هل كل مبتدع يتوب يجب إمهاله عامًا قبل مجالسته ؟ كلام نفيس لشيخ الاسلام ابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبد الله ، وعلَى آله وصحبه ومَن سار على نَهجه واتَّـبَعَ هُداه ، أما بعد :
فـبعض أهل الأهواء يُشَـنِّعُ على أهل السُّنة والجماعة ويتهمهم بالباطل أنَّهم مُـتَلَوِّنون يكيلون بِمكيالين ! حيث يقبلون تراجُعَ بعض المبتدعة عن بدعتهم ، ويُكَلِّمونَهم ويُجالسونَهم على الفور ، بينما يشترطون على آخرين أن يثبتوا على توبَـتِهم لمدة عامٍ قبل أن يعودوا لمجالستهم ومخالطتهم .
ولم يعلم هؤلاء القوم -الذين يُشَنِّعون على أهل السُّنة والجماعة- أنّ إمهالَ المبتدع التائب عامًا مسألةٌ خلافيةٌ بين أهل العلم ، والظاهر أنَّها تخضع لتقدير المصالح والمفاسد بحسب حال كل شخص .
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن مسلمٍ بَدَرَتْ منه معصيةٌ في حالِ صِـباه تُوجِبُ مهاجرته ومجانبته. فقالت طائفةٌ منهم:
يستغفر الله ويُصفح عنه ويُتجاوز عن كل ما كان منه. وقالت طائفةٌ أخرى: لا تجوز أخوتُه ولا مصاحبتُه. فأيُّ الطائفتين أحقُّ بالحق ؟ فأجاب -رحمه الله- :
(( لا ريب أن من تاب إلى الله توبةً نصوحًا تاب الله عليه كما قال تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} وقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} أي: لمن تاب. وإذا كان كذلك وتاب الرجلُ فإن عَمِلَ عَمَلاً صالِحًا سَنة من الزمان ولم ينقُض التوبةَ فإنه يُقبل منه ذلك ويُجالس ويُكَلَّم. وأما إذا تاب ولم تَمضِ عليه سَنةٌ فللعلماء فيه قولان مشهوران :
1- منهم من يقول: في الحال يُـجـالَس وتُـقـبَل شـهادتُه .
2- ومنهم من يقول: لابد من سَـنَةٍ كما فعل عمر بن الخطاب بصبيغ بن عسل .
وهذه من مسائل الاجـتهاد. فمن رأى أن تُقبلَ توبةُ هذا التائب ويُجالَسَ في الحال قبل اخـتباره فقد أخذ بقولٍ سائغٍ ، ومن رأى أنه يُؤَخَّر مُـدَّةً حتى يعملَ صالِحًا ويُظْهِرَ صِدْقَ توبتهِ فقد أخذ بقولٍ سائغٍ ، وكِلا القولين ليس من المنكرات )) اهـ .
وهذه من مسائل الاجـتهاد. فمن رأى أن تُقبلَ توبةُ هذا التائب ويُجالَسَ في الحال قبل اخـتباره فقد أخذ بقولٍ سائغٍ ، ومن رأى أنه يُؤَخَّر مُـدَّةً حتى يعملَ صالِحًا ويُظْهِرَ صِدْقَ توبتهِ فقد أخذ بقولٍ سائغٍ ، وكِلا القولين ليس من المنكرات )) اهـ .