يجرؤ أحد على تخطئة أبي بكر، والمهاجرون والأنصار شهود لاينكرون؟! بل إن رسول الله لو علم في الأمة اختلافا في تولية أبي بكر لعهِد إليه من غير شورى، فعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله في اليوم الذي بُديء فيه، فقال: (( ادعي لي أباكِ وأخاكِ حتى أكتب لأبي بكر كتابا ))، ثم قال: (( يأبى اللهُ والمؤمنون إلا أبا بكر )) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
قال شارح العقيدة الطحاوية: " والظاهر ـ والله أعلم ـ أن المراد أنه لم يستخلِف بعهد مكتوب، ولو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر، بل قد أراد كتابته ثم تركه، وقال:» يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر «، فكان هذا أبلغ من مجرد العهد، فإن النبي دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة، من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبارَ راض بذلك، حامدٍ له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدا، ثم علِم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك ".
قال أبو يعلى الفرّاء: " ويجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده، ولا يحتاج في ذلك إلى شهادة أهل الحلّ والعقد، وذلك لأن أبا بكر عهد إلى عمر رضي الله عنهما، وعمر عهد إلى ستة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يَعتبرا في حال العهد شهادة أهل الحلّ والعقد ".
وقال الماوردي: " وأما انعقاد الإمامة بعهد مَن قبلَه فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمِلَ المسلمون بهما ولم يتناكروهما:
أحدهما: أن أبا بكر عهد بها إلى عمر فأثبت المسلمون إمامته بعهده.
والثاني: أن عمر عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها، وخرج باقي الصحابة منها، وقال علي للعباس رضوان الله عليهما حين عاتبه على الدخول في الشورى: كان أمرا عظيما من أمور الإسلام لم أر لنفسي الخروج منه، فصار العهد بها إجماعا في انعقاد الإمامة ".
فهل يبقى للقول بوجوب الشورى محل مع هذه الأدلة القوية؟ قال ابن القيم في فوائد قصة الحديبية: " ومنها استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه، استخراجا لوجه الرأي، واستطابة لنفوسهم، وأمناً لعتبهم، وتعرفا لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض، وامتثالا لأمر الرّب في قوله تعالى: {وشَاوِرْهُم في الأَمْر} وقد مدح سبحانه وتعالى عباده بقوله: {وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ".
8 ـ وأخيرا أقول: إنّ نسبة هذا المنهج إلىالسلف تحت عنوان: ( حديث حول منهج السلف ) غير مقبولة، لما بيّنت ما بينهما من أرحام غير موصولة، ودعوتنا لهؤلاء الدعاة أن يعطوا القوس باريها، ويتركوا المطي لحاديها، ريثما يراجعون أنفسهم، ويتهيؤون لما يحسنون؛ فإن قيمة المرء ما يحسن.وفق الله الجميع للخير.
ولما كان هذا النوع من الفقه ـ أعني فقه الواقع ـ بهذه المثابة من التخبيط والتخليط،كان لعلمائنا نظرة خاصة فيه للمحاذير التي نبَّه عليها العلامة ربيع ابن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ حيث قال: " إنّ من أغرب ما يقع فيه المتحمسون لفقه الواقع أنهم يقدّمونه للنّاس وكأنّه أشرف العلوم وأهمها، ولقد غلا فيه بعضهم غلوا شديدا فجعل العلوم الشرعية من مقوماته، ونسج حوله من الهالات الكبيرة، بمالم يسبقه إليه الأولون والآخرون، وهو في حقيقته لا يسمى علما ولا فقها، ولو كان علما أو فقها فأين المؤلفات فيه؟! وأين علماؤه وفقهاؤه في السابق واللاحق؟! وأين مدارسه؟! لماذا لا يسمى علما ولا فقها إسلاميا؟ لأنه ذو أهداف سياسية خطيرة منها:
أ ـ إسقاط المنهج السلفي؛ لأن فقه الواقع لايختلف عن مبدإ الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة؛ إذ هدفهم من ذلك إسقاط الشريعة.
ب ـ الاستيلاء على عقول الشباب والفصل بينهم وبين علماء المنهج السلفي، بعد تشويه صورتهم بالطعون الفاجرة.
جـ ـ اعتماده على التجسس، فالإخوان المسلمون وإن كانت لهم شبكات تجسس واسعة على أهل الحديث والسلفيين إلا أنهم يعجزون تمام العجز عن اكتشاف أسرار الأعداء وإحباط خططهم، وواقعهم في مصر وسورية والعراق أكبر شاهد على ذلك.
د ـ أنه يعتمد على أخبار الصحف والمجلات التي تحترف الكذب، وعلى المذكرات السياسية التي يكتبها الشيوعيون واليهود والنصارى والعلمانيون والميكافيليون وغيرهم من شياطين السياسة الماكرة، الذين من أكبر أهدافهم تضليل المسلمين ومخادعتهم واستدراجهم إلى بناء خطط فاشلة على المعلومات التي يقدّمونها.
هـ ـ من أركان هذا الفقه المزعوم التحليلات السياسية الكاذبة الفاشلة، وقد أظهر الله كذبها وفشلها، ولا سيما في أزمة الخليج.
و ـ أنه يقوم على تحريف نصوص القرآن والسنة، ويقوم على تحريف كلام ابن القيم في فقه الواقع.
ص ـ قيامه على الجهل والهوى حيث ترى أهله يرمون من لا يهتم بهذا الفقه بالعلمنة الفكرية والعلمية، وهذا غلو فظيع قائم على الجهل بالفرق بين فروض الكفايات وفروض الأعيان، لو سلمنا جدلا أن هذا الفقه الوهمي من فروض الكفايات.
ح ـ يرتكز هذا العلم المفتعل على المبالغات والتهويل، حيث جُعلت علوم الشريعة والتاريخ من مقوماته، فأين جهابذة العلماء وعباقرتهم عن هذا العلم وعن التأليف والتدريس فيه والإشادة به والتخصص فيه وإنشاء الجامعات أو على الأقل أقسام التخصص فيه؟!
ط ـ ولما كان هذا الفقه بهذه الصفات الذميمة لم ينشأ عنه إلا الخيال والدواهي من الآثار، فمن آثاره تفريق شباب الأمة وغرس الأحقاد والأخلاق الفاسدة في أنصاره، من بهْت الأبرياء والتكذيب بالصدق وخذلانه وخذلان أهله، والتصديق بالكذب والترّهات، وإشاعة ذلك، والإرجاف في صورة موجات عاتية، تتحوّل إلى طوفان من الفتن التي ما تركت بيت حجر أو مدر أو وبر إلا دخلته.
أما فقه الواقع الذي يحتفي به علماء الإسلام، ومنهم ابن القيم، والسياسة الإسلامية العادلة، فمرحبا بهما وعلى الرأس والعين، وإن جهلهما وتنكَّر لهما الإخوان المسلمون ... ".
‏متفقهون حول الواقع لا يفقهون الواقع
أنقل هنا كلمات بحذافيرها من أشرطة مسموعة لدعاة تحدّثوا عن القضيّة السياسية الدّعوية التي بالجزائر، وهم ككثير من الشباب المتحمّس يوجِبُون بلا هوادة التفقّه في الواقع ويَنْعَون على غيرهم ـ خاصة من أهل العلم الكبار كالشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين ـ جهلهم بالواقع، وقد رأيت أنهم أحقّ بهذا النعي؛ لأنهم نقلوا واقعاً مشوّهاً غير صحيح.
هذا عن الجزائر فقط دون متابعتهم في أخبار غيرها، ونحن نعيش في الجزائر نسمع من أشرطتهم غير مانرى، وقد اتصلنا ببعضهم مراراً وأبلغناهم أخطاءهم دون فضحهم، فلم نجد منهم تجاوباً، فقلنا: لعلّنا مجهولون عندهم، وهم على طريقة أهل الحديث في عدم قبول خبر المجهول، ولهم في ذلك كل الحق لأنّه عنوان التّحريّ لولا أنّنا وجدناهم يعتمدون أخبار الكفار بالتجري! مع أنّ الكافر شرّ من مجهول المسلمين بلا ريب، وهم يناشدون الخلق على أن يأخذوا بمنهج الموازنة بين المنقبة والعيب!
على كل حال فإنّ كاتب هذه السّطور حاول الاتّصال بالدكتور سفر الحوالي مراراً، أقلّها ثلاث مرّات! وفي كلها يعتذر بكثرة الأشغال مع ضيق الوقت ـ أعانه الله على طاعته، لكن قد وصل إليه غيري ممن نعرفه ويعرفه، فأفاده ما في نفسي وزاد وأجاد، فحمدت الله على بلوغ المراد، ووعد الدكتور ألاّ يعتمد مستقبلاً إلا على هذا المصدر الموثوق، لكن لم يطل الزّمن حتى عادت ( حليمة إلى عادتها القديمة! )، فرابني أمرُه وأمرُ جماعته لأنّ مثل هذا التصلّب في الباطل عرفناه مِمَن أخبارُهم لا تنبع من واقعٍ ما بقدر ما هي تنتمي إلى تحزّب ما!!
خاصة وأنهم في كل مرّة يصلون قضيّة الجزائر بقضايا في السّعودية ينكرونها، فيقولون: كيف لا تتجاوب الدولة السّعودية مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي بلغت من الطّهر كذا وكذا، على حين تجاوبها مع الحكومة الجزائرية التي بلغت من الرِّجس كذا وكذا، وربما حكوا أنّ بينهما دعماً ماديّاً، فلم يجدوا سبيلا إلى الإنكار على دولتهم إلا باستغلال قضايا العالم كواسطة، ومنها اضطرّوا إلى تحجيم الحق الذي لدى جبهة الإنقاذ، وتقليص باطلها، بل الغضّ منه! كما ستقرؤه هنا وإليكم فقه الواقع!

يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 23 Jul 2010 الساعة 05:00 AM
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 22 Jul 2010, 01:13 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

فقه واقع الجزائر عند سلمان بن فهد العودة
قال في شريط » كلمة حقّ في المسألة الجزائرية «: " خرج الاستعمار الفرنسيّ الأجنبي من الجزائر، ومع ذلك بقيت الجزائر تحُكم بغير الإسلام زماناً طويلاً حتى تململ الناس من تلك الأوضاع السّيئة، وقامت حركات ومظاهرات صاخبة واضطرابات كثيرة في الأسواق والشوارع، وصارت مواجهات دامية، وقُتِل المئات من الناس، بل أكثر من ذلك، وكانت الصحافة تعتِّم على مثل هذه الأمور، وكنت أذكر أنّنا نقرأ في صحيفتنا أنهم يسمونها ( ثورة الخبز )، يعني أن الناس قاموا من أجل الخبز بحثاً عن لقمة العيش، وتجاهلوا الدّافع الإسلامي القويّ وراء تلك المطالبات، وعلى إثرها أقرّت الجزائر بما يسمّونه التعدّديّة السياسية وأذعنت لمطالب الناس ".
النقد: في هذا الكلام خبط عجيب، لأنّه يحكم على ثورة (5 أكتوبر 1988م) بأنّ دافعها إسلامي! فأقول:
ـ متى كان في الإسلام ثورات ؟!
ـ متى كان الدّافع أو الباعث الإسلامي أوالنّية الحسنة كافية لغض الطّرف عن الوسيلة والطريق؟!
ـ بأيّ دليل ينفي أن تكون ثورة خبز ويثبت أنّها إسلامية إن صحّ التعبير؟! أصاحب الدّافع الإسلامي القوي يخرب بيته، فيكسر أدوات وزارته أو المؤسّسة التي يأكل منها المسلمون ؟ أصاحب الدّافع الإسلاميّ القوي يغتصب ـ أيّام جهاده المقدّس! ـ من الأسواق الحكومية وغير الحكومية ما يجد لأنّها غنيمة؟! لقد كان أصحاب الدّافع الإسلاميّ القويّ يبيتون مع الفيديو الإسلاميّ! والنشيد الإسلاميّ!! في المهرجانات والمظاهرات الإسلامية!!! فإذا نادى منادي الفلاح: الصلاة خير من النّوم،كان المجاهدون قد ناموا، ولعلّهم لم يسمعوه، لأنهم ناموا في سدّة المسجد، والمؤذّن في مقصورة المسجد، فقام بعض المتطوعين من أهل الحيّ بإيقاظ هذه الآلاف، فلا يقوم إلى الصلاة منهم إلا فئة قليلة جدًا ربما عجزت أصابع اليد عن عدّها لأنّها تزيد عنها قليلاً.
وإن قيلَ في القليل البركة فـ {كَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين}؟ قلت: نعم! ولكن إذا عُرفت الفئة الغالبة، فمن هي الفئة الكثيرة المغلوبة؟ آلفئة الحكوميّة التي هي في خير الأمّة بغير حقّ سائمة؟! أم هي الفئة المجاهدة وعن الصلاة نائمة؟! فبينا أنا أكتب هذه الكلمات ذكرت حديثاً يناسب حالنا للاتّعاظ به، ولْيَذْكُرمنه أخونا سلمان قيمة تفريغ القلب من الدنيا لله تعالى، وشرط الإخلاص في الجهاد، فعن أبي هريرة t، قال: قال النّبي : » غزا نبيّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يَتْبَعْني رجل مَلَك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يَبْني بها ولمّا يَبْنِ بها، ولا أحدٌ بنى بُيُوتا ولم يرفع سُقوفَها، ولا آخرُ اشترى غنماً أو خَلِفات وهو ينتظر وِلادَها. فغزا، فدنا من القرية صلاةَ العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشّمس: إنّكِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ، اللهمّ احْبِسْها علينا فحُبِسَت حتى فتح الله عليهم، فجمع الغنائمَ، فجاءت ـ يعني النارـ لتأكلها فلم تَطْعَمْها، فقال: إنّ فيكم غُلولاً، فليبايعْني من كل قبيلة رجلٌ، فلزقت يدُ رجلٍ بيده، فقال: فيكم الغُلولُ، فليبايعني قبيلتُك، فلزقت يدُ رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغُلولُ، فجاءوا برأس بقرة من الذّهب فوضَعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحلّ الله لنا الغنائم، رأى ضَعْفَنا وعَجْزَنا فأحلّها لنا «.
وفي هذا الحديث يظهر لك شرط الإخلاص في الجهاد، وأثر ابتغاء الدنيا وارتكاب ما حرّم الله في تأخير النصر.
ثم كيف يستنتج سلمان أن تلك الثورة ـ التي ظهر له منها أنها شعبية إسلامية ـ كانت سبب رضوخ الحكومة للتعددية الحزبية؟ أليس من الجائز أن يقال: بل هي فخٌ نَصَبته أيد من خارج البلاد، وهي حريصة على نصب العداوة بين هؤلاء وبين حكوماتهم لضرب الإسلام بالإسلاميين المتحمسين الذين لا يرون إلا الحَبّ الجميل، سواء أكانوا من الدّعاة في الداخل أم من المطبِّلين المؤيِّدين من الخارج أمثالكم؟
وعلى كل حال: استنتاجك مردود بإجماع أصحاب هذا الواقع المخالف منهم والمدافع، وما كل ما يعلم يقال، وإن من الإشارة ما يغني عن صريح العبارة. وما قالته الصحافة في ثورة الخبز قد صدقت فيه وهي كذوب، والدّليل عليه أنّه لمّا كانت جبهة الإنقاذ في أوْجِ قوتها، ودعت إلى إضراب عام عن العمل لم يستجب لها إلا القليل، أحوج ما تكون إلى نصير، لأنّ هذا الإضراب يمسّ خبزة الأنصار، هذا مع التهديد الشّديد اللهجة منها لمن لا يساهم في الإضراب بحرق المحلاّت وتكسيرها ...، ويكفي لتصديق ما أقول أنّ عباسي مدني ـ النّاطق الرسمي لهذا الحزب ـ كان شديد الأسى والتململ من هذه المشاركة والمؤازرة الضّعيفة، وذلك في خطابه الشديد بساحة الإضراب، وأشرطة الإضراب محفوظة.
ومع هذا يقال: " ليست ثورة خبز "!!
وهذا نائبه علي بن حاج لمّا كان يخطب، فيتحدث عن إسراف الكُبَراء واستئثارهم بالمواد الغذائية وغيرها من متاع الدنيا بألفاظ نابية جدًّا كان للنّاس ضجيجُ تجاوبٍ كبير، كأنك في ملعب أو ملهى، واسألوا ثقاتكم عن أشرطة أيّام الإضراب، فسيخبرونكم إن كانوا صادقين.
قال سلمان: " لايوجد في صفوف الجبهة شيعي واحد!! ".
النقد: قال عباسي مدني ـ النّاطق الرّسمي للجبهة ـ: " إنّ المصباح الذي أضاءه الإمام الخميني نوّر قلوبنا جميعاً، إننا نعتقد أنّ الثورة الإيرانية ستنقذ الأمّة الإسلامية، بل البشرية جمعاء ... إنّ الشعب الجزائري على أهبة الاستعداد للوقوف بجانبكم صفًّا واحداً لرفع راية الله أكبر في العالم ". هذا تصريح رئيس الجبهة، وهو يزور إيران أيّام قوّة جبهة الإنقاذ التي يصفها سلمانُ بالسلفية!!
ولا أظنّك ـ يا أخانا سلمان ـ تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، فتقول كما يقول من ميّع عقيدته: " ليس هذا الكلام من مدني إلا تعاطفاً سياسياً مع الشيعة "! لأنّه مَهْما قيل فيك إنك مصاب بلوثة إخوانية، فلا أتصوّرك قائله، لأنك تربيت في الديار السّلفية التي كانت أوّل المنتبهين للخطر الرافضي، فإن أبيتَ أن تكون سلفيا فللديار عليك مِنّة، فاحفظ لها ذمّتها.
وأنا أقول شيئاً من العسير قبوله عندك وعند الكثير وهو أنّ علي بن حاج نفسه الناقم على الشيعة، قد سئل من قِبل صحافي فرنسي عن الثورة الإيرانية، فأجاب ـ كما سمعته في التسجيل ـ: " ومن قال لكم أنّها ليست ثورة إسلامية؟ ومن قال: الخميني ليس مسلماً؟! "، قلت: إنا لله! ومَن مِن السّياسيين لم يعش كالزئبق؟! ثبّتنا الله.
قال سلمان: " وكان معظم القائمين على تلك الجبهة من المشهود لهم بالعلم والحكمة، والعقل، والعقيدة السّلفية الواضحة الصّافية السليمة ... ".
النقد: أما العلم فقد أجمع الناس على أنّه لا عالم بالجزائر بعد جمعية العلماء، وإليك علم من زكّيتَ: استوردَت الحكومة شياها من أستراليا لعيد الأضحى عام 1412هـ، وكانت جبهة الإنقاذ تهيء للعيد مثل ما فعلت الحكومة، وكل منهما يتربصّ بالشّعب اصطياده من بطنه! فلم تنجح الجبهة من جهة الأسعار، وتهافت الناس على سوق الحكومة؛ لأنهم مع الخبز حيث دار، ثم حدث أن لوحظ في الشّياه الحكومية عيبٌ من عيوب الأضحية عند المالكية؛ ألا وهو أن أذنابها مقطوعة، وحدث تشويش كبير لدى الناس، من مبيح ومن محرِّم، وأفتى يخلف شراطي ـ مفتي جبهة الإنقاذ ـ في جريدتها ( المنقذ ) بعدم الجواز!! ولا ندري أهي فتوى خاصة بالرّهان السّياسي أم هي جمود مالكي وأثر فكر جَزْأَرِيّ؟! وأحلاهما مرٌّ.
وفي مدينة سطيف ـ بالشّرق الجزائري ـ سئل عباسي مدني عن حكم لحم الدّجاج غير المذبوح، فأجاب بفذلكة سياسية أضحت مضرب المثل عند جهّال الحركيين، فقال: " تسألونني عن الدّجاج غير المذبوح، فهلاّ سألتموني عن الأمّة المذبوحة؟!".
فتأمّل كيف تورّع المفتي في ذيل شاة ورعاً سياسياً‍! في دقة مالكية! وأما رئيسه فلم تُبْقِ السياسة للمذهب المالكي على بطنه رقيباً.
أليست حياة هذه ( الأمّة المذبوحة ) هو مطلبه؟ أليس النصر بدعاء المستضعفين؟ بلى، إنّ رسول الله قال: (( إنما ينصر الله هذه الأمّة بضعيفها؛ بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم )). ومن شرط إجابة الدّعاء أكل الحلال كما جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله e:» أيّها النّاس! إنّ الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيّباً. وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنّي بِمَا تَعْمَلُون عَلِيمٌ}، وقال: {يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثم ذكر الرجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام. فأنّى يستجاب لذلك؟! «، قلتُ: فكيف يستهان بذاك السؤال؟!
لو كان عباسي مدني على شيءٍ من العلم لأدرك أنّه بهذا التّهرب من الجواب يسلخ أمتّه المذبوحة، وليس يحييها، ولكنه فِعْلُ السياسة العصرية بأهلها؛ إذ لا يعظِّمون شرعاً، بل يضيقون به ذرعاً، وإلى الله المشتكى.
وهل تؤسس دولة الإسلام على يد رئيس حزب إسلامي ومفتيه، وهما لا يحسنان الإفتاء في ذيل شاة، ولحم دجاج؟! قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ}، وقال: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ}.
وأزيد ههنا قائلاً: إن لجبهة الإنقاذ هذه رجلاً ثالثاً أعرق في الضلالة وأغرق في الجهالة، يُدْعَى الهاشمي سحنوني، كان رأساً في التكفير، وله أتباع من هوامّ العوامّ هم من أغرب أشكال بني آدم، سمعتُه يوماً يشرح نواقض الإسلام، فذكر أن شابًّا سقط من سيارة وهو يهتف باسم فريق من فرق كرة القدم، فمات تحت وطأتها، فحكم عليه بالموت على الكفر؛ لأنه قدّم نفسه في غير سبيل الله!! من شريط مسجّل باسم (( نواقض الإسلام!! )). وهذا المفتي
ـ أخي القاريء! ـ كان يُعَدّ في الجبهة نائباً لعلي بن حاج بلا منازع!!! فتأمّل هذا المستوى المتدنِّي!
للاعتبار: عن إبراهيم النّخعي، قال: " قال عمر من أستخلف؟ لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح! فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! فأين أنت من عبد الله بن عمر؟ فقال: قاتلك الله، والله ما أردت بها الله، أستخلف رجلاً لم يحسن يطلّق امرأته؟! "
وأما العقل، فأين هو عند علي بن حاج الذي إذا خطب سبّ الرؤساء سبًّا فظيعاً، بأسمائهم، وأسماء نسائهم، وليس هذا سبق لسان من خطيب غضوب، بل جلُّ خطبه على هذا، ومعروف عند أتباعه أنّ كل خطبة ودرس له إذالم يصحبه سباب مباشر لاذع بعبارات نابية ليس بشيء، ولا تتناقله الألسن، ولا يخفى عليكم أسلوب الإثارة واستغلال عواطف الشباب الجامحة، فقد جرّبتم كم يقتل من عقل، فأين العقل؟ وأين هو من قول الرسول " ما بال أقوام يقولون كذا؟ ...«.
أين عقل وحكمة هذا الرجل وهو يأمر ـ في درس عام ـ بتكسير كل شيء حكوميّ، كان على إثره تكسير مقرّ الخطوط الجوّية السعوديّة بالجزائر أيام قضية الخليج غضبا للعراق؟!
أين عقله يوم جمع الناس في مسجد ( السنّة!) بباب الوادي بالجزائر العاصمة، عقب فتنة(5 ـ أكتوبر ـ 1988م) مباشرة، ليلة الإثنين بعد صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم؛ لأنّها صلاة خوف!! وقال: " قام شبه إجماع من الدّعاة على ترك المسيرة أو المظاهرة، والعبد الضّعيف ـ يقصد نفسَه ـ يرى القيام بها، فإن وافقتم فكبّروا، وإلا رجعنا إلى بيوتنا!!! "، فكبّر هوامُّ االعوامِّ عن بكرة أبيهم، فقرّر في حينه مسيرة سلمية! سلمية! مات فيها المئات من الشباب في مقتبل العمر!! آلعقل ـ يا سلمان!ـ يأمره بترك مشورة عقلاء الأمّة الذين سمّاهم هو بـ ( الدّعاة )، ليستشير الدّهماء والسوقة والأحداث؟!!
أتدري ـ يا سلمان! ـ أنّه لما زار أحمد القطّان الجزائر، وألقى محاضرة عن قضيّة الكويت في جمع قال فيه هو: " لم أَرَ كاليوم جمهورا غفيرا "، بمسجد ابن باديس بالقبة بالجزائر العاصمة ـ وهو المسجد الذي يخطب فيه علي بن حاج ـ هتف الناس عندها: " الكويت! الكويت! "، ثم بعدها مباشرة في ملعب (5) جويلية بالعاصمة، خطب القطان في الناس وأثار قضية الكويت، ثم قام المتهوّر أسعد التميمي الفلسطيني ـ الذي جاء ليمحو أثر القطّان وقد كان رفض تسليم القطان عليه بحضرة الجمهورـ ودعا الناس إلى الجهاد لتحرير فلسطين وتحرير السعودية ودول الخليج! فقام علي بن حاج وعرّض بقضية الخليج ووقّع على المضي مع التميمي، ووقّع الناس بعده مقتدين به؟! واغتاظ الناس على القطان، وليحمد ربّه الذي أنجاه منهم بعد أن كادوا يَفتكون به! وكانت مسرحية عجيبة لكنها مسجّلة فاطلبوها.
ثم في الوقت الذي انتقل فيه الناس من الكويت إلى فلسطين، وأخذ الشباب المسكين ـ الذي يلعب به دعاة العواطف ـ يتدرَّب على المصارعة اليبانية لأن الدولة رفضت أن تقدِّم لهم السلاح!! ـ وأنا أعني ما أكتب ـ يأتي علي بن حاج معتذراً عن قضية فلسطين، وأنّ للجهاد شروطاً، وأنّه .. وأنّه .. والسِّر في هذا المدّ والجزر أنّ إخواننا السّلفيين سألوا الشيخ الألباني عن التميمي هذا باعتبار أن أهل الحديث هم المرجع الصادق وأهل الميزان الحاذق في الجرح والتعديل، فقال: " ذاك رجل كل يوم بعقل؛ فقد تَشَيَّع أيّام حرب إيران ضد العراق، ثم هو اليوم ( تَعَرَّق ) "، وحذّر منه بشدّة ومِن تجميعه للأموال. وللشيخ كلمته المسموعة عند الجزائريين، بل ما عصمهم الله تعالى في كثير من مواطن الفتن إلا به، فلم يكن من علي بن حاج إلا أن يجامل السلفيين بالتظاهر بالتعقل بعد أن كاد التميمي يذبحه وجماعته في أوّل مطار يطيرون منه إلى فلسطين أو إلى تل أبيب!! هذا السّبب الأول.
وأما السبب الثاني: فهو فكر عباسي مدني القومي الجَزْأَري ـ وإن لم يكن جزْأَرِيا انتماءًا ـ؛ إذ هو لا يرى أيّ جهادٍ للجزائريين خارج الجزائر، فستراً للخلاف الذي بينه وبين علي بن حاج كان ما كان، والله المستعان.
أين عقل من يدعو الناس إلى تحريق الحافلات الحكوميّة للنّقل الجماعيّ بحجّة رفض الدولة تسليمها لهم أيّام المظاهرات؟ هذا عقل عباسي مدني!
ثم قبل هذا كله أين عقل من يصدّق الديمقراطية اليوم في وعدها الإسلاميين بإهداء كرسيّ الحكم إن كانت لهم الأصوات؟! وأين عقل من يُلدغ من جُحْر مرّات، وقد قال رسول الله : » لا يُلْدغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحدٍ مرتين «؟.
هذا غيض من فيض، يكفي اللّبيب لتبيّن الأمر على حقيقته. وكم قلنا لجبهة الإنقاذ: لو لم يكن لكم علم بالشرع أو من يبصِّركم به، لكان العقل البشريّ كافيًا لهدايتكم إلى الحق في هذه المسائل الواضحة جدّاً، وقد وجدنا هذا العقل عند كثير من العوام الذين كانوا يلاحظون هذا الانحراف، آسفين على تلبّس دعاتهم وهداتهم به {واللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وأما عن سلفية الجبهة، فهل يهمّك ـ يا سلمان! ـ أن تَعْلم أنّ هذا الرجل اجتمع بخليل مُلاّ خاطر في ندوة عامة على التحذير الشّديد من الشيخ الألبانيّ خاصة واتّهماه بالعمالة لليهوديّة العالميّة، ومن الدعوة السلفيّة عامة وصوّراها أكبر عائق في طريق الدعوة الإسلامية، قال عباسي مدني: ظهرت عندنا نابتة من الألبانيين .. فيهم كيت وكيت ...؟ فأجاب ملا خاطر قائلا: " أما الألباني فإنه معروف بأنه عميل للصهيونية "، وكالاَ له من التهم ما تتقزز منه النفوس المحبة لأهل الحديث، اطلب هذا الشّريط ـ يا سلمان! ـ من ثقاتك فإنه مشهور جدا، فإن قيل إنّه تراجع عن ذلك، قلنا: وأين ذلك؟ وكيف ذلك وهو لا يزال يحذّر منه إلى يوم الناس هذا؟! واسأل الشيخ أبا بكر الجزائريّ ـ حفظه الله ـ عمّا شكا إليه مدني لمّا زار الجزائر؛ فقد قال له: " من الناس وهم معنا ـ يُعَرِّض ببعض الدّعاة السلفيّين الحاضرين في ذلك المجلس ـ من يتّصل بالألباني يسألونه عن أوضاعنا، ونحن أولى بالفتيا منه لأنّه لا يعرف واقعنا ... " إلخ، وقد طُلب من مدني إظهار التّراجع مرارا فأبى، وتكلم فيه بكلام غليظ؛ لأنّ الشيخ الألباني ظلّ كالشّوكة في حلوق الحزبيّين. أهذه هي سلفيّة جبهة الإنقاذ ـ يا سلمان ـ وهذا اعتقاد رئيسها؟ وما تخفي صفوفها أكبر.
قال سلمان: " دعونا من التفاصيل، ودعونا من التحاليل، دعونا من كلام الصحافة، ودعونا من كلام الإعلام، خذوا الصورة بأبسط معانيها، نحن أمام طرفين: الطرف الأول: الدّعاة إلى الله، تمثّلهم في الأعمّ الأغلب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، والشّعار الذي ترفعه هو شعار الإسلام والكتاب والسنّة، وقِف عند هذا الحدّ. دعك من أي معلومات أخرى عن الجبهة، هذا هو الشّعار الذي ترفعه، ويقابلهم أحزاب، بما في ذلك حزب التّحرير الحاكم، أحزاب ترفع شعارات الاشتراكية والقومية والوطنية.
وقد جرّبتها الأمّة فأيقنت أنّها لا تتحمّس للإسلام ولا تدعو إليه ولا توَاليه ولا ترفع شعاره ولا تنادي باسمه، ولا تُربي الناس عليه، وأنّها حتى قدرتها على إدارة شئون الناس وتحقيق مطالبهم الماديّة والاقتصادية والإدارية فشلت في ذلك، فما هو الموقف العفوي الذي لا يملك أي مسلم عنده روح الإيمان والولاء في الدين، لايملك إلا أن يجد قلبه منساقا إليه وهو أمام هذه الصورة المبسّطة الواضحة البعيدة عن التعقيد ...؟! ".
النقد: إنّ هذا الكلام العاطفي لا يغني من العلم شيئاً؛ لأنّ عامة الناس الذين يسمعونه بحاجة إلى فتوى علميّة، لا " إلى ما تنساق إليه قلوبهم عفوا "، وسيأتيك ما فيه من خطإ منهجي عند التعرّض لكلام د/ سفر الحوالي.
قال سلمان ـ بعد تضخيم القمع العسكري الذي تعرّضت له الجبهة آنذاك ـ: " في حالة إصرارهم على مثل هذه الأساليب ( أي القمعية )، فإنّ العاقبة سوف تكون لصالح المسلمين والإسلاميين هناك، وعندها لا تُلام الجبهة الإسلامية إذا عاملت خصومها بنفس شعارهم .. "!!
النقد: أولا:تأمّل أيها القاريء هذا لتدرك أن ثورات هؤلاء لا تنبع من فقه الجهاد، ولكنها ردود فعل!
ثانيا: تأمل هذا التّحريض الصّريح منه لإشعال فتنة القتال، والقضاء على المسلمين الضعفاء بمثل هذا التهييج الغالي البعيد عن فقه الجهاد، وتالله إنّها لإحدى الكبر! والأدهى والأمرّ أنّه يزيد الطين بلّة حين يتمثّل بثورة الشّيوعيين المستضعفين في روسيا ويريد من الجزائريين أن يقتبسوا منها نورا فيقول: " لماذا يتصوّر كثير من الناس أن الفدائية والإصرار والصبر والتحمّل هي فقط نصيب الشّعوب المنحرفة ونصيب المنحرفين والضّالين، وأنّ النّصارى واليهود والشّيوعيين وغيرها يضحُّون، وقد رأى الناس كلهم كيف أنّ الشيوعيين العُزَّل في روسيا كانوا يواجهون الدبّابات بعد الانقلاب بصدورهم العارية وسوَاعدهم التي لاتحمل شيئاً حتى سقط ذلك الانقلاب، ويظنّ كثيرون أنّ أهل لاإله إلا الله لايستطيعون أن يدافعوا عن دينهم ولا أن يصبروا عليه، لماذا نسيء الظنّ بأهل لاإله إلا الله إلى هذا الحدّ؟ لماذا نهوّن من شأن هذه الجماهير المسلمة في الجزائر وفي غير الجزائر، ونعتقد أنّها تنفض عن قيادتها وعن اختيارها وعن رغبتها في الدين لأدنى مضايقة يمكن أن تقع ... ".
النقد: أيا سلمان لا يُمَثَّل للمسلمين بالكافرين فضلاً عن إظهار الكافرين بالشجاعة ونجاح الطريق، أما سمعت الله تعالى يقول: {لِلَّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى}؟ أمَا وجدتَ ـ وقد وجدت ـ في سير الصّالحين من الأولين والآخرين ما يغنيك عن هذا؟
ولا أعتقد أن قصورك في الاطلاع على التاريخ الإسلامي هو الذي حرمك مما أردتَ، ولكن قصور التاريخ الإسلامي عن أن يمدّك بثورة على الوصف الذي تحب هو السبب الذي حملك على البحث في تاريخ الشيوعية عن المثل الأعلى الذي ارتضيتَه لإخوانك؛ لأنه ليس في الإسلام ثورات، فتمثلتَ بالثورة الشيوعية التي لا يحكمها دين ولا يدعمها عقل!
أهل " لا إله إلا الله " أعقل من أن يستبدلوا الثورة بالجهاد.
أهل " لا إله إلا الله " أعزّ من أن يقتدوا بأعداء " لا إله إلا الله "، وقد قال رسول الله : » ليس لنا مثلُ السَّوْء «.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا اشتكى النبي ذكرَت بعضُ نسائه كنيسةً رأيْنَها بأرض الحبشة يقال لها ( مارِية )، وكانت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة رضي الله عنهما أتَتا أرض الحبشة، فذكرتا من حُسنها وتصاويرَ فيها، فرفع رأسه فقال:» أولئكِ إذا مات منهم الرجل الصّالح بَنَوْا على قبره مسجداً، ثم صوّروا فيه تلك الصورةَ، أولئكِ شِرارُ الخلق عند الله «.
فتأمَّل كيف لم يسكت النبي عمّا يشعر بالمدح للكفار ـ مع أنه خبر عن واقع صادق ـ حسماً لمادة التأسي بهم، خاصة في مثل مقام الشِّرك بالله، لأنّ النّفوس مجبولة على حبّ الأمثال المستحسنة، فكان يجب إظهار أعداء الله في أخزى صورهم؛ لأنّ كفرهم مُذهب لحسناتهم.
ومن عجيبب صنع الله بسلمان أنّه كرّر هذا المثال الذي يدعو فيه إلى العنف بقوة في محاضرة لأضعف الخلق وهم النساء، فقد قال في شريط:»" هموم ملتزمة « رقم (106) ـ في بداية الوجه الأول ـ: " ضغوط الناس لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال الآن! ونحن في عصرٍ صار للجماهير تأثير كبير، فأسقطوا زعماء كبار( كذا )، وهزّوا عروش ( كذا )، وحطّموا أسواراً وحواجز، ولازالت صورة العزَّل الذين يواجهون الدّبابات بصدورهم في الاتحاد السوفيتي ... ".
قلتُ: يبدو أن هذه الصّورة أثّرت في حياة سلمان العودة إلى حدّ أنّه لا يهوِّن من شأن أيّ غوغائية لمواجهة الدّبابات، ولو كانت صدر فتاة ملتزمة وساعدها النّاعم! ولو في السّعودية!! لأنّه يقول بعد هذا: " فإذا كان المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً منقسماً، وهذه حقيقة {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُون} ... فيجب أن يمارس الخيِّرون كافة الوسائل لتحقيق قناعاتهم الشرعية، والشكوى وسيلة لا يمكن أن نهوِّن منها أو من شأنها، ولكنها من أضعف الوسائل خاصة إذا لم يكن معها غيرها!! ".

يتبع
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة أحمد سالم ; 23 Jul 2010 الساعة 05:01 AM
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 23 Jul 2010, 05:02 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

وفي أوّل هذا الشّريط بعد أن حرص على أن تنال المرأة الشهادات العالية في التعليم حتى لا تترك المجال للعلمانيات! أخذ يُحَرِّض على الخروج بصراحة قائلا: " إنّني أعتقد أنّ زمن الشّكوى قد انتهى أو كاد أن ينتهي ـ أعني ـ أنّ دور الخيِّرين والخيِّرات لا يجوز أبدا أن يتوقف عند مجرد رفع الشّكاوي إلى الجهات المختصة حصل كذا وحصل كذا ... ".
قلت: ماذا تريد ـ يا سلمان!ـ بهذا التّهييج؟! إنه تحريض صريح على الخروج؛ لأن الشكوى باللسان لا تكفي عندك! وليس فوق التغيير باللسان إلا اليد كما هو معلوم، وقد لا يكلِّف الشرعُ الرِّجالَ أنفسهم بما فوق ذلك. فلئن شحّت نفسُك عن قبول المعاذير، فـ » رفقاً بالقوارير «!
ثم تأمل اعتماد سلمان ـ كغيره من الثوار ـ على الغثاء وقارنه بقول المؤرِّخ ابن خلدون ـ رحمه الله ـ: " ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء؛ فإن كثيرا من المنْتَحِلين للعبادة وسلوك الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجَور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله، فيَكثُر أتباعُهم والمتشبِّثون بهم من الغوغاء والدهماء، ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يَهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين؛ لأن الله سبحانه لم يَكتب ذلك عليهم ... ".
ثم يا سلمان! أما علمت أن فتواك هذه طار بها الثُّوَّار الإسلاميون عندنا كل مطار، وتنادوا مُصْبِحين ومُمْسين أن اغدوا على جهادكم إن كنتم ـ في هذه ـ لعلماءِ السّعوديّة سامعين؟!
يا سلمان! لسان كل سلفيّ في الجزائر يقول لك: أترضى لنا بفتياك ـ ونحن إخوانك ـ أن نعيش في أيامنا هذه أسوأ الأحوال. أنت تكتب من وراء مكتبك المترف، وإخوانك المجاهدون الذين حسَّنت فيهم ظنّك قد حلقوا لِحاهم، وتجرّدوا من ثيابهم الإسلامية وحلقوا شعورهم وقصروها على أقبح وأحدث صورة يعرف عليها الكفار والفسّاق، ونحن نقاسي ما نقاسيه بمظهرنا الإسلامي، ولم يثبت اليوم على زيِّه الإسلامي إلا السّلفي غير المتحزِّب، يمضي إلى بيت الله خائفا يترقب، فلا يدري أيرجع إلى بيته أم يُدسُّ في التّراب؟
وهل يغني عنك شيئا هذا التناقض الآتي حين قلت بعده مباشرة: " نحن لاندعو إخواننا في الجزائر ولا في أي بلد آخر إلى مواجهة دامية لاتحمد عقباها .. ".
النقد: إنّ قولك: " لا تحمد عقباها " فذلكة يتخذها السياسيون للتخلص من العُتبَى ولو مشوا على حبلين متضادي الاتّجاه! لأنّ هذه الجملة إمّا هي صفة كاشفة، فيكون المعنى متفقاً مع سابقه في التحريض على المواجهة الدّامية لمن رجم بالغيب فرأى العقبى محمودة، وإمّا هي بيان للواقع، فإن غضضنا الطرف عن كلماتك التي تتّهمك بالتحريض لم تنج من التناقض؛ لأنك تدعو إلى المواجهة ولو بالصدور العارية، والسّواعد التي لا تحمل شيئاً، ثم تتظاهر بالترّاجع ( العاقل! ) مع أنّ الذي يرجّح أنك تقصد الأول هو نصيحتك للجبهة بعده مباشرة بقولك: " يمكن أن تصبر ويمكن أن تصابر ويمكن أن تظل وفيّة لدينها ولقادتها الإسلاميين الآن، وبعد شهر، وبعد سنة، وبعد سنوات، وتظل تنادي بالإسلام وتصبر وتتحمّل وتبذل المزيد من القتلى الذين نحتسبهم عند الله تعالى شهداء،ومن التضحيات ومن تحمّل السّجون وتحمّل الأذى حتى يظهرها الله تعالى ... ".
النقد: جاء في شريط من » سلسلة الهدى والنّور « رقم (470/1) قول السائل للشيخ الألباني: " هناك ـ يا شيخ ـ من يقول إنّه من يقتل الآن على السّاحة المصرية بين الحكومة والإخوة؛ بعض الإخوة يقول إنّه شهيد، والحديث يقول: » إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار «).
أجاب الشيخ: " أولاً: الجواب عن هذا السؤال باختصار: أنّ من يقتل في هذه المجابهات التي تقع بين الدولة وبين بعض أفراد الشّعب المسلم، وأستدرك هنا على نفسي، فأقول: بين الدولة التي لا تحكم بما أنزل الله وبين بعض أفراد الشعب الذي يطالب الدولة بأن تحكم بما أنزل الله، فما يقع من قتلى بين الطّرفين، فليس فيهم من يصح أن يقال فيه: إنّه شهيد ".
ثم فصّل في التفريق بين الشّهادة الحقيقية والشّهادة الحكمية، وقال بعدها: " هؤلاء الذين أنت تسأل عنهم لا يَصْدُق فيهم لا الشهادة الحقيقية، بل ولا الشّهادة الحكمية ". ثم أفاض في تعليل ذلك بعلم غزير، يجب على الشباب المتحيّر اليوم طلبه، لأنّه شحّت فهومُ كثيرٍ من أهل العلم عن استنباطه. والله يعصم المتحمِّسين من شرِّ الجهل به.
قال سلمان: " هذا مع أنّ وضع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر وضع جيّد، وهي امتداد لجمعية العلماء، فهي ذات اتجاه سلفي في الغالب .. ".
النقد: هنا خطآن من أخطاء الواقع يدلان على أنّ هؤلاء لا يصلحون بعد للإعلام الإسلامي، وهما:
الأول: لم يخطر ببالي ولا ببال أحد من المنخرطين في جبهة الإنقاذ هذا الامتداد، وحبله مقطوع من زمن بعيد، وقد حيّرني هذا الخبر إذ لم أتصوّره لحظة من حياتي بل ولا ادّعاه الناطق الرسمي لجبهة الإنقاذ ولا نائبه، مَن مِن أعضاء جمعية العلماء هو الآن في حزب جبهة الإنقاذ ؟ لقد مات معظم أعضاء الجمعية ففي أيّ مقبرة تمّ الاجتماع بينهما وأعطيت الجبهة الميثاق والعهد من شيوخها ؟ {ستُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ويُسْئَلُون}! ومن بقي من شيوخ الجمعية لم يُعرف له نشاط في الجبهة؛ لأنّ الجمعية حُلّت قبل وجود الجبهة بنحو ثلاثين سنة، بل ومن سوء حظ أخينا سلمان أنّ أعضاء الجمعية الأحياء قد أسّسوا لهم جمعيتهم من جديد إظهارا لمخالفتها للدَعِيّ المُتَبَنَّى. وأنشأت لها جريدة » البصائر« التي لا علاقة لها بجبهة الإنقاذ لا تلميحاً ولاتصريحاً، بل أقول صراحة: إنّ جلَّ أعضائها كانوا أشدّ ما يكونون على الجبهة لأنهم حكوميّون، لهم مراكز مرموقة، خاصة في وزارة الشّئون الدينية {ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}.
ثم من النّاحية التاريخية والمنهجية في آنٍ واحدٍ، أقول: لو أنّ الأعضاء الأحياء من الجمعية انضمّوا إلى جبهة الإنقاذ لم يكن لك أن تربط بين الجمعية التي أسّسها ابن باديس ـ رحمه الله ـ وبين هؤلاء؛ ذلك لأنّ الجمعية لم تُؤسّس أصالة كحزب سياسي، ويكفيك تسميتها ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين )، وعملها كان مؤَصَّلا على التعليم، خاصة على التّصفية والتربية، في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب يتناثر طَلْعُها كطلع الفُطور. ثم كان بينها وبين الأحزاب الوطنية المتحمّسة لقتال الفرنسيين خلاف شديد، لأنّها كانت ترفض دخول المعركة والأمّة لم تهيأ بعد، كما يقوله السلفيون في كل زمان ومكان تفقُّهًا على أبواب الجهاد، خاصة منهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ـ وهو رحمه الله لسان الجمعية ـ، وهاك كلماته في حكم التحزّب، قال: " أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب كالميزاب، جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع "، وقال أيضا: " إنّنا نعدّ من ضعف النتائج من أعمال الأحزاب في هذا الشرق كله آتيا من غفلتهم عن هذه الأصول، ومن إهمالهم لتربية الجماهير وتصحيح مقوِّماتها حتى تصبح أمّة وقوة ورأيا عاما .. " ويقول: " ... إذا كان من خصائص الاستعمار أن يُضْعف المقوِّمات ويُميتَها، ثم يكون من خصائص أغلب الأحزاب أنّها تهملها ولا تلتفت إليها، فهل يلام العقلاء إذا حكموا بأنّ هذه الأحزاب شرّ على الشرق من الاستعمار؟ "، ويقول عن الجمعية: " جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية فهي بالصفة الأولى تعلّم وتدعو إلى العلم وترغّب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لاتتستر، وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية؛ لأنهما شيآن متلازمان، وتدعو إليهما وترغّب فيهما، وتنحو في الدين منحاها الخصوصي؛ وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعبادته؛ لأنّ هذا هو معنى الإصلاح الذي أُسّست لأجله ووقَّفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضا بوسائل علنية ظاهرة، وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق ... "، ولما كانت الجمعية غير سياسية، وكانت الأحزاب السياسية تشوش على المتعلمين المتجمعين حول الجمعية بما تسميه جهادا ضدّ فرنسا، قام إنكار الجمعية عليها، فقد قال فيها الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: " وفي باب الأعمال لم نر منهم إلا عملا واحدا، هو الذي سميناه: جناية الحزبية على التعليم والعلم. هؤلاء القوم قطعوا الأعوام الطوال، في الأقوال والجدال، وجمع الأموال، وتعليل الأمّة بالخيال، ومجموع هذا هو ما يسمونه سياسية ووطنية ... كثرت مواسم الانتخاب حتى أصبحت كأعياد اليهود، لايفصل بعضها عن بعض إلا الأيام والأسابيع، وكان ذلك كله مقصودا من الاستعمار، لما يعلمه في أمّتنا من ضعف، وفي أحزابنا من تخاذل وأطماع، وفي مؤسساتنا ومشاريعنا العلمية من اعتماد على الوحدات المتماسكة من الأمّة، فأصبح يرميهم في كل فصل بانتخاب يوهن به صَرْح التعليم، ويفرّق به الجمعيات المتراصّة حوله، والتعليم هو عدو الاستعمار الألدّ لو كان هؤلاء القوم يعقلون ".
ثم تحدّث عن أثر الحزبيات في تمزيق صفّ الطّلبة فقال: " ولو أنّ مدارسنا اشتدت أصولها، وامتدت فروعها، وكانت تأوي في الجانب المالي إلى ركن شديد، وترجع في الجانب العلمي إلى رأي رشيد، لكان وبال هذه النعَرات الحزبية الشيطانية راجعا إلى أصحابه وحدهم ... هذه إحدى جنايات الحزبية على التعليم، زيادة على جنايتها على الأخوة والمصلحة الوطنية العامة ". ولعلّ أصرح كلمة تُبيِّن أن جمعية العلماء لم تنهج النهج السياسي هي وصية رئيسها الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ لطلبته حين جمعهم بالمسجد الأخضر في قسنطينة فقال: " اتقوا الله! ارحموا عباد الله! اخدموا العلم بتعلّمه ونشره، تحمَّلوا كل بلاء ومشقة في سبيله، ولْيَهُن عليكم كل عزيز، ولْتَهُن عليكم أرواحكم من أجله. أما الأمور الحكومية وما يتصّل بها فدعوها لأهلها، وإياكم أن تتعرَّضوا لها بشيء ".
وهو يقول هذا عن دراية بما يُدبَّر للمسلمين من مكائد، ولذلك قال: " ... حُوربت فيكم العُروبة حتى ظُنّ أن قد مات منكم عِرْقُها، ومُسخ فيكم نُطقُها، فجئتم بعد قرن، تَصْدَحُ بلابِلُكم بأشعارها فتثير الشعور والمشاعر، وتهدر خطباؤُكم بشقاشقها، فتدكُّ الحصونَ والمعاقلَ، ويهز كتَّابكم أقلامها، فتصيب الكِلَى والم.
وحورب فيكم الإسلام حتى ظُنّ أن قد طُمست أمامكم معالمُه، وانتُزعت منكم عقائدُه ومكارمُه، فجئتم بعد قرن، ترفعون عَلَم التوحيد، وتنشرون من الإصلاح لواء التجديد، وتدعون إلى الإسلام، كما جاء به محمد ، لا كما حرَّفه الجاهلون، وشوّهه الدّجّالون، ورضيه أعداؤه.
وحورب فيكم العلمُ حتى ظُن أن قد رضيتم بالجهالة، وأخلدتم للنذالة، ونسيتم كل علم إلا ما يَرْشَحُ به لكم، أو ما يمزج بما هو أضرُّ من الجهل عليكم، فجئتم بعد قرن ترفعون للعِلم بناءً شامخاً، وتشيِّدون له صرحاً سامقاً، فأسستم على قواعد الإسلام والعروبة والعلم والفضيلة جمعيتَكم هذه؛ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وحوربت فيكم الفضيلة، فسِمْتُم الخسف، ودُيِّثتم بالصَّغار حتى ظُن أن قد زالت المروءة والنجدة، وفارقَتْكم العزّة والكرامة، فَرَئِمْتُم الضَيْم، ورضيتم الحَيْف، وأعطيتم بالمَقَادة، فجئتم بعد قرن تنفُضون غبار الذّل، وتُهَزْهِزون أسس الظلم، وتُهَمْهِمون هَمْهَمَة الكريم المحنَّق، وتُزَمْجِرون زمْجَرَة العزيز المهان، وتطالبون مطالبة من يعرف له حقًّا لا بدّ أن يعطاه أو يأخذه ).
وشرح ـ رحمه الله ـ سبب اختياره الدين على السياسة للنهوض بالأمّة في الوقت الذي كانت تؤاخذ الجمعية بعدم دخولها في السياسة، فقال: " وبعدُ، فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها، عن علم وبصيرة وتمسكاً بما هو مناسب لفطرتنا وتربيتنا من النصح والإرشاد، وبثّ الخير والثبات على وجه واحد والسير في خطّ مستقيم، وما كنّا لنجد هذا كله إلا فيما تفرَّغنا له من خدمة العلم والدين، وفي خدمتهما أعظم خدمة، وأنفعها للإنسانية عامة.
ولو أردنا أن ندخُل الميدان السياسي لدخلناه جهراً، ولضربنا فيه المثل بما عُرف عنا من ثباتنا وتضحياتنا، ولقُدنا الأمّة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نَبْلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها، فإن مما نعلمه، ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمّة:
( إنّك مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها )، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: ( إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك )، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها. وهذا كله نعلمه، ولكنّنا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا وبيَّنا، وإنّنا ـ فيما اخترناه ـ بإذن الله لَمَاضون، وعليه متوكِّلون ".
وهذا يشبه كلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حين قال: " وكثير ممّن خرج على ولاة الأمور أو أكثرهم إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه، ولم يصبروا على الاستئثار، ثم إنّه يكون لولي الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يعظّم تلك السيّئات، ويبقى المقاتل له ظانّا أنه يقاتله لئلاّ تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ومن أعظم ما حرّكه عليه طلب غرضه: إما ولاية، وإما مال كما قال تعالى:{فَإِنْ أُعطُوا مِنهَا رَضُوا وَإِنْ لمَ يُعطَوْا مِنها إذَا هُم يَسخَطُون}، وفي الصحيح عن النبي أنّه قال: » ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء يمنعه من ابن السبيل، يقول الله له يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل مالم تعمل يداك، ورجل بايع إماماً لايبايعه إلا لدنيا؛ إن أعطاه منها رضي، وإن منعه سخط، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذبا: لقد أُعطي بها أكثر ممّا أُعطي «.
والمقصود من سوق كلام شيوخ جمعية العلماء إثبات الاختلاف المنهجي بين جبهة الإنقاذ والجمعية بما لايدع لأحدٍ ريبة.
إنّ الدّافع لقيام الجبهة هو الاستجابة للغثاء النَّاقم على النِّظام من أجل الخبز، ولقد تعجَّبت الصحافة كلها من الخطب التي ألقيت في الجمعة التي تلت انتفاضة (5 ـ أكتوبر ـ 1988م)، لأنّها كانت مهدئة، حتى من علي بن حاج، وكان قد نهى الناّس عن تكسير المعدّات والآلات، ولكن لمّا رأوا بأنّ أطرافا أخرى تطمع في استغلال الجموع الشّعبية التي استفزتها اليد الإلحادية عمدا، سارعوا إلى تغيير اللهجة، وغلب الغوغاء على الدّعاة حتى جارَوْهم على باطلهم، وكُوّنت المسيرات بعد هذه الجمعة بيومين فقط!! وبعدها حتى محمد السّعيد المعروف بشيء من التعقل في هذه القضايا لم يجد بدًّا من طاعة الغوغاء ـ بعد اعتقال ابن حاج ومدني ـ وألبسوه قميص المتهوّر وهو له كاره، وكان يَهاب أن يذكر كلمة ( الحكمة ) التي نبذها العوام، وأضحى تيار الدهماء كالسّيل لايوقف في طريقه، ولم يمكن للدّاعية إلا أن يكون مُسيَّرا. ولم يقف الحدّ عند تحكّم الغوغاء في هذه القضايا، بل إذا وجدوا منهم من يأمرهم بالتّأني سارعوا إلى تجميده ورميه بالعظائم، كما فعلوا بشيخيهم: بشير فقيه والهاشمي سحنوني، لأنّ هذا الأخير ـ ككثير من الحزبيين ـ عَوّدوا العوام على استعدائهم على من لا يمشي معهم من الدعاة، فانقلب السهم على راميه. وقد قال ابن تيمية: " والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى:{واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِين ظَلَمُوا مِنكُمْ خاصَّةً}، وإذا وقعتْ الفتنة لم يَسْلَم مِن التلوّث بها إلا مَن عصمه الله ".
الثاني: تنبّه أيّها القاريء إلى أصل أخشى أن تنساه، وهو أنّ السّلفية لا تعرف الحزبية، بل لم يكن يُفرَّق بين السّلفي والإخواني إلا بها، وتذكّر أنّ جبهة الإنقاذ حزبٌ كما يصرّح به رؤوسها أنفسهم، وقد كتب علي بن حاج في تأييد بدعة التحزب، فإلى أي الفريقين تنتمي جبهة الإنقاذ ؟
ولو سلّمنا بأنّ الحزبية من الإسلام، وأنّ العلماء الكبار كانوا مخطئين في إنكارهم ذلك، لقلنا: إنّ وصف سلمان للجبهة بأنّها سلفية خلاف الواقع، لأن كلامه هذا جاء عقب إقصاء السلفيين منها، وإدخال علي ابن حاج وعباسي مدني السجن، وتسلّمها بقوة جماعة ( الجَزْأَرَة ) التي هي من أعدى أعداء السّلفية، وترأسها محمد سعيد، بل هم على طريقة من يلقّب أهل الحديث بالحشوية ... المهمّ: زعمك هذا ـ يا سلمان!ـ كان في الوقت الذي كانت فيه أسماء المرشَّحين للانتخابات البرلمانية كلها من ( الجزأرة )، إلا واحدا في باب الوادي بالعاصمة، تركوه مصيدة للسّلفيين، لأن هذا الحي على سلفية وإن كان فيها دخن، فهل من معتبر؟ ولا أعتقد أن من حولك من الجزائريين يكتمك هذا إلا أن يكون من ( الجزْأَرِيين )!
فليتك ـ يا سلمان!ـ قلت ما قلت قبل هذا التاريخ لوجدنا لك مخرجا، لكن احمد الله وحده، فقد جعل لك خير مخرج حين قال: {وَالذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُم يَعْلَمُون}.
ـ قال سلمان: " سمعت أن الشيخ محمد ناصرالدين الألبانيّ ـ حفظه الله ـ الإمام العالم المحدّث، أرسل رسالة إلى الإخوة في الجزائر، وقرئت في المساجد، يؤيّدهم فيها، فكان لها أثر كبير على نفوس الناس هناك ".
النقد: كأنك ـ يا سلمان ـ تقول أي شيء! ما الذي يمنعك من التأني والعمل بقول الله: {يَأيُهَا الذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِق بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا}، وبقوله: {إلا مَن شَهِدَ بِالحق وَهُم يَعْلَمُون}؟ ولئن قلت: أنا ما تكلمت إلا بما سمعت والعهدة على الراوي، قلنا لك: أين أنت من قول رسول الله : » كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع «". كل من يعرف الشيخ الألباني يكذّبك في زعمك هذا؛ لأن الشيخ من نوادر أهل العلم الذين عُرفوا بصفاء المنهج والثبات عليه، ومن هذا الصفاء إنكاره الشديد على المشتغلين بالسياسة الآن، خاصة المتحزّبين منهم، وكلمته التي أضحت كالحكمة التي لم يسبق إليها ـ فيما علمت ـ مشهورة، ألا وهي قوله: " أرى الآن من السياسة ترك السياسة ". الشيخ كالجبل الشامخ لايتزحزح، كم كلمه المتحزبون وأرادوا استدراجه واستعطافه، وكانوا يكلمونه طوال هذه السنوات كل ليلة، وحرّفوا لديه الحقائق وأرادوا منه نصف كلمة تؤيّدهم، ولكن الشيخ في صبره العجيب وجلده الشديد وحلمه الطويل يقول في جرأته المعروفة مع القريب والبعيد: " لاحزبية في الإسلام ". يا سلمان أين فقهك للواقع ؟ لقد سارت الركبان في كل أصقاع المعمورة بكلمة تقول: " لئن جاز أن تستغل الحركات الإسلامية الماكرة كبار المشايخ بالتمويه عليهم، فإن الشيخ الألباني ميؤوس منه عندهم ". أنت ـ ياسلمان! ـ قلت: " لماذا نهوّن من شأن هذه الجماهير المسلمة في الجزائر وفي غير الجزائر ونعتقد أنها تنفضّ ... " توسّمت انتصار الجبهة وهي تحاصَر بقوة، وهذه فراستك! فكيف كان اغترارك حين رأيتها بعدها قد حازت مقاعد البرلمان؟ وتأمّل فراسة الشيخ الألباني أيّام انتصار الجبهة في الانتخابات البرلمانية، حين كاد الناس ـ أصحاب النتائج ـ يُجمعون على أنّها وصلت، أخبرني الشيخ علي بن حسن بن عبد الحميد آخر سنة 1412هـ، حدّثه الشيخ سليم الهلالي أنه كان عند الشيخ الألباني حين أُخبر بالانتصار المذكور فقال الشيخ: رغوة صابون أو كلمة نحوها، ثم مشيت إلى بيت الشيخ سليم الهلالي طلبا للإسناد العالي وهو صحيح كالشمس كما ترى، فقال لي: " قال الشيخ: هذه رغوة فقاقيع ". بالجزم من غير الشّك الذي تحفّظ فيه الشيخ علي حفظهما الله تعالى، وهما محل صدق والحمد لله، ومن ارتاب فإن الشيخ حيٌّ يرزق وهاتفه بلا حجاب.
فهل الشيخ يكره قيام دولة الإسلام ؟ أم هي فراسة مجتهد قد ظهر صدقها، ولا يدركها طالب العلم مهما جمع من قصاصات الجرائد ؟! فأي الفريقين أحق بالحديث في هذه المسائل: أهو طالب العلم الذي لا هو يعرف تمحيص الأخبار، ولا هو يتأنى لتبيّن الصدق من الكذب، ولا هو يحسن تحليل واقع الناس؟ {ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِنَ العِلْم}! أم هو العالم المجتهد المسنّ الذي أدّبته النّصوص وحنّكته التجارب؟ {وَلَو رَدُّوه إِلى الرسول وَإِلى أُولي الأمْرِ مِنهم لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه مِنهُم}. وفي جواب الشيخ أمارة واضحة على قوة إيمانه بالغيب، ويقينه في صدق نصوص الوحيين، وأنه لا تخدعه نتائج الواقع ما لم تؤسَّس على الشرع ـ نحسبه كذلك ـ ويا ليت شعري كيف يكون يوم أصحاب النتائج إذا أحيى الدجالُ المقتولَ بين أيديهم وأَخرج كنوزَ الأرض ...؟ فاللهم حفظك.

يتبع
رد مع اقتباس
  #21  
قديم 23 Jul 2010, 05:03 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

ذلك هو تصرّفك وتسرّعك ـ ياسلمان! ـ مع الأخبار التي وردتك على أحسن ما نظن بك، أما نحن فحينما بلغنا أن الشيخ الألباني أيّد الجبهة جزمنا في أنفسنا بكذبه، وتيقنا ذلك حين رأينا الورقة الأخيرة فقط من الفاكس الذي أرسله الشيخ إلى أعضاء الجبهة قد علقت بالمساجد، وظهر لنا أن كلاماً سبقها حُذف، وازددنا يقينا حين قرأنا بأسفلها مكتوبا بلون مغاير: " لقد دعا الشيخ ناصر الدين الألباني للشعب الجزائري بالنصرة والتوفيق، وذلك في مكالمة هاتفية!!"، فعلمنا أنهم لم يعودوا من عند الشيخ إلا بخفي حنين، فحسبهم أن يعلقوا من الفاكس ورقة واحدة قليلة الأسطر بالنسبة للورقات الأخرى، لا يراد منها إلا التدليس، وكتمنا ذلك وقلنا: " اتبع الكذّاب إلى باب الدّار "، فاتصلنا بالأردن مباشرة فجاءنا من الشيخ الفاكس بتمامه، فإذا هو ستّ ورقات!كما أنه قد سئل الشيخ نفسه عما يلي:
قال السائل: قال بعض الدعاة في شريط له عندنا هنا في السعودية بعنوان » كلمة حق في المسألة الجزائرية «()، قال هذا الداعية إنكم أرسلتم رسالة إلى جبهة الإنقاذ في الجزائر تؤيِّدونها فيما قامت به، وتحثونها على الاستمرار، وأن تلك الرسالة قد قُرئت على الناس في المساجد، وقد كان لها أثر كبير في صفوف جبهة الإنقاذ، فالسؤال: هل هذا حصل منكم، نرجو التوضيح؟
الجواب: " إذا كان هذا الداعية تعرفه فاقرأ عليه قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} إلى آخر الآية، وقال عليه السلام: » بحسْب امريء من الكذب أن يحَدِّث بكل ما سمع «، هذا أولا، ليطلب مِن الذي أخبره بهذا الخبر الزور النصَ الذي أرسلتُه إليهم بخطي، هذا الجواب عما سألتَ ". واقرأ الآن ـ يا سلمان! ـ هذا النص إن لم يسبق لك أن قرأته، ثم ضع فقهك للواقع في ميزان الصائغ، فهل تراه يزن شعرة؟!
‏هذه صورة كلمة الشيخ الألباني التي أرسلها بواسطة ( الفاكس ) إلى جبهة الإنقاذ الجزائرية

نص فاكس الشيخ الألباني إلى جبهة الإنقاذ
الجزائرية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد؛ فإلى لجنة الدعوة والإرشاد في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛ فقد تلقيت أَصِيلَ هذا اليوم الثلاثاء الموافق للثامن عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ( 1412هـ ) رسالتكم المرسلة إليّ بواسطة ( الفاكس ) فقرأتها وعلمتُ ما فيها من الأسئلة المتعلقة بالانتخابات التي قلتم إنها ستجري عندكم يوم الخميس أي بعد غد، ورغبتم مني التعجيل بإرسال أجوبتي عليها، فبادرت إلى كتابتها ليلة الأربعاء لإرسالها إليكم بـ ( الفاكس ) أيضاً صباح هذا اليوم ـ إن شاء الله ـ شاكراً لكم حسن ظنكم بأخيكم وطيب ثنائكم عليه الذي لا يستحقه، سائلا المولى سبحانه وتعالى لكم التوفيق في دعوتكم وإرشادكم.
وإليكم الآن ما يَسَّر الله لي من الإجابة عل أسئلتكم، راجيا من المولى سبحانه وتعالى أن يلهمني السداد والصواب في ذلك:
السؤال الأول: ما الحكم الشرعي في الانتخابات التشريعية ( ما يسمى بالبرلمان ) التي نسعى من خلالها إلى إقامة الدولة الإسلامية، وإقامة الخلافة الراشدة ؟
الجواب : إنّ أسعد ما يكون المسلمون في بلادهم يوم ترفع راية ( لا إله إلا الله ) وأن يكون الحكم فيها بما أنزل الله، وإن مما لا شك فيه أن على المسلمين جميعا ـ كل حسب استطاعته ـ أن يسعوا إلى إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بكتاب الله وسنة رسول الله وعلى منهج السلف الصالح، ومن المقطوع به عند كل باحث مسلم أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، وأول ذلك أن يقوم جماعة من العلماء بأمرين هامين جدا:
الأول: تقديم العلم النافع إلى من حولهم من المسلمين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يقوموا بتصفية العلم الذي توارثوه مما دخل فيه من الشركيات والوثنيات حتى صار أكثرهم لا يعرفون معنى قولهم :( لا إله إلا الله )، وأن هذه الكلمة الطيبة تستلزم توحيد الله في عبادته تعالى وحده لا شريك له، فلا يستغاث إلا به، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، وأن لا يعبدوه تعالى إلا بما شرع الله على لسان رسول الله ، وأن هذا من مستلزمات قولهم: ( محمد رسول الله )، وهذا يقتضيهم أن يُصَفُّوا كتب الفقه مما فيها من الآراء والاجتهادات المخالفة للسنة الصحيحة حتى تكون عبادتهم مقبولة، وذلك يستلزم تصفية السنة مما دخل فيها على مر الأيام من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كما يستلزم ذلك تصفية السلوك من الانحرافات الموجودة في الطرق الصوفية، والغلو في العبادة والزهد، إلى غير ذلك من الأمور التي تنافي العلم النافع.
والآخر: أن يُرَبُّوا أنفسهم وذويهم ومن حولهم من المسلمين على هذا العلم النافع، ويومئذ يكون علمهم نافعاً وعملهم صالحاً؛ كما قال تعالى:{فمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، وحينئذٍ إذا قامت جماعة من المسلمين على هذه التصفية والتربية الشرعية فسوف لا تجد فيهم من يختلط عليه الوسيلة الشركية بالوسيلة الشرعية؛ لأنهم يعلمون أن النبي قد جاء بشريعة كاملة بمقاصدها ووسائلها، ومن مقاصدها مثلا النهي عن التشبه بالكفار وتبني وسائلهم ونظمهم التي تتناسب مع تقاليدهم وعاداتهم، ومنها اختيار الحكام والنواب بطريقة الانتخابات، فإن هذه الوسيلة تتناسب مع كفرهم وجهلهم الذي لا يفرق بين الإيمان والكفر ولا بين الصالح والطالح ولا بين الذكر والأنثى؛ وربنا يقول:{أَفَنَجْعلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمون} ويقول:{ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}.
وكذلك يعلمون أن النبي إنما بدأ بإقامة الدولة المسلمة بالدعوة إلى التوحيد والتحذير من عبادة الطواغيت وتربية من يستجيب لدعوته على الأحكام الشرعيةحتى صاروا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما جاء في الحديث الصحيح، ولم يكن فيهم من يُصِرُّ على ارتكاب الموبقات والربا والزنا والسرقات إلا ما ندر.
فمن كان يريد أن يقيم الدولة المسلمة حقا لا يُكتِّل الناس ولا يجمعهم على ما بينهم من خلاف فكري وتربوي كما هو شأن الأحزاب الإسلامية المعروفة اليوم، بل لا بد من توحيد أفكارهم ومفاهيمهم على الأصول الإسلامية الصحيحة: الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح كما تقدم، {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُون بِنَصْرِ الله}، فمن أعرض عن هذا المنهج في إقامة الدولة المسلمة وسلك سبيل الكفار في إقامة دولتهم فإنما هو ( كالمستجير بالرمضاء من النار )! وحسبه خطأ ـ إن لم أقل: إثماً ـ أنه خالف هديه e ولم يتخذه أسوة والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}.
السؤال الثاني: ما الحكم الشرعي في النصرة والتأييد المتعلقين بالمسألة المشار إليها سابقاً ( الانتخابات التشريعية )؟
الجواب : في الوقت الذي لا ننصح أحدا من إخواننا المسلمين أن يرشِّح نفسه ليكون نائبا في برلمان لا يحكم بما أنزل الله، وإن كان قد نص في دستوره (دين الدولة الإسلام) فإن هذا النص قد ثبت عمليا أنه وضع لتخدير أعضاء النواب الطيِّبي القلوب!! ذلك لأنه لا يستطيع أن يغيِّر شيئاً من مواد الدستور المخالفة للإسلام، كما ثبت عمليا في بعض البلاد التي في دستورها النص المذكور.
هذا إن لم يتورط مع الزمن أن يُقر بعض الأحكام المخالفة للإسلام بدعوى أن الوقت لم يحن بعدُ لتغييرها كما رأينا في بعض البلاد؛ يُغَيرِّ النائب زيّه الإسلامي، ويتزيّا بالزي الغربي مسايرة منه لسائر النواب! فدخل البرلمان ليُصْلِح غيره فأفسد نفسه، وأوَّل الغيث قطرٌ ثم ينهمر! لذلك فنحن لا ننصح أحدا أن يرشح نفسه؛ ولكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشَّحين من يعادي الإسلام وفيهم مرشَّحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج، فننصح ـ والحالة هذه ـ كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط ومن هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح الذي تقدم بيانه.
أقول هذا ـ وإن كنت أعتقد أن هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود كما تقدم بيانه ـ من باب تقليل الشر، أو من باب دفع المفسدةالكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء.
السؤال الثالث : حكم خروج النساء للانتخابات ؟
الجواب : يجوز لهن الخروج بالشرط المعروف في حقهن وهو أن يتجلببن الجلباب الشرعي، وأن لا يختلطن بالرجال، هذا أولا.
ثمَّ أن ينتخبن من هو الأقرب إلى المنهج العلمي الصحيح من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى كما تقدم.
السؤال الرابع : الأحكام الشرعية المتعلقة بأنماط العمل الشرعي في ( البرلمان ) ورجالاته ؟
الجواب :فنقول: هذا سؤال غامض مرادكم منه غير ظاهر لنا، ذلك لأن المفروض أن النائب المسلم لا بد أن يكون عالما بالأحكام الشرعية على اختلاف أشكالها وأنواعها، فإذا ما طرح أمر ما على بساطِ البحث فلا بد أن يوزن بميزان الشرع، فما وافق الشرع أيده وإلا رفضه؛ كالثقة بالحكومة، والقَسَم على تأييد الدستور ونحو ذلك !!
وأما رجالات البرلمان! فلعلكم تعنون: ما موقف النواب الإسلاميين من رجالات البرلمان الآخرين؟ فإن كان ذلك مرادكم فلا شك أنه يجب على المسلمين نوابا وناخبين أن يكونوا مع من كان منهم على الحق كما قال رب العالمين:{وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
وأما السؤال الخامس والسادس : فجوابهما يُفهم مما تقدم من الأجوبة.
ونضيف إلى ذلك أن لا يكون همُّكم ـ معشر الجبهة الإسلامية! ـ الوصول إلى الحكم قبل أن يصبح الشعب مهيَّئًا لقبول الحكم بالإسلام، ولا يكون ذلك إلا بفتح المعاهد والمدارس التي يتعلم فيها الشعب أحكام دينه على الوجه الصحيح ويربَّى على العمل بها ولا يكون فيهم اختلاف جذري ينشأ منه التحزب والتفرق كما هو الواقع الآن مع الأسف في الأفغان، ولذلك قال ربنا في القرآن : {ولاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}، وقال رسول الله e: » لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخوانا كما أمركم الله « رواه مسلم.
فعليكم إذن بالتصفية والتربية، بالتأني؛ فإن » التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان «، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، ولذلك قيل: من استعجل الشيئ قبل أوانه ابتلي بحرمانه، ومن رأى العبرة بغيره فليعتبر، فقد جرب بعض الإسلاميين من قبلكم في غير ما بلد إسلامي الدخول في البرلمان بقصد إقامة دولة الإسلام، فلم يرجعوا من ذلك ولا بخفي حنين ! ذلك لأنهم لم يعملوا بالحكمة القائلة : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم "، وهكذا كما قال :» إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم « رواه مسلم.
فالله سبحانه وتعالى أسأل أن يلهمنا رشدنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويهدينا للعمل بشرعةِ ربنا، متبعين في ذلك سنة نبينا ومنهج سلفنا، فإن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع، وأن يفرج عنا ما أهمَّنا وأغمَّنا وأن ينصرنا على من عادانا، إنه سميع مجيب.
عمان صباح الأربعاء 19 جمادى الآخرة سنة 1412هـ.
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني أبو عبد الرحمن.
أقول: فالصدقَ الصدقَ ـ يا سلمان! ـ قبل يوم تعذر الاعتذار، قَالَ الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِيَن صِدْقُهُم}.
قال سلمان: " وكذلك اجتمعنا مع سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز منذ زمن ـ مِن منذ نحو شهرين، وكان الشيخ متعاطفاً معهم، وحدثنا أنّه يهمُّ بإرسال رسالة إليهم لتأييدهم والدّعاء لهم، ودعوة المسلمين إلى تأييدهم، وذلك قبل أن يجري ما جرى، ولكنّني علمتُ فيما بعد أنّ الشيخ لم يفعل ذلك لبعض الأسباب الخاصة ".
النقد: إنّ ما نقلته عن الشيخ هنا لا يستدعي النّقد؛ لأنك نقضت أوّله بآخره فلم تأت بشيءٍ، وأستدرك هنا فأقول: لم تأت بشيءٍ من العلم، وإلا فقد أتيت عظائم، لأنك تنسب ما لا حقيقة له إلى العلماء، وأيّ علماء! لا تُغْفِل ـ يا سلمان! ـ أنك تتحدّث عمن حمى الله بهم دعوة السّلف؛ لا تُغفِل ـ ياسلمان! ـ أنك تتحدّث عمن لا يُعرف لهم نظير في العالم الإسلامي؛ لا تُغفِل ـ يا سلمان! ـ أنك تخبر عمّن قيّض الله لفتاواهم نقلة أمناء، ينفون عنهم تزوير المزوِّرين، وتحريف الغالين.
لو رأيتنا ـ ياسلمان! ـ ونحن نتردد على الشيخ العلاّمة عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله ـ ثلاث مرّات؛ نسأله عن أوضاع الجزائر، وفي كل مرّة لا يزيد على قوله: " الله أعلم، حتى تنظر اللجنة الدّائمة للإفتاء ".
قلت: الله أكبر! هذا ورع مفتي المسلمين، بل هذا هو العلم، قال ابن مسعود: " ياأيّها الناس! اتقوا الله، مَن عَلِم منكم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنّ من العلم أن يقول الرجل لِما لا يعلم: الله أعلم، فإنّ الله تعالى قال لنبيِّكم : {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِفِين} ".
ثم أبى الله U إلا أن يتم نوره ولو كره المهرِّجون، وكما بينت آنفاً تكذيب العلامة الألباني لما نُسِب إليه، أبيّن الآن تكذيب الشيخ ابن باز لِما نسبه إليه سلمان؛ فقد سئل بمكة يوم (26) من ذي الحجة (1414هـ) ـ وهو مسجل في التوعية الإسلامية ـ عمّا يأتي:
السؤال الأول:
الجماعة الإسلامية المسلّحة بالجزائر قَوَّلَتْكم أنكم تؤيّدون ما تقوم به من اغتيالات للشرطة وحمل السّلاح عموما، هل هذا صحيح؟ وما حكم فعلهم مع ذكر ما أمكن من الأدلّة جزاكم الله خيرا؟
الجواب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز:
" بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلّى الله وسلّم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد نصحنا إخواننا جميعا في كل مكان ـ أعني الدّعاة ـ نصحناهم أن يكونوا على علم وعلى بصيرة وأن ينصحوا الناس بالعبارات الحسنة والأسلوب الحسن والموعظة الحسنة وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، عملا بقول الله سبحانه: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ}، وقوله سبحانه: {ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم}، فالله جلّ وعلا أمر العباد بالدعوة إلى الله وأرشدهم إلى الطريقة الحكيمة، وهي الدعوة إلى الله بالحكمة يعني بالعلم: قال الله، قال رسوله، وبالموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن، عند الشّبهة يحصل الجدال بالتي هي أحسن والأسلوب الحسن حتى تزول الشّبهة.
وإن كان أحد من الدّعاة في الجزائر قال عنّي: قلت لهم: يغتالون الشّرطة أو يستعملون السّلاح في الدعوة إلى الله هذا غلط ليس بصحيح بل هو كذب، إنما تكون الدعوة بالأسلوب الحسن: قال الله، قال رسوله، بالتّذكير والوعظ والتّرغيب والتّرهيب، هكذا الدعوة إلى الله كما كان النبي وأصحابه في مكّة المكرمة قبل أن يكون لهم سلطان، ما كانوا يدعون الناس بالسّلاح، يدعون الناس بالآيات القرآنية والكلام الطيّب والأسلوب الحسن لأنّ هذا أقرب إلى الصّلاح وأقرب إلى قبول الحق، أما الدعوة بالاغتيالات أو بالقتل أو بالضرب فليس هذا من سنّة النبي ولا من سنّة أصحابه، لكن لمّا ولاّه الله المدينة وانتقل إليها مهاجرا كان السّلطان له في المدينة وشرع الله الجهاد وإقامة الحدود، جاهد عليه الصلاة والسلام المشركين وأقام الحدود بعد ما أمر الله بذلك.
فالدّعاة إلى الله عليهم أن يدعوا إلى الله بالأسلوب الحسن: بالآيات القرآنية والأحاديث النّبوية، وإذ لم تُجدِ الدعوة رفعوا الأمر للسّلطان ونصحوا للسّلطان حتى ينفّذ، السّلطان هو الذي ينفّذ، يرفعون الأمر إليه فينصحونه بأنّ الواجب كذا والواجب كذا حتى يحصل التّعاون بين العلماء وبين الرؤساء من الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريّات، الدّعاة يرفعون الأمر إليهم في الأشياء التي تحتاج إلى فعل: إلى سجن، إلى قتل، إلى إقامة حدّ، وينصحون ولاة الأمور ويوجّهونهم إلى الخير بالأسلوب الحسن والكلام الطيّب، ولهذا قال جلّ وعلا: {ولاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتابِ إلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم}، فلو ظلم أحد من أهل الكتاب أو غيرهم فعلى وليّ الأمر أن يعامله بما يستحق، أما الدّعاة إلى الله فعليهم بالرّفق والحكمة لقول النبي : " إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزَع من شيء إلا شانه «، ويقول عليه الصلاة والسلام: » مَن يُحْرَم الرّفق يحرم الخير كله «، فعليهم أن يَعِظوا الناس ويذكّروهم بالعذاب والأحاديث ومن كان عنده شبهة يجادلونه بالتي هي أحسن: الآية معناها كذا، الحديث معناه كذا، قال الله كذا، قال رسوله كذا، حتى تزول الشّبهة وحتى يظهر الحق. هذا هو الواجب على إخواننا في الجزائر وفي غير الجزائر، فالواجب عليهم أن يسلكوا مسلك الرسول عليه الصلاة والسلام حين كان في مكّة والصّحابة كذلك، بالكلام الطيّب والأسلوب الحسن؛ لأنّ السلطان ليس لهم الآن لغيرهم، وعليهم أن يناصحوا السلطان والمسؤولين بالحكمة والكلام الطيب والزّيارات بالنيّة الطيبة حتى يتعاونوا على إقامة أمر الله في أرض الله، وحتى يتعاون الجميع في ردع المجرم وإقامة الحق؛ فالأمراء والرّؤساء عليهم التّنفيذ، والعلماء والدّعاة إلى الله عليهم النصيحة والبلاغ والبيان. نسأل الله للجميع الهداية ".
السؤال الثاني:
قامت الجماعة الإسلامية المسلّحة بتهديد أئمّة وزارة الشّئون الدينيّة بالجزائر، الذين لا يصرّحون بسبّ الحكّام على المنابر؛ إمّا توقيف صلاة الجماعة والجمعة وإمّا القتل بحجّة أنّه موظّف لدى الطّواغيت، وقد نفّذوا القتل في مجموعة من الأئمّة الذين لم يستجيبوا لهم كما تعطّلت صلاة الجماعة في بعض المدن فما حكم هذا الفعل؟
الجواب: " ما يصلح هذا! هذا أيضا غلط، هذا ما يصلح! الواجب على الدّعاة أن ينصحوا الناس بالكلام الطيب ينصحوا الخطباء وينصحوا الأئمّة حتى يستعملوا ما شرع الله، أما سبّ الأمراء على المنابر فليس من العلاج، فالعلاج الدّعاء لهم بالهداية والتّوفيق وصلاح النّيّة والعمل وصلاح البطانة، هذا هو العلاج،لأنّ سبّهم لا يزيدهم إلا شرّا، لا يزيدهم خيرا، سبّهم ليس من المصلحة، ولكن يُدعَى لهم بالهداية والتّوفيق والصّلاح حتى يقيموا أمر الله في أرض الله وأنّ الله يصلح لهم البطانة أو يبدلهم بخير منهم إذا أبوا، أن يصلحهم أو يبدلهم بخير منهم، أما سبّهم ولعنهم أو سب الشّرطة أو لعنهم أو ضربهم أو ضرب الخطباء كل هذا ليس من الإسلام. الواجب النصيحة والبلاغ والبيان قال الله جلّ وعلا: {هذا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ}، فالقرآن بلاغ والسنة بلاغ، قال جلّ وعلا: {وأُوحِيَ إليّ هذا القرءانُ لأُنْذِرَكم به ومَن بَلَغ}، قال جلّ وعلا: {وأَنذِرِ الناّسَ}، {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}، فالعلماء هم خلفاء الرّسل، ينذرون الناس و يحذّرونهم من عقاب الله ويرشدونهم إلى طاعة الله ويأمرونهم بتقوى الله ويحذّرونهم من معاصي الله، وينصحون ولاة الأمور من الأمراء وغيرهم، ينصحونهم، يوجّهونهم إلى الخير ويدعون لهم بالهداية لأنّ هذا أقرب إلى النّجاح وأقرب إلى الخير حتى تنتشر الدعوة، وحتى يتفقّه الناس في الدين، وحتى يعلموا أحكام الله، أما إذا عوملوا بالضّرب أو بالوعيد للخطباء وغيرهم كان هذا من أسباب ظهور الشّرّ وكثرة الشّرّ وقلّة الخير. لا حول ولا قوّة إلا بالله. نعم؟ ".
السؤال الثّالث:
كما قامت هذه الجماعة بقتل بعض النساء اللاّئي أبين ارتداء الحجاب، فهل يسوغ لهم هذا؟
الجواب: " هذا أيضا غلط، لا يسوغ لهم هذا، الواجب النصيحة، النصيحة للنّساء حتى يحتجبن والنصيحة لمن ترك الصلاة حتى يصلّي، والنصيحة لمن يأكل الرّبا حتى يدع الرّبا، والنصيحة لمن يتعاطى الزّنى حتى يدع الزّنى، والنصيحة لمن يتعاطى شرب الخمر حتى يدع شرب الخمر، كل يُنصح، ينصحون: قال الله وقال رسوله: بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبوية، ويحذّرونهم من غضب الله ومن عذاب يوم القيامة، أما الضّرب أو القتل أو غير ذلك من أنواع الأذى فلا يصلح للدّعاة، هذا ينفّر من الدعوة، ولكن على الدّعاة أن يتحلّوا بالحلم والصبر والتّحمّل والكلام الطيب في المساجد وفي غيرها حتى يكثر أهل الخير ويقلّ أهل الشّرّ، حتى ينتفع الناس بالدعوة ويستجيبوا ".
السؤال الأخير:
يا شيخ! سؤال أخير ـ بارك الله فيكم ـ: لعلّ بعض الإخوة ممّن يميل إلى السلفية ويحبّ العلماء يصغي إلى كلام العلماء، فماذا تنصحون من تورّط في هذه الاغتيالات أو شيء من هذا يا شيخ؟
الجواب: " أنصحهم بالتوبة إلى الله وأن يلتزموا الطريقة التي سار عليها السّلف الصّالح بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، الله يقول: {ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إلى اللهِ وعَمِلَ صَالِحاً}، فلا يوَرّطون أنفسهم في أعمال تسبّب التّضييق على الدعوة وإيذاء الدّعاة
وقلّة العلم، لكن إذا كانت الدعوة بالكلام الطيب والأسلوب الحسن
كثر الدّعاة وانتفع الناس بهم، وسمعوا كلامهم واستفادوا منهم وحصل
في المساجد وفي غير المساجد الحلقات العلميّة والمواعظ الكثيرة حتى ينتفع النّاس.
الله يهدي الجميع، نسأل الله للجميع الهداية والتّوفيق " اهـ.
قال سلمان: " والجبهة في حقيقة الأمر ما كانت مؤيّدة للعراق!! "‍.
النقد: قال الله تعالى: {ولاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}.
أما سمعت أو رأيت في الرّائي والجرائد الكثيرة علي بن حاج في بدلة عسكريّة إفرنجيّة ومعه محمد سعيد والهاشمي سحنوني وغيرهم، يسوقون قطيعاً كبيراً من الأتباع الحاملين العَلَم العراقي متوجّهين إلى وزارة الدّفاع بالجزائر، طالبين السّلاح للقتال مع العراق؟! رافعين أصواتَهم بهتافات السّبّ للسّعوديّة والكويت؟! ومنهم من كان يَحمل صورة الخميني؟!!
أما سمعت بالجيش الغفير الذي بعثته جبهة الإنقاذ إلى العراق للجهاد تحت راية صدّام؟ لم أكن أدري ـ يا سلمان! ـ أنّ غفلتك عن واقع الجزائر بلغت بك هذا الحدّ! أما تدري أنّ هذا الجيش ـ عند مروره بالأردن ـ صلّى الجمعة بمسجد خطب فيه أسعد التّميمي ووصف يومها الشيخ ابن باز في خطبة ناريّة تهجّميّة بأعمى البصر والبصيرة، بل بالكفر المخرج من الملّة بزعم موالاة الكفار؟! ولم ينكر ذلك أحد بتصريح أو كتابة .. لا النّاطق الرّسمي للجبهة ولا نائبه! بل تغدّى جمع من ( الجيش الإسلامي! ) عنده في انبساط وغرور كبير، ووقع في تلك الغزوة!! من منكرات سرقات الأموال وغيرها ما لا أحبّ ذكره. أخبرنا به أعضاء الجبهة أنفسهم حين تنبّهوا، وهو خبر متواتر بالجزائر، على الرغم من تواصي مسئوليهم بالكتمان.
أما سمعت ـ يا سلمان! ـ خطبة علي بن حاج في أوّل جمعة ألقاها بعد رجوعه من رحلته هذه ـ أيّام الاحتلال العراقي للكويت ـ في مسجد السنة بباب الوادي، وأوّل درس ألقاه في اليوم نفسه بين المغرب والعشاء في مسجد الشّافعي بالحرّاش بالجزائر العاصمة؟ لقد وصف مشايخ السّعوديّة ـ بدون استثناء ـ بعلماء البلاط، ولعلّه نسي أن يستثنيك منهم فاعذره !! وقال مخاطبا لهم بلهجة شديدة ـ ما معناه ـ: " أنتم تتورّعون من التّكفير لأنكم تزعمون أنكم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فلماذا في قضيّة الخليج صرتم تكفّرون صدّاما؟! "، وقنت في صلاة الجمعة ودعا فيها للعراق بالنصر، ودعا على آل صباح وآل سعود بالهلكة، وكان من دعائه المسجوع: اللهم عليك باليهود، وآل سعود!! وبكى بكاءً شديدا، تحوّل فيه المسجدكله إلى نحيب وعويل، أشدّ ممّا عرف عن الشّيعة عند حسيْنيّاتهم، كل هذا مسجّل في أشرطة يوزّعونها.
وقال في الشّريط نفسه: " عندي حلّ: في هذا الحجّ نمشي جميعاً إلى البيت الحرام ونعتصم به فلا نخرج حتى تخرج أمريكا من الخليج وآلُ سعود!! " أو كلمة نحوها، وكذَب عندها على الشيخ الألباني حين نسب إليه تراجعاً عن فتياه في قضيّة الخليج، وأنّ الشيخ الآن يرى وجوب الخروج إلى العراق لنصرتهم، وأطلق الأمر هكذا ليوهم أنه ناقش الشيخ حتى أقنعه بوجوب القتال مع العراق! فكيف إذا جمعك الله به عنده {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}؟
ثم ساق قطعانه إلى العراق بهذا التّمويه، الذي كان من أكبر أسباب نفير كثير من السلفيين معه استبعاداً منهم لكذبه، قال الله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ ونَجْوَاهُمْ وأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ}!
وأزيدك علماً بأنّ خطبته هذه نقلت مباشرة بالتّلفزيون العراقيّ وفيها شبّه ابن حاج صدّاماً بخالد بن الوليد! {فإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ ولَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتي في الصُّدُورِ}.
فهل فقهت هذا الواقع يا سلمان؟!

يتبع
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 23 Jul 2010, 05:05 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

قال سلمان: " ممّا تُتَّهم به جبهة الإنقاذ أنّها تثير الفتن وتدعو إلى
العنف .. عجيب ..! جبهة الإنقاذ .. لازالت تملك نفسها تدعو النّاس إلى الصبر .. لا تصغ إلى هذا الكلام ... ".
النقد: مسكين أنت ـ يا سلمان! ـ؛ إذ تقول هذا الكلام عقب قول بعض دعاة الجبهة: " إنّ دم الرّئيس الشاذلي حلال! " في خطاب عام بساحة أوّل ماي بالعاصمة أيّام الإضراب، وجُنْدُ الرّئيس يلاحظون ويسمعون من قرب، وقال عباسي مدني ـ واعْجَبْ ممّا قال ولاعليك إن أنكرت عقلك ـ: " لو وقع انقلاب للحكومة الحالية لخرجنا نساء وأطفالا ورجالا و ... وأعلنّا
الجهاد "، لقد خسرَت الجبهة كثيرا من المسؤولين لمّا رأوا منها تركيزها على العنف من أوّل يوم، بل لم تعرف الهدوء قطّ إلا حين فازت بالانتخابات البلديّة، فأضحى دعاتهم ـ الذين أنشأوا حزبهم هذا على التّكفير للحكومة إلى أقصى حدّ ـ يقولون: " أخطر شيء على الدعوة جماعة التّكفير! "، حتى علي ابن حاج الذي قلنا له مرارا: " احذر جماعة التّكفير وحذِّر منهم "، فكان يقول: " بل هم إخواننا قد قاموا في وجه الطّاغوت! "، فلمّا تفتّحت الحكومة مع الجبهة بعد تلك الانتخابات، وكفّرته هذه الجماعة تبرّم لها، فما أعزّ المخلصين للدّين في دفاعهم عنه، لا عن النّفس! كيف تَدَّعي أنها لم تقُم على العنف، وقد كتب سعيد مخلوفي ـ أحد المشبوهين من رؤوس الجبهة ـ كتاب
» العصيان المدني « جمع فيه بين الطريقة الشيوعية والطريقة الديمقراطية في الانقلابات من ( التحزب والاعتماد والانخراط والترشيح والدعاية والمظاهرة والتجمع والمسيرة والورقة السياسية والاعتصام بالساحات العامة والإضراب بكل أشكاله: أي عن الطعام وعن العمل ... والخروج ... )؟ وقد أشاد بفضل هذا الكتاب علي بن حاج في أول درس ألقاه في مسجد الشافعي ـ الذي سبق ذكره ـ بعد قفوله من ( غزوة العراق!)، وخاطب فيه مجلس القضاء: " بأنه مُقرٌّ بكل ما فيه! فإن حاكمتم مؤلفه فحاكموني معه! "، وأخذت الجبهة تشُقُّ طريقها على ما رسمه لها هذا المؤلِّف. فكيف يُزعَم أن الجبهة مالجأَت إلى العنف إلا مضطرة، أي حين أُقصِيَت من الانتخابات، وقد أُلِّف هذا الكتاب قبل الإقصاء؟! الأمر الذي يدلّ على أنهم كانوا يُعِدّون للعنف عدّته من أول يوم. ثم هل تدري ـ يا سلمان! ـ أنّ الجماعة الإسلامية المسلّحة مَنعت صلاة الجمعة في بعض المساجد، وأرسلت إليها بيانها تقول فيه: " تُترك صلاة الجمعة حتى يسقط النّظام وإلا ...! "، وفي بعض النسخ: " والجماعة أيضا!! "، وقد تعطّلت الجمعة في كل مساجد ولاية ( البويرة ) من الأسبوع الثاني لشهر شعبان (1414هـ)، ومِن قبلها في مدينة ( الأخضرية )، وبعدها في مدينة ( القادرية ) و( الخميس مليانة ) و( برج منايل ) بل وفي بعض المساجد الكبيرة في العاصمة وغيرها، فإذا لم يشتهر عن الخوارج ترك الجمعة فهل يُلحق هؤلاء بالشّيعة الروافض؟! كما أنهم قَتلوا بعض الأئمّة الرسميّين على الرّغم من أنه لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد! أما تهديد الدّعاة السّلفيّين بالقتل فهذا أشهر من أن يذكر. والله وحده المستعان على ما تصف به الجبهة بأنّها سلفيّة يا سلمان!
ـ قال سلمان: " الجبهة الإسلامية فازت في الانتخابات البلديّة، فدخلت مع النّاس .. وأصبحتَ تجد رئيس البلديّة يصلي بالنّاس إماماً، ويتحدّث معهم، ويعطيهم دروساً في التّوحيد والفقه والحديث، ويعلّمهم الحلال والحرام وآداب الصلاة وغير ذلك ... ".
النقد: كم يرجو كل مسلم أن يكون الأمر كما قلتَ، ولكنّه اليوم رجاء كالأمنية، وقد قيل:
مَن كان مرعى عزمه وهمومه روض الأماني لم يزل مهزولاً
أقول هذا لأن الأمر كان خلاف ذلك مع الأسف، أما تدريس التّوحيد والفقه والحديث فلا أدري من تحلّمه في منامه. وأما تعليم الحلال والحرام، فسل البلديّات الإسلامية عن تعاملها مع بنوك الربا؟! وسلهم بأيّ قضاء إسلاميّ كانوا يفصلون في الخصومات؟ وسل أيّ جزائريّ عن أموال البلديّات أين تسرّبت؟ وعن المساكن والأراضي الشعبيّة والعقارات بأيّ عدل قُسمت؟ وأما الصلاة وتعلّم آدابها، فكم سمعنا منهم من يتململ قائلاً: اشتقت إلى الجلوس في حلقة المسجد، فمنذ أن نجحنا في الانتخابات لم نعرف مجلساً للعلم في بيت الله، وكم هم الذين كانوا يجمعون الصّلوات في المساء؛ لأنهم شُغلوا بدولتهم عن ربّهم! ومن كان يحفظ نصيباً من كتاب الله أُنسيَه، وكان المدعو شرّاطي
ـ قبل الجبهة ـ يعلّم أحكام تلاوة القرآن برواية ورش ـ الرواية المقروء بها في الجزائر ـ حتى نفع الله به خلقا كثيرا، مع التّنبيه على أنّه كان ـ تقريباً ـ الوحيد على هذا في الجزائر كلها، مما أنعش التّلاوة الصحيحة، وما أن جاءت الجبهة حتى انخرط فيها هذا الشيخ، وذهبت حلقاته كأن لم تكن بالأمس، ونسأل الله تعالى أن لا يكون قد سلبه كتابه من صدره.
أيّ عِلْم هذا الذي علّمَته الجبهةُ وقد كان الرجل ـ يومها ـ ليستحي أن يحمل معه كتابا للعلوم الشرعية؟ إنما هي جريدة » المنقذ « يتأبَّطها أحدهم كدليل على الولاء!! على أنه لا ضير على مقتني الجرائد العلمانية؛ لأنه دليل التفقه على الواقع، بشرط أن يبقى بينه وبين حزبه كل الوفاء!!!
ولقد جاءني من مسئوليهم من يبكي ويقول: لم أترك الصلاة إلا لمّا أصبحت عضوا بارزا في بلديّة الجبهة ... بل قال لي أحد الثقات: عملت في البلديّة العلمانيّة ثم الإسلامية فلم أُمنع من الصلاة في مسجد الحيّ القريب جدّا من البلديّة إلا في البلديّة الإسلامية بحجّة أنّ بها مسجدا، وأنّ وقتنا ضيّق، وأنّ الصلاة جائزة في كل مكان، وأنّ العمل لدولة الإسلام عبادة وأنّها مصلحة عامة وغير ذلك من القواعد غير المؤسّسة، وصدق الله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ}.
هذا وكان يُكتب على مدخل بلديّتهم بلون ذهبيّ: { ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}!!
وأقول بصراحة: لولا أنّ الله قدّر ما قدّر لأوشك النّاس على بغض كل ما يقال له ( إسلاميّ )؛ من أجل ما يرون عليه المستوى الإسلاميّ، بدءاً بالاختلاسات البلديّة، وانتهاءً بخطب الجمعة التي لا تزيد على الشتائم النابية!
ومن علامات استصغارهم العلوم الشرعيّة أن ترى المسئولين الذين وصفتَهم ـ يا سلمان ـ لم يُختاروا على أساس درايتهم بالشرع، ولكن على أساس الدّراية بالعلوم المدنية، وهذا برز بشكل كبير جدّا حين هجمت
( الجزأرة ) على الجبهة، فلم نر من المرشّحين للبرلمان إلا طبيبا أو مهندسا أو رياضيا أو إداريا سياسيا، بزعم الخبرة بالعلوم المدنية، فأخّروا ذوي الشّهادات الشرعيّة خجلاً من أن تضحك عليهم الحضارة، وهذا نعرفه من النّخالة السياسية التي دنست حرم العلم الشرعي، إذ غالب الحركات الإسلامية على هذا التنقص، وإن صرخت باسم الشرع، وهو عين التفريق بين الدين والدولة لأنهم يتشدّدون في اشتراط المعرفة بالعلوم العصرية لمن ينصّب رئيسا للدولة الإسلامية، وأما في الدين فيكفي فيه عندهم شيء من العاطفة الإسلامية فقط!! ومن الدّواهي أنّ ( الجزْأَرة ) يمنعون الثوب السعودي؛ لأنّه دليل على الرّواسب السلفيّة والتأثر بالغزو الوهابيّ، ولكن لا بأس عندهم بالبدلة الفرنسيّة؛ لأنّها دليل على التحضّر وبُعد النظر وسعة الأفق!! وكم يَسْتَرْوِحُون إلى بعض الأساتذة الذين درسوا عليهم؛ لأنهم وفدوا إليهم بلباس الكفار، ولا يستنكفون أن يلبسوه في الديار التي لا تَفرضه عليهم! مع أنهم متخصِّصون في الغزو الفكري!! فهل هذا عنوانٌ لتحدي سلفية الجزيرة التي يُسمّونها سلفيّة البدو؟ وكأنه قد قيل لهم: البسوه! ولاتخشوا الغزو! ولو كان فيه قول النبي " من تشبّه بقوم فهو منهم! « رواه أحمد وهو حسن.
ولا تسارع إلى إنكار هذا؛ لأنك ربّما رأيت من الجزْأَريّين من لبس الثوب السعوديّ في السّعوديّة؛ فإنّ قاعدتهم عندكم قاعدة أهل الغربة الذين قال فيهم الشاعر:
إنْ تُلْقِكَ الغربةُ في معـشر قد أَجمعوا فيك على بُغضهـم
فدارِهم ما دمْتَ في دارهم وأرْضِهم ما دمت في أرضهم
وحقيقة هؤلاء أنهم دخلوا في صراع مع الحضارة وهم ضعفاء علما وتقوى، فأشعرتهم بالنّقص وأصيبوا بعقدة حضاريّة مع أنّ الله تعالى يقول: {فَلاَ تَهِنُوا وتَدْعُوا إِلى السَّلْمِ وأَنتُمْ الأَعْلَوْنَ واللهُ مَعَكُمْ}.
هذا خبر ما عندنا ـ يا سلمان ـ وذاك خبر مَن عندكم، فكيف تقول بعده: " أحياناً يقولون: إنّكم تتحدّثون عن قضايا لا تدركون أبعادها ولا تعرفون مراميها ولا خلفياتها "؟!
ياسلمان يقول الله: {وإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى}.
فقه واقع الجزائر عند سفر الحوالي
وأما سفر الحوالي فقد تكلَّم عن أحداث الجزائر في شريط رقم (2/227) من أسئلة على شرح العقيدة الطحاوية بتاريخ: (25/12/1411هـ).
ـ قال فيه: " نحن لا نعرف الكثير عن هذه الجبهة الإسلامية! وبالنسبة لقائديها الشيخ عباسي مدني وعلي بن حاج: ما نعرفهما!! ولم نقابلهما، ولم نرهما!!! ".
ـ النقد: كيف تتكلم ـ يا سفر!ـ عمن لا تعرفه والله يقول: {إلاَّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ}؟! بل كيف تجادل عنه وتحتجّ له والله يقول: {هَا أَنتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}؟! والدعوات كلها تُقَوَّم بأصحابها؛ قال ابن تيمية: " إن الطائفة إنما تتميَّزُ باسم رجالها أو نَعْت أحوالها "؛ قلتُ: لأن جميع الناس قادرون على ادّعاء الإسلام والتلبيس بمعسول الكلام، وهل المنافقون إلا مندسّون في الصفوف يُمَوِّهون حتى ينخدع بهم مَن يمشي بعقليتك هذه؟! بل قال الله تعالى: {وإذا رَأَيْتَهمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}. ثم أقول: لوكنتَ مشترِكاً مع أحد من الناس في تجارة أو ما شابهها من رخيص متاع الدنيا، أكنتَ مكتفياً بهذا الوصف الذي وصفتَ به شيوخ الجبهة أم أنك تُشحّ بمالك، وتحتاط لدنياك؟! فكيف والأمر دين وجنة أو نار؟! كما قال حذيفة بن اليمان : " ولقد أتى علي زمان وما أُبالي أيكم بايعتُ؛ لئن كان مسلما لَيَرُدَّنَّه علي دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا لَيَرُدَّنَّه علي ساعيه. وأما اليوم فما كنتُ لأُبايِع منكم إلا فلانا وفلانا " متفق عليه.
هذا الاحتراز من أجل الدنيا؛ لأن المقصود بالمبايعة في كلام حذيفة البيع والشراء، فكيف بالدين الذي هو أول ما نرجو أن يُقيمه لنا مَن نبايعه على بيع الله ورسوله؟! مع هذا تريد من المسلمين أن يُؤيِّدوا دعوة رجلين مجهولين عندك! إنّ هذا لشيء عُجاب!! ورحمة الله على ابن بطة؛ إذ يقول: " فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون! فلقد عِشْنا إلى زمانٍ نشاهد فيه أقواماً، يُقَلِّد أحدُهم دينَه ويأتَمِن على إيمانه مَن يَتَّهِمه في كلمةٍ يَحكيها! ولا يَأمنه على التَّافِهِ الحقير مِنْ دنياه!! "، ورحمة الله على ابن سيرين؛ إذ يقول: " إنّ هذا العلم دِينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينَكم "، رواه مسلم في مقدمة (( صحيحه )).
ـ قال سفر: " لكن مِن منطلق ما أمر الله تعالى به مِن العدل، أنا أمامي رجلان، أمامي مدَّعيان، وهما جبهتان في الحقيقة: الجبهة الإسلامية وجبهة التحرير الحاكمة، جبهتان مدَّعيان، وأنا بمنزلة القاضي المأمور بالعدل ".
ـ النقد: لقد شققتَ على نفسك في طلب منصب القضاء وعدم الاكتفاء بمنصب الفتيا؛ لأنه يُكلفك ما لا طاقة لك به من جهتين:
1 ـ خطورة هذا المنصب؛ إذ يَفرض عليك الإصغاء إلى المتخاصمَيْن جميعا لقول النبي لعلي: (( يا علي! إذا جلس إليك الخصمان فلا تَقْضِ بينهما حتى تَسمع من الآخر كما سمعتَ من الأول؛ فإنك إذا فعلت ذلك تبيَّن لك القضاء )) رواه أحمد وغيره وهو صحيح، وقد قيل:
لقد كُلِّفْتَ يا مسـكينُ أمراً تَضيق له قلوبُ الخائفينا
أتَعْلَم أنّ ربّ العرش قاضٍ وتقضي أنت بين العالمينا
ومن عجيب تناقضك اعترافك بأنك تقضي من غير أن تعرف أحداً من المقضي لهم!! وهذا هو الجَور بعينه، فإن قلتَ: اكتفيتُ بما تنشره الصحف، فقد عرفتَ ما فيه إن كنتَ قرأتَ هذا الكتاب من أوله، ثم الصحف نفسها لم تَعُدِ اليوم معبِّرة عن رأي النظام؛ لأن الكُتّاب أضحوا يعَبِّرون عن رأيهم الخاص في ظل الديمقراطية والتعددية الحزبية، وإن كنتَ أنت لا تزال تعيش زمن الاشتراكية في الجزائر، فاعلم أن هذا قد مضى من سنوات قبل بروز جبهة الإنقاذ، وعجيب ألاّ تدري وأنت اتهمتَ علماء بلدك بالقصور في اطلاعهم على الواقع؟!!
2 ـ القضاء السياسي أخطر أنواع القضاء، ولا نعرف أنك أهل للقضاء فضلاً عن أهليّتك للحديث في السياسة!! لما بيَّنتُه في هذا الكتاب مِن اشتراط بلوغ درجة الاجتهاد لذلك، بل الذي نعرفه أن علماء بلدك نهوْك عنها، بل منعوك من التدريس نفسه، كما ستقرأ بيانهم هنا إن شاء الله.
ـ قال سفر: " وأنا بمنزلة القاضي ... كلٌّ منَّا كذلك ".
ـ النقد: فيه تَجْرِيءُ عامة الناس على القضاء، وعلى الدخول في السياسة، وهو أسوأ شيء يتعلَّمونه منك().
ـ وقال: " الآن مشكلة موجودة، يُطلب منا أن نحكم فيها،
مختصمان متنازعان نحكم بينهما، كيف نحكم؟ هنا السؤال، قال أحدهما
ـ ونحن لا نعرفه ـ: أنا أريد الإسلام وأريد كتاب الله وسنة رسوله ... وقال عن خصمه: هذا خصمي جبهة التحرير: حزب اشتراكي علماني تابع لفرنسا وللغرب، قادته وزعماؤه فرضوا الاشتراكية على البلاد ... ماذا يجيب المسلم؟! ماذا يقول المسلم الذي يخاف الله ويؤمن بالله ويؤمن بالإسلام؟ مع أيهما يكون؟ وإن لم يعرفهما ولا علاقة له بهما، لكن مَن الذي تكون أو تميل أو فرض الله تبارك وتعالى، فرض الله عليك أن تكون معه وأن تنصره وأن تؤيِّده؟ هل هذه المسألة ـ أنا أسألكم جميعا ـ هل هذه فيها خيار لنا؟ هل فيها خيار وإلا نحن الآن أمام إلزام وحكم قاطع صريح من الله؟ إلزام، يجب علينا أن نكون مع الفجار وإلا مع المتقين؟ مع المتقين. مع الكافرين وإلا مع المؤمنين؟ مع المؤمنين ...".
ـ النقد: أعتقد أن عرض المسألة بهذه الصورة هو أكبر أخطاء سفر هنا؛ لأنَّه صوَّر المشكلة في اختيار الإسلام على الكفر أو العكس! وليس الأمر كذلك؛ لأنَّ المسلم لا يساوم بشريعة الله ولا يرضى بها بديلا، لكن المشكلة في الطريق الموصل إلى تحكيمها، فطرحه السؤال على المسلمين: هل يختارون الإسلام أو الكفر؟ اتهام للمسلمين! لأن هذا السؤال لا يُطرح إلا على من {ارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}، هذه واحدة.
والثانية: أنك ـ بهذا ـ حِدْتَ عن منشإ الخلاف، ومعروف أن الحيدة عن نقطة البحث تضيِّع البحث وقد تُعطي نتائج معكوسة.
والثالثة: أنك أُتيت من المفهوم الخاطيء للعدل الذي دندنتَ حوله؛ حيث ظننتَ أنه يكمن في مجرد معرفة الشعار الذي يرفعه هؤلاء، وهذا خطأ
فادح؛ لأنَّ للعدل ميزانين: أحدهما: هوالإخلاص لله، والثاني: هو المتابعة لرسول الله ، وأنت لم تَزِن هذه الدعوة لا بهذا ولا بذاك؛ إذ كونك تقنع بمجرد الشعار المرفوع يدل على عدم تقصّي البحث في الوصول إلى غلبة الظن فيما يخصّ إخلاص القوم. وأما متابعة الرسول في هذا الطريق الذي سلكوه فلم تُعَرِّج عليه تماما، مع أن الله يعطي عليهما كما قال سبحانه: {بَلَى مَنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ} يعني به الإخلاص.
وقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يعني به اتباع السنة، كما بيَّنه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
فالقضية شرعية وليست عاطفية، وإلا فما قولك في محاسبة الله المؤمنين لما عصوا رسول الله e في أُحد، مع أنهم هم المؤمنون وعدوّهم وثنيٌّ كافر! والله سبحانه وتعالى قد تركهم ينكشفون أمام عدوّهم وقال: {أوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وبِعَدْلك هذا ـ يا سفر!ـ اتّبعَت الحركاتُ الإسلاميةُ الدعواتِ الباطنيةَ الهدامة؛ لأنهم اكتفوا منهم بما ظهر لهم من شعارهم، كما اكتفيتَ أنت بذلك! وغفلوا ـ كما غفلتَ ولا أحبّ أن أقول: تغافلتَ ـ عن إمرارهم على الغربال الثاني ألا وهو متابعة السنة، إذن فلماذا يلام من اتَّبع الخميني حين رآه يرفع شعار قوله تعالى: {ونُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِين اسْتُضْعِفُوا في الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}؟!
ولماذا يُلام مَن انخدع بصدام حسين؛ وقد رآه كَتب على صواريخه أسماء الصحابة وتاب توبةً سياسيةً، حتى قال فيه علي بن حاج في كلمته التي ألقاها يوم رجع من العراق ـ وقد سبق ذِكر شيء منها ـ: " الرجل
تاب! ويريد الإسلام وسوف يُطبِّق الشريعة!! فهل شققنا على قلبه حتى نكفِّره؟! "، هكذا قال الرجل الذي شَبَّهه سلمان العودة بابن تيمية!! فهل تتصوَّرون يوماً ابن تيمية يَتبع صداماً، أو أنه يقول مثل هذا في جنكز خان؟!! فاللهم رحماك.
هؤلاء وأذنابهم كلهم تأثروا بقوم وجدوهم يحمِلون شعارات إسلامية في وجوه كفار خلَّص فما أغنى عنهم جمعهم وما كانوا يستكثرون.
عَدْلُك هذا ـ يا سفر! ـ هو الذي حَرَمكَ من فهم معنى الولاء حتى احتضنتَ شر المبتدعة، بل إنك جعلته قاعدة ـ ويا بئس ما قعَّدت له! ـ حين قلتَ في الربع الأخير من الوجه الثاني للشريط نفسه:
" يجب أن نأخذ قاعدة: ميزة الدعوات الإسلامية في العالم كله على ما فيها من تفاوت، وما بينها من أخطاء، ميزتها أنها تنبع من داخل الأمة! يعني يدعو إلى الإسلام حتى لو عند بعضهم انحرافات؛ إما إلى المعتزلة، وإما إلى الخوارج، وإما إلى الرافضة، ـ كما تعلمون ـ فهو يأخذها من واقع الأمة ومن تاريخها، من تراثها!!! ".
قلت: الله أكبر! هذه بليّة عظيمة!! وقد قيل: ما فيك يظهر على فيك! وصدق الله الذي قال:{ولَتَعْرِفَنَّهم في لَحْن القوْل}. ثم أخذ يشرح هذا التأصيل الفاسد بقوله:
" أما الحكومات العلمانية والحاكمون بالقوانين الوضعية فقطعاً لا ريب عندنا ولا شك أنهم أخذوا هذا من خارج الإسلام، وخارج الأمة الإسلامية، وخارج التاريخ الإسلامي، لا نسبة بين هذا وهذا ... أصلاً ... فنقول: مَنْ يدعو إلى الإسلام، عندهم أخطاء، عليهم ملاحظات، ما نزكي، ما نبرئ هؤلاء، هاتها تُعرَض وتُنقَد، لكن لا شك أن من يدعو الناس إلى الكتاب والسنة..إلى الإسلام ـ وإن أخطأ في فهم بعض أصوله ـ لا شك أنه لا نسبة أن يقارن ... " الخ.
قلتُ: هذا هو دين ردود الفعل! وهو دين الموازنات الجائرة! وهو من أوضح الأدلة على أن أخطاء سفر هذه ليست سقطات يقوم منها صاحبها إذا نُبِّه، وإنما هي ناتجة عن تأصيل فاسد عنده.
أنصحك ـ يا سفر! ـ أن تتعلَّم عقيدة الولاء والبراء، وأن تدرس كتب السلف لترى موقفهم من المبتدعة، وإن بقي عليك غبش من رواسب الإخوان فعُدْ إلى فصل ( الردّ على المخالف ) من هذا الكتاب، والله الهادي.
وعَدْلُك هذا ـ يا سفر!ـ هو الذي ربَّى من الشباب المسلم عواطف سرعان ما تنقاد للكائد، وتنخدع للصائد؛ لا يَفهم من عدوِّه إلا ما يفهمه الثور الأسود من الخرقة الحمراء ينطحها، حتى إذا أُثخِن بالجراح نودي بوَبْرَته إلى الجزار يسلخها.
فالله! الله! في هذه الأمة ـ يا سفر!ـ؛ فكم من دماء جرت منها أنهار بفتواكم هذه!! وكم من مؤمنة أرملت، وكم من فقيدة أيتمت!! ولو كُشف لكم الغطاء لجأَرْتم إلى الله تائبين؛ وهَلاً من أن تكون هذه الدماء كفلاً عليكم يوم القيامة!!
تناقض: في هذا الشريط يرى سفر أنه يكفي في مناصرة قوم أن نعرف منهم الشعار الذي يرفعونه، وفي شريط آخر من شروحه للعقيدة الطحاوية برقم (252) يتحدّث عن شعارات جبهة الإنقاذ ويقول: " نعم! لا تغرّنا الشعارات! مجرد الشعارات؛ لأن الله سبحانه وتعالى يريد منا إيمانا حقيقيا وقلبا صادقا مخلصا، وليس مجرد الشعارات!!! ".
ثم إذا به ينقض هذا الكلام مباشرة فيقول: " وإن كانت شعارات حق!
ـ على فكرة ـ تدرون ما هو شعار الجزائريين؟ شعارهم ـ يجولون ويتحركون ـ يقولون: " لا ميثاق .. لا دستور، قال الله .. قال الرسول!! "، أليس كذلك ـ إخواننا الجزائريين ـ؟ هذه في الأشرطة ... ويقولون: " لا إله إلا الله! عليها نحيا! وعليها نموت! وفي سبيلها نجاهد! ... ".
ـ قال سفر: " قالت جبهة التحرير الحزب الحاكم: نحن حزب اشتراكي نؤمِن بالاشتراكية ".
ـ النقد: حكاية الاشتراكية عن جبهة التحرير قديمة؛ تركَتْها أيام أمينها العام الشاذلي بن جديد وقبل ميلاد جبهة الإنقاذ كما سبق. أما اليوم فهم يرفعون شعارات أخرى أترك المجال لفقهك لواقع الجزائر حتى يدركها وحتى تعيش مع المسلمين أوقاتهم الحالية! هذا مع أن زعمك بأن الصراع دائر بين الإنقاذ والتحرير تصوير قاصر جدا، فأرجو مراجعة الأوراق.
ـ وقال بأن جبهة التحرير تقول: " نحن حزب علماني، وهذا في الدستور، لا يخفونه أبدا! ".
ـ النقد: أقول لك ـ يا سفر! ـ كلمة ليست دفاعاً عن جبهة التحرير
ـ معاذ الله! ـ ولكن من باب قول الله تعالى:{ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}: أتحدّاك أن توجِد لنا هذا النص من الدستور الجزائري! ولو قلنا إنهم كذلك لقلنا هم أمكر من أن يسجِّلوه في دستورهم لتعثُر عليه أنت بسذاجتك هذه، ألاَ شيء من الفطنة يا قوم!
ـ وجعل سفر يعدِّد حجج جبهة الإنقاذ ناقلا عنها قولها: " وأنا عندي ثمانين بالمائة من الشعب كلهم يريدون الإسلام، هذا برنامجنا وهذا تطبيقنا، وأنا طلبت من الناس أن يطالبوا ببقاء نظام الانتخاب كما هو ... ".
ـ النقد: ذِكْر هذه النسبة المئوية والمطالبة بالنظام الانتخابي سلوك للطريق الديمقراطي؛ لأنه تحكيم للشعب كما لا يَخفى، فلماذا يذكره سفر على أنه حجة من غير إنكار، بل تكراره له ثلاث مرات دليل على الإقرار، بل لقد صرَّح بأنه ينصر جبهة تريد تحقيق الديمقراطية، حتى لكَأنّك تسمع كلام رجل عريق غريق في الديمقراطية، وذلك قوله عن جبهة الإنقاذ: " .. وأنها تريد تحقيق الذي يزعمون أنه ديمقراطية وتريد أن ترشّح وتصوّت "!! قلتُ: هكذا يصرِّح سفر بأنه زَعْمٌ عند أولئك، لكنه إرادة عند الجبهة! بل جمع بين الحق والباطل فقال: " وأيهما الذي وقف ضد الحق وإرادة الشعب؟! ".

يتبع
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 23 Jul 2010, 11:30 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

قلتُ: إذا كانت هذه حججا فيا ليت شعري ما محلّ دعوة الأنبياء من الشرعية وقد قلَّ تابعهم وكثُر مخالفهم حتى يأتي النبي وليس معه أحد؟!
ـ وقال عن جبهة التحرير: " هؤلاء نَحَّوا كتاب الله سبحانه وتعالى عن الحكم ".
ـ النقد: هذا من أخطائك الواقعية؛ لأن الذي يسمعه يظن أنهم وجدوا كتاب الله يحكم الناس فعمدوا إلى إقصائه، وليس الأمر كذلك، لأنه من يوم الاستقلال لم يُحكَّم كتاب الله، وثم فرق واضح بين من يعمِد إلى تنحية شريعة الله، وبين من يجد شريعة الشيطان تحكم ولا يغيِّرها، فمن العدل إذن أن يقال: وجدوا قوانين وضعية فلم يغيِّروها. ولا نقول هذا مجادلة عن الأثيم؛ وإنما لأنه قد يوجد في بعض البلاد الإسلامية من الحكام مَنْ لو نادى بتحكيم شرع الله لداهمهم العدو من ساعتهم، ولذلك عذر أهل العلم النجاشي حين لم يغير شريعة النصارى الكافرة لعجزه). ثم لو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن الذين نحَّوا كتاب الله قبل الاستعمار الفرنسي هم المتصوفة، ولستُ الآن بصدده، لكن لعلَّ هذا لا يهمّ سفرا؛ لأن المتصوِّفة عنده يَنبعون من داخل الأمة! كما قال هو في كلمته التي سبق أن نقلتُها.
ـ وبعد ذكر الثمانين بالمائة قال: " الآن الشعب أفاق واستيقظ كما استيقظت ـ والحمد لله ـ الأمة الإسلامية في كل مكان، يريدون كتاب الله، يريدون أن يعودوا إلى إيمانهم ودينهم وأصالتهم التي نُزعت منهم قهرا ".
ـ النقد: هل يعني هذا أن مَن دخل مساجد الجزائر في صلاة الفجر وجد ثمانين بالمائة من الشعب مستيقظا يؤدي الصلاة؟! فإن كان كذلك فهي يقظة صادقة وهي من أعظم المبشرات بالنصر، كما قال تعالى: {وأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ}. ولكنك تعني باليقظة تصويتاً لإسلامٍ لا يُعمل به، أَضفيتَ عليه هالةً من الوصف السياسي الخداع، مع أنهم لو كانوا صادقين في رجوعهم إلى دينهم فمَن الذي قهرهم حتى لم يؤدُّوا هذه الفريضة؟ ومن الذي منعهم من أداء زكواتهم؟ ومَن الذي منعهم من تحجيب نسائهم؟ ومن .. ومن ..؟! فدعْك ـ يا سفر! ـ من حديث السياسيين وحدِّث الناس بالشرع؛ فإن الفلاح كله فيه. ولقد حُدِّث الشيخ الألباني عن هذه اليقظة وعددها الهائل، فسارع إلى سؤال شرعي عن معرفة هؤلاء لربهم، وهو قصة الاستواء التي مرّت بنا في بداية الكتاب، فتأمل تصرف سفر وتصرف الشيخ الألباني تدرك قيمة أهل العلم، ثم لم يطل الزمن حتى أخبرنا أهل الجزائر في هذه السنة (1417هـ) بالإجماع أن الناس هناك وصلوا إلى دَرْك من التفسّخ الأخلاقي ما رأوه من قبل قطّ! فأين هي الثمانون بالمئة يا سفر؟! قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذين لاَ يَعْلَمُون إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُلُوا الأَلْبَابِ}.
ـ ويُقِرّ الإضراب المستورد من الكفار قائلا: " لما جاءت جبهة إسلامية قالت: نريد الانتخاب يبقى نظامه كما هو، ويتعجل بها في موعدها ونحن نريد أن ندخل انتخابات، قالوا: لا، غيِّروا النظام، فقالوا: إذن يا ناس، يا من ستنتخبون: من تنتخبون؟ اعتصموا وأضرِبوا! لأن القانون قد تغيَّر؛ قانون الانتخابات، ولا تستخدموا القوة ... إذن هذا واضح أنها دعوة سلمية ".
ـ النقد: لماذا لم يكن حديثك عن حكم الإضراب؟! عن حكم من يناشد النظام لاسترجاع ما يناقض الشرع وهو قانون الانتخاب؟! أم أن دخول ذلك المعترك لا يُبقي للشرع اعتبارا؟! يا سفر! إن التشبه بالكفار أمارة الخسران كما قال الله U: {يَأَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ. َبِل اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِين}.
إن كان خفي عليك حكم الشرع في هذه الأعمال، أو كبُر عليك أن تكون بدعةً وتشبُّهاً بالكفار الأنذال، فلا أَقَلّ مِن أن تجود على إخوانك بفقهك للواقع الذي لم تَعرِف منه إلى يومك هذا دولةً للإسلام قامت على أعقاب الانتخاب، وأن لا تنخدع بدعوى ترك العنف، فهل رأيتَ ( إضراباً إسلامياً! ) بلا ضراب؟! مع أنه سبق تزييف دعوى ترك العنف عند الجبهة.
ـ ووصف سفر عنف النظام قائلا: " أين دبابات الجيش وهي تَدكُّ المساجد؟! ... مساجد تدكها المدافع والدبابات!! ... جيش يدكّ
عواصم ...؟! ".
ـ النقد: لا نجادل في أنَّ الدبابات نزلت بالشوارع، ولكن دكّها لعاصمة ما كذب، فكيف وهي عواصم في زعم سفر!! أما دكّ المساجد فلا أدري لماذا إذا تكلمتم عن هذه الأنظمة الجائرة لم تحسنوا التثبّت وتبالغون حتى توصَفوا بالجهل بالواقع. كل ما هنالك إغلاق بعض المساجد التي تسمى ( مصليات ) في عرف الناس، أبى أهلها المتحزِّبون أن يرَتِّبوا لها إماما؛ لأنَّ جبهة الإنقاذ لا تجد من الأئمة كفايتها ولا من يصبر على إدارتها كما أمر الله، والحقيقة
أن غالب هذه المساجد اتُّخذ ملاجيء سياسية وتكايا حزبية، حتى
( سهَّلت الفوضى السياسيةُ الإسلاميةُ ) للمكر المتربِّص أن يُحَطِّم بعض هذه
( المصليات )، ولقد لطف ربُّك أن لم يمكِّنهم إلا من القليل النادر. وثم شيء لا بد من التنبيه عليه وهو أن هذا الذي ذكرتُه لم يكن قد وقع يوم تكلم سفر بما نحن بصدد نقده، مما يدلكم على أن أخباره لا علاقة لها بالواقع تماما، فليُعلم.
ـ ومن أخطائه الواقعية أيضا زعمه أن بين الجبهة وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين علاقة!! وقد سبق الردّ على هذا الادِّعاء فلا نعيده، لكن الذي يلفت الانتباه هو التواطؤ على هذا الخطإ: منه ومن سلمان ومن القرني ومن بشر البشر ومن محمد سرور ـ كما سيأتي ـ فعلى ماذا يدلّ هذا؟!
ـ ومن فضائح هذه الأخطاء الواقعية التي تعَجَّبتُ منها جدا قوله: " وحتى الجبهة ليست حزبا سياسيا، اسألوا من يَعرِف الأحزاب، اقرأوا في ( الحياة ) أو في غيرها!!! ".
ـ النقد: هذا لم يَدَّعِه حتى أهل الجبهة! {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
ـ وقال عن الجزائر: " هذا البلد إذا سمع أن أهل البلاد الطاهرة المقدسة الذين يَدينون الله تعالى بعقيدة التوحيد ـ والحمدلله ـ! وعندهم العلماء! وفي بلادهم الحرَمان الشريفان! أنّ موقفهم منهم هو نفس موقف الإعلام الفرنسي والغربي يسقط في أيديهم! والله! يشعرون بالمرارة ... فالمفروض أن يروا منا التأييد والتشجيع ... ".
ـ النقد: اعلم ـ يا سفر! ـ أنه لا يجوز لك أن تجامل من حسَّن ظنَّه فيك حتى تسكت عن أخطائه، بل أنت مطالب بكلمة الحق وافقت منه رضا أو سخطا، واعلم أن ما ادَّعيته عنهم مِن إحسان الظن بعلماء المملكة ليس بصحيح؛ لأنهم عندهم موضع تهمة خاصة بعد قضية الخليج ـ كما بيَّنتُه ـ ولا يعبؤون بفتاواهم إطلاقا؛ ألا ترى أن عباسي وابن حاج حين زارا السعودية تحاشيَا جهدهما لقاء هيئة كبار العلماء؟! لأنهما تصوَّرا باب التحزب موصَدا من أصله في دار الإفتاء، وإلا فهاتوا لنا شيئا مكتوباً أو مسموعاً بينهما وبين هيئة كبار العلماء. وفي الوقت الذي قلتَ فيه ما قلتَ ـ يا سفر!ـ كان
( الجَزْأَرِيون ) قد احتوَوا الجبهة، وهم القائلون: " كل ما أتانا من السعودية فهو مجروح حتى يأتينا بشاهدي عدل!! ".
الخلاصة: إنه ليس في الجزائر من يُجِلُّ علماء المملكة إلا السلفيون غير المتحزبين؛ للرحم العَقَدية التي بينهم، ولعلمهم بأن هذا البلد آخر معاقل الإسلام، وهو الوحيد اليوم في تأييد الدعوة السلفية تأييدا رسميا، فتدبر!
ـ ومن أخطائه الواقعية قوله: " الجزائر أيام أحداث الخليج جميع صحف الجزائر ـ كما بلغنا وجاء الحجاج ورأيتموهم ـ كل الصحف الجزائرية وكل الأحزاب في الجزائر والحكومة في الجزائر كانت ضد موقف المملكة من حرب الخليج ".
ـ النقد: موقف الحكومة الجزائرية لم يكن واضحا؛ لأنها كانت متكتمة، فمِن أين أخذتَ ما قلتَ؟! والصحافة الحكومية وغير الحكومية ليست لسان الحكومة، كما هو معلوم من النظام الديمقراطي، ويبدو أنك وقعت في هذا الخطأ لسببين، الأول: أنك تعيش جزائر الاشتراكية القديمة، والثاني: أنك أردت أن تدفع التهمة الحقيقية عن الجبهة لتلصِقها بالحكومة، وتأتي بأكبر فضائحك الواقعية فتقول:
" أما المسلمون الإسلاميون فما بلغنا وما قرأنا أنه .. أن ( هكذا ) قضيتهم التعاطف مع الشعب العراقي، هكذا عبَّروا، ضد الأمريكان، وهم يكرهون أشد الكره صدام ( هكذا ) ويعتقدون كفر حزب البعث! ".
ـ النقد: قد سبق عند الردّ على سلمان نقل كلمة علي بن حاج في زعمه أن صداما قد تاب وهو ينوي تحكيم الشريعة!!(). وأزيد هنا قائلا: إنك نفيتَ عن الإسلاميين بعامة أن يكونوا أيَّدوا الحكومة العراقية ضد السعودية، والصحيح أنك خالفتَ إجماعهم على تخطئة الموقف السعودي، ومما اشتهر اشتهارا رسميا أن حزبين منها أقاما مسيرات واسعة لتأييد العراق، وهما: جبهة الإنقاذ كما سبق، وحزب الإخوان المسلمين: حماس، بقيادة محفوظ نحناح الذي حشد الناس من أجل ذلك في تجمُّع صاخب، وإن كان هو لا يحِب أن يَعرِف عنه ( إخوان الخليج ) هذا ليبقى موصول العطاء موفور الجانب! ولولا أن السلفيين خالفوا هذا الإجماع لكان اتفاقا على الضلال، والمنة لله وحده.
تناقضٌ: نفى سفر أن يكون قد عرف عن الإسلاميين التعاطف مع العراق، وإذا به يقول بعدها بثوانٍ: " هذا الأمر، أخطأ فيه كثيرون وأصاب كثيرون! فتنة عمياء التبست على أكثر الأمة! وهذا الحال ليس خاصًّا بالجزائر، بل معظم العالم الإسلامي تعاطف لا حبا في صدام أبدا، ولكن من أجل أمريكا!! ". أقول: إذا كانت فتنة عمياء يُعتذر فيها للمخطيء فهل يصْدق الاعتذار للحكومة الجزائرية بمثل ما قلتَ؟! أم أنك بهذا تعتذر لنفسك عن خطئك الجسيم الذي صدر عنك يومها؟!
ومن طريف الموافقات أن هؤلاء ( الثمانين بالمائة ) الذين اعتذر لهم سفر بأنهم استيقظوا وقاموا ضد أمريكا في قضية الخليج، ما كادت تنقضي الأزمة بأيام حتى جعلت أمريكا دعاية للهجرة إلى بلادها، فإذا بك ترى جيوشا جرارة من هؤلاء ( المستيقظين ) عند السفارة الأمريكية يسألونها تأشيرة العمل، وكأنه لم يتخلّف منهم أحد! مع ذلك فهؤلاء عند سلمان لم يثوروا من أجل الخبز!! وعند سفر يريدون الإسلام!! ولا أدري هل حقيقةً تجهلون واقع أمتكم أم أنكم تتجاهلونه بدافع التفاؤل السياسي؟! وليس العجب أن يصدر من أمريكا هذا الاستهزاء، ولكن العجب أن تعجزوا عن إدراك ما علمته هي من واقع أمتكم!!
ـ ومن الأخطاء الواقعية قوله: " ودستور الجزائر الذي تسير عليه الجبهة الحاكمة دستور كفري إلحادي، من عجائب هذا الدستور أنه يتيح لفرنسا التدخل إذا اقتضى الأمر في الجزائر ".
ـ النقد: هاتِ لنا ـ ياسفر! ـ هذا النص من الدستور إن كنتَ من متتبِّعي الواقع، فنحن عشنا أيام تدوينه في الجزائر وما قرأنا ما قرأتَ!! هذا أولاً.
وثانيا: إن كنتَ علمتَ بطريقتك الخاصة أن فرنسا قد تتخِذ ذلك ذريعة لاستعمار الجزائر، فلماذا ضننتَ على إخوانك بهذا الواقع المؤلم ولم تُحذِّرهم من الدخول في معركة غير متكافئة العدة، ولم تُخبرهم بأن الأمر لعبة عليهم حتى لا يدخلوا فيه؟! بل زدتهم إغراقا فيه بمثل ما قلتَ، فعجبا لثور الخِرقة الحمراء!!
وأخيرا أقول: إن الذي بدا لي من كلامك أنك عند دراستك للمسائل تخلط الأوراق ـ كما يقولون ـ وتجمع بين الواحدة ونقيضها حتى يتميّع البحث ويُنسى أصل الموضوع، ولا يزال ظهر التأويل حينئذ ذلولاً. وقد سمعتك تنهج هذا النهج في غير ما شريط، إذ تُزوِّج بين مسألة سلفية وأخرى خلفية ـ بعد الطلاق الثلاث ـ بلا وليّ ولا نكاح محَلِّل، لتحتفل بعقيقة خنثى مشكل، قد استبان السلفيون جنسه الخلفي، وظلَّ غيرهم في حيرة: أفيه شاة أم شاتان لأن جنسه خفيّ؟ ومعناه أنك تُخرِج المسألة من موقعها الشرعي إلى موقع سياسي للرأي بل للتفلّت من قيود الشرع فيه مَسْرح، وهذا منهج خطير جدا؛ لأنه أقرب إلى تلبيس الحق على الناس بالباطل، بل وكتمانه، وقد قال تعالى: {يأَهْلَ الكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وإنما نبَّهتُ على خطورته؛ لأن بعضهم يغرّه بعضُ الحق الذي يكون مع المرء، ويتحاشى انتقاده ناظراً منه التصريح بالباطل! والحقيقة أنه لا يمكن لمن كان من هذه الملة أن يأتي بباطل خالص، فلذلك يغترّ بصاحبه من يغترّ، وبهذا يُهدم الحق، قال ابن تيمية: " وكل مَن سِوى أهل السنة والحديث من الفِرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح، بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق، وبسبب ذلك وقعت الشبهة؛ وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سُمي أهل البدع أهل الشبهات، وقيل فيهم إنهم يلبسون الحق بالباطل، وهكذا أهل الكتاب معهم حق وباطل ... ". منه:
1 ـ قولك هنا: " نحن لا نحكِّم الشعب أصلا، ولكن من حيث الواقع الشعب مع من؟ ".
ـ النقد: إذن فثَمَّ حكم الشرع الذي يحرِّم التحاكم إلى الشعب، وثَمَّ حكم الواقع الذي يبيحه أو يوجبه أو يستحبه، ولا مفرّ من واحدة من هذه الأحكام الثلاثة المتبقية لأنك تقول بعدها مباشرة: " ثمانين في المائة من الشعب ... ". وتقول على لسان الجبهة: " ونَدخل جميعا الانتخابات، فإن فزنا فنحن نَحكم البلاد بكتاب الله وسنة رسوله e، وإن فازوا قلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون! والشعب قد اختار الاشتراكية علينا ".
قلتُ: بأي حكم أبحتَ لهم دخول الانتخابات؟ أبالشرع أم بالواقع؟!! والله المستعان.
2 ـ قولك: " فإذا قيل: لماذا تتكلمون عن هذه الجبهة؟ قالوا: لأنها وقفتْ في حرب الخليج غير موقفنا، قال هو:كلهم في غير موقفنا ... بل معظم العالم الإسلامي تعاطف ـ لا حُبا في صدام أبدا ـ ولكن من أجل أمريكا!! ".
ـ النقد: هذا هو دين ردود الفعل! يُفهم منه أن مخالفة الموقف السعودي يُعَدّ مخالفة شرعية، ولكن من أجل أمريكا فلا! مع أنك مقرّ في أشرطتك أيام الفتنة بأن خطورة البعث أشد من خطورة أمريكا؛ كخطورة الشرك بالنسبة للنصرانية!!
كما يُفهَم منه أن سفراً كان مع الموقف السعودي، وهو خلاف ما صرَّح به يومها، وإذا كانت كما قلتَ أنت: " فتنة التبست على كثير من الناس! "، فلعلك تناقضتَ هذا التناقض؛ لأنك كنتَ طرفاً في هذا التلبيس بما كنتَ تُرعِد وتُزبد! ويومها اتَّهمتَ هيئة كبار العلماء بالقصور في فقه الواقع!!،واليوم تحدِّثنا سرًّا: " إن موقف الشيخ الألباني أقرب إلى الشرع، وموقف علمائنا أقرب إلى الواقع!!! ". اعلم ـ يا أخانا سفر! ـ أن الألباني مجتهد خالف علماء المملكة في القضية، ولكنه قال فيهم من التوقير قولاً حسنا، خاصة منهم الشيخ ابن باز، حفظ الله الجميع.
3 ـ قولك: " القضية التي نتكلم عنها ليست مجرد فلان ولا فلان، إن كان من أولياء الله فالله ولي المتقين وسينصرهم ولو بعد حين، وإن كانوا غير ذلك فقد جاءهم عُجلت إليهم بعض ذنوبهم، لكن ليست هذه هي المشكلة، لماذا تُصوَّر القضية بهذا الشكل، القضية قضية إسلام يُحارَب ".
ـ النقد: تأمّل كيف يمشي بك مشية سلفية حتى إذا كنتَ قاب قوسين من النتيجة أو أدنى صرفك عنها بدندنة خلفية، كأنه اكتشف جديدا حين علِم أن القضية قضية إسلام يُحارب!! وكأنه إذا كان الإسلام يحارَب لم يَصحّ الحديث عن التقوى والإيمان؛ لأنه يعوق ( الجهاد )!! وكأنه لا يحبّ أن تصوَّر القضية بالشكل الشرعي؛ لأنها تُخَذِّل عن الصراع السياسي!! بل ولا بأس عنده من الصبر على الهزيمة من أجل إشعار الخصم بأننا له بالمرصاد!! فلا إله إلا الله! ما أغرب هذا الاضطراب المنهجي الديني! وإنني لمشفق على أهله منه.
4 ـ ومنه قولك في شريط (252) من شرح الطحاوية: " نعتقد كذلك أن قيام الإسلام في الأرض ليس بهذه الطرق وهذه الوسيلة بالضرورة ـ أي الوسيلة الديمقراطية ـ بل الطريق الصحيح والمنهج الحق هو الدعوة وطلب العلم ونشر الفقه في الدين وتريبة الناس على ذلك .. "، قلتُ: إن أسارير البشر التي تظهر على مُحَيّا السلفي حين يسمع هذه الكلمات سرعان ما تتحوّل إلى حيرة وعبوسة قاتمة وهو يسمع نقيضه منه بعد ثوانٍ فقط؛ وهو قوله: " لكن نحن نتكلّم عن واقع، عن قضية واقعة!! ".
قلتُ: كأن المنهج الإسلامي الذي قرره أولاً يُعنَى بعالم الخيال، وأما المنهج المخالف فواقعي!! ويزيد الأمر فداحة حين يتمنَّى من هذا المنهج المخالف بل الكافر أن يقيم له دولة الإسلام!! فيقول: " ... فوالله إنه لفتحٌ كبير أن تقوم دولة لـ( لا إله إلا الله ) على منهج السلف الصالح والخلافة الراشدة في الجزائر!!! ".
قلت: تأمّل كيف ينفي أن يكون مسلكا شرعيا، مع ذلك فهو يأمل منه قيام الخلافة الراشدة؟!!
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس

يتبع
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 23 Jul 2010, 11:31 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

ومن الغريب أنني استمعتُe في دعوته وجهاده؛ فقد قال إلى شريط مسجَّل مع سفر، فيه أنه يعلم أن جبهة الإنقاذ لم تَبْنِ عملها على الأساس الذي اعتمده النبي : " ولكن هل مرَّ هذا الشعب ( يعني الجزائري ) ومرّت هذه الدعوة بمرحلة التمحيص والتربية على منهج علمي عقدي دعوي متوازن شامل، كما مرّت الجماعة الإسلامية الأولى في عهد النبي e، وكما ينبغي أن تمرّ كل الدعوات؟ ... حقيقةً إن الوضع في الجزائر كان فيه نوع واضح من التعجّل في قطف الثمرة! وربما كان هناك أيضا شيء من الإعجاب أو شيء من الأخذ بهذه الجماهير المتجمِّعة، التي لا ينقصها في الحماس، ولا نشكّ ـ إن شاء الله ـ في حماسها، لكن الحماس وحده لا يكفي، ولا بدّ من المرور بهذا المنهج والتمحيص فيه؛ ولذلك نجد مَن نكص على عقبيه، مَن خرج عن الصف الإسلامي بالكلية، مَن باع نفسه للسلطة، مَن فعل .. مَن فعل .. أفعال كثيرة تدلّ على أن الصفّ لم يُمَحَّص في الأصل ...!!".
ثم تأمّل ما يدلّك ـ أخي القاريء ـ على أن هذه الأخطاء صدرت منه عن علم؛ فقد قال بعد أن بيّن شيئا من سيرة النبي e في تنقية الصفوف وتمحيصها: " فما لم يَصِل من دقّة التربية وترسيخ مفاهيم العقيدة وتصحيحها في الناس إلى مثل هذا فإنا لا نتوقّع إلا نتائج سريعة، وأيضا هذه النتائج السريعة تتقوّض سريعاً ...".
قلت: فلم غرَّرْتَ بجماعتنا ـ يا سفر!ـ وأنت تعلم كل هذا؟! نعوذ بالله من أن يُضِلَّنا اللهُ على علم، وصدق من قال: " لقد ضرّهم من غرّهم! ".
إن هذا ليدلّ على أحد أمرين:
ـ إما أنك شاكّ فيما تقول ومرتاب في سيرة النبي .
ـ وإما أنك كنت كاتماً هذا عن المسلمين؛ تزجّ بهم في ليل من الشرور حالك، وأنت تدري أنهم لا يخرجون منها إلا بين معطوب وهالك!!
والذي يترجح لديّ أن كلاهما عليك وارد؛ بدليل أنك ما كنتَ تقول هذا أيام نشاط الجبهة، وإنما قلتَه بعد هزيمتها السياسية، وقد سبق أن نقلتُ كلامَ بعض السلف في أن التنقل من رأي إلى رأي من شكّ القلوب، كما سبق أن ذكرتُ كلام بعض أتباع السلف بحقّ ـ كالشيخ الألباني ـ في الجبهة قبل الهزيمة وبعد الهزيمة، بل وحتى أيام انتصارها السياسي: كلام واحد لا تُزعزعه النتائج! وبهذا يتبيَّن القاريء معنى الرسوخ في العلم؛ قال الحسن البصري:
" إنّ هذه الفتنة إذا أقبلت عَرَفها كلُّ عالم، وإذا أدبرت عرفها كلُّ
جاهل ".
قلتُ: لأنه لا فائدة من معرفتها بعد وقوعها وصيرورة المرء موعظةً لغيره، بل وإهلاكه العباد بفتاواه المرتَجلة! وهذا كلام الحسن فيمن عرف أنها فتنة بعدما رأى نتائجها الوخيمة؛ أي أنه سماه جاهلاً! فما قوله ـ رحمه الله ـ فيمن لم يَعرِف بعدُ أنها فتنة، وقد رأى من نتائجها ما شيَّب الرؤوس! مِن تسلّط الكفار الشيوعيين واستضعاف المؤمنين وانتهاك الأعراض وانتشار الشرك بصفة رسمية وتفشي القتل والسرقة وتعذّر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن كان ممكناً وكثرة الانتكاسات الدينية والمجاهرة بالفجور وشرب الخمور بعد أن تَوارت في كثير من المدن وخراب المساجد من عمّارها بعد أن كان التورّك في الصلاة متعذِّراً لشدّة الزحام!!! ...
ولنا أن نتمثَّل بما كان يَتمثَّل به ابن عباس ؛ إذ يقول:
فما النّاسُ بالناس الذين عَهِدتُهم ولا الدارُ بالدار التي كنتُ أَعرِف!
ماذا يقول الحسن فيمن عرف هذا وزيادة، ولم يفهم بعد أنه فتنة؟!
بل يُصِرّ على أنه تقدّم!! ويقول:
" وأنا في الحقيقة في تقويمي العام أعتبر أن ما حدث في الجزائر أو غيرها هو تقدّم بالنسبة للعالم الإسلامي، لو لم يكن فيه إلا التجربة!!! ".
قلتُ: هذا كلام سفر! وهو الذي جعلني أُصَدِّق فيه الأمر الثاني الذي ذكرتُه آنفاً، وإنه لتناقض محيِّر جداً! لا يكاد يصدر من عاقل؛ لأن الرجل يبني من مقدِّمات خاطئة ـ في واقع الجبهة ـ نتائج صائبة في خياله، تُعَدّ تقدّماً عنده! لكنك ـ أخي القاريء! ـ إذا عرفتَ أن هذا الفكر إرثٌ ( إخواني ) لم تستغربه من سفر؛ فكثيراً ما رأيته يمزج بين السلفية ـ التي هي دعوة بيئته الأصيلة ـ والإخوانية الوافدة عليه وعلى بيئته، خاصة من محمد قطب، وهذا هو التلبيس! ولذلك كان لَبْس الحق بالباطل أخا الكتمان، كثيراً ما يجتمعان، كما قال الله تعالى:{لِمَ تَلْبِسُونَ الحقَّ بِالبَاطِلِ وتَكْتُمُونَ الحَقَّ وأَنتُمْ تَعْلَمُون}.
قال ابن تيمية: " فمن لَبَس الحقَّ بالباطل كتم الحق ... "، إلى أن قال:
" وجمع بينهما ـ أي في الآية السابقة ـ بدون إعادة حرف النفي؛ لأنّ اللبس مستلزمٌ للكتمان، ولم يقتصر على الملزوم؛ لأنّ اللازم مقصودٌ بالنهي "().
ثم لعلك لم تنتبه إلى قوله: " لو لم يكن فيه إلا التجربة! "؛ فإن هذه التجارب التي يوقعها ( الإخوان المسلمون ) على الشعوب الإسلامية في أعراضهم وأموالهم ودمائهم بل وفي دينهم هي من أصولهم المعلومة، كأن هذه الشعوب بهائم في مختبر الباحثين عن النتائج الصحيحة بعد تيه طويل!! ثم هم يُسَمّون الخطأ صواباً، والتأخّر تقدّماً، والانتكاسة يقظةً حتى لا يُفطَن لهم، ولايُدرَك غَوْرُ الجرح الذي أصابوا به الأمة!
ومن أصولهم أيضا ضرورة التضحية بجيل أو أجيال للوصول ...كأن هذه الشعوب البريئة ملكٌ خالصٌ لهم!! وكل هذا ورِثوه من الشيوعيين، من خلال تجاربهم في ( الواقع ) كما أشرتُ إليه عند الردّ على سلمان الذي صرّح ـ بلا تورية ـ بأنه متأثّر بهم جدًّا.
والذي يظهر أن سبب هذا التخبط هو الخطأ في فهم الولاء للمؤمنين، وهو الأمر الثاني ـ بعد العدل ـ الذي بنى عليه سفر محاضرته ـ التي ذكرتُ شيئا منها في مطلع هذا الردّ، خاصة في مقدمتها، ومادام قد بيَّنتُ هذا الأمر في بداية الكتاب عند أصل ( الردّ على المخالف ) فلا أعيده، بل أكتفي بأن أنقل هنا ردّ الشيخ محمد البشير الإبراهيمي على مَن أنكر على جمعيته ما ينكَر علينا اليوم، قال ـ رحمه الله ـ: " ولو أَنصفَ خصومُنا لعلموا أن إنكارنا عليهم هو دليل أخوّتنا لهم، بل دليل صدقنا في هذه الأخوة؛ فلو لم يكونوا إخواننا في الدين لما أنكرنا عليهم ما أنكره الدين، وأن الدين الذي أوجب علينا أن ننكر المنكر، يوجب عليهم الفيئة إلى الحق، ويوجب علينا جميعا التحاكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والرضا بحكمهما والتسليم لهما والرجوع إلى سبيلهما الجامعة، وقد دعوناهم إلى هذا ولا نزال ندعوهم ...".
5 ـ قولك: " وحتى الجبهة ليست حزباً سياسياً ..!".
ـ النقد: هل تلجأ إلى هذا التناقض لأنك خائف على الجبهة من أن ترشقها سهام السنة التي ما تذَر من التحزّب شيئا أتت عليه إلا جعلته كالرميم؟ هذا لا يُعفيك ـ يا سفر! ـ من تأصيل محاضرتك عن حكم الله في التحزب والإضراب، والمظاهرة والانتخاب، ومن قبل هذا كله عن حكم العمل السياسي، خاصة من أمثالكم من الشباب.
ـ ومن أخطاء سفر الواقعية التي يضحك منها أتباع الجبهة أنفسهم: زعمه في آخر شريط رقم (252) ـ المشار إليه آنفا ـ أنه لا ( جَزْأَرة ) في جبهة الإنقاذ!! بل أمْرُه قَبْله بقليل بمحاربتها وفضحها وسائر الأحزاب الأخرى؛ حيث قال: " ... وبيان القومية التي يسمونها: ( الجزْأرة ) أو أيا كانت!! ".
ـ النقد: اعلم ـ يا سفر! ـ أن انتقادك ( الجزأرة ) يعني انتقادك ( الجبهة )؛ لأنها تحمل شعارها، ولأنها تواجه الأعداء نفسهم الذين تواجههم الجبهة، فبأيّ شرع تؤيِّد هؤلاء وتردّ على أولئك؟!
ثم لقد كانت ( الجَزْأَرة ) منفصلة عن جبهة الإنقاذ عند ميلاد هذه، ثم أخذت تتوغّل فيها شيئا فشيئا حتى أضحى رئيسها محمد سعيد يمثل الرجل الثالث من الجبهة؛ ولا يكاد الناس ينسون صورة خروج علي بن حاج في بدلة عسكرية مع الهاشمي سحنوني ومحمد سعيد الونّاس هذا وغيرهم متماسكي الأيدي في مظاهرة تضامن مع العراق!! وبعد أن سجن ابن حاج وعباسي مدني تولّى محمد سعيد رئاسة الجبهة، وخطب لأول مرة في مسجد الجبهة!! في هذا الوقت الذي أضحى فيه جلّ منظري ومنظمي ومستشاري ومرشَّحي الجبهة من الجزأرة، وفي الليلة نفسها التي كان هؤلاء يفوزون في الانتخابات البرلمانية يتكلم سفر بكلمته تلك وينفي وجود ( الجزأرة ) في صفوف الجبهة!!! ودليل تأريخ كلمة سفر هذه أنه قال فيها: " وإلى الآن شيوخها في السجن؛ الشيخ عباسي مدني والشيخ علي بن حاج ... "، ثم يتحدّث عن نتائج الانتخابات فيقول: " فالحزب الحاكم ستة عشر مقعد ( كذا )، والجبهة مائتين واثنين وقد تزيد، وقد تصل الليلة ـ يمكن ـ مائتين وعشرة ".
قلتُ: إن هذا الذي وقعتَ فيه ـ يا سفر! ـ يفسَّر بأحد أمرين: إما أنك لا تدري أن الجبهة و( الجزأرة ) اسمان لمسمى واحد؛ لأنهما روحان اتَّحدا، فحرمك اللهُ حسنَ التوفيق في قضية قفوتَ فيها ما ليس لك به علم، وإما أنك تدري ولكنك ... وأنا لا أحبّ لك هذه؛ لأنَّ كبيرة الكذب شيمة تشين صاحبها، ولكن أرى أن تقنع بالأولى؛ ألا وهي أنك تكلمتَ عن واقع لا تفقهه، وهذا أصغر الكبيرتين، نسأل الله أن يتوب علينا وعليك.



فقه واقع الجزائر عند بِشْر البِشْر
قال بشر البشر في شريط (( جراح المسلمين )) في بداية الوجه ( أ ):
" ... وذلك لأنّ أوضاع الجزائر خافية على الكثير ..! أيّها الأحبّة جذور الجبهة الإسلامية للإنقاذ تمتدّ إلى جمعية العلماء التي أسّسها العالم السّلفيّ عبد الحميد بن باديس!! ".
وقال : " وفي الجبهة ـ أيّها الأخ الكريم! ـ علماء! علماء!! فيها مجموعة طيّبة من أهل العلم تأخذ الجبهة بأقوالهم وترجع إليهم في معرفة الأحكام الشرعيّة، وهذه ميزة فريدة تتميّز بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن كثير من الجماعات الإسلامية التي ـ مع الأسف ـ تخلو من العلماء!! ".
النقد: هذا هراء على هراء، قد سبق أنّه نفخ في الهواء، وهو يقول هذا بعد أن مدح الشيخ أحمد سحنون، وهذا الأخير هو القائد الشرفي لا الحقيقي لـ( الجزْأَرة )، الذين استغلوا طيبة نفسه وكبر سنّه حتى كرَّهوا إليه السلفية، وما زالوا يراوِدونه حتى كان يأتي المدينة النبوية فيجمع الطلبة الجزائريّين قائلا لهم: " لا تنسوا شخصيتكم الجزائرية ومذهبكم المالكي وعقيدتكم الأشعرية ". والطلبة عندكم فاسألوهم إن كانوا ينطقون. وهذا الرجل كان قد نهى رؤوس الجبهة عن تكوين حزبهم، وبعث إليهم تلميذه الحميم محمد سعيد يوم تأسّست الجبهة، وقال بأنّ الوقت غير ملائم لتكوين هذا الحزب، فقام في وجهه بعض رؤوس الجبهة وحرَّض الغوغاء عليه حتى كادوا يوقعون به لولا أنّه أُخرج من المسجد باكياً مشتوماً ... فإذا كنت تعتبر سحنوناً من العلماء، بل من أعضاء الجمعية كما قلتَ، فلماذا لم يأخذوا بفتواه وهم بنوا حزبهم على مشورة من العلماء كما زعمتَ؟!.
قال:" فمن العلماء الشيخ الأخضر الزّاوي وهو شيخ جليل كبير السنّ".
النقد: هذا الرجل أشعري مالكي متعصب، فأين السلفية؟
السلفيُّ مَن جمع أمرين هما:
1ـ متابعة السلف ـ لا الأشاعرة المتأخِّرين ـ في إخلاص الدين لله تعالى؛ في ربوبيته وعبادته وأسمائه وصفاته. والأشاعرة قد سَطَوا على جملة من صفات الله تعالى وأسمائه فسلبوه إياها، ثم حرَّفوها عن معناها الذي أراده الله باسم التنزيه! والله يقول:{أَلاَ لِلَّهِ الدَّينُ الخَالِصُ}، هذا بعض ما عندهم!
2ـ تجريد المتابعة للرسولوالمتعصّب للمذهب لا يَتبع إلا المذهب! ولئن اتّبع المذهب بعد الاطّلاع على الدليل فهو لا يزيد على دليل مذهبه؛ أي أنه لا يتبع الدليل لكون الرسولُ قاله، ولكن لكون صاحب المذهب قال به؛ بدليل أنه يهون عليه ترك العمل بالحديث إذا خالف المذهب! ويعتذر بكون إمامه قد اطّلع على هذا الدليل، وله في تركه مسالك ...!!
قال: " ومن علمائها الشيخ الطاهر آيت علجت، وهو عالم كبير القدركبير العمر من علماء جمعية العلماء ".
النقد: هذا الشيخ رجل فاضل لولا أشعرية فيه وتفويض! وهو ـ وإن كان بيني وبينه حسن جوار ـ فإنني لا أحابي في التوحيد أحداً. ثم إن عذري في إثارة هذا كعذر مَن جاء فيه المثل العربي القائل: " قال الجدار للوتد: لِمَ تَشُقُّني؟ قال: سل مَن يَدُقُّني ". ومن طريف ما أذكره لك ما أخبرنيه أحد أقربائه أنّه أسمعه كلام هذا المحاضر، فاستنكره الشيخ، وأنكر أن يكون يوما ما قد انخرط مع جبهة الإنقاذ!. ولو أذن لنا هذا القريب أن نذكر اسمه لفعلنا، ولكن اتّصل بالشيخ نفسه فهو خطيب بمسجد الغزالي بحي سيلي ـ حيدرة ـ الجزائر، ومن وصل تفقّهه للواقع إلى أمريكا وأبعد من أمريكا لا يعييه طلب التّحقّق ببرقيّة يكتبها إلى هذا العنوان!
قال: " ومن علمائها الشيخ يخلف شرّاطي ومن علمائها الشيخ أحمد
الزّاوي ... وأعرف أنا الشيخ محيي الدين درويش .. ".
النقد: أما الرجل الأول فقد انتهى به الأمر في آخر أيامه إلى أن صار رأساً في التكفير، وكان لبياناته الأخيرة اليد الطولى في إراقة الدماء بشكل فظيع جداً، وكذا إضلال الشباب عن سواء السبيل! وعلى كل حال فقد سبق الحديث عنه. وأما الآخران فهما من حزب ( الجزأرة )، وما أدراك ما ( الجزأرة! )، ولهما يدٌ معروفة في منع السّلفيّين قديما وحديثا من أيّ نشاط في مساجدهما وهما معروفان بانتقاصهما أهل الحديث وانتصارهما للكوثريّ وأبي غدّة ومنهجهما.
قال: " إنّي أؤكد لك ـ يا أخي! ـ أنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ تعتبر من أعداء الرّافضة، لا أقول لك ليس فيها شيعيّ بل هي من أعداء الرّافضة ".
النقد: كسابقه في نقد سلمان. ثم هؤلاء الذين سمّاهم علماء لا يعرف عنهم أيّ استنكار على الشّيعة، بل كثيرا ما كانوا ينكرون علينا انتقادنا الشّيعة ويقولون: " عليكم مسحة سعوديّة! "، وهم يقصدون: سلفيّة؛ لأنهم تخرَّجوا من جامعات السعودية!!
وقد اضطرني كلامه هذا إلى أن أُخبر القاريء بأن للشيخ أحمد سحنون ـ الذي عدّه من علماء الجبهة ـ رثاء للرافضي الخميني، هذه هي صورته بتوقيعه، لا على أنه شيعي، ولكن بياناً للواقع لفقهاء الواقع!

يتبع
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 23 Jul 2010, 11:32 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

هذا رثاء أحمد سحنون للخميني الرافضي
هوى النّسر!!
مهداة إلى روح الإمام الخميني رحمه الله (3/11/1409هـ)
من الذي مات يا (( غُماري ))؟ يا (( مصطفى )) كُن أخا اصطبارِ
مــات الخـمـيــني الإمــام حـقــاً يـا (( مـصـطفـى )) الشـعر لا تمار
لــقــد هـوى النســر مـن عُـلاه وكــان يــعـلــو بــلا انـحـدار!
مـــات الإمــــام فــمــن تُـــراه يــا (( مصـطفى )) حـامي الديار!
مـات كـأن لم يـعـش طــويــلا وهــكــذا تــخـتــفـي الـدراري
غــاب الخـمـيــني تـبـاًّ لـدنـيــا تـصــاب بــالـمــوت والـدَّمــار
لــكـن مـجـد الإمــام يــبـقــى بـــــــلا زوال ولا انـــــدثــــار
مـا مـات مـن كـان كـالخـميني قـد عــاش لـلـمـجـد والـفـخـار
إن لــم يـكـن مــوتـه الـمفاجي أصـــاب بــالثـــكـــل كـــلَّ دار
فـصُـغ أخـا الشـعـر كـل لـحـن يــلــيــق بــالـــقــادة الـــكــبـار
وإنّــمـا الشِّـعـر نـبــض قــلــب يـــنـــبـــئ عــــن لاعـــج الأوار
وومــض وحــي ونــبــع حــب بـــــــلا حــــــدود ولا قـــــرار
يــا قـاهـر (( الشـاه )) يـا مـجيـدا طــرد الــعـدوّ مـــــن الــديـــار
يـــا صـادق الـعـزم يـا مـحيـــلا ضـعـف الشـعـوب إلـى انـتـصار
يـا صـانــعـاً صـحــوة أحــالـت عـزّ الــطــغــاة إلـى انــدحـــار!
عــش فـي قـلوب الشعوب حيـاًّ يبـقــى مـدى الـلـيـل والـنـهـار!
ودُمْ مـــنــاراً إلـى الـمــعـــالــي أعــظـم بـذكـراك مــن مـنــار!
طـهـران بـعـدك سـوف تـمـضي تـقــفــو خــطــاك بـلا عــثــار
مـن هـذه الـقـبـسـات فــاقــدح واستوح من شعرك يا (( غماري ))
يـا رب لا تـحـرم (( الخـمـيـني )) مـن خــيــر دار وخــيــر جـــار
ولا تــــعــذّبــه يــا إلـــــهــــي بــــزمــــهـــريــــر ولا بـــنـــار
فــإنّــه عــاش فــي جــــهــــاد بـــــلا هـــــــدوء ولا قــــــرار

هذه صورة تعزية رابطة الدعوة الإسلامية الجزائرية للشعب الإيراني إثر هلاك الخميني، والتي من أعضائها: عباسي مدني، وعلي بن حاج، ومحمد سعيد الوناس
ومن طريف تربّص الأحزاب بعضها ببعض أن سحنوناً ـ على الرغم من اعترافه بأنه أديبٌ وليس عالماً بالشرع ـ يَعتذر بأن الذي وسوس إليه بأن ينظم هذه المرثية المخزية هو محفوظ نحناح أمير الإخوان المسلمين، فهل يريد نحناح أن يلعب على الحبلين كما هي عادته؟ حتى إذا أحرجَتْه معارفُه بإيران بسؤاله عن موقف الإخوان من موت الخميني، قال: " ألم نكن معكم؟! وهذه قصيدة شاعرنا سحنون تعبِّر عما في نفوسنا من ألم!! ". وإذا جاء يوم الجذاذ من عند دول الخليج، سواء ليجمع الأموال باسم السلفية ـ وقد فعله ـ أو باسم الإخوان قال: " أرأيتم حين انشقت ( الجزْأَرة ) المحلية عن أمّها العالمية هبط بها المستوى إلى حدّ رثائهم الرافضة!! ".
قلت: وقديمًا قيل: ( مصارع الرجال تحت بروق الطمع )، بل قال الله تعالى: {قُلْ إِنّ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
قال عن الجمعية: " ومن مشاهير علمائها الشيخ عمر العرباوي ـ رحمه
الله ـ الذي مات في الإقامة الجبرية في أول عهد ابن جديد، وهو شيخُ العالم السلفي الشهير علي بن حاج ـ كشف الله كربته ـ "!
النقد: الشيخ العرباوي ـ رحمه الله ـ مات في بيته عزيزاً مكرَّماً، ولم يكن تحت الإقامة الجبرية، وكان يزاول عمله الدعوي بكل حرية. ومن فراسة هذا الشيخ أنه كان يقول عن عباسي مدني قبل ميلاد الجبهة ـ لأنه توفي قبلها بنحو أربع سنين ـ: " أحذِّركم هذا الغِرّ ". كما أن علي بن حاج كان يلقي أحياناً دروسه بمسجده والشيخ كاره، فكيف يكون شيخاً له؟! مع أنه قد تقدم ما فيه.
قال: " أحبّ أن أذكّركم بأمر وهو أنّ إخوتنا الجزائريّين قد استفتوا الشيخين الإمامين العالمين: الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين في ذلك، فقالوا لهم: إذا كان هذا يحقّق مصلحة الإسلام ويتمّ من خلاله الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فإنّه لا بأس أن تدخلوا الانتخابات البرلمانيّة، وهذه، كما حدّثني أحد الإخوة الثّقات الجزائريّين مسجّلة في أشرطة ".
النقد: أما ما يخصّ استفتاء الشيخين من قبل الجبهة فهذا لا يلجؤون إليه إلا كما قال الله تعالى: {وإِن يَكُن لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِين}؛ لأنهما عندهم من علماء أمريكا، لا يخرجان من الحيض والنّفاس! ويعلم الله كم وقعوا فيهما خاصة في قضيّة الخليج، وعلى رأسهم عباسي مدني فهو شديد البغض لهما، وكذا علي بن حاج على تستّر وتقيّة! أما محمد سعيد الونّاس وأصحابه
( الجَزْأَريُّون ) فإنّهم يعتبرونهما بدواً! لا جهاد لهما يعيشان القرون الوسطى على حدّ اعتقاد محمد الغزاليّ فيهما وما يلمزهما به!!.
أما ما يخصّ ابن باز فقد مضى. وأما الشيخ ابن عثيمين ـ حفظه الله ـ فصحيح أنّه جوّز لهم دخول البرلمان، لكن لا بدّ من التنبه إلى أنهم لم يستفتوا الشيخ إلا بعد أن دخلوا في العمل السياسي بنحو سنتين! فلو كانوا طلاب حقّ لعلموا قبل أن يعملوا كما قال البخاري: " باب العلم قبل القول والعمل "! ولو كانوا طلاَّب حقٍّ لأخذوا بعين الاعتبار الشروط التي اشترطها الشيخ في ذلك، وهي قيود أربعة ـ وليست واحدة كما زعم بِشر ـ لو تأمّلتها لرأيتَ أنّ الشيخ قد قيّدهم بوثاق شديد لا يَخْطون به خطوة واحدة، وإليكموها، قال:
ـ أولا: لايجوز الخروج على الأئمة ومنابذتهم إلا حين يكفرون كفرا صريحا لقول النبي : » إلا أن تروا كفراً بواحاً ... « الحديث متفق عليه.
ـ ثانياً: العلم بكفرهم، والعلماء هم الذين يقدّرونه، وأنا لا أَقْدر على أن أحكم على حكوماتكم؛ لأنّني لا أعرفها، وفي الحديث السابق: » عندكم فيه من الله برهان «.
ـ ثالثاً: تحقّق المصلحة في ذلك وانتفاء المفسدة، وتقديرها لأهل العلم أيضا.
ـ رابعاً: القدرة لدى المسلمين على إزاحة الحاكم الكافر.
ثم قدّم نصيحة ذهبيّة ـ حفظه الله ـ فقال ما معناه: " وعلى كل حال، فهذا الكلام نظريّ؛ لأنّ الغالب أنّ الشّوكة والقوّة لهذه الحكومات، وأنا أنصح بالرويّة والدعوة بالحكمة وترك الدّخول في هذه المواجهات ...
إلخ ".
قيد خامس مهمّ: وهو أن الشيخ يشترط فيمن يمارس السياسة أن يكون من أهل العلم الذين بلغوا درجة أهل الاستنباط؛ بدليل قوله: " السياسة لها قوم، والدين له قوم؛ وقد أشار الله إلى هذا في قوله تعالى:{وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ... وليس قولي هذا فصل السياسة عن الدين أبداً! الدينُ نفسُه سياسة ".
قلت: وهذا قيد في غاية الأهمية؛ لأن جُلّ ـ إن لم أقلْ كلهم ـ الذين يريدون خوض غمار السياسة اليوم لا يصلح أن يقال لهم: ( طلبة علم! ) فكيف يقال لهم:( علماء؟! ) أم كيف يُتَصوَّر فيهم ( علماء مستنبِطون؟! )، وكل منصف يفهم هذا الكلام.
قيد سادس: نقول لهؤلاء: لو تنزّلنا معكم جدلاً إلى أنكم سألتم الشيخ فأيّدكم فيما أنتم فيه، فلماذا تلجؤون دائماً إلى العنف بعد أن تستنفدوا قواكم في لعبة ( البرلمان )؟! فهلاّ سألتم الشيخ عن ذلك أيضاً؟! لماذا لا تسألونه عن حملكم السلاح ضدّ النظام الحاكم أو ضدّ الأحزاب التي تواجهكم؟!
والجواب هو: لأنكم لا تسألون سؤال متعلِّم! وإنما تسألون سؤال مَن حمل معتقداً، ويبحث له عن مؤيِّد!! والدليل على ذلك هو أنكم إذا قيل لكم: اسألوه: هل هذا العنف جهاد؟ قلتم: الشيخ لا يعرِف واقعنا!!
وإذا قيل لكم: إذن وَضِّحوا له واقعكم!
قلتم: الشيخ مداهن لأنظمة الطواغيت!!
فهذه ثلاثة أشياء:
ـ الأول: ليس فيكم علماء مجتهدون.
ـ الثاني: تتخذون من فتوى الشيخ متكأً للوصول إلى التكفير، ثم إلى العنف الذي تُبَيِّتونه! وأنتم تعلمون أن الشيخ يُخالفكم فيهما جميعاً؛ ولكنه الهوى ...
ـ الثالث: أن الشيخ عندكم لايعرف واقع الحكومات! أو هو مغفَّل! أو هو مداهن! فمنكم مَن صرَّح ومنكم مَن ينتظِر!! وما بدَّلْتم تبديلاً!
ثم يشاء الله أن يتأخَّر نشر هذا البحث حتى يُسمعني أحد الإخوة شريطا سُجِّل مع الشيخ في شوال (1414هـ) فيه قول السائل:
وهل كذلك أنكم قلتم باستمرار المواجهة ضد النظام بالجزائر؟ فأجاب: " ما قلنا بشيء من ذلك! ".
قال السائل: في اشتداد هذه المضايقات هل تُشرَع الهجرة إلى بلاد الكفر؟
قال: " الواجب الصبر؛ لأن البلاد بلاد إسلام، يُنادَى بها للصلوات وتقام فيها الجمعة والجماعات، فالواجب الصبر حتى يأتي الله بأمره ".
قلت: فلمَ هذا التّمويه وهذه الخيانة في النّقل؟! ألا يعلمون أنّ الله لا ينصر إلا الصادقين؟! قال الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}. أما يخافون أن يكون الشيخ خصمهم يوم القيامة؟! ما هذه الغفلة عن المعاد؟! {أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونُ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ}. هؤلاء ـ يا محاضرنا! ـ هم ثقاتك؟! وعلى كواهلهم تقوم وزارة الإعلام في دولة الإسلام؟!، وهذا هو فقه الواقع؟!
ثم لما كان احتراف الكذب لتأييد الرأي صنعة الحزبيين، ولمعرفتي بأنه قد نُسِب للشيخ إباحةُ المظاهرات والاعتصامات وغيرها من مبتدعات الغرب الكافر، فلا بدّ من نقل كلامه ـ حفظه الله ـ في ذلك، فقد سئل في محرّم (1416هـ) عما يأتي:
ـ ما مدى شرعية ما يسمّونه بالاعتصام في المسـاجــد وهم ـ كما يزعمون ـ يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقا أنها تجوز إن لم يكن فيها شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا ؟ فأجاب:
ـ أما أنا، فما أكثر ما يُكْذَب عليَّ! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاّ يعود لمثلها. والعجب من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئاً؟ بالأمس تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا أربعين ألفا! أربعون ألفا!! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى! والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلها شرارة ثم تكون جحيماً؛ لأن الناس إذا كره بعضُهم بعضاً وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح ـ ما الذي يمنعهم؟ـ فيحصل الشرّ والفوضى ... وقد أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصبر، وقال: » من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية «. الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نظهر المبارزة والاحتجاجات عَلَناً فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ما هي إلا مضرّة ... الخليفة المأمون قَتل من العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن، قتل جمعاً من العلماء وأجبر الناس على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أن أحدا منهم اعتصم في أي مسجد أبدا، ولا سمعنا أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية ... ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيِّدها إطلاقا، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور ".
فقه واقع الجزائر عند عائض القرني
أما عائض القرنيّ فقد وقع في الخطأ الذي تواصوا به جميعا وهو زعمهم أنّ جبهة الإنقاذ امتداد لجمعية العلماء الجزائريين! وقال في خطبة جمعة:
" والذي نفسي بيده لقد خرج في الجزائر في يوم واحد سبعمائة ألف امرأة مسلمة متحجّبة يطالبن بتحكيم شرع الله ".
النقد: يا لها من مصيبة حين يهون عليك اسم الله فتقسم به على عدد وهميّ خياليّ، و تقسم على قضيّة خاسرة دنيا وأخرى، أفي المظاهرة الموروثة من الكفار والشّيوعيّين يبذل اسم الله الأعظم؟ ألم يقل الله: {ولاَ تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُمْ عَن سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟ أبأمّة انقرض ذكورها حتى خرج إناثها تفتخر ـ أيّها الخطيب؟! ـ أبالخروج من البيت تحكم المرأة بشرع الله؟ أليس في شرع الله قول الله عزّ وجلّ: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الأُولَى}؟! كان عليك أن تقول لهن: ابدأن بأنفسكنّ فحكّمن الشرع، ثم طالبن غيركنّ بذلك بالطريق المشروع. أم أنّ السياسة الوضعيّة لم تترك لك مجالاً ـ أيها الخطيب! ـ ولا لمن افتخرتَ به لتفكّروا في حدود الشرع؟
لقد خرجت عائشة رضي الله عنها يوم الجمل فلم يحمدها عليه الصّحابة ولا هي حمدت فعلها، فقد قال ابن حجر: " وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال: قال عماربن ياسر لعائشة لمّا فرغوا من الجمل: " ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم يشير إلى قوله تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ}، فقالت: أبو اليقظان؟ قال: نعم! قالت: والله! إنّك ما علمتُ لقوّالٌ بالحق، قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك ".
قلت: أما بلغكَ أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تبكي على خروجها هذا بكاء شديدا؟ فعن قيس بن حازم قال: لمّا أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا فنبحت الكلاب، فقالت: أيّ ماء هذا؟ قالوا: ماء الحَوْأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراكِ المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إنّ رسول الله e قال لها ذات يوم: » كيف بإحداكنّ تَنْبح عليها كِلاب الحَوْأَب « رواه أحمد وابن حبّان وصحّحه هو والحاكم والذّهبيّ وابن كثير وقال ابن حجر: " وسنده على شرط
الصحيح "، وقال الألبانيّ: " إسناده صحيح جدّا "
فتأمّل قوله: " فيراكِ المسلمون فيصلح الله ذات بينهم "، وما بين هذه النيّة ونيّة المتظاهرات في أن يراهنّ النّاس فيتشجّع بهنّ المؤمنون ويتصاغر المجرمون في زعمهنّ، مع الفرق الواضح بين فعل عائشة هذا الذي لم تبتغ به سوى الإصلاح بين أبنائها المؤمنين وحقن دمائهم، وبين فعل المتظاهرات الداخلات في السياسة.
وقال الزيلعي: " وقد أظهرتْ عائشة الندم، كما أخرجه ابن عبد البر في كتاب »الاستيعاب « عن ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق قال: قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن! ما مَنعَك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيتُ رجلا غلب عليكِ ـ يعني ابن الزبير ـ فقالت: أمَا والله لو نهيتني ما خرجْتُ ".
قال الذهبي: " وذكره، ثم ذكر رواية أخرى منه فيها أن خروجها هذا جعلها تعدل عن تَحديث نفسها بالدفن في حجرتها كما كانت تأمل، فعن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: قالت عائشة وكانت تُحَدِّث نفسها أن تُدفن في بيتها، فقالت: " إني أَحْدَثتُ بعد رسول الله حَدَثاً، ادفنوني مع أزواجه، فدُفِنَت بالبقيع رضي الله عنها ".
قال الذهبي: " قلت: تعني بالحدَث مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمَت ندامة كلية وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متَأوِّلة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبدالله والزبير بن العوام وجماعة من الكبار، رضي الله عن الجميع ".
ولا تنس أنّ عائشة أمٌّ للمؤمنين جميعا، فأين هؤلاء منها، ولذلك روى البخاريّ عن أبي مريم عبد الله بن زياد الأسديّ قال: " لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدِما علينا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه، فسمعت عمّارا يقول: إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، والله إنّها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة، ولكنّ الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلمَ إيّاه تطيعون أم هي؟ ".
ورحم الله زمانا كان أهله يستنبطون حكم الله في المسائل السياسية بمجرد دخول النساء فيها ويجزمون بفسادها ولو كان فيها أمّ المؤمنين، فقد روى البخاري أيضا عن أبي بكرة قال: " لقد نفعني الله بكلمة سمعتُها من رسول الله ، أيام الجمل بعد ما كدتُ أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسولَ الله أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال:» لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة «.
فكيف يزعم سفر الحوالي في شريط رقم (185) من 187 \شرح العقيدة الطحاوية « أنّ المظاهرة النسوية أسلوب من أساليب الدعوة والتأثير؟! وهذا سلمان يُسَرُّ بخروج النساء للمظاهرة فيقول في شريط » للنساء فقط «: " إننا سمعنا في البلاد الأخرى أخبارا سارة على العودة الصادقة ـ خاصة في أوساط الفتيات ـ إلى الله تعالى، كل الناس سمعوا بالمظاهرة الصاخبة في الجزائر، وقادتها مجموعة من النساء، وبلغ العدد فيها ما يزيد على مئات الألوف ".
وتالله إن أمر هؤلاء لعجب! مَن كان يتصور أن جزيرة العرب ـ بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ سوف تلد أمثال هؤلاء؟! أبعد حياة العفة التي حافظ عليها مسلموها يجيء سفر وسلمان والقرني إلى النساء ليخرجوهن من بيت عزهن تكثرا بهن وتقوِّيا بالقوارير؟! سفر يبيِّن الأثر العميق في خروج المرأة للمظاهرة! والقرني يؤكده بالقَسَم!! وسلمان يهيِّجها لتصبر على الدبابات!!! يا له من دين غريب!
شبهتان والرد عليهما
الأولى: كثيرا ما نلقى بعض المخلصين لدعوة الإسلام، المشاركين المسلمين أحزانهم إذا أبلغناهم حقيقة الدعوة بالجزائر، يصابون بيأس وصدمة حتى ينقدح في نفوس ضعاف الأخلاق منهم أنّ بياننا هذا تعويق لمسار الدعوة وتعطيل للجهاد، أو خرّجوه مخرج حسد الأقران حتى لا يُتّهموا بالعناد، خاصة وأنّ كلمتهم وكلمة دعاتهم التي بيّنا مخالفتها للشرع والواقع قد طارت في الآفاق، ولا تتحمّل صدورهم تخطئتهم لأنّ ذلك إضعافٌ لمِصداقيتهم السياسية وتشكيك في الدّعاية لهم بالفطنة وسعة الاطّلاع على أحوال المسلمين، فيقولون ـ إمّا مجاملة لنا أو بعد أن لم يكن بدّ من تصديق أخبارنـا ـ: " على كل حال أنتم ترون أنّ وقت الجهاد لم يحِن بعد، وغيركم يخالفكم في ذلك، والمسألة اجتهادية، فلا معنى لأن ينكر بعضكم على بعض لأنّ
من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر، والعدوّ لا يرضى منكم إلا
بالخلاف ... "، وغيره من زخرف القول الذي يجهضون به النصيحة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. وأحسن الظنّ بهم أنهم ـ مع إخلاصهم إن شاء الله ـ يعيشون اضطرابا في منهجهم الدّعويّ؛ أيّ إخلاص مع جهل بالطريق الإصلاحي الذي سلكه رسول الله e، وإلا فلو عرفوا شروط الجهاد، وضمّوا لإخلاصهم متابعة الرسول بعد معرفتها لانكشف عنهم كثير من الغبش، ولكان عمدتهم خطوات الرسول لا التخمينات والتجارب والنتائج المتخيّلة.
فنقول أولا: كيف جعلتم دماء المسلمين ودعوة الإسلام في مختبر تجربة طلبة العلم؟ وبأيّ شرع سوّغتم لهم الاجتهاد؟ كلاّ! لا يكون الاجتهاد في المقامرة بأرواح المسلمين والمغامرة بدعوة الإسلام.
ثم هاك ثانيا الجواب العلمي المفصّل: قال الشافعي ـ رحمه الله ـ: " ومن تكلف ما جهل وما لم تُثْبِته معرفته كانت موافقته للصّواب ـ إن وافقه من حيث لا يعرفه ـ غير محمودة والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطإ والصّواب "، وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " فإنّ من النّاس من يكون عنده نوع من الدين مع جهل عظيم، فهؤلاء يتكلم أحدهم بلا علم فيخطئ، ويخبر عن الأمور بخلاف ما هي عليه خبرا غير مطابق، ومن تكلم في الدين بغير الاجتهاد المسوّغ له الكلامَ وأخطأ فإنّه كاذب آثم كما قاله النبيّ e في الحديث الذي في السنن عن بريدة عن النبي e أنّه قال: » القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، رجل قضى على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة « ثم قال في الرجل الأول: فهو الذي يجهل وإن لم يتعمّد خلاف الحق فهو في النار، بخلاف المجتهد الذي قال فيه النبي :
(( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر ))، فهذا الذي جعل له أجرا مع خطئه؛ لأنّه اجتهد فاتّقى الله ما استطاع، بخلاف من قضى بما ليس له به علم وتكلم بدون الاجتهاد المسوِّغ له الكلام، فإنّ هذا كما في الحديث عن ابن عباس عن النبيّ أنّه قال: » من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار « وفي رواية: » من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، ومن أخطأ فليتبوّأ مقعده من النار«، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ e أنّه قال: » إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من النّاس ولكنّه يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا «، وفي رواية للبخاري: » فأفتوا برأيهم «. وهذا بخلاف المجتهد الذي اتّقى الله ما استطاع، وابتغى طلب العلم بحسب الإمكان، وتكلم ابتغاء وجه الله، وعلم رجحان دليل على دليل فقال بموجب الرّاجح، فهذا مطيع لله مأجور أجرين إن أصاب، وإن أخطأ أجرا واحدا ... والمقصود أنّ من تكلم بلا علم يسوغ وقال غير الحق فإنّه يسمّى كاذبا ... ويطلق عليه الكذب، كما قال النبيّ : »كذب أبو السّنابل « ومثل هذا كثير ".
قلت: جاء بالإسناد الصحيح بعد حديث: » القضاة ثلاثة ... « قول قتادة: فقلت لأبي العالية: " ما بال هذا الذي اجتهد رأيه في الحق فأخطأ؟ قال: لو شاء لم يجلس يقضي وهو لا يحسن يقضي "، وعند البغوي: " ذنبه ألاّ يكون قاضيا إذا لم يعلم "، قال البيهقي: " تفسير أبي العالية على من لم يحسن يقضي دليل على أنّ الخبر ورد فيمن اجتهد رأيه وهو من غير أهل الاجتهاد، فإن كان من أهل الاجتهاد فأخطأ فيما يسوغ فيه الاجتهاد رُفع عنه خطؤه إن شاء الله بحكم النّبيّ e في حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة
رضي الله عنهما وذلك يرد وبالله التّوفيق ".
يريد هنا حديث : » إذا اجتهد الحاكم ... «. وقال البغويّ: " قوله :
» اجتهد فأخطأ فهو في النار «، أراد به إذا كان اجتهاده على غير علم، فأما من كان من أهل الاجتهاد ففرضه الاجتهاد فيما يعنّ له من الحوادث، والخطأ فيه عنه موضوع ).
وبعد، فهل آن لإخواننا المجتهدين اليوم في السياسة ـ بغير الاجتهاد المسوِّغ لهم ذلك ـ أن يعتبروا فيتأنّوا ويتنحّوا ويعطوا القوس باريها؟
فإن قالوا: هذا الكلام منصبّ على غيرنا لأنّنا لم نتكلم في واقع أمّة إلا بعد الإحاطة به، ألا ترون أنّ أخبارنا جديدة وأنّ متابعتنا لوسائل الإعلام شديدة؟!.
قلنا: لئن زعمتم أنّ وسائل الإعلام مغنيتكم شيئا من الحق لقد أخطأتم مرّتين:
الأولى: هذا دليل غفلة شديدة إذ كيف يتصور مسلم أنّ عدوّه يأتيه بنبأ يقين؟ وتتبّعكم لأخباره متصورينه موضوعيا، وبناؤكم الأحكام عليه دليل على أنكم لا تفقهون من واقع عدوّكم شيئا.
الثانية: لا يمحّص الأخبار ويَحْكم عليها بما تستحق من صحّة أو ضعف إلا أهل الحديث أو من أمسك بغربالهم، وقد رأيناكم لا تفعلون شيئا من ذلك، بل أعماركم في تتبُّعها تضيع، وتُدوَّن فتاواكم فيها ويوم القيامة تَشِيع، قال سبحانه: {ستُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ويُسْئَلُون}، ثم أيضا قد دلَّت التجربة على أن خطأكم في نقل الواقع أكثر من إصابتكم، كما بيَّنتُه لكم في رقعة واحدة من العالم الإسلامي فقط، فكيف لو تتبَّعناكم في غيرها وأنتم لا تتورَّعون عن الخوض في أخبار العالم بأسره! وقد قيل: " من ثمارهم تَعرِفونهم "، وقد تبيَّنا خطورة مسلككم هذا حين وجدناكم وراء كل فتنة، مغرِّرين بأهلها بتسميتها جهادا، ونهايتها سحق الدعوة الإسلامية.
الشبهة الثانية: فإن قيل: إذا كان لا يفتي في الأحكام السلطانية أو ما يسمّى بالقضايا السياسية إلا عالم متبحّر، فكيف يُعرف، وهل يَعرف نفسه أنّه كذلك؟
الجواب: كما اصطفى الله تعالى من البشر رجالا فجعلهم مرجع النّاس فقال: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}، فإنّ الرسول ـ أيضا ـ قد اصطفى لنا قدوتنا في العلم والتّقوى حين قال: » خيرُ النّاس قَرْنِي، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونهم ... « متفق عليه.
ولا يزال أهل العلم من هؤلاء يزكّون من يجئ من بعدهم، وما أظنّ أنّ ما يسمّى بـ( الإجازة ) يخفى عليكم؛ فإنّه لحفظ هذا الدين من أن يقول فيه مَن شاء ما شاء، قد درج أهل العلم على إجازة النابغين من تلامذتهم، إما إجازةً خاصةً، وإمّا عامةً، إمّا في فنٍّ، وإمّا في أكثر، وقد قال الإمام مالك ـ رحمه
الله ـ: " ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أنّي أهل لذلك "، وقال: " لا ينبغي لرجل أن يَرَى نفسَه أهلاً لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه ".
وينبغي أن يراعى دقّة التّعبير في هذه الإجازات؛ فإنّ تزكية امرىء بالتّقوى لا تغنيه كبير شيء في التّبليغ عن دين الله تعالى، كما أنّ تزكيته بالعلم عموماً وبإجمال لا تغنيه كثيراً في فقه النوازل، وقد قال ابن سيرين: " إنّ هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم " رواه مسلم في مقدمة » الصحيح «.
قال ابن رشد في شروط من يتصدى للفتوى في النوازل:
ـ " أن يراه الناس ( أي العلماء كما سيأتي في كلام الشاطبي ) أهلاً لذلك.
ـ الثاني: أن يرى نفسه قد جمع شروط الاجتهاد.
فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال مع العدالة والخير والدين صحَّ استفتاؤه فيما يَنزل من الأحكام ... ".
وأوضح هذا الشاطبيُّ بأبدع بيان حيث قال: " والعالِم إذا لم يَشْهَد له العلماءُ فهو في الحكم باقٍ علىالأصل مِن عدَم العلم حتى يَشْهَد فيه غيره، ويَعْلَم مِن نفسه ما شُهِد له به، وإلا فهو على يقين من عدَم العلم أو على شكّ، فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين على الإحجام لا يكون إلا باتباع الهوى؛ إذ كان ينبغي له أن يَستفتي في نفسه غيره، ولم يَفعل! وكان من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدِّمه غيره، ولم يَفعل! ".
قال الألباني في المصدر السابق: " هذه نصيحة الإمام الشاطبي إلى
( العالِم ) الذي بإمكانه أن يتقدّم إلى الناس بشيء من العلم، ينصحه بأن لا يتقدّم حتى يَشهد له العلماءُ، خشيةَ أن يكون مِن أهل الأهواء، فماذا كان ينصح ـ يا تُرى ـ لو رأى بعض هؤلاء المتعلِّقين بهذا العلم في زمننا هذا؟! لا شكّ أنه كان يقول له: ( ليس هذا عُشّكِ فادرجي )، فهل من معتبر؟! وإني ـ والله! ـ لأخشى على هذا البعض أن يَشملهم قوله : (( ينزع عقول ذلك الزمان، ويخلف لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء!! )).

يتبع
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 23 Jul 2010, 11:34 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: " من أفتى النّاس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص، ومن أقرّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم عاص. وقال أبو الفرج ابن الجوزي: ويلزم وليّ الأمر منعهم كما فعل بنو أميّة، وهؤلاء بمنزلة من يدلّ الرّكب وليس له علم بالطريق، وبمنزلة من لا معرفة له بالطّب وهو يُطبُّ النّاس، بل هؤلاء أسوأ حالا من هؤلاء كلهم. وإذا تعيّن فعلى وليّ الأمر منع من لم يحسن التّطبّب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنّة ولم يتفقّه في الدين. قال: وكان شيخنا ( أي ابن تيمية ) شديد الإنكار على هؤلاء فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجُعلت محتسبا على الفتوى؟ فقلت له: يكون على الخبّازين والطبّاخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟! "
‏دعوة: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}
وبعد هذا كله أدعو الدكتور سفر الحوالي وسلمان العودة ومن هو على منهجهما أن يدَعُوا الإفتاء في النّوازل، و بتعبير أبين لبني عصرنا: أن يدَعُوا الإفتاء في القضايا السياسية لأهلها، وقد سمّينا لكم في غضون هذا البحث بعضهم كالشيخ الألبانيّ والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الفوزان وغيرهم ـ حفظهم الله ـ؛ لأنّه لا معنى لدخولكم في هذا الأمر وهيئة كبار العلماء بين أظهركم، ثم " إنّ أحدكم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطّاب لجمع لها أهل بدر".
وقد بان لكم إن شاء الله أنكم تحدّثون بكل شيء ممّا أوقعكم في الإخبار بخلاف الواقع، ومنها التّحليل على غير مراد الشارع، وقد قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ لابن وهب: " اعلم أنّه ليس يسلم رجل حدّث بكل ما سمع، ولا يكون إماما أبدا وهو يحدّث بكل ما سمع"، رواه مسلم.
خاصة وليس لكم إجازة من قِبل هيئة كبار العلماء للتّكلم في هذه القضايا، بل قد نَهَوْكم عنها صراحة وعلى رأسهم العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز ـ حفظه الله ـ كما في هذا البيان الآتي، وقد صوّرته كما هو:
هذه صورة الوثيقة التي فيها بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في توقيف سفر الحوالي وسلمان العودة
وأنصح إخواننا السّلفيّين ألاّ يوسّعوا الرقعة ويبعدوا الشقّة، فتضيق صدورهم بالخلاف الفقهي خاصة منه السياسي بين من سمّيت من العلماء السّلفيّين؛ لأنّ الاختلاف سنّة الله في خلقه، وقد كان مثله بين الصّحابة فلم يضرّهم؛ لأنهم أحسنوا استقباله فلم يطمع فيهم عدوّ. وأما أن يلقّبكم المبتدعة اليوم بالبازييّن وإخوانكم بالألبانيّين، وفيكم سمّاعون لهم، فلا غَرْو أن تنتشر بينكم الفرقة، فاحذروا رحمكم الله، فإنّه لا يزال هؤلاء المشايخ يزكّي بعضهم بعضا بلسان صدق إن شاء الله، ومناقبهم قد ملأت الآفاق. لكن قوما لم تهنأ أفئدتهم بمحبتهم، يسعون جاهدين لصرف وجوهكم عنهم، وأنا أُبيِّن لكم أمارتهم، فإنكم تجدون مَن يثير بعض الخلاف الفقهي بين الشيخين الألباني وابن باز، وقد تكون مسألة القبض بعد الرفع من الركوع! ـ فإنهم في مثلها لا يُفَرِّطون مهما دقّت ـ فيُسقِطون إحدى الجهتين: إما جهة الألباني بزعم الجهل بالفقه، وإما جهة ابن باز بزعم الجهل بالحديث، وبقي أن يُجَنِّدوا للجهة الأخرى من الشباب مَن يتهمها بالجهل بالواقع وعدم النضج السياسي! فيُسقطون الجميع ليَخلو لهم وجه الناشئة، والله حسيبهم. وآخرون يتربَّصون بالعلماء ريْب المَنُون، لا يدركون أن مستقبلهم بعدهم غير مأمون؛ لأن هؤلاء العلماء هم بقية السلف، يذهبون ويَتركون أحزاب الشباب يتامى بين هرْج وتلف، قد أنهكهم اختلاف الآراء، وتراجموا بها تراجم الصبيان بالحصباء، والله المستعان على ذلك اليوم.
فلذا أقول في خاتمة هذه الكلمة: لو لم يكن من جني بحثي إلا أنّني حبّبت إليكم أهل العلم لكفاني ذخرا عند ربّي U الذي قال: {وأَمَّا بِنِعْمَة رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
الواجب اليوم
أعقد هذا الفصل ليعلم أولئك الذين سمّيتُ في هذه الدعوة، بما ينبغي أن يَشغلوا به هذه الثروة الهائلة من شباب دعوة الإسلام.
وأنقل إليكم كلمات من غرر الحكم عن ابن القيم وعبد الرحمن السعدي
ـ رحمهما الله ـ وأرجو أن تتأمّلوها جيّدا، بارك الله فيكم.
إصلاح الوقت لإصلاح الحال:
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في فصل » كيف تُصْلِحُ حَالَكَ؟ «: " هَلُمَّ إلى الدّخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نَصَب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطّرق وأسهلها، وذلك أنك في وقت بين وقتين، وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والنّدم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاقّ، إنما هو عمل القلب ".
قلت: ما مضى من وقتك في معصية الله يمكنك استرجاعه، مهما قيل
" الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك "، وهي حكمة صحيحة إلا أنّ الله استثنى منها التّائبين، فمهما ضيّعوا من وقت في زنى، بل في قتل، بل في شرك، فإنّ من تاب منها استدرك وقته ليس صحيفة بيضاء فحسب، بل قد كتب عليها الحسنات بدل السيّئات كأنّ وقته قد عُمِّر بها، والله لا يعجزه شيء وهو القائل: {والَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَــهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
وقال: " وتمتنع فيما يُستقبل من الذّنوب، وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملا بالجوارح يشقّ عليك معاناته، وإنما هو عزم ونيّة جازمة تريح بدنك وقلبك وسرّك، فما مضى تصلحه بالتوبة، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنيّة ".
قلت: وبهذا يتبيّن لك سرّ اقتران التوبة بالاستغفار في مثل قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى اللهِ ويَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
فالاستغفار على معنى ترك ما مضى، والتوبة على معنى عدم الإصرار في المستقبل، وقد جمع الله بينهما في آية واحدة فقال: {والَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
قال ـ رحمه الله ـ: " وليس للجوارح في هذين نصبٌ ولا تعبٌ،ولكنّ الشأن في عمرك، وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذُكر نجوت وفزت بالرّاحة واللّذة والنّعيم ".
قلت: وهذا يدلّك على سرّ اشتراط الله تعالى الإصلاح مع التوبة التي إذا أُطلقت دخل فيها الاستغفار، كقوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وكقوله: {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فالإصلاح حينئذ يكون على معنى إصلاح الوقت الحاضر، وقد قيل:
ما مضى حُلْم و المؤمَّل غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها
وهذا يُبيِّن لك وجه ذكر ( الإصلاح ) بعد آيات التوبة، والله أعلم.
قال ـ رحمه الله ـ: " وحفظه أشقّ من إصلاح ما قبله وما بعده، فإنّ حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها، و أعظم تحصيلا لسعادتها، وفي هذا تفاوت النّاس أعظم تفاوت، فهي والله أيّامك الخالية التي تجمع فيها الزّاد لمعادك، إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار ... ".
قلت: من تدبّر القرآن وجد دعوته لا تخرج عن هذه الأوقات الثّلاثة، قال الله تعالى: {الـــر . كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ اللهَ إنَّنِي لَكُم مِنْهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ. وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيُهِ}، أي إنما أَحْكَم اللهُ كتابَه وفصّله لتعبدوه في هذه الأوقات الثلاثة بما أَمر.
فقوله: {أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ اللهَ} لعبادة الوقت الحاضر؛ إذ التّوحيد أنفع وأصلح وأولى الطّاعات، وألزمُها مصاحَبةً لصاحبه.
وقوله: {وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم} للماضي.
وقوله: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} للمستقبل).
وسبب التّركيز ههنا على التّوحيد لإصلاح الحاضر أمران:
الأول: أنّه لا يجوز أن يخلو وقت من الاهتمام به، وهو الجامع لتوحيد الرّبوبيّة وتوحيد الألوهيّة وتوحيد الأسماء والصّفات.
الثاني: أنّه أصل كل عمل صالح؛ ألا ترى أنّ الأعمال الصّالحة من مكمّلاته الواجبة أو المستحبّة؟! ولذلك كان أوّل شيء دعا إليه الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام؛ لأن من رسَخ التّوحيدُ في قلبه ظهرت بشاشتُه على سائر جوارحه، وأنبتت شجرتُه أطيبَ الثّمار كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ويَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون}.
وهذه الدعوة الثلاثية تكرّرت في السّورة نفسها عدّة مرّات، قال الله تعالى: {وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} إلى أن قال: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا ربَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}.
وقال: {وَإِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرْضِ وِاسْتَعْمَرُكْم ِفيَها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}.
وقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} إلى أن قال: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
وعن أبي سعيد الخدري t أنّ نبيّ الله قال: » كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلّ على راهب، فأتاه فقال: إنّه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا! فقتله فكمّل به مائة! ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلّ على رجل عالم، فقال: إنّه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم! ومَن يَحُول بينه وبين التوبة؟ فانطلِقْ إلى أرض كذا وكذا؛ فإنّ بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنّها أرض سوء، فانطلقَ حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مُقْبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قطّ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم ـ أي حَكَماً ـ فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة « متفق عليه.
في هذه القصة يظهر جليًّا إصلاحُ هذا الرجل للأوقات الثلاثة، فبعد أن تاب من ماضيه، وعزم على التوبة في مستقبله، اشتغل بما يُصْلِح حاضرَه فوراً، ألا وهو الهجرة من دار الفساد ولم يترك لطول الأمل مجالاً، ولذلك لم تجد له الملائكة من عمل صالح إلا هجرته هذه، ولما كانت هي عبادةَ الوقت غُفر له؛ لأنّ التزامه بها دليل على الإخلاص للحق جلّ وعلا، ومنه يظهر أنه كان موحِّداً.
وعن البراء قال: أتى النبيَّ رجلٌ مقَنَّع بالحديد، فقال: يا رسول الله! أقاتل أو أُسْلِم؟ قال: » أَسلِم ثم قاتل «، فأسلم ثم قاتل فقُتِل! فقال رسول الله : » عَمِلَ قليلاً وأُجِر كثيراً « متفق عليه.
و إنما ذكرت هذه القصة هنا لأمرين:
الأول: أنّ النبي لم يقبل منه الجهاد إلا بعد التوحيد، ولكن قَبِل منه جهاده قبل الصلاة.
الثاني: أنّ بعض الناس يستدل به على التهوين من شأن الصلاة والعمل الصالح وأنه ليس شرطا في جهاد المسلمين، وهو صحيح لو أن وقت الصلاة كان دخل مع وقت القتال فقدِّم القتال، وهذا ليس لهم عليه دليل، ويردّه بوضوح تشريع صلاة الخوف وقت المسايفة، وإنما كل ما في الأمر أن وقت عبادة الجهاد كان قد دخل، وأما وقت عبادة الصلاة فلم يحِن بعد، فأُمِر أن يشغل وقته بعبادته المناسبة. ولمّا كان التوحيد عبادة كل وقت لم يأذن له النبي e في تأخيره، ولذلك كان من ثاقب فهم البخاري ـ رحمه الله ـ أن بوّب له بقوله: " باب: عمل صالح قبل القتال، وقال أبو الدرداء: إنما تقاتلون
بأعمالكم ". فتدبّر هذا تكن من الرّاشدين.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: " وله عليه ( أي لله على العبد ) في كل وقت من أوقاته عبودية تقدِّمه إليه وتقرِّبه منه، فإن شغَل وقته بعبودية الوقت تقدَّم إلى ربّه، وإن شغله بهوى أو راحة أو بطالة تأخّر، فالعبد لا يزال في تقدّم أو تأخّر، لا وقوف في الطريق ألبتّة، قال تعالى: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} "، وقال: " فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولابد؛ فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، وإما إلى أمام، وإما إلى وراء ... ما هو إلا مراحل تُطوَى أسرع طيّ إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف ألبتّة، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء ".
قلت: ويدل عليه قول النبيّ : » كلُّ النّاس يَغْدُو؛ فبائعٌ نفسَه:
فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها « رواه مسلم، وفي رواية: (( يا كعب بن عجرة! الناس
غاديان ... )).
قلت: كلُّهم يَغْدُون، فمن لم يبع نفسه لله الذي قال: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}، باعها للشيطان المترصّد؛ وذلك لأنّ الله خلق للإنسان وقتاً، وأمره بعبادات مناسبة لوقته فليست ( الواجبات أكثر من الأوقات ) كما زعم حسن البنا
ومن لم يَعمُر وقته بما أُمر به افترسه الشيطان ولم يمهله، قال الله تعالى: {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ}، قال ابن القيم: " إنّ الشيطان أدركه ولحقه بحيث ظفر به وافترسه، ولهذا قال: {فأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} ولم يقل تَبِعَه؛ فإنّ في معنى {أَتْبَعَهُ} أدركه ولحقه، وهو أبلغ من تبعه لفظاً ومعنًى ".
قلت: تأمّل حسن موضع الفاء بين {انسَلَخَ مِنْهَا} و{أَتْبَعَهُ} لأنّها تفيد ترتيب الإتْبَاع على الانسلاخ بلا مهلة و{لاَ عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَن رَحِمَ}.
هذا في حقّ من شغل وقت الطاعة بالمعصية أو على الأقلّ يقال: ترك الطاعة، بل وحتى في حقّ من شغل وقته بطاعة خالصة لله لكن لم يحن وقتها بعد، ولذلك كان الجهل بما يصلح الوقت من عبادة يحْرِم النّفس زكاتها ورقيّها في درجات الصّلاح، يدلّ عليه آية وحديث:
ـ أما الآية فهي قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} فهؤلاء نُهوا عن القتال وأُمروا بعبادة الصبر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فشغلتهم عبادة الجهاد عن عبادة الصبر، ومن ثم لم يُحْكموا عبادة الصلاة والزكاة، فعوجلوا بعقوبة قلوبهم كما صرّحت الآية.
وأما الحديث فهو ما رواه أحمد والبخاري عن أبي سعيد بن المعلّى t قال: كنت أُصلي، فمرّ بي رسول الله e فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته، فقال: 187 " ما منعك أن تأتي؟ ألم يقل الله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ «.
ما أبلغها من موعظة! عبد يؤخِّر إجابة الرسول مشتغلا بصلاة النافلة يهدَّد بنقصان حياة قلبه؟ فكيف لو كان في لهو ولعب؟ فكيف لو استدرك على الله حين يأمره بالصبر على عدوّه أيام الاستضعاف فلا يستحيي أن يخالفه متظاهرا بحب الجهاد؟!
حكمة ذلك: لعل الحكمة في هذا كله ما أشار إليه الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ حين قال: " يرشد الله عباده من جهة العمل إلى قصر نظرهم على الحالة الحاضرة التي هم فيها ... وهذه القاعدة الجليلة دعا إليها القرآن في آيات عديدة، وهي من أعظم ما يدل على حكمة الله، ومن أعظم ما يرقي العالمين إلى كل خير ديني ودنيوي، فإنّ العامل إذا اشتغل بعمله الذي هو وظيفة وقته، قصر فكره وظاهره وباطنه عليه فينجح، ويتمّ له الأمر بحسب حاله، وإن تشوّقت نفسه إلى أعمال أخرى لم يحن وقتها بعد، شُغل بها ثم استبعد حصولها ففترت عزيمته، وانحلّت همّته، وصار نظره إلى الأعمال الأخرى كليلا، يُنقص من إتقان عمله الحاضر وجَمْع الهمّة عليه، ثم إذا جاءت وظيفة العمل الآخر جاءه وقد ضعفت همّته وقلّ نشاطه ".
قلت: ومنه قول الله عزّ وجلّ: {وَمِنْهُم مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَانَا مِن فِضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ولَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا ءَاتَاهُم مِن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وتَوَلَّوْا وهُم مُعْرِضُونَ. فأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
وقال أيضا: " وربما كان الثاني متوقفاً على الأول في حصوله أو تكميله، فيفوت الأول والثاني ".
قلت: ومنه قوله تعالى: {ويَقُولُ الَّذِينَ ءَاَمنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ} أي تأمر بالقتال، قال: {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وذُكِرَ فِيهَا القِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ. فَأَوْلَى لَهُمْ. طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ. فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ. فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا في الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
فتدبّر كيف كان عاقبة السيّئة السوأى؛ إذ تولّوا عن القناعة بأمر الله لهم بالصلاة و الزكاة، وطمحت نفوسهم إلى جهاد عدوّهم قبل أن يُكتب عليهم، فلمّا كتب عليهم الجهاد تولّوا، فأصابتهم لعنة الله لأنّ ذلك الطموح كان حماسة عجول، أو دفاع منتقم، أو استشفاء متغيّظ متحرّف لقتال متحيّز إلى نفسه، إلى غير ذلك مما ترشح به قلوب الحركات الإسلامية اليوم. ولذا ترى المسلمين اليوم ـ على وعيهم الكبير لما يدور حولهم ويُدبَّر لهم فيما يقال ـ لا ينقطع سؤالهم عن سبب تأخر صلاح المشتغلين بالدعوة، وقد يكونون ذوي نشاط وتنظيم كبيرين، في حين يقرأون عن الصحابة سيرة شبيهة بالخيال في عالم الكمال، وهم لا يتنبّهون إلى هذه القاعدة الجليلة ألا وهي: اشتراك جلّ الحركات الإسلامية في الاشتغال بما لايعنيهم في حاضرهم هذا، ألا وهو السياسة، والبحث عن قتال الأعداء، وهم لم يحاربوا أنفسهم العادية، فهل تراهم خلَّصوا مجتمعاتهم بل وأنفسهم من الشركيات؟ وهل عرفوا ربهم كما عرفه السلف من غير تحريف للأسماء والصفات؟ وهل ترى مساجدهم مكتظة بأهلها في صلاة الفجر عند تنزل الملائكة من السموات؟ فإن الله يقول:{إنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ...}. وصدق رسول الله إذ يقول:» مِن حُسْنِ إسلام المرء تَرْكُه ما لا يَعْنِيه « رواه التّرمذيّ وهو حسن. فلن يحسن إسلامنا ما أقمنا على ما لا يعنينا في وقتنا هذا
ومن أسرار الكتاب العزيز أن تُرتَّبَ هذه الآيات على آية فيها الأمر بإصلاح الوقت الحاضر بالتّوحيد، وإصلاح الماضي والمستقبل بالاستغفار وذلك قول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِين وَالمُؤْمِنَاتِ}.
وما أحسن خاتمتها حين قال سبحانه: {وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ ومَثْوَاكُمْ}!
وينبّه الله تعالى على ما في هذا المنهج من ثبات على الدين فيقول: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} أي بمقاتلة العدوّ، {أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُمْ} أي بالهجرة من الأوطان الحبيبة، قال: {مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ}!
ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}، فأخبر سبحانه أنّ ترك الاشتغال بمجاهدة العدوّ بالسّيف وتعويضه بمجاهدة النّفس في ذلك الوقت هو أشدّ ما يثَبِّت على هذا الدين، وإلا فقد قال الحسن ـ رحمه
الله ـ: " من علامة إعراض الله عن عبده أن يجعل شغله فيما لا يعنيه ".
العبادة الفضلى
سرّ المسألة يتمثل في معرفة العبادة الفضلى التي يركَّز عليها وتستوعب وقت المرء، وحول هذا جدل معروف لست بصدده، وإنما أذكر ما أعتقده حقيقا بالتّحقيق ناقلا عن ابن القيم ـ رحمه الله ـ قوله: " من لم يكن وقته لله وبالله فالموت خير له من الحياة، وإذا كان العبد وهو في الصلاة، ليس له من صلاته إلا ما عقَل منها، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله ولله ".
قلت: أما أن يكون الوقت لله فهو استنفاد العمر في العبادة على تنوعها حتى لا يكون للشيطان منه نصيب، ومن فعله فقد حقق قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
وأما أن يكون الوقت بالله فهو ألا تشغل وقتك إلا بعبادة تناسبه، تستوحيها من الشرع الحنيف، ومن فَعَله فقد حقق قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال ابن القيم: " أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته "
فأفضلها عند جهاد العدوّ جهاده، ولو آل ذلك إلى ترك قيام اللّيل وصيام النهار، قال الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ. عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَرْضَى وءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}.
وأفضلها عند نزول الضيف القيام بحقه لقول النبيّ :" إنّ لزَوْرك عليك حقّا « رواه مسلم.
وأفضلها عند سماع الأذان أن تَترك ما أنت فيه من ذكر، وأن تجيب المؤذّن لقول النبيّ : » إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول « الخ .. الحديث الذي رواه مسلم.
وأفضلها عند أوقات الصلوات المبادرة إلى الجامع والنصح في أدائها على أكمل وجه لقول الله تعالى: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}.
وأفضلها عند السَّحَر تلاوة القرآن والدعاء والاستغفار والصلاة لقول الله تعالى: {يَتْلُون ءَايَاتِ اللهِ ءَانَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} ولقوله: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وأفضلها عند ضرورة المحتاج إغاثته بالجاه أو البدن أو المال لقول النبيّ :» أطعموا الجائع، وعُودُوا المريض، وفُكُّوا العاني « رواه البخاري.
وأفضلها عند لقاء أخيك التسليم عليه ولو أدى إلى قطع الذّكر، وأفضلها عند مرضه أو موته عيادته وتشييع جنازته لقول النبيّ : » حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام وعيادة المريض واتّباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس « متفق عليه.
وأفضلها عند أذاة الناس لك أداء واجب الصبر، مع خلطتك لمجتمعهم دون الهرب منه لقول النبيّ : » المؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم « رواه ابن ماجه وهو حسن، هذا في أذيّة نفسك، أما إذا خفتَ منهم على دينك فأفضل العبادة اعتزالهم، إذ خُلْطَتهم في الشر شر، ودين المرء رأس ماله، لقول النبيّ :
» كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيتَ في حُثالة من النّاس مَرَجَت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا « وشبّك بين أصابعه، قال: قلت: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: » عليك بخاصة نفسك ودع عنك عوامهم « رواه ابن حبّان وهو صحيح.


يتبع
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 23 Jul 2010, 11:37 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

تعمّدت ذكر هذه الأمثلة بأدلّتها من الكتاب والسنة لسببين:
الأول: أنّ تنوّع العبادات تابع لأدلة الوحيين لا غير.
الثاني: أنّ انتقال العبد من عبادة إلى أخرى بحسب وقت كل منها دليل على أنّه عبد حقيقيّ لله، لأنّه لا يتحرك بهواه ولا بنتاج عقله ولا بعادة قومه، وإنما يقوم ويقعد بالله، فهو: " صاحب تعبّد مطلق، ليس له غرض في تعبّد بعينه، يُؤْثره على غيره، بل غرضه تتبّع مرضاة الله تعالى أين كانت ... فهو لا يزال متنقّلا في منازل العبودية ... فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العبّاد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذّاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدّقين المحسنين رأيته معهم ... فهذا هو العبد المطلق، لم يكن عمله على مراد نفسه وما فيها لذّتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربّه، ولو كانت راحة نفسه ولذّتها في سواه، فهذا هو المتحقق بـ {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حقًّا، القائم بها صِدقاً، ملبسه ما تهيّأ، ومأكله ما تيسّر، واشتغاله بما أَمر الله به في كل وقت بوقته، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خالياً ... حر مجرّد، دائر مع الأمر حيث دار، يدين بدين الآمر أنّى توجهت ركائبُه، و يدور معه حيث استقلّت مضاربُه، يأنس به كل محقّ، و يستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنّخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله، والغضب إذا انتهكت محارم الله، فهو لله وبالله ومع الله، قد صحب الله بلا خَلق، وصحب الناس بلا نفس، بل إذا كان مع الله عزل الخلْق عن البين، وتخلّى عنهم، فواهًا له ما أغربه بين الناس! وما أشد وحشته منهم! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته وسكونه إليه! والله المستعان، وعليه التكلان ".
الصدق في الطاعة
قد يبدو النّاس كثيرين في طاعة الله، خاصة عند أول الحماسة، وإذا حقّت الحقائق وابتلي المؤمنون تميّز النفيس من الخسيس، وبان من هو على الطاعة حريص ممن هو في الصف دسيس، وكم هم الذين استعاروا ثوب السلفية، فإذا رأوا من المهرّجين الضعفاء من يحكي صولة الأسد، جاؤوه هرعين قد نفضوا أيديهم من التصفية والتربية، وحدثاء الأسنان في غرّة شبابهم يُوعَدُون ويُمَنَّوْن زورا، {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}.
وحرف المسألة: في الصدق، و تالله ما أُتِيت الحركات الإسلامية اليوم إلا من جهة عدم صدق معظمها في إظهار الطاعة وحب التحاكم إلى الكتاب والسنة؛ ألا ترى أنهم يؤمرون من قبل علماء السلفية بالصبر والتحمل وعدم استعداء الأعداء عليهم بالتّهييج السياسي وتتلى عليهم الآيات البيّنات والأحاديث الصحيحات فيأبون إلا تحكيم عواطفهم؟! كما فعل أشياعهم من قبل؛ محتجّين بشمولية الإسلام لكل جوانب الحياة، مع أنهم ـ في حقيقة أمرهم ـ قد حصروا الإسلام في دائرة الحكم، وإذا وصلوا إلى الحكم فلا إسلام! ومحتجين بأنّ الجهاد بالسيف من الدين، غاضّين الطرف عن أننا مطالبون باتباع أحسن ما أنزل من الدين، وليس في ذلك اتباع لمسلك الذين جعلوا القرآن عضين، أليس من تنزيل رب العالمين قوله: {واتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}؟! وقوله: {الَّذِين يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُلُو الأَلْبَابِ}؟! وقوله: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}.
والقتال إذا لم يَحِن وقته فليس أحسن ما أُنزل وإن كان مما أُنزل ولا شك، ولهذا حذّر الله تعالى الفئة المؤمنة الأولى من استعجال القتال فقال: {ويَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وذُكِرَ فِيهَا القِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ}، ثم نبّه على أنّ مشكلة المستعجلين في تنكّبهم الطاعة الحاضرة فقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}، ثم نبّه على أن حرف المشكلة في الصدق، فقال سبحانه: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُم}؛ لأنه أَثبت للمرء على الحق، ولذلك قال الله تعالى: {وبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}.
وسر إضافة القَدَم إلى الصدق أمران:
الأول: أنّه دليل على الثبات، إذ يعبَّر عنه بثبات القدم؛ لأنّه لا يثبت إلا قائم على قدميه.
الثاني: أنّه دليل على السير الحثيث إلى الله من غير التفات إلى المعوقات؛ لأنّ السير لا يكون إلا بالقدم، كما يعبَّر عن النعمة باليد؛ لأنها المعطية وعن الثناء باللسان
فدلَّ هذا كله على أن الثبات على الدين والسبق إلى ربِّ العالمين إنما هما بالصدق في الطاعة
فعاد الأمر حينئذ إلى القلب؛ لأنه وعاء الصدق، قال ابن القيم عند قوله تعالى: {واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ}: " وفي الآية قول آخر أن المعنى أنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيةٌ؛ فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواقدي عن قتادة، وكان هذا أنسب بالسياق؛ لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب؛ فإن الله سبحانه بين العبد وبين قلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه، وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه ".
روى أبو داود وأحمد بإسناد صحيح عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت؟ قال: اشترطت على النبيّ e أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبيّ بعد ذلك يقول: » سيتصدّقون ويجاهدون إذا أسلموا «\ " قلت: فتأمّل سياسة رسول الله e مع قوم ظهر صدقهم من إخبارهم بتقصيرهم وعدم الغشّ في بيعة الإسلام والطاعة، فلا عجب أن يحسن إسلامهم، وأن يثبّتهم الله مع أبي بكر الصديق في حروب الردّة حين قلّ النصير، واشتد من الحبيب النكير، وأعجب منه ما رُوي عن المغيرة بن شعبة t أنه قال: " فدخلوا في الإسلام، فلا أعلم قوماً من العرب بني أَب ولا قبيلة كانوا أصح إسلاماً ولا أبعد أن يوجد فيهم غشٌّ لله ولكتابه
منهم "
ولهذا كله يظهر لك سر في كتاب الله، حيث أنّ الله تعالى في كل آيات الباب ينبّه عقبها على الصدق في الطاعة بعد آيات الطاعة.
ففي آية النساء عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ..}، بيّن الله تعالى بعدها الطاعة فقال:{مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ومَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، ثم حذّر من عدم الصدق فيها بما أخبر عن المنافقين فقال: {ويَقُولُونُ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ}.
وفي آية سورة محمد بيّن الطاعة بقوله: {طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}، ثم بيّن الصدق فيها فقال: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خُيْراً لَهُمْ}.
وفي الآية الأخرى من سورة النساء بيّن الله الطاعة بقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}، ثم بيّن فضل الصدق فيها فقال: {ومَن يُطِعِ اللهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئكَ رَفِيقاً}، وإنما جعلته على معنى الصدق، لأن الصدق في الطاعة تابع للصّدق في المحبة، كما روى الطبراني في (( الصغير )) بسند قوي لشواهده عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبيّ e فقال: يا رسول الله! إنّك لأحب إليّ من نفسي، وإنك لأحب إليّ من أهلي ومالي، وأحب إليّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظرَ إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعتَ مع النّبيّين، وإنّي إذا دخلت الجنة خشيت ألاّ أراك، فلم يردّ عليه النبيّ شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ} الآية ".
قلت: بأيّ شيء صاروا لهؤلاء المنعَم عليهم رفيقا وهم أضعف منهم إيمانا؟.
الجواب: بالحبّ الصادق الذي في قلوبهم، فعن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبيّ فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحبّ قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال: (( المرء مع من أحبّ )) متفق عليه، وقد قيل:
تعصي الإلهَ وأنت تُظْهِر حبَّه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبُّك صادقا لأطعتـه إنّ المحبّ لمـن يـحبّ مطـيع


الخلاصة
أكثر القراء ـ في زمن الوهن العلمي ـ يخطبون من فهارس الكتب الأخبار، خاصة إذا زيَّنتْها السياسةُ! فبعضهم لا يتمالك عندها حتى لعله لا يعلق بذهنه منها إلا هي! وبعضهم ينثني عن متابعة القراءة؛ لأنه انتقِد له فيها متبوعه، وما أقل من ينتصر للحق قبل الرجال! فكل هؤلاء لا يستفيدون من الخير إن وُجِد في كتابي هذا؛ لأن أخبار الناس عُرفَت أو أُنكرت لا تغيرها {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرآءً ظَاهِراً}.
فأرجو حينئذ من القاريء إمعان النظر في الأصول والقواعد العلمية التي نقلتها عن أهل العلم، والتي منها:
1 ـ أنني بذلت نصحي للمتصدين للدعوة أنه بدلاً من أن يستجيبوا للاستفزازات السياسية، ويُضيِّعوا مواهبهم في المهاوشات الحزبية، فليُعْنَوا بتعظيم الشريعة: تعلُّمًا وتعليمًا؛ حتى يُخرج الله منهم أو من أصلابهم علماء مجتهدين، يكونون على مستوى ما استعجلوه الآن، ليحققوا الأصل الذي من أجله ألَّفت هذا الكتاب، ألا وهو ألاّ يُفتي في النوازل السياسية إلا عالم مجتهد. وما تَغَوُّل سفلة من رجال القانون للتوغّل في هذا الميدان ـ بزعم أن الشريعة ليست حكراً على أحد ـ إلا عدوان عظيم؛ جرَّؤوا به نوابت من شباب الإسلام على ولوج هذا الباب زاعمين أن الشريعة أمرت كل مسلم بالاجتهاد في كل المستجدات!
2 ـ ومنها ما جعلته مدخلاً لكتابي، وهي:
ـ أن الطريق الذي ارتضاه لنا ربنا واحد.
ـ وأن هذا الطريق منضبط بفهم السلف الصالح للكتاب والسنة.
ـ وأن المتمسك بالسنة في أمن من الهزيمة والكفر.
ـ وأن الرد على المخالف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ـ وأن نيل السؤدد منوط بالعلم.
ـ وأن تفصيل ذلك بسلوك سبيل التصفية والتربية.
لا الثورات! وتعدد الجماعات! وتكفير المسلمين والمسلمات!
3 ـ بيّنتُ أن الزّجّ بالشباب في خنقة التحزب هو سبب الجناية على هذه الأصول، ومن حُرِم الأصول حُرِم الوصول؛ قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: " العلم .. العلم .. أيها الشباب! لا يُلهيكم عنه سمسارُ أحزاب ينفخ في ميزاب! ولا داعية انتخاب في المجامع صخاب! ولا يَلفتنَّكم عنه معلِّلٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولاعاوٍ في خراب يأتمُّ بغراب، ولا يَفتننّكم عنه مُنْزَوٍ في خنقة، ولا مُلْتَوٍ في زَنقة، ولا جالسٌ في ساباط على بساط، يُحاكي فيكم سنّة الله في الأسباط
فكل واحد من هؤلاء مشعوِذ خلاّب! وساحر كذاب! إنكم إن أطعتم هؤلاء الغواة، وانصَعْتم إلى هؤلاء العُواة، خسرْتم أنفسكم وخسرَكم وطنُكم، وستندمون يوم يَجني الزارعون ما حصدوا، ولاتَ ساعة ندَم ".
4 ـ كما بيَّنتُ أن تضييع الدعوة إلى الدين الحق وتنكّب طريق الأنبياء سببه تفسيرُ أكثرِ الدعاة اليوم الدينَ تفسيراً سياسياً وحَصْرُ الدعوة في السبيل السياسية أو التركيز عليها؛ يُخَيَّل إليهم من سحرها أنها تسعى!! مع أنها تزيدهم كل يوم نكسة، وترجع بهم القهقرى، وهذا أيضا من إفرازات الحزبية، التي كثيراً ما تَخدع، حتى يظن الظّانُّ أن الطرق مسدودة إلا بمخالفة الأنبياء!!!
5 ـ لذا بذلت وسعي في ربط هذه الأمة بعلمائها: علماء الكتاب والسنة لا علماء ضرائر كتب العلم: الجرائد ...
ولعل القاريء يلاحظ أنه ليس لقلمي في هذا المؤلَّف سوى النقول عنهم؛ أبيِّن هذا كي لا يقال: كيف تكتب في السياسة ولستَ من أهل الاجتهاد؟!
هذا، وشباب الدعوة مع هذه المؤلفات في أمر عجب! فمنهم من أقعده العجز عن طلب معالي الأمور، وطمع في دخول حمى غيره، فزعم أن باب الاجتهاد قد أُقفل! فالكل إذًا يتكلم في السياسة؛ لأنهم في مستوى واحد!!!
ومنهم من يعبد الله على حرف، فلا يرضى بانتقاد المخِلِّين بمنهج الأنبياء؛ حتى ينظر لعلهم يَصِلون إلى الحكم! أما نحن، فلو رأيناهم يتقلَّبون في كل بلاد الله، يَطيرون من مُلْك إلى ملك لقلنا كما أمر الله نبيه أن يقول: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
ومنهم الهالك في باطن الإثم، فيرى أن هذه الكتابة في زمن الجهاد تثبيط! ولا يكتب فيها إلا ( عميل ) صُنِع على عين تخطيط!!
ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، كلما صاح باطل لم يُسمَع لهم حسّ، وإذا نطق فيه حقٌّ بحقٍّ قاموا ولم يقعدوا، وضجّوا ولم يسكتوا: ليس ذا الوقت! وليس ذا الأسلوب! هذا تنفير! ما الفائدة من هذه الكتابات والفتنة قد غلت مراجلها، وأُضرِمت نارها!!!
وهؤلاء يتظاهرون بالرجوع إلى المنهج الحق كلما طاردتهم الأدلة أو غالبتهم مطارق الأنظمة، ولا يُؤتَمَنون؛ لأنهم {كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا}، ومن أبرز أماراتهم قولُهم: لماذا لايَرُدّ على الحكومة كما رَدَّ على إخوانه؟!
ومنهم .. ومنهم .. ولله في خلقه شئون.



الخاتمة
الله وحده يعلم أنّني ما كتبت ما كتبت تتبّعاً للعورات، ولا تفكّهاً بالسوءات، ولا طلباً للنّزال، ولا حبًّا في الجدال، ولا نصرةً لأنظمة الباطل، ولا خذلاناً للقائمين في وجه الصّائل، ولكنّني رأيت شباب الإسلام في زهرة عمره، وقوّة نشاطه، أقبل على العلم، وربما ضاقت عليه دياره حتى هان عليه مفارقتها، ( كالنحلة ترحل إلى المكان السحيق، لترجع إلى خليّتها بالرحيق )، وكلما لاحت على محيّاه مخايل النجابة مُدّت إليه يَدٌ عجلَى لتقطع عنه الطريق، بإشغاله بالسياسة العصرية التي أضحت حيلة كل محتال، وحِلية كل بطَّال، يلقط فُتات الأخبار، من موائد إعلام الكفار، يبلعها بلا هضم، ثم يتقيّؤها على أنه المحلّل الفهم، فتارة يطيع عاطفة غير معصومة، وتارة يتبع مصلحة موهومة، فتأسّى به منهم من صارت السياسة عنده غراماً، فقلت لا بد من تخبيب الزّوج على زوجها وإلا كانت الفتنة لزاماً، بتبيان منهج السلف عليهم من الله رضاه، بما لا مطمع في طَرْق حماه، وربط الأمّة بعلمائها، عصمة لها من أن يسوقها الرّويبضة سوق النعاج إلى حتفها.
فيا طلبة العلم! اصبروا على طلب العلم كتاباً وسنّةً؛ فإنكم على خير! ولا تستبطئوا الوصول فقد جدّ بكم السير، ولا تحقروا ما أنتم عليه؛ فإنه الجهاد الأكبر! قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " فقوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين:
ـ جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير.
ـ والثاني: الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته وشدّة مؤنته وكثرة أعدائه، قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكّيّة: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً}، فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضا؛ فإن المنافقين لم يكونوا يقاتِلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتِلون عدوَّهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}، ومعلوم أنّ جهاد المنافقين كان بالحجة والقرآن .." ، وفي (( جامع بيان العلم )) لابن عبد البر قول بعضهم :ومِداد ما تجري به أقلامهم أزكى وأفضل من دم الشّهداء
يا طالبي عِـلـم النّبيّ محـمـد مــا أنتـمُ وسـواكــمُ بسـواء

تمّ تبييض أصله في الجزائر في شعبان 1414 هـ

والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
فهرس الكتاب
ـ تقريظ العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني 7
ـ تقريظ العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر 12
ـ تمهيد: فيه التذكير بنعمة الإسلام ونعمة السنة 20
ـ ستة أصول:
الأول: الطريق واحد 25
الثاني: طريق الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح 27
الثالث: نيل السؤدد بالعلم 36
الجهاد الأكبر عند ابن القيم 40
لطيفة فيها الرد على الذين ظنوا سؤددهم في التفوق الحضاري أو التمكن من السلطة 42
الرابع: صِمام الأمان من الكفر والهزيمة باتباع الكتاب والسنة 45
معنى النصر الموعود 53
تهديد مخالف الرسول بالزيغ والكفر 55
المخالفة نوعان 57
تعجيل الهزيمة لمخالفي الرسل 59
أهل الحديث أقل الطوائف اختلافاً 60
تعظيم السنة سبـب دوام الملك 62
الخامس: الرد على المخالف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 67
معنى (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )) 70
فيه دفاع عن الإسلام من الخطر الخارجي فضلا عن الداخلي 70
كلام نفيس لابن تيمية في أن المبتدع قد يكون أخطر من الكافر 71
مثله عن الإبراهيمي 74
أيهما أعظم: جهاد العلم أو جهاد السيف؟ 75
استعمال الشدة في الإنكار على المبتدعة لا يعني الولاء للكفار 80
السادس: التصفية والتربية 84
بين الشيخ الألباني وأحد قادة جبهة الإنقاذ الجزائرية 86
مختصر تاريخ الدعوة الحديث في الجزائر 91
الجماعات الموجودة بعد الاستقلال مع تعريف دقيق بالجزأرة 92
سبب ظهور الروافض في الجزائر 93
المرحلة الذهبية للدعوة 98
جناية السياسة على الدعوة 103
علي بن حاج والعلماء، وتأثّره بالإخوان 108
وفي الهامش: التخبط العقدي عند تلاميذ محمد قطب 109
تعليق الألباني على كتاب سفر الحوالي في الإرجاء 119
الأطوار التي مرّ بها علي بن حاج 129
جناية السياسة على العلم 134
جناية الفكر الخارجي علىالدين 135
ـ حال الدعوات السياسية اليوم 138
ـ معنى السياسة 142
ـ الإصلاح السياسي 149
ـ السياسة الشرعية قاصرة علىالمجتهد 155
أثر عظيم في منع تعليم العوامّ السياسة، وفتوى للشيخ ابن عثيمين 163
الشيخ الألباني ينهى ناصر العمر عن إسناد فقه الواقع لطلبة العلم 173
ـ الجامعون لفنون الشريعة هم السياسيون الشرعيون 176
ـ نكت في آيات الكتاب 178
الردّّ على ممارسي السياسة المستدِلِّين بفعل يوسف u وابن تيمية 182
ـ آية تأصيل حكم الباب وبعض فوائدها 186
حكم إذاعة الأخبار السياسية 193
قصة عظيمة في نهي الصحابة عن تتبع الأخبار 196
ناصر العمر يتتبع قصة يونانية خمسة عشر عاما‎ 197
الجهل بالواقع غير قادح في صاحبه‎ 199
توسم ابن مسعود في الخوارج والألباني في جماعة التبليغ 203
فقه الواقع ليس إلى طالب العلم 208
اعتراف علي بن حاج بعدم وجود كفاية من العلماء في صفوفه‎ 211
أمثلة من انخداع الحزبيين السياسيين بالسياسات الجائرة وجهلهم بالواقع 213
من منشورات محمد المسعري 216
دفاع عن أئمة السنة، وردّ على ( الإخوان المسلمين ) في موالاتهم لليهود والنصارى 219
نصيحة الشيخ الألباني لجبهة الإنقاذ 223
طعن علي بن حاج في العلماء ( هامش ) 228
نص بيان استغاثة جبهة الإنقاذ بالبرلمان العالمي وما فيه من كلمات الكفر 230
علي بن حاج يتحاكم إلى الديمقراطية وينبهر بالحرية الغربية 245
كلمة عن المرجئة 259
ـ كلمة ذهبية لابن القيم في التفريق بين فقه الواقع وفقه النفس 266
سلمان العودة ينفي وجود المرجعية العلمية الصحيحة في الجزيرة وغيرها 271
كيف نصيحة الرعية للولاة 272
نصيحة عظيمة من الألباني لناصر العمر في حكم اتخاذ وسائل الإعلام مصدراً لمعرفة الواقع 278
سلمان العودة يوجب على عامة الناس الدخول في الشورى الديمقراطية 283
الشورى في الإسلام 288
سلمان العودة يقدِّم فقه الواقع على العقيدة (هامش) 299
ـ متفقهون حول الواقع لا يفقهون الواقع: 302
1 ـ فقه واقع الجزائر عند سلمان العودة 304
جبهة الإنقاذ والرافضة 307
جبهة الإنقاذ والعلم 308
جبهة الإنقاذ والعقل 311
مشاورة علي بن حاج العوام لإقامة المسيرات والمظاهرات 312
إقرار رئيس الجبهة على اتهام الألباني بالعمالة الصهيونية 314
سلمان يدعو جبهة الإنقاذ ونساء السعودية إلى التمثل بالثورة الشيوعية في مقاومة الأنظمة بالعنف 318
فتوى الشيخ الألباني فيمن تقتله الأنظمة الجائرة اليوم 321
بين جبهة الإنقاذ وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين 322
كلمة مختصرة دقيقة للشيخ الإبراهيمي في حكم التحزب 323
كلمة الشيخ ابن باديس في العمل السياسي 325
غزو الإقلميين ( الجزأرة ) لجبهة الإنقاذ 329
كلمة عظيمة من الألباني عقب فوز الجبهة بالانتخابات البرلمانية 332
تكذيب الألباني وابن باز فيما ادّعاه عليهما سلمان من تأييد الجبهة 334
صورة فاكس الشيخ الألباني لجبهة الإنقاذ ونصّه 335
الردّ على عبد الرحمن عبد الخالق فيما نسبه للشيخ الألباني (هامش) 344
فتوى الشيخ ابن باز في نازلة الجزائر 347
الجبهة وقضية الخليج 354
وصف علي بن حاج لعلماء السعودية 354
نتائج تحريض سلمان لجبهة الإنقاذ من تكفير وتقتيل 356
رسالة سريّة فيها أن علي بن حاج وراء الاغتيالات (هامش) 360
سلمان العودة يطلب من شعبه حماية ولو بالدماء ( هامش )‎ 362
واقع مكذوب 368
2 ـ فقه واقع الجزائر عند الدكتور سفر الحوالي 372
القضاء عند سفر 373
أكبر أخطائه في الموضوع 376
احتضانه المبتدعة 378
واقع قديم يحسبه حديثاً 380
سلوك الطريق الديمقراطي عنده‎ 381
معنى يقظة الشعب عنده 382
رأي الحزبيين في علماء السعودية 386
موقف الجبهة و( الإخوان المسلمين ) من قضية الخليج 387
خطأ في النقل عن الدستور الجزائري 388
الخلط بين الطريقة السلفية والطريقة الخلفية 389
تناقضاته 390
كلام ساقط جدا في الطعن في العلماء ( هامش ) 391
3 ـ فقه واقع الجزائر عند بشر البشر:
زعمه أن الشيخ أحمد سحنون من جبهة الإنقاذ 400
مشايخ الأشعرية يُنسبون إلى السلفية 401
مرثية سحنون للخميني 403
الكلام على محفوظ نحناح 408
قيود الشيخ ابن عثيمين على المتحزبين 411
تكذيبه لمن نسب إليه تأييد مواجهة النظام الجزائري وكذا المظاهرات 414
4 ـ فقه واقع الجزائر عند عائض القرني:
تأييده هو وسفر الحوالي وسلمان العودة للمظاهرة النسوية 416
ـ شبهتان والرد عليهما:‎ 421
أ ـ قولهم: هم مجتهدون مأجورون أخطأوا أو أصابوا.
ب ـ قولهم: كيف يُعرف مجتهدو النوازل؟
ـ دعوة: تعالوا إلى كلمة سواء 429
توقيف هيئة كبار العلماء لسلمان وسفر 431
ـ الواجب اليوم: إصلاح الوقت لإصلاح الحال: 433
العبادة الفضلى 445
الطاعة 448
الصدق في الطاعة 450
ـ الخلاصة: فيها وَصْف الشيخ الإبراهيمي للحزبيين‎ 455
ـ الخاتمة: وفيها كلام مهمّ عن الجهاد لابن القيم‎ 460
ـ فهرس الكتاب

تم بحمد الله
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 26 Jul 2010, 08:10 AM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

ثناء أهل العلم على كتاب "مدارك النظر" للشيخ عبد المالك رمضاني-حفظه الله

http://www.tasfiatarbia.net/vb/showthread.php?t=4372
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 15 Jan 2011, 12:11 PM
أحمد سالم أحمد سالم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائري مقيم في فرنسا
المشاركات: 608
افتراضي

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013