هذه قصيدة قلتها معزّيا ومسلّيا لصاحبنا الدكتور الفقيه عبد المجيد جمعة في مصابه بأصغر أولاده عبد الرحيم الأغر، وهي قصيدة قلتها في مقام التعزية وإنا لله وإنا إليه راجعون:
ألا سَلِّ عنكَ الهَمَّ سلوةَ عـازمِ -- لدى المؤلماتِ الموجعات الصَّوارِمِ
فإنَّكَ مِن قومٍ تسَـامَوْا بعَزمِهمْ -- وإنَّ البَــلاَ يـأتي بقَدْرِ العزَائمِ
وللدَّهرِ طوْرًا في الأنامِ حـلاوَةٌ -- وطورًا له فيهم مَذاقُ العَـلاقِمِ[1]
فلا يأمنُ الأيامَ إلا مُغَمـَّرٌ[2] -- جَهُولٌ بأَنَّ البَيـدَ أرضُ الأراقِمِ[3]
ولكنَّ أهلَ العلمِ والعزمِ والنهى -- بصائِرُهُم نورٌ لــدَى كلِّ عاتِمِ[4]
إليـك أيَا عبدَ المجيدِ قصيـدَتِي -- وما كنتُ قبلاً في العزاءِ بنَــاظِمِ
ولكنَّنِـي لمـَّـا أتَيتُ عشيَّـةً -- أعزِّيكَ في حِبٍّ جَمِيلِ المَــبَاسِمِ
رأيتُ مُحَيَّاكَ الـكَرِيمَ مُحَزَّنًـا -- يبــوحُ بِوُجْدٍ مِن صَبُورٍ مُكَاتِمِِ
فهاجَ عَليَّ الحُزنُ من كـلِّ جَانِبٍ -- فكـانَ لَهُ بَثٌّ بهَـاذِي المَرَاقِمِ
فإنْ تَكُ محزُونَ الفُـؤَادِ مـؤَرَّقًا -- بلَيلٍٍ طَويلٍ لســـتَ فيهِ بنَائِمِ
تُناجِي بهِ الأطْيَافَ والقَلبُ والِهٌ -- وعيناكَ تَهْمِي بالدُّمُوعِ السَّـوَاجِمِ
فإنَّكَ "بالقَطَّارِ"[5] أَغْرَسْتَ غرسَةً -- تنالُ جنَاهَا في جِنَانِ المكارِمِ[6]
وللنَّاسِ في خيرِ البَرِيَّـةِ أُسـوَةٌ -- إذَا مَا بَدا يَـومٌ غَيرُ بَـــاسِمِ
فقَد مَــاتَ إبراهيمُ حِبُّ محمَّدٍ -- فَـلاَقَى بِه حزنًا نَبِيُّ المَرَاحـمِ
فسَلَّمَ للرَّحمَــانِ في أمرِ حُكمِهِ -- وأَرضَى بِقَولِ الحقِّ ربِّ العَـوَالِمِ
ومَا تصنَــعُ الأيَّام في قلبِ مؤمِنٍ-- يرَى مِحنَـةَ الأَيَّامَ مِنْـحَةَ غَانِمِ
وإنَّكَ إِذْ تُبْلَى الرِّجَالَُ لعَــالِمٌ -- بَصِيـرٌ بِصَرفِ الدَّهرِ عَـالي الشَّكَائِمِ
فقيـهٌ لَبِيـبٌ في دَمَاثَةِ ماجدٍ -- لَهُ قَد سَمَـــا بيتٌ عزيزُ الدَّعَائِمِ
وقُلْ لِلَّتِي بَاتَتْ تُبَـكِّي[7] وليدَهَا -- وفي قَلبِها مِن مَوتِه حَرُّ جَاحِمِ[8]
تراجِعُ أمرًا قدَّرَ اللهُ فِعلَــهُ -- وقدْ زَادَهَا حُزْنًا مَلاَمَةُ لاَئِـــــمِ
ألاَ هَوِّنِي عَنكِ المُصَابَ بِحِسْبَــةٍ -- تَرَيْنَ لَهَا فَضْلاً لِرَبِّ المَكَــارِمِ
فَكَم مَرأَةٍ مَاتَ الوَلِيدُ بحِضْنِــهَا -- ولم يَكُ مِنهَا الحِضنُ يَومًا بِعَاصِـمِ
وكم مَرأَةٍ جَدَّت بربطِ وَليدِهـا -- فمَا صدَّ عَنهُ الموتَ ربطُ المَحَـازِمِ
فصَبرٌ جَميلٌ ذُخركم آلَ جُمعَــةٍ -- وإنَّ جَميلَ الصَّبرِ حِلْيُ الأَكَـارِمِ
سَقَى اللهُ يا عبدَ الرَّحيمِ لَكَ الثَّـرَى -- وفاضَ علَيكَ الرُّحْمُ فَيضَ الغَمَائِـمِ.
كبته الشيخ الأديب محمد بوسلامة.
نسخه من مجلة الإصلاح العدد 17:
أبو عبد البصير حاتم.
-----------------
[1]العلاقم: جمع علقم: الحنضل، طعمه مرّ.
[2]من لم يجرّب الأمور.
[3]الأراقم: جمع أرقم من أخبث الحيات.
[4]العاتم: الليل.
[5]اسم مقبرة بالجزائر العاصمة.
[6]هذا من باب الدعاء ورجاء الخير.{التحرير}
[7]تُبَكِّي: تبكي عليه.
[8]الجاحم: الجمر الملتهب.