الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
أمَّا بعد:
فإنَّ من مضى كان يعرض عقله على الناس في تآليفه، ولذلك تجدهم كثيرًا ما يعتذرون في مقدِّمات مصنفاتهم عما قد يقع من خلل وتقصير لا يسلم منه بشر؛ أمَّا في هذا الزَّمان فقد زيد على التأليف أشياء كثيرة لا تنحصر منها: المقالات، والصُّحف، والمجَّلات بل حتى التَّغريدات...الخ.
وممَّا يظنُّ أنَّه ممَّا يسلم صاحبه من التَّبعة ولا يقاس به عقله النُّقولات؛ كون الواحد ينقل عن غيره مقالات برأسها، ومواضيع بحذافيرها، ويكثر من ذلك حتى لا يعرف إلا به؛ فيظنُّ أنَّه إذ نسب النَّقل فقد سلم من التَّبعة وهذا غير مسلَّم له، لأنَّ نقله إنَّما يدل على اختياره وانتقاءه، وهما أدَّل شيء على عقله.
وقولهم: «من أسند فقد أحال» لا يعنون براءة الإنسان من كلِّ تبعات ما ينقله وينشره، بل هو سالم من جهة نسبة المنقول، لكمه مسؤول عما يتضمنه وما يترتب عليه من آثار وقد قال النبي ï·؛: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين».
زد على ذلك أنَّ كثرة النَّقل عن غيره قد تدل -ولو من بعيد- على شيء من الكسل والعجز فأين من يكتفي بالنَّسخ واللَّصق ممن يجتهد في كتابته والعناية به وإصلاحه إلى حين نشره.
وليس هذا الكلام انتقاصا لمن يكثر النَّقل من إخواني فإنِّي ولله الحمد والمنَّة لا أشكُّ أنهم من أحرص الناس على الخير والسعي في نشره وبذله، ولو قدروا على غيره من طرق إيصال النَّفع لبادروا إليه، ولكن قصدت أن تسمو الهمم، وأن تمتد الأعناق لما هو أبعد من هذه المرتبة بمراتب، كل ذلك طلبا لمعالي الأمور وبذلا للغالي والنفيس في تحصيلها، فأحببت نصح نفسي وتذكيرها ومجاوزتها إلى غيرها من إخواني الفضلاء ببعض الأمور الَّتي يعين أحدنا بها نفسه على المنشور المفيد، وتقليلِ النُّقول المكرَّرة.
إنَّ مما قد يتفادى به كثرة النَّقول أمور:
- أن يستشعر المرء أنَّه غير مطالب بكتابة المقالات إن لم يكن من أهلها قادرا عليها فالله سبحانه وتعالى ما كلفنا ما لا طاقة لنا به، فيكتفي بالتَّعليقات المشجعة وشكر من يكتب ويكفيه المؤنة ريثما يشتد عوده وينفع الله به إخوانه.
- أن لا يسعى لإظهار اسمه خشية أن ينسى، فأحبُّ الأشياء ما كان غير متكلَّفا من غير كلفة وتعب ومشقَّة وقد يضره ظهوره في زمان يكون الأصلح لحاله أن لا يعرف فللشُّهرة تبعات لو علمها من يطلبها لما طلبها صاحبها نسأل الله السَّلامة والعافية.
- أن يحرص على المطالعة في الكتب وتقليب النَّظر فيها حتى يقف على ما يصلح نشره لما فيه من مصلحة وحاجة إليه فيستبدل به ما قد ذكر ورآه الناس واشتهر، فإبراز ما خفي، أحسن من إعادة الجلي.
- أن يحرص على سماع أشرطة العلماء والمشايخ وإذا مرَّ به موضع رآه مفيدا محتاجا إليه اعتنى بكتابته وتدوينه وإبرازه لإخوانه حتى يحصل الانتفاع به.
- أن يجعل لنفسه كراسة يدون فيها ما يمر به من فوائد إما مما قرأه أو سمعه فإذا انضم النَّظير إلى النَّظير فما عليه إلا الترتيب والتبويب وإخراجها لترى النُّور إن كان فيها مصلحة ومنفعة.
- أن يحرص على البَحثِ فيما يعرض له من مسائل العلم وتدوينها من مصادرها وجمعها ثم تفتيشها وإخراجها.
هذه بعض الأشياء المساعدة للتقليل من النُّقولات واستبدالها بما يكون أنفع للنَّاقل وإخوانه من التَّكرار الذي يجده من طلبه في مظانِّه، ومن ظهرت له أوجه غير ما ذكر فأرجو أن يتحفني بها مشكورا مأجورا حتى يعم النفع ويحصل الخير.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع، وأن يوفقنا للعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين.
جزاك الله خيرا أخي فتحي على كلمتك التي أسأل الله أن تجد لها آذان صاغية منا ومن جميع الأعضاء.
وأسأل الله أن يوفقنا للعمل بها وجعل هذا الموضوع ( من غير المعقول أن يمتلئ المنتدى بالمنقول!) نصب أعيننا كلما أردنا نشر شيء في المنتدى.
جزاك الله خيرا و لعل هذا يتناسب و قول القيرواني أبي إسحاق في كتابه زهر الآداب و ثمر الألباب :
: "هذا كتاب اخترت فيه قطعة كافية من البلاغات في الشعر والخبر والفصول والفقر مما حسن لفظه ومعناه… وليس لي في تأليفه من الافتخار أكثر من حسن الاختيار. واختيار المرء قطعة من عقله".اهـــ
جزاكم الله خيرا إخواني الفضلاء: أبو عبد الرحمن، أبو مالك، أبو عبد الله وأبو يونس. بارك الله فيك أخي العكرمي على التتمة والإفادة، لو علمت بالنقل قبل رفع المقال لأدرجته فيه، فجزاك الله خيرا على إتحافي به.