منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23 Feb 2011, 11:59 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي من منافع غض البصر

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:

فهذه بعض منافع غض البصر ذكرها الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الداء والدواء وأتبعتها ببعض الأبيات التي قيلت في النظر.

قال -رحمه الله تعالى-:

وفي غض البصر عدة منافع:

أحدها:أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، فليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سَعِدَ من سَعِدَ في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقيَ من شقيَ في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.

الثانية:أنه يمنع من وصول أثر السّهم المسموم-الذي لعل فيه هلاكه-إلى قلبه.

الثالثة:أنه يورّث القلب أُنسا بالله وجمعيّته عليه، فإنّ إطلاق البصر يفرِّق القلب ويشتِّتُه، ويبعده عن الله، وليس على القلب شيء أضرَّ من إطلاق البصر، فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.

الرابعة:أنه يقوّي القلب ويفرحه، كما أنّ إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.

الخامسة:أنه يكسب القلب نورا، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر الله سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)النور30 ثم قال إثر ذلك:(الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)النور35 أي:مثلُ نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه.
وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشرّ عليه من كل مكان، فما شئت من بدع وضلالة، واتباع هوى، واجتناب هدى، وإعراض عن أسباب السعادة، واشتغال بأسباب الشقاوة، فإنّ ذلك إنما يكشفه له النّور الذي في القلب،فإذا فُقِدَ ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادسِ الظلمات.

السادسة:أنه يورّث فراسة صادقة يميّز بها بين الحق والباطل، والصادق والكاذب.
وكان ابن شجاع الكرمانيّ يقول: من عَمَّر ظاهره باتّباع السُّنة وباطنه بدوام المراقبة، وغضَّ بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشبهات، واغتذى بالحلال، لم تخطئ له فراسة.
وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة.
والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، و(مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عَوَّضَهُ الله خَيْراً مِنْهُ)،فإذا غضّ بصره عن محارم الله عوّضه الله بأن يطلق نور بصيرته عِوَضا عن حبس بصره لله، ويفتح عليه باب العلم والإيمان، والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب.
وضدّ هذا ما وصف الله به اللّوطية من العمه الذي هو ضدّ البصيرة فقال تعالى:(لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون) الحجر72، فوصفهم بالسَّكْرة التي هي فساد العقل، والعَمَه الذي هو فساد البصيرة.
فالتعلّق باصّور يوجب فساد العقل، وعَمَهَ البصيرة، وسُكْرَ القلب، كما قال القائل:
سُكْرَان سُكْرُ هَوىً وسُكر مُدَامَة***ومتى إفَاقة من به سُكْرَان

وقال الآخر:
قالوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوى فَقُلتُ لهم***العِشقُ أعظمُ مِمَّا بالمجانين
العِشقُ لا يَستفيقُ الدَّهرَ صاحبه***وإنَّما يُصرعُ المجنون في الحِين

السابعة:أنه يورّث القلب ثباتا وشجاعة وقوة، فجمع الله له بين سلطان النصرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، كما في الأثر:الذي يُخالِفُ هَواهُ يَفرَقُ الشَّيطانُ مِنْ ظِلِّه.
وضدّ هذا تجد في المتّبع لهواه-من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخسّتها وحقارتها- ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه.
كما قال الحسن:إِنَّهُم وإنْ طَقْطَقْت بهم البِغَالُ وهَمْلَجَتْ بهم البَراذِين، إنَّ ذُل المعصيةِ في رِقابِهم، أبَى الله إلا أنْ يُذِل من عَصاه.
وقد جعل اله سبحانه العزَّ قرين طاعته، والذل قرين معصيته، فقال تعالى:(ولله العِزَّةُ ولرسُولِهِ وللمُؤْمِنينَ) المنافقون8
وقال تعالى:(ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأنتُمُ الأعْلَونَ إن كُنْتُم مُؤمِنينَ) آل عمران139.
والإيمان قول وعمل، ظاهر وباطن، قال تعالى:(مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فلله العِزَّةُ جميعاً إليهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ) فاطر10 أي: من كان يريد العزّة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح.
وفي دعاء القنوت:(إنَّه لا يَذلّ من واليتَ، ولا يَعزُّ من عاديتَ)، ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه، وله من العزّ بحسب طاعته،ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه، وله من الذل بحسب معصيته.

الثامنة:أنه يسُدّ على الشيطان مدخله إلى القلب، فإنه يدخل من النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي، فيمثّل له صورة المنظور إليه ويزيّنها، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنّيه ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصّل إليها بدون تلك الصّورة، فيصير القلب في الللهيب.
فمن ذلك اللهيب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهْج النّار، وتلك الزَّفرات والحَرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب، فهو في وسطها كالشلة في وسط التَّنُّور، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات للصور المحرمة: أن جُعِلَ في البرزخ تنُّور من نار، وأودعت أرواحهم فيه إلى يوم حشر أجسادهم، كما أراه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في المنام في الحديث المتفق على صحته.

التاسعة:أنه يفرّغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر ينسيه ذلك ويحول بينه وبينه،فينفرط عليه أمره، ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه، قال تعالى:(وَلا تُطِعْ مَنْ أغفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) الكهف28.
وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه.

العاشرة:أن بين العين والقلب منفذا وطريقا يوجب انفصال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب.
وكذلك في جانب الصلاح، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه، والأنس به والسرور بقربه فيه،وإنما يسكن فيه أضداد ذلك.اهـ

وهذا بعض ما قيل من الشّعر في النظر:
كُلُ الحوادِث مبداها من النّظر***ومُعْظَم النّار مِنْ مُستصغَرِ الشَّرَرِ
كَمْ نَظرةً بلغتْ مِنْ قلبِ صاحبها***كمبلغِ السّهمِ بين القوس والوَترِ
والعبدُ ما دام ذا طَرَفٍ يقلِّبُه***في أعيُنِ الغير موقوفٌ على الخَطَرِ
يَسُرُّ مُقلَتَهُ ما ضَرَّ مُهْجَتَهُ***لا مرحباٌ بسرورٍ عاد بالضَّررِ


وقال آخر:
وكنتَ متى أرسلتَ طرفَكَ رائداً***لِقَلبِكَ يوماً أَتعبَتْكَ المناظِرُ
رأيتَ الذي لا كلَّه أنتَ قادرٌ***عليهِ ولا عَنْ بعضِهِ أنتَ صابرُ


وقيل:
يا ناظراً ما أقْلَعَتْ لَحَظَاتُه***حتى تشحَّط بينهنَّ قتيلاً


وقال الإمام ابن القيم:
ملَّ السَّلامةَ فاغتَدَتْ لَحَظاتُه***وقفاً على طَلَلٍ يُظنُّ جميلاً
ما زال يَتْبعُ إثرَهُ لَحَظَاتِه***حتى تشحَّط بينهنَّ قتيلاً


وقال أيضا:
يا رامياً بسهامِ اللَّحْظِ مجتهداً***أنتَ القتيلُ بما ترمي فَلا تُصِبِ
وباعِثَ الطَّرف يرتادُ الشِّفاءَ لهُ***احبِسْ رسولَكَ لا يأتيكَ بالعَطَبِ

وقال أيضا:
ما زلتَ تَتْبَعُ نظرةً في نظرةٍ***في إِثْرِ كلِّ مليحةٍ ومليحِ
وتظُنُّ دواءَ جُرحكَ وهْوَ في ال***تحقيقِ تجريحٌ على تجريحِ
فذبحتَ طرفكَ باللِّحَاظِ وبالبُكَا***فالقلْبُ مِنْكَ ذبيحٌ أيُّ ذبيحِ

وقال القحطاني في نونيته:
إنَّ الرِّجالَ النَّاظرين إلى النِّسا***مِثلُ الكلابِ تطوفُ باللُّحمانِ
إنْ لم تَصُنْ تلكَ اللحومَ أُسودُها***أُكلتْ بلا عِوضٍ ولا أَثمانِ
لا تَقبلنَّ منَ النِّساءِ مودةً***فَقُلوبُهُنَّ سريعةُ المَيلانِ
لا تتركنْ أحداً بأهلكَ خالياً***فعلى النِّساءِ تقاتلَ الأخَوانِ
واغضُضْ جُفونَكَ عن مُلاحَظَةِ النِّسا***ومحاسِنِ الأحداثِ والصِّبيانِ

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 24 Feb 2011 الساعة 12:09 AM
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013