منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 20 Jun 2019, 09:10 PM
وليد ساسان وليد ساسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 77
افتراضي في ما يعيه القلب ولا يؤديه اللسان لا لعي فيه

والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين وبعد:

لا شك عند كل من رزقه الله علما في أيِّ فن من الفنون سواء أكان علما معنويا أو كان ماديا، أنه تعترضه أشياء في فنه يعيها قلبه ولا ينطلق بها لسانه، يجد بردها في نفسه يقينا لا شك فيه، وحقا لا لبس عليه، ولما كان هذا الزمان الذي نعيشه لم يراع فيه أهله هذا المعنى أحببت أن أنقل بعض الآثار المختلفة أدلل بها على ما زعمت تكون كاليقين لهذا الزعم الذي هو محل ثقة عند سلفنا وعند كل ناجح من أهل عصرنا.

أولا: قال عثمان بن جني: "سألت يوماً أبا عبد الله محمد بن العساف العقيلي فقلت له: كيف تقول ضربت أخوك ؟ فقال: أقول ضربت أخاك.
فأدرته على الرفع فأبى وقال لا أقول أخوك أبداً.
قال: فكيف تقول ضربني أخوك ؟ فرفع، فقلت: أليس زعمت أنك لا تقول أخوك أبداً، فقال إيش هذا، اختلفت جهتها في الكلام"
. "الخصائص"(1 /77).

فانظر إلى هذا الرجل كيف أجاب بالحق الذي ما استطاع أن يدلل عليه ولا أن يفسره.

ثانيا: حكى أبو إسحاق الموصلي قال: "قال لي المعتصم أخبرني عن معرفة النَّغَم، وبينه لي، فقلت له:
"إن من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة، ولا تؤديها الصفة"
اهـ.

يقصد بالنَّغم: هو ذلك النغم الموسيقى في الشعر الذي يزيد الشعر بلاغة وسلاسة يعرفه نقاد الشعر وعلماء البيان.
كما أن هذا الجواب المبلغ يعرفه أربابه من أصحاب البيان والنقد.

ثالثا:
وعن يونس بن عبد الأعلى قال: "سألت الشافعي رحمه الله عن مسألة فقال: إني لأجد بيانها في قلبي، ولكن ليس ينطلق به لساني". "الوساطة بين المتنبي وخصومه"(ص410).

وهذا جواب من جنس جواب أبي إسحاق للمعتصم وهو عذر له عن الجواب لا يقوم مقامه الف جواب.
بل شددو على من لم يفقه هذا الباب وأوغلوا في ذمهم لكل من لم ير مثل نفسه وتكبر على أهل الفن ولم يلق لذلك بالا ولا اعتبارا.

رابعا: فهذا أبو الأسود الدؤلي جاءه غلامٌ يلتمس ما عنده ، فقال له أبو الأسود :"ما فعل أبوك؟
قال الغلام : أخذته الحمى فطبخته طبخا ، وفضخته فضخا ، وفنخته فنخا فتركته فرخا . قال أبو الأسود : فما فعلت امرأته التي كانت تجاره وتشاره وتزاره وتهاره ؟!
قال الغلام : طلقها فتزوجت غيره ، فرضيت وحظيت وبظيت . قال أبو الأسود : قد عرفنا حظيت ، فما بظيت ؟ قال الغلام : هذا حرف من الغريب لم يبلغك . قال أبو الأسود : يا بن أخي : كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستره كما تستر السنور خرأها !!!
"عيون الأخبار"(2 / 181).

هذا حين لا يعتبر الكبير وينطق الصغير ويحسب انه على شيئ وإلى الله المشتكى.

خامسا:
قال ابن سلام : "قال قائل لخلف: إذا سمعتُ أنا بالشعر أستحسنه فما أبالي ما قلت أنت فيه وأصحابك؟ .- يعني من النقد والذم لأنهم كانوا من نقاء الشعر-
قال خلف: "إذا أخذت درهما فاستحسنتَه، فقال لك الصراف: إنه رديء! فهل ينفعك استحسانك إياه؟".
"طبقات فحول الشعراء"(1/ ص7).

يعني ما تفعل أنت بجودته في نفسك إذا كان رديئا في نفس النقاد وأهل العلم بالشعر!؟

ولم يقف هذا عند البلاغيين والشعراء بل هو عند كل صاحب حرفة وصناعة، ومن الأمثلة على ذلك عند المحدثين - وهم من هم في باب العلل- هذه القصة المتعة، وسأسوقها بطولهه لعظم نفعها:

سادسا:
قال ابن أبي حاتم : "سمعت أبي يقول : جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي ، من أهل الفهم منهم ، ومعه دفتر ، فعرضه علي ، فقلت في بعضه : هذا حديث خطأ ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث ، وهذا باطل ، وهذا منكر ، وسائر ذلك صحاح ، فقال : من أين علمت أن ذاك خطأ ، وذاك باطل ، وذاك كذب ؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت ، أو بأني كذبت في حديث كذا ؟ قلت : لا ، ما أدري هذا الجزء من راويه ، غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ ، وأن هذا باطل فقال : تدعي الغيب ؟ قلت : ما هذا ادعاء غيب . قال : فما الدليل على ما قلت ؟ قلت : سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن ، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم . قال : ويقول أبو زرعة كقولك ؟ قلت : نعم ، قال : هذا عجب . قال : فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث ، ثم رجع إلي ، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث ، فقال : ما قلت إنه كذب ، قال أبو زرعة : هو باطل . قلت : الكذب والباطل واحد ، قال : وما قلت : إنه منكر ، قال : هو منكر ، كما قلت ، وما قلت : إنه صحيح ، قال : هو صحيح . ثم قال : ما أعجب هذا ! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما . قلت : فعند ذلك علمت أنا لم نجازف وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه ، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا بهرجا يحمل إلى الناقد ، فيقول : هذا بهرج . فإن قيل له : من أين قلت : إن هذا بهرج ؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار ؟ قال : لا . وإن قيل : أخبرك الذي بهرجه ؟ قال : لا . قيل : فمن أين قلت ؟ قال : علما رزقته . وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك ، وكذلك إذا حمل إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج ، يعرف ذا من ذا ، ويقول كذلك . وكذلك نحن رزقنا علما ، لا يتهيأ له أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا كذب ، أو هذا منكر ، فنعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة ، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته".اهـ من "سير أعلام النبلاء" وهي "علل الحديث" لابن أبي حاتم. (ص1 /24).

وكتب الحديث والعلل مليئة بأمثال هذه القصة ولا يوجد قوم قد أدركوا هذا الذي نحن بصدده كما أدركه المحدثون.

سابعا:
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، في باب الإيمان عن أبي هريرة قال : " لما توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب :" فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق".

وهنا لمحة ينبغي التوقف عندها
، وهي إذا كان عمر يلزم نفسه بما رآه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما وهو من هو في منزلته وعظمته وذلك لِما رآه من مكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند غيره من الصحابة الكرام، فهنا ندرك أن هذا الفن عندهم كان من العلم الذي لا يخالف، نعم قد وقع الخلاف والرد بين الصحابة رضوان الله عليهم فيما يسعه الخلاف ومنهم مصيب في ذلك ومنهم مخطئ وكل مجتهد، وجواب هذا كذلك أن هذا من الأشياء التي تحيط بها المعرفة ولا تؤديها الصفة.!
والله تعالى أعلم.



وهذا هو السبب الذي يجعل أهل الاختصاص يقبلون هذه الكلمة من أهلها وهي "إن في النفس منه شيئا" وهذا هو السبب ذاته الذي جعلهم يريدونها على من يقولها وهو ليس من أهلها.
ولذلك فإن في الوجود أشياءً تعطيك يقينا لا تزيله الشبهات ولا تكدره، تجده في أغلب الحالات يقينا باردا في نفسك عند قبوله، من جنس اليقين الذي حصل لسحرة فرعون حين ألقيت العصا عليهم، فقد سبب إلقاؤها علما ويقينا لم يدركه فرعون وقتها وذلك لبعد صنعته عن صنعتهم، فإننا نرى هذا اليقين قويَ حتى صار قوة رهيبة في انفسهم صنعتها القدرة الإلهية بمحكمتها؛ إذ وجدناه قد قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وهم ثابتون على ما تيقنوه، فما عادوا ولا رجعوا.
بل قالوا له ثابتين: "فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا." فاي قوة إيمانية حصلت لهؤلاء النفر من عرض البشر الذين من حولهم برؤيتهم عصا كعصيهم يلقيها عليهم رجل مثلهم في نظرهم يومها؛ فإذا هي تلقف ما يأفكون! لاشك انهم رأو أمرا كبارا لا طاقة لبشر على مثله!



هذا والله تعالى أعلم.

وجمعه
وليد ساسان


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 24 Jun 2019 الساعة 06:55 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013