جزاك الله خيرا أخي أسامة؛ وفي الحقيقة سؤالك وجيه؛ حيث إن هذا الأثر عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ احتج به بعضهم للطعن في كعب الأحبار.
أما قول معاوية ـ رضي الله عنه ـ: "لنبلوا عليه الكذب": قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "بنون ثم موحدة، أي: نختبر، وقوله: "عليه الكذب": أي يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به".
ثم نقل الحافظ ـ رحمه الله ـ جواب أهل العلم عن استدلال بعضهم بقول معاوية ـ رضي الله عنه ـ في كعب الأحبار:
"قال ابن التين: وهذا نحو قول ابن عباس في حق كعب المذكور: "بدِّل مِن قَبله فوقَع في الكذِب"، قال: والمراد بـ"المحدثين": أنداد كعب؛ ممن كان من أهل الكتاب وأسلم، فكان يحدِّث عنهم، وكذا من نظَر في كتبهم فحدَّث عما فيها، قال: ولعلهم كانوا مثلَ كعب، إلاَّ أنَّ كعبًا كان أشدَّ منهم بصيرةً، وأعرفَ بما يتوقَّاه.
وقال ابنُ حبَّان في كتاب "الثقات": أراد معاوية: إنَّه يخطئ أحيانًا فيما يخبِر بِه، ولم يُرِد أنَّه كان كذَّابًا.
وقال غيرُه: الضَّمِير في قوله "لنبلوا عليه" للكتابِ، لا لكَعبٍ، وإنَّما يقَعُ في كتابهم الكذِبُ لكونهم بدَّلوه وحرَّفوه.
وقال عِياضٌ: يصِحُّ عَودُه على الكتاب، ويصِحُّ عَودُه على كعبٍ، وعلى حدِيثه، وإن لم يقصِد الكذِبَ ويتعَمَّده، إذ لا يُشتَرط في مُسمَّى الكذِب التَّعمُّدُ، بَل هو الإِخبار عَن الشَّيء بخِلاف ما هُو علَيه، وليسَ فيه تجرِيحٌ لكَعب بالكذِب.
وقال ابنُ الجوزِي: المعنَى: أنَّ بعض الَّذِي يخبِر به كَعبٌ عن أَهل الكتابِ يكُون كذِبًا، لا أنَّه يتعمَّد الكذِبَ، وإلاَّ فقَد كانَ كعبٌ من أَخيار الأَحبارِ" اهـ.
["فتح الباري": 13/334)]
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ:
"وهذَا الَّذي أنكَرهُ معاوِيةُ ـ رضي الله عنه ـ على كَعب الأحبار هُو الصَّواب، والحقُّ مع مُعاوِية فِي هذَا الإِنكار؛ فإنَّ معاوِية كانَ يقُول عَن كعبٍ: "إن كنَّا لنَبلُوا علَيه الكَذِبَ" يعنِي: فيمَا نقلَهُ لا أنَّه كانَ يتعمَّد نَقلَ ما ليسَ في صُحُفِه، ولكنَّ الشَّأن في صُحفِه أنَّها مِن الإِسرائيليَّات الَّتي غالِبُها مبَدَّلٌ مُصحَّفٌ محرَّفٌ مختلَقٌ، ولا حاجَة لنَا معَ خبرِ الله تعالَى ورسُول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شيء مِنها بالكلِّيَّةِ؛ فإنَّه دخَل مِنها علَى النَّاس شرٌّ كثِيرٌ، وفسَادٌ عرِيضٌ" اهـ.
["تفسير القرآن العظيم": ((5/223)]
انظر بحثا في هذا مهما بعنوان: "مسلمو أهل الكتاب من اليهود في صدر الإسلام الأول والطعون التي وجهت إليهم: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار نموذجا" للدكتور محمد بن علي بن صالح الغامدي.
والله تعالى أعلم.
|