منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 21 Nov 2016, 10:46 AM
نسيم منصري نسيم منصري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
الدولة: ولاية تيزي وزو حرسها الله
المشاركات: 1,038
افتراضي

أحسن الله إليك أخي وليد بارك الله في مجهودك وفقك الله للمزيد

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 13 Jan 2017, 09:48 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

القسم الخامس: توجيهات عامة للمسلمين
في الاعتقاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

-16-: رسالتة إلى محمد بن عبد اللطيف

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف، حفظه الله تعالى ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فقد وصل إلينا من ناحيتكم مكاتيب، فيها إنكار وتغليظ عليّ، ولما قيل: إنك كتبت معهم، وقع في الخاطر بعض الشيء، لأن الله سبحانه نشر لك من الذكر الجميل، وأنزل في قلوب عباده لك من المحبة ما لم يؤته كثيراً من الناس، لما يذكر عنك من مخالفة من قبلك من حكام السوء، وأيضاً لما أعلم منك من محبة الله ورسوله، وحسن الفهم، واتباع الحق ولو خالفك فيه كبار أئمتكم، لأني اجتمعت بك من نحو عشرين ، وتذاكرت أنا وإياك في شيء من التفسير والحديث، وأخرجت لي كراريس من البخاري كتبتها ونقلت على هوامشها من الشروح، وقلت في مسألة الإيمان التي ذكر البخاري في أول الصحيح: هذا هو الحق الذي أدين الله به، فأعجبني هذا الكلام، لأنه خلاف مذهب أئمتكم المتكلمين .
وذاكرتني أيضاً في بعض المسائل، فكنت أحكي لمن يتعلم مني ما منّ الله به عليك من حسن الفهم، ومحبة الله والدار الآخرة. فلأجل هذا، لم أظن فيك المسارعة في هذا الأمر، لأن الذين قاموا فيه مخطئون على كل تقدير، لأن الحق إن كان مع خصمهم فواضح، وإن كان معهم فينبغي للداعي إلى الله أن يدعو بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم.

وقد أمر الله رسوليه موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى.
وينبغي للقاضي، أعزه الله بطاعته، لما ابتلاه الله بهذا المنصب، أن يتأدب بالآداب التي ذكرها الله في كتابه الذي أنزل ليبين للناس ما اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يوقنون؛ فمن ذلك: لا يستخفنه الذين لا يوقنون، ويتثبت عند سعايات الفساق والمنافقين ولا يعجل.
وقد وصف الله المنافقين في كتابه بأوصافهم، وذكر شعب النفاق لتجتنب ويجتنب أهلها أيضاً. فوصفهم بالفصاحة والبيان وحسن اللسان، بل وحسن الصورة في قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} الآية، ووصفهم بالمكر والكذب والاستهزاء بالمؤمنين في أول البقرة، ووصفهم بكلام ذي الوجهين، ووصفهم بالدخول في المخاصمات بين الناس بما لا يحب الله ورسوله في قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} الآية، ووصفهم باستحقار المؤمنين والرضى بأفعالهم، ووصفهم بغير هذا في "البقرة" و"براءة" و"سورة القتال" وغير ذلك. كل ذلك نصيحة لعباده ليجتنبوا الأوصاف ومن تلبس بها. ونهى الله نبيه عن طاعتهم في غير موضع.

فكيف يجوز من مثلك أن يقبل مثل هؤلاء؟ وأعظم من ذلك: أن تعتقد أنهم من أهل العلم، وتزورهم في بيوتهم وتعظمهم؛ وأنا لا أقول هذا في واحد بعينه، ولكن نصيحة وتعريف بما في كتاب الله من سياسة الدين والدنيا ، لأن أكثر الناس قد نبذه وراء ظهره.
وأما ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة، بل أقول، ولله الحمد والمنة، وبه القوة:
إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.
ولست، ولله الحمد، أدعو إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أُعظِّمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم. وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني؛ بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه، إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنّها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها، من أقوال أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقول إلا الحق.

وصفة الأمر: غير خاف عليكم ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون وأتباعهم، والأئمة كالشافعي وأحمد وأمثالهما ممن أجمع أهل الحق على هدايتهم، وكذلك ما درج عليه من سبقت له من الله الحسنى من أتباعهم.
وغير خاف عليكم ما أحدث الناس في دينهم من الحوادث، وما خالفوا فيه طريق سلفهم. ووجدت المتأخرين أكثرهم قد غير وبدل، وسادتهم وأئمتهم وأعلمهم وأعبدهم وأزهدهم، مثل ابن القيم والحافظ الذهبي والحافظ العماد ابن كثير والحافظ ابن رجب، قد اشتد نكيرهم على أهل عصرهم الذين هم خير من ابن حجر وصاحب الإقناع بالإجماع؛ فإذا استدل عليهم أهل زمانهم بكثرتهم وإطباق الناس على طريقتهم، قالوا: هذا من أكبر الأدلة على أنه باطل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته تسلك مسالك اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. وقد ذكر الله في كتابه أنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وأنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا : هذا من عند الله، وأنهم تركوا كتاب الله والعمل به، وأقبلوا على ما أحدثه أسلافهم من الكتب. وأخبر أنه وصاهم بالاجتماع، وأنهم لم يختلفوا لخفاء الدين ، بل اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون، والزبر الكتب.
فإذا فهم المؤمن قول الصادق المصدوق: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم " ، وجعله قبلة قلبه، تبين له أن هذه الآيات وأشباهها ليست على ما ظن الجاهلون أنها كانت في قوم كانوا فبانوا، بل يفهم ما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال في هذه الآيات: " مضى القوم وما يعني به غيركم ". وقد فرض الله على عباده في كل صلاة أن يسألوه الهداية إلى صراط المسقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، الذين هم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
فمن عرف دين الإسلام، وما وقع الناس فيه من التغيير له، عرف مقدار هذا الدعاء وحكمة الله فيه.

والحاصل: أن صورة المسألة: هل الواجب على كل مسلم أن يطلب علم ما أنزل الله على رسوله، ولا يعذر أحد في تركه البتة؟ أم يجب عليه أن يتبع "التحفة" مثلاً ؟ فأعلم المتأخرين وسادتهم، منهم ابن القيم، قد أنكروا هذا غاية الإنكار، وأنه تغيير لدين الله، واستدلوا على ذلك بما يطول وصفه من كتاب الله الواضح، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم البين لمن نوّر الله قلبه.
والذين يجيزون ذلك أو يوجبونه يدلون بشبه واهية، لكن أكبر شبههم على الإطلاق: أنا لسنا من أهل ذلك، ولا نقدر عليه، ولا يقدر عليه إلا المجتهد، وإنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون.

ولأهل العلم في إبطال هذه الشبهة ما يحتمل مجلداً، ومن أوضحه:
قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بهذا الذي أنتم عليه اليوم في الأصول والفروع، لا أعلمهم يزيدون عليكم مثقال حبة خردل، بل يبين مصداق قوله: " حذو القذة بالقذة " إلخ.
وكذلك فسرها المفسرون لا أعلم بينهم اختلافاً، ومن أحسنه: ما قاله أبو العالية: " أما إنهم لم يعبدوهم، ولو أمروهم بذلك ما أطاعوهم; ولكنهم وجدوا كتاب الله، فقالوا: لا نسبق علماءنا بشيء، ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا ".

وهذه رسالة لا تحتمل إقامة الدليل ، ولا جواباً عما يدلي به المخالف، لكن أعرض عليه من نفسي الإنصاف والانقياد للحق، فإذا أردتم علي الرد بعلم وعدل، فعندكم كتاب إعلام الموقعين لابن القيم عند ابن فيروز في مشرفه، فقد بسط الكلام فيه على هذا الأصل بسطاً كثيراً، وسرد من شبه أئمتكم ما لا تعرفون أنتم ولا آباؤكم، وأجاب عنها واستدل لها بالدلائل الواضحة القاطعة؛ منها: أمر الله ورسوله عن أمركم هذا بعينه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصفوه من قبل أن يقع، وحذروا الناس منه، وأخبروا أنه لا يصير على الدين إلا الواحد بعد الواحد، وأن الإسلام يصير غريباً كما بدأ.

وقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله عمرو بن عبسة في أول الإسلام: من معك على هذا؟ قال: " حر وعبد "، يعني أبا بكر وبلالاً. فإذا كان الإسلام يعود كما بدأ، فما أجهل من استدل بكثرة الناس وإطباقهم! أشباه هذه الشبهة التي هي عظيمة عند أهلها، حقيرة عند الله وعند أولي العلم من خلقه، كما قال تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ} . فلا أعلم لكم حجة تحتجون بها، إلا وقد ذكر الله في كتابه أن الكفار استدلوا بها على تكذيب الرسل، مثل إطباق الناس، وطاعة الكبراء، وغير ذلك. فمن منّ الله عليه بمعرفة دين الإسلام الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرف قدر هذه الآيات والحجج وحاجة الناس إليها.
فإن زعمتم أن ذكر هؤلاء الأئمة لمن كان من أهله، فقد صرحوا بوجوبه على الأسود والأحمر والذكر والأنثى، وأن ما بعد الحق إلا الضلال، وأن قول من قال: ذلك صعب، مكيدة من الشيطان كاد بها الناس عن سلوك الصراط المستقيم الحنيفية ملة إبراهيم.
وإن بان لكم أنهم مخطئون، فبينوا لي الحق حتى أرجع إليه؛ وإنما كتبت لكم هذا، معذرة من الله، ودعوة إلى الله، لأحصل ثواب الداعين إلى الله، وإلا أنا أظن أنكم لا تقبلونه وأنه عندكم من أنكر المنكرات، من أن الذي يعيب هذا عندكم مثل من يعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

لكن أنت من سبب ما أظن فيك من طاعة الله، لا أبعد أن يهديك الله إلى الصراط المستقيم، ويشرح قلبك للإسلام. فإذا قرأته، فإن أنكره قلبك فلا عجب؛ فإن العجب ممن نجا كيف نجا؟ فإن أصغى إليه قلبك بعض الشيء، فعليك بكثرة التضرع إلى الله والانطراح بين يديه، خصوصاً أوقات الإجابة كآخر الليل، وأدبار الصلوات، وبعد الأذان، وكذلك بالأدعية المأثورة خصوصاً الذي ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .

فعليك بالإلحاح بهذا الدعاء بين يدي من يجيب المضطر إذا دعاه، وبالذي هدى إبراهيم لمخالفة الناس كلهم، وقل: يا معلم إبراهيم علمني. وإن صعب عليك مخالفة الناس، ففكّر في قول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} ، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} . وتأمل قوله في الصحيح: " بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ " ، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم ... إلخ " ، وقوله: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " ، وقوله: " وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل بدعة ضلالة " . والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، أفردت بالتصنيف.
فإني أحبك، وقد دعوت لك في صلاتي، وأتمنى من قبل هذه المكاتيب أن يهديك الله لدينه القيم، ولا يمنعني من مكاتبتك إلا ظني أنك لا تقبل، وتسلك مسلك الأكثر، ولكن لا مانع لما أعطى الله، والله لا يتعاظم شيئاً أعطاه. وما أحسنك تكون في آخر هذا الزمان فاروقاً لدين الله، كعمر رضي الله عنه في أوله، فإنك لو تكون معنا لانتصفنا ممن أغلظ علينا.

وأما هذا الخيال الشيطاني الذي اصطاد به الناس، أن من سلك هذا المسلك فقد نسب نفسه للاجتهاد، وترك الاقتداء بأهل العلم، وزخرفه بأنواع الزخارف، فليس هذا بكثير من الشيطان وزخارفه، كما قال تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} .
فإن الذي أنا عليه وأدعوكم إليه هو في الحقيقة الاقتداء بأهل العلم، فإنهم قد وصوا الناس بذلك؛ ومن أشهرهم كلاماً في ذلك، إمامكم الشافعي، قال: لا بد أن تجدوا عني ما يخالف الحديث، فكل ما خالفه فأشهدكم أني قد رجعت عنه.
وأيضاً أنا في مخالفتي هذا العالم، لم أخالفه وحدي؛ فإذا اختلفت أنا وشافعي مثلاً في أبوال مأكول اللحم، وقلتُ: القول بنجاسته يخالف حديث العرنيين، ويخالف حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرابض الغنم، فقال هذا الجاهل الظالم: أنت أعلم بالحديث من الشافعي؟ قلت: أنا لم أخالف الشافعي من غير إمام اتبعته، بل اتبعت من هو مثل الشافعي أو أعلم منه، قد خالفه واستدل بالأحاديث.
فإذا قال: أنت أعلم من الشافعي؟ قل : أنت أعلم من مالك وأحمد؟ فقد عارضته بمثل ما عارضني به، وسلم الدليل من المعارض، واتبعت قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية، واتبعت من اتبع الدليل في هذه المسألة من أهل العلم؛ لم أستدل بالقرآن أو الحديث وحدي، حتى يتوجه علي ما قيل، وهذا على التّنَزل، وإلا فمعلوم أن اتباعكم لابن حجر في الحقيقة، ولا تعبؤون بمن خالفه من رسول أو صاحب أو تابع حتى الشافعي نفسه، ولا تعبؤون بكلامه إذا خالف نص ابن حجر، وكذلك غيركم إنما اتباعهم لبعض المتأخرين لا للأئمة؛ فهؤلاء الحنابلة من أقل الناس بدعة، وأكثر الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه، يعرف ذلك من عرفه.
ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم، وإنما الشأن إذا اختلفوا، هل يجب عليّ أن أقبل الحق ممن جاء به، وأرد المسألة إلى الله والرسول مقتدياً بأهل العلم، أو أنتحل بعضهم من غير حجة، وأزعم أن الصواب في قوله.
فأنتم على هذا الثاني، وهو الذي ذمه الله وسماه شركاً، وهو اتخاذ العلماء أرباباً.
وأنا على الأول، أدعو إليه وأناظر عليه. فإن كان عندكم حق رجعنا إليه وقبلناه منكم، وإن أردت النظر في إعلام الموقعين، فعليك بمناظرة في أثنائه عقدها بين مقلد وصاحب حجة.
وإن ألقي في ذهنك أن ابن القيم مبتدع، وأن الآيات التي استدل بها ليس هذا معناها، فاضرع إلى الله، واسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق، وتجرد إلى الله ناظر أو مناظر.
واطلب كلام أهل العلم في زمانه، مثل الحافظ الذهبي وابن كثير وابن رجب وغيرهم، ومما ينسب للذهبي، رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس خلف فيهِ
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه


فإن لم تتبع هؤلاء، فانظر كلام الأئمة قبلهم، كالحافظ البيهقي في كتاب "المدخل" والحافظ ابن عبد البر والخطابي وأمثالهم، ومن قبلهم كالشافعي وابن جرير وابن قتيبة وأبي عبيد؛ فهؤلاء إليهم المرجع في كلام الله وكلام رسوله وكلام السلف.
وإياك وتفاسير المحرفين للكلم عن مواضعه وشروحهم، فإنها القاطعة عن الله وعن دينه. وتأمل ما في كتاب "الاعتصام" للبخاري، وما قال أهل العلم في شرحه.
وهل يتصور شيء أصرح مما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على أكثر من سبعين فرقة، أخبر أنهم كلهم في النار إلا واحدة، ثم وصف تلك الواحدة أنها التي على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأنتم مقرون أنكم على غير طريقتهم، وتقولون: ما نقدر عليها، ولا يقدر عليها إلا المجتهد، فجزمتم أنه لا ينتفع بكلام الله وكلام رسوله إلا المجتهد، وتقولون: يحرم على غيره أن يطلب الهدى من كلام الله وكلام رسوله وكلام أصحابه، فجزمتم وشهدتم أنكم على غير طريقتهم، معترفين بالعجز عن ذلك.
وإذا كنتم مقرين أن الواجب على الأولين: اتباع كتاب الله وسنة رسوله، لا يجوز العدول عن ذلك، وأن هذه الكتب والتي خير منها لو تحدث في زمن عمر بن الخطاب لفعل بها وبأهلها أشد الفعل، ولو تحدث في زمن الشافعي وأحمد لاشتد نكيرهم لذلك، فليت شعري متى حرم الله هذا الواجب، وأوجب هذا المحرم؟

ولما حدث قليل من هذا، لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام، اشتد إنكاره لذلك، ولما بلغه عن بعض أصحابه أنه يروي عنه مسائل بخراسان، قال: أشهدكم أني قد رجعت عن ذلك، ولما رأى بعضهم يكتب كلامه، أنكر عليه وقال: تكتب رأياً لعلّي أرجع عنه غداً، اطلب العلم مثلما طلبناه.
ولما سئل عن كتاب أبي ثور قال: كل كتاب ابتدع فهو بدعة. ومعلوم أن أبا ثور من كبار أهل العلم، وكان أحمد يثني عليه. وكان ينهى الناس عن النظر في كتب أهل العلم الذين يثنى عليهم ويعظمهم. ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبي حنيفة، هجره أحمد، وكتب إليه: إن تركت كتب أبي حنيفة، أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك. ولما ذكر له بعض أصحابه أن هذه الكتب فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة، قال: إن عرفتَ الحديث لم تحتج إليها، وإن لم تعرفه لم يحل لك النظر فيها. وقال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1، قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك. ومعلوم أن الثوري عنده غاية، وكان يسميه: أمير المؤمنين.

فإذا كان هذا كلام أحمد في كتب نتمنى الآن أن نراها، فكيف بكتب قد أقر أهلها على أنفسهم أنهم ليسوا من أهل العلم، وشهد على أنفسهم بذلك، ولعل بعضهم مات وهو لا يعرف ما دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وشبهتكم التي ألقيت في قلوبكمك أنكم لا تقدرون على فهم كلام الله ورسوله والسلف الصالح، وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة ... إلخ " .
فتأمل هذه الشبهة، أعني: قولكم لا نقدر على ذلك، وتأمل ما حكى الله عن اليهود في قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} ، وقوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ} ، وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ، واطلب تفاسير هذه الآيات من كتب أهل العلم، واعرف من نزلت فيه، واعرف الأقوال والأفعال التي كانت سبباً لنُزول هذه الآيات، ثم اعرضها على قولهم: لا نقدر على فهم القرآن والسنة، تجد مصداق قوله: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم " وما في معناه من الأحاديث الكثيرة.

فلتكن قصة إسلام سلمان الفارسي منكم على بال، ففيها أنه لم يكن على دين الرسل إلا الواحد بعد الواحد، حتى إن آخرهم قال عند موته: لا أعلم على وجه الأرض أحداً على ما نحن فيه، ولكن قد أظل زمان نبي.
واذكر مع هذا قول الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} . فحقيق لمن نصح نفسه وخاف عذاب الآخرة أن يتأمل ما وصف الله به اليهود في كتابه، خصوصاً ما وصف به علماءهم ورهبانهم، من كتمان الحق، ولبس الحق بالباطل، والصد عن سبيل الله، وما وصفهم الله أي: علماءهم من الشرك، والإيمان بالجبت والطاغوت، وقولهم للذين كفروا: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} ، لأنه عرف أن كل ما فعلوا لا بد أن تفعله هذه الأمة، وقد فعلتْ.
وإن صعب عليك مخالفة الكبرا، ولم يقبل ذهنك هذا الكلام، فأحضر بقلبك أن كتاب الله أحسن الكتب، وأعظمها بياناً، وأشفى لداء الجهل، وأعظمها فرقاً بين الحق والباطل، والله سبحانه قد عرف تفرق عباده واختلافهم قبل أن يخلقهم، وقد ذكر في كتابه: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً} .
وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك، واعرضها على قلبك، فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال. فتأمل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ، وتكرير هذا الأصل في مواضع كثيرة، وكذلك قوله: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} ؛ فكل حجة تحتجون بها تجدها مبسوطة في القرآن، وبعضها في مواضع كثيرة. فأحضر بقلبك أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل، فارقاً بين الحق والباطل، لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج ويكررها، مع عدم حاجة المسلمين إليها، ويترك الحجج التي يحتاجون إليها، ويعلم أن عباده يفترقون. حاشا أحكم الحاكمين من ذلك!

ومما يهون عليك مخالفة من خالف الحق، وإن كان من أعلم الناس وأذكاهم، وأعظمهم جهلاً ، ولو اتبعه أكثر الناس، ما وقع في هذه الأمة من افتراقهم في أصول الدين وصفات الله تعالى، وغالب من يدعي المعرفة، وما عليه المتكلمون، وتسميتهم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حشواً وتشبيهاً وتجسيماً؛ مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام، مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد، وهو أصل الدين، تجد الكتاب من أوله إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله، ولا حديث عن رسول الله، اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه. وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك، مثل ما ذكر في فتح الباري، في مسألة الإيمان، على قول البخاري: وهو قول وعمل، ويزيد وينقص، فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله، ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين ولم يرده.
فإن نظرت في كتاب التوحيد في آخر الصحيح، فتأمل تلك التراجم، وقرأت في كتب أهل العلم من السلف ومن أتباعهم من الخلف، ونقلهم الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى وتلقيها بالقبول، وأن من جحد شيئاً منها أو تأول شيئاً من النصوص، فقد افترى على الله وخالف إجماع أهل العلم، ونقلهم الإجماع أن علم الكلام بدعة وضلالة، حتى قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع أهل العلم في جميع الأعصار والأمصار: أن أهل الكلام أهل بدع وضلالات، لا يعدّون عند الجميع من طبقات العلماء. والكلام في هذا يطول.

والحاصل: أنهم عمدوا إلى شيء أجمع المسلمون كلهم، بل وأجمع عليه أجهل الخلق بالله، عبدة الأوثان الذين بعث بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فابتدع هؤلاء كلاماً من عند أنفسهم كابروا به العقول. أيضاً، حتى إنكم لا تقدرون أن تغيروا عوامكم عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها، ثم مع هذا كله تابعهم جمهور من يتكلم في علم هذا الأمر، إلا من سبقت لهم من الله الحسنى، وهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، يبغضونهم الناس ويرمونهم بالتجسيم.
هذا، وأهل الكلام وأتباعهم من أحذق الناس وأفطنهم، حتى إن لهم من الذكاء والحفظ والفهم ما يحير اللبيب، وهم وأتباعهم مقرون أنهم مخالفون للسلف، حتى إن أئمة المتكلمين لما ردوا على الفلاسفة في تأويلهم في آيات الأمر والنهي، مثل قولهم: المراد بالصيام: كتمان أسرارنا، والمراد بالحج: زيارة مشايخنا، والمراد بجبريل: العقل الفعال، وغير ذلك من إفكهم، رد عليهم الجواب: بأن هذا التفسير خلاف المعروف بالضرورة من دين الإسلام، فقال لهم الفلاسفة: أنتم جحدتم علو الله على خلقه واستواءه على عرشه، مع أنه مذكور في الكتب على ألسنة الرسل، وقد أجمع عليه المسلمون كلهم وغيرهم من أهل الملل، فكيف يكون تأويلنا تحريفاً وتأويلكم صحيحاً؟ فلم يقدر أحد من المتكلمين أن يجيب عن هذا الإيراد، والمراد: أن مذهبهم مع كونه فاسداً في نفسه، ًمخالفا للعقول، وهو أيضاً مخالف لدين الإسلام والكتاب والرسول وللسلف كلهم؛ ويذكرون في كتبهم أنهم مخالفون للسلف، ثم مع هذا راجت بدعتهم على العالم والجاهل حتى طبقت مشارق الأرض ومغاربها.

وأنا أدعوك إلى التفكر في هذه المسألة، وذلك أن السلف قد كثر كلامهم وتصانيفهم في أصول الدين، وإبطال كلام المتكلمين وتفكيرهم ؛ وممن ذكر هذا من متأخري الشافعية: البيهقي، والبغوي، وإسماعيل التيمي، ومن بعدهم كالحافظ الذهبي، وأما متقدموهم كابن سريج والدارقطني وغيرهما فكلهم على هذا الأمر. ففتش في كتب هؤلاء، فإن أتيتني بكلمة واحدة أن منهم رجلاً واحداً لم ينكر على المتكلمين، ولم يكفّرهم، فلا تقبل مني شيئاً أبداً. ومع هذا كله وظهوره غاية الظهور، راج عليكم حتى ادعيتم أن أهل السنة هم المتكلمون؛ والله المستعان.

ومن العجب أنه يوجد في بلدكم من يفتي الرجل بقول إمام، والثاني بقول آخر، والثالث بخلاف القولين، ويعد فضيلة وعلماً وذكاء، ويقال: هذا يفتي في مذهبين أو أكثر؛ ومعلوم عند الناس أن مراده في هذا: العلو والرياء، وأكل أموال الناس بالباطل. فإذا خالفتُ قول عالم لمن هو أعلم منه أو مثله إذا كان معه الدليل، ولم آت بشيء من عند نفسي، تكلمتم بهذا الكلام الشديد. فإن سمعتم أني أفتيت بشيء خرجت فيه من إجماع أهل العلم، توجه على القول.
وقد بلغني أنكم في هذا الأمر قمتم وقعدتم، فإن كنتم تزعمون أن هذا إنكار للمنكر، فيا ليت قيامكم كان في عظائم في بلدكم تضاد أصلي الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! منها، وهو أعظمها: عبادة الأصنام عندكم من بشر وحجر، هذا يذبح له، وهذا ينذر له، وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات، وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر، وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة ولو عصى الله. فإن كنتم تزعمون أن هذا ليس هو عبادة الأصنام والأوثان المذكورة في القرآن، فهذا من العجب؛ فإني لا أعلم أحداً من أهل العلم يختلف في ذلك، اللهم إلا أن يكون أحد وقع فيما وقع فيه اليهود من إيمانهم بالجبت والطاغوت. وإن ادعيتم أنكم لا تقدرون على ذلك، فإن لم تقدروا على الكل قدرتم على البعض، كيف وبعض الذين أنكروا علي هذا الأمر وادعوا أنهم من أهل العلم، ملتبسون بالشرك الأكبر ويدعون إليه، ولو يسمعون إنساناً يجرد التوحيد ألزموه بالكفر والفسوق؟ ولكن نعوذ بالله من رضاء الناس بسخط الله.

ومنها: ما يفعله كثير من أتباع إبليس، وأتباع المنجمين والسحرة والكهان، ممن ينتسب إلى الفقر، وكثير ممن ينتسب إلى العلم، من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس، ويشبهونها بمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله؛ حتى إن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعي العلم أنه من العلم الموروث عن الأنبياء، من علم الأسماء، وهو من الجبت والطاغوت. ولكن هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم " .
ومنها: هذه الحيلة الربوية، التي مثل حيلة أصحاب السبت أو أشد.

وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع:
إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دعوته إلى المباهلة، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض، وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين، وغيرهما من أهل العلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

يا من تعز عليهم أرواحهم ... ويرون غبناً بيعها بهوانِ
ويرون أن أمامهم يوم اللقا ... لله مسألتان شاملتانِ
ماذا عبدتم ثم ماذا قد أجبْ ... ـتُم مًن أتى بالحق والبرهانِ
هيئوا جواباً للسؤال وهيّئوا ... أيضاً صواباً للجواب يداني
وتيقنوا أن ليس ينجيكم سوى ... تجريدكم لحقائق الإيمانِ
تجريدكم توحيده سبحانه ... عن شركة الشيطان والأوثانِ
وكذاك تجريد اتباع رسوله ... عن هذه الآراء والهذيانِ
فالوحي كافٍ للذي يعنى به ... شاف لداء جهالة الإنسانِ

هذا آخر ما ذكره الشيخ، رحمه الله، في هذه الرسالة النافعة. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
:: يتبع بإذن الله ::
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 12 Jul 2017, 07:34 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

- 17 - رسالتة إلى من يصل إليه من الإخوان، المؤمنين بآيات الله، المصدقين لرسول الله..

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من الإخوان، المؤمنين بآيات الله، المصدقين لرسول الله، التابعين للسواد الأعظم من أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان، وأهل العلم والإيمان المتمسكين بالدين القيم عند فساد الزمان، الصابرين على الغربة والامتحان؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد، فإن الله سبحانه بعث نبيكم صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، وأهل الأرض من المشرق إلى المغرب قد خرجوا عن ملة إبراهيم، وأقبلوا على الشرك بالله، إلا بقايا من أهل الكتاب؛ فلما دعا إلى الله، ارتاع أهل الأرض من دعوته، وعادوْه كلهم، جهالهم وأهل الكتاب عبادهم وفساقهم، ولم يتبعه على دينه إلا أبو بكر الصديق، وبلال، وأهل بيته صلى الله عليه وسلم، خديجة وأولادها، ومولاه زيد بن حارثه، وعلي رضي الله عنه.
قال عمرو بن عبسة: " لما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، قلت: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُعبد الله لا يُشرك به شيئاً. قلت: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد "، ومعه يومئذ أبو بكر وبلال. فهذا صيغة بدو الإسلام، وعداوة الخاص والعام له، وكونه في غاية الغربة. ثم قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ " 1.

فمن تأمل هذا وفهمه، زال عنه شبهات شياطين الإنس، الذين يجلبون على من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيل الشيطان ورجله.
فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم، في هذا الزمان، التي أكثر الناس منكر لها.
واضرعوا إلى الله أن يزيدكم إيماناً ويقيناً وعلماً، وأن يثبت قلوبكم على دينه، وقولوا كما قال الصالحون الذين أثنى الله عليهم في كتابه: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} 2.
واعلموا أن الله قد جعل للهداية والثبات أسباباً، كما جعل للضلال والزيغ أسباباً؛ فمن ذلك أن الله سبحانه أنزل الكتاب، وأرسل الرسول ليبين للناس ما اختلفوا فيه، كما قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 3؛ فبإنزال الكتب وإرسال الرسول، قطع العذر وأقام الحجة، كما قال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 4.

فلا تغفلوا عن طلب التوحيد وتعلّمه، واستعمال كتاب الله وإجالة الفكر فيه؛ وقد سمعتم من كتاب الله ما فيه عبرة، مثل قولهم: نحن موحدون، نعلم أن الله هو النافع الضار، وأن الأنبياء وغيرهم لا يملكون نفعاً ولا ضرا، لكن نريد الشفاعة.
وسمعتم ما بيّن الله في كتابه في جواب هذا، وما ذكر أهل التفسير وأهل العلم. وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا.
وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله،لكن نريد بجاههم. وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله.

وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم أن هذا الذي يُفعل في الحرمين والبصرة والعراق واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك.
وأقروا لكم أيضاً أن التوحيد الذي يسعون في إطفائه، وفي قتل أهله وحبسهم، أنه دين الله ورسوله. وهذا الإقرار منهم على أنفسهم من أعظم آيات الله، ومن أعظم نعم الله عليكم، ولا يبقى شبهة مع هذا إلا للقلب الميت الذي طبع الله عليه، وذلك لا حيلة فيه.

ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فاصغوا لجوابها. وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق. نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال. والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره، وقتل من أمر به وحبسهم؟! كيف لا يكفر من أمر بحبسهم؟! كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك يحثهم على لزوم دينهم وتزيينه لهم، ويحثهم على قتل الموحدين وأخذ مالهم؟! كيف لا يكفر وهو يشهد أن الذي يحث عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكره ونهى عنه وسماه الشرك بالله، ويشهد أن الذي يبغضه ويبغض أهله ويأمر المشركين بقتلهم هو دين الله ورسوله؟!

واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين، ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم.
وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} 5 إلى آخر الآية، وفيها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} 6.
فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة، وذكروا أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفاً منهم، أنه كافر بعد إيمانه، فكيف بالموحد في زماننا؟ إذا تكلم في البصرة أو الإحساء أو مكة أو غير ذلك، خوفًا منهم، لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر، فكيف بمن صار معهم وسكن معهم وصار من جملتهم؟ فكيف بمن أعانهم على شركهم وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم؟

فأنتم، وفقكم الله، تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائماً الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال، فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ وأمثالهم. والله أسأل أن يوفقكم لدينه ويرزقكم الثبات عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 مسلم: الإيمان (145) , وابن ماجة: الفتن (3986) , وأحمد (2/389) .
2 سورة آل عمران آية: 8.
3 سورة النّحل آية: 64.
4 سورة النساء آية: 165.
5 سورة النحل آية: 106.
6 سورة النحل آية: 107.

الشاملة 270/1 الى 273/1
:: يتبع بإذن الله ::
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, دعوة, حقيقةدعوةمحمدعبدالوهاب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013