منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 Feb 2018, 10:32 AM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي تذكيرُ صاحبِ القلبِ السّليم بما جاء في صفة الارتباط بين العلماء في القديم للعلامة المعلّمي رحمه الله




الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنّ من أعظم ما تميّز به أهل الحقِّ عن غيرهم، اجتماعَ كلمتهم وتوحدَّ صفوفهم وصفاءَ قلوبهم، فهم أهل السنة والجماعة الذين سلكوا دربَ السلف الصالح عقيدة ومنهجا، لا تُميزهم الأقاليم الجغرافية، ولا تُباعدهم الحدود الأرضية، بل تجمعهم العقيدة السلفية والأخوة الإيمانية، ولو كانوا في أقطار مختلفة.
ومن أبرز مظاهر هذا الاجتماع المبارك، تعاونهم على البرّ والتقوى، وتواصيهم بالحق، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، كلّ ذلك دفاعا عن الدّين الحنيف، وذبّا عن حملته.
وتجلّى ـ هذا المظهر البارز ـ عند علماء الأمة الأبرار قديما، ولا يزال عند طائفة من الأمة، حمَلت ميراثَ الأنبياء، وأصلحت ما أفسد الناس.

وبين أيدينا ـ معاشر القراء ـ رسالة قيمة في هذا الباب تُبرز صفة الارتباط الوثيق بين علماء الأمة في القديم، للعلامة عبد الرحمان بن يحي المعلمي اليماني رحمه الله، واسمها «صفة الارتباط بين العلماء في القديم»، وأصلها محاضرة ألقاها الشيخ رحمه الله في دائرة المعارف العثمانية بالهند (سنة:1356)، تجدونها ضمن آثاره [ المجلد: 15/ الصفحة: 415/ تحقيق: علي بن محمد العمران ]

فحريٌّ بالسلفي أن يُمعن النظر في الرسالة، قراءةً وتفهّما، ويجدر التنبيه فقط أني علقتُ بشيءٍ يُثري الموضوع نقلا ـ طبعا ـ عن علماء الأمة الأموات منهم والأحياء.

نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرانا بأعيننا ما كنا نتمنّى أن نراه من مظاهر الارتباط والتعاون العلمي بين العلماء، فأصبح علماء الهند يستقبلون وفدًا كريمًا من خيرة إخوانهم علماء مصر، تكلّفوا المشاقَّ والمتاعب حُبًّا في تعرّف أحوال إخوانهم في الهند، وتوثيق عُرى التواصل معهم، تمهيدًا للتعاون معهم فيما يرفع شأن الإسلام والعلم.
كان العلماء في العصور الأولى متواصلين على بُعْد الأقطار وصعوبة الأسفار، فلا تكاد تطّلع على ترجمة رجل منهم إلا وجدت فيها ذِكْرَ ارتحاله في أوان الطلب إلى الأقطار النائية للقاء العلماء والأخذ عنهم، وسياحته بعد التحصيل، وكلما دخل بلدةً سأل عمن بها من العلماء، واجتمع بهم، واستفاد منهم وأفادهم، وبقي يواصلهم طول عمره بالمكاتبة والمراسلة، وكانت المكاتبات لا تنقطع بين علماء الأقطار لتبادل الأفكار في المسائل العلمية.
وفي الجزء الأول من «أعلام الموقعين» (ص 28 وما بعدها) ذَكَر رسالةً من الليث بن سعد إلى مالك تشتمل على عدة مسائل، وفيها ما يدل أنّ المكاتبة بينهما في المسائل العلمية كانت متواصلة.
وهكذا كانت المكاتبة بين الشافعي وأحمد بن حنبل.
في «توالي التأسيس»(ص 78، وسبق أن اسمه الصحيح: توالي التأنيس) لابن حجر العسقلاني: «قال أبو ثور: كتب عبدالرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابًا، فوضع له كتاب الرسالة».
وفيه(الموضع نفسه): «عن عبدوس العطار: سمعت علي ابن المديني يقول للشافعي: اكتب كتاب خبر الواحد إلى عبدالرحمن بن مهدي، فإنه يُسَرّ بذلك»، وأمثلة هذا كثيرة.
وكثير من المؤلفات العلمية كان سببها المكاتبة بين العلماء، وكثير من الفتاوى المطولة صادر عن ذلك كما يعلم بمراجعتها كــ «فتاوى السبكي الكبير» وغيره.

التعليق: ذكر الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في مقدمة كتابه: "الذبّ الأحمد عن مسند الإمام أحمد" ص: 5، سببَ تأليفه لهذا الكتاب فقال: فهذا كتاب: الذّبّ الأحمد عن مسند الإمام أحمد ألفته قبل أكثر من عشرين عاما، في دمشقَ الشام، تنفيذا لطلبٍ كريم، من أخ فاضل كريم، وهو سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ... وما ذاك الطلب من الشيخ، وهذا الجواب مني بتوفيق ربنا إلا صورة علمية مشرقة إن شاء الله، تمثل حقيقة تعاون أهل الحديث، ودعاة السنة على البرّ والتقوى، وتواصيهم بالحق والصبر. اهـ

كما أنّ كثيرًا من التواريخ استفاد مؤلفوها كثيرًا مما فيها أو أكثره بمكاتبة العلماء، كــ «تاريخ ابن خلكان» و«إنباء الغمر» و«الدرر الكامنة» لابن حجر العسقلاني، و«الضوء اللامع» للسخاوي، وغير ذلك مما تقدم أو تأخر.
وقد كان هذا العمل ـ أعني المكاتبة بين العلماء في المسائل العلمية ـ جاريًا في اليمن إلى مدّة غير بعيدة، وقد رأيتُ في المخطوطات اليمنية كثيرًا من ذلك.
فأصبح العلماء في هذا العصر متقاطعين، لا صِلَة بين علماء هذا القُطْر وعلماء القطر الآخر، بل ولا بين علماء القطر الواحد! بل ولا علماء البلد الواحد!
فقد كان علماء البلد الواحد في العصور السابقة لا يكاد يمرّ عليهم يوم إلا وهم يجتمعون فيه ويتذاكرون.

أمّا الآن فقد تمرّ على العالم شهور، بل سنون، لا يجتمع بعالم آخر قد يكون معدودًا من جيرانه! وإذا جمعتهما الجماعة أو الجمعة أو العيد فقد يرجعان عن المصلى ولم يلتقيا! وإذا التقيا تجنَّب كلٌّ منهما فتح باب المذاكرة، إمّا رغبة عن العلم، وإمّا استحقارًا لصاحبه، وإمّا أَنَفَة أن يظن الناس أنّ صاحبه أعلم منه، وإمّا خوفًا من أن تجرّ المذاكرةُ إلى المنازعة أو غير ذلك!
وهكذا يحجّ كل سنة جماعةٌ من العلماء، ويرجع كل منهم ولم يجتمع بأحد من علماء الحرمين، أو العلماء الذين حجوا في ذلك العام.
وقد كان العلماء في العصور السابقة على خلاف هذه الحال، فكان من أعظم ما يهتمّ به العالم إذا حجّ: الاجتماع بالعلماء والاستفادة منهم وإفادتهم.
ولقد كان بعض العلماء يحجّ وأعظم البواعث له على الحج الاجتماع بالعلماء، مع أنّ هذه العبادات أعني الجماعة والجمعة والعيد والحج مِن أعظم الحِكَم في شَرْعِها: الاجتماع والتعارف، وتبادل الفوائد العلمية وغيرها.

التعليق: روى مسلم في صحيحه (2673) أنّ عروة بن الزبير قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج فالقَهُ فسائِلْه فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا قال فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذي في سننه (3781) أنّ حذيفة قال: سألتني أمي متى عهدك؟ ـ تعني بالنبي صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: ما لي به عهد منذ كذا وكذا، فنالت مني فقلت: لها دعيني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغرب وأسأله أن يستغفر لي ولك، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال من هذا؟ حذيفة قلت: نعم قال: ما حاجتك غفر الله لك ولأمك .. الحديث.

وهكذا قد يتفق لأحد علماء هذا العصر سفر إلى بلد من البلدان فيَرِدُه، ويمكث فيه مدّةً لا يسأل عمن به من العلماء، ولا يجتمع بهم، وإذا اجتمع بهم تجنَّب المذاكرة العلمية، فلا يكاد يفيد ولا يستفيد، وإذا كان يصنع هذا مع جيرانه من العلماء، فكيف يُرْجَى منه خلافُه مع علماء البلدان البعيدة عنه؟!
وكم من عالم تُشْكِل عليه مسألة، أو يخشى أن يكون مخطئًا فيها، فلا يدعوه التوفيق إلى الاجتماع بغيره من العلماء والبحث معهم فيها، أو إلى مكاتبتهم في ذلك.
هذا مع تيسر طرق المواصلات في هذه الأعصار، فأصبحت المسافة التي كانت لا تُقْطَع إلا في أشهر أو سنين، مع المشاق والمخاوف والعوائق والقواطع تُقْطَع الآن في أيام، مع الأمن والراحة، وكذلك حال المكاتبات.

ولقد كان العالِـم يبيعُ ضنائنه لكي يتزوَّد لسفرٍ بعيد ليجتمع بعالم آخر، وكثيرًا ما كانت تُعرَض لهم المشاقّ الشديدة في البر والبحر، ويُعرّضون أنفسهم للمهالك، كلُّ ذلك رغبةً في العلم.
حتى لقد كان بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يسافر من المدينة إلى مصر ليجتمع بصحابي آخر هنالك ليستثبته في حديث واحد سمعاه معًا من النبي صلى الله عليه وسلم!
ففي «مسند الإمام أحمد» (ج4، ص62) و(ج 5، ص375)(16596/ 23185) من طريق عبدالملك بن عُمير عن مُنيب(وقع في النسخة المطبوعة في الموضع الأول "مسيب" وفي الثاني "هييب" وفي [تعجيل المنفعة] المطبوع بمطبعتنا ـ دار المعارف ـ منيب، ذكره بعد منصور [المؤلف]) عن عمه قال: بلغ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحدث… فرحل إليه وهو بمصر، فسأله عن الحديث، فقال: نعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة». قال: وأنا سمعته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي «المسند» أيضًا (جلد4، ص153) (17391) عن ابن جريج قال: سمعت أبا سعيد (كذا في "المسند" المطبوع، وفي "تهذيب التهذيب" المطبوع بمطبعتنا ـ دائرة المعارف ـ: أبو سعد الأعمى، وفي "تعجيل المنفعة" أبو سعد، ويقال: أبو سعيد [المؤلف]) يحدث عن عطاء قال: رحل أبو أيوب إلى عقبة بن عامر… فأتى عقبة، قال: حدِّثْنا ما سمعتَ من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق أحدٌ سمعه. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ سَتَر على مؤمن في الدنيا ستره الله يوم القيامة». فأتى راحلته فركب ورجع. وعقبةُ بن عامر كان بمصر.
لمّا بلغتُ إلى هنا انتبهت لاتفاق عجيب، وهو أنّ الآثار التي استشهدت بها تدور على مصر، فالليث بن سعد مصري، والشافعي استوطن مصر، والأثران اللذان نقلتهما عن «المسند» كانت الرحلة فيهما إلى مصر، و«المسند» طبع مصر، وكتابا «تهذيب التهذيب» و«تعجيل المنفعة» كلاهما من تأليف الحافظ ابن حجر المصري!
وفي «سنن أبي داود»(3641) وغيرها عن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء، إنّي جئتك من مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ لحديث بلغني أنّك تحدّثه عن رسول الله ~، ما جئت لحاجة ــ يعني غير ذلك ــ.

هكذا كان القوم، فأصبح أحدنا يتثاقل عن بضع خطوات يمشيها إلى عالم، أو يضنّ ببضعة أَفْلُس يبتاع بها طوابع للبريد ليكتب بها إلى عالم.

التعليق: من بديع كلام سهل بن هارون رحمه الله: " والنّاسُ مُوَكّلُون بتعظيم الغريب، واستِطراف البعيد، وليس لهم في الموجود الرَّاهن، وفيما تحتَ قُدرتهم من الرّأْي والهوى، مِثْلُ الذي لهم في الغريب القليل، وفي النّادر الشاذّ، وكلِّ ما كان في ملْك غيرهم، وعلى ذلك زَهِدَ الجِيرانُ في عالمِهِم، والأصحابُ في الفائدة من صاحبِهم، وعلى هذا السّبيلِ يستَطْرفون القادمَ عليهم، ويرحَلُون إلى النَّازح عنهم، ويتركون مَن هو أعمُّ نفعاً، وأكثرُ في وجوه العِِلم تصرُّفاً، وأخفُّ مَؤُونةً وأكثرُ فائدةً " [البيان والتّبيين: (1/90)]
وقال بعض الفصحاء: "مثل العالِم كالحُمّة يأتيها البُعداء، ويزهد فيها القرباء " [مجمع الأمثال: (2/283)]
الحمّة: العين الحارّة الماء، كالحمّامات المعدنيّة الّتي يقصدها النّاس للاستشفاء، فغالب من يقصدها البعداء.


وكم من عالم أخطأ في مسألة فلم يهتمّ إخوانه من العلماء بأن يزوروه ويذاكروه فيها، أو يكاتبوه في شأنها، بل غاية ما يصنع أحدهم أن ينشر اعتراضه في مجلة أو رسالة يُشنِّع على ذلك العالم ويُـجَهّله، أو يبدّعه ويكفّره، فتكون النتيجة عكس المطلوب.

التعليق: جاء في كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية: [13/ 51] ذكرُ مناصحة الشيخين محمد بن عبد اللطيف ومحمد بن إبراهيم لأبي الوفاء ثناء الله الهندي، وذلك أنَّ علماء الهند استنكروا ما في تفسير ثناء الله الهندي من أباطيل وضلالات وأغلاط، وحدث بينهم وبينه نزاع في ذلك، فرفعوا الأمر إلى علماء نجد لينظروا في ذلك.
فبين العلماء المواضع التي أخطأ فيها ثناء الله الهندي، خاصة فيما يتعلق بباب الأسماء والصفات، كل ذلك بالحجة والبرهان
، وختموا كلامهم بقولهم:
وليعلم: أن قد تركنا التنبيه على بعض الآيات التي استشهد بها على بعض ما فسر به، لوضوح عدم دلالتها على مراده، وأنا لم ننبه على تلك الغلطات، إلا نصحا لله ولرسوله، ولكتابه، وللمسلمين، وأنه ينبغي لإخواننا أهل الحديث الهنديين، أن لا يكون قصدهم ذلك، وأن يدعوا هذا الرجل ويعاملوه باللين، لعل الله أن يمن عليه بالرجوع، فإن أصر فلا أسف عليه، ويصير حكمه حكم أمثاله المصرين على البدع، والتحريف لنصوص القرآن، لا سيما نصوص صفات الله، والله أعلم، وصلى الله على محمد.
ثم لما علم علماء الحجاز من طريق علماء الهند أنَّ أبا الوفاء ثناء الله الهندي لم يرجع عن أغلاطه كتبوا له هذه الرسالة:
من محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ ومحمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ إلى الأخ أبي الوفاء ثناء الله الهندي، منحنا الله وإياه مزيد الدراية، وجنبنا وإياه طرق الزيغ والغواية، اللهم آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فالحامل على هذا الكتاب، إهداء السلام إلى حضرتكم، ثم تعريفكم أنه قد صار عندنا من المعلوم رجوعكم بعد أعوام عن الأمور التي أُخِذت عليكم وانتقدت من تفسيركم، فشكرنا لكم ذلك ودعونا لكم.
لكن وقفنا أثناء هذا العام في ذي القعدة سنة 1350 هجرية على كتاب أرسله أهل الحديث من أهل الهند، إلى الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل سعود، ذكروا فيه عدم رجوعكم وإصراركم على تلك الأمور التي انتقدت من تفسيركم، وبطي كتابهم نصوص العبارات التي انتقدت، وطلبوا الإرشاد إلى الصواب في ذلك.
فلم يسعنا إلا النطق بالصواب، وبيان الصحيح منها من السقيم، نصحاً للخلق، وقياماً بما تعبدنا به من بيان الحق، وإرشاداً لكم خصوصاً، رجاء أن ينفعكم الله بذلك، فتتركوا ما سلكتموه من تلك المسالك، وغير خاف عليكم أنَّ كل ذي دين وإنصاف أبعد شيء عن الأنفة والاستكبار، ومن أحب الناس إليه مَنْ يعرِّفه عيبه ويوقفه عليه.
وليكن منكم على بال قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله: "ليس منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتحضرك قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين نهى في خطبته عن المغالاة في مهور النساء، فقالت له امرأة: يا أمير المؤمنين؛ ألم يقل الله تعالى: "وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً"، فقال رضي الله عنه: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
ولم يزل أهل العلم يبينون غلطات مَنْ غلط ويردونها، حتى إنَّ بعضهم يرد ذلك ولو بعد توبة مَنْ حدث عنه؛ خوفاً أن يغتر بتلك المقالة، كما رد موفق الدين ابن قدامة الحنبلي غلطات أبي الوفاء ابن عقيل بعدما تاب منها.
والذي نوصيك به وأنفسنا: تقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلانية، والتوبة إلى الله من تلك الورطات، والرجوع إلى الحق بكتابة في ذلك حتى يشتهر ذلك عنك، ويحصل الاتفاق بينك وبين أهل الحديث من الهند وغيرهم.
ونوصيك أيضاً: بالإكباب على كتب أهل السنة وتفاسيرهم، كالأمهات الست وغيرها من كتب الحديث، وتفسير ابن جرير وابن كثير والبغوي، وغيرها من تفاسير السلف من أهل السنة، الذين لا تروج عليهم إحداثات المحدِثين، وتأويلات الجاهلين. جعلنا الله وإياك هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائه، حرباً لأعدائه، نحب بحبه من أحبه، ونعادي بعداوته من خالف أمره، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اهـ


وكم من مسائل يُفْتَى فيها بمصر بشيء، وبالشام بخلافه، وفي الهند بخلاف ذلك، ولو كانت المواصلات جارية بين العلماء لما وقع هذا الخَبـْط الشديد الذي يوسّع خَرْقَ الافتراق ويؤول إلى النزاع والشقاق.
وعلماء الدين أحوج الناس إلى التواصل والتعاون خصوصًا في العصر الذي تفشّى فيه وباء الإلحاد، وقلَّت الرغبة في العلوم الدينية، بل كادت تعم النُّفْرة عنها، واستغنى كلّ أحد برأيه.
فعلماء الدين مفتقرون إلى التعاون لإيجاد طرقٍ تقرِّب المسافة بينهم وبين المتعلّمين العلومَ الحديثة، وتُـجْلى فيها المسائل الدينية في معارض تتفق وطريقَ التفكير العصري، فيُسْتطاع بذلك إيقاف الوباء عن زيادة الانتشار ومعالجة المرضى، بل والدعاية المثمرة إن شاء الله.

فأمّا الدواء المعروف الآن، وهو التكفير والتضليل، فإنه لا يزيد الداء إلا إعضالًا، ومثله مثل رجل ظهر ببعض أصابعه برَص فقطعه! فظهر البرص بأخرى فقطعها! فقيل له: حنانيك قبل أن تقطع جميع أعضائك!

التعليق: قال الشيخ ربيع حفظه الله: فإذا عُرف من عالم فاضل يحارب البدع ويدعو إلى السنة وعرفوا صدقه وإخلاصه وتحذيره من البدع فوقع بسبب من الأسباب في شيء من البدع الخفية فلا نسارع إلى تبديعه، هذا هو القول الصحيح، وإلا لو حكمنا على كل من وقع في بدعة أنه مبتدع لما سلم أحد من أئمة الإسلام فضلا عن غيرهم. [ مجموع كتبه ورسائله: 14/ 159 ]
وقال حفظه الله: ولقد تعبت كثيرا وكثيرا هنا وهناك في معالجة آثار كلام من لا ينظر في العواقب، ولا يراعي المصالح والمفاسد، ولا يستخدم الرفق والحكمة، تلكم الأمور والأصول العظيمة التي يجب مراعاتها، ولا تقوم للدعوة قائمة إلا بها، ومع الأسف أن كل من يدرك حجم هذه المعضلة، وينصر هذه المعالجات المشروعة يرمى بالتمييع، وأحزاب التمييع. [ المجموع: 9/ 137 ]
وقال في معرض ردّه على فالح الحربي: وكم أثقل كاهل السلفية وكواهل أهلها بتصرفاته الفوضوية، التي لا تتقيد بالمصالح والمفاسد، وكم أحدث من الفتن بين السلفيينن في مشارق الأرض ومغاربها، كم بدّع من السلفيين الأبرياء بظلمه وفوضويته، ولو كان يحترم السلف ومنهجهم، ويحترم ما قرره السلف، من وجوب مراعاة المصالح والمفاسد، لما فعل واحدا في المائة مما ارتكبه في حق السلفية والسلفيين. [ المجموع: 9/ 311 ]


وهذا موضوع واسع، أكتفي بالإلماع إليه. وأهم من ذلك حال الجوامع والمدارس والدوائر العلمية، فإن احتياجها إلى التواصل والتعاون أشد ؛ لأنّ النقص في بعضها يضر الأمة جمعاء، خصوصًا في هذا العصر الذي اضطربت فيه نُظُم التعليم، واحتاج الناس إلى التغيير فيها والتبديل بحسب ما تقتضيه المصلحة ... " إلى آخر رسالته.


فنسأل الله أن يوفق العلماء والدعاة السلفيين لما فيه صلاح أمتهم، واجتماع كلمتهم، وتآلف قلوبهم، والحمد لله رب العالمين.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو سهيل محمد القبي ; 18 Feb 2018 الساعة 07:38 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 Feb 2018, 11:24 AM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

بورك فيك أخي محمد على هذا النقل الموفق النّافع، وما زاده بهاء ما زيّنته به من تعليق ماتع. فرحم الله العلامة المعلمي وسائر علماء الأمة الكرام.

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله سنيقرة ; 18 Feb 2018 الساعة 11:35 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 Feb 2018, 06:11 PM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي

آمين وإياك أخي عبد الله
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 Feb 2018, 09:23 PM
لزهر سنيقرة لزهر سنيقرة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 343
افتراضي

أحسنت وبورك فيك أخي محمد على تعليقك وإفادتك بمثل هذا النقل عن مثل هذا الإمام، وما أكثر هذه النماذج المشرقة في سير وتراجم علمائنا وأئمتنا الذين سادوا وظهرت في الأمة آثارهم لأجل هذا التعاون والتآزر، ولـمّا قل مثل هذا التواصل حرمت الأمّة خيرا كثيرًا.

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله سنيقرة ; 19 Feb 2018 الساعة 11:00 AM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 Feb 2018, 02:49 PM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي

وفيكم يبارك الله شيخنا، وجزاكم الله خيرا على مروركم وتعليقكم، وأملنا - بعد الله تعالى - فيكم وفي سائر مشايخنا، بإرجاع هذا الخير الكثير الذي فُقدَ بسبب قلة التواصل والتآزر، مشيا على ما كان عليه سلف الأمة الكرام.
جعلكم الله سبّاقين إليه، ساعين في تحقيقه، صابرين على صعوبة تثبيته، مستأنسين بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ ...

التعديل الأخير تم بواسطة أبو سهيل محمد القبي ; 01 Mar 2018 الساعة 12:59 AM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01 Mar 2018, 12:51 AM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي

من أمثلة ونماذج تواصلِ العلماء وارتباطهم فيما بينهم، وتعاونِهم على ما فيه صلاحُ أمتهم ودعوتهم، ما جاء عن الإمام العلامة الجزائري محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله، حيث ذكر حاله مع زميله العلامة ابن باديس رحمه الله، فقال:

" ... كُنَّا نؤدّي فَرِيضَةَ العِشاءِ الأَخيرَةِ كُلَّ ليلَةٍ في المسجدِ النبوي، ونخرُجُ إلى مَنزِلي، فنسمُرُ مع الشيخ ابن باديس، منفردين إلى آخر الليل، حين يفتح المسجد، فندخل مع أوِّلِ دَاخِلٍ لصلاة الصُّبحِ، ثم نفترق إلى الليلة الثانية، إلى نهاية ثلاثة الأشهر التي أقامها بالمدينة المنوّرة ... "
ثم قال موضحا سببَ السمرِ:
" كانت هذه الأسمار المتواصلة كُلُّها تدبِيرًا للوسَائلِ التي تَنهَضُ بها الجزائر، ووضعِ البرامج المفصَّلةِ لتلك النهضَات الشَّامِلةِ التي كانت كُلُّها صُورًا ذِهنيَّةً تتراءَى في مخيِّلتِينا، وصَحِبَها مِن حُسنِ النيّة وتوفيق الله ما حقَّقَها في الخارج بعد بضع عشَرةِ سَنةٍ ... "

[ الآثار: ٥/٢٧٨ ]
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاجتماع, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013