منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 25 Jan 2019, 07:52 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي التّوجيه التّربوي السّليم للطّفل.











التّوجيه التّربوي السّليم للطّفل.

(في رأيي).

قيل في فنّ التّربية حكايات وروايات. ومن بين المقالات هذه الرّسالة التّوجيهيّة (منقولة بأمانة) :

جلست امرأتان في إحدى الحدائق العامّة ومع كل امرأة ولد. وكان هناك عامل نظافة يكنس الحديقة. قالت إحداهما لولدها: "إذا فشلت في دراستك فسوف يكون مصيرك مثل ذلك الرجل الذي يكنس القمامة". أمّا الأخرى فقالت لولدها: "إذا تفوقت في دراستك فسيكون بإمكانك أن تساعد هذا العامل ليحيا حياة أفضل".

فعلّق صاحب الرواية بملاحظات يراها تقوّم السّلوكات، فقال: اتّفقت غايتهما وهي تحفيز ابنيهما للإجتهاد في الدراسة. ولكن اختلف الأسلوب. الأولى استخدمت عبارة سلبية: "فشلت في دراستك" واحتقرت عامل النظافة. أمّا الثانية فاستخدمت عبارة إيجابية: "تفوّقت في دراستك"، وحثّت ابنها أن يكون رحيمًا بغيره ويفكّر في تحسين أحوالهم.

ثمّ أرسل المعلّق تحذيرا للآباء والأمّهات قائلاً: انتبهوا لرسائلكم التي توجّهونها لأبنائكم. فهي تصنع وتشكّل شخصياتهم وأخلاقهم وتوجّهاتهم . (انتهـت الرسالة هنا).





فقمتُ بالردّ على هذه الرّسالة التّوجيهيّة، وبالله التّوفيق للحقّ والصّواب، قائلةً:

في رأيي أنّ التّوجيه التّربوي السّليم للطّفل يدور بين التّرغيب والتّرهيب، الّذي هو الأسلوب القرآني في توجيه الناس إلى الطّريق المستقيم.(1)
وهذا مايعتمده علماء السّلوك والتّربويّون في تقويم سلوكات الأطفال.(2)

فـالتّرغيب يحفّز الطّفل على العطاء والبذل والمثابرة في العمل الإيجابي. أمّا التّرهيب فقد يكون منبّهًا يمنعه من سلوك طُرُق الفشل والتّفكير في كلّ ما هو سلبي حين يتكاسل عن العمل ويقلّل من اهتمامه بما يجعله يسمو بنفسه عن كلّ ما يسبّب له احتقار غيره. والأطفال شخصيات وطِباع وتوجّهات. فقد يكون الطّفل ممّن يحتاج إلى التحفيز والتّشجيع بكلام وهدايا تزيد وترفع من معنوياته. وقد يكون من النّوع الذي يصلح له الرّدع والزّجر. والعقوبة المعنوية والمادية تكون أكبر علاج وأحسن لتقويمه.



وعلى هذا، فأنا مع كلّ موقف من هاته المواقف التي مرّت عند الأم الأولى والثانية.

فـالأولى كانت التّوعية بالتّخويف عساها تجد ابنها يخشى الرّسوب فتلحقه تلك الخسارة، لأنّ عامل النّظافة وإن رأيناه بعين -الإحترام- لأنّه يخدمنا إلاّ أنّه في -قرارات نفسه- يحلم أن: (لَوْ) كانت عنده -شهادات عليا- لكانت مكانته أرفع وأكبر في أعين المحتقرين له. والكلّ يعلم هذا الشّعور الّذي ينتابه في -خفاء- لايدري به إلاّ الله. ونحن نعيش واقعًا لايرحم. وكلّ شخص يتعامل مع غيره على حسب ثقافته ومدى حصوله على أخلاقيات إمّا تبني مجتمعات أو تهدّمها.

والأمّ الأخرى قامت بتوجيه ابنها بطريقة النّظر إلى عامل النظافة بعين الرحمة والشفقة، وهي نفس الملاحظة التي نبّهت الأولى ابنها إلاّ أنّ أسلوبها كان أكثر احترامًا لذلك العامل رغم أنّها تنظر إليه بـنفس المستوى الّذي خشيت الأولى أن يصير إليه ابنها. إذ الأولى لم يكن همّها سوى تخويف ابنها من مستقبل مثل هذا ، إذا لم يدرس جيّدا. أمّا الثانية فتنبيهه إلى الشّفقة بالعامل وإن كان بـأسلوب أخلاقي رفيع إلاّ أنّه يثبت دُونِيَّة ذلك العمل، شعرت بهذا أم لم تشعر، وبتنبيه غير مباشر تُعْلِم ابنها أنّ ذلك العامل يعيش حياة مُزرية. وعليه إذا كبر طفلها ودرس جيّدا فهي تشجّعه أن يساعد مثل هؤلاء الّذين يراهم الناس بعين -الفقر و-الإحتياج و-الدُّونِيَّة.

وعلى هذا، فإنّ الرّسالة التي توجّهها الأمّ المربيّة لابنها، من الفلاح والسؤدد الّذي تصبو إليه في مستقبله، أن تجمع بين ترغيبه في الدّراسة بشتّى أنواع التّحفيزات المعنويّة والماديّة الّتي تتحفّظ فيها أن تكون تحفيزات تخرجه عن الوسطيّة في التّفكير في مطالبه الدنيويّة الّتي تسعى من خلال الإعتدال في التّوجيه أن ترشده إلى أسمى مَعَانِي وقِيَمِ العلم النّافع، الّذي يكون محتويًا على منافع دنيويّة، تنطلق به إلى مقاصد شرعيّة، يبني بها مجتمعه ويكون بإذن الله سندًا صالحًا لأهله ولِمَنْ حوله من أبناء وطنه.

وفي مقابل ذلك، إذا رأت منه تهاونًا أو تكاسلاً في آداء الواجبات، أن تسلك معه أسلوب التّرهيب والتّخويف والتّحذير من مغبّة الوقوع في محاذير السّقوط الّتي لاتخطر بباله كـطفل، تفكيره لايزال في طور النموّ، يحمل كلّ معاني البراءة والسّذاجة في تسيير حياته، وطموحاته وآماله المفتقرة إلى نُضْجٍ ووَعْيٍ في إدراك معالي الأمور، وتوجيهها الوجهة الصّحيحة السّليمة، خاصّة إذا كانت الأمّ تحمل ثقافة عالية تؤهّلها لأن تلعب الدور التّربوي الرّشيد والسّليم.

والثّقافة لاتعني شهادة علمية وإنّما هي أفكار تختطفها، وعلوم تتصيّدها من كلّ كتاب مهمّ شرعي أو علمي تتخيّره من مكتبات أو إرشادات أولي الألباب -أصحاب العلم والمعرفة- الّذين لاتجد طريقهم ولايمكن أن تلتقي بهم إلاّ إذا سألت الله أن يوفّقها للعلم النّافع والعمل الصّالح وأن يرزقها الإخلاص في ذلك.

وعلى هذا، فإنّ توجيه الطفل إلى الطّريق الصّحيح والسّليم في حياته، يشترط أُمًّا تحمل كلّ معاني إيجابيّة التّفكير الرّشيد.

والأم الرّاشدة لايعني أنّها متعلّمة، فكم من أُمٍّ لم تدخل المدرسة، ربّت جيلاً يصلح لزعامة وقيادة مجتمعات يسير بها إلى صلاحٍ وسؤدد ورفعة. حيث تحمل تلك الأمّ في بُنْيَتِها التّفكيرية بفضل الله ونعمته، كلّ أخلاقيات الرقيّ والعلوّ والثّبات على قِيَمٍ تنسج ازدهارًا يرمّم تصدّعات البناء الفاشل لأمّة تبني مَبَادِئَهَا على اللّهو والعبث والماديّة الآيلة إلى السّقوط والإنحلال والدّمار.

وعلى هذا قال شاعر النيل حافظ إبراهيم :

الأمّ مدرسة إذا أعددتها**أعددت شعبًا طيّب الأعراقِ

الأمُّ روضٌ إن تعهّده الحيا**بِالرَيٍّ أورق أيّما إيــراقِ

الأمّ أستاذ الأساتذة الألى**شغلت مآثرهم مدى الآفاقِ







أسأل الله أن يوفّقنا لمرضاته وأن يجعلنا هداة مهتدين على صراط مستقيم

وسبحانك اللّهمّ وبحمدك أشهد أن لاإله إلاّ أنتَ أستغفرك وأتوب إليك


بقلم: أم وحيد بهية صابرين

الإثنين 2 جمادى الأولى 1438 هـ الموافق لـ 30 يناير 2017 م


--------------------------------------------------

(1) فـالقرآن هو كلام الله الّذي هو الدّستور الإلهي الّذي لايتبدّل ولايتغيّر. والله خالق الإنسان وأعماله، وهو يعلم ما يصلحه ويرشده إلى أنجع السُّبُل الّتي يعيش بها سعادة لاتكدّرها شقاوة تفسد العبد لذّة البقاء في حياة لامعنى لها دون أن تكون لها غاية تتحدّد في تحقيق مبادىء تسمو به إلى أعلى مراتب الإنسانيّة.


(2) وإن كان علماء السّلوك التّربويّون يجتمعون مع شريعة الإسلام في التّوجيه بين التّرغيب والتّرهيب، إلاّ أنّهم يعتمدون في تقويمهم للطّفل على دراسات علميّة، قد لاتخدم الطّفولة المسلمة الّتي تحتاج إلى نضج عاطفي وعقلي سليم، إذ يخضع إلى تعاليم وآداب عالية مستمدّة من كتاب الله والسُنّة النّبويّة.

وهذه الدّراسات العلميّة، للأسف، قابلة للتّغيّر، وتطرأ عليها تحديثات، بحسب الأزمنة والأمكنة الّتي يمكن أن تكون البيئة المؤثّرة على سلوكات النّاس الّتي تعيش في بقاع مختلفة التّوجّهات والقناعات وفي عصور تتغيّر من عصر إلى آخر.






تنبه مهمّ:

رقم (1) و(2) على الهامش. نقاط قد تمّ التّطرّق إليها اليوم بتعديل مقالي القديم، وذلك لتوضيح ما أردتُ قوله عن اعتماد علماء السلوك في تقويم سلوك الطفل على أسلوب، كان موجودًا أصلاً في الإسلام. ومعنى ذلك أنّ منهجهم في التربية لم يكن جديدًا على المسلمين. والله سبحانه وضع لعباده نظامًا شاملاً يصلح لكلّ زمان ومكان، ولكلّ الأعمار التي تمرّ بها الإنسانيّة. والله الوكيل والهادي إلى سواء السّبيل.

أم وحيد بهية صابرين.

الجمعة 19 جمادى الأولى 1440 هـ الموافق لـ 25 يناير 2019 م


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013