منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 May 2008, 06:44 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي طرق إثبات المقاصد الشرعية عند الإمام الشاطبي -رحمه الله-

المقدمة

إنَّ الْحَمْدَ للهِ ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ؛ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: ١]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: ٧٠ – ٧١]

أما بعد :
فإن أصدق الكلام كلام الله – تعالى - ؛ و خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه و سلم- ؛ و شر الأمور محدثاتها ؛ و كل محدَثة بدعة , و كل بدعة ضلالة , و كل ضلالة في النار.

أَمَّا بَعْدُ:
فلما كان كمال إرادة العبد بحسب كمال مراده ، وكان شرف العلم تابعا لشرف معلومه ، كانت نهاية سعادة العبد -التي لا سعادة له بدونها، ولا حياة له إلا بها- أن تكون إرادته متعلقة بالذي لا يبلى ولا يفوت ؛ وعزمات همته مرتبطة بالحي الذي لا يموت ؛ ولاسبيل إلى هذا الطلب الأسمى والحظ الأوفى إلا بالعلم الموروث عن نبيه ورسوله وحبيبه وخليله –صلى الله عليه و سلم- الذي بعثه بذلك داعيا، وجعله على هذا الطريق هاديا ؛ فحق على ما كان في سعادة نفسه ساعيا، وكان قلبه حيّا، وعن الله واعيا ، أن يكون هذا الأصل مدار أقواله وأفعاله (1): فإن كمال الإنسان إنما يتم بأمرين: همّة تُرقيه وعلم يُبصره ويهديه . وإن علم مقاصد الشريعة الإسلامية من أعظم العلوم ومن أجل الفنون التي يتوصل بها إلى معرفة الحكم والغايات التي جعلها الله –جلّ وعلا- من وراء تشريع الأحكام، وأنّها معللة بمصالح الأنام ؛ وحيث كان لا سبيل إلى استثمارها دون النظر في مسالكها، ولا مطمع في اقتناصها من غير التفات إلى مداركها ، كان من اللازم البحث في أغوارها، والكشف عن أسرارها ؛ و من طليعة العلماء الذين اهتموا بالمقاصد عامة، وبطرق كشفها خاصة ، العلاّمة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المتوفى سنة تسعين وسبعمائة بعد الهجرة النبوية المباركة ؛ فقد عقد خاتمة في آخر كتاب "المقاصد" من مؤلّفِه العظيم "الموافقات" ، ونص فيها على أربعة طرق يُعرف بها مقصد الشارع في تشريعه الأحكام ؛ ولقد عملنا في هذا البحث المتواضع على محاولة توضيح ما ذكره الإمام ، وتذييله بشيء من التفصيل والبيان ؛ وكان سبب اختيارنا لهذا الموضوع يتمثل في أهميته و رغبتنا في تزويد بضاعتنا بشيء من هذا الباب العظيم ؛ و كذا لقلة من كتب فيه .
وتكمن أهميته في أنه السبيل الأوحد الذي يُمكِّننا من إدراك مقاصد الأحكام ؛ فهو للمقاصد كمسالك العلة بالنسبة للعلّة والقياس.
وكانت منهجية بحثنا أننا نورد هذه الطرق ، ونذكر ما ذكره الإمام فيها إجمالا ، وبعد ذلك نفصل ما ذكره مع تحقيق المسائل الواردة -إن وُجدت- ، وتتميم كلامه -إن وُجد- ممّن تقدمه أو جاء بعده ؛ إلى جانب ذكر آراء الباحثين المعاصرين المختلفة حول هذه المسالك.
وسنحاول بإذن الباري –جلّ وعلا- في هذه الوريقات أن نبسط الكلام في هذه المسالك الأربعة التي ذكرها الشاطبي –رحمه الله- نصا وتصريحا ؛ و في مسالكَ أخرى ذكرها إشارة وتلميحا.
وقبل ذلك عقدنا فصلا تمهيديا في بيان المقاصد عند الشاطبي ، وبيان طرق كشفها عند غيره ممّن تقدمه، وقد كانت خطة البحث كالتالي:

المقدمة:
الفصل الأول: فصل تمهيدي
المبحث الأول: المقاصد الشرعية عند الإمام الشاطبي.
• المطلب الأول: تعريف مقاصد الشريعة.
• المطلب الثاني: ترجمة الإمام الشاطبي.
• المطلب الثالث: مقاصد الشريعة عند الإمام الشاطبي.
المبحث الثاني: طرق الكشف عن المقاصد قبل الشاطبي.
• المطلب الأول: معنى طرق الكشف عن المقاصد.
• المطلب الثاني: طرق الكشف عن المقاصد قبل الشاطبي.
الفصل الثاني: طرق الكشف عن المقاصد عند الإمام الشاطبي.
المبحث الأول: الطرق التي نص عليها الشاطبي
• المطلب الأول: مجرد الأمر والنهي الإبتدائي التصريحي.
• المطلب الثاني: اعتبار علل الأمر والنهي.
• المطلب الثالث: المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة.
• المطلب الرابع: سكوت الشارع عن شرعية العمل.
المبحث الثاني: الطرق التي أشار إليها الشاطبي.
• المطلب الأول: الاستقراء.
• المطلب الثاني: مقتضيات اللسان العربي.
• المطلب الثالث: السياق والمقام.
• المطلب الرابع: آثار الصحابة.
الخاتمة
الفهارس.
وقد اعتمدنا في بحثنا على مصادر ومراجع تتعلق بمقاصد الشريعة وطرق كشفها ؛ وأخرى في علوم أخرى استدعاها البحث ؛ وكان من أهم المصادر المعتمدة:
- " كتاب الموافقات " للإمام الشاطبي، بتحقيق محمد دراز ؛ وقد رمزنا لها بالحرف "د" ؛ وبتحقيق الشيخ مشهور حسن آل سلمان، وقد رمزنا لها بالحرف "م".
- " كتاب الاعتصام " للمؤلف نفسه ؛ بتحقيق الشيخ سليم الهلالي.
- ومن أهم المراجع المعتمدة: "كتاب نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" للدكتور أحمد الريسوني ؛ وكتاب " طرق الكشف عن مقاصد الشارع " للدكتور نعمان جغيم.
كما ترجمنا لأشهر الأعلام الواردُ ذكرُهم في البحث، وكذا الفِرق ؛ و عزونا الآيات إلى مواضعها في القرآن الكريم ؛ و خرجنا الأحاديث ؛ وعزونا –كذلك- النصوص الواردة لقائليها ، إمّا إلى المصادر أو إلى المراجع –حال التعذر-.
وفي الأخير وضعنا فهارس للآيات والأحاديث والأعلام والمصادر والمراجع والمواضيع.
و كذلك ، كان منهجنا في العرض على النحو التالي:
- عزونا الآيات إلى موقعها في المصحف مباشرة بعد ذكرها ، على هذا الشكل ﴿الآية﴾ [اسم السورة:رقم الآية] ؛ و اعتمدنا على الخط العثماني لكتابة الآيات.
- خرجنا الأحاديث في الحواشي على الشكل التالي : اسم الكتاب (رقم الصفحة) أو (الجزء / الصفحة) ؛ وكانت كتابة الأحاديث على النحو التالي : (( الحديث )).
- نسبنا كلام الأئمة و العلماء إلى المصدر أو المرجع الذي أخذناه منه ، على الشكل التالي : " كلام العالم " ، و العزو في الحاشية : اسم الكتاب (ص) أو (الجزء / الصفحة).
- عند عدم قدرتنا للرجوع إلى المصدر أحلنا إليه عن طريق المرجع بهذا الشكل : المصدر [عن طريق المرجع].

هذا ، وإننا نعترف بتقصيرنا و قلة خبرتنا و بضاعتنا ؛ فما كان فيه من صواب ، فمن الله العليّ الوهاب ؛ وما كان فيه من خطأ، فمنّا ومن الشيطان ؛ و اللّهَ نسأل حسن الثواب، والإخلاص في العلم والعمل ؛ وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

-----------------
(1) مفتاح دار السعادة (1/90).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 May 2008, 06:48 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الفصل الأول: فصل تمهيدي

المبحث الأول: المقاصد الشرعية عند الإمام الشاطبي.

المطلب الأول: تعريف مقاصد الشريعة.
أولا: تعريف المقاصد لغة.
المقاصد جمع مقصد، وهو مأخوذ من قصد يقصد قصدا فهو قاصد، والقصد لغة له عدة معان منها:
أ- استقامة الطريق وسهولته ؛ ومنه قوله –تعالى-: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النحل: 9] ؛ أي: على تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة ؛ ويقال: طريق قاصد ؛ أي سهل مستقيم ؛ وسفر قاصد أي: سهل قريب ؛ وفي التنزيل : ﴿ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ ﴾ [التوبة: ٤٢] أي غير شاق.
ب-العدل والوسط بين الشيئين ؛ ومنه قوله -صلى الله عليه و سلم- : (( القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا )) (1)، أي: عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل ؛ وهو الوسط بين الشيئين.
ج-إتيان الشيء وأمّه ؛ تقول: قصدته أي أتيته، توجهت إليه ؛ وغيرها من المعاني (2).

ثانيا: تعريف مقاصد الشريعة.
للعلماء عدة تعاريف للمقاصد الشرعية، ومن أهمها:
أ-تعريف الشيخ الطاهر بن عاشور (3): حيث عرّف المقاصد العامّة بقوله: " هي المعاني والحِكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها ، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة"(4).
وعرّف المقاصد الخاصة بقوله: " هي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة" (5).


--------------------------
(1) البخاري (5/2373) ، برقم (6098).
(2) لسان العرب (3/353)، تاج العروس (5/189)، معجم مقاييس اللغة (5/95).
(3) الطاهر بن عاشور: محمد الطاهر بن عاشور، رئيس المفتين المالكيين بتونس، وشيخ جامعة الزيتونة، من مؤلفاته: مقاصد الشريعة الإسلامية، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، والتحرير والتنوير...ولد سنة 1296 هـ - وتوفي سنة 1393 هـ.
معجم المؤلفين (3/363)، الأعلام للزركلي (6/179)
(4) مقاصد الشريعة لابن عاشور (15).
(5) مقاصد الشريعة لابن عاشور (146).




رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 May 2008, 06:54 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ب- تعريف الأستاذ علاّل الفاسي (1): قال :"هي الغاية منها ،والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها "(2).
ج- تعريف حمادي العبيدي: "هي المعاني والحكم المقصودة للشارع في جميع أحوال التشريع " (3).
د- تعريف محمد اليوبي: "هي المعاني والحكم ونحوها ، التي راعاها الشارع في التشريع -عموما وخصوصا- من أجل تحقيق مصالح العباد " (4).
وغيرها من التعريفات التي تتفق في أن مقاصد الشريعة هي الحكم التي جعلها الله من وراء تشريع الأحكام لتحقيق مصالح عباده.

المطلب الثاني: ترجمة الإمام الشاطبي.
هو الإمام العلامة الفقيه الأصولي، ناصر السنة وقامع البدعة، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الشهير بالشاطبي ، المحقق القدوة الجليل الحافظ ؛ كانت ولادته قبل سنة 720 هـ ، كذا قال أبو الأجفان ؛ وبغرناطة نشأ وترعرع ولازمها إلى أن توفي ؛ إلا أنه نسب إلى شاطبة (Sativa)، وهي تقع جنوب بلنسية قريبا من البحر الأبيض المتوسط.

من شيوخه: الشريف التلمساني (5)، وأبو عبد الله المقري (6)، وأبو علي الزواوي (7)، وابن الفخار البيري (8) وابن مرزوق الخطيب (9) و غيرهم .


---------------------------------------------

(1) علاّل بن عبد الواحد بن عبد السلام الفاسي، من زعماء المغرب وخطبائه العلماء، من مؤلفاته: هنا القاهرة، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دفاع عن الشريعة...ولد سنة 1326 هـ - وتوفي سنة 1344 هـ . معجم المؤلفين (2/384)
(2) مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها (7).
(3) الشاطبي ومقاصد الشريعة (119).
(4) مقاصد الشريعة لليوبي (17).
(5) محمد بن أحمد بن علي بن يحيى الشريف التلمساني العلوي أو العلوني، علاّمة تلمسان بل إمام المغرب قاطبة. من مؤلفاته: مفتاح الوصول... ولد سنة 710 هـ - وتوفي سنة 791 هـ.كفاية المحتاج (366)، مقدمة المفتاح بتحقيق فركوس (39).
(6) أبو عبد الله المقري: صاحب نفح الطيب، التلمساني. من مؤلفاته: كتاب القواعد في الفقه والطرف والتحف والحقائق والدقائق... توفي سنة 258 هـ . معجم المؤلفين (2/300).
(7) أبو علي منصور بن علي بن عبد الله الزواوي التلمساني الفقيه العلم النظار، أخذ عن المشدالي ووالده ابن الفخار، وأخذ عنه الشاطبي والسراج. ولد سنة 710 هـ - وكان حيا قبل 770 هـ.شجرة النور الزكية (1/336).
(8) أبو عبد الله محمد بن علي الفخار البيري، الأستاذ المحقق الإمام العلامة، أخذ عن أبي عبد الله الكماد، وعنه لسان الدين بن الخطيب وأبو البركات بن الحاج. توفي سنة 754 هـ .شجرة النور الزكية (1/329).
(9) أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني، الشهير بالخطيب. من تصانيفه: شرح العمدة، وشرح الشفا، وشرح الأحكام الصغرى. ولد سنة 710 هـ- وتوفي سنة 781 هـ . شجرة النور (1/340)




رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 May 2008, 06:56 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ومن تلامذته: أبو يحيى بن عاصم (1)، وأخوه أبو بكر (2) صاحب التحفة، وأبو عبد الله البياني (3)، و غيرهم.
وقد تولى التدريس بغرناطة وأسندت إليه الخطابة والإمامة.
ومن مؤلفاته: الموافقات و الاعتصام والإفادات والإشادات، وهي مطبوعة ؛ و ممّا لم يطبع: شرح الخلاصة، وكتاب المجالس شرح كتاب البيوع من البخاري، وأصول النحو، وعنوان الاتفاق في علم الاشتقاق، وجَمَعَ فتاويه الأستاذ محمد أبو الأجفان.
توفي –رحمه الله- يوم الثلاثاء 8 شعبان 790 هـ(4).

المطلب الثالث:مقاصد الشريعة عند الإمام الشاطبي.
لقد أولى الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- علم مقاصد الشريعة أهمية عظمى وعناية فائقة ؛ ويظهر ذلك جليا من خلال مؤلفاته التي لا يكاد واحد منها يخلو من ذكر المقاصد ومراعاتها وبناء الأحكام والفتاوى عليها.
كما يمثل الإمام الشاطبي –رحمه الله- حلقة مهمة من حلقات التنظير في علم المقاصد ؛ لذلك نجد عنده عدة جوانب من التجديد في هذا العلم بالنسبة إلى من قبله ؛ ويمكن أن نعرض مدى اهتمام الإمام بعلم المقاصد وجوانب التجديد عنده فيما يلي:

أولا: يعتبر الإمام الشاطبي أول من أفرد هذا العلم بمصنف ؛ ولذلك فقد أسهم إسهاما كبيرا في إبراز هذا العلم حيث خصص له جزءً في كتابه الموافقات؛ وذلك لتأثره بمن سبقه من العلماء كالغزالي (5) والعز بن عبد السلام (6)

---------------------------------------------

(1) قاضي الجماعة أبو يحيى محمد بن أبي بكر محمد بن عاصم، الأستاذ المحقق العالم الحافظ، من تآليفه: شرح التحفة، والروض الأريض في تراجم ذوي السيوف والأقلام و القريض...شجرة النور الزكية (1/358)
(2) محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي، الفقيه الأصولي المحدث، من تآليفه: التحفة، واختصار الموافقات، وأرجوزة في الأصول وأخرى في النحو... ولد سنة 760 وتوفي سنة 829 هـ . شجرة النور (1/356)
(3) محمد أبو عبد الله البياني الغرناطي، من أصحاب الشاطبي، أخذ عنه القاضي أبو يحيى ونقل عنه.كفاية المحتاج (412).
(4) الأعلام للزركلي (1/79)، معجم المؤلفين (1/77)، وانظر: فتاوى الشاطبي (32)، الشاطبي ومقاصد الشريعة (11)، تهذيب الموافقات (12)، الإفادات والإشادات (11)، الإمام الشاطبي عقيدته وموقفه من البدع لعبد الرحمـن علي، نظرية المقاصد للريسوني (79)، وانظر مقدمات تحقيق الاعتصام والموافقات، لكل من الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ مشهور حسن آل سلمان، والشيخ سليم الهلالي ، والشيخ محمد دراز.
(5) زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي. من تصانيفه: المستصفى والإحياء... توفي سنة 505 هـ.سير أعلام النبلاء (19/322)، نزهة الفضلاء (4/1481)، وفيات الأعيان (4/216).
(6) عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السلمي، المغربي أصلاً والدمشقي مولداً والمصري دارًا ووفاةً، والشافعي مذهبًا؛ من تآليفه: القواعد، بيان أحوال الناس يوم القيامة... ولد سنة 577 هـ، وتوفي سنة 660 هـ.انظر طبقات الشافعية (8/209).



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 May 2008, 06:58 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

و القرافي (1) ؛ بالإضافة إلى مذهبه المالكي الذي من أصوله سدّ الذرائع والمصالح المرسلة...(2)
ثانيا: نجد أن الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- قد اهتم بالمقاصد اهتماما عظيما ؛ ولذا نجده في معظم مصنفاته يشير إليها ويبين الأحكام عليها.
ففي كتابه الموافقات (3) -الذي يُعتبر من أهم مصنفاته التي أبرز فيها أهمية مقاصد الشريعة- قد أفرد فيه جزءً خاصا بهذا العلم سمّاه "كتاب المقاصد" ؛ حيث قسمها إلى مقاصد الشارع ومقاصد المكلف ؛ فذكر في مقاصد الشارع قصده في وضع الشريعة ابتداءً لمصالح العباد ، وقصده في وضعها للإفهام ، وقصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، وقصده في دخول المكلف تحت أحكامها ؛ وأشبع هذه الأنواع الأربعة بمسائل كثيرة ؛ ثم ذكر في مقاصد المكلف مسائل أخرى تربوا من العشرة ، ختمها بمجموعة من الطرق التي يُتوصل بها إلى معرفة مقصد الشارع.
هذا وقد أشار إلى المقاصد في غير هذا الجزء ؛ فنجده يذكر الضروريات الخمس في غير ما موضع من كتابه وأشار إلى مسائل المباح التي تتعلق بالمقاصد في الأحكام التكليفية ؛ كما أشار إلى الأسباب والمسببات في الأحكام الوضعية(4).
وأما كتابه الاعتصام(5) فقد تناول فيه موضوع البدع ، وحرّر الكلام فيها ، وبحثها بحثا علميا وسبرها بمعيار الأصول الشرعية ؛ فإننا نجد هذا الكتاب متعلقا بالمقاصد تعلقا بينا وظاهرا ، لأن البدع -كما هو معلوم- مناقضة لمقصد الشارع مناقضة كلية ؛ فتصدى لها ذودا عن الشريعة ومراعاةً لمقاصد الشارع ؛ بالإضافة إلى ذلك فقد قرّر في مواضع كثيرة من كتابه بعض المسائل الكبرى من علم المقاصد ؛ فمن ذلك أنه ذكر أن البدع تقع في الضروريات والحاجات والتحسينات ؛ ثم ذكر أمثلتها في الضروريات الخمس(6) ؛ وكذلك فرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان(7)، بل جعل الجهل بمقاصد الشريعة هو سبب الابتداع في الدين(8) ؛ وأشار إلى مبدأ


-------------------------------------------------

(1) شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي القرافي أبو العباس، فقيه أصولي مفسر. من تصانيفه: " الخذيرة" ، شرح التهذيب" ، " أنواء البروق" ، "شرح المحصول" ؛ ولد سنة 626 هـ ، و توفي سنة 684هـ. معجم المؤلفين (1/100).
(2) مقاصد الشريعة لليوبي (67).
(3) هو من أعظم كتبه اسمه "الموافقات" وسماه قبل ذلك (عنوان التعريف بأسرار التكليف)، قسمه إلى خمسة أقسام (مقدمات والأحكام والمقاصد والأدلة والإجتهاد). وأحسن طبعاته: طبعة الشيخ دراز ورمزنا لها بالرمز (د)، وطبعة الشيخ مشهور ورمزنا لها بالرمز (م).
(4) نظرية المقاصد للريسوني ( ).
(5) هو من أعظم كتبه تناول فيه موضوع البدع وقد قسمه إلى عشرة أبواب تناول فيها تعريف البدع وأنواعها وذمها وما يتعلق بها من أحكام، وأحسن طبعاته طبعة الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ سليم الهلالي، والشيخ مشهور آل سلمان.
(6) الاعتصام (2/518).
(7) الاعتصام (2/706) ؛ و في هذه المسألة هدّم مذهب القائلين بالتقسيم الخماسي للبدعة ، بل فنّده مثالا مثالا ؛ فرحمه الله رحمة واسعة.
(8) الاعتصام (2/690).

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 May 2008, 06:59 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

رفع الحرج فقال: " والأدلة في هذا المعنى كثيرة ، جميعها راجع إلى أنّه لا حرج في الدين"(1).
كما أشار إلى مبدأ التيسير حين ذكر إحدى الأمور المنهي عنها التي يؤدي إليها الدخول في عمل على نيّة الالتزام
فقال:" …أن الله ورسوله أهدى في هذا الدين التسهيل والتيسير ؛وهذا الملتزم يشبه من لم يقبل هديته ؛وذلك يضاهي ردها على مهديها ، وهو غير لائق بالمملوك مع سيده ، فكيف يليق بالعبد مع ربه ؟ "(2).
وأشار إلى مبدأ سد الذريعة فقال:"فكل عمل أصله ثابت شرعا إلا أن إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنة فتركه مطلوب في الجملة أيضا من باب سدّ الذرائع"(3).
و في كتابه الإفادات والإشادات(4) -الذي هو من صنف كتب المحاضرات والمذاكرات- نجد أنه قد ذكر بعض الفوائد التي يتعلق موضوعها بعلم المقاصد من الناحية التطبيقية ، ومنها: الإفادة رقم 5، التي ذكر فيها سرّ تشريع ذبح الحيوان(5) ؛ والإفادة رقم 25، التي ذكر فيها سرّ جعل الكعبة إلى جهة اليسار في الطواف(6).
و في كتابه فتاوى الشاطبي(7) -الذي جمعه الأستاذ محمد أبو الأجفان- فإن الشاطبي في كثير من فتاويه قد بناها وفق رؤَى مقاصديةٍ ومصلحيةٍ ؛ كما أشار إلى بعض المسائل في علم المقاصد ؛ ومن ذلك الفتوى رقم 15 التي سئل فيها عن قصر ذبح الحيوانات على شخص معين ؛ فكانت إجابته وفق القواعد المقاصدية(8) ؛ وذكر في الفتوى رقم 60، أن المقاصد أرواح الأعمال(9) ؛ كما أشار إلى مبدأ سدّ الذرائع (10) والاستحسان (11) ومبدأ رفع الحرج (12) والمصلحة المرسلة (13) في كل من الفتاوى 7-17-31-45، على الترتيب ؛ والحاصل من كلّ هذا أن الإمام الشاطبي يُعتبر شيخ المقاصد ؛ فقد اهتم بها اهتماما عظيما جعله يستحضرها في جميع كتاباته وتصانيفه.

-------------------------------------------
(1) الاعتصام (1/395).
(2) الاعتصام (1/387).
(3) الاعتصام (1/511).
(4) هو من كتب الشاطبي الأدبية ولقد اشتمل على فوائد علمية، وطُرف متنوعة وهي مروية عن شيوخه وأقرانه من علماء الأندلس والمغرب، وقد جعل بإثر كل إفادة إشادة بلغت واحد ومائة، وقد حققه الشيخ محمد أبو الأجفان.
(5) الإفادات والإشادات (87).
(6) الإفادات والإشادات (105).
(7) جمع الفتاوى وحققها الأستاذ محمد أبو الأجفان وقسم الكتاب إلى قسمين: قسم يتعلق بالشاطبي والفتاوى، وقسم ذكر فيه ستين فتوى للشاطبي موزعة على أبواب الفقه والعبادات والمعاملات والبدع والعادات مبيّنا مصادر الفتاوى.
(8) فتاوى الشاطبي (137).
(9) نفس المصدر (214).
(10) نفس المصدر (126).
(11) نفس المصدر (141).
(12) نفس المصدر (159).
(13) نفس المصدر (188).


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 May 2008, 07:01 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

(1) الاعتصام (1/395).
(2) الاعتصام (1/387).
(3) الاعتصام (1/511).
(4) هو من كتب الشاطبي الأدبية ولقد اشتمل على فوائد علمية، وطُرف متنوعة وهي مروية عن شيوخه وأقرانه من علماء الأندلس والمغرب، وقد جعل بإثر كل إفادة إشادة بلغت واحد ومائة، وقد حققه الشيخ محمد أبو الأجفان.
(5) الإفادات والإشادات (87).
(6) الإفادات والإشادات (105).
(7) جمع الفتاوى وحققها الأستاذ محمد أبو الأجفان وقسم الكتاب إلى قسمين: قسم يتعلق بالشاطبي والفتاوى، وقسم ذكر فيه ستين فتوى للشاطبي موزعة على أبواب الفقه والعبادات والمعاملات والبدع والعادات مبيّنا مصادر الفتاوى.
(8) فتاوى الشاطبي (137).
(9) نفس المصدر (214).
(10) نفس المصدر (126).
(11) نفس المصدر (141).
(12) نفس المصدر (159).
(13) نفس المصدر (188).

----------------------------------------

(1) نظرية المقاصد للريسوني (162).
(2) مقاصد الشريعة لليوبي (70)، نظرية المقاصد للريسوني (267).
(3) الشاطبي و مقاصد الشريعة (138).


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 May 2008, 07:03 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

المبحث الثاني: طرق الكشف عن المقاصد قبل الشاطبي.

المطلب الأول: معنى طرق الكشف عن المقاصد.
المقصود من قولنا "طرق الكشف عن المقاصد" هي الوسائل والمسالك والجهات التي إذا عرفها وعلمها الناظر في الشريعة وجزئياتها ، تمكن من معرفة مقصد الشارع من وراء تشريع الأحكام ؛ فكما أن للعلة مسالك وطرقاً تعرف بها عند الأصوليين، فكذلك للمقاصد والحكم طرقاً ومسالك تُعرف بها.
وقد بين العلماء هذه الطرق، واختلفوا في ذلك اختلافا منهجيا وشكليا في مجمله وأغلبه ؛ وهو يتصل بالتفاوت الملحوظ من حيث الإجمال والتفصيل، والإدماج والتوزيع، والتصريح والتلميح، والإظهار والإخفاء ؛ وبَحثُ هذه الطرق والمسالك يتسم بالدقة والحساسية والغموض في كثير من الأحيان ؛ وذلك لاتصاله بالنقل الشرعي والعقل الإنساني والواقع الاجتماعي ؛ وتتزايد مشكلة البحث في مجال القضايا والحوادث المسكوت عنها ، والتي يتنازعها مسلك التنصيص الشرعي، والعمل الإنساني ؛ وقد عُلم في القديم والحديث ما لهذا الإشكال من دقة وتداخل وحساسية (1).
ولقد كان من بين هؤلاء العلماء -الذين تعرّضوا لهذا البحث- الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- من الناحية التنظيرية ؛ وعقد لها خاتمة في آخر كتاب المقاصد ؛ إلا أن العلماء قبله قد أشاروا إلى بعض الطرق والمسالك التي يتوصل بها إلى معرفة المقاصد الشرعية ،وإن لم ينصوا عليها صراحة ؛ ثم سار العلماء والباحثون بعد الإمام الشاطبي ينصون في كتبهم وتآليفهم على هذه الطرق على اختلاف بينهم في ضبطها وتعدادها.

المطلب الثاني: طرق الكشف عن المقاصد قبل الشاطبي.
كان العلماء قبل الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- يشيرون في كتبهم إلى بعض الطرق والجهات التي يُعرف بها مقصد الشارع من تشريع الحكم ؛ وقد كانت ترد في ثنايا كلامهم عن أسرار الشريعة وغاياتها ؛ وأنها معللة بمصالح العباد وغير ذلك ؛ وإن لم ينصوا عليها في مباحث ومسائل مستقلة ؛ أو أنهم كانوا يوردون هذه الطرق من غير ذكر أنها مسالك يعرف بها حكم التشريع وأسرار التكليف.
فقد أشار الإمام الغزالي في "المستصفى" إلى أن هذه الطرق تنحصر في الكتاب والسنة والإجماع؛ وكذلك مقتضيات اللسان العربي والاستقراء ؛ قال في "الإحياء": " لا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر...ومن ادّعى فَهْمَ أسرار القرءان ولم يحكم تفسير الظاهر ، فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البين قبل مجاوزة البيت...".
وقال في "المستصفى": " ولا يعرف قصد المخاطب إلى بلفظه أو شمائله الظاهرة "(2).


----------------------------------------

(1) المقاصد الشرعية للخادمي (3/11).
(2) انظر: مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبد السلام (181)


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 May 2008, 07:04 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

وأشار الرازي (1) والقرافي إلى الاستقراء (2)
- كما أشار الآمدي (3) إلى اللسان العربي وآثار الصحابة، فقد قال: " وقد كانت العربية سليقة للصحابة وبلغتهم نزل القرءان وبها بينه النبي -صلى الله عليه و سلم- ؛ فكانوا يعرفون مقصد الكلام..."(4)
- وأشار ابن القيم (5) إلى الاستقراء وآثار الصحابة والمقام (6)
- أمّا العز بن عبد السلام، فقد ذكر الباحث الأستاذ د.عمر بن صالح بن عمر في كتابه "مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبد السلام"(7) أنه أشار إلى ثمانية مسالك:
1- النص كتابا وسنة ؛ حيث قال: " وأمّا مصالح الآخرة فلا تعرف إلا بالنقل".
2- الإجماع.
3- القياس المعتبر.
4- الاستدلال الصحيح.
5- العقل ؛ قال: " إن الله فطر عباده على معرفة معظم المصالح الدنيوية ليحملوها ،وعلى معرفة معظم المفاسد
الدنيوية ليتركوها".
6- الظن المعتبر ؛ قال: " بيان جلب مصالح الدارين ومفاسدهما على الظنون ".
7- الاستقراء.
8- التجارب ؛ قال: " ومعظم ما يتعلق بالحواس وسائل إلى ما يبين عليها من المصالح والمفاسد بخلاف ما يتعلق
بالقلوب والجوارح والأركان ؛ فإن معظمه مقاصد إلى جلب المصالح ودرء المفاسد ".
و أمّا شيخ الإسلام ابن تيمية (8) فقد ذكر الأستاذ د.يوسف البدوي في كتابه: "مقاصد الشريعة عند ابن تيمية"(9) ستة طرق للكشف عن المقاصد الشرعية، وهي:


-----------------------------------

(1) فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين التيمي الرازي الشافعي. من تآليفه: تفسير القرآن، المطالب العالية، المحصول... ولد سنة 514 هـ، وتوفي سنة 606 هـ. وفيات الأعيان (4/248)، نزهة الفضلاء (4/1655).
(2) المحصول (6/217)، شرح تنقيح الفصول (352).
(3) أبو الحسن علي بن أبي علي، الفقيه الأصولي، الملقب سيف الدين. من تصانيفه: دقائق الحقائق، أبكار الأفكار، لباب الألباب، منتهى السول. ولد سنة 501 هـ، وتوفي سنة 583 هـ.وفيات الأعيان (3/293).
(4) الإحكام في أصول الأحكام (111).
(5) شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب، أبو عبد الله الدمشقي الحنبلي، فقيه أصولي، مجتهد مفسر، محدث نحوي. من كتبه: الصواعق المرسلة، زاد المعاد، إعلام الموقعين... توفي سنة 751 هـ. البداية والنهاية (14/46)، معجم المؤلفين (3/164).
(6) إعلام الموقعين (1/79) وغيرها (1/120).
(7) مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبد السلام (177).
(8) شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، محدث حافظ، مفسر فقيه، مجتهد قامع البدع. من كتبه: منهاج السنة، نقض المنطق، درء تعارض العقل و النقل. توفي سنة 728 هـ.البداية والنهاية (14/138)، معجم المؤلفين (1/163).
(9) مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (201).

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 12 May 2008 الساعة 08:37 AM
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 May 2008, 07:05 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

1- الاستقراء: فقد قال:"والله –سبحانه- إنما حرم علينا الخبائث تنزيها لنا من المضار ؛ وأباح لنا الطيبات كلّها لم يُحرم علينا شيئا من الطيبات كما حرّم على أهل الكتاب -بظلمهم- طيبات أُحِلَّت لهم ؛ ومن استقرئ الشريعة في مواردها ومصادرها واشتمالها على مصالح العباد وفي المبدأ والمعاد ، تبين له من ذلك ما يهديه الله إليه "
2- اللسان العربي: فقد قال: " إن الاستدلال بالقرءان إنما يكون على لغة العرب...".
3- السياق والمقام.
4- الاقتداء بالصحابة.
5- المقاصد الأصلية: قال: " وبالجملة ، فقد نصب الشارع إلى الأحكام أسبابا تفقد لحصول تلك الأحكام، دلّ عليها وأمر بها من لم يفطن لها ممّن يقصد الحلال ليقصد بها المقصود التي جعلت من أجله...".
6- سكوت الشارع: فقد أشار إلى علاقة المسكوت عنه بالمقتضي والمانع في كتابه الاقتضاء.

وبالجملة فقد كان العلماء قبل الإمام الشاطبي يشيرون إلى مثل هذه المسالك ؛ ولا يمكن حصر المسالك عند كل إمام إلا بالبحث الدقيق في جميع تصانيفه.




رد مع اقتباس
  #11  
قديم 12 May 2008, 07:06 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الفصل الثاني: طرق الكشف عن المقاصد عند الإمام الشاطبي.

سنتناول -بإذن الله تعالى- في هذا الفصل الطرق التي ذكرها الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- إمّا نصا وإمّا إشارة وعليه فإن الكلام يكون في مبحثين:

المبحث الأول: الطرق التي نص عليها الشاطبي
ذكر الإمام الشاطبي -رحمه الله- في الجزء الثاني من كتاب المقاصد –أي مقاصد المكلّف- ضمن كتابه العظيم "الموافقات" مسألة مهمة ، ختم بها الكتاب فقال –رحمه الله تعالى-: " فإن للقائل أن يقول: إنّ ما تقدم من المسائل -في هذا الكتاب- مبني على المعرفة بمقصود الشارع ؛ فبماذا يُعرف ما هو مقصود له مما ليس مقصودا له"(1).
وقبل أن يشرع في عدّ هذه الطرق ، مهّد لها بقضيّة مهمّة تنبني عليها المسألة ، وهي موقف العلماء و آراؤهم في معرفة المقاصد(2) ؛ وهي قضية تتعلق بمسألة التعليل تعلقا بيّنا كما هو ظاهر.
فذكر أن الناس قد اختلفوا في معرفة المقاصد على أقسام ثلاثة تقتضيها القسمة العقلية:
- قوم قالوا إن المقاصد غائبة عنّا حتى يأتينا ما يعرفنا بها بالتصريح ؛ وهو قول الظاهرية (3).
- وقوم قالوا إن الظواهر ليست مقصودة لحال ، بل لأمر آخر وراءها ؛ وهو قول الباطنية (4) ؛ ويقابلهم قوم قالوا إن مقاصد الشارع الالتفات إلى معاني الألفاظ بحيث لا تعتبر الظواهر والنصوص إلا بها على الإطلاق ؛ فإن خالف النص المعنى النظري اطّرح وقدّم المعنى النظري وهو قول المتعمقين في القياس.
- وقوم توسطوا في ذلك فاعتبروا الأمرين جميعا على وجه لا يخلّ فيه المعنى بالنص ولا العكس ؛ وهو قول أهل
الحق ، و الذي أمّه أكثر العلماء الرّاسخين ؛ قال الشاطبي: " فعليه الاعتماد في الضابط الذي يُعرف به مقصد الشارع "(5).
فقد ذكر الإمام –ههنا- ثلاث فرق جانبت الصواب ؛ وهم الظاهرية والباطنية وأهل الرأي ؛ وبنى ما سيذكره من الطرق على قول أهل الحق الذي سبق بيانه.
وبعد ذلك نص الإمام –رحمه الله- على أربعة طرق، بها يُعرف مقصد الشارع من تشريع الحكم وهي:

----------------------------------------------

(1) الموافقات (3/132)م، (2/292)د.
(2) الموافقات (3/132)م.
(3) أتباع داود بن علي الظاهري أبي سليمان، ثم ابن حزم الأندلسي. من أصولهم: القول بظاهر النص ونفي التعليل والمصالح، والقياس كلّه ، خفيه و جليه، والقول باستصعاب الحل والبراءة الأصلية...انظر: الدليل عند الظاهرية للخادمي ( ).
(4) فرقة ضالة أكفر من اليهود و النصارى و المشركين ؛متسترة بالتشيع وحب آل البيت للوصول إلى الناس مع إبطان الكفر المحض؛ وسميت بذلك لأنها ترى أنّ لكلّ ظاهر باطنًا، ولكلّ تنزيل تأويلاً؛ ويقصد بالظاهر ما جاء به محمّد
-صلى الله عليه و سلم- ، ويسمى بالتنزيل، ويقصد بالباطن علم التأويل الخاص بعلي -رضي الله عنه-.انظر: الموسوعة الميسرة (2/991).
(5) الموافقات (3/131)م.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 12 May 2008 الساعة 08:36 AM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12 May 2008, 07:07 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

1. مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي.
2. اعتبار علل الأمر والنهي.
3. أن للشارع -في شرع الأحكام العادية والعبادية- مقاصدَ أصلية ومقاصدَ تابعة.
4. السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له.
وسنتناول هذه الطرق بشيء من التفصيل والبيان:

المطلب الأول: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي.
ذكر الشاطبي –رحمه الله- أن الشارع الحكيم إذا أمر بشيء أو نهى عنه ،فمقصوده الأول -أو الظاهر- من مجرد الصيغة ،هو إيقاع المكلّف لأمره ، وعدم إيقاعه لنهيه ؛ فالمقصد إذا هو فعلها لذاتها ؛ وهذا الوجه ظاهر لمن اعتبر مجرد الأوامر والنواهي من غير نظر إلى علّة ؛ ثم قيّد الأوامر والنواهي بكونها ابتدائية وتصريحية.
ويُمكن أن نبسط ما ذكرناه إجمالا على النحو التالي:

1- أن المراد بالأمر والنهي كما هو عند الأصوليين ؛ أن الأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء والنهي استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء ؛ فالأمر طلب الفعل والنهي طلب الترك ؛فعلى هذا قد يكون النهي مشمولا بالأمر.
كون مجرد الأمر والنهي يمثل مسلكا من مسالك الكشف عن المقاصد ، يتمثل في إيقاع المكلف لطلب الشارع أمراً أو نهياً ؛ ففي قول –تعالى-: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ [البقرة: ٤٣] ، نقول: إن مقصد الشارع هو فعل المكلف وإيقاعه للصلاة ؛ قوله –تعالى-: ﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ [الحجرات: ١٢] ، نقول: إن مقصد الشارع هو عدم فعل المكلف وعدم إيقاعه للغيبة ؛ ولكن ينبغي تقييد هذا الفعل أو الترك بكونه قد أُوقع امتثالا لأنه -كما هو معلوم- ليس للمكلف من عمله إلا ما نواه ؛ فمن ائتمر بأمر أو انتهى عن نهي رياءً أو عجزاً، فإنه لم يأت بمقصد الشارع وإنّما قد ناقضه(1).
2- ذكر الشاطبي أن هذا المسلك يكون وجها ظاهراً لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة - وهم الظاهرية الذين أشار إليهم فيما سبق- ؛ وأمّا من أثبت التعليل ، فإلى جانب هذا المقصد يمكن معرفة مقصد آخر من خلال النص المعلّل -كما سيأتي-.
3- قيّد الشاطبي الأمر والنهي بكونهما ابتدائيين ، فقال –رحمه الله تعالى- : " وإنما قيد بالابتدائي تحرزا من الأمر والنهي الذي قُصد به غيره ،كقوله –تعالى-: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: ٩] ؛ فإن النهي عن البيع ليس

-------------------------------------

(1) انظر تفصيل المسألة: الموافقات (2/204)د.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12 May 2008, 07:08 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

نهيا مبتدءً ، بل هو تأكيد للأمر بالسعي ؛ فهو من النهي المقصود بالقصد الثاني "(1). وقال:" وما شأنه هذا ، ففي فهم قصد الشارع من مجرده نظر واختلاف "(2) ؛ فإذا كان الأمر بالشيء، أو النهي عنه لا لذاته
وإنما لكونه وسيلة إلى غيره أو تأكيدا له ؛ فمجرده لا يمثل قصد الشارع ، أو أنه مقصود تبعا ؛ وعليه فما لا يتم
الواجب إلا به -سواء كان واجبَ الفعل أو واجبَ الترك - فإنه ليس مقصودا للشارع ابتداءً (3).
4- كما قيد الشاطبي الأمر والنهي بكونهما تصريحيين فقال –رحمه الله تعالى-:" وإنما قيد بالتصريحي تحررا من الأمر والنهي الضمني الذي ليس مصرحابه ؛ كالنهي عن أضداد المأمور به الذي تضمنه الأمر؛ والأمر الذي تضمنه النهي عن الشيء ؛ فإن النهي والأمر –ههنا- إن قيل بهما فهما بالقصد الثاني لا بالقصد الأول"(4).
وقال: " فدلالة الأمر والنهي -في هذا- على مقصود الشارع متنازع فيها ؛ فليس داخلاً فيما نحن فيه"(5).
فقد ذكر الإمام أن الأمر إذا كان ضمنيا -وهو الذي يفهم من النهي عن الشيء (أي النهي عن الشيء أمر بضده)، وكذا النهي الذي يفهم من الأمر بالشيء (أي الأمر بالشيء نهي عن ضده)- لا يفيدان قصد الشارع
لأنه يشترط في المقاصد أن تكون صريحة لا ضمنية ، وإن كان فهو بالقصد الثاني (6).

-------------------------------------

(1) الموافقات (3/134) م.
(2) الموافقات (3/134) م.
(3) والتحقيق ، أن الذي لا يتم الواجب إلا به على ثلاثة أقسام:
- قسم ليس تحت قدرة العبد ، كزوال الشمس لوجوب الظهر ؛ فهذا النوع لا يوصف بالوجوب ؛ فليس من قصد الشارع –اتفاقا- إلا على قول من جوّز التكليف بما لا يُطاق ؛ وهو مذهب باطل مردود.
- قسم تحت قدرة العبد عادة إلا أنه يؤمر بتحصيله ؛ كالنصاب لوجوب الزكاة ؛ وهو لا يجب إجماعا لذلك.
- قسم تحت قدرة العبد مع أنه مأمور به ، كالطهارة للصلاة والسعي للجمعة ؛ وهذا واجب على التحقيق إلا أنه –عند الشاطبي- ليس من مقصد الشارع ابتداءً ؛ أو أنه مقصود بالقصد الثاني ؛ ويمكن أن يستدل له بأن هذا الأمر أو النهي لا يَرِدُ إلا مقيدا ،كما في قوله –تعالى-: ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: ٩]، فلم يقل أحد بتحريم البيع ؛ وإنما حرّم البيع هنا لكونه وسيلة إلى الاشتغال عن الجمعة ؛ فهو مقيد بوقت الجمعة. البرهان(1/85)، اللمع (55)، الإبهاج (2/282)، المذكرة (39).
(4) الموافقات (3/135)م.
(5) الموافقات (3/135)م.
(6) وقد اختلف العلماء في قاعدتي "هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟" ، و "هل النهي عن الشيء أمر بضدّه؟" على أقوال أهمها:
القول الأول: أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده (وكذا العكس) ؛ أي أن قولك "قم" هو نفسه "لا تقعد" ؛ وهو قول جمهور المتكلمين و الأشاعرة ؛ وهو مبني على زعمهم الفاسد أن الأمر قسمان: نفسي ولفظي؛ وأن الأمر النفسي هو المعنى القائم بالذات المجرد عن الصيغة.
القول الثاني: أنه ليس عينه ولكن يقتضيه ويستلزمه ؛ وهو أظهر الأقوال ؛ وعليه أكثر أصحاب مالك ؛ وإليه رجع الباقلاني.
القول الثالث: أنه ليس عينه ولايتضمنه ؛ وهو قول المعتزلة والأبياري من المالكية وإمام الحرمين والغزالي؛ واستدلوا بأن الأمر يجوز أن يكون وقت الأمر أو النهي ذاهلا عن ضده. البرهان(1/82)، اللمع(56)، أصول السرخسي(1/94)، إرشاد الفحول(363)، المذكرة(57) فتح المأمول(90).

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12 May 2008, 07:10 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ومن الأمر والنهي الضمنيين: الأمر والنهي عن الوسائل (يعني القاعدة السابقة "مالايتم الواجب إلاّ به") في حالة عدم التنصيص عليهما ؛ فهما ضمنيان وليسا من مقصد الشارع.

وعلى كل حال ، فإن هذا الأمر والنهي إن قيل بهما فليسا من قصد الشارع ؛ وإن كان فهو بالقصد الثاني ؛ لأنه يشترط في المقاصد التصريح كما عرفنا.
5- أن الامتثال للأمر أو النهي ، ينبغي فيه مراعاة ما ينجر من فعل هذه الأوامر والنواهي من مصالح ومفاسد ؛ فإذا كان الفعل يؤدي إلى مفسدة راجحة تُلحق ضرراً عظيما، فإن في هذا الفعل نظر ؛ كقطع الأيدي في الحروب والمجاعات... لأن عدم الوقوع ليس متجها بالنقض إلى الانصياع (الامتثال)، بل لتحقيق مقصد آخر قريب.(1)

المطلب الثاني: اعتبار علل الأمر والنهي.
هذا هو الطريق الثاني من الطرق التي نص عليها الإمام الشاطبي -رحمه الله- للتوصل إلى كشف مقاصد الشارع من تشريع الأحكام ؛ فقد علمنا أن الأمر والنهي يمثل بمجرده قصد الشارع بامتثال المكلف للطلب ؛ وهذا الوجه في الغالب يكون القصد الأصلي إذا لم يكن النص –أي الأمر والنهي- معلّلاً؛ فإذا كان الأمر والنهي معللين فإنه يمكن معرفة مقصد الشارع من خلال ربط الأمر والنهي بالعلّة؛ وهذه العلّة اشترط الشاطبي فيها أن تكون معلومة ويكون ذلك بمسالك العلة المعروفة في علم أصول الفقه؛ وفيما يلي شيء من البسط في كلامه:
1- أن تعليل الأحكام الشرعية بمصالح العباد هو القول الحق وقول السلف وأكثر العلماء؛ وهو الذي انتصر له الإمام الشاطبي –رحمه الله-؛ فقد تعرض لمسألة تعليل الشريعة وأحكامها؛ ونصّ فيها على أن وضع الشرائع إنّما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً؛ وأن هذا القول هو قول المعتزلة (2) واختيار أكثر الفقهاء المتأخرين، خلافا للرازي والأشاعرة والظاهرية، الذين زعموا أنّ أحكام الله ليست معللة بعلة البتّة، كما أن أفعاله كذلك (3).
2- كون الأوامر والنواهي المعللة تمثل مسلكا من مسالك الكشف عن المقاصد يكون من خلال البحث عن المناسبة التي ربط فيها الشارع فيها بين الحكم وعلته؛ فمثلا قوله –تعالى-: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: ٣٨] ؛ فمن خلال تعليل حكم القطع بالسرقة يمكن أن نستخلص مقصد الشارع من ذلك، وهو الحفاظ على المال؛ قال الساطبي:"كالنكاح لمصلحة التناسل، والبيع لمصلحة الانتفاع بالمعقود عليه، والحدود لمصلحة الازدجار"؛ فمن خلال تمثيل الشاطبي نجد أنه قد علّل بالحكمة؛ فكأنه يقصد بالعلة ههنا الحكمة؛ والتعليل بالحكمة

----------------------------

(1) مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة بين الشاطبي وابن عاشور(ص39)
(2) فرقة ضالة ، أتباع واصل بن عطاء، سمّوا بذلك لأنه اعتزل مجلس الحسن البصري. أصولهم خمسة: التوحيد والعدل والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين...انظر: مقالات الإسلاميين (1/235)، الموسوعة الميسرة (1/69)
(3) الموافقات (2/6)د، وانظر: تعليل الأحكام لشلبي(97)، مقاصد الشريعة لليوبي(80).


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12 May 2008, 07:12 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ممتنع -على التحقيق- لأن الحكمة الغالب عدم اطرادها، فهي تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة (1).
قيد الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- العلة بكونها معلومة، ولذلك قال:"فإن كانت معلومة اتبعت...وإن لم تكن معلومة فلا بد من التوقف عن القطع على الشارع أنه قصدها" (2).
فلابد إذا أن تكون العلة منصوصة لا مستنبطة؛ لأن المستنبطة لا تفيد إلا ظنّ العلية؛ ومن المعلوم أنه يشترط في المقاصد أن تكون قطعية؛ فالتوقف فيما عدا المنصوص هو الأسلم لأن له وجهين من النظر -كما قال الشاطبي-
أن التعدي مع الجهل بالعلة تحكم من غير دليل.

1- أنّ الأصل في الأحكام الشرعية عدم التعدي؛ فعدم نصب الدليل على التعدي دليل على عدم التعدي؛ قال الشاطبي:"فصحّ أن التعدي لغير المنصوص عليه غير مقصود الشارع" (3).
وكذلك ، فإن المسالك المستنبطة لا تفيد ظن العليّة إلا مع شرط المناسبة على الصحيح؛ والمناسبة هي ذاتها مقصد الشارع من تشريع الحكم؛ فقد عبّروا عن المناسبة بالمصلحة وبرعاية المقاصد؛ وهي تعين العلة بمجرد إبداء المصلحة من ترتب الحكم على الوصف (4)؛ ونحن نبحث عن المقصد أصالة وليس على العلة.
ثم إن هذه المسالك المنصوصة لا تعرفنا بمقصد الشرع إلا إذا كانت معقولة المعنى؛ لأن الحكم إذا ربطه الشارع بوصف غير معقول، فإننا نجهل المقصد من تشريعه ولا يعلمه إلا الشارع.
2- نص الأصوليون في كتبهم على المسالك المنصوصة (5)، وهي:

- النص: وهو ما دلّ على العليّة دلالة ظاهرة، سواء كانت قاطعة أو محتملة (6)، كقوله –صلى الله عليه وسلم -: ((كلّ مسكر خمر)) (7).

-الإيماء:وهو اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا ولاغيا (8)؛ وله عدة أنواع منها (9):
- ترتيب الحكم على الوصف بالفاء؛ كقوله –تعالى-: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾.


------------------------------------

(1) تعليل الأحكام(135).
(2) الموافقات (3/136)م.
(3) الموافقات (3/137)م.
(4) إرشاد الفحول(713)، المذكرة(445).
(5) إرشاد الفحول(700)، المذكرة(442).
(6) إرشاد الفحول(702).
(7) أخرجه مسلم.
(8) إرشاد الفحول(706).
(9) المرجع السابق.


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, المقاصدالشرعية, الشاطبي, فقه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013