مجانبة الخصومة والجدال بالباطل

[أم الرميصاء الجزائرية]

مجانبة الخصومة والجدال بالباطل

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1): ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل))، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمُ خَصِمُونَ}.
ولما تخلَّف كعب بن مالك(2) رضي الله عنه عن غزوة تبوك، وجاء المخلفون يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم وجلس بين يديه، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:((ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك))؟ فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلاً، ولكني والله لقد علمت لئن حدَّثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عليّ ليوشكن الله أن يُسخطك عليّ...الحديث.

قال النووي(3): ((قوله: ((أعطيت جدلاً)) أي: فصاحة وقوة في الكلام وبراعة بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إليّ إذا أردت)).
ــــــــــــــــــــــ
(1)رواه الترمذي(رقم:3252) وقال: هذا حديث حسن صحيح .
(2)وواه البخاري_رقم:4418)، ومسلم(رقم:2769).
(3)شرح صحيح مسلم(17/91).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه(1): ((إن للخصومات قحماً وإن الشيطان يحضرها)).
وقال جعفر بن محمد(2): ((إياكم والخصومات في الدين، فإنها تُشغل القلب وتُورث النفاق)).
وقال الإمام مالك(3): ((الجدال في الدين يُنشئ المراء، ويذهب بنور العلم من القلب، ويقسي القلب، ويورث الضغن)).
وقال الإمام الشافعي(4): ((من إذلال العلم أن تناظر كل من ناظرك وتقاول كل من قاولك)).
وقال الوزاعي(5): ((بلغني أن الله إذا أراد بقوم شرًّا ألزمهم الجدل ومنعهم العمل)).
وقال القاسم بن عثمان الجوعي(6): ((إذا رأيت الرجل يخاصم فهو يحب الرئاسة)).
وقال شيخ الإسلام(7): ((وما أثر من يُحتج به من المنتسبين إلى علم أو عبادة، بحجج ليست من أصول العلم، وقد يُبدي ذوو العلم له مستندًا من الأدلة الشرعية، والله يعلم أن قواه وعمله بها ليس مستندًا إلى ذلك، وإنما يذكرها دفعًا لمن يناظره.
و المجادلة المحمودة إنما هي إبداء المدارك التي هي مستند الأقوال و الأعمال، وأما إظهار غير ذلك، فنوع من النفاق في العلم و العمل)).
ــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة (6/169).
(2) فضل علم السلف على علم الخلف(ص36).
(3) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم(ص212)من طريق الزبير بن بكار عن الحارث بن مسكين عن عبد الله بن وهب قال: سمعت مالكًا يقول:فذكره.
وإسناده صحيح.
(4)انظر: مناقب الشافعي للبيهقي(2/151).
(5)سير أعلام النبلاء (7/121).
(6)سير أعلام النبلاء (12/79).
(7)مجموع الفتاوى (4/194-195).

وقال أبوبكر الآجري رحمه الله(1): ((اعلموا أن من صفة العالم العاقل الذي فقهه الله في الدين ونفعه بالعلم أن لا يجادل ولا يُماري ولا يغلب بالعلم إلا من يستحق أن يغلبه بالعلم الشافي، وذلك يُحتاج في وقت من الأوقات إلى مناظرة أحد من أهل الزيغ ليدفع بحقه باطل من خالف الحق وخرج عن جماعة المسلمين، فتكن غلبته لأهل الزيغ تعود بركة على المسلمين على جهة الاضطرار إلى المناظرة لا على الاختيار لأن من صفة العالم العاقل أن لا يجالس أهل الأهواء ولا يجادلهم)).
وقال أيضًا(2): ((ومن صفة هذا العالم العاقل إذا عارضه في مجلس العلم و المناظرة بعض من يعلم أنه يريد مناظرته للجدل و المراء و المغالبة, ولو أتاه بكل حجة مثلها يجب أن يقبلها, لم يقبل ذلك ونصر قوله.
ومن كان هذا مراده لم تؤمن فتنته ولم تحمد عواقبه)).
وقال الحافظ ابن رجب(3): ((فما سكت عن كثرة الخصام و الجدال جهلاً ولا عجزًا، ولكن سكتوا عن علم وخشية لله، وما تكلم من تكلم وتوسع من توسع بعدهم لاختصاصه بعلم دونهم، ولكن حبًّا للكلام وقله الورع، كما قال الحسن-وسمع قومًا يتجادلون-:هؤلاء ملُّوا العبادة وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكّلموا)).
ــــــــــــــــــــ
(1) أخلاق العلماء (ص39).
(2) أخلاق العلماء (ص42-43).
(3)فضل علم السلف على علم الخلف(ص34،35).

نقلاً من كتاب: النُبَذُ في آداب طلب العلم
لفضيلة الشيخ حمد بن إبراهيم العُثمان-حفظه الله-
الدارُ الأثرية(ص 192-194)

أم الرميصاء الجزائرية غفر الله لها و لوالديها