منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 23 Feb 2015, 06:13 PM
أمين البجائي أمين البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
المشاركات: 77
افتراضي أهمية المساجد ومكانتها في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين, أما بعد:

إن من سنن الله عزوجل في كونه أن فضل بعض المخلوقات على بعض، فقد فضل سبحانه بعض النبيين على بعض، وفضل بني آدم على كثير ممن خلق تفضيلا، وفضل سبحانه بعض الأزمان على بعض، وفضل سبحانه بعض الأماكن على بعض، فقد فضل المساجد على غيرها من البقاع والمعابد، فكانت بحق أحسن البلاد وأحبها إلى رب العباد لما لها من الفضائل والمزايا التي خصها بها غافر الذنب والخطايا .
بقعة نوّه الله سبحانه بأمرها وعظّم قدرها وأعلى مكانتها ورفع من شأنها وأشهر اسمها .
مكان جعله الله قلعة للإيمان، وحصنا للفضيلة، وهو المدرسة الأولى التي يتخرج منها المسلم ويتكون فيها المؤمن، فيه تزكو أخلاقه وتطهر نفسه وتعلو همته ويزداد إيمانه ويقينه.
هو بيت الأتقياء ومكان اجتماع الأصفياء، وهو محل تشاورهم ومركز تناصحهم، فيه يتعارفون ويتآلفون وعلى الخير يتعاونون، منه خرجت جيوش المسلمين ففتح الله بهم البلاد وقلوب العباد، منه تخرج العلماء والفقهاء، فيه حكم الخلفاء ومارسوا القضاء، وفيه كان الجرحى يمرضون وبسواريه كان الأسرى يربطون، فيه كان الرجال والنساء يتلاعنون، والغنائم يقتسمون، كما كانوا يعلقون فيه العِذْق {1} ليأكل الغلمان والجائعون.
فضائله جمّة وهي أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر بل يكفيك في ذلك أنه ملتقى الأمة وناديها وجامعتها ومكان شوارها".المسجد في الإسلام أحكامه آدابه بدعه، خير الدين وانلي، ص 9 - 11 بتصرف.
بيت يا رعاكم الله، اسمه دليل على سموه وجلالة قدره وعظم شأنه وعلو شرفه وفخره، إذ سماه الله بأشرف الهيئات والحالات التي يكون عليها العبد وهو السجود، فللّه درّه ما أعظم أثره، وما أجل نفعه وفائدته، فهو قرة عيون المؤمنين، وأنس قلوب المتقين، وبهجة نفوس المؤمنين .
هذا وإن نصوص الكتاب والسنة متظافرة، والآثار عن سلف هذه الأمة متواترة، وهي تدل دلالة ظاهرة على فضله وأهميته في الإسلام, ولعل هذا الأخير - أهميته - ليتضح جليّا في ما يلي:

أولا:من القرءان الكريم:

ورد ذكر المسجد والمساجد والمسجد الحرام في القرآن الكريم بلفظها ثمانيا وعشرين مرة، بيد أن كل مرة لها مناسبتها والتي سيقت من أجلها، ومن أعظم هذه المناسبات التي تبين لنا أهمية هذه المساجد:
1/ إضافتها إلى الله عزوجل إضافة تشريف وتعظيم :
قال سبحانه:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} البقرة: 114 ,وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ } التوبة: 18., وقال عزوجل:{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }الجن: 18..
والمضاف إلى الله تعالى نوعان:
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:" فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله نوعان:
صفات لا تقوم بأنفسها، كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفات له، وكذا وجهه ويده سبحانه.
والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه، كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، لكن إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا، يتميز بها المضاف عن غيره" شرح العقيدة الطحاوية ،ص 392 .
قال ابن العربي المالكي رحمه الله في:" قوله عزوجل:{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}, الأرض كلّها لله ملكا وخلقا...والمساجد لله رفعة وتشريفا " أحكام القرآن ، ج4, ص 320
هذا وإضافة المساجد إلى الله لتبين لنا عظم منزلتها عنده تعالى والتي هي إضافة تشريف وتكريم،مع أن جميع البقاع وما فيها ملك لله تعالى ، ولكن المساجد لها ميزة وشرف ، حيث تختص بكثير من العبادات والطاعات والقربات .
2/ الدفاع عن المساجد مطلب من مطالب الدين:
قال الله عزوجل:{ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} الحج: 40.
قال البغوي رحمه الله: " ومعنى الآية: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شريعة كل نبي مكان صلاتهم، لهدم في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى البيع والصوامع، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد" معالم التنزيل، ج 5 ,ص 389 .
وقال القرطبي رحمه الله:" أي: لولا القتال والجهاد لتغلب على الحق في كل أمة فمن استبشع من النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه إذ لولا القتال لما بقي الدين الذي يذب عنه وأيضا هذه المواضع التي اتخذت قبل تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالإسلام إنما ذكرت لهذا المعنى أي لولا هذا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن محمد عليه السلام المساجد" الجامع لأحكام القرءان،ج 14, ص 408 – 409 .
قال السعدي رحمه الله :" فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لاستولى الكفار على المسلمين، فخربوا معابدهم، وفتنوهم عن دينهم، فدل هذا، أن الجهاد مشروع، لأجل دفع الصائل والمؤذي، ومقصود لغيره، ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها، من فضائل المجاهدين وببركتهم، دفع الله عنها الكافرين" تيسير الكريم الرحمن ,ص 539 .
3/ جعلها الله عزوجل في أعلى المقامات ووصفها بكثرة ذكر اسمه فيها دون غيرها من المعابد:
قال الله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } الحج: 40..
قال ابن كثير رحمه الله:" وقال بعض العلماء: هذا تَرَقٍّ من الأقل إلى الأكثر إلى أن ينتهي إلى المساجد، وهي أكثر عُمّارا وأكثر عبادا، وهم ذوو القصد الصحيح" تفسير القرءان العظيم، ج 10, ص76 .
وقال الطبري رحمه الهه:" وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: لهدّمت صوامع الرهبان وبِيَع النصارى، وصلوات اليهود، وهي كنائسهم، ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا" جامع البيان عن تأويل آي القرءان، ج 16, ص586 .
4/ الدفاع عن المساجد نصر لدين الله عزوجل:
قال الله عزوجل :{ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج: 40.
ثم بين الله صفة مناصريه ، فقال عزوجل:{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} الحج: 41.
5/ أمر الله عزوجل ببنيانها وتعظيمها وتطهيرها :
قال الله عزوجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} النور: 36 – 37..
قال ابن كثير رحمه الله:" أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها. ثم قال: وقال قتادة: هي هذه المساجد، أمر الله، سبحانه، ببنائها ورفعها، وأمر بعمارتها وتطهيرها" تفسير القرءان العظيم ، ج 10 ,ص242 .
قال البغوي رحمه الله:" قوله عزوجل: {أن ترفع } قال مجاهد رحمه اله0: أن تبنى، نظيره قوله عزوجل: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} البقرة: 127.، قال الحسن رحمه الهك: أي تعظم أي لا يذكر فيه الخنَا مِنَ القول" معالم التنزيل،ج 6 ,ص 50 .
6/ المساجد ملجأ الباحثين عن نور الله عزوجل:
1. قال عزوجل: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}النور: 35 – 36.
قال السعدي رحمه الله:" { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور،... وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور.
إلى أن قال رحمه الله:" ولما كان نور الإيمان والقرآن أكثر وقوع أسبابه في المساجد، ذكرها منوها بها فقال عزوجل: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } تيسير الكريم الرحمن ص 568 - 569 .
7/ أعلى الله شأن المساجد واهتمّ بها ، وشهد بالإيمان لمن يعمرها:
قال الله عزوجل : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} التوبة: .18.
قال القرطبي رحمه الله: قوله عزوجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ } دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة لأن الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها وقد قال بعض السلف : إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن" الجامع لأحكام القرءان،ج 10 ,ص 134 .
قال ابن كثير رحمه الله:" وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك" تفسير القرءان العظيم، ج 2 ,ص 26.
وجاء في التفسير الميسر لنخبة من العلماء ص189:" لا يعتني ببيوت الله ويعمرها إلا الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ولا يخافون في الله لومة لائم، هؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى الحق".
8/ المسجد أول بيت وضع للناس:
قال الله عزوجل: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} آل عمران: 96. .
قال البغوي رحمه الله:" اختلف العلماء في قوله عزوجل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ }فقال بعضهم: هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض...، وقال بعضهم: هو أول بيت بني في الأرض...، وقيل: هو أول بيت مبارك وضع في الأرض هدىً للناس...، وقيل: أول بيت وضع للناس يُحجُّ إليه...، وقيل: أول بيت جعل قبلة للناس، وقال الحسن والكلبي: معناه: أول مسجد ومتعَبِّدٍ وضع للناس يعبد الله فيه كما قال الله عزوجل: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ} يعني المساجد" معالم التنزيل ، ج 2, ص 70 .
وقال الطبري رحمه الله:" والصواب من القول في ذلك... {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} أي: لعبادة الله فيه" جامع البيان عن تأويل آي القرءان،ج 5 ,ص593 .
وأيّا كان المقصود من الآية فإنها تتحدث عن المسجد الحرام وفضله، بدليل قوله تعالى بعد ذلك:{ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} آل عمران: 97..
9/ تعظيم المساجد تعظيم لله عزوجل وتعظيم لشعائره:
قال الله عزوجل: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } ، قال الحسن رحمه الله: أي تعظم " معالم التنزيل للبغوي ،ج 6, ص 50 .
وقال سبحانه: { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج: 32.
قال السعدي رحمه اللهَ في تفسيره ص 538:" والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة ... فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله" .
ولا شك أن بيوت الله عز وجل من شعائره، وتعظيمها -المساجد- من تعظيم الله، ومن تعظيم شعائره، وقد ذمّ الله عزوجل ولام من لم يُعظّمه حقّ تعظيمه فقال عزوجل: { مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}نوح: 13.، أي: لا تخافون لله عظمةً، أو لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته .
10/ أمر الله عزوجل بني آدم بالتزين والتجمل حال إتيانها:
قال الله عزوجل: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف: 31..
قال ابن كثير رحمه الله :" ولهذه الآية، وما ورد في معناها من السنة، يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل الثياب البياض" تفسير القرءان العظيم،ج6, ص 286.
11/ أخبر عزوجل بأن منع الناس من ذكر الله فيه ظلم، وتوعد فاعلي ذلك:
قال عزوجل: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}البقرة: 114.
قال ابن العربي رحمه الهِ:" فائدة هذه الآية تعظيم أمر الصّلاة فإنّها لمّا كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجرا كان منعها أعظم إثما، وإِخراب المساجد تعطيل لها وقطع بِالمسلمِين في إظهار شعائرهم وتأليف كلمتهم" أحكام القرآن، ج 1 ,ص 50 – 51.
قال السعدي رحمه الله:" أي: لا أحد أظلم وأشد جرما، ممن منع مساجد الله، عن ذكر الله فيها وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات.
{ وَسَعَى } أي: اجتهد وبذل وسعه ﭽ فِي خَرَابِهَا ﭼ الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها.
{ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ }أي: فضيحة كما تقدم { وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.
بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال عزوجل: { في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } تيسير الكريم الرحمن ص 63. .
وجاء في التفسير الميسر لنخبة من العلماء ص 18:" لا أحد أظلم من الذين منعوا ذِكْرَ الله في المساجد من إقام الصلاة، وتلاوة القرآن، ونحو ذلك، وجدُّوا في تخريبها بالهدم أو الإغلاق، أو بمنع المؤمنين منها. أولئك الظالمون ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا المساجد إلا على خوف ووجل من العقوبة، لهم بذلك صَغار وفضيحة في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد".

ثانيا: من السنة النبوية :

1/ المساجد أحب البقاع إلى الله عزوجل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى أسواقها" {2}.
قال الإمام النووي رحمه الله: "أحبّ البلاد إلى الله مساجدها" لأنها بيوت الطاعات، وأساسها على التقوى، "وأبغض البلاد إلى الله أسواقها "لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه" المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج5 ,ص 171 .
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الهإ: "أحبّ البلاد إلى الله مساجدها " أي: أحب بيوت البلاد، أو بقاعها، وإنما كان ذلك لما خُصّت به من العبادات، والأذكار، واجتماع المؤمنين، وظهور شعائر الدين، وحضور الملائكة ،وإنما كانت الأسواق أبغض البلاد إلى الله لأنها مخصوصة بطلب الدنيا، ومطالب العباد، والإعراض عن ذكر الله، ولأنها مكان الأيمان الفاجرة، وهي معركة الشيطان، وبها يركز رايته" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ج2 ,ص 294 – 295 .
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق" {3}.
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه :" أن رجلا قال:" يا رسول الله. أيّ البلدان أحبُّ إلى الله ؟ وأيّ البلدان أبغض إلى الله ؟ قال : لا أدري حتّى أسأل جبريل ، فأتاه فأخبره جبريل ، أنَّ أحبَّ البقاعِ إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق {4}.
2/ أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة:

ومكانة المسجد في الإسلام تظهر بوضوح وجلاء في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى بدأ ببناء مسجد قباء.
قال ابن إسحاق رحمه الهد :" فأقام رسول الله صلى الهن عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثّلاثاء ويوم الأربِعاء ويوم الخميس وأسس مسجده" السيرة النبوية لابن كثير، ج 2, ص 271 .
قال ابن كثير رحمه الله:" ولما حل الركاب النبوي بالمدينة، وكان أول نزوله بها في دار بني عمرو بن عوف، وهى قباء كما تقدم، فأقام بها أكثر ما قيل، اثنتين وعشرين ليلة.
وقيل ثماني عشرة ليلة.
وقيل بضع عشرة ليلة وقال موسى بن عقبة: ثلاث ليال.
والأشهر ما ذكره ابن إسحاق رحمه الله وغيره أنه عليه السلام أقام فيهم بقباء من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة.
وقد أسس في هذه المدة المختلف في مقدارها، على ما ذكرناه، مسجد قباء...،وهو مسجد شريف فاضل.
ثم قال:"فكان هذا المسجد أول مسجد بني في الإسلام بالمدينة، بل أول مسجد جعل لعموم الناس في هذه الملة"السيرة النبويةج 2, ص 292 .
3/أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بناء المسجد:
وعندما واصل صلى الله عليه وسلم سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلى الله عليه وسلم .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل في علو المدينة في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف. فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم إنه أرسل إلى ملإ بني النجار فجاءوا متقلدين بسيوفهم - قال - فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب رضي الله عنه قال - فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى حيث أدركته الصلاة ويصلى في مرابض الغنم ثم إنه أمر بالمسجد قال فأرسل إلى ملإ بني النجار فجاءوا فقال": يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا ".
قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. قال أنس رضي الله عنه فكان فيه ما أقول كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت - قال - فصفوا النخل قبلة وجعلوا عضادتيه حجارة - قال - فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون:
اللهمّ لا خير إلا خيرُ الآخرة ... فانصر الأنصار والمُهاجرة " {5}.
قال ابن إسحاق رحمه الها:" ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب رضي الله عنه حتى بنى مسجده ومساكنه وعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ودأبوا فيه، فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل.
وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون:
لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم ارحم الأنصار والمهاجره، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار " السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص 306.
4/ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور:
عن عائشة قالت: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب" {6}
قال سفيان بن عيينة رحمه الله :" بناء المساجد في الدور ": يعني في القبائل " تحفة الأحوذي للمبارك فوري ج3 ص 168 .
5/ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحويل البيع إلى مساجد:
عن طلق بن علي رضي الله عنه قال :" خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه في إداوة وأمرنا فقال:" اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدا" قلنا إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف فقال:" مدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا" . فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها، واتخذناها مسجدا، فنادينا فيه بالأذان. قال والراهب رجل من طيئ فلما سمع الأذان قال دعوة حق. ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد" {7} .
6/ من السبعة الذين يظلهم الله عزوجل في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلق بالمساجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال: إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " وفي لفظ لمسلم:" ورجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه " {8}.
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ج7 ص 127 :" قوله:" ورجل قلبه معلق": معناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه: دوام القعود في المسجد".
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :" معلق في المساجد هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد، كالقنديل مثلا ، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجا عنه" فتح الباري ج2 ص 170.
7/ المسجد بيت كل مؤمن :
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المسجد بيت كل مؤمن" {9}
8/ المسجد بيت كل تقي :
عن أبي عثمان قال كتب سلمان إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما:" يا أخي عليك بالمسجد فالزمه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" المسجد بيت كل تقي " {10} .
9/ فرح الله عزوجل وتبشبشه لمن توطَـّن المساجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما توطن رجل المساجد إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم "{11} .
10/ عمار المساجد هم جيران الله عزوجل:
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لينادي يوم القيامة : أين جيراني ؟ أين جيراني ؟ قال : فتقول الملائكة : ربنا ومن ينبغي أن يجاورك ؟ فيقول : أين عمار المساجد" {12}.
11/ الحث على بناء المساجد وعمارتها :
وإن من أعظم ما يدل على أهمية المساجد وفضله حث النبي أمته على بنائها، ووعد فاعل ذلك ببيت في الجنة.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة "{13} .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة، أو أصغر، بنى الله له بيتا في الجنة "{14} .
والحديث نص في حصول الأجر المذكور ، ولو كان المسجد صغيرا.
12/ بناء المساجد من الصدقات الجارية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علّمه ونشره ، وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن السبيل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته "{15} .
13/ الحث على الذهاب إلى المساجد والصلاة فيها :
ومما يدل كذلك على فضلها ومكانتها عند ربها الحث على الذهاب إليها والأجر الذي أعده الله سبحانه لمن خرج إليها:
عن نعيم المجمر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول :"من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج عامدا إلى الصلاة ، فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى صلاة ، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة ، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع ، فإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا ، قالوا : لم يا أبا هريرة ؟ قال : من أجل كثرة الخطا"{16} .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد وراح ، أعد الله له في الجنّة نزلا كلما غدا وراح. " {17} .
والمراد بالنّزل: ما يقدَّم للضيف .
14/ إكرام الله تعالى لزائر المسجد:
عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزُور أن يٌكرم الزائر. {18}
وعن عمرو بن ميمون قال: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: المساجد بيوت الله, وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها. تفسير الطبري ج19 ص189.
15/الخارج إلى المسجد ضامن على الله:
عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله قال:"ثلاثة كلهم ضامن على اللّه رجل خرج غازياً في سبيل اللّه فهو ضامن على اللّه حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة . ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على اللّه. ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على اللّه عز وجل.{19}.
ثالثا: أدلة أخرى:

1/ المساجد مصابيح الأرض:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: المساجد بيوت الله تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض" الجامع لأحكام القرءان للقرطبي ج15 ص 270.
2/ تذكير العلماء بعضهم البعض بأهمية هذا المكان الطاهر وأجر من بناه:
فقد كتب الخوارزمي إلى أحد الفقهاء :" أحق الأماكن بأن يصان ولا يهان، وأولاها بأن ينحى عن مدرجة الاختلال، ويرفع عن أن تتناوله يد الابتذال، مكان بني ليجمع شمل التعبد، ويضم نشر التهجد، وترفع منه الحوائج إلى من لا يضجر من السؤال، ولا يتبرم بكثرة التسآل، وهو الكبير المتعال، فإن صيانة هذا المكان صيانة الدين؛ بل صيانة المسلمين، وكبت الكفر والكافرين، وما ظنك بموضع هو بيت من بيوت الله، ومظنة لقراءة وحي الله تصف فيه الأقدام بين يدي الله، ويتميز فيه أولياء الله من أعداء الله، وهو من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وهو مسكن من مساكن الأبرار، ومجلس من مجالس الأخيار، وحصن من حصون المسلمين على الكفار، وجسر بين الجنة والنار، دخوله عبادة، والمقام به سعادة، والاعتكاف فيه سنة مستحسنة، لا يأوي إليه كافر، ولا يقربه إلا طاهر، من عمره عمر طريق الآخرة، ومن بناه بني له بيت في الجنة، وبلغني ما أنت فيه من بناء مسجد محلتك ضاعف الله عليه ثوابك وأكرم مآبك ورضي عنك وتقبل منك فتوسع رحمك الله في نفقتك، فإنما تعامل وتسلف كريما سخيا، ولا تحاسب نفسك على دخلك وخرجك فإنك بصدد أضعاف ذلك من الثواب، وإنما يوفى المحسن أجره بغير حساب، وتذكر قول الله عزوجل: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} " جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب للقاسمي ص 129- 130.
3/ سمّاه الله بأشرف الهيئات والحالات التي يكون عليها العبد وهو السجود :
يقول الزركشي رحمه الله:" ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة، لقرب العبد من ربه، اشتق منه اسم المكان للموضع الذي بني للصلاة فيه، فقيل: مسجد، ولم يقولوا: مركع" إعلام الساجد بأحكام المساجد ص28.
4/ شهادة أعداء الإسلام بفضل المساجد وأهميته:
قال " زويمر" القس المسيحي : "لا يزال المسلمون بخير مادام عندهم القرآن و المسجد"
5/ اعتناء الخلفاء الراشدين بالمساجد:
عن عثمان بن عطاء رحمه الله قال ": لما افتتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجدا ويتخذ للقبائل مسجدا ، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة ، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ، وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك ، وكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يبدوا إلى القرى ، وأن ينزلوا المدائن ، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجدا واحدا ولا يتخذ القبائل مساجد كما اتخذ أهل الكوفة والبصرة وأهل مصر وكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده" . كنز العمال لعلي بن حسام الدين ج8 ص 313-314.
6/ المساجد مواضع الأئمة ومجامع الأمة:
قال ابن تيمية رحمه الله:" وكانت مواضع الأئمة، ومجامع الأمة هي المساجد؛ فإن النبي أسس مسجده المبارك علي التقوى، ففيه الصلاة، والقراءة والذكر، وتعليم العلم، والخطب، وفيه السياسة، وعقد الألوية والرايات، وتأمير الأمراء، وتعريف العرفاء. وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم .
وكذلك عماله في مثل مكة، والطائف، وبلاد اليمن، وغير ذلك من الأمصار والقرى، وكذلك عماله علي البوادي، فإن لهم مجمعا فيه يصلون، وفيه يساسون، كما قال النبي: " إن بني إسرائيل كان تسوسهم الأنبياء، كلما ذهب نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء تعرفون وتنكرون " قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: " أوفوا ببيعة الأول فالأول، واسألوا الله لكم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم" .
وكان الخلفاء والأمراء يسكنون في بيوتهم، كما يسكن سائر المسلمين في بيوتهم، لكن مجلس الإمام الجامع هو المسجد الجامع" . مجموع الفتاوى ج 35 ص 36 – 37 .
7/ تعظيم السلف للمساجد :
"روى سعيد بن منصور رحمه الله عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب عليَّ خطيئة الليلة" {20}.
8/ المساجد سوق الآخرة:
روي عن عطاء بن يسار رحمه الله أنه كان إذا مرّ عليه بعض من يبيع في المساجد قال: عليك بسوق الدنيا، فإنما هذا سوق الآخرة {21} .
وقال الإمام الطرطوشي:"قال سبحانه : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} النور: 36 – 37. .
دلّت الآية على أن المساجد إنما رفعت لأعمال الآخرة؛ دون حرث الدنيا واكتسابها، ولقد كره مالك رحمه الله التابوت الذي جعل في المسجد للصدقات، ورآه من حرث الدنيا " الحوادث والبدع ص113- 114.

هذه بعض النصوص التي جاءت في فضل المساجد، والذي ينبغي أن يعلم ولا يغفل أن كل ما يتعلق بالمساجد من أحكام وآداب دليل على أهميته وعظيم مكانته في الإسلام .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
جمع وترتيب: أبو عبد الرحمن أمين البجائي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{1}:روى الترمذي في جامعه، كتاب تفسير القرءان، سورة البقرة، برقم 2987، عن البراء رضي الله عنه في قوله تعالى:{ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله تبارك تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فيه }وبوب له البخاري في صحيحه بباب القسمة وتعليق القنو في المسجد، ثم قال: القنو : العذق . قال ابن رجب~: وقد ذكر القنو في تبويبه وفسره ولم يخرج حديثه... ثم قال: قوله: "العذق" يعني : عذق النخلة الذي يكون فيه الرطب .فتح الباري، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الشهير بابن رجب، ج 2 ص 363 – 364.
{2}:رواه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد، برقم 671 .
{3}:رواه الحاكم في مستدركه، كتاب البيوع برقم 2149 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3271 .
{4}:رواه البزار في مسنده ، مسند جبير بن مطعم برقم 3430 ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 320 .
{5}:رواه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، برقم 428 ، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب ابتناء مسجد النبي برقم 524 .
{6}:رواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور، برقم 455، والترمذي في جامعه، كتاب الصلاة، باب ما ذكر في تطيب المساجد، برقم 597، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2724 .
{7}:رواه النسائي في سننه، كتاب المساجد، باب اتخاذ البيع مساجد، برقم 709 .
{8}:رواه البخاري في صحيحه، كتاب الآذان، باب فضل من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، برقم 660، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره، برقم 1031.
{9}:رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني صحيح الجامع 6702 .
{10}:رواه البزار في مسنده، مسند سلمان الفارسي، برقم 2546. صحيح الترغيب جـ1 رقم 325.
{11}:رواه ابن ماجه في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة، برقم 800، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 327 .
{12}: رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة 2728 .
{13}:رواه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب من بنى لله مسجدا، برقم 450، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب فضل المساجد والحث عليها، برقم 533 .
{14}:رواه ابن ماجه في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب من بنى لله مسجدا، برقم 738، وصححه الألباني .
{15}:رواه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب ثواب معلم الناس الخير، برقم 249، وحسنه الألباني .
{16}:رواه مالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء، برقم 33 .وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 297.
{17}: رواه البخاري في صحيحه، كتاب الآذان، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح ، برقم 662، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، برقم 669 .
{18}:رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم 6139 . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1169.
{19}:رواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب فضل الغزو في البحر، برقم 2494 . وصححه الألباني .
{20}:فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ج1 ص 610، والأثر مروي في مصنف عبد الرزاق 9144، وليس فيه:" ثم قال: الحمد لله..." .
{21}:رواه مالك في الموطأ بلاغا ، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصلاة، برقم 92 .


التعديل الأخير تم بواسطة أمين البجائي ; 25 Feb 2015 الساعة 04:56 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 Feb 2015, 06:02 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

جزاك الله خيرا اخي أمين البجائي

بحث ماتع رائع ، يدل على الكتابة الجادة والكاتب المجتهد - نحسبك كذلك والله حسيبك -
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 Feb 2015, 05:28 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أمين، ننتظر المزيد...
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 Feb 2015, 06:23 PM
أبو مالك أبو بكر حشمان أبو مالك أبو بكر حشمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو مالك أبو بكر حشمان
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أمين على بحثك وجمعك الطيب فما أحوجنا إلى هذه المقالات العملية التربوية فبارك الله فيك .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 Feb 2015, 01:16 AM
أمين البجائي أمين البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
المشاركات: 77
افتراضي

جزاكم الله خيرا أيها الإخوة الأفاضل على تعليقاتكم الماتعة
والتي تحمل بين طياتها معان هي للخير جامعة, ولطلاب العلم مشجعة نافعة.
شكر الله سعيكم ونفع بكم وغفر ذنبكم .....
والشكر موصول إلي أخي الفاضل أبي عبد الرحمن عبد الله بادي على شكره وتشجيعه
أما عن الأحاديث التي جمَعْتَها في فضل المساجد في بحثك الموسوم إعلام العابد بعشر أحاديث في فضل المساجد فقد أضفت إلى بحثي بعضا منها, فبارك الله فيك أخي عبد الله على اهتمامك.
أخي مهدي أنا أعدك بالمزيد إن شاء الله رب العالمين .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 Feb 2015, 11:47 AM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أمين و نفع الله بك
كما قال الإخوة بارك الله فيهم ، ننتظر المزيد...
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 Feb 2015, 09:20 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي أمين على مقالك المتين، ومرحبا بك بين إخوانك وأحبابك.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02 Mar 2015, 09:39 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

شكرًا لك أبا عبد الرحمن.
لا تزال بجاية ـ صانها الله ـ تُلقي علينا من درر أشخاص بَرِّها ما هو أطيب وأعزُّ من درر أصداف بحرها.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03 Mar 2015, 02:30 PM
حبيب تومي البجائي حبيب تومي البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: بجاية/ الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى، مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (‏الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]، فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا ‏يَلْتَمِسُ ‏‏فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ].
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, أضاحي, صلاة, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013