عذرا على فتح الموضوع مرة أخرى ولكن شدّني مثال مهمّ على شرط الفائدة التي ذكرها شيخنا,حيث يبيّن هذا المثال للمتفق و المفترق خطر عدم إدراكه , فيؤدّي إلى توهيم العلماء و الّروّاة , رغم أنّ الصواب معهم.
روى ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (2/ 616):
من طريق عكرمة , قال ثنا طارق بن عبد الرحمن , قال سمعت عبد الله بن كعب بن مالك -و أبوه كعب أحد الثلاثة الّذين خلفوا- قال ثنا أبو أمامة وهو مسند ظهره إلى هذه السّارية سارية من سواري مسجد الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال كنت:" أنا وأبوك كعب وأخوك قعودا عند هذه السّارية , ونحن نذكر الرّجل يحلف على مال أخيه كاذبا فيقتطعه بيمينه , فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ذلك :" أيّما رجلٍ حلف على مال رجلٍ كاذباً فاقتطعه , فقد برئت منه الجنّة ووجبت له النّار , فقال أخوك محمد بن كعب: يا رسول الله وإن كان قليلا فقلب مسواكا كان بين إصبعيه , فقال: وإن كان مسواك أراك أو وعود أراك".
وأخرجه غير واحد من هذه الطريق بذكر محمد بن كعب في ثنايا المتن.
و قد وهّم أبو نعيم الرّوّاة في ذكرهم "محمد بن كعب" في متن الحديث , قال أبو نعيم في معرفة الصحابة :" وهو وهم؛ لأن النّضر بن محمد الجرشي رواه عن عكرمة، ولم يذكر محمدا في القصّة، ورواه معبد بن كعب بن مالك، عن أخيه عبد الله، عن أبي أمامة فلم يذكر محمداً ....ثمّ قال:" والصّحيح من ذكر محمد بن كعب في هذا الحديث أنّه سمع أخاه عبد الله بن كعب، عن أبي أمامة "اهـــ.ووافقه في هذا التّوهيم الحافظ الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" .
لكن قال ابن حجر في الإصابة (6/ 27) :" وقد وقفت على ما يدلّ أن لكعب بن مالك ولدين اسم كل منهما محمد فقرأت بخطّ الحافظ جمال الدين المزي في تهذيب الكمال. محمد بن كعب الأنصاريّ الأصغر.روى عن أخيه عبد اللَّه بن كعب، ..، وقال: محمد بن كعب الأكبر مات في حياة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وهي فائدة جليلة تردّ على أبي نعيم يقوّي بها حديث عكرمة بن عمار، ويستدلّ بها على أنّه حفظ ذكر محمد بن كعب في هذا الحديث، وأنه محمد آخر غير الّذي روى عن عبد اللَّه بن كعب، ويستفاد منه لطيفة، وهي أن عبد اللَّه بن كعب روى عن أخيه محمد بن كعب الأكبر. وروى عنه أخوه محمد بن كعب الأصغر" اهـــ.
فظهر أنّ محمد بن كعب اثنان أحدهما راو والآخر شيخ وهما أخوان وهذا يعزّ وقوعه فلهذا وهِم من وهّم الرّواة بذكره.
و العود بهذه الشوارد و الفوائد إلى من كان سببا في بعثها من مرقدها .
و الحمد لله.
|