منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 14 Mar 2018, 06:22 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي هدي السلف في التعامل مع الإشاعات عند الفتن


هدي السلف في التعامل مع الإشاعات عند الفتن


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:

فعند الفتن تكثر الشائعات، والقيل والقال، في المجالس وعبر وسائل الاتصالات الحديثة من مواقع ومنتديات وبرامج التواصل وغيرها، فينتج عنها كثير من المخالفات ويحدث بسببها كثير من الجرائم.
فالكلمة أمرها عظيم، بها يرفع العبد في أعلى الدرجات، أو يحط بها في أسفل الدركات، وخاصة عند الفتن، فكم بسبب الكلمة الفاجرة سفكت دماء معصومة ويتم أطفال ورملت نساء وانتهكت أعراض وسلبت أموال وهجر أناس وتزعزع الأمن.

الشائعات من أخطر الأمراض التي تنتشر عند الفتن كانتشار النار في الهشيم، فهي الداء العضال والمرض الفتاك الذي يفرق الصف ويشتت الشمل ويفت في عضد المسلمين، فلهذا كان عبادة الله والتقرب إليه بمختلف الطاعات من العلاج الناجع الذي حث عليه وأرشد إليه نبينا عليه الصلاة والسلام في زمن الفتن.
أخرج مسلم عن معقل بن يسار رضي الله عنه، ردّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العبادة في الهرج كهجرة إليّ)).

من طرق علاج الشائعات الصمت.
قال العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله في ((الطريق إلى النبوغ العلمي)) (ص ٣٠٩): ((كان السلف في الفتن يكثرون الصمت ويُقِلُّون الكلام، ولهذا كانت كلماتهم تُحفظ فتنقل)) اهـ.

وكذلك من العلاج بثّ العلم والدعوة إلى الله ونشر التوحيد.
قال معالي الشيخ سليمان أبا الخيل حفظه الله في ((الفتن حقيقتها وسبل الوقاية منها)) (ص 61): ((ويجب علينا أن نجدد في الناس الدعوة للتوحيد، والاهتمام به، وخاصة في زمن الفتن، والشرور، فإن التوحيد إذا قوي عند العبد ضعف قبوله للفتنة، وعكسه إذا ضعف التوحيد عنده قوي قبوله للفتنة والشر)) اهـ.

وقد كان لسلفنا الصالح مواقف مشرفة عند حدوث الشائعات في الفتن، فأحببت أن أجمع نماذج من تلك المواقف لتكون لنا نبراسا نهتدي به وطريقا مضيئا نسلكه في ظلام الفتن.
أولا: التثبت من الأخبار.
أخرج البخاري رحمه الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، عَنِ المَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَنِ المَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]؟
قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الحَدِيثَ يَسُوقُهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي.
قَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ.
فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِي؟ لاَ تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ عَائِشَةَ -.
قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الخَيْلَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ؟
فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ.
فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ اليَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ.
قُلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَ غَسَّانُ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ، طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، - وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ - فَقَالَ: اعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ.
فَقُلْتُ: خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ، فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا، أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي المشْرُبَةِ.
فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى المِنْبَرِ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ المشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ.
فَدَخَلَ الغُلاَمُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ المِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلاَمِ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ.
فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ المِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الغُلاَمَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ.
فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ.
فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا، قَالَ: إِذَا الغُلاَمُ يَدْعُونِي، فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟
فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ: «لاَ».
فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
... الحديث.
قال العلامة محمد بن عبد الوهاب العقيل حفظه الله في ((الفتنة وموقف المسلم منها)) (ص 86): ((انظر إلى عمر رضي الله عنه، وتثبته، وكيف سلمه الله من هذه الفتنة بسبب التثبت في الأخبار)) اهـ.

ثانيا: كتمانُ الأمور العظام عن العوام والرعاع.
أخرج البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ المُهَاجِرِينَ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي فُلاَنٍ؟ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ.
فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا.
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ ... الحديث.
قال العلامة محمد بن عبد الوهاب العقيل حفظه الله في ((الفتنة وموقف المسلم منها)) (ص 89): ((ففي هذه القصة العظيمة بيان فقه الصحابة رضي الله عنه [كذا]، وحرصهم على سلامة الأمة من الفتن، وذلك بحفظ الأمور العظام عن العوام والرعاع؛ لأنهم لا قدرة لهم على حلها، ولا فهمها، بل ربما أدى علمهم بها إلى الفتن.
ولذلك أشار عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه أن يحفظ ما يريد قوله عن عامة الناس، ويخص به أهل الفقه والشرف حتى يعوا مقالته ويضعوها على مواضعها، واستيعاب عمر رضي الله عنه لذلك، فلما رجع المدينة ذكر ما أراده للناس)) اهـ.

ثالثا: حسنُ الظن بالمؤمنين.

وجاء في قصة الإفك، قول ابن إسحاق كما في ((سيرة ابن هشام)): ((... أن أبا أيوب خالد بن زيد، قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أكنت يا أم أيوب فاعلة؟
قالت: لا والله ما كنت لأفعله.
قال: فعائشة والله خير منك)).
وهذا من باب حسن الظن.
قال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12].
قال العلامة المفسر ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (6/27): ((ذَلِكَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِ الْإِفْكِ، فَقَالَ: {لَوْلا} بِمَعْنَى: هَلَّا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أَيْ: ذَلِكَ الْكَلَامَ، أَيْ: الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أَيْ: قَاسُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَار
)) اهـ.

رابعا: رد الأمر إلى أولى الأمر وألا يُشاع بين الناس.
وهذه قاعدة عامة في جميع الأخبار المهمة، والتي لها أثرها على الأمة.
قال الله تعالى: {وَإِذَا جَآءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83].
ومنه موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه السابق برجوعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

خامسا: رفع الهمة والحثّ على رباطة الجأش.

ولما أشيع في غزوة أحد خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء أن بعض الصحابة خارت قواهم وسقط السلاح من أيديهم، وقبل أن يسري فيهم المرض، هب الصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه يدافع عن دين الله ويحث قومه على طلب الشهادة.
قال ابن إسحاق كما في ((سيرة ابن هشام)): وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدى بن النجار، قال: انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟
قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل.

فهذه بعض الصور المشرقة المشرفة من الصحابة الكرام فيها دروس عملية لمن اكتوى بنار الفتنة وخاصة الدول التي يعاني فيها الناس حروبا وقتالا فهذه النماذج علاج لما يشاع من أقاويل باطلة وأخبار كاذبة.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
البيضاء ليبيا: يوم الثلاثاء 18 جمادى الآخر سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 6 مارس سنة 2018 ف

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 Mar 2018, 09:49 AM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي عزالدين وبارك فيك، وكفى بهدي السلف سبيلا في التعامل مع هذه المسائل .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 Mar 2018, 09:54 AM
محمد عبد العزيز موصلي محمد عبد العزيز موصلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
الدولة: القبة - الجزائر العاصمة
المشاركات: 43
إرسال رسالة عبر MSN إلى محمد عبد العزيز موصلي
افتراضي

موضوع قيِّم،، جزاك الله خيرا..
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14 Mar 2018, 02:43 PM
أبو أنس عبد الحميد الليبي أبو أنس عبد الحميد الليبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
الدولة: دولة ليبيا.
المشاركات: 61
افتراضي

جزاك الله خيراً أخي عزالدين أبو زخار وأسأل أن يبارك في جهودك الطيبة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 Mar 2018, 06:15 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

آمين وجزاكم الله خيرا أيها الأفاضل وبارك فيكم.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 Mar 2018, 06:28 AM
أبو صهيب منير الجزائري أبو صهيب منير الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 208
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي الحبيب عز الدين.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 Mar 2018, 05:05 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

وأنت من أهل الجزاء أخانا الفاضل أبا صهيب.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 Mar 2018, 09:31 AM
أبو فهيمة عبد الرحمن البجائي أبو فهيمة عبد الرحمن البجائي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 380
افتراضي

بارك الله فيك أخي عز الدين وجزاك الله خيرا على مقالتك النافعة هذه التي ذكرت فيها من وسائل اتقاء الفتن ما به يستضيء طريق السلفيّ المتبع لهدي الصحابة الأكرمين رضي الله عنهم وأرضاهم.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 Mar 2018, 11:38 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

آمين أجمعين أخي الفاضل أبا فهيمة.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 Mar 2018, 11:48 AM
نسيم منصري نسيم منصري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
الدولة: ولاية تيزي وزو حرسها الله
المشاركات: 1,038
افتراضي

وفقكم الله أخي عزالدين و نفع بمقالاتكم وزادكم الله حرصا وفضلا.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 18 Mar 2018, 07:34 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

آمين أجمعين أخي الفاضل أبا مريم.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, الإشاعةوالسلف

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013