وسائل الثبات على الدين الحق / الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي

[خالد بن صديق]

وسائل الثبات على الدين الحق

فضيلة الشيخ الدكتور

إبراهيم بن عامر الرحيلي

حفظه الله تعالى .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب العمل عند الله أدومه وإن قل ).
السلف يعدون من الخذلان أن يعمل الرجل العمل الصالح ثم يتركه ,فيمكن إيجاز الإستقامة في أربعة مراتب :

المرتبة الأولى :الإستقامة على التوحيد وعلى أصل الدين :
ويتحقق بتحقيق التوحيد أن لا يعبد المسلم إلا الله ,ويجتنب الشرك بالله الذي يخرجه عن الإسلام وهذه المرتبة توجب لصاحبها إن مات عليها العصمة من الخلود في النار كما قال صلى الله عليه وسلم (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثال ذرة من إيمان ).
ويقول عليه الصلاة والسلام (من مات ولم يدعوا مع الله نداً دخل الجنة ),فمن حقق أصل الدين والتوحيد نال هذه الدرجة وهذا الثبات على أصل التوحيد وأصل الدين .
يضاد هذه المرحلة الكفر إما بالردة أو بإرتكاب مكفر من المكفرات ,ولا يضاد هذه المرحلة الذنوب والمعاصي إذا ثبت الإيمان لا يزيلهُ إلا الكُفر .
أصل الإيمان ثابت عند أهل السنة والجماعة ,والمعاصي والذنوب دون الشرك الأكبر لا تُخرج من الإيمان إنما تُنقص من إيمانهم الكامل .
المرتبة الثانية :الثبات على السنة ,على سنة النبي صلى الله عليه وسلم :
وتحصل هذه المرتبة بإجتناب البدع الإعتقادية والعملية من اجتنب البدع إستقام على السنة ,لا يعتقد إلا ما دلت عليه النصوص وماجاء به صلى الله عليه وسلم ولا يعبد الله إلا بما شرع النبي صلى الله عليه وسلم فقد حقق الثبات على سنة .
وتحقق له أنه من أهل السنة ويتحقق لإصحاب هذه المرتبة الخير الكثير ,يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام (إفترقت اليهود والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ).
أهل السنة هم أهل النصر في الدنيا والآخرة ويرجى لهم تكفيرالذنوب لما معهم من التوحيد ومن السنة ,ما لا يرجى لإهل البدع ,لأن الإستقامة على السنة لها منزلة عظيمة عند الله عز وجل ,وقد جاء عن يونس بن عبيد الإمام ,وكان لهُ ابن وكان يتردد على عمرو ابن عبيد فقال :يا بني أنهاك عن الزنى وشرب الخمر والسرقة ولئن تلقى الله بالزنى وشرب الخمر والسرقة أحب إليٍ من أن تلقاه برأي عبيد وأصحابه .
وهذا مما يدل على الإستقامة على السنة لها منزلة ومكانه ,
وقد جاء عن بعض السلف (البدعة أحب إلي إبليس من المعصية ,فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها ).
أما المبتدع لا يحدث نفسهُ بالتوبة لأنه يحسب ُ أنهُ على هدى ,
والعاصي يحدث دائما التوبة ,العاصي يقول أسئت وينسب إسائته لنفسه ,أوأما المبتدع فينسب إسائته وخطأه إلي الشر بل يحمله الهوى والبدعة على تحريف النصوص ومعادات أهل الحق .

المرتبة الثالثة :مرتبة الثبات على أداء الواجبات وترك المحرمات :
ويحقق هذه المرتبة بإن يلتزم المسلم بما أوجب الله عليه من الواجبات وأن يترك ما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم من المحرمات ,فإذا حقق هذه المرتبة مع المرتبتين المتقدمتين تحقق له الإيمان الكامل الذي يحصل له به العصمة من دخول النار إبتداءً ويتستحق دخول الجنة إذا مات على ذلك .
وكثير من الناس يقصر في هذه المرتبة قد يحقق الإستقامة على أصل الدين وعلى التوحيد والإستقامة على السنة .
وأما الإلتزام بأداء الواجب كله وترك المحرمات كلها فكثير من الناس يقصر في هذا الباب ,فإن هذه المرتبة تحتاج إلى مجاهدة وإلى إستعانة من الله عليه ,وما يضاد هذه المرتبة الذنوب كبائر والصغائر ينقص من إيمانه على حسب العمل .
والزاني وشارب الخمر وغيرها يترتب عليهم الحدود في الدنيا وقسم متوعد بالعقوبة يوم القيامة ,واصل الكبائر حكمهم يوم القيامة فيما دلت عليه السنة أنهم تحت المشيئة ,مشيئة الله ,إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ,مع أنهم لا يخلدون في النار من مات على التوحيد لا يخلد في النار ,وأما الصغائر تكفر بالأعمال الصالحة بالصيام والصلاة وإن الصغائر إذا أصر عليها انتقلت إلي حكم الكبائر ,وكذلك تعظم الصغائر بتهاون العبد لها وكذلك تعظم الصغائر بإن تصدر مما يقتدى به من أهل العلم وأهل الفضل إذا حصل منهم الخلل تضرر الناس بهم واقتدوا بهم في ذلك .
المرتبة الرابعة :الثبات على نوافل الطاعات وفضائل الأعمال :
وتحقق هذه المرتبة بالمسارعة إلي خصال البر وإلي فضائل الأعمال التي شرعها الشارع ولم يوجبها وهذه المرحلة أعلى من المرحلة السابقة .
وهو أن يلتزم العبد بالواجب ,فصاحب هذه المرتبة قد ألتزم بالواجبات وبنوافل الطاعات وفضائل الأعمال ,من الصلاة والحج وقيام اليل ,فالثبات على هذه المرحلة من الدرجات الرفيعة في الجنة ويضاد هذه المرتبة ترك العمل بعد الإستقامة عليه فترة من الزمن فمن قام الليل فترة من الزمن ثم ترك لم يكن من أهل الثبات في هذه المرتبة ,ومن قصر عن فعل الخير كذلك لم يكن من أهل هذه المرتبة والسلف يلتزمون بخصال البر إلي الممات .
وأفضل من هذه المرحلة هو أن يزداد في خصال البر كل يوم فيستقيم ويزداد من الخير وهذا كما نقل عن بعض الأئمة ,كما نقل عن الإمام أحمد أن إبراهيم الحربي قال :صحبت أحمد أربعين سنة وأنه ما يأتي عليه يوم إلا وهو أفضل منه ,عن اليوم الماضي .
وهذه المرحلة إنما تحصل بالفقه في دين الله وأن يتدرج في الطاعة .
يجعل له نظاما يسير فيه في عبادة الله في كل سنة يحدث عبادة جديدة ويزداد فعل الخير حتى يلقى الله وهو بأفضل المنازل والمراتب .
هذه هيا مراتب الإستقامة ومراتب الثبات على الدين ويظهر لنا من هذه المراتب أن المفهوم أن الثبات على الدين ليس كما يظن البعض هو أن يستقيم المسلم على الإسلام فقط حتى الموت ,لا بد الثبات على التوحيد والإسلام والسنة وثبات ما أوجب الله عليه وخصال الخير والبر لا ينقص من عمله .
بل هو يزداد في البر وفي كل يوم حتى يلقى الله .
الإخلاص لله هي أعظم الوسائل (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)27 _سورة إبراهيم .
هم المخلصين في العمل .
ولمتابعة سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم له أثر عظيم الإخلاص (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)24 سورة يوسف .
وفي ذلك قرائتين بالفتح أي المصطفين بالرسالة والنبوة ,وبالكسر أي الذين يخلصون أعمالهم لله ,(إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب )الحديث جاء مفسر وموضح في الصحيحين (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وفيما يبدو للناس وهو من أهل النار ).الحديث قال ابن رجب قوله :فيما يبدو للناس دليل على أن باطن الأمر غير ظاهره وأن هناك خسيسة ودنيسة أثرت في إستقامته .
محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال التي تكفر الذنوب كما جاء في حديث الرجل الذي أوتى به للنبي صلى الله عليه وسلم وجلد في الخمرمراراً فقال لعنه الله فقال النبي لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله .
إلتزام السنة من أعظم الأسباب (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ).
إلتزم جماعة المسلمين ,(دعاة على أبواب جهنم )وفي الحديث (إلزم جماعة المسلمين وإمامهم ),عند الفتن لا يسقط سلطانا كونه يخطئ أو يذنب واجب المسلمين الطاعة والألتفاف حوله كما وصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يلزم جماعة المسلمين ,ولا يتقدم عليهم في قول وإرجاع الأمور إليهم فمن عارضهم فحده ضرب السيف ولو كان أعبد الناس لأنه يريد الفرقة للمسلمين ويحدث الشر وأن يمنع من نشر الفتن بين الناس .
إبراهيم عليه السلام خشى من عبادة الأصنام (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)35_سورة إبراهيم .
فخاف على نفسه من الفتن وخوف الله صلى الله عليه وسلم من تقلب قلبه كان يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ).
من إستقام على طاعة الله نال الدرجة العالية (كنت سمعه الذي يسمع به )الحديث لا يمشي ولا يتحرك إلا بما يرضي الله .
تلاوة القرآن واذكار الصباح والمساء والتسبيح (ألا بذكر الله تطمئن القلوب "
أثر تدبر القرآن من الإستقامة في دين الله ,كثرة قرائة سيرة السلف إستفادة من تجاربهم في الإستقامة ولزوم الطاعة ,الوقوف على سيرتهم لا شك أنه من الثبات على دين الله عز وجل .
من تشبه بالكفار بلباسهم وكلامهم ,ومخالطتهم ,ولا تجوز مخالطتهم إلا لحاجة ضرورية ,ومن تأثر بكلامه ومودتهم في الباطن( من أحب قوما حشر معهم ).
الخلوة بالمرأة الأجنبية ومصافحتها ,لما أقتحم هذا الباب وقع من وقع في المحرم والفتن إلخ ,,,(القاعد خير من الماشي)الحديث .
من المعوقات على الثبات على الدين (بادروا بالأعمال سبع هل تنتظرون إلا غني )الحديث .
هذه الأشياء السبعة الفقر إذا ابتلى بالفقر جزع .
والعكس هوالمرض ,الموت ,الهرم أو الدجال شر غائب ينتظر فتنته عظيمة .
جنة والنار أو الساعة (والساعة أدهى وأمر ).
فهذه العوارض كلها تعارضنا :
طول الأمل (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ),اليوم عمل بلا حساب وغد حساب ولا عمل ,حب الدنيا من صوارف الثبات على الدين الحق (والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى الدنيا عليكم ),حب الدنيا والأمل دلت عليه النصوص أنها من الصوارف هذه الذي ذكرتها لكم مهما تفقه طالب العلم في الأمر فإنه لا يزال هناك أمور يجب أن يعلمها لخطورة هذه الصوارف التي ذكرتها .
وأسأل الله أن يوفقكم ويقوي إيمانكم وبارك الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

[طارق ابن المبارك]

بارك الله فيك . فما احوجنا الى هذه الوسائل في هذا الزمان

جزى الله خيرا فضيلة الشيخ ابراهيم الرحيلي على هذه الكلمات النيرة ، و جزاك الله خيرا اخي العزيز خالد على هذا النقل الطيب.

[أبو إبراهيم خليل الجزائري]

بارك الله فيك
موضوع مفيد جدّا
حفظ الله الشيخ إبراهيم .

[أبو عبد الرحمن حمزة]

جزاك الله خيرا

[أبو أحمد ضياء التبسي]

جزاك الله خيراً أخي الحبيب أبا عمر

[خالد بن صديق]

ثبتنا الله جميعا على السنة و جمعنا عليها آمين

[أبو همام وليد مقراني]

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه