02 Dec 2011, 10:13 AM
|
|
المغنم الوافر من صيد الخاطر....فوائد
المغنم الوافر من صيد الخاطر....فوائد
هذه فوائد سميتها ب"المغنم الوافر " من صيد الخاطر لابن الجوزي نقلتها من الشبكة بتصرف سائلا الله أن ينفع بها.
أبو أسامة سمير الجزائري
بين اليقظة والغفلة
قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة و الغفلة! فتدبرت السبب في ذلك فعرفته.
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظه عند سماع الموعظة و بعدها، لسببين:
أحدهما: أن المواعظ كالسياط، و السياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت و قوعها.
و الثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، قد تخلى بجسمه و فكره عن أسباب الدنيا، و أنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح أن يكون كما كان؟.
و هذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر:
فمنهم من يعزم بلا تردد، و يمضي من غير التفات، فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا، كما قال حنظلة عن نفسه: نافق حنظلة! و منهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً، و يدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً، فهم كالسنبلة تميلها الرياح! و أقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه، كماء دحرجته على صفوان.
.
وقال:
من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، و من ادّعى الصبر، وُ كِلَ إلى نفسهِ.
و رُبَّ نظرة لم تناظِر! و أحق الأشياء بالضبط و القهر: اللسان و العين. فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة، فإن الهوى مكايد.
وقال في جواذب النفس:
و إني تدبرت أحوال أكثر العلماء و المتزهدين فرأيتهم في عقوبات لا يُحسِّون بها و معظمها من قبل طلبهم للرياسة.
فالعالم منهم يغضب إن رُدَّ عليه خطؤه، والواعظ متصنع بوعظه، و المتزهِّد منافق أو مراء. فأول عقوباتهم، إعراضهم عن الحق شغلا بالخلق.
و من خفي عقوباتهم سلب حلاوة المناجاة، و لذة التعبد إلا رجال مؤمنون، و نساء مؤمنات، يحفظ الله بهم الأرض، بواطنهم كظواهرهم، بل أجلى، و سرائرهم كعلانيتهم، بل أحلى، و هممهم عند الثريا، بل أعلى.
إن عرفوا تنكَّروا، و إن رئيت لهم كرامة، أنكروا. فالناس في غفلاتهم، و هم في قطع فلاتهم، تحبهم بقاع الأرض، و تفرح بهم أملاك السماء. نسأل الله عز و جل التوفيق لاتباعهم، و أن يجعلنا من أتباعهم.
وقال في الذنب وعقوبته:
خطرت لي فكرة فيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة، و البلايا العظيمة، التي تتناهى إلى نهاية الصعوبة فقلت: سبحان الله! إن الله أكرم الأكرمين، و الكرم يوجب المسامحة.
فما وجه هذه المعاقبة؟
فتفكرت، فرأيت كثيراً من الناس في وجودهم كالعدم، لا يتصفحون أدلة الوحدانية، و لا ينظرون في أوامر الله تعالى و نواهيه، بل يجرون ـ على عاداتهم ـ كالبهائم.
فإن وافق الشرع مرادهم و إلا فمعولهم على أغراضهم. و بعد حصول الدينار، لا يبالون، أمن حلال كان أم من حرام. و إن سهلت عليهم الصلاة فعلوها، و إن لم تسهل تركوها.
التحاسد بين العلماء
تأملت التحاسد بين العلماء، فرأيت منشأه من حب الدنيا، فإن علماء الآخرة يتوادون و لا يتحاسدون، كما قال عز و جل: و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا.
و قال الله تعالى: والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.
و الأمر الفارق بين الفئتين: أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها، و يحبون كثرة الجمع و الثناء. و علماء الآخرة، بمعزل من إيثار ذلك، و قد كانوا يتخوفونه، و يرحمون من بلي به.
و كان النخعي، لا يستند إلى سارية. و قال علقمة: أكره أن يوطأ عقبي. و كان بعضهم، إذا جلس إليه أكثر من أربعة، قام عنهم. و كانوا يتدافعون الفتوى، و يحبون الخمول.
وقال:
من أحب تصفية الأحوال فليجتهد في تصفية الأعمال، قال الله تعالى (وأنْ لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءًا غدقًا).
وقال أبو سليمان الداراني: من صفَّى صُفِّيَ له ومن كدَّرَ كُدِّرَ عليه.
وكان الفضيل بن عياض يقول: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي.
واعلم وفقك الله:
أنه لا يُحَسُّ بضربة مبنَّج، وإنما يعرف الزيادة من النقصان المحاسب لنفسه.
ومتى رأيت تكديرًا في حال فاذكر نعمةً ما شُكرتْ، أو زلة قد فُعلتْ، واحذر من نفار النعم، ومفاجأة النقم، ولا تغتبط بسعة بساط الحلم، فربما عجل انقباضه.
يتبع...
|