فوائد في العقيدة : إثبات صفة المماسة لله عز وجل للشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد في العقيدة : إثبات صفة المماسة لله عز وجل للشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: جاءت الأحاديث بثبوت المماسة، كما دل على ذلك القرآن الكريم وقاله أئمة السلف، وهو نظير الرؤية، وهو متعلق بمسألة العرش، وخلق آدم بيده، وغير ذلك من مسألة الصفات وإن كان قد نفاه طوائف من أهل الكلام والحديث من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، فشيخ الإسلام أثبت مماسة الله لبعض خلقه، كالعرش وآدم وقال: إن ذلك دل عليه القرآن الكريم وجاء الحديث بثبوته وقاله أئمة السلف، وإن كان قد نفاه طوائف من أهل الكلام والحديث.
قلت: مثل القاضي أبو يعلى من الحنابلة نفاه في كتابه إبطال التأويلات، وقال: إنه يستلزم الحدوث للرب.
أقوال العلماء في مماسة الرب للعرش ثلاثة:
- منهم من يثبت المماسة كما جاءت بها الآثار.
- ومنهم من ينفي المماسة.
- ومنهم من يقول: لا أثبتها ولا أنفيها.
المس والاتصال بالرب مختلف فيه على قولين.
قال شيخ الإسلام وذكر عن الصحابة كابن عباس وعن التابعين عن عبيد بن عمير وغيره، وفيه أن الله ينادي داود -عليه السلام- حتى يمس بعضه، وكذلك الحركة في جوازها أو جواز إطلاقها على الرب قولان للعلماء.
استفدت هذا المبحث - أصله وحواشيه - من تحقيق الدكتور محمد خليفة التميمي لـ: "كتاب العرش" للذهبي (1 / 261، 266)، إلا ما أضفته والله الموفق.
الناس لهم في هذه المسألة أقوال:
القول الأول: منهم من يقول هو نفسه فوق العرش غير مماس ولا بينه ولا بين العرش فرجة، وهذا قول ابن كلاب، والحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، والأشعري، وابن الباقلاني، وغير واحد من هؤلاء وقد وافقهم على ذلك طوائف كثيرون من أصناف العلماء من أتباع الأئمة الأربعة وأهل الحديث والصوفية وغيرهم، وهؤلاء يقولون: هو بذاته فوق العرش وليس بجسم، ولا هو محدود ولا متناه.
و منهم من يقول: هو نفسه فوق العرش، وإن كان موصوفاً لقدر له لا يعلمه غيره. ثم من هؤلاء من لا يجوز عليه مماسة العرش، ومنهم من يجوز ذلك، وهذا قول أئمة أهل الحديث والسنة وكثير من أهل الفقه والصوفية والكلام غير الكرامية.
فأما أئمة أهل السنة والحديث وأتباعهم فلا يطلقون لفظ الجسم نفياً ولا إثباتاً، وأما كثير من أهل الكلام فيطلقون لفظ الجسم كهشام بن الحكم، وهشام الجواليقي وأتباعهما. (1).
وليعلم أن لهذا اللفظ في كلام الأئمة موقفان: 1 _ استعملوه على سبيل النفي في مسائل العلو. 2 _ منعوه على سبيل الإثبات في مسائل الاستواء.
الموقف الأول: قد استعمل من استعمل من العلماء لفظ المماسة ليثبتوا أن الله بائن من الخلق وهم منه بائنون, قال الإمام أحمد بن حنبل: " إن الله عز وجل على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى، وإنه غير مماس لشيء من خلقه، وهو تبارك وتعالى بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه." (2).
ورداً على مزاعم هؤلاء الباطلة أطلق من أطلق من علماء السلف لفظ المباينة وعدم المماسة تقريراً منهم لإثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه ومباينته من خلقه.
والموقف الثاني: منعهم لاستعمال لفظ المماسة في مسألة الاستواء على العرش، وذلك رداً على الكرامية الذين خاضوا في شأن الكيفية وتعمقوا فيها. وفي هذا يقول السجزي: " واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة، وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضُلال ".(3). وقال قوام السنة الأصبهاني: " قال أهل السنة: خلق الله السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض وليس معناه المماسة، بل هو مستو على العرش بلا كيف كما أخبر عن نفسه ". (4). وقال الإمام أبو القاسم عبد الله بن خلف المقري: " إن الله تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف ".(5).
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة أن السبب في منع استعمال هذا اللفظ لما فيه من التعمق في شأن الكيفية، ومن عادة السلف أنهم عند تقريرهم لصفة الاستواء ولسائر الصفات لا يتعمقون في شأن الكيفية ويكلون علم ذلك لله عز وجل، كما جاء في عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وفيها: " أن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه بلا كيف ".(6).
__________
(1) "درء تعارض العقل والنقل" (6/288-289). (2) راجع "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص:201). (3) "الرد على من أنكر الحرف والصوت" (ص:126-127). (4) "نقض تأسيس الجهمية" (2/531). (5) "اجتماع الجيوش الإسلامية "(ص:55). (6) "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للإمام اللالكائي (321).