منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 12 Jul 2017, 01:08 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي الدَّعوة إلى الله وتوجيهات للدُّعاة من كلام العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمَّد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فإنَّ مقام الدَّعوة إلى الله من أشرف المقامات وأعلاهَا ولهذا سمَّى الله عزَّ وجلَّ رسوله محمَّدا صلى الله عليه وسلَّم بعبده في هذا المقام فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وأنَّه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا﴾[الجن: 19][انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 136)]، ولا أحد أحسن قولًا ممَّن دعا إلى الله عزَّ وجلَّ كما قال سبحانه: ﴿ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين﴾[فصلت: 33] وقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله أنه تلا هذه الآية: ﴿ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين﴾ فقال: «هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنني من المسلمين، هذا خليفة الله»["تفسير الطَّبري" (20/ 429)، "تفسير ابن كثير"(7/ 180)].
وأمر الله عزَّ وجلَّ بالدَّعوة إليه سبحانه فقال تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾[النحل: 125] ورغَّب فيها سبحانه فقال: ﴿ولتكن منكم أمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾[آل عمران: 104] وبهذا نالت الأمَّة الخيريَّة وسبقت البريَّة قال عزَّ وجلَّ: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾[آل عمران: 110].
وقد أقسم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الصَّادق المصدوق فقال: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»["صحيح البخاري"(3009)، "صحيح مسلم"(2406)] وقال صلى الله عليه وسلَّم مبيِّنا أجرَها العميم: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا»["صحيح مسلم"(2674)].
وهذه نبذٌ يسيرةٌ ونقولٌ بديعةٌ وتنبيهات سديدةٌ من إمام الدُّعاة في الجزائرِ -حرسها الله- ورأس المصلحين العلَّامة الهُمام عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- فارسُ هذا الميدَان، أطرحُها ليستفيدَ منها الدُّعاة إلى الله عزَّ وجلَّ وتشحذَ هِمَمَ من لم يلحقْ بركب المصلحين أن يكون منهم نسأل الله من فَضله.
وقد قمت باستخراج ما يتعلَّق بالدَّعوة إلى الله وتنبيه الدُّعاة والخطباء من "تفسيره" رحمه الله -وهو حافلٌ بذلك- وجعلت لها عناوينَ قد تضمُّ نقلًا واحدًا أو نقولًا تصبُّ في معنى واحدٍ جاءت متفرِّقة في كلامه رحمه الله فجمتها في موضع واحدٍ، وقد حاولت التَّدرُّج في ترتيبَها شيئًا ما، وآثرت عدمَ التَّعليقِ على كلامه -رحمه الله- طلبًا للاختصار، ولكون كلام العلَّامة ابن باديس -رحمه الله- واضحًا قريب المأخذ سهل المتناول.
فأسأل الله أن يرحم العلَّامة ابن باديس رحمةً واسعةً فقد كان مضرِبَ المثل في هذا الباب مع حسن السِّيرة والسَّريرة وأن يعلي مكانته ويرفع منزلته، وأرجو من الله أن ينفع بها المسلمين، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

الحثُّ على الدَّعوة إلى الله ونشر العلم
1. «هذا نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم نور وبيان، وهذا كتابنا نور وبيان، فالمسلم المؤمن بهما المتبع لهما له حظه من هذا النور وهذا البيان، فهو على ما يسر له من العلم -ولو ضئيلا- يبينه وينشره، يعرِّف به الجاهل، ويرشد به الضال، وهو بذاك وبعمله الصالح كالنور يشع على من حوله، وتتسع دائرة إشعاعه، وتضيق بحسب ما عنده من علم وعمل.
فعلى المسلم أن يعلم هذا من نفسه، ويعمل عليه، وليضرع إلى الله دائما في دعواته أن يمده بنوره، وليدع بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يدعو به في ذلك وهو:
«اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن
يساري نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا».["تفسيره" (1/ 111- 112)].
2. «لقد كان في بيان أن الدعوة إلى الله هي سبيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما يفيد أن على أتباعه -وهو قدوتهم ولهم فيه الأسوة الحسنة- أن تكون الدعوة إلى الله سبيلهم، ولكن لتأكيد هذا عليهم، وبيان أنه من مقتضى كونهم أتباعه، وأن اتباعهم له لا يتم إلا به جاء التصريح بذلك هكذا: ﴿أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾.
فالمسلمون أفرادا وجماعات، عليهم أن يقوموا بالدعوة إلى الله، وأن تكون دعوتهم على بينة وحجة وإيمان ويقين، وأن تكون دعوتهم وفقا لدعوته، وتبعا لها».["تفسيره" (1/ 124)].
3. «فالمسلم المتبع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يألوا جهدا في الدعوة إلى كل ما عرف من سبيل ربه.
وبقيام كل واحد من المسلمين بهذه الدعوة بما استطاع تتضح السبيل للسالكين، ويعم العلم بها عند المسلمين، وتخلو سبل الباطل على دعاتها من الشياطين».["تفسيره" (1/ 136)]
4. «فليحذر قراءنا من أن يتوجهوا بشيء من دعائهم لغير الله، وليحذروا غيرهم منه.
ولينشروا هذه الحقائق بين إخوانهم المسلمين بما استطاعوا عسى أن يتنبه الغافل، ويتعلم الجاهل، ويقلع الضالون عن ضلالهم، ولو بطريق التدريج، وبذلك يكون قراؤنا قد أدوا أمانة العلم وقاموا بفريضة النصح، وخدموا الإسلام والمسلمين».["تفسيره" (1/ 299)].
مجالات الدَّعوة إلى الله
«فمن الدعوة إلى الله دروس العلوم كلها مما يفقه في دين الله، ويعرف بعظمة الله وآثار قدرته، ويدل على رحمة الله وأنواع نعمته.
فالفقيه الذي يبين حكم الله وحكمته داع إلى الله، والطبيب المشرح الذي يبين دقائق العضو ومنفعته داع إلى الله، ومثلهما كل مبين في كل علم وعمل.
ومن الدعوة إلى الله بيان حجج الإسلام، ودفع الشبه عنه، ونشر محاسنه بين الأجانب عنه ليدخلوا فيه، وبين مزعزعي العقيدة من أبنائه ليثبتوا عليه.
ومن الدعوة إلى الله مجالس الوعظ والتذكير لتعريف المسلمين بدينهم وتربيتهم في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم على ما جاء به، وتحبيبهم فيه ببيان ما فيه من خير وسعادة لهم، وتحذيرهم مما أدخل من محدثات عليه هي سبب كل شقاوة وشر لحقهم، وبيان أنه ما من سبب مما تسعد به البشرية -أفرادها وأممها- إلا بينه لهم ودعاهم إليه، وما من سبب مما تشقى به البشرية -أفرادها وأممها- إلا بينه لهم ونهاهم عنه، وبيان أنه لولا عقيدته المتأصلة فيهم، وبقاياه الباقية لديهم، ومظاهره القائمة بهم، لما بقيت لهم- وهم المجردون من كل قوة- بقية، ولتلاشت أشلاؤهم- وهم الأموات- في الأمم الحية.
ومن الدعوة إلى الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة بدون استثناء، وإنما يتنوع الواجب بحسب رتبة الاستطاعة فيجب باليد، فإن لم يستطع فباللسان، فإن لم يستطع فبالقلب، وهو أضعف الإيمان، وأقل الأعمال في هذا المقام.
ومن الدعوة إلى الله ظهور المسلمين -أفرادا وجماعات- بما في دينهم من عفة وفضيلة، وإحسان ورحمة، وعلم وعمل، وصدق وأمانة، فذلك أعظم مرغب للأجانب في الإسلام، كما كان ضده أعظم منفر لهم عنه، وما انتشر الإسلام أول أمره بين الأمم إلا لأن الداعين إليه كانوا يدعون بالأعمال كما يدعون بالقول، وما زالت الأعمال عيارا على الأقوال.
ومن الدعوة إلى الله بعث البعثات إلى الأمم غير المسلمة، ونشر الكتب بألسنتها، وبعث المرشدين إلى عوام الأمم المسلمة لهدايتهم وتفقيههم.
كل هذا من الدعوة إلى الله ثابتة أصوله في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنة السلف الصالح من بعده.
فعلى كل مسلم أن يقوم بما استطاع منه في كل وجه من وجوهه، وليعلم أن الدعوة إلى الله على بصيرة هي سبيل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وسبيل إخوانه الأنبياء صلوات الله عليهم من قبله، فلم يكن المسلم ليدع من هذا المقام الشريف مقام خلافة النبوة شيئا من حظه.
وإذا كان هذا المقام ثابتا لكل مسلم ومسلمة، وحقا القيام به- بقدر الاستطاعة- على كل مسلم ومسلمة- فأهل العلم به أولى وهو عليهم أحق، وهم المسؤولون عنه قبل جميع الناس.
وما أصاب المسلمين ما أصابهم إلا يوم قعد أهل العلم عن هذا الواجب عليهم. وإذا عادوا إلى القيام به -وقد عادوا والحمد لله- أوشك- إن شاء الله- أن ينجلي عن المسلمين مصابهم».["تفسيره" (1/ 124- 126)].

بم يكون تذكير العباد ودعوتهم؟
1. «كان صلى الله عليه وآله وسلم يذكِّرهم بقوله وعمله وهديه وسمته، ذلك كلُّه منه على وفق هداية القرآن وحكمه؛ وقد قالت عائشة الصديقة رضوان الله عليها لما سئلت عن خلقه –والخلق هو الملكة النفسية التي تصدر عنها الأعمال- قالت: «كان خلقه القرآن».
فكان تذكيره كله بآيات القرآن: يتلوها، ويبينها بالبيان القولي والبيان العملي، ممتثلا في ذلك كله أمر ربه تعالى بقوله: ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾[ق: 45].
فالقرآن وبيانه القولي والعملي من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ بهما يكون تذكير العباد، ودعوتهم لله رب العالمين، ومن حاد في التذكير عنهما ضل وأضل، وكان ما يضر أكثر مما ينفع إن كان هنالك من نفع».["تفسيره" (1/ 50 -51)].
2. «قال الله تعالى: ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾[ق: 45]، ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ [القمر: 17]، ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [الحشر: 7].
فالتذكير بآيات القرآن والأحاديث النبوية، هذا هو التذكير المشروع المتبوع، والدواء الناجع المجرب، ولذلك تجد مواعظ السلف كلها مبنية عليه راجعة إليه والنصح لله ولرسوله وللمسلمين في لزوم ذلك والسير عليه».["تفسيره" (2/ 163)].


إلى القرآن والسنة- أيها العلماء- إن كنتم للخير تريدون
1. «أدلة العقائد مبسوطة كلها في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير.
وأدلة الأحكام أصولها مذكورة كلها فيه، وبيانها وتفاصيلها في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسل ليبين للناس ما نزل إليهم.
فحق على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائدها الدينية، وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم. إذ يجب على كل مكلف أن يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم. ولن يجد العامي الأدلة لعقائده سهلة قريبة إلا في كتاب الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم العقائد للمسلمين إليه.
أما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارات الاصطلاحية، فإنه من الهجر لكتاب الله، وتصعيب طريق العلم إلى عباده وهم في أشد الحاجة إليه، وقد كان من نتيجة هذا ما نراه اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه.
ومما ينبغي لأهل العلم أيضا -إذا أفتوا أو أرشدوا- أن يذكروا أدلة القرآن والسنة لفتاويهم ومواعظهم ليقربوا المسلمين إلى أصل دينهم، ويذيقوهم حلاوته، ويعرفوهم منزلته، ويجعلوه منهم دائما على ذكر، وينيلوهم العلم والحكمة من قريب، ويكون لفتواهم ومواعظهم رسوخ في القلوب وأثر في النفوس.
فإلى القرآن والسنة- أيها العلماء- إن كنتم للخير تريدون».["تفسيره" (1/ 270- 271)].
2. «على أهل الحق أن يكون الحق راسخا في قلوبهم عقائد وجاريا على ألسنتهم كلمات، وظاهرا على جوارحهم أعمالا، يؤيدون الحق حيثما كان وممن كان، ويخذلون الباطل حيثما كان وممن كان، يقولون كلمة الحق على القريب والبعيد، على الموافق والمخالف، ويحكمون بالحق كذلك على الجميع، ويبذلون نفوسهم وأموالهم في سبيل نشره بين الناس وهدايتهم إليه بدعوة الحق وحكمة الحق وأسبابه ووسائله، على ذلك يعيشون وعليه يموتون.
فلنجعل هذا السلوك سلوكنا وليكن من همنا.
فما وفينا منه حمدنا الله تعالى عليه، وما قصرنا فيه تبنا واستغفرنا ربنا.
فمن صدقت عزيمته ووطن على العمل نفسه أعين ويسر للخير، وربك التواب الرحيم».["تفسيره" (1/ 350- 351)].
الدَّعوة إلى الله تكون بالقرآن
«هذه الآية نص صريح في أن الجهاد في الدعوة إلى الله وإحقاق الحقِّ من الدين، وإبطال الباطل من شبه المشبهين وضلالات الضالين، وإنكار الجاحدين، هو بالقرآن العظيم.
ففيه بيان العقائد وأدلتها، ورد الشبه عنها.
وفيه بيان الأخلاق محاسنها ومساويها، وطرق الوصول إلى التحلي بالأولى، والتخلي عن الثانية ومعالجتها.
وفيه أصول الأحكام وعللها.
وهكذا فيه كل ما يحتاج إليه المجاهد به في دين الله.
فيستفاد منها كما يستفاد من آيات أخرى غيرها، أن على الدعاة والمرشدين أن تكون دعوتهم وإرشادهم بالقرآن العظيم».["تفسيره" (2/ 73)]
الاقتداء بالقرآن في مقام الحجاج أو الإرشاد
«لنقتد بالقرآن فيما نأتي به من كلام في مقام الحجاج، أو مقام الإرشاد، فلنتوخ دائما الحق الثابت بالبرهان أو بالعيان، ولنفسره أحسن التفسير، ولنشرحه أكمل الشرح، ولنقربه إلى الأذهان غاية التقريب، وهذا يستدعي صحة الإدراك، وجودة الفهم، ومتانة العلم، لتصور الحق ومعرفته،ويستدعي حسن البيان، وعلوم اللسان، لتصوير الحق وتجليته والدفاع عنه.
فللاقتداء بالقرآن في الإتيان بالحق وأحسن بيان، علينا أن نحصل هذه كلها ونتدرب فيها ونتمرن عليها حتى نبلغ إلى ما قدر لنا منها.
هذا ما على أهل الدعوة والإرشاد، وخدمة الإسلام والقرآن».["تفسيره" (2/ 63)].
العناية بردِّ القرآن للشُّبهات
«إذا تتبعت آيات القرآن وجدتها قد أتت بالعدد الوافر من شبه الضالين واعتراضاتهم، ونقضتها بالحق الواضح والبيان الكاشف في أوجز لفظ وأقربه وأبلغه.
وهذا قسم عظيم جليل من علوم القرآن يتحتم على رجال الدعوة والإرشاد أن يكون لهم به فضل عناية، ومزيد دراية وخبرة.
ولا نحسب شبهة ترد على الإسلام إلا وفي القرآن العظيم ردها بهذا الوعد الصادق من هذه الآية الكريمة.
فعلينا عند ورود كل شبهة من كل ذي ضلالة أن نفزع إلى آي القرآن، ولا إخالنا إذا أخلصنا القصد وأحسنا النظر إلا واجديها فيها، وكيف لا نجدها في آيات ربنا التي هي الحق وأحسن تفسيرا؟!».["تفسيره" (2/ 62- 63)]
ما يوجَّه إليه الاهتمام!
«الذي نوجه إليه الاهتمام الأعظم في تربية أنفسنا وتربية غيرنا هو تصحيح العقائد وتقويم الأخلاق، فالباطن أساس الظاهر، وفي الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله».["تفسيره" (1/ 368)].
الاقتداء بأساليب القرآن والسُّنَّة في الدَّعوة إلى الله
«هدتنا الآية الكريمة إلى أسلوب الدعوة وهو الحكمة، وتجلت هذه الحكمة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
فعلينا أن نلتزمها جهدنا حيثما دعونا، ونقتدي بأساليب القرآن والسنة في دعوتنا، فيما يحصل الفهم واليقين، والفقه في الدين والرغبة في العمل والدوام عليه.
وها نحن قد بلغ الحال بنا إلى ما بلغ إليه من الجهل بحقائق الدين، والجمود في فهمه، والإعراض عن العمل به، والفتور في العمل.
فحق على أهل الدعوة إلى الله -وخصوصا المعلمين- أن يقاوموا ما بينا من جهل وجمود وإعراض وفتور بالتزام البيان للحقائق العلمية بأدلتها، والعقائد ببراهينها، والأخلاق بمحاسنها، والأعمال بمصالحها.
وقد وجد الأخذ بهذه الأساليب القرآنية -والحمد لله- وأخذ أثرها -بفضل الله- يظهر فيالناس بقدر الأخذ بها، يوشك أن تتجدد بذلك في المسلمين حياة إن شاء الله».["تفسيره" (1/ 141)].
أدب الدَّعوة
1. «وفي ندائهم بـ﴿يا أهل الكتاب﴾ تشريف وتعظيم لهم بإضافتهم للكتاب، وبعث لهم على قبول ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه جاء بكتاب وهم أهل الكتاب، واحتجاج عليهم بأن الإيمان بالكتاب الذي عندهم يقتضي الإيمان بالكتاب الذي جاء به لأنه من جنسه.
هذا هو أدب الإسلام في دعوة غير أهله ، ليعلمنا كيف ينبغي أن نختار عند الدعوة لأحد أحسن ما يدعى به، وكيف ننتقي ما يناسب ما نريد دعوته إليه، فدعاء الشخص بما يحب مما يلفته إليك، ويفتح لك سمعه وقلبه، ودعاؤه بما يكره يكون أول حائل يبعد بينك وبينه.
وإذا كان هذا الأدب عاما في كل تداع وتخاطب، فأحق الناس بمراعاته هم الدعاة إلى الله، والمبينون لدينه سواء دعوا المسلمين أو غير المسلمين».["تفسيره" (1/ 105- 106)].
2. «على الداعي إلى الله والمناظر في العلم أن يقصد إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإقناع الخصم بالحق وجلبه إليه، فيقتصر من كل حديثه على ما يحصل له ذلك، ويتجنب ذكر العيوب والمثالب -ولو كانت هنالك عيوب ومثالب- اقتداء بهذا الأدب القرآني النبوي في التجاوز مما في القوم عن كثير.
وفي ذكر العيوب والمثالب خروج عن القصد، وبعد عن الأدب، وتعد على الخصم وإبعاد له، وتنفير عن الاستماع والقبول، وهما المقصود من الدعوة والمناظرة».["تفسيره" (1/ 108- 109)].
ميزان الدُّعاة
1. «عندما يختلف عليك الدعاة، الذين يدعي كل منهم أنه يدعوك إلى الله تعالى، فانظر: من يدعوك بالقرآن إلى القرآن، ومثله ما صح من السنة لأنها تفسيره وبيانه، فاتبعه لأنه هو المتبع للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في دعوته وجهاده بالقرآن، والمتمثل لما دلت عليه أمثال هذه الآية الكريمة من آيات القرآن».["تفسيره" (2/ 73)].
وتطبيقه قوله -رحمه الله-:
2. «في العالم الإسلامي كله اليوم طائفتان من المؤمنين، يتنازعان خطة الهداية والنذارة والتذكير، ولكل منهما- في سلوكها للقيام بتلك الخطة- سبيل، وكل منهما تدعي أنها على الصواب، وأنها الأحق والأولى بنفع العباد.
فرأينا أن نطبق فصل الفرقان عليهما، وننظر: كيف يفرق ما بينهما ومن هي المصيبة أو المخطئة. وفي ضمن ذلك تحاكمهما إليه وفصل النزاع بينهما بحكمه.
وإنما اخترناهما للتطبيق والتمثيل، لخطر الخطة التي تنازعا عليها، وعظيم النفع والضرر الذي يحصل من خطأ المخطىء، وصواب المصيب بها؛ ولأن الهداية والنذارة والتذكير أمور لها أنزل القرآن، فتنازعهما عليها تنازع عليه، فأحق فصل أن نمثل به لنعلم فصله هو بين المتنازعين فيه.
وها نحن نعرض بعض حال كل طائفة في قيامها بالخطة، ثم نسوق آيات القرآن، وننظر من أسعد الطائفتين بها:
الطائفة الأولى: يذكرون من يدعونهم بغير القرآن بأحزاب وأوراد من وضعهم، لا مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا قليلا.
ولهم عليهم في أموالهم حق في أوقات من السنة معلومة.
والطائفة الثانية: يذكرون الناس بالقرآن فيأمرونهم بقراءته وتدبره، ويبينون لهم معانيه، ويحثونهم على التمسك به والرجوع إليه.
ويدعونهم إلى الأذكار النبوية الثابتة في الكتب الصحاح، لرجوعها إلى القرآن لحكم قوله تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه﴾[الحشر: 7] ولا يطلبون عليهم في ذلك أجرا.
والله تعالى يقول في الحال الأول: ﴿فذكر بالقرآن﴾[ق: 45]. وغيرها من الآيات المتقدمة في هذا المجلس.
ويقول- تعالى- في الحال الثاني لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿قل ما أسألكم عليه أجرا إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا﴾[الفرقان: 57]، ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى﴾[الشورى: 23].
ويقول في آية صريحة صراحة تامة في بيان من يجب أن يتبع من الدعاة: ﴿اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون﴾[يس: 21].
ومن هم المهتدون؟
هم المتبعون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: ﴿فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون﴾[الأعراف: 158].
واتباعه بالنسبة لموضوعنا هو اتباعه في طريق دعوته الخلق إلى الله.وقد ثبت بالقرآن أنه كان يدعو بالقرآن، ويذكر به، وأنه لا يسأل على ذلك أجرا.
بان- والحمد لله- بما ذكرنا حكم القرآن بين الطائفتين، واتضح طريق الحق في الدعوة والإرشاد لمن يريد سلوكه منهما».["تفسيره" (2/ 11- 13)].
3. «ليس كلُّ من زعم أنه يدعو إلى الله يكون صادقا في دعواه، فلا بد من التفرقة بين الصادقين والكاذبين. والفرق بينهما- مستفاد من الآية- بوجهين:
الأول: أن الصادق لا يتحدث عن نفسه، ولا يجلب لها جاهلا ولا مالا، ولا يبغي لها من الناس مدحا ولا رفعة.
أما الكاذب فإنه بخلافه فلا يستطيع أن ينسى نفسه في أقواله وأعماله.
وهذا الفرق من قوله تعالى: ﴿إلى الله﴾.
الثاني: أن الصادق يعتمد على الحجة والبرهان، فلا تجد في كلامه كذبا ولا تلبيسا ولا ادعاء مجردا، ولا تقع من سلوكه في دعوته على التواء ولا تناقض ولا اضطراب.
وأما الكاذب فإنه بخلافه فإنه يلقي دعاويه مجردة، ويحاول تدعيمها بكل ما تصل إليه يده، ولا يزال لذلك في حنايا وتعاريج لا تزيده إلا بعدا عن الصراط المستقيم.
وهذا الفرق من قوله تعالى: ﴿على بصيرة﴾»["تفسيره" (1/ 127)].
دعاة الله ودعاة الشيطان
«أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو إلى سبيل ربه، وهو الأمين المعصوم، فما ترك شيئا من سبيل ربه إلا دعا إليه.
فعرفنا بهذا أن ما لم يدع إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فليس من سبيل الرب جل جلاله.
فاهتدينا بهذا -وأمثاله كثير- إلى الفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، ودعاة الله ودعاة الشيطان.
فمن دعا إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو من دعاة الله، يدعو إلى الحق والهدى.
ومن دعا إلى ما لم يدع إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو من دعاة الشيطان يدعو إلى الباطل والضلال».["تفسيره" (1/ 136)].
تنبيه للخطباء
1. «أكثر الخطباء في الجمعات اليوم في قطرنا يخطبون الناس بخطب معقدة مسجعة طويلة من مخلفات الماضي، لا يراعى فيها شيء من أحوال الحاضر وأمراض السامعين، تلقى بترنم وتلحين، أو غمغمة وتمطيط، ثم كثيرا ما تختم بالأحاديث المنكرات، أو الموضوعات.
هذه حالة بدعية في شعيرة من أعظم الشعائر الإسلامية سد بها أهلها بابا عظيما من الخير فتحه الإسلام، وعطلوا بها الوعظ والإرشاد وهو ركن عظيم من أركان الإسلام.
فحذار أيها المؤمن من أن تكون مثلهم إذا وقفت خطيبا في الناس، وحذار من أن تترك طريقة القرآن والمواعظ النبوية إلى ما أحدثه المحدثون.
ورحم الله أبا الحس-كرم الله وجهه فقد قال: "الفقيه كل الفقيه كل الفقيه، من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكره، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه"».["تفسيره" (1/ 145- 146)].
2. «انظر إلى هذه الحكمة في هذا الترتيل كيف كان تنزل آياته على حسب الوقائع، أليس في هذا قدوة صالحة لأئمة الجمع وخطبائها في توخيهم بخطبهم الوقائع النازلة وتطبيقهم خطبهم على مقتضى الحال؟
بلى والله! بلى والله!
ولقد كانت الخطبة النبوية، والخطب السلفية كلها على هذا المنوال، تشتمل مع الوعظ والتذكير على ما يقتضيه الحال.
وأما هذه الخطب المحفوظة المتلوة على الأحقاب والأجيال فما هي إلا مظهر من مظاهر قصورنا وجمودنا.
فإلى الله المشتكى وبه المستعان».["تفسيره" (2/ 58- 59)].
منقبة للدُّعاة إلى الله
«قد سمى الله تعالى الجهاد بالقرآن جهادا كبيرا. وفي هذا منقبة كبرى للقائمين بالدعوة إلى الله بالقرآن العظيم. وفي ذلك نعمة عظيمة من الله عليهم حيث يسرهم لهذا الجهاد، حتى ليصح أن يسموا بهذا الإسم الشريف "مجاهدون". فحق عليهم أن يقدروا هذه النعمة، ويؤدوا شكرها بالقول والعمل، والإخلاص والصبر والثبات واليقين».["تفسيره" (2/ 73- 74)].
الدَّاعي إلى الله لا ينقطع ولو لم يتبعه أحد
«الداعي يدعو ولا ينقطع عن الدعوة ولو لم يتبعه أحد، لأنه يعلم أن أمر الهدى والضلال إلى الله، وإنما عليه البلاغ، وأنه يصبر على ما يلقى من إعراض وعناد وكيد وأذى دون أن يجازي بالمثل أو يفتر في دعوته من أذاه؛ لعلمه بأن الذي يجازي إنما هو الله».["تفسيره" (1/ 150)].
هذا ما يسَّر الله جمعه والوقوف عليه
والحمد لله رب العالمين.
فتحي إدريس
17/شوال/1343


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 12 Jul 2017 الساعة 01:20 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 Jul 2017, 09:12 AM
أبو عمر محمد أبو عمر محمد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
المشاركات: 176
افتراضي

جمع طيب مبارك بترتيب حسن مناسب
جزاك الله خيرا أبا حذيفة
و رحم الله العلامة ابن باديسٍ رحمة واسعة
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 Jul 2017, 07:21 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

جمعٌ طيبٌ كصاحبه
جزاك الله خيرا ورحم الله إمامنا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 Jul 2017, 08:57 PM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي

جمعٌ مباركٌ نفيسٌ من حفيدٍ من أحفاد ابن باديس رحمه الله.
جزاكم الله خيرا على التذكير، وجعلنا الله من الدعاة إليه، وبلغنا منازل العاملين ودرجات الأتقياء.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013