منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09 Aug 2011, 05:04 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي هنا نجمع الفتاوى والمقالات المنهجية الخاصة بعلماء وطلبة العلم في الجزائر

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياكم الله جميعا إخوتي الأفاضل

أدرجت هذا الموضوع لنجمع الفتاوى المنهجية والمقالات المتعلقة بالمنهج لعلماء الجزائر وطلبة العلم

وجزاكم الله خيرا .... ومن غير أمر !!!


التعديل الأخير تم بواسطة هشام التركي ; 09 Aug 2011 الساعة 05:29 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09 Aug 2011, 05:12 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي وهذا مقال للشيخ الأديب البشير الإبراهيمي

وهذا مقال للشيخ الأديب البشير الإبراهيمي

في الدعوة إلى الله


قال رحمه الله

الدعوة إلى الله وظيفة أهل الحق من أتباع محمد ، وهي أثمن ميراث ورثوه عنه، وهي أدقُّ ميزان يوزنُ به هؤلاء الورثة ليتبيَّن الأصيل من الدَّخيل، فإذا قصَّر أهل الحقِّ في الدعوة إليه ضاع الدِّين، وإذا لم يحموا سننَه غمرتها البدع، وإذا لم يُجلوا محاسنه علتها الشوائب فغطَّتها، وإذا لم يتعاهدوا عقائده بالتصحيح داخلها الشكُّ ثم دخلها الشرك، وإذا لم يصونوا أخلاقهم بالمحافظة والتربية أصابها الوهن والتحلل، وكلُّ ذلك لا يقوم ولا يستقيم إلاَّ بقيام الدعوة واستمرارها واستقامتها على الطريقة التي كان عليها محمد وأصحابه الهُداة من العلم والبصيرة في العلم، والبيِّنة من العلم والحكمة في الدعوة، والإخلاص في العمل، وتحكيم القرآن في ذلك كلِّه.

ولا يظنُّ ظانٌّ أنَّ الدعوةَ إلى الله خُتمت بالقرآن، وأنَّه أغنى عنها فقطَع أسبابَها، وسدَّ أبوابها، بل الحقيقة عكس ذلك، فالقرآن هو الذي وصل الأسباب وفتح الأبواب، وجعل الدعوةَ سنَّةً متوارثة في الأعقاب، وما دامت عوارض الاجتماع البشري وأطوار العقل الإنساني تُدني الناس من القرآن إلى حدِّ تحكيمه في الخواطر والهواجس، وتُبعدهم عنه إلى درجة الكفر به، فالقرآن ذاته محتاج إلى دعوة الناس إليه، بل الدعوة إليه هي أصل دعوات الحق، ولم يمرَّ على المسلمين زمن كانوا أبعدَ فيه عن القرآن كهذا الزمن، فلذلك وجب على كلِّ من امتحنَ اللهُ قلبَه للتقوى، وآتاه هداه أن يصرفَ قوَّتَه كلَّها في دعوة المسلمين إلى القرآن ليُقيموه ويُحقِّقوا حكمة الله في تنزيله، ويُحكِّموه في أهواء النفوس ومنازع العقول، ويسيروا بهديه وعلى نوره، فإنَّه لا يهديهم إلاَّ إلى الخير، ولا يقودهم إلا إلى السعادة.

الحقُّ والباطل في صراع منذ ركَّب الله الطباع، وإنَّما يظهر الحقُّ على الباطل حين يُحسن أهلُه الدعوةَ إليه على بصيرة، والدفاع عنه بقوة، وقد قام الإسلام على الدعوة، فقوته ـ يوم كان قويًّا ـ آتية من قوة الدعوة، وضعفه ـ يوم أصبح ضعيفاً ـ آتٍ من ضعف الدعوة..........

إلى أن قال رحمه الله: إنَّ شيوع ضلالات العقائد وبدع العبادات والخلاف في الدين هو الذي جرَّ على المسلمين هذا التحلل من الدين، وهذا البُعد من أصْلَيه الأصليين وهو الذي جرَّدهم من مزاياه وأخلاقه حتى وصلوا إلى ما نراه.

وتلك الخلال من إقرار البدع والضلالات هي التي مهَّدت السبيل لدخول الإلحاد على النفوس، وهيَّأت النفوس لقبول الإلحاد، ومُحال أن ينفذ الإلحاد إلى النفوس المؤمنة، فإنَّ الإيمانَ حصنٌ حصينٌ للنفوس التي تحمله، ولكن الضلالات والبدع ترمي الجد بالهوينا، وترمي الحصانة بالوهن، وترمي الحقيقة بالوهم، فإذا هذه النفوس كالثغور المفتوحة لكلِّ مهاجم.



[آثار البشير الإبراهيمي 4/201].
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09 Aug 2011, 05:19 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي الوهّابيّون سنّيون حنابلة ـ ـ إيضاح وتعليق بقلم الأستاذ الزّاهري

الوهّابيّون سنّيون حنابلة ـ إيضاح وتعليق بقلم الأستاذ الزّاهري
العضو الإداري لجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين




نشرنا في العدد الثالث من هذه الصّحيفة فصلا قيّما بالعنوان أعلاه لصاحب السّعادة الأستاذ الفقيه سيدي محمّد الحجوي وزير المعارف بالمغرب الأقصى , وقُلنا إنّ لنا كلمة نعلّق بها على بعض النٌقط من كلام الوزير نُرجئها إلى عدد قابل , ووفاء بهذا الوعد الذي قطعناه للقرّاء نقول :

في كلام الوزير من الحقائق الثابتة مالا يخفى على أيّ مُنصف لم يعمّه الغرض والهوى , فهو يُقرّر كما هو الواقع أنّ الإمام أبا عبد الله محمّد بن عبد الوهّاب الزّعيم الأكبر قد برع في علوم الدّين واللّسان وفاق الأقران , واشتهر بالتقوى وصدق التّديّن , عقيدته السّنة الخالصة على مذهب السّلف المُتمسّكين بِمحض القرآن والسّنّة , لا يخوض التّأويل والفلسفة , ولا يُدخلهما في عقيدته , وفي الفروع مذهبه حنبلي غير جامد . . . ويُقرّر أيضا ــ كما هو الواقع ــ أنّ مبادئ الوهّابيّة التّمسّك بالسّنّة وإلزام النّاس بصلاة الجماعة وترك الخمر وإقامة الحدّ على مُتعاطيها ومَنعها منعا كلّيا من مملكتهم بل منع شُرب الدُخَان ونحوه ممّا هو من المشبّهات . . . وغير ذلك من التّشديدات التي لا يراها المُتساهلون المُترخّصون ( ! ! ! ) وكلّ هذا لا يُخالف السّنّة . . .

ولكنّه مع إثباته لهذه الحقائق قال : . . . وأعظم خلاف بينهم وبين أهل السّنّة هو مسألة التّوسّل , وتكفيرهم من يتوسّل بالمخلوق . . . وهذا وهم وهمه سعادة الوزير , فإنّه لا يوجد في نفس الأمر أدنى خلاف بين الوهّابيين وبين أهل السّنّة إلاّ ما هو موجود بين أهل السّنة أنفسهم فالوهّابيّون حنابلة سُنّيون بأتمّ معنى الكلمة , وحسبك أنّه ليس لهم كُتب مذهبيّة للمذهب الوهّابي مثلا , بل كُتُبهم هي كُتب الحنابلة نفسها وهم حينما نظّموا القضاء الإسلامي في الحجاز لم يجعلوا في محاكمه الشّرعيّة قُضاة وهّابيين ولكنّهم نصبوا فيها قّضاة حنابلة وشوافع وحنفيّة ومالكيّة وإذا كان هناك خلاف فهو بين المُتمسّكين بالكتاب والسّنّة من أهل السّنّة وبين الجامدين منهم والمتساهلين المُترخّصين الذين يتّبعون أهواءهم , وهُنا مسألة جوهريّة لا بأس بالإشارة إليها ,وهي أنّ كُتب الحنابلة التي يقرئها الوهّابيّة وغيرهم هي كّتب سّنّة وحديث أكثر ممّا هي كُتب فقهيّة حنبليّة , وهم لا يزالون يُؤلّفونها على طريقة السّلف الصّالح وأئمّة هذا الدّين الحنيف , بخلاف كُتبنا نحن المالكيّة التي يُؤلّفها فُقهاؤنا المتأخّرون في المذهب المالكي مثلا فهي خالية من السّنّة والحديث حتّى إنّك لتقرأ كتابا ذا أجزاء من كُتب المُتأخّرين من أوّله إلى آخره فلا تكاد تعثر فيه على حديث شريف ولا على أثر من آثار الصّحابة رضي الله عنهم , وبعبارة أخرى أنّ كُتب الحنابلة المُتأخّرين لا تزال كّتب سنّة وحديث ككتُب المُتقدّمين أمّا كُتب المُتأخّرين من المالكيّة والحنفيّة مثلا فقد خلت كلّها أو جُلّها من السّنّة والحديث , بل يسوق لك مُؤلّفها الأحكام مُجرّدة عن كلّ نظر واستدلال ولا يخفى أنّ كتب السّنة والحديث تجعل قارئها سُنّيا سلفيا شديد الاتّصال بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم وشديد الاتّصال بالسّلف الصّالح وبعيدا كلّ البعد عن التّقليد والجُمود وبعيدا عن البدع ومُحدثات الأمور , ومن هنا جاء الخلاف بين الوهّابيّة من أهل السّنّة الآخرين إن كان هناك خلاف . . . والوهّابيّون أو حنابلة نجد لا يقولون بكُفر من يتوسّل التّوسّل الشرعي , بل يقولون بكفر من يدعو مع الله إلها آخر , ومن معاني التّوسّل عند الجامدين ( من أهل السّنّة ) أنّهم يدعون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرّهم ! وأحسب أنّ من يُطالع كتاب التّوسّل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيميّة يرى صدق ما نقول , وهذه العقيدة ليست عقيدة حنابلة نَجْدٍ وحدهم بل هي عقيدة السّلف الصّالح وعقيدة أهل السّنّة جميعا ( ماعدا الجامدين منهم والمُتساهلين ) .

وحسبنا أنّ مولانا سليمان سلطان المغرب الأقصى قد قبل الدّعوة الوهّابيّة وارتضاها ــ وهو صوفيّ تجاني ــ ولم يقبلها إلاّ بعد أن أرسل نجله المولى إبراهيم في وفد من العلماء الأعلام إلى الحرمين الشّريفين وتباحث الوفد المغربي مع بعض علماء نجد الوهّابيين فلمّا تحقّق علماء المغاربة أنّ الوهّابيّة ما هي إلاّ التّمسّك بالقُرآن الكريم وبالسّنّة النّبويّة الصّحيحة وافقوا عليها ووافق عليها كلّها المولى سُليمان , وإذا أنت تتبّعت أخبار هذا الوفد الذي أرسله مولانا سُليمان إلى الحجاز وما جرى بينه وبين علماء نجد من المُحاورة ظهر لك أنّه لا محلّ لهذا الاستثناء الذي استثناه سعادة الوزير إذ قال : إلاّ ما كان من تكفيرهم من يتوسّل بالمخلوق ولا داعي له مُطلقا .

ولقد صدق الأستاذ الحجوي إذ قال : إنّ المسألة سيّاسيّة لا دينيّة وأنّ أهل الدّين في الحقيقة مُتّفقون وأنّ الأتراك العُثمانيين هم الذين أثاروا هذا النّكير وهم الذين نشروا هذه الدّعاية الكاذبة ضدّ ابن سعود الأوّل الذي كان افتكّ منهم الحرمين الشّريفين مُنذ مائة عام , وهم الذين استنجدوا بأمير مِصر محمّد على باشا الكبير فعاونهم هذا على طرد الوهّابيّة من الحرمين وعلى أسر ابن سعود , نعم الأتراك هم الذين سمّوا حنابلة نجد باسم الوهّابيّة وهم الذين نشروا عنهم التّهم والأكاذيب في العالم الإسلامي واستأجروا الفقهاء في جميع الأقطار ليُؤلّفوا ويكتبوا ويكذبوا على حنابلة نجد وهم الذين ألّفوا كتابا ضدّ الوهّابيّة ونسبوه إلى الشّيخ سُليمان بن عبد الوهّاب شقيق الإمام محمّد بن عبد الوهّاب وهم الذين أخذوا ابن سعود أسيرا إلى الإستانة ولكنّهم نكثوا العهد الذي عاهدوه فقتلوه غيلة وغدرا , وأنا أعتقد أنّ للأجانب يدا في هذه الحرب التي أثارها الأتراك العُثمانيّون على ابن سعود فإنّه يسوءهم أن يستولي ابن سعود على الحجاز ويسوءهم أن ينشر فيه الأمن و العدل والرّحمة وأن يحكم فيه بما أنزل الله , وكان الحجاز على عهد الأتراك مباءة فوضى وقطع طُرق فلمّا جاءه الوهّابيّة أمّنوا سُبُله ونشروا فيه الطّمأنينة والعدل , وكان الأتراك في حرب مُستمرّة مع الأمير محمّد على صاحب مِصر , ووقعت بينهم وبينه وقائع مُؤلمة ذهب ضحيّتها آلاف من المُسلمين : الأتراك والمِصريين , واتّسع الخرق ما بينهما حتّى استعدى محمّد علي باشا بعض الدّول الغربيّة على الأتراك , واستعدى الأتراك عليه بالإنكليز , وقد تنازل التّرك للإنكليز عن عدن وعن قُبرص لقاء المعونة التي يبذلها الإنكليز للأتراك على محمّد علي , ولكنّ الإنكليز قد أخذوا عدن وقُبرص وأخذوا مِصر أيضا ! ! ومعنى هذا أنّ العداوة كانت مُستحكمة بين محمّد على وبين الأتراك إلى درجة أنّه لا يُمكن معها إصلاح ذات البين ما بينهما , ولكن لماذا اتّفق الأتراك ومحمّد علي على حرب الوهّابيين وعلى طردهم من الحجاز ؟ والجواب عن ذلك : أنّ الأجانب هم الذين وحّدوا بين الأتراك وبين محمّد علي باشا ضدّ ابن سعود , وهم الذين جعلوا من جنود محمّد علي ومن جنود الأتراك جيشا واحدا يُحارب حُكومة القُرآن ويَطرُدُها من الحجاز , لأنّ سياسة مِصر وسياسة تُركيّا كانت يومئذ في أيدي الأجانب يفعلون بها ما يشاءون .

* * *

بقي شيء واحد وهو قول الوزير : إنّ مُؤسّس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيميّة , واشتهر به بن عبد الوهّاب , والواقع أنّ مُؤسّس هذا المذهب ليس هو ابن تيميّة ولا ابن عبد الوهّاب ولا الإمام أحمد ولا غيرهم من الأئمّة والعلماء , وإنّما مُؤسّسه خاتم النّبيّين سيّدنا محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم , على أنّه في الحقيقة ليس مذهبا , بل هو دعوة إلى الرّجوع إلى السّنّة النّبويّة الشّريفة وإلى التّمسّك بالقُرآن الكريم , وليس يهمّنا شيء آخر غير هذا .

وهران السّعيد الزّاهري (الصّراط السّوي العدد الخامس )

حاشيّة : عندما وقع هذا الخلاف القائم اليوم بين الإمام يحيى صاحب اليمن والملك ابن سعود جعلت الجرائد العربيّة في كلّ قُطر تُعبّر عنه بقولها : الخلاف بين أهل السّنّة وبين الشّيعة والمراد بأهل السّنّة أهل نجد والحجاز وبالشّيعة أهل اليمن , ويحتجّ بعض الناس لابن سعود بأنّ أهل عسير هم سنّيون شوافع فهو أحقّ بحكمهم ويحتجّ آخرون لإمام اليمن بأنّ عسير هي أرض يمانيّة . ز
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09 Aug 2011, 05:23 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي الدّكتور طه حسين شعوبي ماكر ـ بقلم الأستاذ الزّاهري العضو

الدّكتور طه حسين شعوبي ماكر ـ بقلم الأستاذ الزّاهري
العضو الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين




قرأنا في جريدة النّداء البيروتيّة الغرّاء أنّ الأستاذ الدّكتور حسين كتب في جريدة كوكب الشّرق المصريّة فصلا جاء فيه : . . . لقد خضع المصريون لضروب من البغي والعدوان جاءتهم من الفرس واليونان وجاءتهم من العرب ( كذا ! ) والفرنسيين وجاءتهم من الإنكليز أخيرا . . . فحشر الدّكتور طه العرب في جُملة الظّالمين الذين ظلموا مصر , وحكمُوها بالبغي والعُدوان , ولم يكد ينشر طعنه هذا على العرب حتّى قام شباب العرب في سوريا ( بلبنانها وفلسطينها ) وفي العراق وفي سائر بلاد العرب يستنكرون على طه ويدعون إلى تحريق كُتبه وتظاهروا ضدّه في الأسواق والطّرقات , وكان لهذه الحوادث ردّ فعل في مِصر , فقام بعض الأحداث من الذين يدينون بالوثنيّة الفرعونيّة يُدافعون عن طه حسين بحجّة أنّه من دعاة وثنيّة الفراعنة أيضا , ونشرت جريدة النّداء لواحد من هؤلاء الشّبان مقالا يدافع فيه عن طه وعن الوثنيّة الفرعونيّة ويزعم أنّ هذه الفرعونيّة هي خير لمصر من إسلامها وعروبتها . ونسي هذا الشّاب المُحامي أنّ شباب العرب قاموا على طه لا لأنتّه من دعاة الفرعونيّة فقط , بل لأنّه أيضا تنقّص العرب وحطّ من كرامتهم وادّعى أنّهم اضطهدوا مِصر , وأذاقوها الخسف والعذاب لا أنّهم جاءوها بالرّحمة والهدى .

ولو كنّا معشر العرب كما كان آباؤنا أباة ضيم نغضب للكرامة ولا نرضى بالهوان , لقمنا بهذا العمل الواجب قبل اليوم , ولعلّمنا هؤلاء الشعوبيين كيف يقفون عند أقدارهم ولا يتجاوزونها , وكيف يحترموننا .

للأستاذ طه حسين غاية واحدة يسعى إليها من يوم ظهر على المرسح إلى هذا اليوم , وهي محاربة العروبة والإسلام , لا يفتأ يعمل لها , ولا يفتر في طلبها , فهو شعوبي ماكر يعرف كيف يستر ( شعوبيته ) ويعرف كيف يخفي غرضه وهواه عن كثير من شبابنا الأغرار الذين لا يكادون يُدركون مراميه البعيدة إلاّ ما كان منها مثل هذا الطّعن الصّريح المكشوف .

لقد أوتي طه حسين كلّ وسيلة من وسائل الفتنة والإغواء , فأسلوبه سهل جذّاب , وموضوعاته التي يكتب فيها هي الحبّ والهوى وما إلى الحبّ والهوى ممّا يشوّق الشّاب ويستهويه , وهو يدخل على الشّبّان لا من باب العقل والإدراك ولكن من باب العواطف والشّهوات , يقودهم من أهوائهم وشهواتهم إلى حيث يريد لهم من الهلاك والرّدى , إلى حيث يسلبهم دينهم وإيمانهم ويستلّ منهم النّخوة والاعتزاز بالعروبة كما تُستلّ الشّعرة من العجين , ثمّ يملأ نفوسهم ظُلمة وكراهيّة لآبائهم ولعروبتهم , ويجعلهم يهيمون حبّا وغراما بالغرب وبكلّ شيء غربي وينفرون من العرب والإسلام ومن كلّ ما هو عربي إسلامي , وبالجملة فالأستاذ طه حسين من أكبر أعوان الاستعمار على احتلال عقول أبناء العرب , وهو من أقدر العاملين على توجيه شبابنا في الاتّجاهات التي يريدها لهم غُلاة المُستعمرين .

لقد درس الأستاذ طه حسين كثيرا وخطب وحاضر كثيرا , وكتب كثيرا , ولكن هل تجدون له كلمة واحدة أثنى بها على العرب أو هل اعترف لهم يوما من الأيّام بِمَكرمة من المكارم ومنقبة من المناقب ؟ ؟

الاستعمار اليوم يعتقد أنّ الإسلام والعرب جُزآن لا يُمكن انفصال أحدهما عن الأخرى , يعتقد المستعمرون أنّ العرب لا تقوم لهم قائمة إلاّ إذا بُعِث دين الإسلام من جديد , وأنّ الإسلام لا يبعثه من جديد إلاّ العرب أنفسهم , ولذلك فهم يسعون جهدهم لمحو العروبة والإسلام معا , يعاونون المبشّرين المسيحيين بالأموال والنّفوذ على تكفير أطفال المسلمين وتنصيرهم واخترعوا القوميات المحلّية في بعض بلدان الإسلام مُناهضة للعروبة ومُحاربة لها , ومن المُؤسف حقا أنّ كثيرا من العرب لم يتفطّنوا لهذا المعنى , فهم حينما أصدر طه حسين كتابه في الشّعر الجاهلي وطعن فيه على القُرآن ونسب فيه إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم التّحيّل ونحو ذلك سكتوا ولم يقولوا شيئا ظنّا منهم أنّ الأمر لا يعني إلاّ المسلمين الجامدين بل كثير من شبّان العرب وصحافة العرب نصروا طه ودافعوا عنه باسم حُرّية الفِكر ولم يعلموا أنّ كتاب في الشّعر الجاهلي إنّما هو طعنة نجلاء في صميم العروبة لِما هو تكذيب بآيات الله , ورسالة ( قادة الفكر ) إذا أنت قرأتها علمت كيف يتجاهل طه حسين العرب ويحذفهم جُملة واحدة من قائمة المُفكّرين , ويُهملهم إهمالا تاما كأن لم يكونوا ( قادة الفِكر ) في الدّنيا قرونا طِوالا , وكتاب ( المُجمل ) في الأدب العربي قد اشترك طه في تأليفه , وقد مُلئ هذا الكتاب شكّا وريبا بدعوى أنّه يعلّم الطّالب كيف ( يفكّر ) وكيف ( يبحث ) وليس لهذا الكتاب إلاّ نتيجة واحدة يحصل عليها الطالب عندما يفرغ من قِراءته وهي أنّه لا قيمة لهذا الأدب العربي وليس هو شيئا مذكورا , وأنّه لا ثقة بالأدباء العرب في كلّ ما لهم من الرّوايات والأسانيد ومعلوم أنّ كتابا كهذا ( المُجمل ) أقلّ ما فيه أنّه يّفقد الطّالب أهمّ رُكن من أركان الأدب الرّفيع وهو الذّوق الصّحيح , والذّوق لا يُنال بالشّك والرّيب ولكن بالمحاذاة والتّقليد , وإذا كان أكبر شرط لطالب العلم أن يتمرّن على البحث والتّفكير فإنّ أعظم واجب على طّالب الأدب أن يتلقّى الأدب من طريق الإيحاء والتّلقين وتلك هي سبيل الذّوق الصّحيح السّليم لا غيرها , وهذان الكتابان الأخيران قد قرّرتهما وزارة المعارف في مِصر وفرضتهما على طُلاّب المدارس الثّانويّة , وليت شعري كيف يتّفق ما في هذين الكتابين مع ما تُريده الحكومة المِصريّة في دروس ( التّربيّة الوطنيّة ) من الطّلبة أن يشربوا في قلوبهم حبّ الوطن واحترام الآباء والأجداد . لقد أحسن صدقي باشا إذ عزل الدّكتور طه حسين من منصب عميد كلّيّة الآداب بالجامعة المِصريّة , لأنّه بهذا العزل قد استراح العرب واستراح المُسلمون من شرّ كثير , وسوف يحتفظ العرب والمسلمون لدولة صدقي باشا بهذه اليد البيضاء أبد الدّهر , ولكنّنا نتمنّى على حكومة مِصر أن تحذف جميع كُتب طه من جميع مناهج التّعليم , وكُتب طه كلّها شعوبيّة ومقت , فكتابه ( في الصّيف ) فيه دعاية كُبرى إلى التّوراة وإلى تلاوتها ودراستها وزعم أنّها مورد عميق من موارد الأدب الرّفيع العالي , ولكنّه لم يقل كلمة واحدة يدعو بها إلى تلاوة القُرآن وإلى دراسته كمُعجزة للفصاحة وسِحر البيان , على أنّ رأيه هذا هو رأي باطل غير صحيح فأُدباء لُبنان مثلا الذين توافروا على دراسة التّوراة وتفهّمها وتذوّقها لم يكونوا هم المبرّزين في حلبة الأدب العربي في هذا العصر الحديث , بل إنّ عيبهم الوحيد هو أنّهم يحتذون أسلوب التّرجمة الرّكيك الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل , سمعت كثيرا بالأستاذ ميخائيل نُعيمة وهو من الأدباء العرب المشهورين ومن الذين تذوّقوا كلّ ما يراه طه حسين من الفنّ والجمال في التّوراة والإنجيل , وأردت ذات يوم أن أقرأ له فصلا نُشر في مجلّة المُقتطف , فإذا هو يقول : وكان صباح , وكان مساء , . . . ومضى في عبارات على غاية الرّكاكة والثّقل , فو الله ما استطعت أن أقرأ ولا صفحة واحدة من المقال , ولم أدر من أين جاء بهذه ( التّعبيرات ) التي أُنكرها ولا أعرفها , ثمّ أخذت أطالع التّوراة ذات يوم فإذا هو يقتبس من نورها ومن جمالها ! ولا شكّ أنّ كثيرين من أمثالي لا يستطيعون أن يتذوّقوا هذا الجمال الذي يقول طه إنّه في التّوراة , والأستاذ إلياس أبو شبكة هو من الأدباء المعدودين ومن الذين تذوّقوا جمال التّوراة ومع ذلك فهو لا عيب فيه إلاّ هذه العُجمة النّابتة التّي تشيع في أُسلوبه والتي هي كلّ ما أفاد من التّوراة .

وما أريد هنا أن أتتبع هفوات طه حسين فهي أكثر من أن تعدّ , وإنّما أريد أن أنبّه إلى شذوذه ونزقه على أنّ ما في طّبع طه من نزق وطيش يطغى به من حين إلى حين هو الذي جعل العرب يفطنون لشعوبيته ولعصبيّته على الإسلام, وهنا ينبغي أن نقول أنّ طه لا يكتب إلاّ في الموضوعات التي يريدها الاستعمار وبالأسلوب الذي يريده الاستعمار فهو لم يزد على أنّه ناشر للآراء والأفكار الوبيئة التي يحبّ الاستعمار أن تشيع في الذين آمنوا , فالذين اخترعوا الدّعوة إلى الفرعونيّة إنّنا هم غُلاة المستعمرين , وكيف يدّعي الوطنيّة مِصريّ يدعو إلى الفرعونيّة التي خلقها الاستعمار وروّج لها ؟ ومتى كانت الوطنيّة هي اعتناق الفكرة التي يدعو إليها المستعمرون ؟

إنّ جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين كانت أنشأت لجنة للآداب وأسندت أمرها إلى هذا العاجز الضّعيف , فعزمنا أن نُصدر بيانا دوريا بالكتب التي ينبغي أن يقرأها أبناء هذه البلاد العربيّة وبيانا آخر دوريا بالكتب التي ينبغي أن يحذرها أبناؤنا . وربّما نشرنا ذلك قريبا غير بعيد , ولكن هل للصّحافة العربيّة وللمعلّمين العرب أن يدعُوا إلى العروبة ومكارمها وإلى الكُتب التي تدعو إلى العروبة ومكارمها وهل لنا أن نكفّ عن التّنويه بالشّعوبيين وهل لنا أن نحترم أنفسنا فلا نقرأ كتابا يطعن على العرب ؟

إنّ العرب هم الذين أغروا طه حسين بتنقّصهم , فقد أشادت به صحفهم وصفّقوا له تصفيق الاستحسان فأَمعَن هو في امتهانهم والطّعن عليهم .

إنّ اليهود لا يقرءون كتابا فيه طعن عليهم ولو على طريق التّلويح البعيد , فلماذا نحن لا نُعامل بالرّفض والإهمال كلّ كاتب أوكلّ كتاب فيه شعوبيّة علينا , إن لم نفعل ذلك احتفاظا بكرامتنا واحتراما لأنفسنا , أفلا نفعل ذلك على الأقل اقتداء باليهود ؟

وهران محمّد السعيد الزّاهري ( الصّراط السّوي العدد الرّابع)
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09 Aug 2011, 05:28 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي في حكم اعتبار إذن الحاكم بالمظاهرات والمسيرات


في حكم اعتبار إذن الحاكم بالمظاهرات والمسيرات
الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله


السـؤال:

هل إذنُ الحاكمِ بالمظاهراتِ والمسيراتِ يسوِّغها شرعًا؟ وهل يجوز المشاركةُ فيها؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.


الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمَّا بعد:
فالمظاهراتُ والمسيراتُ والإضراباتُ والاعتصاماتُ ليستْ من أعمالِ المسلمين، ولا من وسائلِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، ولا هي من الدينِ الإسلاميِّ الذي شرعه اللهُ لعبادِه، بل المظاهراتُ وأخواتُها -غالبًا- ما تكون جالبةً للفتنِ والمفاسدِ والأضرارِ، من سفكِ الدماءِ، وتخريبِ المنشآتِ، وتضييعِ الأموالِ، وتعطيلِ العملِ، وإشاعةِ الفوضى، واختلاطِ الذكورِ بالإناثِ، وغيرِها من موجاتِ الفسادِ والشرورِ التي تأباها الفطرةُ السليمةُ وينهى عنها الإسلامُ.
إنَّ طلبَ تحصيلِ حقوقِ المتظاهرين والمُضْرِبين وإدراكِ غاياتِها الشريفةِ لا يسوِّغ وسائلَها وطُرُقَها، لأنَّ الإسلامَ يرفض النظريَّةَ الميكيافيليَّةَ القائلةَ إنَّ: «الغَايَةَ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ»، التي تجوِّز للفردِ التوصُّلَ إلى الغاياتِ النبيلةِ والمقاصدِ المشروعةِ بأيِّ وسيلةٍ وإن كانت ممنوعةً في الشرائعِ ومذمومةً في الفِطَرِ السليمةِ والأخلاقِ الفاضلةِ والأعرافِ.
وإنَّما الحقوقُ يُتوصَّل إليها بالمطالبةِ الشرعيَّةِ، وذلك بتحصيلِ الوسائلِ المشروعةِ أو إيجادِ البدائلِ الصحيحةِ التي تُغني عن الوسائلِ المنهيِّ عنها، قال ابنُ تيميَّةَ -رحمه الله-: «ليس كلُّ سببٍ نال به الإنسانُ حاجتَه يكون مشروعًا ولا مباحًا، وإنَّما يكون مشروعًا إذا غلبتْ مصلحتُه على مفسدتِه ممَّا أَذِنَ فيه الشرعُ»(1)، فلذلك كان حكمُ مخالَفةِ الشرعِ في الوسائلِ كحكمِ مخالفتِه في المقاصدِ، كلاهما يدخل في الوعيدِ الواردِ في قولِه تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، فإنَّ قولَه تعالى: ﴿أَمْرِهِ﴾ نكرةٌ مضافةٌ إلى معرفةٍ، فتفيد العمومَ وهي شاملةٌ لبابِ المقاصدِ والوسائلِ، وعليه فمن راعى شرعيَّةَ المقاصدِ وأهمل شرعيَّةَ الوسائلِ فشأنُه كمَن عمل ببعضِ الدينِ وترك بعضَه الآخَرَ، وقد قبَّح اللهُ هذا الفعلَ وأنكره على اليهودِ، قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 85]، وفي الآيةِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ الإيمانَ يقتضي فِعْلَ الأوامرِ واجتنابَ النواهي سواء في جانبِ المقاصدِ أو الوسائلِ.
هذا، وأسلوبُ المظاهراتِ والمسيراتِ والإضراباتِ من مضامينِ النظامِ الديمقراطيِّ الذي يَعُدُّ هذه الأساليبَ ظاهرةً صحِّيَّةً حيث إنَّ القوانينَ الوضعيَّةَ القائمةَ على هذا النِّظامِ تخوِّل للشعبِ أو لفئاتِه تصحيحَ الأوضاعِ السياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ والتربويَّةِ والمهنيَّةِ، والمطالبةَ بعلاجِ آفاتِها ومضارِّها بالتغييرِ إلى ما هو أسمى وأحسنُ انطلاقًا مِن هذه الأساليبِ، لذلك يأتي إذنُ الإمامِ الحاكمِ مبنيًّا على مقتضَياتِ النظامِ الديمقراطيِّ وتطبيقًا لقوانينِه التي تجعل الحاكميَّةَ للشعبِ: يصحّح نفْسَه بنفسِه، وهذا -بلا شكٍّ- مرفوضٌ شرعًا عند كلِّ موحِّدٍ، لأنَّ اللهَ تعالى لا يرضى بشركِ غيرِه له في الربوبيَّةِ والحكمِ ولا في الألوهيَّةِ والعبادةِ، ولم يأذنْ لغيرِه في التشريعِ، قال تعالى: ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 26]، وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: 21].
وعلى فرضِ أنَّ إذْنَ الحاكمِ بالمظاهَراتِ والمسيراتِ لم يكنْ مستمَدًّا ممَّا تُمليه عليه دساتيرُ الديمقراطيَّةِ؛ فإنَّ إذنَه لا يؤثِّر في الحكمِ ولا يصيِّر المنكرَ معروفًا ولا الممنوعَ مباحًا، ذلك لأنَّ المحرِّمَ والمبيحَ في الإسلامِ هو الشارعُ الحكيمُ نفْسُه، والطاعةُ له مطلقةٌ، وطاعةُ غيرِه تَبَعٌ لطاعتِه، ولا تكون إلاَّ في المعروفِ دون المعصيةِ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(2).
هذا، والأسلمُ لدينِ المسلمِ أنْ لا يتوسّلَ إلى الخيرِ والمقاصدِ الحسنةِ بالشرِّ والفسادِ، وإنَّما يتوسَّل إلى كلِّ ما ظهرتْ مصلحتُه على مفسدتِه من مختلفِ الطاعاتِ وفعلِ الخيراتِ بسلوكِ الوسائلِ المأذونِ فيها شرعًا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الخمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين وسلم تسليما.



الجزائر في: 16 ربيع الثاني 1432ه
الموافق ل: 21 مارس 2011م

1- «مختصر الفتاوى المصريّة» لابن تيميّة (169).
2- أخرجه البخاريّ في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7145)، ومسلم في «الإمارة» (1840)، من حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09 Aug 2011, 05:56 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي

التجنس والتوبة منه
للشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس


بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله،

التجنيس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض أحكام الشريعة. ومن رفض حكما واحدا من أحكام الإسلام عدّ مرتدا عن الإسلام بالإجماع، فالمتجنس مرتد بالإجماع.
والمتجنس –بحكم القانون الفرنسي- يجري تجنسه على نسله، فيكون قد جنى عليهم بإخراجهم من حضيرة الإسلام، وتلك الجناية منم شر الظلم وأقبحه، وإثمها متجدد عليه ما بقي له نسل في الدنيا خارجا عن شريعة الإسلام بسبب جنايته.
فإذا أراد المتجنس أن يتوب فلابد لتوبته من إقلاع، كما هو الشرط اللازم بالإجماع، في كل توبة، وإقلاعه لا يكون إلا برجوعه للشريعة الإسلامية ورفضه لغيرها.
ولما كان القانون الفرنسي يبقى جاريا عليه رغم ما يقول هو في رجوعه، فإقلاعه لا يتحقق عندنا في ظاهر حاله، وهو الذي تجري عليه الأحكام بحبسه. إلا إذا فارق البلاد التي يأخذ فيها ذلك القانون إلى بلاد تجري عليه فيها الشريعة الإسلامية.
قد يكون صادقا في ندمه فيما بينه وبين الله، ولكننا نحن في الظاهر الذي أمرنا باعتباره في إجراء الأحكام، لا يمكننا أن نصدّقه وهو ما يزال ملابسا لما ارتد من أجله، ولهذا لا تقبل توبته ولا تجري عليه أحكام المسلمين.
والذي يقع عليه القضاء بحكم يتحقق أنّه حكم الشريعة الإسلامية فيسعى في نقضه بحكم من غيرها، هو برفضه لذلك الحكم وطلبه لغيره مرتدّ عن الإسلام.
وتوبة هذا بإقلاعه عن طلب الحكم الآخر أو بتنفيذه لحكم الإسلام إن كان غيره قد وقع.
ومن جعل (التيسطاما) (1) وهي قسمة ماله بين من يشاء بعد موته على غير القسم الإسلامي رافضا للحكم الإسلامي... فهو مرتد عن الإسلام وتوبته بإبطال تلك (التيسطاما) ورجوعه إلى حكم الإسلام.ومن تزوج بامرأة من جنسية غير إسلامية فقد ورط نسله في الخروج من حظيرة الشريعة الإسلامية، فإن كان راضيا لهم ذلك ومختارا له على بقائهم في حظيرة الشريعة الإسلامية فهو مرتد عن الإسلام، جان عليهم، ظالم لهم، وإن كان غير راض لهم بذلك ولا مختارا لهم ذلك على شريعة الإسلام، وإنّما غلبته شهوته على ذلك الزواج، فهو آثم بجنايته عليهم وظلمه لهم، لا يخلصه من إثمه العظيم إلا إنقاذهم مما أوقعهم فيه بهجرته بهم.


البصائر : العدد 95، السنة 3، يناير 1938م.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 Aug 2011, 01:32 AM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي لماذا لا يلجأ أهل السنة في إصلاحهم إلى الحل السياسي والحل الدّموي

لماذا لا يلجأ أهل السنة في إصلاحهم إلى الحل السياسي والحل الدّموي

فضيلة الشيخ عبد المالك رمضاني

جاءَ الدِّينُ الإسلاَميُّ شاملاً لجَميع حاجاتِ الخَلقِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين﴾[النحل:89]، ومِن هذهِ الحاجاتِ الجانبُ السِّياسيُّ الَّذي به انتِظامُ اجتِماع النَّاس، والجانبُ الجِهاديُّ الَّذي به ضَمانُ عزِّهم وصدُّ عُدوانِ المُعتدي علَيهم، وشرفُ القائم علَيهما بعِلم وعدلٍ أمرٌ مَعلومٌ، هَذه المقدِّمةُ قدَّمتُها لبَيانِ أنَّ السِّياسةَ الشَّرعيَّةَ مِن الدِّين، وأنَّ الجِهادَ المَشروعَ من الدِّين أيضًا، بل هو ذِروةُ سَنامِه كما أَخبرَ بذَلك الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم.

لكن لمَّا تخلَّى كَثيرٌ من المُسلمِين عن كَثيرٍ ممَّا جاءَ بهِ دينُهم أصابَهم من المصائب ما لاَ يخفَى على أحدٍ، فبَينما هي أمَّةٌ واحدةٌ عَزيزةُ الجانب مَنيعةُ الأَسوارِ إذْ تحوَّلَت وَحدتُها إلى فُرقةٍ وقوَّتُها إلى ضَعفٍ إلاَّ ما شاءَ الله، وقد قامَت دَعواتٌ إسلاميَّةٌ لإصلاَح الأوضاع؛ لكن اختلَفوا في ذلكَ بحسَب اختلاَفِهم في تَحقيقِ جُذور البليَّة، وأكثرُها يرَى أنَّ ما أَصابَ المُسلمِين اليومَ من نكَساتٍ عَظيمةٍ سببُه الرَّئيسُ هو الفَسادُ السِّياسيُّ، وقد وصَلَ إلى هَذا الاستِنتاج جَماعاتٌ مُختلفةُ المَناهج، وما سلَكوه في إصلاَح هذا الفساد السِّياسيِّ هو الَّذي بايَنَ بين مَناهجِهم زيادةً على تَبايُن أُصولِهم، وقد برزَ على السَّاحةِ منها بُروزًا ظاهرًا جماعتانِ: الأولى ترَى أنَّ الأمرَ يَحتاجُ إلى دخول المعتركِ السِّياسيِّ لـ «أَسْلمةِ» برامج الدَّولةِ كما يعبِّرون، بَينما ترَى الأُخرى أنَّه لاَ دواءَ لما ذُكر إلاَّ بالقتالِ.

فالأوَّلونَ ظنُّوا أنَّ الأَمرَ يَحتاجُ إلى السِّباقِ إلى السُّلطةِ!

والآخَرونَ مَا يرَونَه إلاَّ في قَطفِ الرُّؤوس المُتسلِّطةِ!

وليسَ الخلاَفُ هنا في الاعتِرافِ بفَسادِ الحالِ، ولاَ هو في ضَرورةِ السَّعي لإِصلاَحِه أو عدَم ذَلك؛ ولَكن الخلاَف في طَريقتِه، وأثرُ الاختلاَفِ في ذلكَ مَعلومٌ؛ لأنَّ الطَّريقةَ الإصلاَحيَّةَ إذَا جُهلَت أو أُغفلَت ظلَّ صاحبُها يُكابدُ التَّغييرَ من غَير بابِه، وكانَ كمَن يَقصدُ هدفًا من غَير طَريقِه، فمتَى يَصِل؟!

وكذلك بالنِّسبة للبَحث في أَصل الانحِراف؛ فإنَّ طَبيعةَ العلاج تَختلف باختلاَف التَّعرُّف على أصل الدَّاء، لذَا، أَحببتُ تَبيينَ أَصل بليَّة المُسلمينَ؛ لأنَّ الاهتِداءَ إلى تَعيينِه يَعني الاهتِداءَ إلى العلاَج؛ فإنَّ التَّوصُّل إلى علاَج كلِّ داءٍ يَنطلِقُ من جُذورِه.

إنَّ النَّاظرَ في سيرةِ المُصلحِين ـ وعلى رَأسهم الأنبياء ـ يَعلمُ يَقينًا مُخالفةَ هاتَين الجَماعتَين لهؤلاَء، سواء بالنَّظر إلى جُذور البليَّة أو بالنَّظرِ إلى الطُّرقِ الإصلاَحيَّة؛ لأنَّ الأَنبياءَ ـ عليهم الصَّلاة والسَّلامُ ـ بُعثوا في أَقوامٍ اجتمَعَ فيهم الشَّرُّ كلُّه بما فيه الشَّرُّ السِّياسيُّ، فلم يَجئ في الكتاب والسُّنَّة دلاَلةٌ قطُّ على أنَّهم اتَّجهوا أوَّلَ ما اتَّجهوا إلى إصلاَح الأَوضاع السِّياسيَّةِ بمُمارستِها أو بمُمارسةِ الأعمالِ الدَّمويَّة.

ومَن نظَرَ في دَعوةِ الأَنبِياءِ بعَين التَّسليم والاقتِداءِ بانَ له هَذا بجلاَءٍ، وأَيقنَه بلاَ كَبيرِ عَناءٍ؛ فإنَّهم دُعُوا للمُشاركةِ في السُّلطةِ فأَبَوا إلاَّ أن يَقولُوا لقَومِهم ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾[الشعراء:109]، وقد بُعثَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم في وقتٍ عمَّ فيهِ الفَسادُ السِّياسيُّ المَعمورةَ وما كانَ يُركِّز على الإِصلاَح السِّياسيِّ على الرّغم من أنَّ السِّياسةَ من الدِّينِ كما مرَّ، ودُعيَ صلى الله عليه وسلم للمُشاركةِ في المُلكِ من قِبَل كُبراءِ قُريش فأبَى، انظُرْ له «تَفسيرَ ابن كَثير» عندَ أوَّل سورةِ فُصِّلَت، فقَد ذكرَ بعضَ الرِّواياتِ في هَذا المَعنى، وانظُرْ تَخريجَها وتَحسينَ الشَّيخ محمَّد ناصِر الدِّين الألباني لها في تَعليقِه على «فقه السِّيرة» (ص 106)، وفي بَعض طرُقِها أنَّهم قالُوا له صلى الله عليه وسلم: «وإن كنتَ تُريدُ به شرَفًا سوَّدْناكَ علَينا حتَّى لاَ نَقطعَ أَمرًا دُونكَ، وإن كنتَ تُريدُ مُلكًا ملَّكْناكَ علَينا...»، بل مَن قارَنَ دَعوتَه صلى الله عليه وسلم المُلوكَ والرُّؤساءَ بدَعوتِه الشُّعوبَ عرَفَ الفَرقَ:

فقَد كانَ مع الشُّعوبِ يَتحرَّكُ لدَعوتِهم في النَّوادِي والأَسواقِ والبُيوتِ وغيرِها ويتحرَّق لذَلك، ويُنادِيهم قَبائلَ وفُرادَى لاَ يَفترُ حتَّى بلَغَ بهِ الحُزنُ علَيهم مَبلغَه، فقالَ له ربُّه عز وجل: ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾ [فاطر:8]، بل كادَ يُهلكُ نفسَه مِن أَجلِهم حتَّى قالَ له ربُّه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف:6].

وأمَّا معَ المُلوكِ والرُّؤساءِ ففي غالِب حالِه صلى الله عليه وسلم أنَّه لاَ يُكلِّف نفسَه الذَّهابَ إلَيهم، بل يَكتَفي بإِرسالِ بعض سُفرائِه إلَيهم بكَلمةٍ قَصيرةٍ ويَمضِي، وهيَ قولُه: «مِن مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله ورَسُولِه إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّوم: سَلاَمٌ على مَن اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بَعْدُ؛ فإِنِّي أَدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإِسْلاَم، أَسْلِمْ تَسْلَم يُؤْتِكَ اللهُ أَجرَكَ مَرَّتَيْن، فإِنْ تَوَلَّيتَ فإنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون﴾ [آل عمران:64]» رواه البخاري (7) ومسلم (1773).

فقارِنْ ـ أيُّها المتَّبِع!ـ بينَ هَذه الدَّعوةِ النَّبويَّةِ الحَكيمةِ وبينَ الخُطَب السِّياسيَّةِ الطَّويلةِ والَّتي أخذَت أَعمارَ أَصحابِها برُمَّتها حتَّى شابَت لِحاهم معَها تُدرِك أيّ الفَريقَين أَحقّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

بل أَسلَمَ في وَقتِه صلى الله عليه وسلم ملكٌ عَظيمٌ، ألاَ وهوَ النَّجاشي ملِكُ الحبَشةِ، فلم يُفكِّر صلى الله عليه وسلم في الهِجرةِ إلَيه لاستِيطانِ مَملكتِه أو جَعلِها نَواةَ دَولتِه، ولاَ قالَ: مِن مِثل هَذا القَصر تَنطلقُ الدَّعوةُ؛ لعِلمِه صلى الله عليه وسلم أنَّ الشُّعوبَ إن لم تَكُن مُقتنعةً بالإِسلاَم فإنَّه لاَ يَنفعُها كَثيرًا تَحصيلُ سُلطانِه، إذًا فعلى المتأسِّينَ بالأَنبِياءِ أن يُعنَوا بطَريقِهم في الإِصلاَح، وحينئذٍ فَلْيبشرُوا.

إنَّ أثرَ صلاح المُلوكِ في صلاَح الرَّعيَّة غيرُ مَجهولٍ؛ لكن لمَّا كانَ صلاحُ الملوكِ أو فسادُهم تابعًا لصلاَح الشُّعوب أو فَسادِها لاَ العَكس، كانَ هذا التَّباينُ في سيرةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بين إصلاَح الرَّاعي وإصلاَح الرَّعيَّة، وذاكَ الاهتِمامُ الشَّديد بدَعوةِ الشُّعوب أكثر من الاهتِمام بدَعوةِ مُلوكِهم.

ولاَ شكَّ أنَّ فَسادَ حالِ المُسلمِينَ في بلَدٍ ما سببُه فَسادُ الرَّاعِي والرَّعيَّةِ، وإذَا باتَ مَعلومًا أنَّ الرَّاعيَ قد يتسبَّبُ في إِفسادِ الرَّعيَّة بما يَبثُّه فيهم مِن أَنظمةٍ مُخالفةٍ لشَرع ربِّ العالمِينَ، فَلْيُعلَم أنَّ فَسادَ الرَّاعي متسبَّبٌ عن فَسادِ الرَّعيَّة أوَّلاً؛ لأنَّ اللهَ قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129]، فأَخبرَ أنَّ مِن قدَرِه سبحانَه تسليطَ الظَّالم على الظَّالم، ومِن هَذا المعنَى قالَ اللهُ تَعالى:﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء:16]، فأَخبرَ سُبحانَه أنَّه يُسلِّط المَسئولِين المُترَفِين بفِسقِهم على أَهْل القَريةِ المُستحِقَّة للإِهلاَك، ولاَ ريبَ أنَّها ما استَحقَّت الإِهلاَكَ إلاَّ وهيَ ظالِمةٌ؛ كما قالَ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف:59].

وبهَذا التَّفسيرِ فَهِم بَعضُ السَّلفِ الآيةَ؛ فقَد روَى أبو نُعيم (6/30) والبيهقي في «شُعب الإيمان» (7389) وأبو عَمرو الدَّاني في «السُّنن الواردة في الفِتن» (299) بسندٍ صَحيحٍ عن كَعب الأَحْبار أنَّه قالَ: «إنَّ لكلِّ زَمانٍ مَلِكًا يَبعثُه اللهُ على قُلوبِ أَهلِه(1)، فإذَا أَرادَ اللهُ بقَومٍ صلاَحًا بعَثَ فيهم مُصلحًا، وإذَا أَرادَ بقَومٍ هَلكةً بعَثَ فيهم مُترَفًا، ثمَّ قرَأَ: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء:16]»، قالَ المُناوي في «فيض القدير» (1/265): «والتَّقديرُ: بقَومٍ أَهْل سُوءٍ سُوءًا؛ فإنَّه تَعالى إنَّما يُوَلِّي علَيهم مُترَفيهم لعَدَم استِقامتِهم».

وقد صرَّحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّ تسلُّطَ السُّلطانِ على النَّاس بظُلمِه مَبدؤُه تسلُّطُ ذُنوبِهم علَيهم أوَّلاً، فقالَ: «ولَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المُؤنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ» الحديث، أخرجَه ابنُ ماجَه (4019) وصحَّحه الألبانيُّ في تَعليقِه علَيه.

وهكذَا تَفعلُ الذُّنوبُ، ما حلَّت نُذرُها بساحةِ قومٍ إلاَّ ساءَ صَباحُ المُنذَرين، فانكشَفوا عن عدوٍّ أَبادَ خضراءَهم، واجتَنحَ أَرزاقَهم، واستَباحَ حُرماتِهم، وقيَّدَ حرِّيَّاتِهم، وفعلَ بهم من المُنكَرات على قَدْر مَا أَصابُوا من السَّيِّئاتِ، وفاتَهم من المَسرَّاتِ بحسَبِ ما فوَّتوا على أَنفسِهم من الطَّاعاتِ، والرَّبُّ حكَمٌ عَدلٌ، وبه المستعانُ.

ولمَّا كانَ هَذا هو الأَصل، فإنَّ اللهَ عز وجل جعَلَ إِصلاَحَ النَّفْس السَّبيلَ الوَحيدَ لإِصلاَح الرَّاعي والرَّعيَّة، فقالَ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]، فلذَلكَ كانَ سيِّدُ المُصلحِين صلى الله عليه وسلم لاَ يَزيدُ في افتِتاح خُطبِه على التَّعوُّذ من شرِّ النَّفس، فيَقولُ: «...وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» رواه أصحابُ السُّنن وصحَّحَه الألبانيُّ فيها، فلِماذَا يُعرِض كَثيرٌ من الدُّعاةِ عن طاعةِ الله في هَذا واتِّباع رَسولِه صلى الله عليه وسلم ؟!

إنَّ الَّذي دَعاني لهَذه الكَتابةِ هو الإِشفاقُ على الجُهودِ المَبذولةِ في الدَّعوةِ الإِسلاَميَّةِ من أن تَضيعَ بلاَ فائدةٍ تُذكَر، لاَ سيما وأنَّ هَذهِ الجُهودَ قد شمَلَت مِساحاتٍ وَاسعةً من مَجالاَت الدَّعوةِ وأَخذَت من أوقاتِ أَصحابِها مَا لو استَرشَدوا فيها بهَدْي الكِتاب والسُّنَّة ونظَروا في سيرةِ الأَنبِياءِ بعَين الاتِّباع لبلَغوا ـ بإِذْن الله ـ الغايةَ في أَقصَر زمنٍ، ولكنَّ الَّذي يَنحرِف عن ذَلكَ من الصِّنفَينِ المُشارِ إلَيهما يُخشَى علَيه ألاَّ يَكونَ له نَصيبٌ من عملِه هَذا سوَى نَظير مَا لمَن قالَ فيهِ ربُّنا عز وجل: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَة﴾ [الغاشية:3]...

هَذه هيَ حالُ المُغالِين في العمَل السِّياسيِّ والدَّمويِّ، أمَّا في العِلم فلاَ يَكادونَ يَعرِفونَ منه سوَى رَصدِ حرَكاتِ الأُمراءِ والرُّؤساءِ وحِفظِ أَخطائِهم كما يَحفَظونَ أَسماءَ أَبنائِهم!

وأمَّا في الدَّعوةِ فلاَ يَكادونَ يَخرُجونَ عن مَضْغ أَعراض أُولئكَ وتَحفيظِها أَجيالَهم معَ إِهمالِ الجَماهيرِ الَّتي يَغلُبُ علَيها الجَهلُ بدِين الله عز وجل، ولقَد كادَ يمرُّ علَينا عُقودٌ من الزَّمنِ، وليسَ لنَشْئِنا فيها مِن حَديثٍ سوَى هَذا اللَّغوِ الزَّمِن، مع المُبالغةِ في تَعظيم «فِقه الوَاقع»، حتَّى إنَّه ليُلاَزمُه في الحضَر، ويُزامِلُه في السَّفر، فكَم مِن جُهودٍ أُهدرَت مِن هَذا القَبيل، وكَم من أموالٍ بُدِّدَت في هَذه السَّبيل!

والعمَلُ السِّياسيُّ غالبًا ما يَنتهِي بأَصحابِه إلى الدِّماءِ؛ لِما فيه مِن الدَّواهِي الغائلَة، والسُّموم القاتلَة، كما قيلَ: «كَم من دَم، سفَكَه فَم!» يَظلُّ دُعاتُه يُعالِجونَ قُربَ سَرابِه، فيُعاجِلونَ سُكرَ شَرابِه، وتَبقَى الشُّعوبُ مَحرومةً من التَّعليم والتَّربيةِ، على الرّغم من أنَّهم يرَونَها تتخبَّطُ في الشِّركِ والبِدَع؛ لأنَّ الدَّاءَ حسَبَ مُرشدِيهم ليسَ له مَصدرٌ سوَى السُّلطانِ!

وهَا هُم قد قَضوا أَعمارَهم مع الإِصلاَحاتِ السِّياسيَّةِ، فلم يَظفَروا من السُّلطةِ بقُلاَمةِ ظُفرٍ، ولاَ حازُوا مِن الإِصلاَح بطَائفِ نَصرٍ، يتخيَّلونَ التَّدرُّجَ وهم مُستَدرَجونَ، ويتَوهَّمونَ الوُصولَ وهم مُنقطِعونَ! يَكونُ أَحدُهم مُعلِّمًا كأنَّه نبيٌّ في أُمَّته، فتَستفزُّه الأَطماعُ السِّياسيَّةُ إلَيها فيَستجيبُ بدافِع مُزاحمةِ عِلمانيٍّ أو مُنافقٍ، فلاَ تَزالُ به التَّنازلاَتُ واحدةً واحدةً حتَّى يرِقَّ دِينُه وتَذهبُ عنه حلاَوةُ ما كانَ يَجدُ، فيَنزِل مِن وَظيفةِ النَّبيِّ إلى ما دُونَها، ومَن بعُدَ مَطمعُه، قرُبَ مَصرعُه، والأمرُ لله!

وكَثيرًا ما ترَى هَذا الصِّنفَ من الدُّعاةِ يتَملمَلُ من حالِ العامَّة الَّذينَ تحتَ دَعوتِهم، وهم لاَ يَنتبِهونَ إلى مَكمَن الدَّاءِ الَّذي نُدندنُ حَولَه ههنا؛ لأنَّ أَعظمَ ما يَخسرُه الدُّعاةُ المُهتمُّونَ بالسِّياسةِ أنَّهم يَذَرون الشُّعوبَ كما هيَ لاَ تُحسُّ إلاَّ بذُنوب الولاَةِ، فمتَى تُفكِّر في التَّوبةِ والإِصلاَح وهيَ لاَ تَسمعُ إلاَّ كلاَمًا فيمَن يَحكمُها؟! ومَتى عمِيَ المرءُ عن نَفسِه فسَقَ؛ لأنَّ اللهَ قالَ: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾ [الحشر:19].

ولِنفاسةِ هَذا البحثِ فقَد كانَ أَهلُ السُّنَّة يُوصُون به في كتُبِهم الجامعةِ للأُصولِ العقَديَّة، قالَ ابن أبي العزِّ الحنَفي في «شَرْح العَقيدة الطَّحاويَّة» (ص 381ـ الألبانيّ): «وأمَّا وليُّ الأَمر فقَد يَأمرُ بغَير طاعةِ الله، فلاَ يُطاعُ إلاَّ فيما هوَ طاعةٌ لله ورَسولِه، وأمَّا لُزومُ طاعتِهم وإن جَارُوا؛ فلأنَّه يَترتَّب على الخُروج مِن طاعتِهم من المَفاسدِ أَضعافُ ما يَحصلُ من جَورِهم، بل في الصَّبرِ على جَورِهم تَكفيرُ السِّيِّئات ومُضاعفةُ الأُجورِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى ما سلَّطَهم علَينا إلاَّ لفَسادِ أَعمالِنا، والجَزاءُ مِن جِنس العمَل، فعلَيْنا الاجتِهادُ في الاستِغْفار والتَّوبةِ وإِصلاَح العمَل، قالَ تَعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾[الشورى:30]، وقالَ تَعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران:165]، وقالَ تَعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء:79]، وقالَ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾[الأنعام:129].

فإذَا أَرادَ الرَّعيَّةُ أن يَتخلَّصوا من ظُلم الأَمير الظَّالِم فَلْيَتركوا الظُّلمَ، وعن مَالك بن دِينارٍ أنَّه جاءَ في بَعض كتُب الله: «أنا اللهُ مالِكُ المُلك، قُلوبُ المُلوكِ بيَدي، فمَن أَطاعَني جعَلتُهم علَيه رَحمةً، ومَن عَصَاني جعَلتُهم علَيه نِقمةً، فلاَ تَشغَلوا أَنفسَكم بسَبِّ المُلوكِ، لَكن تَوبُوا أُعَطِّفهم علَيكُم».

وهَذا الخبرُ لاَ يَضرُّه أن يَكونَ من الإسرائيليَّاتِ؛ لأنَّه داخلٌ تحتَ قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ولاَ حَرَجَ» رواه البخاري (3461)، وليسَ فيهِ مَا تَدفعُه شَريعتُنا، فكيفَ وهو مُوافقٌ لِقَواعدِها وأُصولِها كما مرَّ؟! بل جاءَت بَعضُ أَخبارِ الأُمم السَّابقةِ تؤيِّده؛ فعن مَالِك بن دِينَارٍ قالَ: «قَرَأْتُ فِي الزَّبُورِ: إِنِّي أَنْتَقِمُ مِنَ المُنَافِقِ بِالمُنَافِقِ، ثُمَّ أَنْتَقِمُ مِنَ المُنَافِقِينَ جَمِيعًا؛ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ الله قَوْلُ الله: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129]» روَاه ابن أبي حاتم في «تفسيره» عندَ هَذه الآيةِ بسندٍ صَحيحٍ.

ولذَلك استَشهدَ به ابن تَيمية في «منهاج السُّنة» (4/546) مع قولِهم: كما تَكونوا يوَلَّى علَيكم، وقالَ: «بل فتنُ كلِّ زَمانٍ بحسَب رِجالِه»، وقالَ أيضًا في «مجموع الفتاوى» (35/20): «وَقَدْ ذَكَرْتُ في غَيْرِ هَذَا المَوْضُوعِ(2) أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ (كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُمْ)، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾، وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله ومُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ، ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالاَتِ الله إلَيْهِمْ، بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولاَ بُخْلاً ولاَ خَشْيَةً لَهُمْ ولاَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله، ولاَ يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولاَ عَلَى العَامَّةِ، ولاَ لِلحَسَدِ ولاَ لِلكِبْرِ ولاَ لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولاَ لِلْعَامَّةِ، ولاَ يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ».

ولابن القيِّم كلاَمٌ بَليغٌ في هَذا لم أَرَ أَبلغَ مِنه عندَ أَهل العِلم، قالَ رحمه الله في «مفتاح دار السَّعادة» (1/253):

«وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ(3)، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها، ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً وبَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء، فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ، بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ، ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس، وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ، كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ.

خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ

ولاَزَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم».

وبهَذا نَأتي على استِخلاَص الجَوابِ الحَاسِم لأَسئلةٍ تتردَّدُ في الأَوساطِ الدَّعَويَّة، كقَولِهم: مَا حُكمُ دُخولِ البَرلَمانات السِّياسيَّة الَّتي لاَ تَحكمُ بما أَنزَلَ اللهُ؟ وقَولِهم: مَا حُكمُ التَّركيز على الإِصلاَح السِّياسيِّ ولو من غَيرِ الدُّخولِ المَذكورِ كما هوَ شَأنُ المُبتلينَ بالتَّشرُّف للمَسئوليَّات ولو بزَعم صَفاءِ النِّيَّة والغَيرةِ على جَناب الدِّينِ؟ وقَولِهم: مَا حُكمُ استِرجاع الحُقوقِ بالضَّغطِ على الدُّوَل عن طَريقِ المُظاهَرات؟ وقَولِهم: هَل عزُّ المُسلمِين مَرهونٌ بالتَّفوُّقِ الحَضاريِّ أو الاقتِصاديِّ؟...

أو قولهم: ما حُكم الانضمام إلى العصاباتِ المسلَّحة لإسقاطِ الدُّوَل ورَفع الضَّيم عن الشُّعوب؟

إنَّ مَن تشبَّعَ بقاعِدةِ بَحثِنا هَذا علِمَ يَقينًا سُقوطَ هَذهِ الأَسئلةِ كلِّها، وأنَّ الجدَلَ فيها قَليلُ الفائدَة، بل عَديمُ العائدَة، وأنَّه لاَ يَسألُ عنها إلاَّ مَن جَهِل طَبيعةَ دَعوةِ الرُّسُل علَيهم الصَّلاةُ والسَّلاَم.

ولأَضربنَّ له مثلَ مُزارِعَيْن أتَيَا أَرضًا لاَ يَنبتُ فيها إلاَّ خَبيثُ الزَّرع، فعمَدَ أَحدُهما إلى ثمَرِه: كلَّما أَينعَ قطَعَه، وعمَدَ الآخرُ إلى الأَرض فاستَصلحَ جُذورَها وتَعاهَدها بالسُّقيَا، فأيُّهم أَحقُّ بالإِصلاَح الزِّراعيِّ؟!

وتأمَّلْ جَوابَه في قَولِه عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار ﴾ [إبراهيم:24-26].

وبعدُ، فآمُلُ أن يَفهمَ الشَّبابُ الدَّاعي إلى الله خاصَّةً سببَ إِحجَام أَهل العِلم الرَّاسخِين عن مُشاركتِهم فيمَا هم فيهِ من تَهييجٍ سِياسيٍّ وهوَسٍ سُلطانيٍّ، أو توجُّهٍ دمويٍّ، وأن يَكفُّوا أَلسنتَهم عَنهم؛ فإنَّهم عن عِلمٍ كَفُّوا، وإلى شَرع الله ورَدُوا وعَنه صدَرُوا، وليسَ كما يَظنُّونَ: جُبنٌ وهلَع! وخوفٌ وطمَع! وحينَ يَتعلَّمُ المرءُ تَنقشعُ غُيومُه، وتَحسنُ ظُنونُه، وتَصْدقُ أَحكامُه.

ومَن أَرادَ اللهُ بهِ خَيرًا استَعملَه في طاعةِ الوَقتِ وجنَّبَه مَا لاَ يَعنِيه، وطاعةُ الوَقتِ اليَومَ تَتمثَّل في الجِهادِ العِلميِّ خاصَّةً؛ لأنَّ اليدَ أَقصرُ عن غَيرِه بسبَبِ ضَعفِ المُسلمِينَ، فخَيرُ مَا يُقدِّمُه المَرءُ اليَومَ لنَفسِه ولأمَّتِه هوَ تَعلُّمُ دِين الله وتَعليمُه غَيرَه، فمَن كانَ من أَهل العِلم وطَلبتِه فَلْيُعلِّم مَن بحَوزتِه في حُدودِ ما يُحسِن، ومَن كانَ دونَ ذلكَ فَلْيَجتهِدْ في رِعايةِ أَهلِه بإِيصالِ العِلم إلَيهم، ولْيُجاهِد بمالِه، وذَلك ببِناءِ المَدارس الشَّرعيَّة وطَبع الكتُب الَّتي يَنصحُه بها أَهلُ العِلم، ونَسخ الأَشرطةِ المسموعة وتَوزيعِها على عُموم المُسلمِين، بل وعلى غَيرِهم، وكلٌّ بحسَبِه، ولاَ يَستصغرنَّ هَذا أَحدٌ؛ فإنَّ اللهَ سمَّاه جِهادًا، وأمَرَ فيه بالجِهادِ الكَبيرِ، فقالَ في القُرآنِ الَّذي هوَ أَصلُ كلِّ جِهادٍ عِلميٍّ: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[الفرقان:52]، وهو أَكبرُ الجِهادَين كما نصَّ علَيه ابنُ القيِّم في «مفتاح دار السَّعادة» (1/70)، واللهُ وليُّ التَّوفيقِ.

(1) أي حسَبَ قُلوبِ أَهلِه.

(2) هَكذا، ولعلَّها: المَوضِع.

(3) من الشَّوب، وهو الخَلطُ، ويُطلقُ على الخَديعةِ كما في «القاموس».
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 Aug 2011, 01:49 AM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي في علم الجرح والتعديل بين المعترض والمقتدي

في علم الجرح والتعديل بين المعترض والمقتدي

الشيخ الدكتور محمد علي فركوس




السؤال:

يحصر البعضُ عِلْمَ الجرحِ والتعديلِ في الروايةِ فقط، ويعدّ طريقَ تجريحِ الدعاةِ غِيبةً محرَّمةً، ويُرجع سببَ كلِّ بلاءٍ وشقاءٍ وشقاقٍ حصل للسلفيّين في وقتِنا الحاليِّ إلى من تولّى الصدارةَ في تجريحِ الدعاةِ السلفيّين، فما رأيُ فضيلتِكم في هذا القولِ وفيمن يطعنُ في أهلِ الجرحِ باللعنِ والسبِّ والتقبيحِ؟ وجزاكم الله خيرًا.


الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فعلمُ الجَرْحِ والتعديلِ يُعَدّ من أهمِّ علومِ الحديثِ وأعظمِها شأنًا وأبعدِها أثرًا، إذ به يتميّز الصحيحُ من الضعيفِ، والمقبولُ من المردودِ، والأصيلُ من الدخيلِ.
والكلامُ في الرُّوَاةِ والشهودِ والدعاةِ ضرورةٌ للكشفِ عن أحوالِهم صيانةً للسنّةِ المطهَّرةِ، وحفظًا للشريعةِ، وتحذيرًا للمسلمين، وتثبيتًا للحقوقِ.
وجرحُ المجروحين من الرُّوَاةِ والشهودِ والدعاةِ من الأسبابِ المبيحةِ للغِيبةِ بإجماعِ المسلمين، بل قد يكون واجبًا للحاجةِ، وقد استُثْنِيَ من أصلِ الغِيبةِ المحرَّمةِ لأنّ غرضَه صحيحٌ وشرعيٌّ، قال ابنُ دقيقٍ العيد -رحمه الله-: «... وكذلك القولُ في جَرْحِ الرُّوَاةِ والشهودِ والأمناءِ على الصدقاتِ والأوقافِ والأيتامِ ونحوِهم، فيجب تجريحُهم عند الحاجةِ ولا يحِلّ السَّتْرُ عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّتِهم، وليس هذا من الغِيبةِ المحرَّمةِ، بل من النصيحةِ الواجبةِ»(1)، وقال الصنعانيُّ -رحمه الله- في مَعْرِضِ ذكرِ مستثنَيَاتِ الغِيبةِ: «الرابع: التحذيرُ للمسلمين من الاغترار: كجَرْحِ الرواةِ والشهودِ، ومَن يتصدّر للتدريسِ والإفتاءِ مع عدمِ الأهليّةِ، ودليلُه قولُه صلّى اللهُ عليه وسلّم: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ»(2)، وقولُه صلّى اللهُ عليه وسلّم: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ»، وذلك أنها «جاءتْ فاطمةُ بنتُ قيسٍ تستأذنه صلّى اللهُ عليه وسلّم وتستشيره، وتذكر أنه خطبها معاويةُ بنُ أبي سفيانَ وخطبها أبو جهمٍ، فقال: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ»(3) الحديث»(4).
والكلامُ في بيانِ أحوالِ المجروحين يُعَدّ وسيلةً لا غايةً في حدِّ ذاتِه، لا يقوم بهذه المهمّةِ إلاّ أهلُ العلمِ المعروفون بالأمانةِ والنزاهةِ والعدلِ في الحكمِ مع الدقّةِ في البحثِ عن أحوالِهم، إلى جانبِ التقوى والورعِ والتجرّدِ من التعصّبِ والهوى والتزامِ الحَيْطةِ والأدبِ في نقدِ الرجالِ؛ حذرًا من انتهاكِ الأعراضِ وتجريحِ الناسِ من غير مسوِّغٍ شرعيٍّ، لذلك اشترط العلماءُ في قَبولِ الجرحِ بيانَ سببِه مفصَّلاً على أرجحِ الأقوالِ، وهو اختيارُ ابنِ الصلاحِ والنوويِّ وغيرِهما(5)، ذلك لأنّ الناسَ قد يختلفون في أسبابِ الجرحِ: فقد يُقبل تجريحُه وقد يُرَدُّ بحسَبِ إدراكِ صحّةِ سببِه أو تفاوُتِ أنواعِه، ولا يُعَوَّلُ على تجريحِ الأئمّةِ العُدولِ في إثباتِ الجرحِ وترتيبِ نتائجِه عليه من غيرِ ذكرٍ لسببِ الجرحِ، وإنما يُعتمد على جرحِهم غيرِ المفسَّرِ في التوقُّفِ في المجروحِ حتى يتبيّن حالُه.
فالعلماءُ من أهلِ الأثرِ وأهلِ النظرِ -الذين قاموا بما أوجب اللهُ عليهم من حمايةِ الدينِ والعقيدةِ والسنّةِ- هم ورثةُ الأنبياءِ وحَمَلَةُ الدينِ، وقد أجمع العلماءُ على هدايتِهم ودرايتِهم، فلا يجوزُ الطعنُ فيهم وتنقُّصُهم حتى ولو حصل خطأٌ في الاجتهادِ لأنهم طلبوا الحقَّ بدليلِه، فعملُهم صوابٌ وإن لم يُوفَّقوا لإصابةِ الحقِّ، إذ الفرقُ قائمٌ بين الصوابِ والإصابةِ(6)، وتقريرًا لهذا الأصلِ من أصولِ أهلِ السنّةِ يقول أبو جعفرٍ الطحاويُّ -رحمه الله-: «وعلماءُ السلفِ من السابقين ومن بعدهم من التابعين -أهلِ الخير والأثر، وأهلِ الفقه والنظر- لا يُذكرون إلا بالجميلِ، ومن ذكرهم بسوءٍ فهو على غيرِ السبيلِ»، قال الشارحُ: «قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115]. فيجب على كلِّ مسلمٍ بعد موالاةِ اللهِ ورسولِه موالاةُ المؤمنين، كما نطق به القرآنُ، خصوصًا الذين هم وَرَثةُ الأنبياءِ، الذين جعلهم اللهُ بمنزلةِ النجومِ، يُهدى بهم في ظلماتِ البرِّ والبحرِ. وقد أجمع المسلمون على هدايتِهم ودرايتِهم، إذ كلُّ أمّةٍ قبل مبعثِ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم علماؤُها شرارُها، إلاّ المسلمين، فإنّ علماءَهم خيارُهم، فإنهم خلفاءُ الرسولِ من أمّتِه، والمُحْيُون لِمَا مات من سنّته، فَبِهم قام الكتابُ وبه قاموا، وبهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وكلُّهم متّفِقون اتّفاقًا يقينًا على وجوبِ اتّباعِ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم، ولكنْ إذا وُجد لواحدٍ منهم قولٌُ قد جاء حديثٌُ صحيحٌ بخلافِه فلا بدَّ له في تركِه من عذر. وجِماعُ الأعذارِ ثلاثةُ أصنافٍ:
أحدُها: عدمُ اعتقادِه أنّ النبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّم قاله.
والثاني: عدمُ اعتقادِه أنه أراد تلك المسألةَ بذلك القولِ.
والثالثُ: اعتقادُه أنّ ذلك الحكمَ منسوخٌ.
فلَهُمُ الفضلُ علينا والمِنّةُ بالسبقِ، وتبليغِ ما أُرسل به الرسولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم إلينا، وإيضاحِ ما كان منه يخفى علينا، فرضِيَ اللهُ عنهم وأرضاهم»(7).
هذا، ولا تنبغي المبادرةُ بالاعتراضِ على علماءِ الأمّةِ الموثوقِ بعلمِهم وأمانتِهم في موضعِ الاجتهادِ، ونقدِهم دون تثبُّتٍ وتبيُّنٍ وتوثُّقٍ، فإنّ الاعتراضَ من أجلِ ذاتِ الاعتراضِ والنقدِ ليس له تفسيرٌ إلاّ إرادةَ الحطِّ من شأنِ العلماءِ، والتقليلِ من قدرِهم، وتهوينِ مناصبهم، وتقصُّدَ المعترِضِ إلى إثباتِ ذاتِه والعلوِّ بنفسِه، ومن رمى مِن وراءِ اعتراضِه إلى الوصولِ لهذه المقاصدِ فهو من أهلِ الاعتراضِ لا من أهلِ الاقتداءِ، قال الشاطبيُّ -رحمه الله-: «إنّ العالمَ المعلومَ بالأمانةِ والصدقِ والجريِ على سُننِ أهلِ الفضلِ والدينِ والورعِ إذا سُئل عن نازلةٍ فأجاب، أو عرضتْ له حالةٌ يبعُدُ العهدُ بمثلِها، أو لا تقعُ من فهمِ السامعِ موقعَها، أنْ لا يُواجَه بالاعتراضِ والنقدِ، فإن عَرَضَ إشكالٌ فالتوقّفُ أَوْلى بالنجاحِ، وأحرى بإدراكِ البُغْيةِ إن شاء اللهُ تعالى»(8).
أمّا إن كان الاعتراضُ صحيحًا مبنيًّا على التوثّقِ والتثبُّتِ وصدقِ النيّةِ وظهورِ الحجّةِ، ومصحوبًا بأدبِ الحوارِ والمناقشةِ، فذلك مطلوبٌ شرعًا للإجماعِ على عدمِ عصمةِ العلماءِ من جهةٍ، وللتعاونِ الأخويِّ المبنيِّ على البرِّ والتقوى والتواصي بالحقِّ من جهةٍ ثانيةٍ، وهو مشمولٌ بقولِه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وقولِه تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ [العصر: 3]، وقولِه تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: 17].
أمّا إذا تحوّل غرضُ المعترِضِ إلى النَّيْلِ من ذاتِ علمِ الجرحِ والتعديلِ والطعنِ في أهلِه والتشاؤمِ منهم لأنهم سببُ الشقاءِ والشِّقاقِ والفُرْقةِ وأنواعِ المصائبِ المنجَرَّةِ عن توظيفِ هذا العلمِ والغلوِّ فيه؛ فإنّ الطاعنَ في حكمِه ودعوتِه متَّبعٌ غيرَ سبيلِ المؤمنين، بل إنّ تشاؤُمَه من جنسِ تطيُّرِ المشركين بالأنبياءِ وأتباعِ الأنبياءِ، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: 131]، ومثل الذين تطيّروا بالنبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد قال اللهُ تعالى عنهم: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: 78].
ولا شكَّ أنّ البغيَ على الخلقِ بَلْهَ خيارهم والاستعلاءَ عليهم -بحقٍّ أو بغيرِ حقٍّ- خُلُقٌ مَمْقوتٌ وذميمٌ لا يعكس المنهجَ التربويَّ السويَّ، وبعيدٌ عن دعوةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ الذين التزموا في طريقِ دعوتِهم التمسّكَ بمعالي الأخلاقِ وكريمِ الآدابِ ونَهَوْا عن سفسافِها: رديئِها وحقيرِها، قال ابنُ تيميّةَ -رحمه الله- موضِّحًا دعوتَهم: «ويدعون إلى مكارمِ الأخلاقِ، ومحاسنِ الأعمالِ، ويعتقدون: معنى قولِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»(9) ... وينهَوْن عن الفخرِ والخُيَلاَءِ والبغيِ، والاستطالةِ على الخلقِ بحقٍّ أو بغيرِ حقٍّ، ويأمرون: بمعالي الأخلاقِ وينهَوْن عن سفسافِها، وكلُّ ما يقولونه أو يفعلونه من هذا أو غيرِه فإنما هم فيه متّبعون للكتابِ والسنّةِ، وطريقتُهم: هي دينُ الإسلامِ الذي بعث اللهُ به محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم»(10).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 10 جمادى الثانية 1432ه
المـوافق ل: 13 مــــاي 2011م



1- «شرح الأربعين النوويّة» لابن دقيق العيد (120).
2- أخرجه البخاري في «الأدب» باب «لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم فاحشًا ولا متفحّشًا» (6032)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه مسلم في «الطلاق» (2/ 686) رقم (1480) وغيره من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وفيه من حديث مسلم: «... فَلَمَّا حَلَلْتُ، ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ، وَلَكِنْ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ»، فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ».
4- «سبل السلام» للصنعاني (2/ 670).
5- «تدريب الراوي» للسيوطي (1/ 361، 394)، «الرفع والتكميل» للكنوي (118- 119).
6- قال الشوكانيُّ -رحمه الله- في «إرشاد الفحول» (2/ 234): «وفرقٌ بين الإصابةِ والصوابِ، فإنّ إصابةَ الحقِّ هي الموافقةُ، بخلافِ الصوابِ فإنه قد يُطْلَق على من أخطأ الحقَّ ولم يُصِبْه، من حيث كونُه قد فعل ما كُلِّفَ به واستحقَّ الأجرَ عليه، وإن لم يكن مصيبًا للحقِّ وموافِقًا له».
7- «شرح العقيدة الطحاويّة» لابن أبي العز الحنفي (2/ 740- 741).
8- «الموافقات» للشاطبي (5/ 400).
9- أخرجه أبو داود في «السنّة» باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (4682)، والترمذي في «الرضاع» باب ما جاء في حقّ المرأة على زوجها (1162) وتمامه عند الترمذي: «وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ»، وأحمد (7402)، وابن حبان (479)، والحاكم في «مستدركه» (1، 2)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصحّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 573) رقم (284)].
10- «العقيدة الواسطيّة» لابن تيميّة بشرح البرّاك (288، 292)
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 Aug 2011, 03:01 AM
مصباح عنانة مصباح عنانة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: أم البواقي
المشاركات: 220
افتراضي

هنيئا لك أخي بالاختيار الموفّق، جعله الله في ميزان حسناتك، وزادك توفيقا.

إلا أنّه لي طلب أرفقه إلى طلبك ليكثر النّفع ويزيده توثيقا

وهو عزو كل فتوى إلى مصدرها، وذكر تاريخها إن كان لها تأريخ

والله الهادي إلى سواء السبيل
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 Aug 2011, 11:45 PM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصباح عنانة مشاهدة المشاركة
هنيئا لك أخي بالاختيار الموفّق، جعله الله في ميزان حسناتك، وزادك توفيقا.

إلا أنّه لي طلب أرفقه إلى طلبك ليكثر النّفع ويزيده توثيقا

وهو عزو كل فتوى إلى مصدرها، وذكر تاريخها إن كان لها تأريخ

والله الهادي إلى سواء السبيل

بارك الله فيك أخي مصباح

أدخلت السرور إلى قلبي بمرورك

والله الموفق لكل خير

أحسن الله إليك وبيض وجهك
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 11 Aug 2011, 01:31 AM
أبو عبد المحسن زهير التلمساني أبو عبد المحسن زهير التلمساني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: تلمسان حرسها الله من الشرك والبدع
المشاركات: 394
افتراضي

بارك الله فيك أخي على هذه الفكرة الطيبة وأسأل الله أن تكون لك دخرا في ميزان حسناتك يوم القيامة
*************************
*********
قول الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله في ( الوهابية )

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لاينفد والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه ومن تعبد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الشيخ - وفقه المولى - في رسالته \" الإصلاح النفسي للفرد أساس استقامته وصلاح أمته \" ( ص 49 – 54 ) :

( أما لفظة \" الوهابية \" فهي من إطلاق خصوم دعوة الحق من أهل الأهواء والبدع يريدون بذلك نبز الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والتنقص من دعوته الإصلاحية إلى تجريد التوحيد من الشركيات ، ونبذ جميع السبل إلا سبيل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وما دعوته - رحمه الله - إلا امتداد لدعوة المتبعين لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من السلف الصالح ومن سار على نهجهم من أهل السنة والجماعة ، التي لا تخرج عن أصولهم ولا على مسلكهم في الدعوة إلى الله بالحجة والبرهان ، قال – تعالى - : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [ يوسف: 108 ] ، وقد كانت دعوته ودعوة أئمة الهدى والدين قائمة على محاربة البدع والتعصب المذهبي والتفرق ، وعلى منع وقوع الفتن بين المذاهب والانتصار لها بالأحاديث الضعيفة والآراء الفاسدة ، وترك ما صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من السنن والآثار ، كما حاربت دعوته تنزيل الإمام المتبوع في أتباعه منزلة النبي - صلى الله عليه وآله و سلم - في أمته ، والإ عراض عن الوحي والاستغناء عنه بأقوال الرجال ، فمثل هذا الالتزام بمذهب واحد اتخذ سبيلا لجعل المذهب دعوة يدعى إليها يوالى ويعادى عليها ، الأمر الذي أدى إلى الخروج عن جماعة المسلمين، وتفريق صفهم ، وتشتيت وحدتهم ، وقد حصل بسبب ذلك تسليط الأعداء عليهم واستحلال بيضتهم ، فأهل السنة والجماعة إنما يدعون إلى التمسك بوصية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المتمثلة في الاعتصام بالكتاب والسنة وما اتفقت عليه الأمة ، فهذه أصول معصومة دون ما سواها ...

إن استصغار أهل السنة والجماعة والتنقص من قدرهم بنبزهم بـ \" الوهابية \" تارة ، وبـ \" علماء البلاط \" تارة ، وبـ \" الحشوية \" تارة ، وبـ \" أصحاب حواشٍ وفروع \" تارة ، وﺑـ \" علماء الحيض والنفاس \" تارة ، وﺑـ \" جهلة فقه الواقع \" تارة ، وﺑـ \" تَلَفِيُّون أتباع ذنب بغلة السلطان \" تارة ، وﺑـ \" العملاء \" تارة ، وﺑـ \" علماء السلاطين \" ، ما هي إلا سنة المبطلين الطاعنين في أهل السنة السلفيين ، ولا تزال سلسلة الفساد متصلة لا تنقطع يجترُّها المرضى بفساد الاعتقاد ، يطلقون عباراتهم الفجة في حق أهل السنة والجماعة ، ويلصقون التهم الكاذبة بأهل الهدى والبصيرة ، لإبعاد الناس عن دعوتهم ، وتنفيرهم عنها وصدهم عما دعوا إليه ، والنظر إليهم بعين الاحتقار والسخط والاستصغار ، وهذا ليس بغريب ولا بعيد على أهل الباطل في التجاسر على العلماء وما يحملونه من علم ودين باللمز والغمز والتنقص ) .

وللشيخ - سدده المولى - كلام متين ضمن كتابه \" مجالس تذكيرية على مسائل منهجية \" ( ص 47 – 52 ) عن منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في العذر بالجهل ، قال فيه ( ص 49 ) :
( حقيقة منهج محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله – في قضية تأثير عارض الجهل على صحة الإسلام وبطلانه هي على منهاج أهل السنة .. )

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المحسن زهير التلمساني ; 11 Aug 2011 الساعة 01:38 AM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 11 Aug 2011, 01:44 AM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي

وفيكم بارك الله

شكرا لمشاركتك أخي
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 11 Aug 2011, 02:14 AM
مصباح عنانة مصباح عنانة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: أم البواقي
المشاركات: 220
افتراضي

اللهمّ آمين، ولك بالمثل اخي.

نصيحة لمبتدئ في الالتزام ( من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله )
السؤال: مبتدئ في الالتزام بالشرع ومحتاج إلى توجيه يمكنه أن ينتهج به في الحياة، فأرجو من شيخنا النصيحة. وشكرا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فكن ممن يقتفي آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتطبيقها على نفسكِ، وابتغ سبيل السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم في جميع أبواب الدين واتَّبع سبيلهم في التوحيد العلمي والطلبي وفي حقوق التوحيد ومكملاته من أمر ونهي وإلزام وترك، واترك سبل الجدال والمراء والخوض فيما يجلب الآثام ويصد عن تعاليم الشرع ويوقع في محاذيره، قال تعالى: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ? [الأنعام: 153]، وقال -أيضا-: ?وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً? [النساء: 115].
والتزم خشية الله بسلوك طريق العلم النافع، وداوم مراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن، فإنَّ من أخلص القصد لله واستعان عليه أثمر علمه ثمرة خاصة به وهي علامة نفعه متجلية في خشية الله تعالى، فإنَّ رأس الحكمة، وأصل العلم مخافة الله تعالى قال عز وجل: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ? [فاطر: 28]، ولتكن عمارة الظاهر والباطن مليئة بخشية الله، فإنَّ من خشيته المسارعة إلى فعل الخيرات والمسابقة لها، قال تعالى: ?فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ? [البقرة: 148]، وقال عز وجل : ?وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ? [آل عمران: 133] قال سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ *? [المؤمنون: 57-61].
ومن أعظم الخيرات المحافظة على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر، متحملا ذل التعلم لعزة العلم، ذليلا للحق بثبات وتثبت في التلقي والطلب مع لزوم المحجة ودوام السكينة والوقار، وحسن السمت والهدي الصالح، فإنَّ من " ثبت نبت".
والتزم الرفق والصبر، فإنَّ الرِّفق ما كان في شيء إلاَّ زانه، والرفق في القول مما تألف به النفوس العاصية، إذ الكلمة الطيبة تثمر في النفوس الزكية، والكلمة الجافية منفرة، أمَّا الصبر فهو طريق الظفر بالمطلوب، إذ النصر مع الصبر وهو السلاح الفعال لقهر العدو الظاهر والخفي، فإن استطاع قهر نفسه وشيطانه وهواه، بأن يحبس نفسه على مرضاة الله وطاعته أشرق صدره بالحق واستنار قلبه به مصداقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم:" والصّبْرُ ضِيَاءٌ"(1).
وختاما، كن على الحق، وقم بواجباتك في فعل الطاعات وترك المنهيات، و لا تُصْغِ لمثبطي العزائم فقد يجعلون من الحبة قبة، ويصيِّرون التمرة جمرة، ويقلبون الشحمة فحمة، ولا لمن يخيفك بعواقب الأمور من ضعفاء الإيمان واليقين، لأنَّ ما قُدِّرَ لك لابد أن يصيبك: ?قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا? [التوبة: 51]، وفي الحديث:" وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(2).
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 6 ربيع الأول 1419هـ
الموافق ل: 20 جوان 1998م
__________
1- أخرجه مسلم في الطهارة (556)، والترمذي في الدعوات (3859)، والنسائي في الزكاة (2449)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (293)، وأحمد (23605)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
2- أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2706)، وأحمد (2857)، والحاكم (6304)، والطبراني في الكبير (11560)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (7957).

التعديل الأخير تم بواسطة مصباح عنانة ; 11 Aug 2011 الساعة 02:33 AM
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 15 Aug 2011, 01:02 AM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي

بارك الله فيك


شكرا لمشاركتك أخي مصباح
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 15 Aug 2011, 01:07 AM
هشام التركي هشام التركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: الجزائر
المشاركات: 53
افتراضي

سئل الإمام العلامة المفسر عبد الحميد بن باديس من هم الوهابيون ؟ ... فأجاب رحمه الله :


( قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة دينية فتبعه عليها قوم فلقبوا بالوهابيين، لم يدع الى مذهب مستقل في الفقه فإن أتباعه النجديين كانوا قبله و لا زالوا الى الآن و بعده حنبليين، يدرسون الفقه في كتب الحنابلة.
و لم يدع لمذهب مستقل في العقائد، فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا الى الآن سنيين سلفيين،
أهل إثبات و تنزيه، يؤمنون بالقدر و يثبتون الكسب و الاختيار، و يصدقون
بالرؤية و يثبتون الشفاعة، و يرضون عن جميع السلف، و لا يكفرون بالكبيرة،
و يثبتون الكرامة.

إنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير
الدين من كل ما أحدثه فيه المحدثون من بدع، في الأقول و الأعمال و
العقائد، و الرجوع بالمسلمين الى الصراط السوي من دينهم القويم بعد
انحرافهم الكثير و زيغهم المبين...

بان بهذا أن الوهابيين ليسوا بمبتدعين لا في الفقه و لا في العقائد و لا فيما دعوا إليه من الإصلاح...)

آثار الإمام عبد الحميد بن باديس رئيس جميعة العلماء المسلمين الجزائريين (المجلد:5 / الصفحة: بإختصار من 32 الى 34)
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013