منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 Mar 2017, 11:16 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي زَجْرُ الغَافِلين عن الإِقَامَةِ وَالمُكُوثِ بَيْنَ أَظْهُرِ الكُفَّارِ وَالمُشْرِكِين

زَجْرُ الغَافِلين عن الإِقَامَةِ وَالمُكُوثِ بَيْنَ أَظْهُرِ الكُفَّارِ وَالمُشْرِكِن.





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ )[آل عمران: 102]
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ منْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )[النساء: 1]
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[الأحزاب: 70-71]
أما بعد :
فإن الإنسان بطبعه قد جُبِلً على حب مكان ولادته ،وأرض آبائه وأجداده ؛ ففيها جذوره وأصوله وأرحامه ،وقد عبّر النبي ﷺ عن ذلك بقوله -حين خرج من مكان ولادته ونشأته مكة مهاجرا إلى المدينة -: ( وَاَللّهِ إنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَيّ وَإِنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَى اللّهِ وَلَوْلَا أَنّ أَهْلَك أَخْرَجُونِي مِنْك مَا خَرَجْت)[1] .
هذا ولمّا كانت ظروف المعيشة متفاوتة بين الناس ؛فإنها كثيرا ما كانت ولا زالت تضطرّ المُعسرينَ منهم إلى ترك ديارهم وبلدانهم ،طلبا للرزق وأسباب الحياة ،فهذا من أبرز أسباب هجران العبد لدياره وأراضيه ،ناهيك عن الهجرة فراراً بالدِّين ؛والتي تعتبر من أعظم أنواع وأسباب الهجرة قديما وحديثا، و قد جعلها الله من أعظم الأعمال بعد الإسلام، وحث عليها في غير موضع من كتابه ،فقال تعالى : ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )[النساء:100] ،وقال : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )[التوبة:20] ،كما حث النبي ﷺ أصحابة على هذا النوع من الهجرة حين اشتد أذى المشركين على المسلمين في مكة وبالغوا في فتنتهم عن دينهم، فأمرهم -صلّى الله عليه وسلم- بإذنٍ من الله بالهجرة إلى الحبشة أولا ثم إلى المدينة ثانيا؛ ولهذا صار للمهاجرين -زمن النبي عليه الصلاة والسلام- ميزة على إخوانهم من الأنصار، وصاروا يقدّمون في الذّكر لشرفهم، لأنّهم تركوا أوطانهم وديارهم وأموالهم وخرجوا، بل تركوا أولادهم وأزواجهم، وخرجوا إلى المدينة من أجل الدين ومن أجل نُصرة الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكر الله لهم ذلك وأثنى عليهم ووعدهم بجزيل الثواب ،فكانت هجرتهم سنة يتأسى بها المسلمون الذين يفتنون عن دينهم في جميع الأمصار والأعصار ؛ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
إلا أن النّاظر اليوم في أحوال المسلمين يرى عجبا عُجَابَا ،فقد أصبح حالهم بخلاف حماة الدّين الأوائل الذين باعوا أنفسهم لله ،فبينما كانت هجرة أولائك -عليهم رضوان الله- من دار الكفر إلى دار الإسلام، أضحت هجرة بعض الناس اليوم -وأكثرهم من الشّباب- من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر ..كذلك الحسرة كل الحسرة على من نّوره الله بنور الشهادتين فأسلم هناك في بلاد الكفر ، ثم تراه يتشبّث بالمكوث فيها ،فلا هو فكّر يوماً في نفسه بأن يهاجر فيوفّر لها راحة العبادة والإخلاص،ولا هو فكّر يوماً في الإسلام بتكثير سواد أهله ،فوا عجباهُ ..!!

[ أسباب مكوث المسلمين بين أظهر الكفار والمشركين ]
والمتتبّع لحال هؤلاء يتحصّل لديه جملة من الأسباب ؛ دفعت أكثرهم لهذا الفعل المخالف لشريعة الإسلام ،ولكنها في الجملة ترجع إلى ثلاثة أسباب :

الأوّل : ضعف التوكّل على الله ؛ لأنهم في الغالب يرون بلدان الإسلام صعبة المعيشة من ناحية الرزق وطلبه ، وهذا مخالف لما تقرّر في عقيدة المسلمين من أن الرّزق بيد الله وحده،وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إن الرزق ليطلُب العبدَ كما يطلُبه أجلُه )[2]،فالحاصل أنه على هؤلاء أن يتّقوا الله ربّهم ،وأن يتوكّلوا عليه حقّ التوكّل ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )[الطلاق:2-3]،ويحسنوا الظّن به ؛وقد قَالَ النبي ﷺ : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )[3]. ثم ليحذروا من مثل هذه الاعتقادات أشدّ الحذر ،فقد قال رسول الله -ﷺ-: ( إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي إنْ خيرا فخير، وإنْ شرا فشر )[4].
ألا فليعلم هؤلاء أن الذي يرزقهم في بلاد الكفر هو الذي يرزقهم في بلاد الاسلام..

الثاني : حب الدّنيا والسّعي في جمع حُطامها ؛وتعلّق القلب بوسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة -في نظرهم- ، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا يُوفّر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم ... وأي رفاهية هذه التي بسببها يسمع أصحابها شتى أنواع الكفر بالله وطُرُقِ الاستهزاء بدينه ونبيّه -عليه الصلاة والسلام- !!

الثالث : عدم وجودِ الدّاعي إلى هذه الفضيلة -بينهم-[5]،فلا تكاد ترا منهم من يفعل ذلك -إلا من رحم الله-،بل ربما كرِه بعضهم ذكر الهجرة وما يتعلّق بها ،والذي يُؤسِف حقيقة أن قلوب بعضهم تنفر من مثل هذا -إن لم يكن أصحابها ممّن يثبّط الآخرين- ،فإنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون..!

[ تعريف الهجرة ]
الهجرة لغة: "اسمٌ من هجر يهجُر هَجْرا وهِجرانا"[6].
قال ابن فارس: "الهاء والجيم والراء أصلان، يدل أحدهما على قطيعة وقطع، والآخر على شد شيء وربطه. فالأول الهَجْر: ضد الوصل، وكذلك الهِجْران، وهاجر القوم من دار إلى دار: تركوا الأولى للثانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكة إلى المدينة"[7].
والهجرة شرعاً: "ترك دار الكفر والخروج منها إلى دار الإسلام"[8].
وأعم منه ما قاله الحافظ ابن حجر: "الهجرة في الشرع ترك ما نهى الله عنه"[9]، وذلك لقوله ﷺ: ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه )[10]، وهي تشمل الهجرة الباطنة والهجرة الظاهرة، فأما الهجرة الباطنة فهي ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء وما يزيّنه الشيطان، وأما الظاهرة فهي الفرار بالدين من الفتن[11].
ولما كانت الثانية أعظم أمارات الأولى وأكمل نتائجها خص بعض العلماء التعريف بها كما تقدم. ثم لما كانت هجرته ﷺ من مكة إلى المدينة أشرف الهجرات وأشهرها انصرف اللفظ عند الإطلاق إليها.
وأما لفظ الهجرتين فهو عند الإطلاق يراد به الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة[12].
كما أنه من الشناعة بمكان أن يطلق بعضهم لفظ "الهجرة" على السّفر من بلاد الاسلام إلى بلاد الكفر .

[ أنواعها ]
نظرا لما مرّ من تعريف الهجرة ،وجمعا بين النّصوص ؛فإنه يتحصل من إطلاقاتها أنها على نوعين : حسّيّة ،ومعنوية أو بدنيّة وقلبيّة .
- الهجرة الحسّيّة : ويمكن أن نجعلها أربعة أنواع :
الأول : الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهذه أشرف الهجرات وأفضلها على الإطلاق ، وهذه خصَّ الله تعالى بها ساداتِ الأولياء من المهاجرين ؛الذين هاجروا من مكة إلى المدينة -رضي الله عنهم وأرضاهم- .
الثاني : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ؛وهي المقصودة من هذه الأسطر- .
الثالث : هجرة أرض المعاصي والفسوق إلى أرض الصلاح والإيمان ،ودليلها قصة قاتل المائة نفس[13].
قال عنها النووي -- :"قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين والورعين ومن يقتدى بهم، وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته"[14].
الرابع : الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن ،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ )[15].
- الهجرة المعنوية : وهي تُشارِك الأولى في المعنى اللغوي، لما تضمّنت من معنى الترك والهجر، ولكنّها في الحقيقة هجرة القلوب لا الأبدان؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَن هجَر ما نهى الله عنه )[16]، ومنها نوع آخر وهو الالتزام بالعبادة في زمن الفتنة والقتل، فقال صلى الله عليه وسلم: ( العبادة في الهَرْج كهجرةٍ إليّ )[17].
وقسّمها بعضهم إلى خمسة كابن دقيق العيد[18] ،وبعضهم ثمانية كابن العربي[19] (من جهة المقصود إلى :طلبٍ وهرب ،ومن جهة الأحكام التكليفية الخمية) -وهي راجعة في حقيقتها إلى ماسبق- .

[ فضائلها ]
من بين تلك الفضائل الجمّة لهذه العبادة الشريفة[18] :
1-تكفير الذنوب:
فعن عمرو بن العاص قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأُبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضتُ يدي، قال: ( ما لك يا عمرو؟ )، قال: قلت: أردت أن أشترطَ، قال: ( تشترط بماذا ؟ )، قلت: أن يغفرَ لي، قال: ( أما علِمتَ أن الإسلام يهدِم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدِم ما كان قبلها، وأن الحج يهدِم ما كان قبله )[19].
2- وقوع أجْر المهاجر على الله -بغضّ النّطر عن إتمام الرّحلة- :
عن سعيد بن جبير أن رجلًا من خزاعة كان بمكة فمرِض، وهو ضمرة بن العيص بن ضمرة بن زنباع، فأمَر أهله، ففرَشوا له على سرير، فحملوه وانطلقوا به متوجهًا إلى المدينة، فلما كان بالتنعيم مات، فنزلت: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )[النساء: 100]، وكذلك قاله الحسن وغيره من المفسرين[20]، وقال الإمام البخاري: وقع: وجَب [21].
3- صاحب الهجرة يُقدَّم في الإمامة عند صلاة الجماعة:
فعن أَوْس بن ضَمْعَج، يقول: سمعت أبا مسعود، يقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمُهم قراءةً، فإن كانت قراءتهم سواءً، فليَؤُمَّهم أقدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً، فليَؤْمَّهم أكبرهم سنًّا، ولا تَؤُمَّنَّ الرجل في أهله، ولا في سلطانه، ولا تجلِس على تَكرِمته في بيته، إلا أن يأذَن لك، أو بإذنه ) [22] ، قال العظيم آبادي: "هذا شاملٌ لمن تقدَّم هجرةً؛ سواءً كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، أو بعده؛ كمَن يُهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام" [23].
4- المهاجر في أول زُمرة تدخل الجنة:
فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أُمتي؟ )، قال: الله ورسوله أعلم، فقال: ( المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أَوَقَد حُوسِبتُم؟ فيقولون بأي شيء نُحاسب؟ وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله، حتى مِتنا على ذلك، قال: فيُفتح لهم، فيَقِيلون فيه أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناس ) [24].
5- تمنَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون امْرأً من الأنصار لولا الهجرة:
بوَّب الإمام البخاري لهذا الفضل العظيم في "صحيحه" فقال : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار"، وساق بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أن الأنصار سلكوا واديًا، أو شِعْبًا، لسلَكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنتُ امرأً من الأنصار )، فقال أبو هريرة:"ما ظلَم بأبي وأمي، آوَوْه ونصَرُوه، أو كلمةً أخرى"[25].
اختلفت تفاسير السّلف في سرّ هذا الفضل ؛وقد جمع الحافظ ابن حجر -- شيئا منها فقال :"قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألُّف الأنصار واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، حتى رضِي أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان تقع على وجوه؛ منها: الولادة، والبلادية، والاعتقادية، والصناعية، ولا شك أنه لم يُرِد الانتقال عن نَسَب آبائه؛ لأنه مُمتنع قطعًا، وأما الاعتقادي، فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبقَ إلا القسمان الأخيران، وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا؛ أي: لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني ترْكها، لانتسبتُ إلى داركم.
قال: ويُحتمل أنه لَمَّا كانوا أخواله - لكون أمِّ عبدالمطلب منهم - أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة، لولا مانع الهجرة.
وقال ابن الجوزي: لم يُرد صلى الله عليه وسلم تغيُّر نَسَبه ولا مَحْو هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجَر، لا نتسب إلى المدينة وإلى نُصرة الدين، فالتقدير لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينيَّة لا يَسَع تركها، لانتسبتُ إلى داركم.
وقال القرطبي: معناه لتسمَّيتُ باسمكم، وانتسبتُ إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها، سبقتْ فمنعتْ من ذلك، وهي أعلى وأشرف، فلا تتبدَّلُ بغيرها.
وقيل: التقدير لولا أن ثواب الهجرة أعظم، لاخترتُ أن يكون ثوابي ثوابَ الأنصار، ولم يُرِد ظاهر النَّسب أصلًا.
وقيل: لولا التزامي بشروط الهجرة - ومنها: ترْك الإقامة بمكة فوق ثلاث - لاخترتُ أن أكون من الأنصار، فيُباح لي ذلك"[26].

[ حكمها ]

الهجرة من بلاد المشركين إلى بلاد الإسلام، فرض واجب بنص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة[27]؛ وقد فرضها الله على رسوله وأصحابه، قبل فرض الصوم والحج، كما هو مقرر في الأصول والفروع.
ولما تثاقل أناس ممن أسلم، وأخرجتهم قريش معهم يوم بدر، فقُتل من قُتل منهم، حزن الصحابة، وقالوا: قتلنا إخواننا، فأنزل الله فيهم: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ )[النساء:97] يعني: في فريق المسلمين وصفّهم، أم في فريق المشركين وصفّهم؟ ( قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ )[النساء:97] ، يعنون: أخرجنا كرهاً. قالت الملائكة رداً عليهم: ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا )[النساء:97] ، ولم يكن إذ ذاك دار هجرة غير المدينة، وفيها ثلاث محال كبار من اليهود، قبل أن يجلَوْا منها، وهي إذ ذاك أضيق البلاد عيشاً، ورمتهم العرب عن قوس العدوان، ومع ذلك سماها الله سبحانه أرضاً واسعة. وقال تعالى في سورة "التوبة" وهي من آخر ما نزل فيمن شح بمحبوبات الدنيا، وترك لأجلها الهجرة: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )[سورة التوبة آية: 24] .
ولا يفسق إلا بترك واجب، وقد قال ﷺ: ( أنا بريء من مسلم بين ظهراني المشركين )[28]، وقال: ( من جامع المشرك وسكن معه، فهو مثله )[29]. فهذه مسألة هي من أصول الشريعة المحمدية، وليست من مسائل الخلاف، بل هي مجمع عليها، ولا ينازع فيها إلا ضال أضل من حمار أهله، ولكن من خالط المشركين، وأقام بين أظهرهم، عوقب بمثل هذا الزيغ، نعوذ بالله من زيغ القلوب، ومن مضلات الفتن[30] .
غير أن الفقهاء وأئمة الدّين فصّلوا في ذلك باعتبار اختلاف أحوال المكلّفين ، فمن وجبت عليه الهجرة فإقامته في بلاد الكفر محرمة، ومن استحبت له الهجرة فإقامته في بلاد الكفر مكروهة أو خلاف الأولى ،وفي بيان ذلك قال ابن قدامة -- :"..إذا ثبت هذا، فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب :
* أحدها : من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا' فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )[النساء:97]؛ وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب به فهو واجب
* الثاني : من لا هجرة عليه . وهو من يعجز عنها ، إما لمرض ، أو إكراه على الإقامة ، أو ضعف ؛ من النساء والولدان وشبههم ، فهذا لا هجرة عليه ؛ لقول الله تعالى : ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا )[النساء:98]. ولا توصف باستحباب ؛ لأنها غير مقدور عليها .[فإن حمل على نفسه، وتكلف الخروج منها أُجِر] .
* الثالث : من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه واقامته في دار الكفر فتستحب له[31].
إشكال وجواب :
قال صلى الله عليه وسلم ( لا هجرة بعد الفتح ؛ ولكن جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا )[32]،وقال : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة )[33] وكلاهما حق ؛ فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه وهي الهجرة إلى المدينة من مكة وغيرها من أرض العرب فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار كفر وحرب وكان الإيمان بالمدينة فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها فلما فتحت مكة وصارت دار الإسلام ودخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام فقال : ( لا هجرة بعد الفتح )[34]"[35].

[ الرجل والمرأة في الحكم سواء ]

الأصل في المرأة -كما دلّت على ذلك النصوص الصّريحة- أنها لا تسافِر إلا بمحرم ،وسفرها من دونه محرّم لا يجوز ،إلا أن الفقهاء استثنوا من الأسفار ما تعيّن عليها وكان واجبا ،كالسّفر من بلاد الكفر -أو الحرب- إلى بلاد الاسلام . وممّن حكى ذلك منهم :
القرطبي المالكيّ صاحب التفسير المشهور -- فقال: " إتُّفِقَ على أنه يجب عليها أن تسافر مع غير ذي محرم إذا خافت على دينها ونفسها "[36].
وقال النووي الشّافعي-- : "وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُج فِي غَيْر الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم ، إِلَّا الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِر مِنْهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَم ، وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ إِقَامَتهَا فِي دَار الْكُفْر حَرَام إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَار الدِّين ، وَتَخْشَى عَلَى دِينهَا وَنَفْسهَا"[37]. فهذا منهم والله بمثابة الإجماع .
كما سئل الشيخ العلامة صالح الفوزان ما نصّه : "أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة ، وفي السؤال الثاني ، وهو عن امرأة تقيم في أوروبا تسأل عن الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين بغير محرم، هل هذا يجوز لها؟"
فأجاب -حفظه الله- : "الشيخ: نعم هذه مسألة مستثناة ، من اشتراط المحرم للمرأة ، يجوز لها السفر للهجرة بدون محرم، كما هاجرت الصحابيات من مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدون محرم، يعني هذه مسألة ضرورة وورد فيها دليل، وما عداها لابد من المحرم ، نعم"[38].

[ مناط (علّة) إيجابها ]
قال الشافعي -- : "ودلت سنة رسول الله ﷺ على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها ؛ لأن رسول الله ﷺ أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم العباس بن عبد المطلب وغيره"[39].

[ ضابط إظهار الدّين ]

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -- : "وإظهاره دينه ليس هو مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا والزنا وغير ذلك. إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أَنواع الكفر والضلال "[40].
وقال الشيخ صالح الفوزان -<حفظه الله>- : "ولا يجوز له الإقامة مع الكفار والبقاء في بلادهم إلا إذا كان يقدر على إظهار دينه؛ بأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله عز وجل، هذا هو إظهار الدين؛ فإذا كان لا يستطيع ذلك؛ وجب عليه أن يُهاجِر إلى بلاد المسلمين من بلاد الكفار، ولا يبقى فيها على حساب دينه وعقيدته ".[41]
هذا ولا شكّ أن إظهارهم للدين بهذه الصفة في هذا الوقت شبه مستحيل ،وعلى فرض تمكنهم من إظهاره فلا يخفى ما للبعد عن بلاد الإسلام والمسلمين من أثر في ضعف النفس شيئا فشيئا، لما تشتمل عليه بلدان الكفر من شتى أنواع الرذائل التي أعظمها الكفر بالله ،وسب دينه ونبيّه -صلى الله عليه وسلم-...

[ تعريف دار الكفر ودار الإسلام ]

قد تختلف تسمية دار الكفر بين الفقهاء كقولهم : "دار حرب" ،"دار شرك".. ،لكن الأمر واحد ،غير أن اطلاقها قد يختلف باختلاف تعريفهم لداري الكفر والاسلام، ويجدر التنبيه إلى أن هذه المسألة (مسألة تمييز دار الكفر عن دار الإسلام وضوابط الفرق بينهما) خلافية بين أهل العلم ،ونكتفي بنقل ما نقله ابن ابن القيم -- عن الجمهور ،إذ قال:"قال الجمهــور: دار الإسـلام هى التي نزلها المسلمــون وجــرت عليـها أحكــام الإسلام، وما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها، فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسلام بفتح مكة"[42].
هذا وقرّر شيخ الاسلام -رحمه الله- قسماً ثالثا سمّاه "داراً مركّبةً" فقال في جواب له عن بلاد "ماردين" وهل هي دار اسلام أم دار حرب ؟ ،قال:"وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة فيها المعنيان، وليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون أهلها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"[43].
تنبيه : قال شيخ الإسلام بن تيمية --: "والبقاع تتغير أحكامها بتغير أحوال أهلها ؛فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارا ثم تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها كما كانت مكة –شرفها الله– في أول الأمر دار كفر وحرب،وقال الله فيها : ( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ )[محمد:13] ،ثم لما فتحها النبي صلى الله عليه وسلم صارت دار إسلام وهي في نفسها أم القرى وأحب الأرض إلى الله"[44].
وقال -أيضاً-: "..وكون الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها؛ بل هي صفة عارضة بحسب سكانها"[45].اهـ

[ حكم التجنّس بجنسيات الدّول الكافرة ]

سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن ذلك فأجابت ما نصّه :
لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة ، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل ، أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع لقوله تعالى: ( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين..) الآية، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين ) ولأحاديث أخرى في ذلك ، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة ؛ لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه فلا حرج عليه ، إذا لم يخش الفتنة في دينه ، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [46].
وفي فتوى للشيخ فركوس -<حفظه الله>- في هذه المسألة فقال -بعد أفتى بعدم الجواز- : "ولو كان مدفوعًا إلى ذلك لأسبابٍ ماليةٍ أو لأغراضٍ تجاريةٍ أو غيرِها؛ لأنَّ فيه تقديمًا للدنيا على الدين، وقد ذمَّ الله تعالى ذلك بقوله: ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ )[النحل:107]، وكذلك ولو كان مُحافِظًا على الجنسية الأصلية؛ لمُنافاةِ الجنسية الكفرية لمبدإ الولاء والبَراء، وهو أَوْثَقُ عُرَى الإسلام.."[47].

[ عواقب ومضارّ المكوث في بلاد الكفر ]
لا شكّ أن في ذلك مخاطر ومحاذير كثيرة ،نذكر منها -لا على سبيل الحصر- :
- الوقوع في شيء من موالاة الكفارَ ومجاملتهم في أفعالهم وأقوالهم ؛ولا يخفى أن هذا مخالفٌ لأُسُسِ العقيدة الإسلامية ؛التي من أوثق عراها[48] وجوب موالاة المؤمنين والبراءة من الكفار والمشركين والمبتدعين ،وقد جاءت الشّريعة بالتحذير من مثل هذا ،فقال الله -عز و جل- : ( يا أيّهَا الذّينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ والكفار أَوْلِيَاءَ واتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )[المائدة:57] ،وقال : ( يا أيّهَا الذَّينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمَوَدَّة وقَدْ كَفَرُوا )[الممتحنة:1] ،وقال : ( لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ )[المجادلة:22] ،كما صرَّح النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك في قوله: ( مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ )[49].وغير ذلك من النّصوص التي ليس هذا محلّ بسطها ..

- ومنها : ضعف قلوبهم تجاه إنكار المنكرات ،لأنها -أي المنكرات- مع كثرتها وتظافرها وتنوع صُورها في تلك البلاد المظلمة تُضعِف القلب وتقسّيه وتغشّيه بسوادها،حتى يكون -عافانا الله- ممّن ( لا يعرف معروفا ولا يُنكر منكرا ؛إلا ما أشرب من هواه )[50]،ذلك أن المُنكِر من المسلمين لا يستطيع بحال من الأحوال الإنكار على كل من يشاهده ويسمعه ،فإن غاية ما يمكنه إنكاره مرّة أو مرّتين ،فلا مناص حينها بالرّضى به ،وهي الفاجعة بعينها ،ولا يخفى أنَّ الرضا بالذنب كفعله -كفرا كان أو كبيرة من الكبائر- ، ففي الحديث : ( إِذَا عُمِلَتِ الخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وَقَالَ مَرَّةً: ( أَنْكَرَهَا )- كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا )[51]

- ومنها -أيضا- : صعوبة فصل أبناء المسلمين عن أبناء الكفار ؛وهذا له من الخطر عليهم الشيء الكثير ،إذ لا يخفى مدى تؤثّر الطفل والشّابّ بالمحيط الذين يعيشون فيه ،فأقل ما ينتُجُ عن ذلك الانحلال الأخلاقي -كما مشاهدٌ- ، نسأل الله العافية.

- ومنها : تكثير سواد المشركين ؛ لأن الدّاخلين في هذه الشريعة المطهّرة بالمئات يوميا ولله الحمد ،فالأولى بهؤلاء أن يهجروا بلدان الكفر ؛ ويكثّروا سواد إخوانهم من المسلمين ،وإلا كان الأمر على حسابهم ، فيتم بذلك تفويت العديد من المصالح التي من أعظمها إلقاء الرّعب في قلوب الكفّار ؛وذلك حين رؤيتهم المسلمينَ مجتمعينَ على قلب رجل واحدٍ .

- خدمة بلدان الكفر وأهلها ؛فإن المقيم بين أظهرهم لا مفرّ له من خدمتهم ،وهذا وإن تحمّل صاحبه الذلّ فليس له أن يُذِلّ هذا الدين الشّريف بفعله هذا ..! فهو مذلّة له ولدينه فليعتبر !

- كذلك : ضياع أخلاقهم وأعرافهم وشيخصيتهم الإسلامية ؛ذلك لأنَّ المساكنة -كما هو معلومٌ- تورث المشاكلةَ وتدعو إلى التمييع والتطبيع بالتشبُّه بالكفَّار في عاداتهم وأعيادهم والتحدُّث بلغاتهم ومشابهتهم في سلوكهم وطباعهم"[52].

-ومنها : ازدراء المسلمين والتحقير من شأنهم ؛وذلك لما نسمع من تنقّص بعضهم من أبناء الإسلام ؛بأن الكفّار أحسن منهم أخلاقا ،وهذا منهم غير صوابٍ البتّة ،فإن من لم يتخلّق مع خالقه بتوحيد وطاعة نبيّه لن ينفعه تخلّقه مع الخلق ،لا في الدّنيا ولا في الآخرة ،فبلاد الإسلام مهما كان عمّارها مقصّرين في تطبيق أحكام الشّريعة فإنها أفضل حالا من تلك التي يسكنها هؤلاء ويقيمون بين أهلها الذين يتلذّذون بالكفر والمجاهرة به ،فإنه لا نِعمة أفضل من نعمة التوحيد والسّنة ،والفاسق من المسلمين أفضل من أمَمِ الكفر كلها -كما لا يخفى- .

فلأجل هذه المخاطر وغيرها كانت الهجرة فريضةً مؤكَّدةً من دار الكفر إلى دار الإسلام في حقِّ كلِّ مقيمٍ في ديار الكفَّار يُضطهد في دينه أو يؤذى في جسمه أو مالِه أو عِرْضه، ويتضرَّر ضررًا يبلغ حدًّا يهمل معه الفرائضَ ويترك الواجباتِ ويتعدَّى حدودَ الله ويجترئ على محارمه، ولا يَسَعُه -مع وجود مقتضيات الضغط النفسيِّ والفكريِّ وآلياته الحسِّيَّة في دار الكفر- أن يأتيَ بأسباب الوقاية من النار المتمثِّلة في الإيمان والعمل الصالح عملاً بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[التحريم: 6] ، هذا، وقد تكون هجرته دون الأُولى في الوجوب إذا كان الأذى الذي يلحقه في إقامته بدار الكفر خفيفًا والضررُ فيه يسيرًا لا يصل إلى حدِّ أن يترك معه بعضَ واجبات الإسلام[53]-كما سبق بيان ذلك- .

[ مقاصد الإسلام من تشريع الهجرة ]
في ذلك عدّة مقاصد وفوائد ،وهكذا هذه الشريعة المحمّدية كلها ،فمن بين أبرز تلك المرامي :

- سلامة الدين -الذي هو كما قال الْحَسَنَ البصري رحمه الله-: "رَأْسُ مَالِ الْمُؤْمِنِ دِينُهُ ، حَيْثُمَا زَالَ زَالَ دِينُهُ مَعَهُ ،لَا يُخَلِّفُهُ فِي الرِّحَالِ ، وَلَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ"[54]. ،فمن ضيَّع رأس المال كيف يطمع في الربح؛ فمن المحال بقاء الربح بلا رأس مال ، فإضاعته خسران وحسرة وندامة ، وحفظه ربح وسعادة في الدنيا والآخرة [55].

- سلامة النفس والعِرض ؛فإنه لا يُؤمَن مكر الكفار بالمسلمين ،لما عُهِد عليهم من بغضهم والحقد عليهم وعلى دينهم الحنيف .

- تقوية المسلمين وإضعاف المشركين ،كإحياء فريضة الجهاد وتقوية المسلمين وتكثير سوادهم على المشركين فالهجرة والجهاد شيئان متلازمان وأحدهما سبب للآخر ولازم له وبقاء أحدهم لازم لبقاء الآخر.

- صلاح الحال والعزِّ والكرامة وسَعَةِ الرزق، الموعود بها لمن خرج خروجًا في سبيل الله لا يريد به إلاَّ وجه الله تعالى، فإن مات قبل وصوله إلى دار هجرته فإنَّ الله لا يضيع أجرَ المصلحين العاملين الفارِّين بدينهم فيعطيهم ما يعطيه للمهاجرين في سبيله من المغفرة للذنوب والفوز بالجنَّة والنجاة من النار، قال تعالى: ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا )[النساء:100][56].

[ شروط السّفر إلى بلاد الكفر ]
قال الشيخ فركوس -حفظه الله- : "..فإن دَعَت الضرورة الشرعية أو الحاجة الملحَّة إلى الإقامة المؤقَّتة في بلاد الكفر إمَّا لغرضٍ دعويٍّ أو دنيويٍّ، ضروريٍّ أو حاجيٍّ، كالعمل أو التجارة أو الدراسة أو العلاج أو لأغراضٍ مباحةٍ أخرى لا تتوفَّر في بلده أو لا يمكن الوصول إليها فيه فإنَّ أهل العلم يستثنون هذه الحالات من عموم المنع مقرونةً بالشروط الواجب توافُرها في المسافر إلى هذه البلدان والتي تظهر فيما يلي:
1- أن يكون المسافر عارفًا بأحكام دينه وما يكفيه للحفاظ عليه.
2- أن يكون آمنًا على إيمانه وإسلامه من فتنة الشبهات والشهوات، خشيةَ انحرافه عن الجادَّة.
3- أن يكون قادرًا على الجهر بشعائر الإسلام ومُظهرًا لها على سبيل الكمال ومؤدِّيًا لها على وجه التمام بدون خوفٍ أو معارضةٍ من إقامة الصلوات والصيام والحجِّ ونحوها، ويدخل ضمن الشعائر: الهديُ الظاهرُ من هيئةٍ وملبسٍ وشكلٍ عامٍّ، بحيث لا يمنعه مانعٌ من التزام الهدي المستقيم في عموم مظهره المخالف لمظاهر المشركين.
4- أن يكون قادرًا على التزام عقيدة الولاء والبراء التي هي لازمٌ من لوازم الشهادة وشرطٌ من شروطها، متجنِّبًا موالاةَ الكفَّار ومحبَّتهم فيما هم عليه، بل يبقى مُضمرًا لبغضهم وعداوتهم وعدمِ الرضا بأفعالهم، ذلك لأنَّ من حقوق البراء بُغْضَ الشرك والكفر وأهلهما بغضًا لا محبَّة فيه، وعدمَ التشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم دينًا ودنيا، بحيث تتميَّز معالم شخصيته الإسلامية عنهم سلوكًا ومَظهرًا دون تميُّعٍ أو انصهارٍ، وعدمَ مشاركتهم في أفراحهم وأعيادهم ولا تهنئتِهم عليها، وعدمَ اتِّخاذهم أولياءَ ومودَّتِهم، لأنَّ محبَّة أعداء الله تستلزم موافقتَهم واتِّباعهم والرضا بفعلهم من غير إنكارٍ ولا كراهةٍ، وهذا بلا شكٍّ مُنافٍ لعقيدة الولاء والبراء وهي أوثق عرى الإسلام ..،ومن ذلك أيضًا عدمُ مداهنتهِم والتحاكمِ إليهم، والرضى بحكمهم وتركِ حكمِ الله تعالى، وعدمُ بدئهم بالسلام، ولا تعظيمِهم بلفظٍ أو فعلٍ ونحو ذلك. وبعبارةٍ أوجز: عدمُ التولِّي العامُّ لهم، أي: عدم موافقتهم في الظاهر والباطن"[57].

[نصّ بعض السّلف على حرمة الإقامة في أماكن المعاصي فكيف بالأماكن التي يُكفَر فيها بالله !! ]
من عظيم فقه السّلف وغيرتهم على هذا الدّين -رحمهم الله- أنه قد ورَد عن غير واحدٍ منهم الزّجر عن الإقامة في الأماكن التي يعصى الله فيها ،ويسبّ فيها أولياؤه ،ومن ذلك نقله ابن القاسم --،فقال : سمعت مالكا --يقول:" لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف"[58].
قال عَقِبَهُ ابن العربي -معلّقا- :" وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه ، قال الله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )[الأنعام:68]. ;قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -- :فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ) إِذَا عُمِل فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَاخْرُجْ مِنْهَا[59]. ومقصودهم -كما يدل عليه سياق الآية- من لم يستطع إنكار المنكر ،وإلا فإنكاره من آكد الواجبات الشرعية -كما دلّت على ذلك نصوص الوحيين- ، أفلا يكون -بكلامهم هذا- هجران بلدان الكفر أولى !؟ فالله الله في دين الإسلام معشر الأحبّة..
هذا و"اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ :
* الأَْوَّل لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ: وَهُوَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنَ الأَْرْضِ الَّتِي يُعْمَل فِيهَا بِالْمَعَاصِي. حَيْثُ قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ) إِذَا عُمِل فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَاخْرُجْ مِنْهَا. قَال ابْنُ الْقَاسِمِ : سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُول : لاَ يَحِل لأَِحَدٍ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ يُسَبُّ فِيهِ السَّلَفُ.
* الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ : وَهُوَ أَنَّ كُل مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ وَلَمْ يُقْبَل مِنْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِهِ ، أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ مِنْهُ. قَال الرَّمْلِيُّ: لأَِنَّ الْمُقَامَ عَلَى مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ مُنْكَرٌ، وَلأَِنَّهُ قَدْ يَبْعَثُ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ. وَيُوَافِقُهُ قَوْل الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُل مَنْ كَانَ بِبَلَدٍ تُعْمَل فِيهِ الْمَعَاصِي وَلاَ يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُهَا الْهِجْرَةُ إِلَى حَيْثُ تَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ). هُوَ قَوْل الإِْمَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَذْكِرَتِهِ . حَكَاهُ صِدِّيق حَسَن خَان فِي ( الْعِبْرَةِ مِمَّا جَاءَ فِي الْغَزْوِ وَالشَّهَادَةِ وَالْهِجْرَةِ ). وَقَدْ ذَكَرَ الْهَيْتَمِيُّ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إِذَا ظَهَرَتْ فِي بَلَدٍ بِحَيْثُ لاَ يَسْتَحْيِي أَهْلُهُ كُلُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لِتَرْكِهِمْ إِزَالَتَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَتَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الإِْقَامَةَ حِينَئِذٍ مَعَهُمْ تُعَدُّ إِعَانَةً وَتَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي، بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الاِنْتِقَال لِبَلَدٍ سَالِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَلاَّ يَكُونَ فِي إِقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ الْمُؤَنُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحَجّ.
* الثَّالِثُ لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْهِجْرَةَ لاَ تَجِبُ مِنْ بَيْنِ أَهْل الْمَعَاصِي".
* الرَّابِعُ لِلْمُلاَّ عَلِي الْقَارِيِّ : وَهُوَ أَنَّ الْهِجْرَةَ مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي يُهْجَرُ فِيهِ الْمَعْرُوفُ، وَيَشِيعُ فِيهَا الْمُنْكَرُ، وَتُرْتَكَبُ فِيهِ الْمَعَاصِي مَنْدُوبَةٌ"[60].

وختامًا فالمسلم مطالَبٌ بأسباب العزَّة الدينية ومطالَبٌ -أيضًا- باجتناب أسباب الذلَّة المنافية للدين، فإن أقام في بلاد الكفر بصفةٍ مؤقَّتةٍ مقرونةٍ بالحاجة مع إظهار الدين والجهر بشعائره على سبيل الكمال بلا معارضةٍ في شيءٍ منها وحقَّق مبدأَ الولاء والبراء؛ جاز ذلك بشرطه، وقد أقرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَ الصحابة رضي الله عنهم ومنهم أبو بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه على السفر إلى بلدان الكفر لغرض التجارة.
ومن لا يقدر على ذلك فلا يَدَعْ نفسَه عرضةً لآيات الوعيد الواقع على من لا يأمن على نفسه الفتنةَ أو كانت إقامتُه في بلاد الكفر موالاةً لهم[61].

هذا وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبته بطلبٍ من أخي الأكبر شمس -وفقه الله ونفعنا به- .
__________________________________________________ ________________

(1) [أخرجه ابنُ ماجه في "سننه" (3108) وحسّنه ابنُ عبد البرِّ في "الاستذكار"(2/ 464). وانظر"الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام للسهيلي (4/133)]
(2) [صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1703)]
(3) [متّفق عليه: أخرجه البخاري برقم:(7405) ومسلم برقم:(2675)]
(4) [صححه العلامة الألباني في "الصحيحة"(1663)]
(5) [ليخرج مما قلنا مشايخنا في بلدان الاسلام فإنهم كثيرا ما ينصحون ويحذرّون من هذه المسألة]
(6) [انظر : "لسان العرب" لان منظور(8/4616)،"الصّحاح" للجوهري(2/851)]
(7) ["معجم مقاييس اللغة" له (6/34) . ولم يذكر للأصل الثاني مثالاً]
(8) [كذا عرّفها غير واحد من الأئمة .انظر "التعريفات" للجرجاني (256) و"المفردات" للراغب (537) و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/72-73) ،"المغني" لابن قدامة (9/236)]
(9) ["فتح الباري"له (1/16)]
(10) [جزء من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/53-الفتح)]
(11) ["فتح الباري"لابن حجر (1/54)]
(12) [انظر: "لسان العرب" لابن منظور (8/4617) ]
(13) [أخرجه مسلم في "صحيحه"(4/2118)]
(14) ["شرحه على مسلم" (17/82)]
(15) [أخرجه أبو داود في سننه" برقم:(2482 /مع عون المعبود)،وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" ،وانظر في التقسيم "طرح التثريب" للعراقي(2/20) و "عمدة القاري في شرح صحيح البخاري" للعيني(14/80)]
(16) [أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم:(6484).
(17) [أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم:(2948)، وهو من حديث مَعقِل بن يَسار، قال النووي: "المراد بالهَرْج هنا: الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يَغفلون عنها، ويَشتغلون عنها، ولا يتفرَّغ لها إلا أفراد". "شرح مسلم" (18/88)]
(18) ["إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" له(1/62)،ونقله عنه الحافظ العراقي في ["طرح التثريب"(2/20 شرح الحديث الأول)] ثم قال : بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَقْسَامِ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ، وَهِيَ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ ؛ وَلَا يُقَالُ : كِلَاهُمَا هِجْرَةٌ إلَى الْحَبَشَةِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْهِجْرَةِ إلَيْهَا مَرَّةً ، فَإِنَّهُ قَدْ عَدَّدَ الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي الْأَقْسَامِ لِتَعَدُّدِهَا ؛ وَالْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ هِجْرَةُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبِلَادِ الْكُفْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا ؛ وَالْهِجْرَةُ الثَّالِثَةُ الْهِجْرَةُ إلَى الشَّامِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ". وأورد الحديث الموجود في المقال]
(19) [انظر "تفسير القرطبي"(5/299 وما بعدها)]
(18) [أخرجه مسلم في "صحيحه"برقم:(121)]
(19) [يُنظر: "السنن الكبرى"؛ للبيهقي،برقم:(17761)، و"مسند" أبي يَعلى برقم:(2679)، و"المعجم الكبير"؛ للطبراني برقم:(11709)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/10): رجاله ثِقات]
(20) [قاله في "صحيحه" (4 / 18)]
(21) [أخرجه مسلم في "صحيحه"برقم:(673)]
(22) [عون المعبود وحاشية ابن القيم، (2/204)]
(23) [هذه فضائل الهجرة الحسّية فهمي متضمّنة للهجرة المعنوية كما مرّ لذلك خصّصتها بالذكر]
(24) [أخرجه الحاكم في "المستدرك" برقم:(2389)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه"، ووافقه الذهبي]
(25) [أخرجه البخاري في "صحيحه"برقم:(3779)]
(26) ["فتح الباري" لابن حجر(8/51)]
(27) [ممن نقل ذلك النووي في "شرح مسلم"(8/13)،و ابن العربي المالكي كما نقله عنه صاحب "تحفة الأحوذي"(7/88)]
(28) [أخرجه الترمذي في "جامعه"برقم:(1604) , والنسائي في "سننه" برقم:(4780) , وأبو داود في "سننه"برقم:(2645)،وصحّحه الألباني في صحيح أبي داود وغيره]
(29) [أبو داود في "سننه"برقم:(2787)،وصحّحه الألباني في صحيح أبي داود وغيره]
(30) ["الدرر السّنّية في الأجوبة النّجدية" (8/426،427)]
(31) ["المغني" له (9/237،236)،"الدرر السنية في الاجوبة النجدية"(8/430)وما بين المعكوفتين في النوع الثاني من كلام محمد بن عبد اللطيف -رحمه الله-]
(32) [متّفقٌ عليه ؛أخرجه البخاري (2783) ، ومسلم (1353)]
(33) [أخرجه أبو داود في "سننه"(2479)وغيره ،وصحّحه الألباني في "إرواء الغليل"(5/33)]
(34) [متّفقٌ عليه ؛أخرجه البخاري (2783) ، ومسلم (1353)]
(35) [من كلام شيخ الاسلام في "مجموع الفتاوى"(18/282،283)]
(36) ["المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"(11/6)]
(37) ["شرحه على صحيح مسلم" (9/104)]
(38) [الفتوى على موقعه :http://alfawzan.af.org.sa/node/4080]
(39) ["الأم"(2/170،171)]
(40) ["مجموع الفتاوى"له (1/77)]
(41) [ "المنتقى من فتاويه" (1/254)]
(42) [["أحكام أهل الذمة" له(1/366) ،وانظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح(1/ص231)،"السيل الجرار" للشوكاني (4/575) ،"المدونة"(2/22)، "بدائع الصنائع" للكاساني(7/30)]
(43) ["مجموع الفتاوى" (28/241)]
(44) ["مجموع الفتاوى" (27/ 143-144)]
(45) ["مجموع الفتاوى" (18/282)]
(46) [السؤال الأول من الفتوى رقم (6582)]
(47) [فتوى الشيخ على موقعه المبارك : https://ferkous.com/home/?q=fatwa-29]
(48) [أخرجه أحمد (18524) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ( إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ ) ،حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (3030)]
(49) [أخرجه أبو داود في "سننه" (2787) ،وحسَّنه الألباني في "الصحيحة"برقم: (1330)]
(50) [أخرجه مسلم في "صحيحه"برقم:(144)]
(51) [أخرجه أبو داود في "سننه"برقم:(4345)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (698)]
(52) ["مطوية" : "نصيحة إلى مقيم في بلد الكفر" للشيخ فركوس -حفظه الله-]
(53) [الفقرة مستلّة من"مطوية" : "نصيحة إلى مقيم في بلد الكفر" للشيخ فركوس -حفظه الله-،بتصرف يسير جدّا]
(54) ["الإبانة الكبرى "لابن بطة برقم:(585)]
(55) [أثر وتعليق للشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله- بموقعه]
(56) [هذا المقصد الأخير من مطوية الشيخ فركوس -حفظه الله-]
(57) [تفسير القرطبي " (5/350)]
(58) [من مطوية" : "نصيحة إلى مقيم في بلد الكفر" للشيخ فركوس -حفظه الله-]
(59) ["احكام القرآن" لابن العربي(1/611) و "تفسير" القرطبي (5/350)]
(60) ["الموسوعة الفقهية"(42/190)]
(61) [من مطوية" : "نصيحة إلى مقيم في بلد الكفر" للشيخ فركوس -حفظه الله-]


التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 07 Apr 2017 الساعة 04:00 PM سبب آخر: عنونةة2
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 Mar 2017, 09:50 AM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي صهيب على هذا المقال الماتع المهم في بابه ، وأذكر مرة كنت مع شيخنا ربيع بن هادي حفظه الله وسألته عن حديث أخرجه ابن ماجه وغيره من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين.
من عظم هذا الحديث وما يتعلّق به من مسائل توقّف فيه ،وقال لي حفظه الله ياولدي هذا حديث عظيم جد عظيم و يحتاج إلى دراسة ثم بيّن لي خطورة من يقيم من ظهراني المشركين.
وهناك فتوى له منشورة أحببت ذكرها ،حيث قال حفظه الله فيمن اضطهد في دينه وذهب لتلكم الديار الكافرة فضلا عن الذي يذهب لأمور أخرى ليست من الضرورة أو ممن لم تتوفر فيه الضوابط الشرعية والحدود المرعية حيث قال فضيلته : والله أعلم 90% من الذين يذهبون إلى أوربا وأمريكا لا من أجل ملاحقة الحكومات ولا من أجل شيء حتى لو لاحقته الحكومة يصبر , أحمد بن حنبل لما عذب راح هرب إلى بلاد الكفر ؟
أنا أسألكم أحمد بن حنبل وغيره , ثم ابن تيمية لما أذوه وأذوه وسجنوه هل هرب إلى بلاد الكفر ؟ إيه بارك الله فيكم , يصبر , يعيش في بلده ولو في السجن خير له من أن يذهب إلى أوربا وأمريكاخاصة وهم لهم نشاط ولهم خطط في تجنيد المسلمين في مجتمعاتهم وتنصيرهم وتحويلهم إلى ملاحدة وزنادقة , وهذه خطط قديمة والآن يطبقونها ويسعى كثير من دعاة السوء وعلماء السوء إلى تجنيد المسلمين في المجتمعات الأوربية .
فلماذا تذهب إلى هذه البلاد لماذا لا تصبر حتى لو لا حقتك الحكومة اصبر خير لك , كثير منهم يذهب بدون ملاحقة ,يذهب للأكل والشرب ولخدمة اليهود والنصارى في بلدانهم يذل نفسه ويذل الإسلام . بارك الله فيكم , والله تبارك وتعالى تعهد برزقه (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ما عليك إلا أن تتق الله عز وجل ويأتيك رزقك من حيث لا تحتسب ولن تموت نفس حتى تستوفي ما كتب لها فالشيطان يزخرف لهم الذهاب إلى بلاد الغرب , ليعيش كما تعيش الأنعام في ذل وهوان ثم البلاء والخطر محدق به وبأسرته لما يبلغ إبنك 6سنوات فين يتعلم؟ـ يتعلم في مدارس اليهود والملاحدة والعلمانيين والنصارى ويعلمونهم دينهم ولا يفرقون في هذا , بارك الله فيكم .
وأخذ الجنسية الأجنبية الكافرة بدل الجنسية الإسلامية , "]كفّر بها بعض العلماء , وهو لا يأخذ الجنسية هذه إلا بعد أن يتأهب بالخضوع إلى قوانين هذه البلاد والولاء والبراء لها ويتأهب يمكن بالجهاد ,لو زحف الجيش الإسلامي على بلد كافر, يواجه الجيش الإسلامي لأنه أصبح جنديا لأعداء الله ومستعد يمكن يجهزونه لحرب المسلمين في بلدانهم كما حصل في أفغنستان وجندوا المسلمين لقتال الأفغان وصدرت فتوى من بعض علماء السوء أنه يجوزله أن يقاتل المسلمين ليثبت جنسيته ويثبت ولاءه لأمريكا وهذه فتوى القرضاوي الذي يحتل منصب عظيم عند المسلمين بهذه الفتاوى . بارك الله فيكم , وكم من الفتاوى الفاسدة . نسأل الله العافية .
الأن نشاطات قائمة في الغرب لتحقيق هذه الأهداف , تجنيد المسلمين في المجتمعات الغربية . كيف تروح في هذه الضروف ؟يجب على المسلمين أن يهاجروا إلى بلدانهم ,إذا سمعوا بمثل هذه النشاطات والمحاولات لدمجهم وتمويلهم في المجتمعات الغربية .
من شريط :أسباب النهوض بالأمة لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله -

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 11 Mar 2017 الساعة 09:57 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 Mar 2017, 05:00 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

آمين وإياكم وجزاكم الله خيرا على الفائدة
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 Mar 2017, 12:14 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

جاء في "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الثالث) [ج1 من الصفحة 42 إلى الصفحة 46] :

الرسالة الخامسة: [الهجرة والإقامة بين أظهر المشركين]

وله أيضا (أي عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ) -قدس الله روحه ونور ضريحه- رسالة في وجوب الهجرة وتحريم الإقامة بين أظهر المشركين، وسبب ذلك أن حسن بن عبد الله آل الشيخ لما كتب إلى عبد الرحمن الوهيبي يناصحه عن الإقامة بين أظهر المشركين، ويبين له وجوب الهجرة بالدلائل والبراهين كتب إليه، واحتج بما ستقف عليه في ضمن جواب الشيخ -رحمه الله-. وهذا نص رسالة الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى ابن الأخ حسن بن عبد الله: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: يذكر لي ما كتب إليك عبد الرحمن الوهيبي من الشبهة لما ذكرت له قوله –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 1 ونصحته عن الإقامة بين أظهر العساكر الشركية، وأنه احتج عليك بأن الآية فيمن قاتل المسلمين، وقال: تجعلون إخوانكم مثل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ وهذا جهل منه بمعنى الآية وصريحها، ومخالفة لإجماع المسلمين وما يحتجون به على تحريم الإقامة بين أظهر المشركين، مع العجز عن القدرة على الإنكار والتغيير . قال ابن كثير: هذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين؛ فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 2 أي: بترك الهجرة {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} 3 أي: لم كنتم ها هنا وتركتم الهجرة {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} 4 أي: لا نقدر على الخروج ولا الذهاب في الأرض {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 5.وساق -رحمه الله- ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جامع مشركا(6) وسكن معه فإنه مثله ". قلت:
فانظر حكاية الإجماع على تحريم ذلك،
وانظر تقريره معنى الآية، وتعليق ما فيها من الأحكام والوعيد على مجرد الإقامة بين أظهر المشركين، وأن هذه الآية نص في ذلك.
وانظر خطاب الملائكة لهذا الصنف، وأنه على المكث والإقامة بدار الكفر.
وانظر ما أجابتهم الملائكة عن قولهم: لا نقدر على الخروج، وكل ذلك ليس فيه ذكر للقتال.
فتأمل هذا يطلعك على بطلان هذه الشبهة وجهل مبديها. وتأمل حديث سمرة وما فيه من تعليق هذا الحكم بنفس المجامعة والسكنى، واعرف معنى كونه مثله. وكذلك ما رواه ابن جرير عن عكرمة قال: كان أناس من أهل مكة قد أسلموا أفمن مات منهم بها هلك؟ قال -تعالى-: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} 7 الآية. وروى ابن جرير من تفسير ابن أبي حاتم: فزاد فيه: فكتب المسلمون إليهم بذلك، وخرجوا، ويئسوا من كل خير، ثم نزلت: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} 8. فكتبوا إليهم بذلك أن قد جعل الله مخرجا لكم، فخرجوا فأدركهم المشركون فقتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل. وروي عن ابن عباس في الآية: هم قوم تخلفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره. وأظن هذا الجاهل رأى ما روي عن عكرمة عن ابن عباس أن قوما من أهل مكة أسلموا فاستخفوا بإسلامهم، وأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، وأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا فاستغفروا لهم فنَزلت {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} 9 الآية، فهذا القول ونحوه مما فيه ذكر من أخرج مع المشركين يوم بدر، لا يدل على أن الآية خاصة بهم بل يدل على أنها متناولة للعموم اللفظي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وكذلك من قال من السلف: إن هذه الآية نزلت في أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا مع المشركين، فمرادهم أن هذه الآية تتناولهم بعمومها، ولم يريدوا أن هذا النفاق والقتال مع المشركين هو الذي نيط به الحكم ورتب عليه الوعيد، فإنهم أجل وأعلم من أن يفهموا ذلك. والسلف يعبرون بالنوع، ويريدون الجنس العام، ومن لم يمارس العلوم ولم يتخرج على حملة العلم وأهل الفقه عن الله، وتخبط في العلوم برأيه فلا عجب من خفاء هذه المباحث عليه وعدم الاهتداء لتلك المسالك التي لا يعرفها إلا من مارس الصناعة، وعرف ما في تلك البضاعة، وهذا الرجل من أجهل الناس بالضروريات فكيف بغيرها من حقائق العلم ودقائقه؟ وليتهم (أعني) هو وأمثاله اقتصروا على مجرد الإقامة، ولم يصدر عنهم ما اشتهر وذاع من الموالاة الصريحة وإيثار الحياة الدنيا على محبة الله ورسوله، وما أمر به وأوجبه من توحيده، والبراءة ممن أعرض عنه، وعدل به غيره وسوى به سواه.
وتأمل كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- على هذه الآية فإنه أفاد وأجاد: وتأمل ما ذكره الفقهاء في حكم الهجرة واستدلالهم بهذه الآية على تحريم الإقامة بين ظهراني المشركين لمن عجز عن إظهار دينه، فكيف بمن أظهر لهم الموافقة على بعض أمرهم وعلى أنهم مسلمون من أهل القبلة المحمدية؟ وصاحب هذا القول الذي شبه عليكم ينزل درجة درجة: أول ذلك شراؤه المراتب الشرعية والأوقاف التي على أهل العلم، حتى صرفت له من غير استحقاق ولا أهلية، ثم لما جاءت هذه الفتنة صار يتزين عند المسلمين بحمد الله على عدم حضوره بتلك البلد، ثم جمز ولحق بأهلها، ونقض غزله، وأكذب نفسه، ثم ظهر لهم في مظهر الصديق الودود، وبالغ في الكرامة والوليمة والتحف والهدايا والمجالسة والتردد شغفا بالجاه والرياسة ولو في زمرة من حاد الله ورسوله. (وأما) : ما نقل عنه من التحريض على أهل الإسلام، فهو إن صح أقبح من هذا كله وأشنع، وحسابه على الله الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبئات الصدور والضمائر، وروى السدي قال: "لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: افد نفسك وابن أخيك، قال: يا رسول الله، ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم، ثم تلا عليه هذه الآية: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} ". فتأمل هذه القصة وما فيها من التصريح بأن الخصومة في الهجرة، وأن من ادعى الإسلام والتوحيد وهو مقيم بين ظهراني أهل الشرك بالله، والكفر بآيات الله فهو مخصوم محجوج؛ وهذا يعرفه طلبة العلم والممارسون، وتأمل قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} 10.كيف حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك، وأكد ذلك بأن المؤكدة، وأن ذلك صادر عن وحي الشيطان. فاحذر هذا الضرب من الناس، وليكن لك نهمة في طلب العلم من أصوله ومظانه، والله –تعالى- أسأل أن يمن علينا وعليكم بالهداية إلى سبيله، ومعرفة دينه بدليله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

_____________________________________
1 (سورة النساء آية: 97.)
2 (سورة النساء آية: 97.)
3 (سورة النساء آية: 97.)
4 (سورة النساء آية: 97.)
5 (سورة النساء آية: 97.)
6 (جامعه: خالطه وعاشره، فالمجامعة: المشاركة في الاجتماع من سكنى ومعاشرة، هذه حقيقته واستعماله في المخالطة الزوجية كناية.)
7 (سورة النساء آية: 97.)
8 (سورة النحل آية: 110.)
9 (سورة النساء آية: 97.)
10 (سورة الأنعام آية: 121.)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 Mar 2017, 02:14 PM
أبو عائشة محمد عواد أبو عائشة محمد عواد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
الدولة: الجزائر ، مستغانم
المشاركات: 92
افتراضي

الله المستعان و عليه التكلان، نسأل الله لنا ولهم التوفيق و السداد .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23 Mar 2017, 11:36 AM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عائشة محمد عواد مشاهدة المشاركة
الله المستعان و عليه التكلان، نسأل الله لنا ولهم التوفيق و السداد .


آمين
بارك الله فيك أخي محمد
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07 Apr 2017, 03:56 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

شهر العسل ؟؟

استنصح أحدهم الشيخ ابن باز -رحمه الله- فقال :
كثير من الناس ابتلي بالأسفار خارج الدول الإسلامية التي لا تبالي بارتكاب المعصية فيها ولا سيما أولئك الذين يسافرون من أجل ما يسمونه شهر العسل . أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بنصيحة إلى أبنائه وإخوانه المسلمين وإلى ولاة الأمر كيما يتنبهوا لهذا الموضوع .

فأجابه --:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد :
فلا ريب أن السفر إلى بلاد الكفر فيه خطر عظيم لا في وقت الزواج وما يسمى بشهر العسل ولا في غيره من الأوقات ، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله ويحذر أسباب الخطر فالسفر إلى بلاد المشركين وإلى البلاد التي فيها الحرية وعدم إنكار المنكر فيه خطر عظيم على دينه وأخلاقه وعلى دين زوجته أيضا إذا كانت معه ، فالواجب على جميع شبابنا وعلى جميع إخواننا ترك هذا السفر وصرف النظر عنه والبقاء في بلادهم وقت الزواج وفي غيره لعل الله جل وعلا يكفيهم شر نزغات الشيطان .
أما السفر إلى تلك البلاد التي فيها الكفر والضلال والحرية وانتشار الفساد من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال - ففيه خطر عظيم على الرجل والمرأة ، وكم من صالح سافر ورجع فاسدا ، وكم من مسلم رجع كافرا ، فخطر هذا السفر عظيم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم- : أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين وقال عليه الصلاة والسلام : لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين والمعنى : حتى يفارق المشركين . فالواجب الحذر من السفر إلى بلادهم لا في شهر العسل ولا في غيره ، وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك والتحذير منه ، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وشرح محاسن الإسلام لهم وتعليم المسلمين هناك أحكام دينهم مع تبصيرهم وتوجيههم إلى أنواع الخير ، فهذا وأمثاله يرجى له الأجر الكبير والخير العظيم ، وهو في الغالب لا خطر عليه لما عنده من العلم والتقوى والبصيرة ، فإن خاف على دينه الفتنة فليس له السفر إلى بلاد المشركين حفاظا على دينه وطلبا للسلامة من أسباب الفتنة والردة وأما الذهاب من أجل الشهوات وقضاء الأوطار الدنيوية في بلاد الكفر في أوروبا أو غيرها فهذا لا يجوز ، لما فيه من الخطر الدنيوية والعواقب الوخيمة والمخالفة للأحاديث الصحيحة التي أسلفنا بعضها نسأل الله السلامة والعافية .
وهكذا السفر إلى بلاد الشرك من أجل السياحة أو التجارة أو زيارة بعض الناس أو ما أشبه ذلك فكله لا يجوز لما فيه من الخطر العظيم والمخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الناهية عن ذلك ، فنصيحتي لكل مسلم هو الحذر من السفر إلى بلاد الكفر وإلى كل بلاد فيها الحرية الظاهرة والفساد الظاهر وعدم إنكار المنكر ، وأن يبقى في بلاده التي فيها السلامة ، وفيها قلة المنكرات فإنه خير له وأسلم وأحفظ لدينه .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

http://www.binbaz.org.sa/fatawa/57

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 05 May 2017 الساعة 08:32 PM
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05 May 2017, 08:30 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

حكم السفر إلى بلاد الكفر للدراسة

سئل الامام ابن باز -رحمه الله- ما نصّه : "ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة؟"



الوصية الحذر من ذلك إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة، يدعو إلى الله ويعلم الناس، ولا يخشى على دينه؛ لأنه صاحب علم وبصيرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين))[1]، والله جل وعلا قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ[2] الآية، وفي الحديث الصحيح: ((لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين))[3] والمعنى حتى يفارق المشركين.

فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين، والجلوس بينهم لا للتجارة، ولا للدراسة، إلا من كان عنده علم، وهدى، وبصيرة ليدعو إلى الله ويتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده، ويظهر دينه فهذا لا بأس به كما فعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم، وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة.

__________________________________________________ __________
[1] رواه الترمذي في كتاب السير برقم 1530، وأبو داود في الجهاد برقم 2274.
[2] سورة النساء الآيتان 97 – 98.
[3] رواه النسائي في الزكاة برقم 2521.

أسئلة موجهة إلى سماحته بعد المحاضرة التي ألقاها بمسجد سمو الأمير متعب بن عبد العزيز في جدة تحت عنوان "الوصية بكتاب الله القرآن الكريم" في 13/8/1416 هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء التاسع.
http://www.binbaz.org.sa/fatawa/2058



وسئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- :

بعض الشباب يريدون أن يتعلموا الطب وبعض العلوم الأخرى ولكن هناك عوائق مثل الاختلاط والسفر إلى بلاد الخارج فما الحل ؟ وما نصيحتكم لهؤلاء الشباب ؟.

فأجاب :

الحمد لله
نصيحتي لهؤلاء أن يتعلموا الطب , لأننا في بلادنا في حاجة شديدة إليه , وأما مسالة الاختلاط فإنه هنا في بلادنا والحمد لله يمكن أن يتقي الإنسان ذلك بقدر الاستطاعة .
وأما السفر إلى بلاد الكفار فلا أرى جواز السفر إلا بشروط :
الأول : أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات ، لأن هناك في بلاد الكفار يوردون على أبناء المسلمين الشبهات حتى يردوهم عن دينهم .
الثاني : أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات ، فلا يذهب إلى هناك وهو ضعيف الدين , فتغلبه شهوته فتدفع به إلى الهلاك .
الثالث : أن يكون محتاجاً إلى السفر بحيث لا يوجد هذا التخصص في بلاد الإسلام .
فهذه الشروط الثلاثة إذا تحققت فليذهب , فإن تخلف واحد منها فلا يسافر ؛ لأن المحافظة على الدين أهم من المحافظة على غيره.

كتاب العلم (ص 144).


وسئل الشيخ فركوس -حفظه الله- :
ما هي شروط السفر إلى بلاد الكفر مِنْ أجل الدراسة؟ وبارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيُجَوِّزُ أهلُ العلمِ السفرَ إلى بلاد الكفر لغرضٍ دعويٍّ أو دنيويٍّ بشرطِ: أَنْ يكون المسافرُ عارفًا بدِينِه، آمنًا على إيمانه وإسلامه، قادرًا على الجهر بشعائر الإسلام، وأدائها على وجه التمام، لا يمنعه مانعٌ مِنِ الْتزامِ الهدي المستقيم في هيئته ومَلْبَسِه وعمومِ ظاهِرِه المُخالِفِ لمَظاهِرِ المشركين، قادرًا على الْتزام عقيدة الولاء والبراء التي هي لازمٌ مِنْ لوازمِ الشهادة وشرطٌ مِنْ شروطها، فمِنْ حقوقِ البراءِ: بُغْضُ الشركِ والكفرِ وأهلِهما، وعدمُ التشبُّه بهم فيما هو مِنْ خصائصهم دِينًا ودُنْيَا، أو مشارَكتِهم في أفراحهم وأعيادهم، ولا تهنئتِهم عليها، وعدمُ اتِّخاذِهم أولياءَ ومودَّتِهم، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة: ١]، ومِنْ ذلك ـ أيضًا ـ: عدمُ مداهنتِهِم والتحاكمِ إليهم والرضى بحكمهم، وتركِ حكمِ الله تعالى، وعدمُ بدئهم بالسلام، ولا تعظيمِهم بلفظٍ أو فعلٍ.
فالحاصل: عدمُ التولِّي العامُّ لهم، ويحصل ذلك بموالاتهم في الظاهر والباطن؛ فمَنْ لم يستطع أَنْ يجهرَ بالشعائر على وجه التَّمام أو لم يكن آمنًا على دِينِه فإنَّ سفرَه محرَّمٌ، ويُعَدُّ كبيرةً مِنَ الكبائر، أمَّا إِنْ جَعَلَ سفرَه محبَّةً لأهلِ الكفر وموالاةً لهم في الظاهرِ والباطنِ استحسانًا لِمَا هم عليه فهو كافرٌ خارجٌ عن مِلَّةِ الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡ﴾ [المائدة: ٥١].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.


موقعه :https://ferkous.com/home/?q=fatwa-733

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 05 May 2017 الساعة 08:32 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
عقيدة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013