منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07 Nov 2014, 09:05 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي عيش الرجال ـ الحلقة الثالثة ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

عيش الرِّجال

الحلقة الثالثة



إن الرجال الفحول من أهل الإيمان والإحسان يعيشون عيشا لا يعرفه غيرهم من أبناء الدنيا وخلاّن المذلّة، فهم وإن كانوا يمشون على وجه الأرض، فأرواحهم تسعد في جنان الرحمن! .
يعظّمون ما يستصغره الناس، ويهتمون بما ضيّعه غيرهم من عبيد الدينار والدرهم ! هم الأبرار -والذي فلق الحب والنوى- الذين أخبر عنهم رب العز والجلال في كتابه، (ولا تحسب أن قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم - وإن الفجار لفي جحيم} مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثلاثة كذلك - أعني دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ ..) (1)
فهذه المخلوقات الغريبة! ترى الموبقات على صورتها الحقيقة! لأن نفوسها الكبيرة تقدِّر الأمور بقدرها، وتزن الأشياء بميزان شرع الله الحنيف! ليس كحال الأراذل من غثاء الأمة.
فنظرتهم في معشيتهم هي نظرة فحول الصحابة الذي ينتسبون إليهم، فهذا أنس رضي الله عنه يقول للتابعين!: «إنَّكم لتعملون أعمالا، هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعر، إن كنا لنعدُّها على عهد النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الموبقات» قال البخاري رحمه الله: «يعني بذلك المهلكات» (2)
وإنَّ من مهلكات الزَّمان التي ابتلي بها فئام من عباد الله، عدم الاكتراث للمحتاجين والضُّعفاء، والنُّفور من مجالستهم ومصاحبتهم!
وأيم الله إنَّه لخلق شنيع فظيع! وأشنع منه أن يتخلَّق به من يدَّعي الاستقامة والتميُّز عن العامَّة بزيِّ التَّقوى، ويزعم لنفسه اتِّباع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته الكرام.
أمَا علم هؤلاء أنَّ رحمة الخلق ركن من أركان الرجولة تسقط بسقوطه؟! وسقف تنكشف بزواله عورة كل كاذب؟!
لماذا نخون أنفسنا ونُعرض عن حقائق الخطاب الرَّباني الموجّه إلينا في كتاب الله العزيز؟! ï´؟قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراï´¾.
فهل الأسوة الحسنة تنحصر فقط في المجال النَّظري؟ هل معنى الأسوة الحسنة في الاستعلاء على خلق الله بانتسابنا الحصريِّ! للسَّلف، واحتقار عامَّة المسلمين السَّلفيِّين –فطرة- بسبب تضييعهم لشعائر معيَّنة من الدِّين؟!
فيا من أخطأت الطَّريق بفهمٍ لدعوة الإسلام تراه بمنظورك القاصر! هلمَّ إلى الاقتداء برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في جانب أضحى الاتَّباع فيه من السُّنن المهجورة!
فهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دَيْنًا أو ضِياعا فإليَّ وعليَّ» (3).
الله أكبر ! قمّة الرجولة والشجاعة والمروءة ! فأين نحن من هذا الهدي النبوي!
فحقيق بمن زعم اتِّباع السُّنة النَّبويَّة أن يكون اتِّباعه شاملا لكل جوانب الاتِّباع، ومنها جانب الرُّجولة المحمَّديَّة الَّتي كان عليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وليس من العيب في شيء أن يُناقش المرء نفسه الَّتي بين جنبيه، المتحالفة والمتآمرة ضدَّه مع عدوِّه الأبديِّ إبليس! فليس من العيب أن يناقشها من أراد الخلاص لها، وأن يضيِّق عليها الخناق بأسئلة محرجة:
إلى متى يا نفس تدَّعين اتِّباع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنت تتعمَّدين مخالفته في جوانب الرَّحمة والرُّجولة !؟
ها هو صاحبي قد مات منذ زمن وقد أَرِمت عظامه وأنا في غفلة عن والديه وأهله المسكينة وابنه اليتيم! وما أدراك ما اليتيم !
وها هو جاري وبابه تلاصق بابي !وقد سمعت بهمِّه ومرضه وبخطواته التي قاربت شفير القبر! وأنا في غفلة قاتلة، لم أُرحه لا بقضاء حوائجه في حياته، ولا بالوقوف مع أهله بعد مماته!

يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كم من جار متعلِّق بجاره يوم القيامة يقول: يا ربّ! هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه» (5)
نعم! يحدث الخلل عندما تفقد الرحمة!
يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من رحم ولو ذبيحة رحمه الله يوم القيامة..» (4) فكيف برحمة المؤمن الَّذي تعظم حرمته حرمة بيت الله الحرام. فاللهم غفرا
فأعدَّ للسُّؤال جوابا أيها المفرّط! وأنت أعلم بحالك، (؟بل الْإِنْسَان على نَفسه بَصِيرَة)

أيُّها الغافل
إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي وصفه ربُّ العزَّة والجلال بقوله: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) هو الَّذي ستُفتن به في قبرك، فاختر لنفسك ما تنظر إليه إذا قامت قيامتك الصغرى -وهي نازلة بك في أي لحظة!-:

نظرة إلى زهرة الجنَّة وما فيها، أو إلى نار يحطم بعضها بعضا!
فوالله لن ترحم وأنت لا ترحم عباد الله على أرضه!
لن ترحم وأنين اليتيم يقرع أسماعك.
لن ترحم وصيحة الملهوف تقرع بابك
تعيش مُرتاحا، ونحيب الأرامل تزلزل الأرض
ملأتَ بطنك، وإخوانك غرقى في بحر المرض
هل تظنُّ أن مديح النَّاس سينفعك؟ لا والله! قال يونس بن عبيد: دخلنا على محمَّد بن واسع نعوده فقال: «وما يغني عنِّي ما يقول الناس إذا أُخذ بيدي ورجلي وألقيت في النار» (6)


أيُّها الغافل
إنَّ دلائل النُّصوص الشَّرعية لها من المعاني ما تحيِّر العقول! فانظر ياراعاك الله إلى هذا الحديث الذي لا يجهله أكثرنا، وهو قول رسول لله صلَّى الله عليه وسلَّم : «تحاجت الجنَّة والنَّار، فقالت النَّار: أوثرت بالمتكبِّرين، والمتجبِّرين، وقالت الجنَّة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء النَّاس وسقطهم وغرَّتهم؟» (7)
فوالله إنَّ صدق هذا الحديث ينعكس في الواقع المشاهد! فالجبَّارون والمتكبِّرون، غالبيَّتهم من أصحاب المال والتَّرف.
تراهم بعينيّ رأسك في جحيم الدُّنيا قبل جحيم الآخرة! نظرتهم نظرة احتقار للفقراء والمساكين
لا يكاد الواحد منهم يمرُّ على إخوانه إلا راكبا مسعِّرا خدَّه للمساكين والضُّعفاء.
إذا سلَّمت عليه نظر إليك نظر المغشيِّ عليه من الموت! فلعلَّك جئت تأخذ من شيئا من ماله !
حياتهم قضوها في عمى ! لا ينظرون إلى من حولهم! ولا يستوقفهم حال فقير بلا ثياب في موسم برد يجمِّد الأشجار! ولا يلحظون الحفاة
وأصحاب الأحذية المقطَّعة البالية! في الأيام المطرة.
يعرفون أنَّ فلانا من النَّاس يبيت وحيدا بعيدا عن أهله من أجل لقمة العيش! فلا تجد منهم من يتفقده ويسأل عن أحواله !
ويشتدُّ الأسى عندما تجدهم جميعا يصلُّون في مسجد واحد! وهو حال لا يشبه أبدا حال أسلافنا، أصحاب الرُّجولة الصَّادقة والإيمان الحقيقيِّ.
قال الحسن بن الصباح: بلغني أنَّ رجلا، من بني أميَّة قال: «إنِّي وددت أنَّ جميع إخواني أتوني فشاركوني في معيشتي حتى يكون عيشنا عيشا واحدا، ولوددت أنَّ جميع إخواني أتوني في حوائجهم، وإنِّي لأستحي من الله عزَّ وجلَّ أن ألقى الأخ من إخواني فأدعو له بالجنَّة وأبخل عليه بالدُّنيا، والدُّنيا أصغر وأحقر من أن يقال لي يوم القيامة: كنت كذَّابا لو كانت الدُّنيا في يدك كنت بها أبخل» (8)
كلُّ هذه الجبال من الإيمان سببها الرَّحمة الَّتي وهبها الله لعباده المخلصين، التي من أجلها أدخل سبحانه بغيًّا جنتّه وغفر لها عندما سقت كلبا! وهو نداء لكلِّ جبَّار متكبِّر ولكلِّ من جفَّت مدامعه وغابت عواطفه: خِبت وخَسرت إذا كانت بغيّا أقرب إلى الله منك!!

يا صاحب المال:
أتظنُّ أنَّ لك عند الله فضلا عن غيرك؟ حتى مُتِّعتَ بزهرة الحياة الدنيا؟ كلاَّ -والَّذي خلقك-، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «دعاني عمر بن الخطاب , فأتيته وبين يديه نطع عليه الذَّهب مبثورا بثرا -قال سليمان: يعني النَّثر- قال: اذهب فاقسم هذا بين قومك, فالله أعلم حين حبس هذا عن نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وعن أبي بكر بخير أعطاني أم بشرٍّ؟ قال: فقمت أريد أقسمه. قال: فسمعت البكاء , فإذا صوت عمر يبكي, ويقول في بكائه: «كلَّا, والَّذي نفسي بيده ما حبس الله عزَّ وجلَّ هذا عن نبيِّه صلَّى الله عليه وسلم وعن أبي بكر لشر لهما وأعطاه عمر إرادة الخير له» (9)
هذا هو فاروق الأمة! الَّذي نزعم أنَّنا نتسب إليه!

إنَّ أصحاب الرُّجولة الصَّادقة يعيشون حياتهم في خوف ووجل، دفعهم حالهم هذا إلى رحمة الخلق والدنوِّ من المحتاج فيهم، لأنهَّم واثقون من حساب شديد ينتظرهم بين يدي الله العزيز الجبَّار..
(ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين)

يتبع
أبو معاذ محمد مرابط
ليلة السبت 14 - محرم - 1436


الهامش:
(1)- من كلام ابن القيم الداء والدواء ص: 76
(2)- (صحيح البخاري برقم: 6492)،
(3)- رواه مسلم برقم: 2005 من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه
(4)- رواه البخاري في الأدب المفرد برقم: 381
(5)- الصحيحة برقم: 2646
(6) - (الورع للإمام أحمد برقم: 493)
(7) - (صحيح مسلم برقم: 2846)
(8) (الإخوان لابن أبي الدنيا برقم: 194 )
(9) (كتاب إصلاح المال لابن أبي الدنيا برقم:18)

التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 14 Nov 2014 الساعة 10:21 AM
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013