سئل الشيخ العثيمين -رحمه الله - (الفتوى الثانية في كتاب العلم): عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟
فأجاب بقوله: هذه المسألة -كغيرها من المسائل المهمة التي لابد للإنسان منها في دينه ودنياه- لابد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله – تبارك وتعالى- على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر؛ لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة. أما المسائل التي لا تخل بدينه ، لو أجَّلها ولا يخشى أن تكون سببا لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها مادام غيرها أهم منها ؛ ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماما حتى يصل فيها إلى اليقين.
وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال – ولله الحمد – ؛ والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هم أنهم -مع الأسف الشديد- يرجحون جانب "كيف" على جانب "لِمَ" ؛ والإنسان مسؤول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام "لِمَ" و "كيف" ؛ فلِمَ عملت كذا ؟ هذا الإخلاص ؛ كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ؛ وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب "كيف" غافلون عن تحقيق جواب "لِمَ" ؛ ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً ؛ وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور. فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم ، وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد .
لهذا تجد بعض الناس -في مسائل الدين- يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً ، وقلبه منكب على الدنيا ، غافل عن الله ، مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه ؛ فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر ؛ وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر ؛ لأنه مع الأسف الشديد لا يهتم بجانب التوحيد وجانب العقيـدة ؛ وهذا ليس من العامة فقط ولكن من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته.
كما أن التركيز على العقيدة –فقط- بدون العمل -الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها- خطأ –أيضاً- لأننا نسمع في الإذاعات ، ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء ، وما أشبه ذلك من العبارات ؛ وفي الحقيقة أن هذا يُخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة ؛ ولكن لابد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على "لِمَ" وعلى "كيف".
وخلاصة الجواب : أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة ؛ ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده – جل وعلا – ؛ على بصيرة بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله ؛ على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية ؛على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه ؛ حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره.
وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم " الفقه الأكبر" ؛ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) ؛ وأول ما يدخل في ذلك –وأولاه- علم التوحيد والعقيدة ؛ لكن يجب على المرء –أيضاً- أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم ومن أي مصدر يتلقاه ؛ فليأخذ من هذا العلم –أولاً- ما صفا منه وسلم من الشبهات ؛ ثم ينتقل –ثانيا- إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات ، ليقوم برَدِّها وبيانها مما أخذ من قبل العقيدة الصافية ؛ وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم كلام الصحابة - رضي الله عنهم - ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم ، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ، خصوصا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
|