كلمة حقّ أريد بها باطل

[أبو همام عبد القادر حري]

بسم الله الرحمن الرحيم



كلمة حقّ أريد بها باطل

قال الإمام مسلم -رحمه الله- : حدثني أبو الطاهر، ويونس بن عبد الأعلى، قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرورية لما خرجت، وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل(1)

كلام النّاس لا يخرج عن أحوال اربعة:
1- كلمة حق أريد بها حق: كنصح السلطان في معزل عن النّاس، لحديث: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر(2)، وهؤلاء هم الأنبياء و أتباعهم
2- كلمة حق أريد بها باطل: والمثال تقدّم، وهؤلاء هم أعداء الأنبياء وأتباعم من منافقين ومبتدعة
3- كلمة باطل أريد بها حقّ: كالذين قالوا صبأنا يريدون: أسلمنا، وكمن قال: اللّهم أنت عبدي و أنا ربّك، وهؤلاء غير مؤاخذين بكلامهم، والعبرة بما في قلوبهم
4- كلمة باطل أريد بها باطل: وهم الكفّار وأهل الملل الباطلة، وحالهم ظاهر
فأشرف الأقسام من كان محقّا ظاهرا، وباطنا، لوضوحه، وظهوره، وبيانه، وأخسّها من كان مبطلا باطنا وظاهرا لخفائه وتستّره وخشية الافتتان به.

قرائن تدلّ على القسم الخسيس

أوّلا: ما يتعلّق بالقائل:
أ-أن يكون من أهل البدع: ويدلّ عليه ردّ عليّ ﭬ على الحرورية.
ب-أن يكون كذّابا: والكذب من صفات الشيطان، ولو دلّ على ذكر من القرآن، فهو كذوب للحديث: صدقك وهو كذوب
ج-إذا كان فعله يخالف قوله (3): قال نبيّ الله شعيب: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}[هود: 88]
يقول الإمام ابن القيّم –رحمه الله- ( كتاب الفوائد/ ص:61):
(لماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطاع الطرق)
ثانيا: ما يتعلّق بالقول:
أ- أن يستدلّ بمتشابه القرآن: كما استدلّ الخوارج بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]
ب- الإجمال في القول دون البيان: مع قيام الاحتمال، وتطرق الوهم و حاجة السامع، غلى ما يوضّح الفهم، كمصطلح التعصّب الذي لا يحمد ولا يذمّ على اطلاقه، بل يُحتاج إلى التفصيل، فالتعصب للحق محمود
قال ابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الهروي يقول: عرضتُ على السّيف خمس مرّات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يُقال لي: اسكت عمّن خالفك، فأقول لا أسكت. قال الله تعالى: { وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين} [ لنور: 54]
قال الإمام ابن القيّم –رحمه الله-:
وعليك بالتفصيل والتبيين فالـ..... اجمال والاطلاق دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ.......أذهان و الآراء كلّ زمان
ج-أن يكون القول في تقرير الباطل: المخالف للكتاب والسنّة، قال بعض المعتزلة مقرّرا لعقيدته: (سبحان من تنزّه عن الفحشاء)، فردّ عليه الاسفراييني: (سبحان من لا يقع في ملكه إلاّ ما يشاء)
د- أن يستلّ من كلام أهل العلم ما ينتقصهم به: كما فعل الرافضة مع الصحابة رضي الله عنهم، فحملوا كلام عمر رضي الله عنه: (لو نادى مناد يوم القيامة..) أنّه قال ذلك لأنّه من أهل النّار، وهذا كلام ساقط لا يحتاج إلى ردّ.
فقد كان الألباني –رحمه الله- يقول: (ولست بشيخ إنما الشيخ من يدبّ دبيبا)، وكان يقول كذلك: ( لإنما أنا طويلب علم)، وهو أعلم النّاس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال بعض أهل العلم: (أنا صغير كالصغار)، وهو من العدول الأخيار –نحسبه كذلك والله حسيبه- فيأخذ الرويبضة مثل هذا الكلام ويقول: يا بشراي قد أنطقهم الله، وما أشبه هذا بفعل الشياطين الذيم يسترقون السمع
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفذقنا وجميع المسلمين لإتّباع الحقّ، وأن يرزقنا إيثاره على الخلق، والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل

كتبه: أبو همّام عبد القادر حري
إمام وخطيب مسجد الكوثر

(1)«صحيح مسلم، برقم: 1066»
(2) «صحيح الجامع:1100»
(3) (يطلب كراسي في قصور الحكّام، أو منزلة في قلوب العوامّ، ولا يبتغي بعلمه مرضاة الملك العلاّم)، مستفاد من كلام الشيخ اللحيدان –حفظه الله-