منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10 Mar 2018, 07:44 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي أهمّ الأسباب في ضياع بعض الشباب السّلفي من طلبة العلم -الجزائريّين وغيرهم- بالمملكة العربية السعودية –أعزّها الله بالسنّة والتوحيد-




الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
ففي هذه الحلقة نبيّن بمشيئة الله ونسلّط الضوء –كما يقال- على أهمّ الأسباب في ضياع بعض الشباب السلفي من طلبة العلم الجزائريين –وغيرهم- الذين يأتون إلى هذه الديار المباركة المملكة العربية السعودية وبالأخص منها : مكة والمدينة أعزّهما الله بالسنة والتوحيد ، لغرض طلب العلم الشرعي ،مع العلم أنهم يأتون على المنهج السلفيّ النقيّ الزكيّ الذي كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم ،ومضى على منواله الصحب الكرام عليهم العفو والصفح والغفران ، ثم سرعان ما يتغيّرون وينقلبون على عقبيهم القهقرى.
وأحببت أن أذكر تلكم الأسباب لأمور ثلاثة ، منها :
1 ـ رجاءً من الله تعالى أن يكتب لنا المثوبة من عنده إنه جواد كريم.
2 ـ لتحذير بعض إخواننا من طلبة العلم ممّن هم في هذه الديارالمباركة لئلا يقعوا فيما وقع فيه أولئك الذين غيّروا وبدّلوا ممن زاغوا وانحرفوا ،والذين عرفوا شيئا وغابت عنهم أشياء ، وحسبوا أنهم على شيء ،وربّ الكعبة أنهم ليسوا بشيء.
ومن باب : عرفت الشرّ لا للشرّ لكن لتوقيه.. ومن لم يعرف الشرّ من الخير يقع فيه
3 ـ لبيان أن الذي التحق بأحد الجامعات ، أو المعاهد ، أو المقيم بهذه الديار المباركة ليس معناه أنه محطّة للتلقي منه ، وأنه على الجادة والمنهج السلفي ، -كما يظنه بعض الناس- ، وإنما يجب الحذر والحيطة في حقّه حتى ينظر في حاله ومنهجه وأخدانه وبطانته .
فإن ذلك سنة سالفة عن سلفنا الصالح ، وعليه أثارة من علم ،قال محمد بن سيرين رحمه الله : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.[1]
وقال رحمه الله: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فيُنْظَرُ إلى أهل السنة فيُؤْخذ حديثُهم ، ويُنْظَر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم.[2]
وقال الحسن بن صالح رحمه الله : كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه ، حتى يقال : أتريدون أن تزوّجوه ؟؟.[3]
وهذه أهمّ الأسباب في انحراف بعض طلبة العلم ،وهي ما يلي :
السبب الأول :

فتنة المال لطالب العلم :

كم وكم سمعت شيخنا ربيع بن هادي حفظه الله يقول : يأتون بعض طلبة العلم من دولة الجزائر على المنهج السلفي ، ثم سرعان ما يتغيّرون وينقلبون رأسا عن عقب بسبب فتنة المال ، وما يغدقه عليهم أهل الأهواء والبدع.
وما قاله شيخنا حفظه الله مشاهد لا ينكره إلا جاهل أو جاحد معاند لا ثالث لهما ، وما حال أكثر أصحاب الدراسات العليا -من الجزائريين- في الجامعات عنا ببعيد ، وذلك في شراء ذممهم بالمال من قبل هؤلاء أهل التّمييع والتّضييع.
وهكذا أيضا ما تفعله الجمعيات الحركية كجمعية إحياء التراث وجمعية البرّ وغيرها ، من صرف مرتّبات لهم شهرية ، والخدمات والتسهيلات في توفير الوظائف لهم ،و.....،وهكذا ما يأخذونه من الرواتب شهريا من قبل بعض أهل الأهواء والبدع لا يخفى ذلك على كلّ ذي لبّ.
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أخوف ما يخافه على هذه الأمة المرحومة المحمدية فتنة المال ، وما أدراك ما فتنة المال ، التي هي فتنة هذه الأمة.
فعن كعب بن عياض رضي الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال.[4]
وعن عمرو بن عوف رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم. [5]
وفتنة المال أصبحت عند الكثير من الناس، بل حتى عند بعض الطيّبين الخيّرين من حملة العلم محلّ ولاء وبراء ، ويحبّون ويعادون من أجله ، لو انتهكت حرمات الله ، وأدخل في دين الله ما ليس منه لا يبالي بذلك ، بل ولا يحرّك ساكنا ، فضلا أن يردّ ويقف الموقف السّلفي المشرّف.
لأن المال يميل بالرجال ،ويغيّر مواقفهم مع المخالفين والمناوئين من أهل الباطل، وقد أثّر ذلك في بعض الجهابذة وفحول العلماء ، فكيف بي وبك يا رعاك الله ، وما حصل للإمام علي بن المديني رحمه الله عنا ببعيد ،حيث أجاب القول بخلق القرآن مضطرا مكرها خاف على نفسه رحمه الله ، ووقع في أمور غير محمودة ، وكان من ضمن الأسباب مانحن في صدده وذكره.
حيث كان قد تقرّب من المبتدع الضال الجهمي ابن أبي دؤاد ،وأغدق عليه بماله وصحبه ، بل وصل به الحال إلى أن عظّمه وبجلّه وأجلّه ورفع من شأنه وعقيرته، بل زاد على ذلك أن طعن في بعض خيار أهل الحديث ، ليرضي بذلك ذلكم الجهميّ الضال ابن أبي دؤاد .
فلذلك وتلك استحق ابن المديني رحمه الله الهجر والزجر من أهل السنة على ما حصل منه رحمه الله ، وكان ممن هجره إمام أهل السنة الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله فقد هجره ، وشنّ الغارة عليه حتى أصبح مهجورا منبوذا رحمه الله.
ثم تاب رحمه الله مما صدر منه، ورجعت له مكانته ومنزلته بين أهل السنة.
قال ابن رجب رحمه الله : كان ابن المديني قد امتحن في محنة القرآن ، فأجاب مكرها ، ثم إنه تقرب إلى ابن أبي دؤاد ، حيث استماله بدنياه ، وصحبه وعظمه ، فوقع بسبب ذلك في أمور صعبة ، حتى إنه كان يتكلم في طائفة من أعيان أهل الحديث ليرضي بذلك ابن أبي دؤاد ، فهجره الإمام أحمد لذلك ، وعظمت الشناعة عليه ، حتى صار عند الناس كأنه مرتد.
وترك أحمد الرواية عنه ، وكذلك إبراهيم الحربي وغيرهما.
وكان يحيى بن معين يقول : هو رجل خاف فقال ما عليه .
ولو اقتصر على ما ذكره ابن معين لعذر ، لكن حاله كما وصفنا.[6]
وقال أبو بكر الخلال رحمه الله : فأما علي بن المديني : فأفسد نفسه ، وخرج عن الحد ، وتابع ابن أبي دؤاد على أشياء لا يسمح بذكرها عنه وإعادتها ، فمات أمره ألبتة ، وقد كان أحمد يذكره
عند مذاكرة الأحاديث ، فقال : كان يتهادم ، ويقعد يذاكر ، ونحن نسمع . ونفوته . وكتب عن أحمد بن حنبل شيئاً كثيراً من حديث شعبة وغيره ، ومات أمره بما أحدث من أمر إجابته .[7]
قيل لإبراهيم الحربي: أكان ابن المديني يتهم؟
قال: لا، إنما كان إذا حدث بحديث، فزاد في خبره كلمة، ليرضي بها ابن أبي دؤاد.
فقيل له: أكان يتكلم في أحمد بن حنبل؟
قال: لا، إنما كان إذا رأى في كتاب حديثا عن أحمد، قال: اضرب على ذا؛ ليرضي به ابن أبي دؤاد
وكان قد سمع من أحمد، وكان في كتابه: سمعت أحمد، وقال أحمد، وحدثنا أحمد.
وكان ابن أبي دؤاد إذا رأى في كتاب حديثا عن الأصمعي، قال: اضرب على ذا؛ ليرضي نفسه بذلك.[8]
وقال شيخنا محمد بن هادي المدخلي حفظه الله : نحن نرى كثيرًا ممن ابتلي بسبب هذا -أي: المال- فانتكس من حال إلى حال، من حال صالحة طيبة إلى حال خبيثة سيئة بسبب المال، فترى هذا يذهب مع الحزبيين، لأنهم أعطوه وظيفة أو أعطوه مالًا أو أعطوه سيارة أو ولوه رئاسة المكتب الفلاني في بلده ونحو ذلك.
وهذا يذهب مع الجمعية الحزبية الفلانية المعروفة لأنها تدعمه، أو سيطمع منها أن تدعمه، أو يطمع فيها أن تفتح له مركزًا، أو يطمع أن تدعم له مسجدًا، ونحو ذلك فيبيع دعوته الصحيحة ودينه الصحيح، التي كان يوالي ويعادي عليها في ذات الله تبارك وتعالى، وإذا بك تراه مع هؤلاء المغموسين المطعون فيهم وفي عقائدهم، بل هو بالأمس ربما كان يتكلم فيهم، فيرميهم بالتحزب ويرميهم ربما بالبدعة ونحو ذلك، وإذا به اليوم قد انتكس فإذا بهؤلاء الذين بالأمس يطعن فيهم يزكيهم اليوم أو يدافع عنهم .اهـ
عدم الحرص على الصفاء في مصادر التلقّي :
أول ما تطأ قدميّ الشاب السلفي في هذه الديار المباركة يكون حريصا أشدّ الحرص على الجلوس عند الأكابر والموثوقين من أهل العلم والفضل ، وتمرّ الأيام والليالي ثم يصبح يحضر عند المجهولين فضلا عن المخالفين للحقّ ،والمناوئين للنهج القويم.
ثم يصبح يقرّ أن لهم أخطاء لكن فيهم خير كثير ، يحتاجون إلى نصح وتوجيه ، وإرشاد.
ثم يصبح يعتذر لهم أنهم ما قالوه وفعلوه من المخالفات له حظ من النظر من ناحية الاجتهاد، ولهم أسباب في قولها وفعلها –والله المستعان-.
ثم يصبح ينكر على إخوانه السلفيين في معاملتهم لهم ، وأن فيهم شدّة اتّجاههم غير محمودة ، وأنه يخالفهم في ذلك من ناحية التوجيه والنصح والنصيحة.
وفي آخر المطاف يصبح منهم قالبا وقالبا ، منافحا مدافعا عنهم ،ويكشّر عن أنيابه في محاربة المنهج السلفيّ وأهله بأساليب مخزية ، وطرق فاجرة.
وفي مجالسة هؤلاء المناوئين للحق وأهله يلبسون ويدلسون على غيرهم ، ويذكرون حججا واهية أوهى من بيت العنكبوت، ويتستّرون تحتها ،ويلبسون غطاءها ، منها :
ـ بغية تحصيل العلم عند هؤلاء المخالفين ، وأن عندهم التأصيل العلمي من شروحٍ للمتون السلفية الأثرية ، بخلاف بعض مجالس مشايخنا فيها وعظ وتذكير، ومحاضرات عامة، وسؤال وجواب.
ـ غرورهم بأن عندهم العلم الكافي في التمييز بين الحقّ والباطل ، وبذلك لا يؤثّرون فيهم.
والجواب على ذلك باختصار شديد :
1 ـ عدم الانقياد لما قرّره السلف الصالح في البعد عن أهل الأهواء والبدع ومجانبتهم ، ومن عدم السّماع لهم ،وإقصائهم ،وإذلالهم ، والبعد والابتعاد عنهم ، حيث أجمع أهل السنة على ذلك ، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم والفضل، وقد نقلت جملة من كلامهم في مقال عنونته بــ:" الشهب السلفية في نقض الشبهات الحلبية، " الحلقة الرابعة".
ومن كان هذا حاله وجب الحذر والتحذير منه بعد إقامة الحجة وبيان المحجّة ، لأن الذي يجالس أهل السنة وهكذا أيضا أهل الأهواء والبدع يكون حاله أخطر من أهل البدع كما قرّره السلف منهم ابن عون وغيره من أئمة الإسلام.
ووالله كم وكم وكم رأينا من إخواننا السلفيين الذين يأتون من دولة الجزائر ومن غيرها من الدول إلى هذا البلد المبارك -أعزّه الله بالسنة والتوحيد- ويكونون على خير عظيم من السنة والسلفية الحقّة ، وقد خالفوا هذا الأصل الأصيل والركن الركين بحجج واهية ، منها الاستفادة من هؤلاء في علوم الآلة ونحو ذلك من الشبة الشيطانية ، وبعد زمن يسير إلا وتجدهم تغيروا وبدلوا وضلوا وانحرفوا ، وليتهم وقفوا عند هذا الحدّ ، بل فجروا وحاربوا إخوانهم السلفيين وعلماء السنة ورموهم بعظائم الأمور ، بالتشدّد وكثرة الرّدود ، بل بالطعن فيهم بالكذب والفجور .
2 ـ المرء لا يأمن على نفسه الفتنة ، والسعيد من وعظ بغيره ، والواقع أكبر شاهد على ذلك ممن ضل وانحرف وغيّر وبدّل.
3 ـ لو كان عندهم العلم الكافي في معرفة الصحيح من السقيم –كما يتشدّقون-، فلم يأخذون منهم هذا الخير وهوعندهم ؟؟
4 ـ وسواء كان ذلك في ثنيِ الركب عند أهل الأهواء والبدع بحجّة التأصيل العلمي ،أو عن طريق قراءة كتبهم ،وسماع أشرطتهم ودروسهم ومحاضراتهم.
كم وكم عرفنا من إخواننا ضاعوا وانحرفوا بهذا السبب،، فحصل ماحصل منهم من التشغيب والتخذيل والمخالفة والمناوءة لأهل الحق ، والسبب في ذلك كما ذكرته آنفا هو: أن مصادر التلقّي عندهم ملوّثة ، وبالأخص في القراءة وسماع الأشرطة ،لأنه أحيانا يصعب عليهم السماع الشفهي ،والحضور المجلسي عند المخالفين لأنهم يدركون تمام الإدراك أن السهام والردود تنهشهم منكلّ جانب ، وتفضحهم ويبيّن حالهم .
5 ـ القول بأن عندهم التأصيل العلمي دوما ودائما يردّدونها ، ويدندنون حولها ، وفي حقيقة هذا الهراء طعن مبطّن في مشايخنا وعلمائنا ،وبعض إخواننا لا ينتبه لهذا المنزلق الخطير.
نوضّحه بحلية وصورة أخرى ، قصدهم ومقصدهم أن مجالس مشايخنا السلفيين، ليس فيها دروس تأصيلية ،من شروح للمتون ، وإن كان في بعضها شروحات لكن بغير ذكر الخلاف والتعمّق والإطناب في تحقيق المسائل العلمية ، ونحو ذلك ، وإنما هي مجالس وعظ وتذكير، وسؤال وجواب.
ولا علم وأدرك هذا المسكين أن نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كانت مجالسه مع أصحابه رضي الله عنهم فيها بيان لشريعة رب العالمين ، وما تشتمله من الأسئلة ، وتتضمّن تلكم اللقاءات مسائل عدّة : في باب المعتقد ، والفقه ، والمسائل العلمية والعملية ، والأدلة على ذلك أشهر أن تحصر ، وليس هذا موضع بسطها ،ونكتفي في ذلك بذكر حديث أبي نجيح العرباض بن سارية الفزاري السلمي رضي الله عنه ، حيث قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ.[9]
وممّا يجب التنبيه عليه من المقال في مثل هذا المقال أنه لا لافرق بين الوعظ والتذكير والعلم التأصيلي كما فرق ذلك خونة المسلمين ، ومن مضى على دربهم من المناوئين والمشاغبين ، حيث فرّقوا بين العلماء والوعّاظ.
فكلام الله تعالى كلّه وعظ وتذكير ،وهو أعظم ما توعظ به القلوب ، كما قال تعالى : { ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } [ يونس : 57 ].
وقد ذكر الله جلّ وعزّ جملة من مسائل الطلاق ،وما يتعلّق بها من أحكام كما في سورة :"البقرة" ، ثم بيّن جلّ وعلا أن ذلك من أعظم الوعظ ، كما قال تعالى : {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون}[البقرة:232]
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم - ....
قال فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر كلا، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم، أهل السفينة، هجرتان».[10]
الشاهد : أن الوعظ هو بمعنى العلم ، كما في بعض ألفاظ هذا الحديث :"ويعلّم جاهلكم"[11].
وقد بوّب الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في "صحيحه" بابا ، فقال : "باب الغضب في الموعظة والتعليم ، إذا رأى ما يكره".
ثم ذكر بإسناده إلى أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : قال: قال رجل يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا من يومئذ، فقال: «أيها الناس، إنكم منفرون، فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة».[12]
وبوّب أيضا بابا ،فقال : "باب الموعظة ساعة بعد ساعة"، ثم ذكر بإسناده إلى *شقيق رحمه الله قال : كنا ننتظر عبد الله إذ جاء يزيد بن معاوية فقلنا ألا تجلس ؟ قال لا ولكن أدخل فأخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست فخرج عبد الله وهو آخذ بيده فقام علينا فقال: أما إني أخبر بمكانكم ولكنه يمنعني من الخروج إليكم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا.[13]
وبينهما عموم وخصوص ، كما قال تعالى لما أمر عباده بالصلوات الخمس ، ثم خصّت صلاة العصر بالذكر لعظم قدرها ، ورفعة مكانتها: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة:238] ، ونظائر ذلك كثيرة.

مناصحة المخالف ومناظرته :

فالنصح والنصيحة للمخالف عموما من محاسن الإسلام ، ومن مميّزات الدعوة السلفية ، كيف لا ، وهي من حقّ المسلم على المسلم ، ومن عظم شأنها ، وعلوّ قدرها ، ورفعة منزلتها كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه عليها ، لكن نصح المخالف للمنهج السلفي ليس لكلّ أحد ، وليس لكلّ من هبّ ودبّ-كما يقال- ، وإنما تكون لمن تأهّل علميا ، وكان متضلعا في العلم الشرعيّ ، لأن بعض إخواننا زلّت أقدامهم ، وضلّت أفهامهم في هذا الجانب ،والسبب واضح جليّ ، وهو : أنهم لم يتسلّحوا بالعلم الشرعي الكافي في معرفة الحقّ ، وفي ردّهم للشّبهات، فجالسوا المخالفين لكي يغيّروهم فتغيّروا ، وناظروهم بغير ضوابط شرعية ، ولا حدود مرعية ، فوقعوا في اللّبس والزلل والعطب .
قال الإمام اللالكائي رحمه الله : مبيناً ما جنته مناظرة المبتدعة من جناية على أهل الإسلام والإيمان، مقارناً بين حال المبتدعة في العصور الأولى ، وما كانوا عليه من ذلّ وهوان وصغار.
وكيف أصبح حالهم عند بعض المتأخرين من صولة وجولة وجاه حتى أصبحوا أقراناً لأهل السنة في نظر العامة ، في بعض الأعصار والأمصار.
قال رحمه الله : فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة، يموتون من الغيظ كمداً ودرداً ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا، حتى كثرت بينهم المشاجرات، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج، وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقراناً وأخدانا، وعلى المداهنة خلاناً وإخوانا، بعد أن كانوا في الله أعداء وأضداد وفي الهجرة في الله أعواناً يكفرونهم في وجوههم عيانا، ويلعنونهم جهارا، وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين.
ونكتفي بهذا القدر ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه : عبد الحميد الهضابي.

20 / 06 / 1439
مكة المكرمة.

الحواشي :
[1] ـ "مقدمة صحيح مسلم" (ص14).
[2] ـ "مقدمة صحيح مسلم" (ص15).
[3] ـ "الكفاية" للخطيب (ص155)
[4] ـ أخرجه أحمد (29/15) (17471)، وابن حبان (8/17) (3223)، وصححه الألباني* في "صحيح الجامع"( 2148).
[5] ـ أخرجه مسلم (2961)
[6] ـ "شرح علل الترمذي" (1/216) .
[7] ـ "طبقات الحنابلة "(1/148) .
[8] ـ "سير أعلام النبلاء"(11/57)
[9] ـ أخرجه أحمد (28/373)( 17144)،وأبو داود(4/200)( 4607)، والترمذي (5/44)( 2676)، وابن ماجه (1/15) (42) ، والحاكم (1/174) (329) وقال: صحيح ليس له علة. والبيهقي (10/114)(20125) . وابن حبان (1/178) (5) ، والدارمي (1/57) (95)، وصححه الألباني في "الصحيح"( 2735 ).
[10] ـ أخرجه مسلم (2502)
[11] ـ أخرجه أحمد (32/468)( 19694)
[12] ـأخرجه البخاري (90).
[13] ـ أخرجه البخاري (6411)

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 28 Mar 2018 الساعة 01:16 PM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, الطلبةفي المملكة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013