منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 Sep 2012, 11:29 AM
أبوالحسين محمد بوعزة أبوالحسين محمد بوعزة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: تيارت، الجزائر
المشاركات: 17
افتراضي المسلمات الشرعية في زمن الفتن بين يقين النصوص وسراب المحسوس


هذا مقال للشيخ عباس ولد عمر في العدد الثلاثين من مجلة الإصلاح بعنوان:

المسلمات الشرعية في زمن الفتن بين يقين النصوص وسراب المحسوس.

إنَّ لله ـ عزَّ وجلَّ ـ في خلْقِه شؤونا عجيبة، وله ـ سبحانه ـ في أقداره أسرارا لطيفة: يرفع ويخفض، يبسط ويقبض، يُعزُّ ويُذلُّ، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممَّن يشاء، يخرج الحيَّ من الميِّت ويخرج الميِّت من الحيِّ، يُضل من يشاء ويهدي إليه من أناب.
ومما قدّره الله على عباده ـ وهو دالٌّ على حكمته ـ أن يبتليَهم بالسَّرَّاء والضَّرَّاء، والشِّدَّة والرَّخاء، والحسنات والسيئات، قال تعالى: الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) [سورة العنكبوت].
ومن ذلك ما أصاب أهل الإسلام في هذه الأيَّام، من فتنة الخروج على الحكام، وتأجيج نار الثَّورات، مع ما صاحبها من مظاهرات واعتصامات.
وحكم هذا الأمر في شريعة الإسلام لا يخفى على من له مُسكة من علم بنصوصها، فالأحاديث الَّتي تأمر بالسَّمع والطَّاعة للحاكم المسلم في المعروف، وتنهى عن منازعته في الأمر والخروج عليه ـ ولو كان ظالماً ـ أشهر من أن تُذكر، وأكثر من أن تُحصر، لكنَّ الَّذي جعل المصيبة تتعاظم، والبليَّة تتفاقم؛ أن وُجد من الدُّعاة والمشايخ المنتسبين إلى السُّنَّة من يدعوا إلى ذلك ويحرِّض عليه، من غير حجَّة ولا برهان، ولا نور مقتبس من سنَّة أو قرآن، مخالفين بذلك تلك النُّصوص الكثيرة، متنكِّبين منهج السَّلف الصَّالح الَّذي غرُّوا النَّاس بالانتساب إليه دهرًا طويلا.
ألا فليُعلم أنَّ ربَّنا قد بيَّن لنا في كتابه المنهج الشَّرعيَّ في التَّغيير، مَنْ سلكه جنى ثمراته، وأوصله إلى رضوان ربِّه وجنَّاته، ومن أعرض عنه ورضي بغيره، ممَّا يوحيه الشَّيطان إلى أوليائه، فلا يمكن أبدًا أن يصل إلى مراده، ولا أن يحقِّق مبتغاه وأهدافه. قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ الرعد: 11].
وقال عزَّ مِنْ قائل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) [ سورة النُّور].
وقال جلَّ في علاه: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) [ سورة الحجِّ].
وقال جلَّ ذكره: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) [سورة الأعراف]، ثم قال في ختام هذا السِّياق: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) [ سورة الأعراف].
فدَّلت هذه الآيات على أن الاستخلاف في الأرض والتَّمكين؛ إنَّما يكون من الله لعباده الَّذين يتحقَّق فيهم شرطه؛ وهو الإيمان الصَّادق، والعمل الصالح، مع اليقين بوعد الله، والصَّبر على أقداره.
قال الحسن البصريُّ: « والله لو أنَّ النَّاس إذا ابتُلوا من قبل سلطانهم صبروا؛ ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم، وذلك أنَّهم يفزعون إلى السَّيف فيُوكلوا إليه، ووالله ما جاءوا بيوم خير قطّ»، ثم تلا: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)(1).
فمن رام إخراج الأمَّة من ديجورها الذي طال فيها سباتها؛ فليبدأ بنفسه فلينهها عن غيّها، وليجمّلها بالإيمان بربها، والأعمال التي بها فلاحها، ثم ليَسْعَ بعد ذلك إلى تعميم هذا الخير بين النَّاس، بدعوتهم إليه، والصَّبر معهم لحملهم عليه، وهو منهج نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلم العمليّ في الدَّعوة والإصلاح؛ فإنَّه ربَّى أصحابه فردًا فردًا، ولم ينازع ملكًا في ملكه، ولا سلطانًا في حكمه، وقد أرشدنا إلى ذلك ربُّنا في كتابه في سورة وجيزة في ألفاظها وكلماتها، لكنَّها بليغة في عبرها وفوائدها، وهي سورة العصر، الَّتي قال الله فيها: « وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) » [ سورة العصر]، فقوله: «آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» دليل على تكميل النَّفس، وقوله «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» دليل على الدَّعوة إليه لتكميل الغير.
قال العلاَّمة ابن سعدي: « فبالأمرين الأوَّلين يكمّل الإنسان نفسه وبالأمرين الأخيرين يكمِّل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالرَّبح العظيم»(2).
ولا بد لذلك من أمرين اثنين؛ بهما جاء النَّبي المصطفى صلَّى الله عليه وسلم هما: العلم والتزكية، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)» [سورة آل عمران].
فهذا هو المنهج الشَّرعي في التَّغيير، ليس فيه روغان ولا دوران، فنحن الذي يهمُّنا أن نوحِّد الله ـ عز وجل ـ، ونلزم طاعته ونجتنب معصيته. وحسبنا أننا قصدنا الخير وأتيناه من بابه، ولم تحرفنا الأهواء والفتن إلى بنيَّات الطَّريق وجنباته، ورحم الله مجدِّد هذا العصر الإمام الألباني الذي كان كثيرا ما يقرّر هذا المعنى، ويتمثَّل ببيتين من شعر امريء القيس، يقول فيهما:
بَكَى صَاحِبي لمَّا رأى الدّرْبَ دُونه *** وأيقنَ أنا لا حقانِ بقيصرا
فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُك إنَّمَا *** نًحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتَ فنُعذَرَا
فهذا هو السَّبيل، لمن رام إصلاح الحال والتَّبديل، أعلامه لائحة، ومنارته واضحة، ولكنه في نظر المستعجلين طريق طويل، إذ هو بتحقيق مقاصدهم غير جدير، فلذلك لا يصبرون على مكارهه وعقبات المسير.
والشَّيء الذي لا يكاد ينقضي منه العجب؛ أن كثيرا من أولئك الدُّعاة المشار إليهم ممن كان يظهر الانتساب للسَّلف، ويرفع شعار الدَّعوة إلى منهج أهل الحديث، كانوا قبل الَّذي حدث بزمان بعيد، وإلى عهد قريب، يحرّمون المظاهرات، ويمنعون العمل السَّياسي ودخول البرلمانات، فإذا بالأحداث تتسارع، وضغط العوام عليهم يزداد في الشارع، فلم يصبر إخواننا على الثَّبات على مواقفهم، ورأوا أن القوم سابقوهم لاقتسام غنيمة الثَّورة، والاستئثار بالمناصب والثَّروة، فقرّروا أن ينهجوا معهم منهجا ثوريًّا حركيًّا، ورضوا لأنفسهم بأن يسلكوا مسلكًا حزبيًّا سياسيًّا، فتحوَّلوا في وقت وجيزٍ إلى دعاة خروج وتحريض، وأقحموا أنفسهم معترك السِّياسة والتحزّب البغيض، والأغرب من هذا أننا رأينا منهم من تغيَّر كلامه وتبدل خطابه في أقل من أسبوع، ينسلخ من جلده كما تنسلخ الحيَّة من جلدها. فما الذي تغيّر؟! آلدّين الذي أكمله الله ورضي للنَّاس، أم هو الهوى وتزيين الشَّيطان الوسواس! قد غرَّ القوم أن رأوا ملكًا قريبًا، وحكمًا وشيكًا فسلكوا طريقا غير التي كانوا يعتقدون، وأصبحوا يعرفون ما كانوا ينكرون، وينكرون ما كانوا يعرفون، وهذه علامة السُّقوط في الفتنة لو كانوا يعقلون.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: « إذا أحبَّ أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر، فإن كان رأى حلالًا ما كان يراه حرامًا فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حرامًا ما كان يراه حلالًا فقد أصابته»(3).
وعنه أيضا قال: « إنَّ الضَّلالة حقَّ الضَّلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وإيَّاك والتَّلون في الدِّين؛ فإنَّ دين الله واحد»(4) .
وقال إبراهيم النَّخعي: «كانوا يرون التَّلون في الدِّين من شكِّ القلوب في الله»(5).
ومن جناية القوم على منهج السَّلف وقواعده أنَّهم ألصقوا به كل هذه الانحرافات والخزايا، زورا وبهتانا، حتَّى أصبح بعض أهل السُّنَّة ممن لم تثبت على النَّهج قدمه، ولم يرسخ في العلم فهمه، يتساءل:
أصحيح تغيَّرت فتوى أهل العلم في هذا الشَّأن؟
فنقول:
إن دين الله لا يتغيَّر، وإنَّ الفتوى لم تتَّبدَّل، ولكنَّها سُنَّة الله فيمن حكَّم الهوى على نفسه أن يغيّر ويبدِّل، وأن يكثر من التَّنَّقل: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) » [سورة الأحزاب].
***
فإن سأل سائل فقال: ما سرُّ هذا التَّحوُّل عند هؤلاء الدُّعاة؟! لا سيما والعهد غير بعيد، وكلام القوم القديم لا يزال بأيدي النَّاس لا ينكره إلا العنيد، وهو عليهم عند الخصام شهيد.
وجواب ذلك أن يقال: إنَّ لذلك التَّحول جملة أسباب، منها ما قد ندركه ونتوصَّل إلى معرفته، ومنها ما لا يعلمه إلا الله، وسيأتي اليوم الذي يجلّيه فيه الرَّبُّ لعباده: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)» [سورة الطارق]، و « هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ » [30: يونس].
ولكن أريد أن أنبِّه ههنا على ثلاثة أمور أراها ذات بال، تهمُّ كل مؤمن سائر إلى ربه، حريص على أن يثبت على أمره، حتى لا تزيغ به الأهواء، ولا تميل به الآراء.
الأمر الأول: قلة اليقين في النُّصوص الشَّرعية، فبعض النَّاس قد يكون عنده إيمان بنصوص القرآن والسُّنَّة، ولكن عند أول تعارض يقع عنده بين ما دل عليه الكتاب والسنة وما يكون في الواقع؛ يحدث له ذلك شكُّا وريبة، فتجده فيها كالحيران الذي له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا، ثم ما يلبث أن يقدم ما يرى على ما يعلم.
قال حذيفة رضي الله عنه: «إن أخوف ما أخاف على هذه الأمَّة أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون، وأن يضلُّوا وهم لا يشعرون»(6).
فالمؤمن الصَّادق هو الَّذي لا تُزعزع يقينَه الحوادث والخطوب، بل يعتقد اعتقادًا جازمًا أنَّ ما أخبر به الرَّبُّ لا يكون إلا حقًّا، وما جاء به الرَّسول لا يكون إلا صدقًا، كما قال تعالى: « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ » [الأنعام: 115]، وقال سبحانه: « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا » [ الحجرات: 15].
فالإيمان واليقين قرينان، قال ابن تيمية:
« فأهل اليقين إذا ابتُلوا ثبتوا؛ بخلاف غيرهم فإن الابتلاء قد يُذهب إيمانه أو يُنقصه»(7).
فينبغي على المؤمن أن يثبت على ما هو عليه وإن كثر في النَّاس الهالكون، وادَّعى مخالفة الواقع المرجفون، ولذلك قال ربُّنا جلَّ في علاه: « فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)» [سورة الروم].
قال ابن تيمية: « فإنَّ الخفيف لا يثبت بل يَطِيشُ، صاحب اليقين ثابت. يقال: أيقنَ، إذا كان مستقرًّا، واليقين استقرار الإيمان في القلب علمًا وعملًا، فقد يكون علم العبد جيِّدا، لكنَّ نفسه لا تصبر عند المصائب بل تطيش»(8).
وقال ابن القيِّم: « فمن وفَّى الصَّبر حقَّه وتيقَّن أنَّ وعد الله حقُّ؛ لم يستفزَّه المبطلون، ولم يستخفَّه الذين لا يوقنون، ومتى ضعف صبره ويقينه أو كلاهما استفزَّه هؤلاء، واستخفَّه هؤلاء، فجذبوه إليهم بحسب ضعف قوة صبره ويقينه، فكلما ضعف ذلك منه قوي جذبهم له، وكلما قوي صبره ويقينه قوي انجذابه منهم وجذبه لهم»(9).
فقلَّة اليقين إذن من أسباب ترك بعض النَّاس للحقِّ الَّذي علموه بحصول أول معارض له في القلب، فيقدِّمون ما يرون على ما يعلمون، ويؤثرون ما يشاهدون على ما يوعدون، يحسبونه فوزًا عظيمًا، ونصرًا عزيزًا، وما هو ـ والله ـ إلا «كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)» [ سورة النور].
ولقد ذكَّرني صنيع هؤلاء بقول المتكلِّمين: «طريقة السَّلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم»! وما ذلك إلا لقلَّة يقينهم؛ لأنَّ طريقة السَّلف قائمة على التَّسليم التَّام للنُّصوص واليقين بما دلَّت عليه، وأمَّا هؤلاء فلسان حالهم يقول: منهج السلف في ترك الخروج على أئمة الجور أسلم وأورع، ومنهجنا أجدى وأنفع، وما ذلك إلا لشكِّهم وقلَّة يقينهم.
***
الأمر الثاني: من أسباب الانحراف عن جادَّة الحقِّ والصَّواب: ردُّ الحقِّ إذا عرض على الإنسان أول مرَّة اتباعًا للهوى. وهذا باب هلك فيه خلائق لا يحصيهم إلا الله، وقليل منهم من يتفطَّن أنه أُتي من قِبله، لذلك تجد بعضهم يزداد يوما بعد يوم ضلالاً إلى ضلاله، فتكثُر سقطاته، وتعظُم زلَّاته، ويتَّسع خرقه، ويقع فيما تقدَّمت الإشارة إليه، من رؤية المعروف منكرا، والمنكر معروفا؛ والسَّبب أن الله عاقبه بردِّه الحق أوَّل مرَّة، فجعل قلبه يتقلَّب في أودية الغواية، ويتنقل بين سبل الضلالة كما قال تعالى: « وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)» [سورة الأنعام].
يقول ابن القيِّم: « فعاقبهم على ترك الإيمان به حين تيقَّنوه وتحقَّقوه؛ بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم، فلم يهتدوا له، فتأمَّل هذا الموضع حقَّ التَّأمُّل؛ فإنَّه موضع عظيم»(10).
***
الأمر الثَّالث: وهو نافع ـ إن شاء الله تعالى ـ من كبُر عليه أن يرى من كان بالأمس قدوة للنَّاس يعظ ويذكِّر، ويعلم ويصبر، تتغيَّر أحواله، وتتناقض أقواله؛ فليعلم أن كثيرًا منهم لم يكونوا على الجادَّة من أول يوم، بل كانوا يضمرون أشياء، وينطوون على أهواء، أظهروها للنَّاس لما آن أوانها، ولا يستغرب ذلك ممن تربَّى تربية حركيَّة، وأثَّرت فيه الكتب الفكرية، وهؤلاء المشار إليهم وإن موّهوا وراوغوا إلا أنَّ حالهم لم تكن خافية على من رزقه الله البصيرة، وأعمل قواعد السَّلف، الَّتي منها: اعتبار النَّاس بأخدانهم وأخلائهم.
قال عبد الله بن مسعود: «اعتبروا النَّاس بأخدانهم؛ فإن المرء لا يخادن إلا من يعجبه»(11) .
وعن يحيى بن سعيد القطَّان قال: « لما قدم سفيان الثَّوري البصرة؛ جعل ينظر إلى أمر الربيع ـ يعني ابن صبيح ـ وقدْره عند النَّاس، سأل: أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السُّنَّة؟، قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري» (12).
وعن الأوزاعي قال: «من ستر عنا بدعته؛ لم تخف علينا ألفته»(13).
وقال ابن عون: «من يجالس أهل البدع أشدُّ علينا من أهل البدع»(14) .
وعن الأصمعي قال: «لم أر بيتا قط أشبه بالسُّنَّة من قول عدي:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه *** فإنَّ القرين بالمقارن يقتدي»(15).
وعنه أيضًا قال: سمعت بعض فقهاء المدينة يقول: إذا تلاحمت بالقلوب النّسبة؛ تواصلت بالأبدان الصحبة»(16).
وشاهده في حديث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»(17).
***
فإذا تقرَّر هذا؛ فعلى أي شيء يدلُّ صنيع أقوام يدَّعون اتِّباع السُّنَّة، وهم يجالسون التّكفيريين، ويشيدون بالحركيّين؟ وبماذا يُفسَّر تسابق طائفة من الدُّعاة ـ فضلا عن الحشود من الأتباع ـ لاستقبال رأس من رؤوس الضّلالة في هذا العصر لمَّا رجع إلى موطنه الأصلي، وهم يصفونه بأشرف الأوصاف، ويلقِّبونه بأفخم الألقاب؟!.
وجواب هذين السؤالين فيما قرأت قبل قليل من آثار السالفين، ولا يغيبنَّ عن ذهنك أنَّ كلامهم قليل كثير البركة.
ويدلُّك على صدق ما ذكرتُ لك ـ وأعني به الأمر الثالث ـ؛ أنَّك تجد من هؤلاء الدُّعاة من لا يُعرف له كلامٌ في مسألة وجوب السَّمع والطَّاعة في غير معصية لوليِّ الأمر المسلم وإن كان ظالما، مع شدَّة انحراف النَّاس عن هذا الأصل في أكثر الأمصار، وابتلاء الأمَّة بمن يماري فيه ويثير حوله الشُّبهات، وهو من الأصول العظيمة التي امتاز بها منهج السَّلف عن غيره من المناهج البدعية.
قال سلام بن أبي مطيع؛ كان أيوب السِّختياني يسمِّي أهل الأهواء كلهم خوارج، ويقول: «إنَّ الخوارج اختلفوا في الاسم، واجتمعوا على السيف»(18).
فمن يترك بيان ذلك للناس في وقت حاجتهم إليه لا يمكن أن يكون ناصحا لأمته، وذلك منه ليدلَّ دلالة لا مرية فيها أنه يضمر خلافه، فهل يغني عنه بعد ذلك انتسابه للسُّنَّة الغرَّاء، أو تمسحه بالعلماء الكبراء، ولسان الحال أبلغ من لسان القال، لمن أراد الاتَّعاظ والاعتبار.
وكذلكم من أبطن سريرة سوء فلا بدَّ أن يفضحه الله ويجلِّي أمره لعباده، لا سيما أهل البصائر منهم، قال سبحانه: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ »[ آل عمران: 179]، وقال جلَّ وعلا: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) » [سورة محمد].
يقول العلاَّمة السعدي: «يقول تعالى: « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » من شبهة أو شهوة، بحيث تُخرج القلب عن حال صحَّته واعتداله، أنَّ الله لا يُخرج ما في قلوبهم من الأضغان والعداوة للإسلام وأهله؟! هذا ظنٌّ لا يليق بحكمة الله، فإنه لا بدَّ أن يميّز الصادق من الكاذب، وذلك بالابتلاء بالمحن، الَّتي من ثبت عليها، ودام إيمانه فيها، فهو المؤمن حقيقة، ومن ردَّته على عقبيه فلم يصبر عليها، وحين أتاه الامتحان جزع وضعف إيمانه، وخرج ما في قلبه من الضغن، وتبيَّن نفاقه، هذا مقتضى الحكمة الإلهية...« وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» أي: لا بدَّ أن يظهر ما في قلوبهم، ويتبيَّن بفلتات ألسنتهم، فإن الألسُن مغارف القلوب، يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر: « وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ» فيجازيكم عليها»(19).
والآية ليست خاصَّةً بأهل النِّفاق؛ لأن العبرة بعموم اللفظ وهو قوله تعالى: « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ»، فيعمُّ كلَّ شبهة أو شهوة، كما وردت الإشارة إليه في أوَّل كلام السعدي.
وأختم هذه المقالة بكلام بديع للعلَّامة ابن القيِّم، يبيِّن فيه أن الهدى والفلاح، والسَّعادة والنَّجاة، إنَّما تكون لمن اهتدى بهدى الله، وقدَّمه على كل ما سواه.
قال رحمه الله:« إنَّ الله سبحانه ضمن الهدى والفلاح لمن اتَّبع القرآن. والضَّلال والشقي(20) لمن أعرض عنه، فكيف بمن عارضه بمعقول، أو رأي، أو حقيقة باطلة، أو سياسة ظالمة، أو قياس إبليسي، أو خيال فلسفي، ونحو ذلك. قال تعالى: « قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)» [سورة طه]، فضمن سبحانه لمن اتَّبع هداه ـ وهو كلامه ـ الهدى في الدنيا والآخرة، والسَّعادة في الدُّنيا والآخرة.
فهاهما أمران: طريقة وغاية؛ فالطَّريقة الهدى، والغاية السَّعادة والفلاح، فمن لم يسلك هذه الطريقة لم يصل إلى هذه الغاية، والله سبحانه قد أخبر أن كتابه الذي أنزله هو الهدى والطَّريق، فلو كان العقل الصريح يخالفه لما كان طريقا إلى الفلاح والرشد، وقد أخبر سبحانه أن الَّذين اتَّبعوا النُّور الَّذي أنزل مع رسوله هم المفلحون لا غيرهم... وكما جعل سبحانه الهدى والفلاح لمن اتَّبع كتابه وآمن به وقدَّمه على غيره، جعل الضَّلال والشَّقاء لمن أعرض عنه واتبع غيره، وعارضه برأيه ومعقوله وقياسه»(21) .
***
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهدينا سواء السَّبيل، ويرزقنا البصيرة واليقين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا المصطفى الأمين.

********************************************

(1) رواه الآجري في «الشريعة» (62).
(2) « تيسير الكريم الرحمن» (ص893).
(3) رواه نعيم بن حماد في «الفتن» (130)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (37332) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/391) والحاكم في «المستدرك» (8443) وأبو نعيم في «الحلية» (1/251) والداني في «السنن الواردة» (26) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (34/258).
(4) رواه معمر بن راشد في «الجامع» (20454/مع مصنف عبد الرزاق) ونعيم بن حماد في «الفتن»(134) وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (25) واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (120)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (20389) و«الأسماء والصفات» (267)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1775)، والهروي في «ذم الكلام» (640)، والأصبهاني في «الحجة» (1/329).
(5) رواه ابن بطة في«الإبانة الكبرى» (575).
(6) رواه هناد في «الزهد» (935) وابن وضاح في «البدع والنهي عنها» (ص43،76) وأبو نعيم في «الحلية» (1/255).
(7) «مجموع الفتاوى» (3/330).
(8) «جامع المسائل»(3/260).
(9) «مدارج السالكين»(3/258).
(10) «مدارج السالكين» (1/90).
(11) رواه ابن أبي الدنيا في «كتاب الإخوان» (38)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (381،506)، ورواه مقتصرا على الجملة الأولى منه ابن أبي شيبة في «المصنف» (25583) والطبراني في «الكبير» (8919)، والأخدان جمع خدن وخدين، وهو الصاحب والصديق.
(12) رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (426).
(13) رواه ابن أبي الدنيا في «كتاب الإخوان» (40) وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (425،513) واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (257).
(14) رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (491).
(15) رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (383).
(16)رواه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (427).
(17) رواه البخاري (3336) من حديث عائشة رضي الله عنها، ومسلم (2638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(18) رواه ابن الجعد في «المسند» (1275) والآجري في«الشريعة» (2057) واللالكائي في «أصول الاعتقاد»(290) والهروي في «ذم الكلام» (989).
(19) تيسير الكريم الرحمن» (ص755).
(20) كذا في المطبوع.
(21) «الصواعق المرسلة» (2/566-567).
*********

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 Sep 2012, 12:59 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

بارك الله فيك اخي و زادك الله حرصا
و حفظ الله الشيخ عباس و نسال الله ان يبارك لنا فيه
و لو تفكرنا في هذا الكلام لكان المنهج السلفي القح في مرتبته التي كان عليها سلفنا
و الحمد لله ما زال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
وعن الأوزاعي قال: «من ستر عنا بدعته؛ لم تخف علينا ألفته»(13).
وقال ابن عون: «من يجالس أهل البدع أشدُّ علينا من أهل البدع»(14) .
وعن الأصمعي قال: «لم أر بيتا قط أشبه بالسُّنَّة من قول عدي:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه *** فإنَّ القرين بالمقارن يقتدي»(15).
وعنه أيضًا قال: سمعت بعض فقهاء المدينة يقول: إذا تلاحمت بالقلوب النّسبة؛ تواصلت بالأبدان الصحبة»(16).
وشاهده في حديث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»(17).
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 Sep 2012, 01:01 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

).

التعديل الأخير تم بواسطة عبد السلام تواتي ; 16 Sep 2012 الساعة 01:06 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20 Sep 2012, 07:49 AM
أبوالحسين محمد بوعزة أبوالحسين محمد بوعزة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: تيارت، الجزائر
المشاركات: 17
افتراضي

وفيكم بارك الله.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013