منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 11 Aug 2016, 11:49 AM
أبو صهيب منير الجزائري أبو صهيب منير الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 208
افتراضي من أنواع التّشريع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
اجتهاد النّبي صلى الله عليه وسلم.
الحمد الله والصلاة والسلام على محمد أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى أله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد:
كثير منا يطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال كتب السنة أو كتب السيرة الخاصة بهذا الفن، ولكن القلة مناّ من يطلع على جانب مهم من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو جانب التّشريع، الذي درسه العلماء في تاريخ التّشريع، وكم من مسألة مهمة مبثوثة في هذا الجانب، ومن بين المسائل والمحاور المهمة التّي تتعلق بمميزات هذه الفترة المباركة هي مسألة: اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعتبر مصدر من مصادر التّشريع في هذا العصر بعد التصويب من الوحي، ومع هذا فإن هذه المسألة مختلف فيها بين العلماء حول هل اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في ما لا نص فيه، جائز أم لا؟ وهل وقع منه الاجتهاد أم لا؟ سأذكر أهم ماذكر في هذه المسألة وأذكر الأدلة إجمالا في مسألة واحدة هي هل يجوز تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد وأما مسألة وقوع الاجتهاد لا أذكرها باعتبار من بين أدلة القائلين بالجواز استدلالهم بوقائع اجتهادية من النبي صلى الله عليه وسلم بلا تطويل قدر المستطاع، مع ذكر مناقشة استدلال أصحاب الشأن وجوابهم مع خلاصة للمسألة.
الفقرة الأولى: مذاهب العلماء في المسألة: (1)
اختلف العلماء على قولين مشهورين في المسألة :
المذهب الأول: أنه يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جمهور العلماء: وهو قول أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّار وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وهو مذهب الآمدي. وبالتالي قول الشافعي ومن تبعه فيه عدم القطع وكأنه توقف في المسألة.
والمذهب الثّاني: لا يجوز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيّ وَابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبَّدًا بِهِ وهو مذهب الظاهرية.
و فيه مذهب الثّالث: قالوا جائز في الحروب دون الأحكام الشّرعية. وهذا القول قيل هو مجمع عليه أي هذا خارج محل النزاع.

الفقرة الثانية: أدلة كل فريق.
أذكر في هذه الفقرة أهم الأدلة لكل فريق.
أولا: أدلة الجمهور، القائلون بجواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم (2): من أدلتهم:
1_ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: 83]
وجه الاستدلال: النص عام في رد الاستنباط إلى المجتهدين ويشمل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
2_ قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]
وجه الاستدلال: النبي صلى الله عليه وسلم من أولي الأبصار بل هو أجلهم صلى الله عليه وسلم وهو أعظم المتفكرين.
3_ قَالَ تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]
وجه الاستدلال: دلت هذه الآية أن النبي سليمان وداود حكما عن طريق الاجتهاد لا بنص، فلو كان عن طريق النّص لما خص سليمان عليه السلام بالفهم.
4_ قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]
وجه الاستدلال: دليل على أن المشاورة لا تكون في ما فيه نص بل ما فيه الاجتهاد ليرى صلى الله عليه وسلم قرب رأيه من اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم.
5_ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}( الأنفال:3)
وجه الاستدلال: هذه الآية فيها تخطئة من الله عزوجل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يقتل أسرى بدر وأخذ بالفداء، فلو كان هناك نص لما كانت المعاتبة من الله.
6_ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء:]
وجه الاستدلال: يعم ما أراه الله عزوجل من الحكم بالنص والاستدلال والاستنباط.
وكذلك من الأدلة التّي فيها التّصريح بأخذ النبي بالرأي والاجتهاد في أمور الحرب وغيرها من مسائل الشرع ومن ذلك من السنة:
7_ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجرةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يحِلَّ القتالُ فيهِ لأحدٍ قبْلي وَلم يحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ؟ فَقَالَ: «إِلَّا الْإِذْخِرَ»(3)
وجه الاستدلال: النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتظر الوحي بل أجاب مباشرة بعد استثناء ابن عباس ما فيه مصلحة وهذا اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم.
8_ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ» (4)
وجه الاستدلال: الْحق رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَج فِي حق المرأة بالحقوق الْمَالِيَّة وَهَذَا إعمال للْقيَاس.
وأما من الرأي:
قالوا: من أعظم درجات العلم الاستنباط، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحرم من هذه الدرجة.
وكذلك النبي صلى الله عيه وسلم أسلم نظرا وأصوب قولا من غيره.
ثانيا: أدلة القائلين بعدم جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم (5)
من أدلتهم ما يلي:
1_ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4]
وجه الاستدلال: دليل على كل ما ينطق به الأنبياء هو وحي ولا يحتاجون للاجتهاد في أمور الشرع.
وقالوا هذا دليل على أن الأنبياء قادرون على النص عن طريق الوحي فلا يحتاجون للاجتهاد فإذا فعلوا تركوا اليقين وأخذوا بالظن.
2_ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحُمُرِ، فَقَالَ: " لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] " (6)
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتهد في المسألة وربطها بالوحي لا باجتهاده صلى الله عليه وسلم.
3_ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , رَجُلٌ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ خَالَتَهُ , وَعَمَّتَهُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ» يُرَدِّدُهُمَا , كَذَلِكَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِيهِمَا , فَلَمْ يَأْتِهِ فِيهِمَا شَيْءٌ " فَعَاوَدَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَأْتِهِ فِيهِمَا شَيْءٌ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَأْتِنِي فِيهِمَا شَيْءٌ» (7)
وجه الاستدلال: وهذا من الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه الاجتهاد ولا وقع منه لانتظاره للوحي في مسألة الرجل فلم يجيبه باجتهاده حتى مع عدم نزول الوحي في ذلك.
وفي هذا يقول ابن حزم: "فلو أنه صلى الله عليه وسلم شرع شيئا لم يوح إليه به لكان مبدلا للدين من تلقاء نفسه.." (8)
4_ وقالوا: أنه لو وقع الاجتهاد من النبي - صلى الله عليه وسلم - للزم من ذلك اختلاف اجتهاداته - كعادة المجتهدين - ولو اختلفت اجتهادات النبي - صلى الله عليه وسلم - لاختلفت أحكامه التي يصدرها فيتهم بسبب ذلك بتغير رأيه، وبوضع الشريعة، لكنه لم تتغير أحكامه، ولم يتهم بذلك، فينتج أنه لم يقع منه الاجتهاد.
الفقرة الثّالثة: مناقشة أدلة الفريقين مع الخلاصة.(9)
أولا:مناقشة أدلة الجمهور.
1_ أية المعاتبة في أسرى بدر : قالوا هذا في أمور الجهاد ولا ضير إذ فعل ما أجيز له مع بيان الوحي له الصواب في المسألة.
وقالوا العتاب لعله كان في طائفة من الصحابة الذين عينوا الفداء في جماعة مع أن التنزيل جاء بالتخيير بين قتل الكل و فداء الكل أو إطلاق الكل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من العتاب وهذا من الخاص الذي أريد به العموم.
الجواب: هذا تخصيص من غير مخصص.
2_ أما مناقشة الاستدلال بالآية {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء:] بما أراك الله أي بما أنزل إليك من الوحي لا معنى للاجتهاد في الآية.
والجواب على هذا الاعتراض: أَنَّ حُكْمَهُ بِالِاجْتِهَادِ حُكْمٌ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْمُنَزَّلِ خِلَافُ الْإِطْلَاقِ.
3_ أما أية المشاورة، فقالوا: فهذا في أمور الحرب والدنيا وهذا جائز.
والجواب: المشاورة في الآية: في أَمْرِ الْفِدَاءِ، وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَعْظَمِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ.
4_ مناقشة الاستدلال بحكم سليمان وداود عليهما السلام: قالوا لم يكن الحكم بالاجتهاد وإنما بالنص ، فداود أخذ بظاهر النّص كمن حكم بشهادة شاهدين عدلين عنده وفي الباطن خلاف ذلك وأما سليمان فأوحي إليه الله عزوجل بإظهار له اليقين من صاحب الحق من المبطل.
وقيل أن سليمان علم الناسخ ولم يعلمه داود.
الجواب: التفهيم في الآية دليل على الاجتهاد ليس دليلا على الوحي.
5_ أم ما نوقش به حديث ابن عباس في الاذخر: فيه احتمال أن الوحي أنزل عليه في تلك اللحظة من كلام ابن عباس لا أنه أخذ بالاجتهاد والمصلحة، وفيه احتمال أنه سبقه ابن عباس بعد أن أراد النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: هذه عبارة عن تصورات لا دليل عليها، وما لا دليل عليه لا يعتد به، وأما إرادة الاستثناء لا يصح لكون النبي صلى الله عليه وسلم شرع في سياق غير الاستثناء ومن شرط الاستثناء الاتصال.
وفي هذا يقول الأمدي: " وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْخَبَرِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِذْخِرُ مُسْتَثْنًى فِيمَا نُزِلَ إِلَيْهِ لَكَانَ تَأْخِيرُهُ إِلَى مَا بَعْدَ قَوْلِ الْعَبَّاسِ تَأْخِيرًا لِلِاسْتِثْنَاءِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعَ دَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَى اتِّصَالِهِ
بِهِ حَذَرًا مِنَ التَّلْبِيسِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ."(10)
ثانيا: مناقشة أدلة المانعين.
1_ مناقشة استدلالهم بقوله تعالى:( إن هو إلا وحي يوحى)
المقصود بالوحي في الآية : يناقش من وجهين: أولا: أن الآية نزلت في إظهار أن القرآن أنه من عند الله ردا على كفار قريش.
وأما من الوجه الثّاني: أن الاجتهاد لما كان مصدره الوحي جاز القول أن الاجتهاد من الوحي لأنّ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادٌ فَهُوَ عَنْ وَحْيٍ، لِأَنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إلَيْهِ بِاسْتِعْمَالِ الِاجْتِهَادِ.
2_ وأما مناقشة استدلالهم بالحديثين، الدّالان على أن النّبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجيب حتى ينتظر الوحي ليس من باب عدم جواز الاجتهاد في حقه وإنما يرجع لأمرين وهما:
الأمر الأول: انْتِظَارِ النَّصِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ إِلَى حِينِ الْيَأْسِ مِنْهُ.
الأمر الثّاني: كَانَ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ، فَإِنَّ زَمَانَ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ.
وكذلك قد تكون المسألة ليست من مسائل الاجتهاد مطلقا.
3_ مناقشة دليلهم من العقل: لو جاز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لوقع الخلاف في الأحكام.
قالوا: أن اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس مثل اجتهادات غيره تتغير وتتبدل في قضايا متشابهة، بحيث يوجه إليه هذه التهمة، وعندما يكون اجتهاده غير ما أراده الله في بعض اجتهاداته: نزل الوحي لتصحيح هذا الاجتهاد، فمنع السبب في توجيه تلك التهمة إليه - صلى الله عليه وسلم -، وبذلك يكون مجتهداً من غير أن يصدر منه ما يوجب هذا الاتهام، فلا يتخذ عدم توجيه هذه التهمة إليه ذريعة لإنكار اجتهاده. (11)
الخلاصة:
بعد ذكر أدلة الفريقين ومناقشتها يظهر جليا على أن القول بجواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أن الاجتهاد قد وقع من النّبي صلى الله عليه وسلم، لأدلة الجمهور الظاهرة والتأويل الذي ذكره المخالفون بعيد.
ومن جهة أخرى أن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم مسدد من قبل الوحي الرّباني كما في آية أسرى بدر والصلاة على المنافقين فأنزل الله آيات تتلى في بيان الصواب وأما ما اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان صوابا فهو يدخل في عموم الوحي الذي يجب أن نتبع النّبي صلى الله عليه وسلم فيه من غير خلاف سواء أنزل الله آية تقر النّبي صلى الله عليه وسلم في اجتهاده أو لا لعموم أدلة وجوب إتباع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا يقول الجصاص الحنفي: " أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ قَوْلًا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَأَغْفَلَ مَوْضِعَ الصَّوَابِ نَبَّهَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَلِّيَهُ مَوْضِعَ إغْفَالِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ} [التوبة: 43] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] فَإِذَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ."(12)
والعلم عند الله تعالى: أخوكم أبو صهيب منير الجزائري.

انظر: أبو الحسن الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام(4/165)، ت: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت.ط:؟، وموفق الدين أبو محمد بن قدامة المقدسي، روضة النّاظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل(2/342)، مؤسسة الرذيان للطّباعة والنّشر والتّوزيع،ط:2(1423ه-2002م)، وعلي أبو محمد بن حزم الأندلسي، الإحكام في أصول الأحكام(5/134)، ت: أحمد شاكر، النّاشر: دار الآفاق الجديدة ،بيروت، وأحمد بن علي أبو بكر الرّازي الجصاص، الفصول في الأصول(3/239)، النّاشر وزارة الأوقاف الكويتية،ط:2(1414ه-1994م). ومحمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول(2/219-220)، ت: أحمد عزو، النّاشر: دار الكتاب العربي،- دمشق، ط:1(1419ه-1999م).
2 انظر: أحمد بن علي أبو بكر الرّازي الجصاص، الفصول في الأصول(3/240-242)، وأبو الحسن الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام(4/165-167)، وموفق الدين أبو محمد بن قدامة المقدسي، روضة النّاظر وجنة المناظر(2/344-346)، ومحمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول(2/218-219-220)، ومحمد أبو عبد الله بن عمر الرازي، المحصول(6/143)، ت: طه جابر العلواني،مؤسسة الرّسالة،ط:3(1418ه-1997م). ونظام الدين أبو علي الشاشي، أصول الشاشي ص308، دار الكتاب العربي –بيروت، ط:؟.
3 رواه البخاري في الصحيح كتاب جزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة رقم 1834 (3/14)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها..رقم1353(2/986).
4 رواه البخاري في الصحيح كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذور على الميت رقم 1852 (3/18).
5 انظر: الأمدي، الإحكام( 4/169)، بدر الدين أبو عبد الله بن عبد الله الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه (8/248)، دار الكتبي، ط:1(1414ه-1994م)، وابن حزم الأندلسي، الإحكام (5/134)، و الشوكاني، إرشاد الفحول(2/218)، والدكتور عبد الكريم النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن(5/2339-2341).
6 رواه البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، رقم 4963 (6/176).
7 رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الفرائض، باب ميراث الخالة والعامة ..، رقم 19109، (10/281).
8ابن حزم الأندلسي، الإحكام (5/137).
9 انظر المصدر السابق نفس الجزء ص 134-135.، والأمدي، الإحكام(4/168-175)، الجصاص، الفصول في الأصول(3/243-244)،ومحمد بن محمد أبو حامد الغزالي،المستصفى ص347،ت: محمد عبد السلام عبد الشافي، النّاشر: دار الكتب العلمية،ط:1(1413ه-1993م)،و منصور بن محمد أبو المظفر السمعاني، قواطع الأدلة في الأصول(2/104-105)، ت: محمد حسن الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط:1(1487ه-1999م) وابن قدامة المقدسي، روضة النّاظر(2/346-347)،والشوكاني، إرشاد الفحول(2/219-220)، وعبد الكريم النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن(5/2339-2345).
10الأمدي،الإحكام(4/171).
11 عبد الكريم النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن(5/2345).
12 أبو بكر الجصاص، الفصول في الأصول ( 3/243).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 Aug 2016, 04:47 PM
خالد أبو أنس خالد أبو أنس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
الدولة: الجزائر/بومرداس/أولادموسى
المشاركات: 468
افتراضي

جزاك الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 Aug 2016, 12:28 PM
أبو صهيب منير الجزائري أبو صهيب منير الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 208
افتراضي

وفيك بركة أخي خالد ووفقك الله لكل خير
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أصول الفقه, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013