23 Jan 2012, 11:06 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 31
|
|
العلم والتَّراحم بقلم : الشَّيخ الفاضل توفيق عمروني حفظه الله [ مدير مجلة الإصلاح ]
العلم والتَّراحم
بقلم :
الشَّيخ الفاضل توفيق عمروني حفظه الله
مدير مجلة الإصلاح السَّلفية الجزائرية
- صانها الله من كل سوء -
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ العلم بالوحي لا يورِّث إلاَّ خيرًا ، ولا يجنـي من النَّاس إلاَّ نفعًا ، لأنَّه يقود إلى كل فضيلة ، ويحجر عن كلِّ رذيلة ، فما من محلٍّ انتَشر فيه العلمُ إلاَّ ونَعِم أهلُه بالأمن والسَّعادة ، وتوطأت نفوسُهم على ايصال البرِّ والخير والنَّفع إلى كافَّة النَّاس عمومًا ، وللمُؤمنين خصوصًا ، ذلك لأنَّ هذا العلم مقترنٌ بالرَّحمة اقترانًا وثيقًا ، فإنَّه كلَّما اتَّسع علمُ العبد اتَّسعت رحمتُه ، لذا هذا لـمَّا كان الصَّحابة رضي الله عنهم أسعَدَ النَّاس بهذا العلم كانوا أكثرهم تراحـمًا ، قال تعالى : " مُّحَمدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَـآءُ بَيْنَهُمْ " [ الـفتح :29 ] ، ولـمَّا كان الصِّديق رضي الله عنه هو أعلم الأمَّة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم باتِّفاق الأمَّة ، قال فيه صلى الله عليه وسلم : " أَرْحَمُ أُمَّتـي أَبُو بَكْرٍ " وقبله نبيِّنا صلى الله عليه وسلم الَّذي كان أعلم النَّاس بالله وبما جاءه من الوحي قال الله تعالى : " بالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحيمٌ " [ سورة التوبة ] ، وقال عن نفسه صلى الله عليه وسلم : " إنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاة " ، ولـما كان الله جلَّ ذكره قد أحاط بكلِّ شيء علمًا وسعَت رحمتُه كلَّ شيء ، وكان أرحمَ بعباده من الوالدةِ بولدِها ، ولـمَّا كان أهل السُّنَّة والجماعة هُم أعلم النَّاس بالحقِّ كانوا أرحمَ بالخلق.
وقد جرت عادةُ كثير من أهل الحديث والإسناد أن يكونَ قوله صلى الله عليه وسلم : " الرَّاحمون يَرحمهُم الرَّحمن ارحمُوا أهْلَ الأرضِ يرحمكُم أهلُ السَّماء " ، هو أوَّل حديث يسمعهُ الطَّالبُ من شيخِه ، ليـرسخ في قلبه أنَّ العلم يورِّثُ الرَّحمة بالخلقِ وأنَّهما أمران متلازمان لا يفترقان ، فإذا طلبَ العلم ولم يجد هذه الرَّحمة في قلبه ، فأحد أمرين :
إمَّا أنَّه طلب علمًا غير نافع وإمَّا : أنَّه سيِّءُ الطَّويَّة ، لم ينتفع بالعلم ، وفي الحديث : " لا تُنـزع الرَّحمة إلاَّ مِن شقيِّ " وهو حديث حسن .
إنَّ الغلظة والقسوة والشِّدَّة الَّتي طغى ريحها في مجتمعات المسلمين ، ولم يسلم منها حتَّى بعض مَن ينتسبُ إلى العلم ويعدُّ نفسَه من طلابه ، سببُها قلَّة العلم الصَّحيح وانحسار دائرته ، ونُدرة العلماء ، قال الإمام مالك رحمه الله : " ما قلَّت الآثار في قوم إلاَّ ظهَرت فيهم الأهواءُ ، ولا قلَّت العلماءُ إلاَّ ظهر في النَّاس الجفاءُ " [ ذمُّ الكلام وأهله (869) ] ، فلا أحسنَ من لزوم العلم وأهله والتزام أخلاقه وآدابه ، ونشره بين النَّاس ، ليُبدلنا الله بهذه الغلظة رقَّةً ، وبهذه القَسوة رحمةً ، وبهذه الشِّدَّة رأفةً ولينًا.
نسأل الله علما نافعا يجرُّ إلى قلوبنا رحمةً نرحمُ بها جميع الخلق ، فتكون موجبةً وَموصلةً لنا إلى رحمته سبحانه وكرامته ، إنَّه جواد كريم .
المصدر : العدد السابع والعشرون لمجلَّة الإصلاح السَّلفية الجزائرية
- صانها الله من كل سوء -
|