منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03 Aug 2011, 03:23 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي الآية الأولى من سورة الممتحنة -دراسة تحليلية- ( من سلسلة بحوثي الجامعية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذا هو البحث الأول -بإذن الله عز وجل- من: سلسلة بحوثي الجامعية، الموسوم بـ: الآية الأولى من سورة الممتحنة -دراسة تحليلية-.

أضعه في هذا المنتدى الغالي -منتدى التصفية والتربية السلفية-، نسأل الله أن يوفق القائمين عليه وأن يسدد خطاهم -آمين-.

والله الموفِّق لا رَبَّ سواه...


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيد الله عبد الله ; 05 Aug 2011 الساعة 06:07 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03 Aug 2011, 03:25 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

وسيأتي ذلك تباعا -بإذن الله-

قال تعالى في الذكر الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } [الآية الأولى من سورة الممتحنة]

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيد الله عبد الله ; 03 Aug 2011 الساعة 03:41 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03 Aug 2011, 03:32 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المُقَـدِّمَـة
(بسم الله) الكافي من لجأ إليه، فمن تولاه أغناه عمن سواه (الرحيم) الذي عمَّ بنعمته الإيجاد، مَن فَلقَ عن وجوده العدَم وبراه، وشمَل برحمته البيانَ من حاطه بالعقل ورعاه (الرحيم) الذي خصَّ بالتوفيق من أحبّه وارتضاه، ولما كان الحُبُّ في الله والبُغضُ في الله من أوثق عُرَى الإيمان، ولذلك ذمَّ سبحانه من وَالَى أعداءه وناصَرَهم، وسَمَّاهم مع التكلم بكلمة الإسلام منافقين، أنتج ذلك قطعا وجوب البراءة من أعدائه و الإقبال على خدمته وولائه(1).

أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وبهذين الأصلين اهتدت الأمة قديما، وهما سبيل نجاتها في سائر الأزمان والأحوال. من تمسك بهما رشد واستقام، ومن ضل عنهما غوى وهوى.
ويزداد يقيننا يوما بعد يوم أنه لا خلاص لهذه الأمة من هذا الواقع الذي تعيشه، والبؤس الذي تحياه، لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس، إلا بأن تجعل القرآن الكريم سبيل نجاتها، وحبل خلاصها، وهاديها من حيرتها، ومنقذها من رقدتها، به تحيا، وفي ضوئه تسير، وعلى منهاجه تموت، { وَمَا ءَاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: الآية7].

وانسجاما مع هذه القناعة، وتفاعلا مع هذا اليقين طفِقنا نعيش مع كتاب الله، نفسر آياته، ونبين دلالاته، ونشير إلى هداياته.

ومن ذلك أننا وقَفْنَا على الآية الأولى من سورة الممتحنة مفسرين لها تفسيرا تحليليا وفق المنهجية المسطرة في المادة.
والسورة الكريمة هي من السور المدنية، التي تهتم بجانب التشريع، ومحور السورة يدور حول فكرة "الولاء والبراء" الذي هو من أوثق عرى الإسلام، وقد نزل صدر الآية عتابا لأحد الصحابة، ما هي هذه القصة؟ وما هو الولاء والبراء من منطوق الآية؟ وما هي العبر التي نستفيدها منها؟ هذا ما سنذكره في بحثتا إن شاء الله تعالى.

وقد جاءت دراستنا لهذه الآية في خطة تتألف من مقدمة وثلاث مباحث وخاتمة، كالتالي:
1- مقدمة.
2- المَـبْحـثُ الأَوّلُ: الـدِّراسةُ اللُّـغوِيّةُ والبلاغيَّـةُ لِلآيَـةِ، ويَشتَملُ على مطـلبَـيْنِ:
المَطلبُ الأوّلُ: الـدِّراسةُ اللُّـغويَّـةُ.
المَطلبُ الثّانِي: الـدِّراسةُ البَلاغيَّـةُ.
3- المَـبْحـثُ الثَََّـاِني الـدِّراسةُ التّـحليـِليَّـة لِلآيَـةِ، ويشتمل على ثـلاثِ مطـالـبَ:
المَطلبُ الأوّلُ: سـببُ نـزولِ الآيـةِ.
المَطلبُ الثّانِي: منـاسـبةُ الآيـةِ لِـما قبلـها ومـا بعـدهـا.
المَطلبُ الثّالثُ: المَعنَى الإجمَـاليُّ والتَّفصِيـلِيُّ للآيـةِ.
4- المَـبْحـثُ الثَّـاِلثُ: الفوائِـدُ المُسـتنـبَطةُ من الآيَـةِ وإِسـقاطـاتُهـا عـلى الـواقِعِ ويشتمل على مطـلَبَـْينِ:
المَطلبُ الأوّلُ: الفـوائِدُ والأحْكَـامُ الـمُسْتَنـبَطةُ.
المَطلبُ الثّانِي: إِسقـاطُ الآيَـة علـى الواقِــعِ.
5-الخَـاتِمَـةُ.
6- هذا وقد وضعنا فهرسا للمَصادِرِ والمَراجِعِ، رتَّبناه ترتيبا ألفبائيا.

ولا ندعي أننا أتينا فيها بما لم تأت به الأوائل من العلماء والمفسرين، وإنما هو الجمع والانتقاء والاختصار حسب ما يقتضيه المقام، ونحن عالة عليهم - رحمهم الله وأحسن مثوبتهم-.

وقد اعتمدنا على ثلة من المصادر والمراجع من بينها:
تفسير ابن كثير-أيسر التفاسير- لسان العرب- أسباب النزول-نظم الدرر في تناسب الآيات والسور....الخ.

وقد لاقتنا بعض الصعوبات في البحث، كالدراسة اللغوية والبلاغية للآية، وتطبيقاتها على الواقع، وذلك لبضاعتنا المزجاة، وقلة الزاد، إلا أننا مع مداومة النظر و كثرة السهر استطعنا بفضل الله وتوفيقه أن نضع قسطا يشفي العليل ويضمي الغليل، والحمد لله رب العالمين.
وختاما من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" نشكر الأستاذة الكريمة على ما قدمت لنا من نصائح وتوجيهات قد يبخلها كثير من الناس، جعلها الله في ميزان حسناتها ووفقها للإخلاص في ذلك كله، وآخر وخير دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــ
(1) من كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي (19/483).

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيد الله عبد الله ; 03 Aug 2011 الساعة 03:34 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03 Aug 2011, 03:36 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَـبْحـثُ الأَوّلُ
الـدِّراسةُ اللُّـغوِيّةُ والبلاغيَّـةُ لِلإيــــــــــَـةِ



ويَشتَملُ على مطـلبَـيْنِ:

المَطلبُ الأوّلُ: الـدِّراسةُ اللُّـغويَّـةُ.

المَطلبُ الثّانِي: الـدِّراسةُ البَلاغيَّـةُ.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03 Aug 2011, 03:56 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المطلبُ الأوّلُ:
الـدِّراسةُ اللُّـغويَّـةُ للآيَةِ

تَتَّخِذُوا: من تَخِذَ الشّيءَ تَخَذاً و تَخْذاً،واتَّخَذَه عَمِلهُ(1).
أَوْلِيآءَ: الوَلْيُ: القُربُ والدُّنوُّ، ويقال: بينهما وَلاءٌ أي قَرابَةٌ، والموالاة ضدُّ المعاداةِ(2).
تُلقُونَ: أَلْقَى الشَّيءَ طرَحهُ(3).
المَوَدَّةُ: الودُّ الحُبُّ يكون فيميع مَداخِل، ووَدِدْتُ الرجل أَوَدُّه ودًّا إِذا أَحببته، والموَدَّةُ الكتاب قال الله تعالى { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ} أَي بالكُتُب(4).
ابْتِغَاءَ: يُقال: بَغَى الرَّجل حاجتَه أَو ضالته يَبْغيها بُغاءً وبُغْيَةً وبُغايةً إذا طلبها(5) .
أي: طلب مرضاته(*).
مرضاتي: الرِّضا ضِدّ السَّخطِ(6).
تُسِرُّونَ: السِّرُّ من الأَسْرار التي تكتم، والسر ما أَخْفَيْتَ، والجمع أَسرار(7). أي: تسرون إليهم الأخبار وخطط النبي والمؤمنين بسبب المودة(*).
أخفيتم: أَخْفَيْتُ الشيءَ سَتَرْتُه وكتَمْتُه(8).
أعْلَنتُم: العِلانُ والمُعالَنة والإِعْلانُ المُجاهرة عَلَن الأَمْرُ يَعْلُنُ عُلُوناً ويَعْلِنُ وعَلِنَ يَعْلَنُ عَلَناً وعَلانية فيهما إذا شاع وظهر(9). أي: وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر، والأعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون(*).
ضَلَّ: الضّلال والضّلالة ضِدُّ الهدى والرّشاد(10).أي: أخطأ طريق الهدى(*).
سَوَاءَ السَّبِيلِ: قَصْدَ السّبيلِ(11).والمراد هنا الطريق المستوي وهو طريق الحق(*).

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب، ابن منظور مادة: تخذ (2/21).
(2) الصحاح في اللغة، الجوهري مادة: ولي (2528) وما بعدها.
(3) لسان العرب مادة: لقا (12/319).
(4) نفس المصدر مادة: ودد (15/247-248).
(5) نفس المصدر مادة: رضى (5/235).
(6) نفس المصدر مادة: بغا (1/456).
(*) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، د وهبة الزحيلي (28/118و121).
(7) نفس المصدر مادة: سرر (6/235).
(8) نفس المصدر مادة: خفا (4/160).
(9) نفس المصدر مادة: علن (9/374).
(10) نفس المصدر مادة: ضلل (8/78).
(11) نفس المصدر مادة: سوا (6/449).
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03 Aug 2011, 04:06 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَطلبُ الثّانِي:
الـدِّراسةُ البَلاغيَّـةُ لِلآيةِ

لقد جاء الَقُرْآن الكَرِيم على سُنن العرب في كلامها في فنونه البديعة، وأفانينه البلاغية البيانية، فمن ذلك ما ورد في هذه الآية من أنواع البلاغة ما يحسُن الوُقوف عند بعضه تجلية للَّفظ وإيضاحا للمعنى:
1-التفسير: وهو التصريح بعد الإبهام(*)، ففي قوله تعالى { تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } تفسير للموالاة أو لاتخاذها(1).
2-الاستئناف: وهو الإتيان بعد تمام الكلام بقول يفهم منه جواب سؤال مقدر(*).
وذلك في قوله { تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } كـأنهم لما استشعروا العتاب ما تقدم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا ؟ فقيل { تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ }.
وكذلك في قوله تعالى { تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } وفي قوله{ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } كالتفسير لمكفرهم، كأنه قيل: كيف كفروا؟ وأجيب بأنهم كفروا أشد الكفر بإخراج الرسول والمؤمنين لإيمانهم خاصة لا لغرض آخر(2).
3- الالتفات: وهو العدول عن الغيبة إلى الخطاب أو على العكس(*).
وذلك في قوله تعالى { أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } حيث لم يقل أن تؤمنوا بي، للإشعار بما يوجب الإيمان من الألوهية والربوبية(3)، وترى العرب أن الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القبول عند السماع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذ إصغائه(4).
4-التغليب: وهو إعطاء الشيء حكم غيره(*)، تغليب المخاطب على الغائب أي: على الرسول في قوله { أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ }(5).
5-البدل: وهو إقامة الشيء مكان الشيء(*)، قال تعالى { تُسِرُّونَ } بدلا من { تُلْقُونَ } بدل كل من كل إن أريد بالإلقاء الإلقاء خفية، أو بدل بعض إن أريد الأعم لأن منه السر والجهر(6).
6-الطباق: وهو الجمع بين معنيين متقابلين(*)، في قوله تعالى { بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ }، أَخْفَيْتُمْ وأَعْلَنْتُمْ بينهما طباق، فالإخفاء يقابل الإعلان(7).

ــــــــــــــــــــــ

(*) المعجم المفصل في علوم البلاغة، د.آنعام فوال عكاوي (403،66،209،397) على التوالي.
(1) روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، الألوسي (28/66).
(2) نفس المصدر (28/67).
(3) حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، محمد الأمين الهرري (29/216).
(4) تفسير النسفى، أبو البركات عبد الله النسفي (1/36).
(5) حدائق الروح والريحان (29/216).
(*) المعجم المفصل، عكاوي(255،597) على التوالي.
(6) روح المعاني (28/67).
(7) التفسير المنير، الزحيلي (28/118).
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03 Aug 2011, 04:08 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَبْحثُ الثانِي
الـدِِّرَاسةُ التّـحِْليـِليَّـة ِللآيَـةِ

ويَشتَملُ على ثـلاثِ مطـالـبَ:

المَطلبُ الأوّلُ: سـببُ نـزولِ الآيـةِ.

المَطلبُ الثّانِي: منـاسـبةُ الآيـةِ لِـما قبلـها ومـا بعـدهـا.

المَطلبُ الثّالثُ: المَعنَى الإجمَـاليُّ والتَّفصِيـلِيُّ للآيـةِ.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03 Aug 2011, 04:15 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المطلبُ الأوّلُ:
سـببُ نـزولِ الآيـةِ

قال جماعة من أهل المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة(1) وذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة، فقال لها: أمُسلمةً جِئتِ؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك قالت أنتم الأهل والعشيرة والموالي، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، قال لها: فأين أنت من شباب أهل مكة -وكانت مُغَنِّية-، قالت: ما طُلب منّي شيء بعد وقعة بدر، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة، وكتب معها إلى أهل مكة، وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً والزبير وطلحة والمقدادَ بنَ الأسود وأبا مرثد، وكانوا كلهم فرساناً وقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خَاخٍ(2) فإن فيها ظَعِينَة(3) معها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها؛ فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها كتاب، ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع، فقال عليّ: والله ما كَذَبَنا ولا كذَّبْنا، وسلَّ سيفَه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأجزُرَنَّك(4) ولأضرِبَنَّ عُنقك، فلما رأتِ الجِدّ أخرجته من ذُؤَابتها(5) قد خبّأته في شعرها، فخلَّوا سبيلها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فأتاه، فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم، قال: فما حَمَلك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفَرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتُهم منذ فارقتُهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنتُ غريباً فيهم، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً، وقد علمتُ أن الله ينزل بهم بأسه، وكتابي لا يغني عنهم شيئا، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَذَره، فنزلت هذه السورة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عُنق هذا المنافق، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعلَّ الله قدِ اطَّلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم(6).
وفي هذا قال ابن كثير: "كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أن حاطبا هذا كان رجلا [من أهل اليمن] من المهاجرين، وكان من أهل بدر أيضا، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفا لعثمان، فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلُها العهدَ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم، وقال: "اللهم، عمِّ عليهم خبرنا". فعمَد حاطبٌ هذا فكتب كتابا، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة، يُعلِمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتخذ بذلك عندهم يداً، فأطلع الله رسوله على ذلك، استجابة لدعائه، فبعث في أَثَر المرأة فأخذ الكتاب منها"(7).
وكان في الكتاب: "أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يَسِر إليكم إلا وحدَه لأظفَره الله بكم، وأنجَز له موعده فيكم، فإن الله وليُّه وناصره".
ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم(8).

ــــــــــــــــــــــ

(1) حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي، حليف بني أسد ابن عبد العزى، يكنى أبا محمد صحب رسول الله  وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية والمشاهد كلها، وكان حاطب من الرماة المذكورين، وقدم رسولا إلى مصر من النبي  إلى المقوقس، وتوفي سنة ثلاثين وصلى عليه عثمان وكان عمره خمسا وستين سنة.[ الطبقات الكبرى لابن سعد (3/106) وغيره ]
(2) موضع بين الحرمين، بإثني عشر ميلا من المدينة.[ معجم البلدان لياقوت الحموي (2/335) ].
(3) الجارية، وهي في الأصل الهودج، وسميت بها الجارية لأنها تكون فيه [ لسان العرب (8/253) ].
(4) جَزَرَ الشيءَ يَجْزُرُه ويَجْزِرُه جَزراً قطعه والجَزْرُ نَحْرُ الجَزَّارِ الجَزُورَ [ لسان العرب(2/271) ]، أي أصيرك مثل الجزور إذا ذُبحت(قاله: بدرالدين العيني في العمدة).
(5) الذّؤابة: مَنْبِتُ الناصيةِ من الرأْس، والمراد هنا: الشعر المضفور من شعر الرأس [ لسان العرب (5/15) ].
(6) أسباب النزول، الواحدي (441). والحديث متفق عليه من رواية علي رضي الله عنه بلفظ آخر.
(7) تفسير القرآن العظيم، بن كثير (4/407).
(8) الجامع لأحكام القرآن، محمد القرطبي (20/396).
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03 Aug 2011, 04:24 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَطلبُ الثّانِي:
مُنـاسَـبةُ الآيـةِ لِـما قبْلَـها ومـا بعْـدَهـا


مناسبتها لما قبلها من وجوه:

1- أنهما يشتركان في بيان حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحاضرين في زمانه من اليهود والنصارى وغيرهم.
2- أن آخر تلك السورة يشتمل على الصفات الحميدة لحضرة الله(1) تعالى من الوحدانية وغيرها وأول هذه السورة مشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات(2).
3- أنه ذكر في السابقة موالاة الذين نافقوا للذين كفروا من أهل الكتاب، وذكر هنا نهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء لئلا يشبهوا المنافقين.
4- أنه ذكر في السابقة المعاهَدين من أهل الكتاب، وذكر هنا المعاهَدين من المشركين(3).

مناسبتها لما بعدها:

1-ولما نهى المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء، وشرح ما به الولاية من الإلقاء بالمودة بينهم، وذكر ما صنع الكفار بهم أولاً من إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ذكر صنيعا لهم آخراً لو قدروا عليه من أنه إن تمكنوا منكم تظهر عداوتهم لكم، ويبسطوا أيديهم بالقتل والتعذيب، وألسنتهم بالسب؛ وودوا لو ارتددتم عن دينكم الذي هو أحب الأشياء إليكم، وهو سبب إخراجهم إياكم(4).
2- ثم بعدها، أراد تعالى أن يشجعهم على معاداة الكافرين وعدم موالاتهم بحال من الأحوال، لما في ذلك من الضرر والخطر على العقيدة والصلة بالله، وهي أعز ما يملك المؤمنون، أعلمهم بأنه يُوجَد لهم أسوة أي: قدوة حسنة في إبراهيم خليلِه والمؤمنين معه، فإنهم على قِلَّتهم، وكثرة عدوهم، وعلى ضعفه وقوة خصومهم، تبرَّؤوا من أعداء الله، وتَنَكَّرُوا لأيَّةِ صلة تربطهم بهم.
3- وما زال السياق الكريم في بيان حكم الموالاة للكافرين: فإنه لما حرم تعالى ذلك، وكان للمؤمنين قرابات كافرة، وبحكم إيمانهم واستجابتهم لنداء ربهم قاطعوهم، فَبَشَّرَهُم تعالى في هذه الآية الكريمة بأنه عز وجل قادر على أن يجعل بينهم وبين أقربائهم مودة(5)، وقد أنجز الله وعده، فأتاح للمسلمين فتح مكة، فأسلم قومُهم وتمَّ لهم ما كانوا يريدون من التحابِّ والتوادِّ، ثم رخّص لهم في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم(6).
4- واقتضى ذلك مهاجرة المسلمين من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام خوفا من موالاة الكفار، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة فبيّن أحكام المهاجِرات من النساء بقوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ }(7).
6- وكذلك لمّا افتتح هذه السّورة بالنهي عن اتخاذ الكفار أولياء، ختمها بمثل ذلك تأكيداً لترك مولاتهم وتنفير المسلمين عن توليهم وإلقاء المودّة إليهم(8).

ـــــــــــــــــــــــ

(1)
(2) مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي (29/257).
(3) تفسير المراغي، أحمد مصطفى المراغي (28/60).
(4) البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (8/من 250 إلى 256).
(5) أيسر التفاسير، الجزائري (5/327).
(6) حدائق الروح والريحان، الهرري (29/190).
(7) المرجع نفسه (29/218).
(8) البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (8/ 256).
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03 Aug 2011, 04:41 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَطلبُ الثّالثُ:
المَعنَى الإجمَـاليُّ والتَّفصِيـلِيُّ للآيـةِ

أ- المعنى الإجمالي للآية:


{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله، { لا تَتَّخِذُوا } أي: لا تجعلوا، { عَدُوِّي } في الدين، { وَعَدُوَّكُمْ } في القتل، { أَوْلِيَاء } أي: أصدقاء لأنفسكم، وأضاف سبحانه العدو إلى نفسه تعظيما لجرمهم، { تُلْقُونَ إِلَيْهِم } أي: توصلون إلى أولئك الأعداء،{بِالْمَوَدَّةِ } أي: بالمحبة بالكتاب، ثم ذكر مما يمنع هذا الإتخاذ أمرين:

1- { وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ } أي: والحال أنهم قد كفروا بالله ورسوله، وكتابه الذي أنزله عليكم، فكيف بعد هذا تجعلونهم أنصارا وتسرون إليهم بما ينفعهم ويضر رسولكم ويعوِّق نشر دينكم؟.
2- { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أي: كفروا مخرجين الرسول وإياكم من مكة.

قال ابن عباس: وكان حاطب ممن أُخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم.
3- { أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: يخرجونكم لأجل إيمانكم، أو كراهة أن تؤمنوا، وفي هاذا تهييج لهم على عداوتهم وعدم موالاتهم.
ثم زادهم تهييجا بقوله: { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } من مكة إلى المدينة { جِهَادًا فِي سَبِيلِي } ونشر ديني { وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي } أي: وطلبا لمرضاتي، { تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } والنصيحة { وَأَنَا أَعْلَمُ } أي: والحال أني أعلم منكم { بِمَا أَخْفَيْتُمْ } أي: بما أضمرتم في صدوركم من مودة الأعدء { وَمَا أَعْلَنتُمْ } أي: وما أظهرتم بألسنتكم من الإعتذار وغير ذلك { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي: يفعل الإتخاذ المنهي عنه { فَقَدْ ضَلَّ } وأخطأ { سَوَاء السَّبِيلِ } أي: طريق الحق والصواب الموصل إلى الفوز بالسعادة الأبدية(1).

ب- المعنى التفصيلي للآية(2):

تبدأ السورة بذلك النداء الودود الموحي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } نداء من ربهم الذي آمنوا به، يدعوهم باسم الإيمان الذي ينسبهم إليه، يدعوهم ليبصرهم بحقائق موقفهم، ويحذرهم حبائل أعدائهم، ويذكرهم بالمهمة الملقاة على عاتقهم.
{ لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } عدو الله: من كفر أو أشرك ولم يؤمن بما أنزل في كتبه، وعدوّ المؤمنين: من خانهم أو أضر بمصالحهم أو قاتلهم أو عاون على مقاتلتهم(3). فيه دلالة على أن خوف الجائحة على المال والولد لا يبيح التقية في دين الله تعالى، وأن العذر الذي أبرزه حاطب بن أبي بلتعه لا أثر له، ويحتمل أن يقال إن ذلك لم يكن إكراماً، وإنما كان تودداً إليهم، لما كان يأمل من نفع من جهتهم(4).
{ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } أي: لا تتخذوهم أنصاراً توادونهم، فلا يجوز أن يلقوا بالمودة إلى أعدائهم وأعدائه.
ويذكرهم بجريرة هؤلاء الأعداء عليهم وعلى دينهم وعلى رسولهم، وعدوانهم على هذا كله في تجن وظلم:
{ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ } أي: الإِسلام عقيدة وشريعة.
{ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أي: بالتضييق عليكم حتى خرجتم فارين بدينكم.
{ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: لأجل أن آمنتم بربكم، فماذا أبقوا بعد هذه الجرائر الظالمة للموالاة والمودة؟ كفروا بالحق، وأخرجوا الرسول والمؤمنين، لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله ربهم؟ إنه يهيج في قلوب المؤمنين هذه الذكريات المرتبطة بعقيدتهم، وهي التي حاربهم المشركون من أجلها، لا من أجل أي سبب آخر، ويبرز القضية التي عليها الخلاف والخصومة والحرب، فهي قضية العقيدة دون سواها، قضية الحق الذي كفروا به والرسول الذي أخرجوه، والإيمان الذي من أجله أخرجوهم.
وإذا تمحضت القضية هكذا وبرزت، ذكّرهم بأنه لا محل إذن للمودة بينهم وبين المشركين إن كانوا قد خرجوا من ديارهم ابتغاء رضوان الله وجهاداً في سبيله:
{ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي }: فلاتتخذوهم أولياء ولا تبادلوهم المودة، فما يجتمع في قلب واحد أن يهاجر جهاداً في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله، مع مودة لمن أخرجه من أجل إيمانه بالله، وهو عدو الله وعدو رسول الله!
ثم يحذرهم تحذيراً خفياً مما تكنّ قلوبهم، وما يسرون به إلى أعدائهم وأعداء الله من المودة، وهو مطلع على خفية القلوب وعلانيتها:
{ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } أي: توصلون إليهم خبر خروج الرسول لغزوهم بطريقة سرية.
{ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } أي: تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر(5). ثم يهددهم تهديداً مخيفاً، يثير في القلب المؤمن الوجل والمخافة:
{ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي: ومن يوادهم فينقل إليهم أسرار النبي في حروبه وغيرها.
{ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } أي: أخطأ طريق الحق الجادة الموصلة إلى الإِسعاد.
وهل يخيف المؤمن شيء ما يخيفه أن يضل سواء السبيل بعد الهداية والوصول؟!
وهذا التهديد وذلك التحذير يتوسطان تبصير المؤمنين بحقيقة أعدائهم وما يضمرون لهم من الشر والكيد.

ــــــــــــــــــــــ

(1) أنظر: حدائق الروح والريحان، الهرري (29/192 إلى 195).
(2) أنظر أيسر التفاسير، الجزائري (5/320).
(3) جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري (28/60)
(4) أحكام القرآن، عماد الدين الطبري المعروف بالكيا الهراسي (5/20).
(5) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (4/410).
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 03 Aug 2011, 04:42 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

سأتم ما بدأت به بعد الصلاة بإذن الله
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 03 Aug 2011, 05:51 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَـبْحـثُ الثـالِثُ
الفوائِـدُ المُسـتَنبطةُ من الآيَـةِ وإِسـقَاطَـاتُهَـــــا عـلــــــــــــــــــى الـواقـــــــــــــــــِعِ


ويَشتَملُ على مطـلَبَـْينِ:


المَطلبُ الأوّلُ: الفـوائِدُ والأحْكَـامُ الـمُسْتَنـبَطةُ.


المَطلبُ الثّانِي: إِسقـاطُ الآيَـة على الـواقِعِ.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 03 Aug 2011, 06:00 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَطلبُ الأوّلُ:
الفـوائِدُ والأحْكَـامُ الـمُسْتَنـبَطةُ

من هداية الآية:

1- حرمة موالاة الكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين.
2- الذي ينقل أسرار المسلمين الحربية إلى الكافرين على خطر عظيم وإن صام وصلى.
3- بيان أن الكافرين لا يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم، لأن قلوبهم عمياء لا يعرفون معروفاً ولا منكراً بظلمة الكفر في نفوسهم، وعدم مراقبة الله عز وجل، لأنهم لا يعرفونه ولا يؤمنون بما عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة.
4- فضل أهل بدر وكرامتهم على الله عز وجل.
5- قبول عذر الصادقين الصالحين ذوي السبق في الإِسلام إذا عثر أحدهم اجتهاداً منه(1).

قال ابن الخطيب:

في الآية مباحث:

الأول: اتخاذ العدو أولياء، كيف يمكن، والعداوة منافية للمحبة؟.

والجواب: لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر آخر، ألا ترى إلى قوله تعالى:
{ أَنّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [الأنفال: 28 ]، وقال عليه الصلاة والسلام: "أولادُنــا أكــبادُنــا"

الثاني: لِم قال: { عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } ولَم يقل بالعكس؟.

والجواب: أنَّ العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبّة الله ومحبَّة رسوله - عليه الصلاة والسلام - فتكون محبة العبد من أصل الإيمان بحضرة الله تعالى لعلةٍ، ومحبة حضرة الله - تعالى - للعبد لا لعلة، والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة؛ ولأن الشيء إذا كانت له نسبة إلى الطرفين، فالطرف الأعلى مقدم على الأدنى.

الثالث: قال: { أَوْلِيَاءَ }، ولم يقل: ولي العدو أو العدو معرفاً؟.

فالجواب: أن المعرف بحرف التعريف يتناول كل فرد، فكذلك المعرف بالإضافة.
قال القرطبي: قوله: { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ } يعني بالظَّاهر، لأن قلب حاطب كان سليماً بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "أمَّا صَاحبُكمْ فقدْ صَدَقَ"، وهذا نصٌّ في سلامة فؤاده، وخلوص اعتقاده.

الرابع: فيمن تطلع على عورات المسلمين:
قال القرطبي: من كثر تطلّعه على عورات المسلمين، وينبِّه عليهم، ويُعرِّف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافراً إذا كان فعله ذلك لغرض دنيوي، واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد، ولم ينو الردة عن الدين.
وإذا قيل: بأنه لا يكون كافراً بذلك فهل يقتل حدًّا أم لا؟ فقال مالك وابن القاسم وأشهب: يجتهد الحاكم الإمام في ذلك.
وقال عبد الملك: إذا كانت عادته تلك قُتِلَ لأنه جاسوس، وقد قال مالك: يقتل الجاسوس لإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض، ولعل ابن الماجِشون إنما أخذ التكرار في هذا؛ لأن حاطباً أخذ في أول فعله، فإن كان الجاسوس كافراً، فقال الأوزاعي: يكون نقضاً لعهده، وقال: الجاسوس الحربي يقتل، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إلا أن يظاهرا على الإسلام فيقتلان(2).

اختلف العماء في قتل الجاسوس:
فإن كان معاهداً أو ذمياً، فالصحيح أنه ينتقض عهده بذلك، وللإمام أن يقتله بذلك.
2- وأما الجاسوس المسلم: فقال المالكية: إنه يقتل، وقال الجمهور: لا يقتل، وكلا الفريقين استدلوا بقصة حاطب:
فإن الفريق الثاني قالوا: إن الرسول لم يقتل حاطباً لأنه مسلم.
وقال الفريق الأول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ عمر رضي الله عنه على إرادة قتله لولا وجود المانع وهو شهود بدر، والصحيح هو قول المالكية، فللإمام أن يعزِّرَ الجاسوس المسلم ولو بالقتل أو بما هو دونه حسبما يراه من المصلحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعلّل ترك قتل حاطب لكونه مسلماً، وإنما لكونه شهد بدراً .

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) أيسر التفاسير (5/322).
(2) نقلا عن: اللباب في علوم الكتاب، سراج الدين الحنبلي(19/7).
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 03 Aug 2011, 06:32 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

المَطلبُ الثّانِي:
إِسقـاطُ الآيَـة على الـواقِعِ

حكم تولي الكفار(1):
دلت النصوص الشرعية على أن موالاة الكفار على درجات، فمنها ما يخرج العبد من الملة، أي يصل إلى درجة الكفر، ومنها ما يعد معصية ولا يصل إلى درجة الكفر.

فمن الموالاة التي تعد كفراً:

1- محبة دينهم، أو اعتقاد أنه دين صحيح، قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]، وفي الحديث: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله أدخله الله الجنة على ما آمن من العمل" فاشترط لصحة كلمة التوحيد الكفر بما يعبد من دون الله .
2- اعتقاد أن دينهم أو قانونهم أفضل أو مثل دين الإسلام .
3- نصرتهم وإعانتهم في الحرب ضد المسلمين، لقوله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51 ].
4- الرضى بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة.
5- الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله.

ومن الموالاة التي لا تعد كفراً:

1- التشبُهُ بهم في الملبسِ والكلامِ وغيرِهما:
لأنَّ هذا يدلُ على محبةِ المتشبَّهِ به، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبهَ بقوم فهو منهم"، فيَحْرُمُ التشبُّهُ بالكفارِ فيما هو من خصائِصِهم مِنْ عاداتِهم، وعباداتِهم، وسِمَتِهمْ وأخلاقِهم كحلقِ اللحى وإطالةِ الشواربِ، والرطانةِ بلغتِهم إلا عندَ الحاجةِ، وفي هيئةِ اللباسِ، والأكلِ والشربِ وغيرِ ذلك.
2- الإقامةُ في بلادِهم وعدمُ الانتقالِ منْها إلى بلادِ المسلمينَ لأجلِ الفرارِ بالدينِ:
لأنَّ الهجرةَ بهذا المعنى، ولهذا الغرضِ واجبةٌ على المسلمِ، لأنَّ إقامتَه في بلادِ الكفارِ تدلُ على موالاةِ الكافرينَ، ومنْ هنا حرَّم اللهُ إقامةَ المسلمِ بينَ الكفارِ إذا كانَ يقدرُ على الهجرةِ، قالَ تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 97]، فلمْ يعذرْ اللهُ في الإقامةِ في بلادِ الكفارِ إلا المستضعفينَ الذين لا يستطيعونَ الهجرةَ، وكذلك منْ كان في إقامتهِ مصلحةٌ دينةٌ كالدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ الإسلامِ في بلادِهم، وقال عليه الصلاة والسلام : "أنـا بريءٌ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" وقال أيضا: "من جامع المشركين فهو منهم".

والإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا بشروط(2):

الشرط الأول: وجود الحاجة الشرعية المقتضية للإقامة في بلادهم ولا يمكن سدّها في بلاد المسلمين، مثل التجارة، والدعوة، أو التمثيل الرسمي لبلد مسلم، أو طلب علم غير متوفر مثله في بلد مسلم من حيث الوجود، أو الجودة والإتقان، أوالخوف على النفس أو الأهل والولد من القتل أو السجن أو التعذيب، وليس مجرد الإيذاء والمضايقة .

الشرط الثاني: أن تكون الإقامة مؤقتة، لا مؤبّدة، بل ولا يجوز له أن يعقد النية على التأبيد، وإنما يعقدها على التأقيت؛ لأن التأبيد يعني كونها هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر، وهذا مناقضة صريحة لحكم الشرع في إيجاب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ويحصل التأقيت بأن ينوي أنه متى زالت الحاجة إلى الإقامة في بلد الكفار قطع الإقامة وانتقل.

الشرط الثالث: أن يكون بلد الكفار الذي يريد الإقامة فيه دار عهد، لا دار حرب، وإلا لم يجزالإقامة فيه ويكون دار حرب إذا كان أهله يحاربون المسلمين .

الشرط الرابع: توفُّـر الحرية الدينية في بلد الكفار، والتي يستطيع المسلم بسببها إقامة شعائر دينه الظاهرة .
الشرط الخامس: تمكنه من تعلم شرائع الإسلام في ذلك البلد، فإن عسر عليه لم تجز له الإقامة فيه لاقتضائها الإعراض عن تعلم دين الله .

الشرط السادس: أن يغلب ظنه بقدرته على المحافظة على دينه، ودين أهله وولده، وإلا لم يجز له؛ لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفس والمال والأهل.
فمن توفرت فيه هذه الشروط جاز له أن يقيم في بلاد الكفار، وإلا حرم عليه؛ للنصوص الصريحة الواضحة التي تحرم الإقامة فيها، وتوجب الهجرة منها، وهي معلومة، وللخطورة العظيمة الغالبة على الدين والخلق، والتي لا ينكرها إلا مكابر .

3-السفرُ إلى بلادِهم لغرضِ النُزْهةِ ومتعةِ النَّفْسِ:
والسفرُ إلى بلادِ الكفارِ محرَّمٌ إلا عندَ الضرورةِ كالعلاجِ والتجارةِ والتعليمِ للتخصصاتِ النافعةِ التي لا يمكنُ الحصولُ عليها إلا بالسفرِ إليهم فيجوزُ بقَدْرِ الحاجةِ، وإذا انتهتْ الحاجةُ وجبَ الرجوعُ إلى بلادِ المسلمينَ.

4- الاستعانةُ بهم والثقةُ بهم وتوليتُهم المناصبَ التي فيها أسرارُ المسلمينَ واتخاذهمُ بِطانةً ومستشارينَ:
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَيُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُل ْمُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [آل عمران:118-120].

فهذه الآياتُ الكريمةُ تَشرحُ دخائلَ الكفارِ وما يَكُنُّونَهُ نحوَ المسلمينَ منْ بُغضٍ ما يُدبِّرونَه ضِدهمْ منْ مكرٍ وخيانةٍ وما يُحِبونَه من مَضَرةِ المسلمينَ وإيصالِ الأذى إليهم بكلِ وسيلةٍ، وأنَّهم يستغلونَ ثقةَ المسلمينَ بهم فيُخَطٍِّطونَ للإضرارِ بِهمْ والنيلِ منهم.

روى الإمامُ أحمدُ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلتُ لعمرَ رضي الله عنه: لي كاتبٌ نصرانيٌ، قال: مالَكَ قاتلَكَ اللهُ، أما سمعتَ قولَه تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [المائدة:51]، ألا اتخذتَ حنيفاً! قلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ لي كتابتُه وله دينُه، قال: لا أُكرمُهم إذ أهانَهم اللهُ، ولا أُعزُّهم إذ أَذلَّهم اللهُ، ولا أُدنيهم وقد أقصاهم اللهُ.

وروى الإمام أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خَرَج إلى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ المشركين فَلحِقَه عند الحَرّةِ فقال: إِني أَردتُ أنْ أَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ "تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قَالَ: لا، قَالَ: "ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ".
ومن هذه النصوصِ يتبينُ لنا تحريمُ توليةِ الكفارِ أعمالَ المسلمينَ التي يتمكنونَ بواسطتِها من الاطلاعِ على أحوالِ المسلمينَ وأسرارِهم، ويكيدونَ لهم بإلحاقِ الضررِ بِهم، ومن هذا ما وقعَ في هذا الزمانِ من استقدامِ الكفارِ إلى بلادِ المسلمينَ - بلاد الحرمين الشريفين- وجعلِهم عمالاً وسائقينَ ومستخدمينَ ومربينَ في البيوتِ وخلطِهم مع العوائِلِ، أو خلطِهم مع المسلمينَ في بلادِهم.
5- مدحُهم والإشادةُ بما همْ عليه من المدنِيّةِ والحضارةِ والإعجابِ بأخلاقِهم ومهاراتِهم دونَ نظرٍ إلى عقائدِهمْ الباطلةِ ودينِهمُ الفاسدِ، قالَ تعالى: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى } [طه:131].
وهذه الصورة ظهرت واضحة في العصور الأخيرة فقد رأينا (أفراخ المستشرقين) -مثلاً- ينشرون فضائلهم وأنهم أصحاب المنهج العلمي السديد و.. و.. الخ. كذلك جاء من ينشر (فضائل) الغرب أو الشرق مضيفاً عليها ألقاب التقدم والحضارة والرقي، واصماً الإسلام والمنتسبين إليه بالرجعية والجمود والتأخر عن مسايرة الركب الحضاري والأمم المتقدمة!!
وليس معنى ذلك أنَّ المسلمينَ لا يتخذونَ أسبابَ القوةِ منْ تَعلُّمِ الصناعاتِ ومقوماتِ الاقتصادِ المباحِ والأساليبِ العسكريةِ بلْ ذلك مطلوبٌ، قالَ تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال:60].

وهذه المنافعُ والأسرارُ الكونيةُ هي في الأصلِ للمسلمينَ، قالَ تعالى:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } [الأعراف:32].
وقال تعالى: { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه } [الجاثية:13].
وقال تعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } [البقرة:29].
فالواجبُ أنْ يكونَ المسلمونَ سباقينَ إلى استغلالِ هذه المنافعِ وهذه الطاقاتِ، ولا يسْتَجدونَ الكفارَ في الحصولِ عليها، بلْ أنْ يكونَ لهمْ مصانعُ وتقنياتٌ.
6- مشاركتُهم في أعيادِهم أو مساعدتُهم في إقامتِها أو تهنئتُهم بمناسبتِها أو حضورُ إقامتِها:
وقد فُسِرَ قولُه سبحانَهُ وتعالى: { والذين لا يشهدون الزور } [الفرقان:72]، أي ومنْ صفاتِ عبادِ الرحمنِ أنَّهمْ لا يَحضرونَ أعيادَ الكفارِ.

وفي مسند الإمام أحمد أن رجلاً أراد أن ينحر إبلاً ببَوَانَة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قال: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال: لا، قال: فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه الآدمي".

7- التأريخُ بتاريخِهم:
خصوصاً التاريخُ الذي يعبِّرُ عن طقوسِهم وأعيادِهم كالتاريخِ الميلادي، والذي هو عبارةٌ عن ذكرى مولدِ المسيحِ عليه السلامُ، والذي ابتدعوه منْ أنفسِهم وليس هو منْ دينِ المسيحِ عليه السلامُ، فاستعمالُ هذا التاريخِ فيه مشاركةٌ في إحياءِ شعارِهمْ وعيدِهم؛ ولِتَجَنُّبِ هذا لما أرادَ الصحابةُ - رضي اللهُ عنهم- وضعَ تاريخٍ للمسلمينَ في عهدِ الخليفةِ عمرَ (عَدَلوا عنْ تواريخِ الكفارِ، وأرَّخوا بهجرةِ الرسولِ) مما يدلٌّ على وجوبِ مخالفةِ الكفارِ في هذا وفي غيرِه مما هو منْ خصائصِهم- والله المستعان-.
8- التَّسمِّي بأسمائِهمْ:

بحيثُ يُسمِّي بعضُ المسلمينَ أبنائَهم وبناتِهم بأسماءٍ أجنبيةٍ، ويتركونَ أسماءَ آبائِهم وأُمهاتِهم وأجدادِهم وجداتِهم والأسماءَ المعروفةَ في مجتمعِهم، وقد قال النبيُ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ" وبسببِ تغييرِ الأسماءِ فقد وُجِدَ جيلٌ يحملُ أسماءً غريبةً، مما يسببُ الانفصالَ بينَ هذا الجيلِ والأجيالِ السابقةِ، ويقطعُ التعارفَ بينَ الأُسرِ التي كانتْ تُعرفُ بأسمائِها الخاصةِ.
9- الاستغفارُ لهمْ والترحمُ عليهِم:
وقد حرَّم اللهُ ذلك بقولِه تعالى: { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو أوْلي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } [التوبة: 113]، لأنَّ هذا يتضمنُ حبَّهمْ وتصحيحَ ما همْ عليهِ.
9- البشاشة لهم والطلاقة وانشراح الصدر لهم وإكرامهم وتقريبهم.
10- مناصحتهم والثناء عليهم ونشر فضائلهم.
11- مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله.
12- تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم مثل: السادة والحكماء ومبادأتهم بالسلام.
13- من انخرط في الأحزاب العلمانية أو الإلحادية كالشيوعية والاشتراكية والقومية والماسونية وبذل لها الولاء والحب والنصرة.
فعلى العبد أن يحرص دوماً على تَتَبُّع ما يُرضي الله حتى وإن كان في ذلك سخَطُ الناس، وفي الحديث: "من اِلْتمَسَ رضا الله بسخَط الناس رضيَ الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن اِلْتَمسَ رضا الناس بسخَط الله سخِط الله عليه وأسخط عليه الناس".

ـــــــــــــــــــــ

(1) أنظر: الولاء والبراء، محمد بن سعيد القحطاني.
(2) أنظر المفصل في أحكام الهجرة، علي بن نايف الشحود.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 03 Aug 2011, 06:35 PM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

الخاتمة
وبعد فقد كان هذا البحث المتواضع محاولة للقيام بتحليل آية منفصلة على حدة، وإبراز مكانتها التي تدل على ما فيها من عظات وعبر.
وفي ختام هذا البحث فقد عرفتم إخواني ما في هذه الآية من لغة وبلاغة، وأسباب نـزولها، وتفسير معانيها، والفوائد والأحكام المستنبطة منها، وكذلك علمتم تطبيقاتها على الواقع المعاصر، كل ذلك جاء بأسلوب ميسر، لم يجنح إلى التطويل الممل، ولم ينـزع إلى الايجاز المخل، ولكنه كان بين ذلك قواما.
فنختم ببعض التوصيات للباحثين كما يلي:
1- أن يجعلَ الإنسان تقوى الله-سبحانه- نَصْبَ عينيه؛ في كل عملٍ يقوم به، وأن يجعلَ الإخلاص دليلَه ووسيلته في كل صغيرة وكبيرة- وخاصة عند أي عمل يتناول كتاب الله تعالى- لينالَ الأجر كاملا غير منقوص أو مردود عليه.
{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } [البينة: 5]
2- إن الأمة الإسلامية -وخاصة في هذه الظروف- محتاجٌة لتجديد ثِقتها بربها سبحانه، وتحسين -إن أرادت العودَة للصدارة- علاقتها معه تعالى؛ بالعودة إلى كتابه، والتمسك بهديه وبسنة رسوله والريادة في هذا العالم -كما كان أجدادها-، ولها في ذلك القدوة 3- وجوب ترسيخ معتقد (الولاء والبراء) بين المسلمين على الوجه الأكمل؛ لأنه بغيره لن يبقى للمسلمين باقية، فهو سياجُ أمانهم من الذوبان في الأديان والعقائد الأخرى.
4- حتميّة مواجهة الغرب بحقيقة (الولاء والبراء) الشرعيّ، فليس فيه ما يخجل منه المسلمون، ومجابهتهم بأنّنا لو لم يكن من عدالة هذا المعتقد عندنا إلا أنهم هم يُواجهونا بولائهم لبعضهم وبراءتهم منّا لكفى بذلك عدلاً وإنصافاً.
وإذْ أعاننا الله جَلَّ جَلاَله على إتمامه، نسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله في ميزان الحسنات.
وما دام هذا الجهد جهدًا بشريًا، فلا شك أنه لن يخل من بعض المثالب والأخطاء، فنسأل اللهَ تعالى أن يتقبلَ ما كان فيه من صواب، وأن يوفق إخواني الباحثين لمثله، فهو سبحانه الموفق لطريق الخير والميسِّر للجميع طريق الهداية والتوفيق.
وإذا وقف بنا القلم حامداً شاكراً مصلياً مسلماً، نسأل الله عَزَّ وجَلَّ أن يتقبل منا هذا العمل خدمة لكتابه الكريم، واعتزازاً بدينه القويم، ونردد ههنا قوله عَزَّ وجَلَّ:
[ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ]
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, تفسير, سورةالممتحنة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013