من علامات حب الله للعبد ابتلاؤه بأنواع الابتلاءات التي بها تكفر السيئات وترفع الدرجات، وأهل السنة قديما وحديثا يبتلون بابتلاءات عظيمة ترفع من قدرهم وتخلد ذكرهم، فعظم الجزاء مع عظم البلاء، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».
وأعظم ابتلاء ابتلي به أهل السنة هم أهل البدع والضلال، فقد ابتلي الإمام أحمد بالمعتزلة، وكذلك شيخ الإسلام وغيرهما، وفي بلدنا الجزائر ابتليت جمعية العلماء بالطرق الصوفية وداعمها المادي والروحي فرنسا، وقد ابتلينا في عصرنا هذا ببعض الصوفية والخوارج والعلمانية وأذنابها من صحافة الخزي والعار التي جعلت من الكذب شرطا في التوظيف عندها.
وإذا ما قارنا بما ابتليت به الجمعية قديما وبما ابتلينا به في عصرنا هذا لوجدنا أمرا غريبا، ذلك أن خصوم الجمعية كانوا أقوياء بشهادة الإبراهيمي كالمولود الحافظي وعاشور الخنقي الشاعر الطرقي الذي قال فيه ابن باديس: «إنه أحق بلقب أمير شعراء الجزائر من محمد العيد؛ لأنه يعتبر من الشعراء الفحول، ولأنه يحفظ الأغاني عن ظهر قلب...»(1)، وعبد الحي الكتاني وما يحفظه من أسانيد ومتون، والطاهر بن عاشور شيخ الإسلام في زمانه، والخصومة كانت معه في مسالة قراءة القرآن على الموتى.
وأما نحن فابتلينا بصحفي جاهل، وصوفي مهرج، ووسيم يوسف على قناة النهار!، وأحمد العياشي الذي أتى بالعجائب واتهم البشير الإبراهيمي وإخوانه بالخيانة، وأي خيانة؟ أيعد فتح المدارس والمعاهد خيانة عند العياشي؟
الكل يعلم أن البشير الإبراهيمي رحمه الله قد انتقلت إليه الرئاسة تلقائيا دون انتخاب وذلك لقطع طمع فرنسا في السيطرة على الجمعية لأن فرنسا طلبت من أعضاء الجمعية أن تفرض عليهم عالما من اختيارها حتى يسهل عليها التحكم في الجمعية كما يحلو لها ولكنهم رفضوا وعللوا ذلك بأنه لا يمكن انتخاب رئيس غيره إلا في الاجتماع العام للجمعية.
وبعد تولي الإبراهيمي رئاسة الجمعية فتح معهد ابن باديس الذي يعد من مفاخر الجمعية، وقد فتح بأموال الأمة كما ذكر ذلك الإبراهيمي حين قال: «شاركت الأمة الجزائرية كلها في بذل الأموال التي اشترت بها الدار، وأنفقت على إصلاحها وإعدادها»(2).
وقام الإبراهيمي بأعمال كبيرة منها جهاده الكبير في محاولة استرجاع الأوقاف من يد فرنسا وكتب فيها العديد من المقالات بعنوان فصل الدين عن الدولة وانظرها في آثاره فسترى العجب من هذا الرجل في نصرة هذه القضية.
وأظن أن الكاتب لم يقرأ أو ربما قرأ وأراد أن يزور فأنا أنصحه بقراءة آثار الإبراهيمي جيدا وألا يتسرع في الحكم وأن يتقي الله في أعراض العلماء وأن يشتغل بما ينفعه.
ويعود سبب هذا ابتلاء لأمور منها كثرة المعاصي وكثرة الخلافات التي فرقت وقسمت وشتت صف الإخوة، فلنترك المعاصي ونتوب إلى الباري جل ذكره، ولنترك الخلافات فالوقت وقت عمل لا وقت هزل، فـ«إن لميدان الكلام والأقلام رجالًا، وان لميدان الصدام والحسام رجالًا، وقد خلا الميدانان منا، فلا نلم المتطاول علينا بقلمه أو بسيفه، ولْنلمْ أنفسنا، فالدهر دول والضعفاء للأقوياء خول»(3).
===
(1): كتاب في الذكرى المئوية الرابعة لنشأة خنقة سيدي ناجي: 1602-2002م، (ص99)، والشعر الديني لعبد الله ركيبي (720)، بواسطة حول القصيدة العاشورية لسمير سمراد (ص61).
(2): الآثار (2/216).
(3): الآثار (4/256).