منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 Feb 2010, 08:45 AM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي نَشأَةُ عِلمِ مُصطَلَحِ الحَدِيث

بسم الله الرحمن الرحيم



نَشأَةُ عِلمِ مُصطَلَحِ الحَدِيث
(الجزء الأول)





لقد ثبتَت عدالةُ الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ بتوثيق الله ـ عز وجل ـ ورسولِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم، ولهذا فإنَّ الكذِب لم يَكن معلومًا في تاريخهِم ـ رضي الله عنهم ـ، وهذا خِلافًا لما يَزعُمُه الشِّيعَةُ الرَّوافِض ـ لعَنَهم الله ـ.
ومَن تأمَّل في رِواياتِ الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ عَلِم أن ليس كلُّ ما يروُونه قد سَمِعُوه مباشَرَة مِن النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فربَّما سمِعُوه من بعضِهِم البَعض.
روى الحسن البصري ـ رحمه الله ـ، عن أنس بن مالِك ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال:
"ليسَ كلُّ ما نُحدِّثُكم عن رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سمِعناهُ مِنه، ولَكِن حدَّثنا أصحابُنا، ونَحن قومٌ لا يُكذِّبُ بعضُهم بعضًا" (1).
وعن البَراءِ بنِ عَازِبٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: "مَا كُلُّ الحَدِيث سَمِعناهُ مِن رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كان يُحدِّثُنا أصحابُنا عَنه، كانَت تَشغَلُنا عَنه رَعِيَّةُ الإِبِل" (2).
وفي رواية أخرى:"لَيس كُلُّنا كانَ يَسمَعُ حدِيثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانَت لَنا ضَيعَةٌ،وأَشغَالٌ،ولكِنَّ النَّاس لم يَكُونُوا يَكذِبُون يَومَئِذ فَيُحدِّثُ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"(3).
ـ التَّحرِّي في الأخبار علَى عَهدٍ الصَّحابَة ـ رضي الله عنهم ـ:
وقد كان الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ مِن أشدِّ النَّاس تَحرِّيًا في قَبول أحادِيثِ النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأوَّل مَن وَقى الكَذِب عَن رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أبو بَكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ(4).
قَال الإِمامُ الذَّهبيُّ ـ رحمه الله ـ: "وهُو أوَّل مَنِ احتَاط فِي قَبول الأَخبَارِ"(5)، وقال: "وإِلَيه المُنتَهى فِي التَّحرِّي في القَول والقَبُول".
وكذلك عُمَر بن الخطَّاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ؛ كانَ لهمَا دَورٌ في هَذا الشَّأن؛ فهُمَا أوَّل مَن فتَّش عَن الرِّجال فِي الرِّواية، وبحثَ عَن النَّقل في الأَخبَار، ثمَّ تَبِعهم النَّاس على ذلك(6).
ولـمَّا ذكَر الحاكِم ـ رحمه الله ـ طبَقاتِ المتكلِّمين في الرِّجال قال: "الطَّبقة الأُولى منهم: أبو بكرٍ، وعُمَر، وعليٌّ، وزَيدُ بن ثابِتٍ؛ فإنَّهم قَد جرَّحوا وعدَّلوا وبَحثُوا عن صحَّة الرِّوايات وسُقمِها"(7).
وكذلك عائِشة ـ رضي الله عنها ـ؛ لها أقوالٌ في هذا، وقد جمع الزَّركَشِي استِدراكاتِها على الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ في "الِإجَابَةُ لِـمَا استَدرَكَتهُ عَائِشَة عَلَى الصَّحَابَة"(8).
وقد تكلَّم صحابةٌ آخَرون في نَقد الرِّجال في زمن الشَّيخَين ـ رضي الله عنهما ـ.
وأخَذ هذا المَنهَج في السَّير رُوَيدًا رُوَيدًا، وممَّا جاء عنهُم ـ رضي الله عنهم ـ:
ـ عن قَبِيصَة بن ذُؤَيبٍ، أنَّه قال: جاءَت الجَدَّة إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيق تسأَلُه ميراثَها، فقَال لها أَبُو بكرٍ: "مَا لَكِ فِي كِتابِ اللهِ شيءٌ، ومَا عَلِمتُ لَكِ في سنَّة رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئًا، فارجِعِي حتَّى أسأَلَ النَّاس". فسأَلَ النَّاس، فقال المغِيرَةُ بن شُعبة: "حضَرتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطَاهَا السُّدس". فقال أَبُو بكرٍ: "هَل مَعَك غيرُك؟"، فقام محمَّد بن مَسلَمة الأنصاري، فقال مثلَ مَا قال المُغِيرة، فأَنفَذه لها أبو بكرٍ الصِّدِّيق.
ثمَّ جاءَت الجدَّة الأُخرى إلى عُمَر بن الخطَّاب تسأَلُه ميراثَها، فقال لها: "ما لَكِ في كِتاب اللهِ شيءٌ، ومَا كان القَضاءُ الَّذي قُضِي بِه إلَّا لِغَيرك، وما أنا بزائِدٍ في الفَرائِض شيئًا، ولكنَّه ذلِك السُّدس، فإن اجتَمَعتُما فِيه فهُوَ بَينَكُما، وأيُّكما خَلَت بِه فهُوَ لهَا"
(9).
ـ عن أبي سعيدٍ الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "كُنت في مجلسٍ من مجالِس الأَنصَار، إذ جَاء أبو مُوسَى كأنَّه مَذعُورٌ، فقَال: استأذَنتُ على عُمَر ثلاثًا فَلَم يُؤذَن لِي فرَجَعتُ، قال: ما مَنَعك؟ قُلت: استَأذَنتُ ثلاثًا فَلَم يُؤذَن لِي فرَجَعتُ، وقَال رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إِذَا استَأذَنَ أَحَدُكُم ثَلَاثًا فَلَم يُؤذَن لَه فَلْيَرجِعْ". فقَال: والله لتُقِيمَنَّ علَيه بيِّنَةً، أَمِنكُم أحدٌ سمِعَه مِن رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ قال أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: واللهِ لا يَقُوم معَكَ إلَّا أصغَرُ القَوم، فكُنتُ أَصغَر القَوم. فقُمتُ معَهُ، فأَخبَرتُ عُمَر أنَّ النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالَ ذلِك"(10)، وفي رواية مالكٍ: أنَّ عُمَر ـ رضي الله عنه ـ قالَ لَهُ: "أَمَا إِنِّي لَم أَتَّهِمكَ، ولكِن خَشِيتُ أن يَتقوَّل النَّاسُ علَى رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ"(11).
قال الإمام ابنُ حِبَّان ـ رحمه الله ـ: "قد أخبَر عُمَر بن الخطَّاب أنَّه لم يتَّهِم أبَا مُوسَى في روايَتِه، وطَلَب البَيِّنة مِنه علَى ما أَرَاد تَكذِيبًا له، وإنَّما كان يُشدِّد فِيه لأَن يَعلَم النَّاسُ أنَّ الحدِيثَ عن رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسل ـ شدِيدٌ، فلا يَجِيءُ مِن بَعدِهم مَن يجتَرِئُ فيَكذِبُ عَلَيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويَتَقوَّل علَيه مَا لَم يَقُل حتَّى يدخُلَ بذلِك فِي سَخَط اللهِ ـ عز وجل ـ"(12). اهـ
وقال الإمام النَّووي ـ رحمه الله ـ: "وقد تعلَّق بهذا الحدِيثِ مَن يقُول لا يُحتَجَّ بخَبر الواحِدِ، وزَعَم أنَّ عُمَر ـ رضي الله عنه ـ رَدَّ حدِيثَ أبِي مُوسَى هذَا لِكَونِه خَبر واحِدٍ، وهذَا مَذهَبٌ باطِلٌ، وقَد أَجمَع مَن يُعتَدُّ به على الاِحتِجاج بخَبر الواحِدِ، ووُجُوب العَمَل بِه.
وأمَّا قولُ عُمَر: فلَيسَ معناهُ ردُّ خَبر الواحِدِ مِن حَيثُ هو خَبر واحِدٍ، ولكن خاف عُمَر مُسارَعَة النَّاس إلى القَول علَى النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتَّى يقُولَ بعضُ المبتَدِعين، أوِ الكاذِبِين، أو المنافِقِين، ونحوِهِم ما لم يَقُل، وأنَّ كلَّ مَن وَقَعت لَه قضيَّةٌ وَضَع فِيهَا حديثًا علَى النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأرادَ سدَّ البَاب خَوفًا مِن غَير أبي مُوسَى، لا شكًّا في روايَة أبِي مُوسَى
"(13).
ـ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: قُلتُ لابنِ عبَّاسٍ: إنَّ نَوفًا البِكاليَّ يَزعُم أنَّ مُوسَى لَيسَ مُوسَى بَنِي إِسرَائِيل، إنَّما هُو مُوسَى آخَرُ، فقَال: "كَذَبَ عَدوُّ الله(14)، حدَّثنِي أُبَيُّ بنُ كعبٍ عنِ النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسرَائِيلَ" الحدِيث(15)، وفِيه قصَّة الخَضِر.
ـ عن حُمَيد بن عبدِالرَّحمن أنَّه سمِعَ مُعاوِيَة بن أبِي سُفيَان ـ رضي الله عنهما ـ يحدِّث رَهطًا مِن قُريشٍ بالمدِينَة، وذَكَر كَعب الأَحبَار، فقَال: "إِن كَان مِن أَصدَق هَؤلَاء المُحدِّثِين الَّذِين يحدِّثُون عَن أَهلِ الكِتاب، وإِن كُنَّا معَ ذلِك لَنَبلُو علَيه الكَذِب"(16).
ـ عن مجاهِد بن جَبرٍ المكِّي، قال: جاءَ بُشَيرٌ العَدَويُّ إلى ابنِ عبَّاسٍ، فجَعَل يحدِّث ويَقُول: قالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجَعَل ابنُ عبَّاسٍ لَا يَأذَن [لَا يَسمَع] لِحَدِيثِه، ولَا يَنظُر إِلَيه، فقَال: يَا ابنَ عبَّاسٍ! مَا لِي لَا أَرَاك تَسمَعُ لحدِيثي؟ أحدِّثكَ عن رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تَسمَع! فقَال ابن عبَّاسٍ: "إنَّا كُنَّا مَرَّةً إذا سَمِعنا رَجلًا يقُول: قالَ رسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابتَدَرتهُ أبصارُنَا، وأَصغَينا إِلَيه بآذانِنا، فلمَّا ركِبَ النَّاسُ الصَّعبَ والذَّلُول لم نَأخُذ مِن النَّاس إِلَّا مَا نَعرِف"(17).
وهذا الكلام مِن الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ في أُناسٍ مِن التَّابعين، وإلَّا فإنَّ الصَّحابة لم يُكذِّب بعضُهم بعضًا ـ كما سبق بيانُه ـ، وهذا هُوَ منهَجُهم في الرِّواية.




نَشأَةُ عِلم مُصطَلَح الحَدِيث
(الجُزء الثَّانِي)

رأينا في الجزء الأول نشأة علم الحديث في عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، وأنه كان قواعد راسخة، ومسلمة عندهم، وتمثل ذلك في بعض الآثار الواردة عنهم.
وفي هذا الجزء نرى نشأة علم المصطلح في عهد التابعين، ثم تابعيهم، ونذكر بعض ما ورد عنهم من آثار، حتى تتبين لنا أصالة هذا المنهج السلفي، الذي تميزت به هذه الأمة، وسار عليه أئمتها من لدنهم، إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خلافا لما يتبجح به بعض ممن لم يفقه هذا المصطلح، وصار يقرر القواعد، ويبني عليها أحكاما؛ فظهر لنا منهج جديد غير الذي عرف عند هؤلاء الأفذاذ من العلماء، وسموه بـ"منهج المتقدمين والمتأخرين".
وسأذكر فيما بعد ـ إن يسر الله عز وجل ـ خلاصة هذا المذهب، ورد بعض ما أورده أصحابه من شبه، نقلا عن مشايخنا الكرام.

* التَّحرِّي في الأَخبَار علَى عَهدِ التَّابِعِين(18):
ثمَّ جاء عصر التَّابعين؛ فظهَر جماعةٌ مِن ساداتِهم ممَّن أخَذَ مَسلَك الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ في التَّحرِّي والتَّيقُّظ في روايَة الحدِيث، منهم:
عليُّ بن الحسين بن علي (ت: 93هـ)، وسعيد بن المسيِّب (ت: 94هـ)، وأبو سَلَمة بنُ عبدالرَّحمن بن عَوف (ت: 94هـ)، وعُبَيدالله بن عبدالله بن عُتبة (ت: 94هـ)، وعُروَة بن الزُّبَير بن العَوَّام (ت: 94هـ)، وأبو بكر بن عبدُالرَّحمن بن الحارِث بن هِشام (ت: 94هـ)، وخارِجةُ بن زَيد بن ثابت (ت: 100هـ)، والقاسِم بن محمَّد بن أبي بكر (ت: 106هـ)، وسالمُ بن عبدِالله بن عمر (ت: 106هـ)، وسُليمانُ بن يَسار (ت: 107هـ).
وكلامُهم في الرُّواة كثيرٌ؛ وذلِك بسبَبِ الفِتن والبِدَع، قال الإِمام محمَّد بن سِيرين ـ رحمه الله ـ: "لم يَكُونوا يَسأَلون عنِ الإِسنَاد، فلمَّا وَقَعت الفِتنَة(19)، قالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُم؛ فيُنظَرُ فِي أَهلِ السُّنَّة فيُؤخَذُ حدِيثُهم، ويُنظَر فِي أهلِ البِدَع فَلَا يُؤخَذُ عَنهُم"(20).
وقال ـ رحمه الله ـ: "إنَّ هذَا العِلم دِينٌ، فانظُرُوا عمَّن تَأخُذون دِينَكم"(21).
وقال عبدُالله بن المبارَك ـ رحمه الله ـ: "الإِسنادُ [عِندِي] مِن الدِّين، ولَولَا الإِسنادُ لقَالَ مَن شَاءَ مَا شَاءَ، [فإِذا قِيلَ لَه: مَن حَدَّثكَ؟ بَقِي]"(22)، أي حائِرًا.
وقال ـ رحمه الله ـ: "بَينَنا وبَين القَوم القَوائِمُ" يعني: الإسناد(23).
وقد ذَكر الإِمامُ مسلِمٌ ـ رحمه الله ـ بعضَ أقوالهم في مقدِّمة "صحيحه".

* التَّحرِّي في الأَخبَار علَى عَهدِ تابِعِي التَّابِعِين:
ثمَّ أخَذ عن هؤلاء التَّابِعين ساداتُ القَوم مِن تَابِعي التَّابعين، وبَرز النَّقدُ، والكلامُ في الرُّواة جرحًا وتعديلًا، وبذَل أهلُ العِلم فِي ذلِك الزَّمن قُصارَى جُهدِهم لحِمايَة الحدِيث مِن الكَذِب والتَّقوُّل علَى رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
فظَهَر جماعَةٌ مِن المتكلِّمِين فِي الرِّجال؛ منهم:
محمَّد بن شِهابٍ الزُّهري (ت:124هـ)، ويحيى بن سعِيدٍ الأنصاري (ت: 143هـ)، وهشام بن عُروة (ت: 145هـ)، وسَعد بن إِبراهِيم (ت: 127هـ).
إلَّا أنَّ أكثَرَهم تيقُّظًا، وأَوسَعهم حفظًا، وأَدوَمَهم رِحلةً، وأعلَاهم همَّةً الزُّهريُّ ـ رحمه الله ـ(24).
ثمَّ جاءَ مِن بَعدِهم مِن الأئمَّة؛ فأخَذُوا عَنهم هذَا المَنهَج القَوِيم، ومنهم:
عبدالرَّحمن بن عَمرٍو الأوزاعِيُّ (ت: 157هـ)، وشُعبة بن الحَجَّاج (ت: 160هـ)، وسُفيان بن سعِيد الثَّوريُّ (ت: 161هـ)، وحمَّاد بن سَلَمة (ت: 167هـ)، واللَّيث بن سَعدٍ (ت: 175هـ)، ومالِكُ بن أنسٍ (ت: 179هـ)، وحمَّاد بن زيدٍ (ت: 179هـ)، وسُفيانُ بن عُيَينة (ت: 198هـ).
إلَّا أنَّ مِن أشدِّهم انتِقاءً للسُّنن، وأكثرِهِم مُواظَبةً علَيها، ثَلاثةُ أَنفُس:
مالِكٌ، والثَّوريُّ، وشُعبَة(25).
ثمَّ أخَذ عَن هَؤلاءِ جماعَةٌ؛ مِنهم:
عبدُالله بن المبارَك (ت: 181هـ)، ووَكِيع بن الجَرَّاح (ت: 197هـ)، ويحيى بن سعِيد القَطَّان (ت: 198هـ)، وعبدُالرَّحمن بن مَهدِي (ت: 198هـ)، ومحمَّد بن إِدرِيس الشَّافِعي (ت: 204هـ)، وقد أُثِر عنه كلامٌ فِي هذا البَاب في كِتابه "الرِّسَالَة"؛ فقَد تعرَّض لبعض المسائِل المتعلِّقة بمُصطَلح الحدِيث، وذكر بعضَ القَواعِد مِنه في كتابه "الأمّ"، وألَّف كتابَه "اختلاف الحديث"(26) وهو نوعٌ مِن عُلومِه.
إلَّا أنَّ مِن أكثَرِهم تنقِيرًا عن شَأن المحدِّثين، وأترَكِهم للضُّعفاء والمتروكِين، رجلَان:
يَحيى بن سعِيد القَطَّان، وعبدُالرَّحمن بن مَهدِي(27).
ثمَّ أخَذ عَن هَؤلَاء مَسلَك الحدِيثِ والاِختِبار وانتِقاءِ الرِّجَال فِي الآثَار جماعَةٌ؛ مِنهم:
أحمدُ بن حنبل (ت: 241هـ)، وله "كتابُ العِلَل ومَعرِفَة الرِّجال"(28)، ويحيى بن مَعِين (ت: 233هـ)، وله "كتاب العِلَل في مَعرِفَة الرِّجال"(29)، وعليُّ بن المدِيني (ت: 234هـ)، وله "العِلَل"(30)، وكتبٌ أُخرَى.
وأبو بكر بن أبي شَيبَة (ت: 235هـ)، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ـ ابن راهَوَيه ـ (ت: 238هـ)، وعُبَيدالله بن عُمَر القَوارِيرِي (ت: 235هـ)، وزُهَير بن حَربٍ أبو خَيثَمَة (ت: 234هـ).
إلَّا أنَّ أَورَعَهم في الدِّين وأكثَرَهم تفتِيشًا على المتروكِين، وألزَمَهم لهذِه الصِّناعَة على دائِم الأَوقاتِ:
أحمدُ بن حَنبَل، ويحيَى بن مَعِين، وعليُّ بن المَدِيني(31).

نشأة علم مصطلح الحديث
(الجزء الثالث)

ـ ظُهُور بَوادِر عِلم الحَدِيث:
وقد ظهَرَت بعضُ بوادِرِ عِلم المصطَلَح؛ حيثُ كَتَب بعضُ عُلَماء هذَا العَصر [أي القرن الثالث] في مَسائِل مُفرَدَة مِن أنواعِ عُلُوم الحدِيث ضِمن مُؤلَّفات أُخرَى، أو في نوعٍ مِن أنواعِ عُلوم الحدِيث:
فكتب النَّضْر بن شُمَيل (ت: 203هـ)، وأبو عُبَيد القاسِم بن سَلاَّم (ت: 224هـ) في "غريب الحديث"، كما كتَب عليُّ بن المديني في جُملَةٍ مِن أنواعِه.
ثمَّ أخَذ عَنهُم جماعَةٌ؛ مِنهم:
محمَّد بن يحيَى الذُّهلي النَّيسابُوري (ت: 258هـ)، وعبدُالله بن عبدالرَّحمن الدَّارِمي (ت: 255هـ)، وأبو زُرعَة عُبَيدالله بن عبدالكرِيم الرَّازِي (ت: 264هـ)، ومحمَّد بن إِسماعِيل البُخاري (ت: 256هـ)، ومُسلِم بن الحَجَّاج النَّيسابوري (ت: 261هـ)، ـ له كلامٌ في "المقدمة"، و"التَّمييز"، و"الطَّبقات" ـ، وأبو داود سُليمانُ بن الأَشعَث السِّجِستَاني (ت: 275هـ)(32)، ـ له كلامٌ في "رسالته إلى أهل مكَّة"(33) ـ.
ثمَّ أخَذ عنهُم العلَماء بعدَهم، حتَّى صُنِّفت في ذلِك الكُتُب، وأُلِّفت المؤلَّفات في الرُّواة عمومًا، وفي المجرُوحِين والثِّقات خصوصًا، وأُلِّفت عِلَل الأحادِيث، وغَيرِها مِن أنواع علُوم الحدِيث:
فكَتب محمَّد بن عِيسى التِّرمذي (ت: 279هـ) "العِلل الكبير"(34)، و"العِلل الصَّغير"(35)، وكتَب عبدُالرَّحمن بن أبي حاتِم الرَّازي (ت: 327هـ) "العِلَل"(36)، و"المراسِيل"، و"الجرح والتَّعديل"(37)، وكتَب محمَّد بن حِبَّان البُستي (ت: 354هـ) في جملة مِن أنواع عُلُوم الحديث، ذكرها الخطيب البغدادي في "الجامِع".
ثمَّ توالَتِ الكِتاباتُ غيرُ المستَقِلَّة، إلى أَن ظَهَرت أوَّل محاوَلَةٍ فِي القَرنِ الرَّابِع الهِجرِي.

ـ المؤلفات في مصطلح الحديث:
ـ فجاء الإمام أبو محمد الحسن بن عبد الرَّحمن بن خلاَّد الرّامَهُرْمُزِي ـ رحمه الله ـ (ت: 360هـ)، فألف: "المُحَدِّثُ الفَاصِلُ بَينَ الرَّاوِي وَالوَاعِي"(38).
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "وهو أول كتاب صنف في علوم الحديث في غالب الظن، وإن كان يوجد قبله مصنفات مفردة في أشياء من فنونه، لكن هذا أجمع ما جمع في ذلك في زمانه"(39)، وقال: "لكنه لم يستوعب"(40)، قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ تعليقا على هذا الكلام: "أي: لم يأت بالاصطلاحات كلها؛ لأنه من أول من صنف في هذا العلم"(41)، وعلق عليه الدكتور محمد عجاج الخطيب ـ رحمه الله ـ فقال: "لا ينقص من قيمة هذا الكتاب، الذي يعتبر أول ما صنف في هذا العلم، ودائما تعقب المحاولة الأولى في كل عمل محاولات تُتِمُّ ما فات سابقاتها، حتى ينتهي الأمر إلى الكمال"(42).
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ: "وما أحسنه من كتاب! قيل: إن السِّلفي كان لا يكاد يفارق كمه، يعني في بعض عمره"(43).
تميَّز الكتاب: بنقله عن الأئمة المتقدمين بالأسانيد فيما يختارونه، وتفرده بنقل بعض النصوص.
وقد ذكر في كتابه: فضل طلب الحديث وآدابه والرحلة إليه، وضبط أسماء بعض الرواة وكناهم، وطرق التحمل، وتوسع في ذكر ألفاظ الأداء عند المتقدمين، وكتابة الحديث وضبطه وتصحيحه.
ـ ثم تلاه الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبدالله النيسابوري المعروف بابن البَيِّع ـ رحمه الله ـ (ت: 405هـ)(44)، فألَّف: "مَعرِفَةُ عُلُومِ الحَدِيثِ"(45).
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "لكنه لم يهذب ولم يرتب" (46).
وقد ذكر الحاكم ـ رحمه الله ـ في كتابه هذا اثنين وخمسين نوعًا من أنواع علوم الحديث.
وتميَّز بـ: نقله عن الأئمة المتقدمين بالأسانيد، وكثرة ضرب الأمثلة لكل نوع، وكثرة فوائده.
والكتاب يحتاج إلى تهذيب العبارات وضبطها حتى يتضح المراد من بعض التعريفات.
ـ ثم تلاهم الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ـ رحمه الله ـ (ت: 430هـ)(47)، فألَّف مستخرَجًا على كتاب الحاكم، سماه: "مَعرِفَةُ عُلُومِ الحَدِيثِ عَلَى كِتَابِ الحَاكِمِ"(48).
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "وأبقى أشياء للمتعقب"(49).
ـ ثم تلاهم أبو بكر علي بن ثابت بن أحمد المعروف بالخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ (ت: 463هـ)(50)، فألَّف:
في الآداب: "الجَامِعُ لِأَخلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ"(51).
قال الإشبيلي ـ رحمه الله ـ في "فهرسته"(52) عنه: "إنه من جيّد الكتب".
وقال الكتاني ـ رحمه الله ـ في "الرسالة المستطرفة"(53): "إنه غاية في بابه".
خصَّص الخطيب كتابه هذا لآداب الرَّاوي والسَّامع، والحثِّ على الرِّحلة في طلب الحديث، وقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثين بابًا، وتحت كل باب عناوين جزئية هي بمثابة الفصول لتلك الأبواب، وقد بلغت هذه الفصول ثلاثًا وثلاثين ومائتي فصلًا.
وفي قوانين الرواية: "الكِفَايَةُ فِي عِلمِ الرِّوَايَةِ"(54).
ويحتوي الكتاب على أربعين بابًا ممَّا صرَّح الخطيب بتسميته بابًا، وما لم يصرِّح به فتسعة وعشرون.
ويمتاز بـ: كثرة ترجيحه وتلخيصه للآراء الَّتي يعرضها مقرونةً بالتَّوجيه والتَّعليل، وتوسُّعه في تحرير وضبط كتابة الحديث وأدائه، وجمعه لكثير من قواعد المصطلح والجرح والتَّعديل.
قال الحافظ ابن نقطة: "وله مصنفات في علوم الحديث لو يسبق إلى مثلها، ولا شبهة عند كل لبيب أن المتأخرين من أصحاب الحديث عيال على أبي بكر الخطيب"(55).
وقال أبو سعد السمعاني ـ رحمه الله ـ: "للخطيب ستة وخمسون مصنفا"(56).
ـ ثمَّ تلاهم القاضي عِياض بن موسى اليَحْصُبِي المالكي ـ رحمه الله ـ (ت: 544هـ)، فألَّف: "الإِلمَاعُ إِلَى مَعرِفَةِ أُصُولِ الرِّوَايَةِ وَتَقيِيدِ السَّمَاعِ"(57).
وهذا الكتاب خاصٌّ بطُرق التَّحمُّل وألفاظ الأداء، وقد توسَّع في طرح أنواع الإجازة، وبيان الآراء فيها، كما توسَّع فيما يتعلَّق بكتابة الحديث وتصحيحه.
يمتاز الكتاب بكثرة التَّوجيه والتَّعليل للآراء المختلِفة مع التَّرجيح لما يختاره المؤلِّف من بينها.
ـ ثم تلاهم الحافِظ أبو عمرٍو عثمان بن عبد الرَّحمن الشَّهرَزُورِي ـ رحمه الله ـ (ت: 643هـ)، المعروف بابن الصَّلاح فألف: "عُلُومُ الحَدِيثِ"، وعرف بـ"مُقَدِّمَةُ ابنِ الصَّلَاحِ"(58).
ذكر الحافظُ ابن حجر ـ رحمه الله ـ أنَّ ابنَ الصَّلاح ـ رحمه الله ـ جمعه لـمَّا وَلِيَ تدريسَ الحديث بالمدرسة الأَشرَفِيَّة، فهذَّب فُنونَه، وأَملَاه شيئًا بعدَ شيء، فلِهذا لم يحصُل ترتيبَه على الوَضع المناسب، واعتنى بتَصانِيف الخطِيب المتفرِّقَة فجمَع شَتَات مقاصِدَها، وضمَّ إليها من غيرها نُخَب فوائدها، فاجتمَع في كتابه ما تفرَّق في غيره(59).
وهو يشتمل على خمسٍ وستِّين نوعًا من أنواع علوم الحديث.
ويتميَّز بالاستنباط الدَّقيق لمذاهب العلماء من أقوالهم المأثورة الَّتي نقلها الخطِيب ومَن قبله كالحاكم والرَّامَهُرمُزِيِّ، وضَبطَ التَّعريفاتِ وحرَّرها، وأَوضَح تعريفاتٍ لم يصرِّح بها مَن قبله، وهذَّب عباراتِ المتقدِّمين، وبيَّن وجوه الاعتِراض على بعضها، وعقَّب على أقوال العلماء بالتَّحقيق والتَّرجيح.
وقد أصبح هذا الكتاب عُمدةً لما بعده، ولذا قال الحافظُ ابنُ حجر ـ رحمه الله ـ: "لهذا عكف النَّاس عليه وسارُوا بسَيره؛ فلا يُحصَى كم ناظِمٍ له، ومختَصِر، ومُستَدرِك عليه، ومُقتَصِر، ومُعارِض له، ومُنتَصِر"(60).

ـ مختَصَرات "مقدِّمة ابن الصَّلاح":
1ـ "إِرشَادُ طُلَّابِ الحَقَائِقِ إِلَى مَعرِفَةِ سُنَنِ خَيرِ الخَلَائِقِ": لأبي زكريَّا يحيى بن شرف النَّووي ـ رحمه الله ـ (ت: 676هـ)، وهو مطبوع(61)، وهو أوَّل من اختصر "المقدِّمة".
2ـ "التَّقرِيبُ وَالتَّيسِيرُ لِسُنَنِ البَشِيرِ النَّذِيرِ": للإمام النَّووي ـ رحمه الله ـ أيضًا، وهو مطبوع مع شرحه: "تَدرِيبُ الرَّاوِي شَرحُ تَقرِيبِ النَّوَاوِي"(62) لجلال الدِّين السُّيوطي ـ رحمه الله ـ (ت: 911هـ).
3ـ "الاِقتِرَاحُ فِي فُنُونِ الاِصطِلَاحِ": لأبي الفتح محمَّد بن علي، المشهور بابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ (ت: 702هـ)، وهو مطبوع(63)، وهو "جزء مفيد، تضمن الوفاء بجملة وافرة من أصول علم التحديث والرواية، وختمه بجملة وافرة من الحديث، ووقعت له فيه أبحاث حسان"(64).
4ـ "المَنهَلُ الرَّوِيُّ فِي عُلُومِ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ": لبدر الدِّين بن جماعة ـ رحمه الله ـ (ت: 733هـ)، وهو مطبوع(65).
5ـ "اِختِصَارُ عُلُومِ الحَدِيثِ": للإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ (ت: 774هـ)، وقد شرحه العلَّامة أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ (ت: ) في: "البَاعِثُ الحَثِيثُ شَرحُ اختِصَارِ عُلُومِ الحَدِيثِ"، وهو مطبوع(66).
6ـ "المُقنِعُ فِي عُلُومِ الحَدِيثِ": لسراج الدِّين بن الملقن ـ رحمه الله ـ (ت: 804هـ)، وهو مطبوع(67).
7ـ "مَحَاسِنُ الاِصطِلَاحِ وَتَضمِينُ كِتَابِ ابنِ الصَّلَاحِ": لأَبِي حَفصٍ عُمَر بنِ رَسلَان سِرَاج الدِّين البُلقِينِي ـ رحمه الله ـ (ت: 805هـ)، وهو مطبوع(68).
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "اختصر فيه كتاب ابن الصَّلاح، وزاد فيه أشياء من "إِصلَاحُ ابنِ الصَّلَاحِ"(69) للحافِظ أَبي عَبدِ الله عَلَاءِ الدِّينِ مُغلَطَاي ـ رحمه الله ـ (ت: 762هـ)، فنبَّه على بعض أوهام مُغلَطاي وقلَّده في بعضها، وزاد فيه بعضَ المباحِث الأصوليَّة"(70).
وقد ذكر البُلقيني ـ رحمه الله ـ في مقدِّمة "محاسنه"(71) أنَّه زاد على ابن الصَّلاح خمسةَ أنواع تكمِلة للسَّبعين، وهي: رواية الصَّحابة بعضهم عن بعض، ورواية التَّابعين بعضهم عن بعض، ومعرفة مَن اشترك من رجال الإسناد في فقهٍ أو بلدٍ أو إقليمٍ أو غير ذلك، ومعرفة أسباب وُرُود الحديث، ومعرفة التَّاريخ المتعلِّق بالمتون.

ـ النُّكت والشُّروح على "مقدِّمة ابن الصَّلاح":
1ـ "النُّكَتُ عَلَى مُقَدِّمَةِ ابنِ الصَّلَاحِ": للإِمَام بَدرِ الدِّينِ محمَّدِ بنِ جَمَالِ الدِّين عَبدِ اللهِ الزَّركشي ـ رحمه الله ـ (ت: 794هـ)، وهو مطبوع(72).
2ـ "التَّقيِيدُ وَالإِيضَاحُ لمَا أُبهِمَ وَأُغلِقَ مِن كِتَابِ ابنِ الصَّلَاحِ": للحافظ زين الدِّين عبد الرَّحيم بن الحسين العراقي ـ رحمه الله ـ (ت: 806هـ)، وهو مطبوع(73).
قال الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ ـ بعدما أثنى على كتاب ابن الصَّلاح ـ: "إلَّا أنَّ فيه ـ أي مقدِّمة ابن الصَّلاح ـ غيرَ موضع قد خولِف فيه، وأماكِنَ أُخَرَ تحتاج إلى تقييد وتنبيه، فأردت أن أجمع عليه نُكتًا تقيِّد مُطلَقه وتفتَح مُغلَقه، وقد أَورَد عليه غيرُ واحِد من المتأخِّرين إيراداتٍ ليسَت بصحيحة، فأردت أن أذكرُها وأبيِّن تصويبَ كلامِ الشَّيخ وترجيحه"(74).
3ـ "الإِفصَاحُ عَن نُكَتِ ابنِ الصَّلَاحِ": للحافظ أبي الفضل علي بن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ (ت: 852هـ)، وهو مطبوع(75).
وهذا الكتاب ليس خاصًّا بالنُّكت على ابن الصَّلاح، بل فيه النُّكت على "التَّقيِيد وَالإِيضَاح" أيضًا؛ حيثُ رَمَز على كلِّ مسألة بحرف (ص) إشارةً إلى ابنِ الصَّلاح أو المصنِّف، وبحرف (ع) إلى العِراقيِّ.
ويمتاز كتابه بتحريرٍ دقيقٍ للمواضِع الَّتي تكلَّم فيها، حيث يعتني بما يدخُل في كلِّ مسألة من التَّقسيمات والتَّنويع مع ضرب الأمثلة والموازنة والتَّنظير لاستخلاص القواعد، وقد انتهى الكتاب بموضوع (المقلوب).

ـ نَظمُ "مقدِّمة ابن الصَّلاح":
1ـ أوَّل من نظمه الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ في ألفيَّته الَّتي أسماها: "التَّبصِرَةُ وَالتَّذكِرَةُ"، وقد شرحه النّاَظم نفسه في "شَرح التَّبصِرَةِ وَالتَّذكِرَةِ"(76).
ب ـ أبو عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحمن السَّخاوي ـ رحمه الله ـ (ت: 902هـ) في كتابه الكبير: "فَتحُ المُغِيثِ بِشَرحِ أَلفِيَّةِ الحَدِيثِ"(77)، ويتميَّز بكثرة التَّتبُّع لأقوال المتقدِّمين، والموازنة والتَّحرير والتَّرجيح بينها، وحسن العرض لجزئيَّات الموضوع الواحد، والإجابة على كثير من الاعتراضات الواردة.
2ـ وممن نظم "المقدِّمة" جلالُ الدِّين السُّيوطي ـ رحمه الله ـ في: "نَظمُ الدُّرَرِ فِي عِلمِ الأَثَرِ"، وشرحها:
أ ـ السُّيوطيُّ نفسُه في كتابه: "البَحرُ الَّذِي زَخَرَ فِي شَرحِ أَلفِيَّةِ الأَثَرِ"، ولم يُتمَّه، وهو مطبوع(78).
ب ـ الشَّيخُ التَّرمُسِيُّ ـ رحمه الله ـ (ت: 1329هـ) في كتابه: "مَنهَجُ ذَوِي النَّظَرِ شَرحُ مَنظُومَةِ عِلمِ الأَثَرِ"، وهو مطبوع(79).
ـ الشَّيخُ أحمدُ بن محمَّد شاكر ـ رحمه الله ـ (ت: 1377هـ)، وهو مطبوع(80).
ـ الشَّيخ محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد ـ رحمه الله ـ (ت: )، وهو مطبوع(81).
ـ الشَّيخُ محمَّد بن علي بن آدم الإثيوبي ـ حفظه الله ـ، وهو مطبوع في مجلَّدين.

ـ ومِن الكُتب الأُخرَى الَّتي أُلِّفَت في عُلُوم الحدِيث:
1ـ "نُخبَةُ الفِكَرِ فِي مُصطَلَحِ أَهلِ الأَثَرِ" للحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ، وقد شرحها في: "نُزهَةُ النَّظَرِ"، وهي مطبوعة مع شرحها عدة طبعات(82).
يمتاز باشتماله على كافَّة أنواع علوم الحديث، وترتيبه ترتيبًا دقيقًا مناسبًا، وتحريره للكلام في بعض المسائل الخلافيَّة الكبرى.
2ـ "تَوضِيحُ الأَفكَارِ لِـمَعَانِي تَنقِيحُ الأَنظَارِ" لمحمَّد بن إسماعيل، المعروف بالأمير الصَّنعاني ـ رحمه الله ـ (ت: 1183هـ)، وهو شرح لكتاب "تَنقِيحُ الأَنظَارِ" لمحمد بن إبراهيم، المعروف بابن الوزير اليماني ـ رحمه الله ـ (ت: )، وهو مطبوع(83).
استفاد الصَّنعاني ـ رحمه الله ـ من شرح العِراقيِّ لألفيته، و"النُّكَت عَلَى ابنِ الصَّلَاحِ" للحافظ ابن حجر، و"فَتح المُغِيثِ" للسَّخاوي.
تميَّز بمناقشة بعض المسائل، وعلى وجه الخصوص ما يتَّصل ببعض قواعد الأصول، وبتوسُّعه في المسائل المشتركة بين أصول الحديث وأصول الفقه.
3ـ "الوَسِيطُ فِي عُلُومِ الحَدِيثِ وَمُصطَلَحِهِ": لمحمَّد بن محمَّد أبي شهبة ـ رحمه الله ـ (ت:1403هـ)، وهو أجمع وأنفع ما جمعه المتأخِّرون.

أما شروح "التبصرة والتذكرة"، و"نخبة الفكر" فسأفردها بمقال ـ إن شاء الله ـ، وليس لي في هذا كله إلا النقل، والتنسيق.
هذا مجمل ما ألف في علم المصطلح، ولا زالت الخزانات تخرج الدرر من خبئها.
وهذا آخر ما أمكن جمعه في هذا الباب.
وقد استفدت ترتيب هذه الكتب، وعناوين أغلبها من مذكرة شيخنا أبي محمد عبد الخالق ماضي ـ حفظه الله ـ حيث كان يدرسنا مادة الحديث في الجامعة.
والله أسأل أن ينفعنا بما كتب، وأن يهدينا سواء السبيل.







-----------------------------
الهوامش:
(1) "الكفاية": (ص 386).
(2) "المسند": (4/283)، "المستدرك": (1/95).
(3) "المحدث ال": (ص 235).
(4) ذكره الحاكم في "المدخل": (ص 46).
(5) "تذكرة الحفاظ": (1/ ) في ترجمة أبي بكر الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ.
(6) "كتاب المجروحين": (1/39).
(7) "معرفة علوم الحديث": (ص 52).
(8) وهو مطبوع. وانظر كذلك: "فهرست ابن خير" (ص 146).
(9) "الموطأ": (1461)، "الترمذي": (2101)، "ابن ماجه": (2724).
(10) "البخاري": (6025) ـ واللفظ له ـ، و"مسلم": (14/130 ـ النووي) وغيرهما.
(11) "الموطأ" (يحيى بن يحيى): (2/552 ـ بشار عواد).
(12) "كتاب المجروحين": (1/39).
(13) "شرح مسلم": (14/131ـ132) باختصار، وانظر: "فتح الباري": (11/32).
(14) كذب أي: أخطأ في لغة الحجاز. انظر: "معالم السنن": (1/134ـ135)، والمقصود من هذا الزَّجر والتَّحذير منه. "فتح الباري": (1/164).
(15) "البخاري": (122)، و"مسلم": (135).
(16) "البخاري": (6254).
(17) "مقدمة مسلم": (ص 34).
(18) انظر: "كتاب المجروحين": (1/40).
(19) أي: بدعة الرفض والخروج.
(20) "مقدمة مسلم": (1/35).
(21) "مقدمة مسلم": (1/35).
(22) "مقدمة مسلم": (1/36)، والزيادة من "علل الترمذي": (1/56ـ ابن رجب).
(23) "مقدمة مسلم": (1/36).
(24) "كتاب المجروحين": (1/40).
(25) "كتاب المجروحين": (1/41).
(26) وهو مطبوع في آخر كتاب "الأم".
(27) "كتاب المجروحين": (1/49).
(28) طبع بتحقيق الدكتور وصي الله عباس، بدار الخاني ـ الرياض.
(29) وهو قطعة من "العلل" للإمام أحمد برواية ابنه عبدالله، وطبع بتحقيق: أبي عبدالهادي محمد مجقان الجزائري، بدار ابن حزم ـ الرياض.
(30) طبع بتحقيق محمد مصطفى الأعظمي، بالمكتب الإسلامي، ببيروت.
(31) "كتاب المجروحين": (1/50).
(32) "كتاب المجروحين": (1/54).
(33) وهي مطبوعة في آخر "السنن".
(34) رتبه أبو طالب القاضي، وهو مطبوع بتحقيق صبحي السامرائي.
(35) وهو مطبوع بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي.
(36) وهو مطبوع بتحقيق: فريق من الباحثين.
(37) وهو مطبوع بتقديم العلامة عبدالرحمن المعلمي :، بحيدرآباد بالهند.
(38) طبع بتحقيق: د.محمد عجاج الخطيب، بدار الفكر ـ بيروت، سنة 1391ـ1971م.
(39) "المجمع المؤسس بالمعجم المفهرس": (1/185ـ186).
(40) "النزهة": (ص 47ـ النكت).
(41) "النكت على النزهة": (ص ).
(42) مقدمة تحقيقه لكتاب "المحدث ال": (ص 43).
(43) "سير أعلام النبلاء": (16/73).
(44) "العبر": (2/210)، "الشذرات": (5/33).
(45) طبع بتحقيق السيد معظم حسين، بالمكتب التجاري ببيروت.
(46) "النزهة": (ص 47ـ النكت). وقدم الباحث: عبدالله بن سُليم الصاعدي رسالة: "منهج الحاكم النيسابوري في كتابه معرفة علوم الحديث" لنيل درجة الماجستير بكلية الشريعة بأم القرى، بإشراف: الدكتور الشريف منصور بن عون العبدلي. سنة 1408هـ.
(47) "العبر": (2/262)، "الشذرات": (5/149)، "تاريخ الإسلام": (29/ 274)، "البداية والنهاية": (15/674).
(48) كما في "التحبير" لأبي سعد السمعاني (1/181) ـ نقلا عن النكت: للحلبي (ص 47) ـ.
(49) "النزهة": (ص 47ـ النكت).
(50) "العبر": (2/314)، "الشذرات": (5/262).
(51) طبع بتحقيق: الدكتور محمد عجاج الخطيب، ثم طبع بتحقيق: الدكتور محمود الطحان.
(52)
(53)
(54) طبع بتحقيق أحمد عمر هاشم، بدار الكتاب العربي، ببيروت.
(55) "التقييد لسنن الرواة والمسانيد": (1/169).
(56) "السير": (18/289).
(57) بتحقيق السَّيِّد أحمد صقر، بدار التُّراث ـ القاهرة، والمكتبة العتيقة ـ تونس.
(58) بتحقيق الدكتور نور الدين عتر، بالمكتبة العلمية بالمدينة النبوية، وطبع بتحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن مع "محاسن الاصطلاح" للبُلقيني، بدار الكتب المصرية.
(59) "نزهة النظر": (ص ـ النكت).
(60) "نزهة النظر": (ص ـ النكت).
(61) بتحقيق عبد الباري فتح الله السَّلفي، بمكتبة الإيمان ـ المدينة النبوية.
(62) وهو مطبوع في مجلَّدين بتحقيق الدُّكتور نظر محمَّد الفاريابي.
(63) بتحقيق الدُّكتور عامر حسن صبري، بدار البشائر الإسلامية، وحققه علي بن إبراهيم اليحيى في رسالة ماجستير بجامعة الإمام.
(64) "ملء العيبة": (5/327) لابن رشيد الفِهريِّ، نقلا من "البيان والإيضاح شرح نظم العراقي للاقتراح" للشيخ مشهور.
(65) بتحقيق محيي الدِّين عبد الرَّحمن، بدار الفكر ـ بيروت.
(66) بتعليقات الشَّيخ العلَّامة محمد ناصر الدِّين الألباني ـ رحمه الله ـ، وتحقيق الشَّيخ علي بن حسن الحلبيِّ ـ حفظه الله ـ، في مجلَّدين.
(67) بتحقيق عبد الله الجديع، بدار فواز ـ السعودية.
(68) بتحقيق الدُّكتورة عائشة عبد الرَّحمن، بدار المعارف ـ القاهرة.
(69) وقد حققه الدكتور ناصر عبد العزيز فرح أحمد في مجلدين، وطبعته دار أضواء السلف.
(70)
(71)
(72) بتحقيق الدُّكتور زين العابدين بن محمَّد بلا فريج، بأضواء السَّلف ـ الرِّياض.
(73) بتحقيق الشَّيخ الدُّكتور أسامة بن عبد الله الخيَّاط ـ حفظه الله ـ، في مجلَّدين، وهي رسالة دكتوراه.
(74) "التَّقييد والإيضاح" (1/ ).
(75) بتحقيق الشَّيخ الدُّكتور ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ، في مجلَّدين، وهي رسالة دكتوراه، نشر الجامعة الإسلاميَّة.
(76) طبع في القاهرة بتحقيق الأستاذ محمود ربيع بعنوان: "فتح المغيث"، وفي نسخة مصوَّرة عن المكتبة الأزهريَّة ـ مقروءة على النَّاظم وعليها سماعات كثيرة ـ ليس عليها هذا العنوان! نقلا عن مقدِّمة "فتح الباقي بشرح ألفيَّة العراقي" لشيخ الإسلام زكريَّا الأنصاري ـ رحمه الله ـ (ت: 926هـ)، بتحقيق حافظ ثناء الزَّاهدي.
(77) وقد طبع مؤخَّرًا بتحقيق الشَّيخ الدُّكتور عبد الكريم الخضير في أربعة مجلَّدات، وهي رسالة دكتوراه.
(78) بتحقيق أنيس أحمد طاهر الأندونوسي، بمكتبة الغرباء بالمدينة النبوية.
(79) بمطبعة مصطفى الحلبي بمصر 1374هـ.
(80) بدار المعرفة ـ بيروت.
(81) في مجلَّدين بتحقيق أبي معاذ طارق بن عوض الله.
(82) راجع ما كتبته عن شروح "نخبة الفكر".
(83) بتحقيق محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد ـ رحمه الله ـ، بمكتبة الخانجي ـ القاهرة.






التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 13 Mar 2010 الساعة 10:28 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 Feb 2010, 11:17 AM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك على هذا المبحث القيم
و نأمل المزيد
لكن غير البعيد !!!
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 Feb 2010, 11:27 AM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا.
المبحث تام ولله الحمد، لكن أحببت تقسيمه على مراحل، حتى لا يمل، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 Feb 2010, 11:37 AM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 Feb 2010, 03:18 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيراً وبارك فيك أبا عبد الله
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 Feb 2010, 03:39 PM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

آمين، وفيك يبارك الله.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 Feb 2010, 10:47 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر MSN إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Yahoo إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى سفيان الجزائري
افتراضي

جزاك الله خيراً ، وفقك الله
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 Feb 2010, 12:14 AM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 Feb 2010, 10:12 AM
الهاشمي الهاشمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 9
افتراضي

جزاك الله خيراً وبارك فيك
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 Feb 2010, 09:12 PM
صايب أسامة صايب أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 113
إرسال رسالة عبر MSN إلى صايب أسامة
افتراضي

جزاك الله خيرا ونفع بك
بارك الله فيك ما معنى قول معاوية رضي الله عنه في كعب الأحبار "وإِن كُنَّا معَ ذلِك لَنَبلُو علَيه الكَذِب".
جزاك الله خيرا، وفي انتظار البقية ان شاء الله
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 20 Feb 2010, 09:37 AM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أسامة؛ وفي الحقيقة سؤالك وجيه؛ حيث إن هذا الأثر عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ احتج به بعضهم للطعن في كعب الأحبار.
أما قول معاوية ـ رضي الله عنه ـ: "لنبلوا عليه الكذب": قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "بنون ثم موحدة، أي: نختبر، وقوله: "عليه الكذب": أي يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به".
ثم نقل الحافظ ـ رحمه الله ـ جواب أهل العلم عن استدلال بعضهم بقول معاوية ـ رضي الله عنه ـ في كعب الأحبار:
"قال ابن التين: وهذا نحو قول ابن عباس في حق كعب المذكور: "بدِّل مِن قَبله فوقَع في الكذِب"، قال: والمراد بـ"المحدثين": أنداد كعب؛ ممن كان من أهل الكتاب وأسلم، فكان يحدِّث عنهم، وكذا من نظَر في كتبهم فحدَّث عما فيها، قال: ولعلهم كانوا مثلَ كعب، إلاَّ أنَّ كعبًا كان أشدَّ منهم بصيرةً، وأعرفَ بما يتوقَّاه.
وقال ابنُ حبَّان في كتاب "الثقات": أراد معاوية: إنَّه يخطئ أحيانًا فيما يخبِر بِه، ولم يُرِد أنَّه كان كذَّابًا.
وقال غيرُه: الضَّمِير في قوله "لنبلوا عليه" للكتابِ، لا لكَعبٍ، وإنَّما يقَعُ في كتابهم الكذِبُ لكونهم بدَّلوه وحرَّفوه.
وقال عِياضٌ: يصِحُّ عَودُه على الكتاب، ويصِحُّ عَودُه على كعبٍ، وعلى حدِيثه، وإن لم يقصِد الكذِبَ ويتعَمَّده، إذ لا يُشتَرط في مُسمَّى الكذِب التَّعمُّدُ، بَل هو الإِخبار عَن الشَّيء بخِلاف ما هُو علَيه، وليسَ فيه تجرِيحٌ لكَعب بالكذِب.
وقال ابنُ الجوزِي: المعنَى: أنَّ بعض الَّذِي يخبِر به كَعبٌ عن أَهل الكتابِ يكُون كذِبًا، لا أنَّه يتعمَّد الكذِبَ، وإلاَّ فقَد كانَ كعبٌ من أَخيار الأَحبارِ" اهـ.
["فتح الباري": 13/334)]
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ:
"وهذَا الَّذي أنكَرهُ معاوِيةُ ـ رضي الله عنه ـ على كَعب الأحبار هُو الصَّواب، والحقُّ مع مُعاوِية فِي هذَا الإِنكار؛ فإنَّ معاوِية كانَ يقُول عَن كعبٍ: "إن كنَّا لنَبلُوا علَيه الكَذِبَ" يعنِي: فيمَا نقلَهُ لا أنَّه كانَ يتعمَّد نَقلَ ما ليسَ في صُحُفِه، ولكنَّ الشَّأن في صُحفِه أنَّها مِن الإِسرائيليَّات الَّتي غالِبُها مبَدَّلٌ مُصحَّفٌ محرَّفٌ مختلَقٌ، ولا حاجَة لنَا معَ خبرِ الله تعالَى ورسُول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شيء مِنها بالكلِّيَّةِ؛ فإنَّه دخَل مِنها علَى النَّاس شرٌّ كثِيرٌ، وفسَادٌ عرِيضٌ" اهـ.
["تفسير القرآن العظيم": ((5/223)]
انظر بحثا في هذا مهما بعنوان: "مسلمو أهل الكتاب من اليهود في صدر الإسلام الأول والطعون التي وجهت إليهم: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار نموذجا" للدكتور محمد بن علي بن صالح الغامدي.
والله تعالى أعلم.
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 20 Feb 2010, 03:20 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك أخي حسن على ما وضّحت

وهذه فائدة زائدة






دفاع العلامة الإمام عبد العزيز ابن باز عن كعب الأحبار - رحمه الله -


- قال العلامة الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في ردَه على أحد الكتَاب :

( وصفه كعب الأحبار تقليداً لبعض المتأخرين بأنه يهودي أظهر الإسلام من أجل الكيد للإسلام وإفساد أهله.
والجواب: أن هذا خلاف المعروف عن علماء الإسلام ونقلة الأخبار، فقد روى عنه علماء الحديث وأثنى عليه معاوية رضي الله عنه وكثير من السلف الصالح.
وروى عنه مسلم في صحيحه، وذكره البخاري في كتابه الجامع الصحيح ولم يزنّه بريبة، وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة والتهذيب وابن الأثير في أسد الغابة ولم يتهموه بهذه التهمة.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب ما نصه: (كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة من الثانية مخضرم، كان من أهل اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان رضي الله عنه)، فكيف يجوز لمن يخاف الله ويتقيه أن يرمي شخصاً أظهر الإسلام والدعوة إليه وشارك الصحابة في أعمالهم بأنه يهودي بدون حجة ولا برهان يسوغ ذلك.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من رمي المسلم لأخيه بالصفات الذميمة، وأن من رمى أخاه بما هو بريء منه كان الرامي أولى بذلك الوصف الذي رمى به أخاه.
وكونه يروي بعض الأخبار الإسرائيلية الغريبة لا يوجب رميه باليهودية، والكيد للإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)). وقد قام علماء الإسلام بنقد أخبار بني إسرائيل وتزييف ما خالف الحق منها وإبطاله، فكعب في ذلك يشبه عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن سلام، ووهباً، وغيرهم ممن نقل أخبار بني إسرائيل.
فكما أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما لا يجوز أن يتهم باليهودية لكونه نقل كثيراً من أخبار بني إسرائيل من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كتبهم، فهكذا كعب لا يجوز أن يرمى باليهودية والكيد للإسلام من أجل ذلك.
ولا يجوز أن يجعل في صف عبد الله بن سبأ وأشباهه من المعروفين بالكفر والإلحاد والكيد للإسلام.
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من دعا رجلا بالكفر أو قال: يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه))[19]. فهذا الحديث وما جاء في معناه يوجب على المسلم التثبت في الحكم على الناس، والحذر من رمي أخيه بصفة ذميمة وهو بريء منها بمجرد الظن، أو تقليد من لا يعتمد عليه، والله المستعان. )

المصدر : ( الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب )
وقد نشر هذه التهمة الرافضة وتبعهم في ضلالهم بعض الكتاب كأبي ريَة
و الله المستعان
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 20 Feb 2010, 04:09 PM
صايب أسامة صايب أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 113
إرسال رسالة عبر MSN إلى صايب أسامة
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي حسن على التوضيح، وبارك الله فيك أخي أبا معاذ على الإضافة
يعني أن قصد معاوية رضي الله عنه بالكذبِ الخطأ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم "كذب أبو السنابل" وقصده أخطأ أبو السنابل؟
بارك الله فيكما ونفع بكما
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 20 Feb 2010, 04:29 PM
حاتم خضراوي حاتم خضراوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
الدولة: بومرداس
المشاركات: 1,115
إرسال رسالة عبر Skype إلى حاتم خضراوي
افتراضي

جزاكم الله خيرا أيها الأحبة على ما تبذلون.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 20 Feb 2010, 05:27 PM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك أخي محمد على الفائدة.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013