[ تفريغ خطبة الجمعة ] - الشرك بالله - للشيخ عبد الكريم لخذاري حفظه الله

[أم صهيب السلفية]

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إن الحمد لله نحمده ونستعينه،ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله،وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار.
أعاذني الله وإياكم من النار.
أما بعد:
قال الله جل وعلا في كتابه الكريم:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} النساء.
وروى الامام الطبراني والترمذي وابن حبان باسناد صحيح،عن أبي الدرداء رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركا.
هذه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم،إلى الذين يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون،وبلا إله إلا الله يتلفظون،ولكن في حياتهم بالله جل وعلا يشركون،{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف.
قال مجاهد رحمه الله:ايمانهم بالله يقولون:أن الله خلقهم ورزقهم،ولكنهم يشركون بالله جل وعلا،ويعبدون غيره.
نعم يشركون بالله ويسيئون الأدب مع الله.
فمن كان لا يدري فتلك مصيبة *** ومن كان يدري فالمصيبة أعظم
كيف لا يكون الشرك بالله جل وعلا،أعظم إساءة للأدب مع الله جل وعلا،وهو أخذ لحقوق الله وإعطائها لغيره،فمن يرضى منكم أن يكون له ولد يتعب عليه،يفقر لأجله ويجوع لأجله ويعرى لأجله،فإذا كبر واستوى عوده،أحب غيره وسعى لغيره وخدم غيره،فكيف يخلقك الله جل وعلا ويرزقك،وبنعمه الكثيرة يحبوك ويمنحك،ثم بعد ذلك تعبد غيره وتدعو غيره،{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة.
روى الامام ابن خزيمة باسناد صحيح،عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: حدثنا النبي صلى الله عيه وسلم،أن الله جل وعلا أمر يحي بن زكرياء،بخمس كلمات أن يعمل بهن،وأن يأمر بني إسرائيل فيعملوا بهن،قال: فجمعهم في بيت المقدس حتى امتلأ،وحتى قعد الناس على الشرفات وقال: أيها الناس إن الله أمرني بخمس كلمات،أن أعمل بهن وآمركم فتعملوا بهن:
أولاهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا،فإن مثل من أشرك بالله جل وعلا،كمثل رجل اشترى عبدا بخالص ماله،من ذهب أو ورق،ثم قال له هذا عملي وهذه داري،فاعمل وأدي إلي،فجعل يعمل ويؤدي لغير سيده،فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟
فإن الله خلقكم ورزقكم،وأمركم ألا تشركوا به شيئا،أمة الاسلام يا أمة محمد ،إن من أشرك بالله جل وعلا أساء الأدب مع الله،ومن أساء الأدب مع الله عذبه الله،لأنه لم يقدر الله جل وعلا،حق قدر الله،{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }الزمر.
روى الامام أبى داوود باسناد صحح،عن أبي هريرة رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: الكبرياء والعظمة ردائي،والكبرياء إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار.
فمن حلف بغير الله جل وعلا،فمن حلف بغير الله جل وعلا،بالأسياد والأشياخ والآباء والأجداد،فقد أشرك بالله ونازع الله ،ومن ذبح لغير الله جل وعلا،فالذين يذبحون للموتى والمقبورين،والسحرة والمشعوذين،فقد أشركوا بالله ونازعوا الله.
ومن دعو غير الله جل وعلا،فمن يدعو الأولياء والصالحين،يسئلوهم الماء والسكن والبنات والبنين،فقد أشرك بالله ونازع الله،{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }المائدة.
كيف لا يكون الشرك بالله جل وعلا،سوء أدب مع الله جل وعلا،وهو جعل المخلوقين الجوعانين والعريانين،والضعفاء والمهانين،في درجة الجبار المنتقم الله رب العالمين،{ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } التوبة.
أتخشونهم ؟ هذه القباب والمزارات،تتكلم بما يقع فيها من الكبائر،والعظائم والكبائر والشركيات،هذه المزارات،خوفا من الموتى والمقبورين،ودعاء للأحجار والأشجار والميتين،هذه المزارات خشوع وخضوع،وتمسح وسجود للقبور والركوع.
أين توحيد الله جل وعلا ؟
روى الامام ابن خزيمة باسناد صحيح،عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة،إذا جمع الله الناس ليوم القيامة،ليوم لا ريب فيه،نادى مناد:من أشرك في عمله أحدا مع الله،فليطلب ثوابه من عنده،فإن الله أغنى الأغنياء عن الشرك.
لما حج المهدي أمير المؤمنين،دخل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم،فقام له الناس ولم يقم ابن أبي ذئب رحمه الله،فجاءه المسيب بن زهير وقال له: ألا تقوم لأمير المؤمنين؟ فقال ابن أبي ذئب رحمه الله: إنما يقوم الناس لرب العالمين.
تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأبصار هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
أقول الذي تسمعون،واستغفر الجبار الكريم العظيم،لي ولكم فاستغفروه،إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للاسلام،ومنّ به علينا وأخرجنا في خير أمة،فنسأله التوفيق لما يحبه ويرضاه، والحفظ مما يكره ويسخط أما بعد:
روى الامام البخاري ومسلم في صحيحيهما،عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم،معاذ بن جبل وأبى موسى الأشعري لليمن،قال لهما: إنكما ستأتيان قوم أهل كتاب،فليكن أول ما تدعوهم إليه،أن يوحدوا الله جل وعلا.
فليكن أول ما تدعوهم إليه،أن يوحدوا الله جل وعلا،هذه رسالة الاسلام،وهذه هي دعوة الاسلام،وهذا ما بعث الله جل وعلا به،محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
وروى الامام البخاري في الأدب المفرد،عن رجل من بني عامر قال:دخلت عن النبي صلى الله عليه وسلم،فقلت بما بعثك الله ؟
قال:فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:لم آتكم إلا بخير،أتيتكم لتعبدوا الله وحده لا شريك له،وتدعو عبادة اللات والعزى.
فما أكثر الذين يعبدون في هذه الأيام،الأصنام والأوثان،وهم يعتقدون أنهم من أهل الاسلام و الايمان،وما أكثر الذين يعبدون الأصنام والأوثان،الذين يذهبون إلى الموتى والمقبورين،يسألونهم الأموال والصحة والعافية،والبنات والبنين،والذين يذهبون إلى السحارين والمشعوذين،يعتقدون أنهم ينفعون ويضرون، أو يعطون ويمنعون،الذين يحلفون بغير الله جل وعلا،والذين يعلقون التمائم والحروز،ويعتقدون أنها تضر أو تنفع،أو تعطي أو تمنع،هذا والله من الشرك بالله جل وعلا،وهذا ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم،وإخوانه الأنبياء لمحاربته والقضاء عليه.
أمة الاسلام يا أمة محمد،إن كثيرا من علماء السوء،ودعاة السوء،بل من علماء الحزبية البغيضة،ويزعمون أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم،ليست دعوة التوحيد،ويزعمون أن توحيد الكلمة،مقدم على كلمة التوحيد،لا والذي رفع السماء بلا عمد،أين هؤلاء الجهلة ؟ من قول الله جل وعلا : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}الذريات.
ومعنى يعبدون: يوحدون،ومعنى يوحدون : يفردوا الله جل علا،بما يستحقه من الألوهة والربوبة والأسماء والصفات،ومعنى يوحدون ألا يجعلوا لله سبحانه وتعالى،شريكا من حجر أو بشر.
والشرك فاحذره فشرك ظاهر*** ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمـن*** أيا كان من حجر ومن انسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه*** ويحبـه كـمحبـــة الـديــان
ما أخزى الصور وما أقبح الصور،صور الطائفين على القبور،صورة المتمسحين بالقبور،صور الباكين عند قرب القبور،يدعون الله جل وعلا،الذي يجيب دعوة المظطر، ودعوة الداعي إذا دعاه،ويأتون أقواما لا ينفعون ولا يضرون،يبكون عندهم ويسجدون عند قبورهم،ويتمسحون بهم وبقبورهم وترابهم.
هذا هو الخزي يا أمة الاسلام،هذا هو الذل يا أمة الاسلام،وهذا هو سبب دخول النار يا أمة الاسلام.
روى الامام بن أبي عاصم باسناد صحيح،عن أنس بن مالك رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: عبدي لو كانت بك الدنيا وما عليها،أكنت مفتديا من عذاب النار ؟ فيقول: لا يا ربي.فيقول له الله جل وعلا:كذبت أردت منك ألا تشرك بي شيئا فأبيت إلا الشرك.
فلواحد كن واحد في واحد *** أعني طريق الحق والإيمان
هذي ثلاثٌ مسعداتٌ للذي *** قد نالها والفضل للمنانِ
فاذا هي اجتمعت لنفسٍ حرةٍ *** بلغت من العلياء كل مكانِ
أمة الاسلام يا أمة محمد،هؤلاء الحزبيون وهؤلاء أهل الفرق الضالة والمبتدعون، الذين لا يحبون انتشار التوحيد،ولا تمكن دعوة التوحيد،لا يحاربون أهل الكفر والشرك والإلحاد،ولا يحاربون الذين يحاربون الاسلام،وهمهم حرب الذين يدعون إلى توحيد الله جل وعلا،وإطلاق الألفاظ عليهم،زلفية ووهابية،و والله لا يعرفون محمد بن عبد الوهاب رحمه الله،حق المعرفة ولا يعرفون ما الوهابية.
إن كان تابع أحمد متوهبا *** فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي *** رب سوى المتفرد الوهاب

اللهم اغفر لنا وارحمنا،وعافنا واعفو عنا،وأكرمنا نزلنا ووسع مدخلنا.
نسألك اللهم بأنك أنت الله لا إله إلا أنت،الأحد الصمد الذي لم يولد ولم يلد،ولم يكن له كفؤ أحد.
أن تغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم أمنا في أوطاننا، و أمنا في دورنا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا،وولِّ علينا اللهم خيرنا، من يتق الله جل وعلا فينا.
اللهم و امدده البطانة الصالحة،التي تعينه على تطبيق أمر شرعك يا رب العالمين،يا أمرحم الراحمين.
اللهم اهدنا واهد بنا،واجعلنا سببا لمن اهتدى.
اللهم اغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا،وما قدمنا وما أخرنا.
اللهم من أرادنا وديننا وسنة نبينا،وبلدنا الحبيب بسوء،اللهم اجعل كيده في نحره،واجعل اللهم تدبيره تدميرا عليه،يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك باليهود والنصارى المعتدين،اللهم عليك كذلك بالمبتدعة المتكبرين،إنهم طغوا وبغوا وظلموا.
اللهم أرنا فيهم يوما،يا أرحم الراحمين،يا رب العالمين.
اللهم ارزق هذا البلد الأمن والآمان،والعافية والاطمئنان،وارزق أهله من الثمرات،من آمن منهم بالله واليوم الآخر،اللهم وسائر بلاد المسلمين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم،على عبدك ونبيك وحبيبك محمد،وعلى آله و أصحابه أجمعين،وزوجاته أمهاتنا أمهات المؤمنين،و الصحابة الغر الميامين المجاهدين،والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،وعنا معهم الخاطئون العاصون والمتجاوزون،بمنك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
تم الكلام وربنا المحمود،وله العُلا والكبرياء والجود.
سبحانك اللهم وبحمدك
أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك.



انتهى
ــــــــــــــــــــ

تفريغ : أم صهيب السلفية


مصدر التفريغ:
https://www.youtube.com/watch?v=QyYQZFWOeWY&t=8s