منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09 Aug 2010, 09:54 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي نقل السجال الفكري بين الشيخ محمود شاكر - رحمه الله - وسيد قطب للعظة والعبرة!!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد :
فكثير منا يذكر مقال الأديب الشيخ محمود شاكر رحمه الله ، و الذي نقله الشيخ الإمام ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في بعض كتبه والموسوم ب " لاتسبّوا أصحابي " ، وقد أبان فيه الأديب شاكر عن غيرة عزيزة ، وصدق في عقيدة الولاء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتربية عالية على الأدب معهم والذب عن أعراضهم من سهام بعض أشباه المفكّرين وحثالة المتأدّبين .
ومنذ أن قرأت ما خطّت يمين أبي فهر رحمه الله ، حاولت جاهداً أن أجد بعض ما كتَبَ في الموضوع وقد آتاه الباري من بيان القلم ، والعلم بأسرار الكلِم ما جعله يحوز على وصف " شيخ العربية " بلا منازع !.

ــ ومتأخّراً ــ وقعت عيني على مشاركة لأخت فاضلة في أحد المنتديات ، جمعت فيه شتات ماكان مخبوءاً بين أوراق حاملات السّجال من الجرائد والمجلات ، فلله الحمد من قبل ومن بعد، وسيجد فيه السنّي ما يثلج الصدر ويفرح القلب في ردود أبي فهرٍ جزاه الله عن قلمه وما كتب خير الجزاء .

ولخطورة موضوع المساجلات ، وما احتوته ــ من بعضهم ــ من سفاهاتٍ كسرتها بشهامة لغة ٌراقية تزيّنت بالحقائق والبينات ، أحببت نقل الموضوع عسى أن تجد فينا ومنّا معتبِراً في كلمات من خطّ باليمين للأصحاب منتصراً.


وهذا نصّ المقال المنقول مع بعض التصرف

.... قد ردّ "شاكر" رحمه الله على "سيد" غفر الله له، في أول مرة في مجلة "المسلمون" التابعة للإخوان، في أربعة أعداد منها على التوالي:
-المقال الأول:"حكم بلا بيّنة"،العدد1 من مجلة "المسلمون"، سنة 1951م-1371هـ
-المقال الثاني: "تاريخ بلا إيمان"، العدد2 من مجلة "المسلمون" سنة 1951م-1371هـ
-المقال الثالث: "لا تسبُّوا أصحابي"، العدد3 من مجلة "المسلمون" سنة 1952م-1371هـ
-المقال الرابع: "ألسنة المفترين"، العدد4 من مجلة "المسلمون"سنة 1952م-1371هـ
-و لم يردّ "سيد" على نقد "شاكر" ، و لكن ردَّ عليه الأستاذ الدكتور "محمد رجب البيومي" مدافعا عن "سيد"، في مجلة "الرسالة"، العدد 973، فبراير 1952.
-فردّ عليه الأستاذ "شاكر" بمقال "ذو العقل يشقى"، في مجلة "الرسالة"،العدد 974، مارس 1952.
-فردّ للمرة الثانية "محمد رجب البيومي"، في مجلة "الرسالة"، العدد 975، بمقال "أجل ذو العقل يشقى"، 1952
-ردّ عليه "شاكر" ثانية في مقال "أعتذر إليك"، في مجلة الرسالة"، العدد 976، مارس 1952.
-فردّ "سيد قطب"، في مجلة "الرسالة"، العدد977، سنة 1952
-ثم كتبَ الشيخُ الأديب السّوري"علي الطنطاوي" ردّا فيه دفاع عن"سيد"، في مجلة "الرسالة"، العدد 978 ، 1952
-فردّ "شاكر" على "الطنطاوي" في مقاله:"كلمة تقال"، في الرسالة، العدد 979، أفريل 1952.
-فاعتذار الشيخ "علي الطنطاوي" إلى "شاكر"، في "الرسالة"، العدد 981، 1952 بقوله:"صدقتَ والله، إني لم أقرأ ما كتبتَ في (المسلمون)، ولقد فهمتُ مما قرأتُ في الرسالة أنّ الخلافَ على دولة بني أمية، فقلتُ الكلمةَ التي لا أزال أراها حقا، وأنا أعتذر إنْ كنتُ قد أخطأتُ الفهمَ، أو أسرعتُ في الحكمِ، والسّلام عليكَ ورحمة الله وبركاته".
*و بما سبق، يُعلم أنّ ردودَ "شاكر" كانت في بدايتها في مجلة "المسلمون"، ثم انتقلت إلى مجلة "الرسالة" بعد تدخّل الأستاذ "محمد رجب البيومي" الذي كان في "الرسالة". و الملاحظ أنّ "سيد" قد تفادى الردَّ و النقاش مع "شاكر"، ولم يُخاطب "شاكرا" في مقاله الذي كان في العدد 977، و إنما خاطب صديقَه "رجب البيومي" كما سنرى بعد إن شاء الله.

فقرات من كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام "

- "هذا التّصوّر لحقيقة الحكم قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ علىٰ عهد عثمان - وإن بقي في سياج الإسلام -، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير. ومن ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام، كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة، وحدبه الشّديد علىٰ أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله !!، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانىٰ الإسلام منها كثيرًا. !!
منح عثمانُ من بيت المال زوجَ ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم، فلمّا أصبح الصّباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن وترقرقت في عينه الدّموع، فسأله أن يعفيه من عمله؛ ولما علم منه السّببَ وعرف أنّه عطيّته لصهره من مال المسلمين، قال مستغربًا:" أتبكي يابن أرقم أن وصلت رحمي؟" فردّ الرجل الّذي يستشعر روح الإسلام المرهف:"لا يا أمير المؤمنين. ولكن أبكي لأنّي أظنّك أخذت هذا المال عوضًا عمّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله لو أعطيته مئة درهم لكان كثيرًا!" فغضب عثمان علىٰ الرّجل الّذي لا يطيق ضميره هذه التّوسعة من مال المسلمين علىٰ أقارب خليفة المسلمين، وقال له:"ألقِ المفاتيح يابن أرقم فإنّا سنجد غيرك"! .
والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان علىٰ هذه التّوسعات؛ فقد منح الزّبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مائتي ألف، ونفّل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية، ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصّحابة علىٰ رأسهم علي بن أبي طالب، فأجاب: "إنّ لي قرابة ورحمًا"، فأنكروا عليه وسألوه:"فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟" فقال:"إنّ أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي"، فقاموا عنه غاضبين يقولون:"فهديهما والله أحبُّ إلينا من هديك".
وغير المال، كانت الولايات تغدق علىٰ الولاة من قرابة عثمان، وفيهم معاوية الّذي وسع عليه في الملك، فضمّ إليه فلسطين وحمص؛ وجمع له قيادة الأجناد الأربعة، ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد، وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله الّذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرّف، وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السّرح أخوه من الرّضاعة…إلخ" (ص 159)
- "وأخيرًا ثارت الثّائرة علىٰ عثمان، واختلط فيها الحق والباطل، والخير والشّر، ولكن لابد لمن ينظر إلىٰ الأمور بعين الإسلام، ويستشعر الأمور بروح الإسلام، أن يقرر أنّ تلك الثّورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام؛ وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبإ عليه لعنة الله! .
واعتذارنا لعثمان : أنّ الخلافة قد جاءت إليه متأخرة، فكانت العصبة الأمويّة حولـه وهو يدلف إلىٰ الثّمانين، فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أبي طالب: «إنّي إن قعدت في بيتي قال: تركتني وقرابتي وحقي؛ وإن تكلّمت فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد كبر سنّه وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم(ص160 -161)
- "مضىٰ عثمان إلىٰ رحمة ربه، وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها في الأرض، وبخاصة في الشام، وبفضل ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام، من إقامة الملك الوراثي، والاستئثار بالمغانم والأموال والمنافع، مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام، وليس بالقليل ما يشيع في نفس الرعية - إن حقًّا وإن باطلًا - أن الخليفة يؤثر أهله، ويمنحهم مئات الألوف؛ ويعزل أصحاب رسول الله ليولي أعداء رسول الله؛ ويبعد مثل أبي ذر لأنه أنكر كنـز الأموال، وأنكر الترف الذي يخب فيه الأثرياء، ودعا إلىٰ مثل ما كان يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنفاق والبر والتعفف، فإن النتيجة الطبيعية لشيوع مثل هذه الأفكار - إن حقًّا وإن باطلًا - أن تثور نفوس، وأن تنحل نفوس.
تثور نفوس الذين أشربت نفوسهم روح الدين إنكارًا وتأثمًا، وتنحل نفوس الذين لبسوا الإسلام رداء، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، والذين تجرفهم مطامع الدنيا، ويرون الانحدار مع التيار، وهذا كله قد كان في أواخر عهد عثمان".(ص161)
-"جاء علي - كرّم الله وجهه - لم يكن من اليسر أن يرد الأمر إلىٰ نصابه في هوادة، وقد علم المستنفعون علىٰ عهد عثمان وبخاصة من أمية أن عليًّا لن يسكت عليهم، فانحازوا بطبيعتهم إلىٰ معاوية، وبمصالحهم إلىٰ معاوية، جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلىٰ نفوس الحكام ونفوس الناس.
جاء ليأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها، ويختم هو علىٰ جراب الشعير ويقول:
"لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم".
... وما يصنع عليٌّ هذا بنفسه وأهله، وهو يجهل أن الدين يبيح لـه فوق ما يصنع، وأنه لا يحتم التزهد والحرمان والشظف، وأن حظه من بيت المال في ذلك الحين كفرد من المسلمين يبلغ أضعاف ما يأخذ، وأن راتبه كأمير المؤمنين يؤدي خدمة عامة، أكبر من هذا لو شاء أن يأخذ مثلما خصصه عمر لبعض ولاته علىٰ الأقاليم، إذ قدر لعمار بن ياسر حين ولاه الكوفة ستمائة درهم في الشهر له ولمساعديه، يزاد عليها عطاؤه الذي يوزع عليه كما توزع الأعطية علىٰ نظرائه، ونصف شاة ونصف جريب من الدقيق ؛ كما قدر لعبد الله بن مسعود مئة درهم وربع شاة لتعليمه الناس بالكوفة وقيامه علىٰ بيت المال فيها، ولعثمان بن حنيف مائة وخمسين درهمًا وربع شاة في اليوم مع عطائه السنوي وهو خمسة آلاف درهم.
ما يصنع عليّ بنفسه ما صنع وهو يجهل هذا كله، إنما كان يعلم أن الحاكم مظنّة وقدوة، مظنّة التبحبح بالمال العام إذ كان تحت سلطانه؛ وقدوة الولاة والرعيّة في التحرج والتعفف، فأخذ نفسه بعزائم أبي بكر وعمر، في هذا الأمر، فالأفق الأعلىٰ كان هو الأحرىٰ بخلفاء رسول الله علىٰ دين الله.
وسـار علـيّ - كرم الله وجهه - في طريقه يرد للحكم صورته كما صاغها النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتان بعده." (ص161-162)
- "و لقد كان من الطبيعي ألا يرضى المستنقعون عن علي،و ألا يقنعَ بشرعة المساواة من اعتادوا التفضيل، و من مردوا على الاستئثار . فانحاز هؤلاء في النهاية إلى المعسكر الآخر: معسكر أمية، حيث يجدون فيه تحقيقاً لأطماعهم، على حساب العدل و الحق اللذين يُصرّ عليهما علي-رضي الله عنه- هذا الإصرار !
و الذين يرون في معاوية دهاءً و براعةً لا يرونهما في علي، و يعزون إليهما غلبة معاوية في النهاية،إنما يخطئون تقديرَ الظروف، كما يُخطئون فهمَ عليّ و واجبه. لقد كان واجب عليّ الأول و الأخير، أن يردَّ للتقاليد الاسلامية قوتَها، و أن يردّ إلى الدين روحَه، و أن يجلو الغاشيةَ التي غشت هذا الروح على أيدي بني أمية في كبرة عثمان. و لو جارى وسائلَ بني أمية في المعركة لبطلت مهمّتَه الحقيقية، و لما كان لظفره بالخلافة خالصة من قيمة حياة هذا الدين. إنّ عليا إما أن يكون علياً أو فلتذهب الخلافة عنه، بل فلتذهب حياته معها.و هذا هو الفهم الصحيح الذي لم يغب عنه- كرم الله وجهه- و هو يقول- فيما رُوي عنه إن صحت الرواية-:"و و الله ما معاوية بأدهى مني و لكنه يغدر و يفجر. و لولا كراهية الغدر لكنتُ من أدهى الناس." (ص163)
- "ومضىٰ علي إلىٰ رحمة ربه، وجاء بنو أمية، فلئن كان إيمان عثمان وورعه ورقته، كانت تقف حاجزًا أمام بني أمية، لقد انهار هذا الحاجز، وانفتح الطريق للانحراف.
لقد اتسعت رقعة الإسلام فيما بعد، ولكن روحه انحسرت بلا جدال، ولولا قوة كامنة في طبيعة هذا الدين، وفيض عارم في طاقته الروحية؛ لكانت أيام أمية كفيلة بتغيير مجراه الأصيل، ولكن روحه ظلت تقاوم وتغالب، وما تزال فيها الطاقة الكامنة للغلب والانتصار.
غير أنه منذ تولي بني أمية انساحت حدود بيت مال المسلمين، فصار نهبًا مباحًا للملوك والحاشية والمتملقين، وتخلخلت قواعد العدل الإسلامي الصارم، فأصبح للطبقة الحاكمة امتيازات، ولأذيالها منافع، ولحاشيتها رسوم، وانقلبت الخلافة ملكًا، وملكًا عضوضًا كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثبة من وثبات الاستشفاف الروحي العميق.
وعدنا نسمع عن الهبات للمتملقين والملهين والمطربين، فيهب أحد ملوك أمية اثني عشر ألف دينار لمعبد، ويهب هارون الرشيد - من ملوك العباسيين - إسماعيل بن جامع المغني في صوت واحد أربعة آلاف دينار، ومنزلًا نفيس الأثاث والرياش، وتنطلق الموجة في طريقها لا تقف إلا فترة بين الحين والحين" (ص164-165)
- "وإذا كنا لا نؤرخ هنا للدولة الإسلامية، ولكن الروح الإسلامي في الحكم، فإننا نكتفي في إبراز مظاهر التحول والانحسار بإثبات ثلاث خطب من عهد الملوك، وبموازنتها بالخطب الثلاث التي سبقت في عهد الخلفاء ؛ يتبين الفارق العميق.
خطب معاوية في أهل الكوفة بعد الصلح، فقال: يا أهل الكوفة، أتراني قاتلتكم علىٰ الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ولكني قاتلتكم؛ لأتأمر عليكم وعلىٰ رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون....
وخطب المنصور العباسي - وقد فعلت الموجة الأموية فعلها في تصور الحكم حتىٰ انتهت به أيام العباسيين إلىٰ نظرية الحق الإلهي المقدس التي لا يعرفها الإسلام - فقال: أيها الناس: إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتأييده، وحارسه علىٰ ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلًا، إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليه أقفلني.
وبذلك خرجت سياسة الحكم نهائيًّا من دائرة الإسلام وتعاليم الإسلام.
فأما سياسة المال؛ فكانت تبعًا لسياسة الحكم، وفرعًا عن تصور الحكام لطبيعة الحكم وطريقته، ولحق الراعي والرعية. فأما في حياة محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وفي خلافة علي بن أبي طالب، فكانت النظرة السائدة هي النظرة الإسلامية: وهي أن المال العام مال الجماعة، ولا حق للحاكم بنفسه أو بقرابته أن يأخذ منه شيئًا إلا بحقه، ولا أن يعطي أحدًا منه إلا بقدر ما يستحق، شأنه شأن الآخرين. وأما حين انحرف هذا التصور قليلا في عهد عثمان، فقد بقيت للناس حقوقهم، وفهم الخليفة أنه في حل- وقد اتسع المال عن المقررات للناس - أن يطلق فيه يدَه، يبرّ أهله ومن يرىٰ من غيرهم حسب تقديره.
وأما حين صار الحكم إلىٰ الملك العضوض، فقد انهارت الحدود والقيود، وأصبح الحاكم مطلق اليد في المنع والمنح، بالحق في أحيان قليلة، وبالباطل في سائر الأحيان، واتسع مال المسلمين لترف الحكام وأبنائهم وحاشيتهم و مملقيهم إلىٰ غير حد ، وخرج الحكام بذلك نهائيًّا من كل حدود الإسلام في المال." ص167-168
- "و في أيام بني أمية ثم في أيام بني العباس من بعدهم، كان بيت المال مباحاً للملوك كأنه ملكٌ لهم خاص، و ذلك على الرغم من وجود بيتَين للمال: بيت المال العام، وبيت المال الخاص. و الأول مفروض أنّ موارد و مصارفه للجماعة، و الثاني مفروض أن موارده و مصارفه من خاصة السلطان. لكنا نجد أحياناً أنّ أموالاً عامة تحمل إلى بيت المال الخاص. و أنّ مصارف خاصة تُؤخذ من بيت المال العام !" (ص177).

المراجع :


- جمهرة مقالات الأستاذ شاكر. جمعها و ألفها د.عادل سليمان جمال.مكتبة الخانجي.رقم الطبعة 1-2003 ( تجد مقال "ذو العقل يشقى" في الجزء الأول من الكتاب. و المقالات الأربعة (حكم بلا بينة، لا تسبوا أصحابي، إيمان بلا تاريخ، ألسنة المفترين) مبثوثة في الجزء الثاني.
- مقدمة كتاب "لا تسبوا أصحابي" لمحمد بن عوض بن عبد الغني المصري. 1430هـ(و الذي عرض فيه ردودَ شاكر و معاصريه على سيد قطب و مؤيديه).
- العدالة الاجتماعية في الإسلام لسيد قطب.دار الشروق الطبعة الشرعية الثانية عشرة.1409هـ/ 1989م
- بعض المواقع من الشبكة (ملتقى أهل الحديث، موقع الشيخ ربيع، المنتديات العلمية..)
ملحوظة : قال سيد قطب في كتابه "كتب و شخصيات" (في النقد الأدبي) و الذي صدر سنة 1946 :
"إنّ معاوية و زميله عمْرًا لم يغلبا لأنهما أعرفُ منه بدخائل النفوس، و أخبرُ منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. و لكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، و هو مقيّد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. و حين يركن معاوية و زميلُه إلى الكذب و الغش و الخديعة و النفاق و الرشوة و شراء الذمم لا يملك علي أن يتدلّى إلى هذا الدرك الأسفل . فلا عجب ينجحان و يفشل، و إنه لفشلٌ أشرف من كل نجاح.."(ص242).
"..فلقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روحَ الإسلام التي لم تتمكّن بعد من النفوس. و لو قد قُدّر لعلي أن ينتصرَ لكان انتصاره فوزاً لروح الاسلام الحقيقية: الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لا تستخدم الأسلحة القذرة في النضال... لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدّت علي يدي معاوية و من جاء بعده. و لكن روح الإسلام قد تقلّصت، و هزمت، بل انطفأت.
على أننا لسنا في حاجة يوما من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوبة. فهي جزءٌ من طبائع الناس عامة. إنما نحن في حاجة لأن ندعوَهم إلى خطة علي، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يُجهد الكثيرين أن ينالوه.
و إذا احتيج جيل لأن يُدعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم. فروح "ميكافيلي" التي سيطرت على معاوية قبل "ميكافيلي" بقرون، هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل، و هم أخبرُ بها من أن يدعوهم أحدٌ إليها! لأنها روح "النفعية" التي تُظلّل الأفراد و الجماعات و الأمم و الحكومات!.
و بعد، فلستُ "شيعيا" لأقرّر هذا الذي أقول. إنما أنظر إلى المسألة من جانبها الروحي الخلقي، و لن يحتاج الانسان أن يكون شيعيا لينتصر للخلق الفاضل المترفّع عن "الوصولية" الهابطة المتدنّية، و لينتصر لعليّ على معاوية و عمرو. إنما ذلك انتصارٌ للترفع و النظافة و الاستقامة.(ص243).

"لا تسُّبّوا أصحابي.." – محمود محمد شاكر – مجلة "المسلمون".
العدد الثالث. سنة 1952 .

"حسبُ امرئٍ مسلم لله أن يبلغَه قول رسولِ الله صلى الله عليه و سلم:" لا تسبُّوا أصحابي ! لا تسبُّوا أصحابي ! فو الذي نفسي بيده لو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثل أحُد ذهبًا ما أدركَ مُدّ (1) أحدِهم و لا نصيفه ! "، حتى يخشعَ لربِّ العالمين، و يسمعَ لنبيِّ الله و يُطيعُ، فكيف غَرْب(2) لسانه و ضراوةِ فكرِه عن أصحابِ محمّد صلى الله عليه وسلم، ثم يعلم علماً لا يشوبُه شكٌّ و لا ريبةٌ، أنْ لا سبيلَ لأحدٍ من أهل الأرض، ماضيهِم و حاضرِهم، أن يلحقَ أقلَّ أصحابِه درجةً، مهما جهد في عبادتِه، و مهما تورّعَ في دينِه، و مهما أخلص قلبه من خواطر السوء في سرّه و علانيته. و من أين يشكُّ و كيف يطمعُ، و رسول الله لا ينطِقُ عن هوىً، و لا يُداهنُ في دين، و لا يأمرُ الناسَ بما يعلم أنّ الحقَّ على خلافِه، و لا يُحدّثُ بخيرٍ، و لا ينعتُ أحداً بصفة، إلا بما علمه ربُّه و بما نبأه؟ و ربّه الذي يقول له و لأصحابه:" و الذي جاءَ بالصِّدق و صَدّقَ به أولئِكَ هم المتَّقُون-33- لهم ما يَشاءونَ عند ربِّهِم ذلك جَزاءُ المُحسنين-34- لِيُكَفِّرَ اللهُ عنهم أسوأَ الذي عمِلُوا و يجزِيَهم أجرَهُم بأحسنِ الذي كانوا يعمَلُون"- الزمر.
ثم يُبين صلى الله عليه وسلم عن كتابِ ربّه فيقول: "خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه، و يمينه شهادته". ثم يزيدُ الأمرَ بياناً صلى الله عليه وسلم، فيدلّ المؤمنين على المنزلة التي أنزلَها اللهُ أصحابَ محمد رسول الله، فيقول: "يأتي على الناس زمانٌ، فيغزو فِئَامٌ(3) من الناس فقولون: فيكم مَن صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيُفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغزو فئامٌ من الناس فيُقال:هل فيكم من صاحبَ أصحابَ رسول الله ؟ فيقولون : نعم! فيُفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان ، فيغزوا فئام من الناس ، فيقال : هل فيكم من صاحبَ من صاحبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون : نعم! فيُفتَح لهم." فإذا كان هذا مبلغ صحبة رسول الله، فأيّ مسلم يطيق بعد هذا أن يبسطَ لسانَه في أحدٍ من صحابة محمد رسول الله ؟ و بأيّ لسانٍ يعتذر يوم يخاصِمونَه بين يدي ربهم؟ و ما يقول وقد قامت عليه الحجة من كتاب الله ومن خبر نبيه ؟! و أين يفرّ امرؤٌ من عذاب ربه ؟! وليس معنى هذا أنّ أصحابَ محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء، و لا أنهم لم يُخْطِئوا قط ولم يُسيئوا، فهم لم يدّعوا هذا، وليس يدّعيه أحدٌ لهم، فهم يخطئون و يصيبون ، ولكنّ الله فضّلهم بصحبةِ رسوله، فتأدّبُوا بما أدّبهم به، وحرصوا على أن يأتوا من الحق ما استطاعوا، وذلك حَسْبُهُم، و هو الذي أمِروا به، وكانوا بعدُ توّابين أوابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا أخطأَ أحدُهم، فليس يحل لهم، و لا لأحدٍ من بعدهم، أن يجعلَ الخطأَ ذريعةً إلى سبِّهم والطّعن عليهم. هذا مجمل ما أدّبنا به اللهُ و رسولُه. بَيْدَ أنّ هذا المجمل أصبح مجهولاً مطروحًا عند أكثر من يتصدّى لكتابة تاريخ الإسلام من أهل زماننا ، فإذا قرأَ أحدُهم شيئًا فيه مطعنٌ على رجلٍ من أصحاب رسول الله سارع إلى التوغل في الطعن والسب، بلا تقوى ولا ورع. كلا، بل تراهم ينسوْن كلَّ ما تقضي به الفطرة من التثبّت من الأخبار المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، ومن العِلل الدافعة إلى وضعِ الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة.
ولن أضرب المثل بما يكتبُه المستشرقون ومن لفّ لفّهم فهم كما نعلم. ولا بأهل الزيغ والضلال والضغينة على أهل الإسلام،كصاحب كتاب الفتنة الكبرى(4) وأشباهه من المؤلّفين. بل سآتيك بالمثل من كلام بعض المتحمِّسين(5) لدينِ ربهم ، المعلنين بالذب عنه والجهاد في سبيله. لتعلمَ أنّ أخلاقَ المسلم هي الأصل في تفكيره وفي مناهجه وفي علمه ، وأن سمةَ الحضارة الوثنية الأوروبية، تنفجر أحيانا في قلب من لم يحذر ولم يتق، بكل ضغائنِ القرن العشرين، و بأسوأ سخائم هذه الحضارة المتعدّية لحدود الله التي كتب على عباده – مسلمهم وكفارهم – أن لا يتعداها. أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم:أبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص، و هند بنت عتبة بن ربيعة-أم معاوية. رضي الله عنهم كيف يتكلّم أحدُ الناس عنهم ؟.
1- "فلما جاء معاوية، وصَيَّرَ الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً؛ في بني أمية؛ لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما من وَحْي الجاهلية" ولم يكتفِ بهذا بل شملَ بني
أميّة جميعاً فقال:" فأمية بصفة عامة لم يعمر الإيمانُ قلوبَها ، وما كان الإسلام لها إلا رداء تخلعه وتلبَسُه حسب المصالح والملابسات".
2- ثم يذكر يزيد بن معاوية بأسوأ الذّكر، ثم يقول: "و هذا هو "الخليفة" الذي يفرضُه معاوية على الناس، مدفوعًا إلى ذلك بدافع لا يعرفه الإسلام، دافع العصبية العائلية القبلية. وما هي بكثيرة على معاوية ولا بغريبة عليه. فمعاوية هو ابنُ أبي سفيان، وابنُ هند بنت عتبة، و هو وريث قومِهم جميعا و أشبهُ شيءٍ بهم في بُعدِ روحه عن حقيقة الإسلام. فلا يأخذ أحدٌ الإسلامَ بمعاوية أو بني أمية؛ فهو منه و منهم برئ ".
3- " ولسنا نُنكِر على معاوية في سياسة الحكم ابتداعَه نظام الوراثة وقهر الناس عليها فحسب، إنما ننكر عليه أولاً وقبل كل شئ إقصاءَه العنصر الأخلاقي في صراعه مع
علي، و في سيرتِه في الحكم بعد ذلك، إقصاءه كاملاً لأول مرة في تاريخ الإسلام …فكانت جريمة معاوية الأولى، التي حطّمَتْ روحَ الإسلام في أوائل عهدِه هي نفي العنصر الأخلاقي من سياسته نفياً باتّاً. ومما ضاعفَ الجريمة أنّ هذه الكارثة باكرت الإسلامَ ولم تنقض إلا ثلاثون سنة على سُنَنِه الرفيعة... و لكي نُدرك عمقَ هذه الحقيقة يجب أن نستعرِضَ صُوَرًا من سياسة الحكم في العهود المختلفة على أيدي أبي بكر و عمر، و على أيدي عثمان و مروان...ثم على أيدي الملوك من أمية...ومن بعدهم من بني العباس، بعد أن خُنقت روحُ الإسلام خنقا على أيدي معاوية وبني أبيه".
4 " و مضى عليٌّ رضي الله عنه إلى رحمة ربه، و جاءَ معاوية ابن هند وابن أبي سفيان !" (وأنا أستغفر الله من نقل هذا الكلام ، بمثل هذه العبارة النابية، فإنه أبشع ما رأيتُه) ثم يقول: " فلئنْ كان إيمان عثمان وورعُه ورقّته، كانت تقف حاجزاً أمام أميّة.. لقد انهار هذا الحاجز، و انساح ذلك السّدّ ، و ارتدت أمية طليقةً حرّة إلى وراثاتها في الجاهلية والإسلام. وجاء معاوية، تُعاونه العصبةُ التي على شاكلتِه، و على رأسِها عمرو بن العاص. قومٌ تجمعُهم المطامعُ والمآرب، و تدفعُهم المطامِحُ والرغائب، و لا يُمسِكُهم خُلُق ولا دين ولا ضمير" (و أنا أستغفر الله وأبرأ إليه). ثمّ قالَ: "و لا حاجة بنا للحديث عن معاوية؛ فنحن لا نؤرّخ له هنا، وبحسبنا تصرّفه في توريث يزيد الملك، لِنعلمَ أيّ رجل هو. ثم بحسبنا سيرة يزيد لنقدّر أيّة جريمة كانت تعيش في أسلاخ أمية على الإسلام والمسلمين".
5- ثم ينقل خطبةً يزعم أنها لمعاوية في أهل الكوفة بعد الصّلح يجئ فيها قول معاوية:" وكلّ شرطٍ شرطتُه، فتحت قدميّ هاتين "، ثم يعقّب عليه مستدركا: "و الله تعالى يقول: "وأوفُوا بالعهدِ إنّ العهدَ كان مسئولاً". والله يقول:" و إن استنصَرُوكم في الدّين فعليكم النّصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق". فيؤثر الوفاء بالميثاق للمشركين المعاهدين، على نصرة المسلمين لإخوانهم في الدين. أما معاوية؛ فيخيس بعهدِه للمسلمين، و يجهر بهذه الكبيرة جهرة المتبجِّحِين !.. إنه من أمية، التي أبت نحيزتها أن تدخل في حلف الفضول ! ".
6- ثم يذكر خطبةً أخرى لمعاوية في أهل المدينة: " أما بعد ؛ فإني و الله ما وليتُها بمحبةٍ علمتُها منكم " ثم يعلق عليها فيقول:" أجل ، ما وليها بمحبة منهم . و إنه ليعلم
أن الخلافة بيعة الرضى في دين الإسلام. و لكن ما لمعاوية وهذا الإسلام.. وهو ابنُ هند و ابن أبي سفيان !" .
7- " وأما معاوية بعد علي، فقد سارَ في سياسة المال سيرته التي ينتفي منها العنصر الأخلاقي ، فجعله للرُّشى و اللهى وشراء الأمم في البيعة ليزيد، و ما أشبه هذه الأغراض، بجانب مطالب الدولة والأجناد والفتوح بطبيعة الحال ".
8- ثم قال شاملا لبني أمية : "هذا هو الإسلام، على الرغم مما اعترضَ خطواته العملية الأولى، من غلبة أسرة لم تعمرْ روحُ الإسلام نفوسَها. فآمنَتْ على حرف حين غلب الإسلام، وظلت تحلم بالملك الموروث العضوض حتىنالته، فسارت بالأمر سيرةً لا يعرفها الإسلام ."
هذا ما جاء في ذكر معاوية، و ما أضفى الكاتبُ من ذيوله على بني أمية، و على عمرو بن العاص. وأما ما جاء عن أبي سفيان بن حرب ؛ فانظر ماذا يقول :
9- " أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحاتُ التاريخ ، والذي لم يُسْلِمْ إلا وقد تقرّرت غلبةُ الإسلام. فهو إسلام الشفة واللسان ، و لا إيمان القلب والوجدان. وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل قطّ؛ فلقد ظل يتمنى هزيمة المسلمين ويستبشر لها في يوم حنين ، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد ، بينما يتظاهر بالإسلام. ولقد ظلّت العصبية الجاهلية تسيطر على فؤاده ...وقد كان أبو سفيان يحقد على الإسلام والمسلمين ، فما تعرض فرصة للفتنة إلا انتهزها ".
10- "ولقد كان أبو سفيان يحلمُ بملك وراثي في بني أمية منذ تولي الخلافة عثمان؛ فهو يقول:" يا بني أمية ...تلقفوها تلقف الكرة؛ فو الذي يحلف به أبو سفيان ؛ ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرنَّ إلى صبيانكم وراثة !". وما كان يتصوّر حكمَ المسلمين إلا ملكًا حتى في أيام محمد،( وأظنُّ أنا أنه من الأدب أن أقول: صلى الله عليه وسلم) ؛ فقد وقفَ ينظر إلى جيوش الإسلام يوم فتح مكة، ويقول للعباس بن عبد المطلب:" والله يا أبا الفضل ؛ لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما". "فلما قال له العباس:إنها النبوة! قال: "نعم إذن! ...
" نعم إذن! و إنها لكلمةٌ يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبُه؛ فما كان مثل هذا القلب ليفقَهَ إلا معنى الملك والسلطان ".
ثم يقول عن هند بنت عتبة أم معاوية :
11- " ذلك أبو معاوية. فأمّا أمّه هند بنت عتبة؛ فهي تلك التي وقفَتْ يومَ أحد تلغ في الدم، إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة ، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة ؛ فقد كان قد مات. وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرهًا بعد إذْ تقرّرت غلبةُ الإسلام تصيح:" اقتلوا الخبيثَ الدنس الذي لا خير فيه. قُبِّح من طليعة قوم! هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟" .
هؤلاء أربعةٌ من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكُرُهم كاتبٌ مسلم بمثلِ هذه العبارات الغربية النابية! بل زاد، فلم يعصم كثرةَ بني أمية من قلمه، فطرح عليهم كلَّ ما استطاع من صفاتٍ تجعلهم جملة واحدة برآءً من دين الله ، ينافقون في إسلامهم، و ينفون من حياتهم كل عنصر أخلاقي ! كما سمّاه.. و أنا لن أناقش الآن هذا المنهجَ التاريخي ، فإنّ كلّ مُدّعٍ يستطيع أن يقول:هذا منهجي، و هذه دراستي. بل غاية ما أنا فاعل أنْ أنظُرَ كيف كان أهل هذا الدين ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم، وكيف كانوا – هؤلاء الأربعة – عند من عاصرهم ومن جاءَ بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم. وأيضا فإني لن أحقّقَ في هذه الكلمة فسادَ ما بُني عليه الحكم التاريخي العجيبُ، الذي استحدثه لنا هذا الكاتب، بل أدعه إلى حينه .
-فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أسلمَ عام القضية، ولقِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مُسْلمًا، وكَتَم إسلامَه من أبيه وأمه. و لما جاءتِ الرِّدة الكبرى، خرجَ معاوية في هذه القِلّة المؤمنة التي قاتلت المرتدين، فلما استقر أمرُ الإسلام وسيّرَ أبو بكر الجيوشَ إلى الشام، سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه. فلما ماتَ يزيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لأبي سفيان رضي الله عنه: أحسنَ اللهُ عزاءَك في يزيد. فقال أبو سفيان:من وليت مكانه ؟ قال : أخاه معاوية. قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. و بقي معاوية واليًا لعمر على عمل دمشق. ثم ولاه عثمان الشامَ كلها، حتى جاءت فتنةُ مقتل عثمان، فولى معاوية دمَ عثمان لقرابته، ثم كان بينه و بين علي ما كان.
ويروى البخاري: (5/28) أنّ معاوية أوترَ بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس ، فأتى ابنَ عباس، فقال : دعه ؛ فإنّه صَحِبَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.و قال في خبرٍ آخر: هل لكَ في أمير المؤمنين معاوية ؛ فإنه أوتر بواحدة ؟ فقال ابنُ عباس: إنه فقيه . و روى أحمد في " مسنده " (4/102) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : أن معاوية أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّرَ شعرَه بمشقص[size=12](6). فقلتُ لابن عباس: "ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية" ! فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً". وعن أبي الدرداء : "ما رأيتُ أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاةٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ( يعني معاوية ). "مجمع الزوائد "( 9/357 ). وروى أحمد في " مسنده "( 4/101) عن أبي أمية عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده : أنّ معاوية أخذَ الإداوة ( إناء من جلد صغير كالقربة) بعد أبي هريرة يتّبعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بها و اشتكى أبو هريرة، فبينا هو يوضئ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم،رفع رأسَه إليه مرة أو مرتين، فقال:" يا معاوية ! إنْ وليتَ أمراً ؛ فاتّقِ اللهَ عز وجل و اعدِلْ ".قال معاوية : "فما زلتُ أظنّ أني مبتلى بعملٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حتى ابتليتُ ." وروى أحمد في " مسندِه " ( 4/127 ) عن العرباضِ بن سارية السلمى ؛ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : " هلموا إلى الغداء المبارك! ثم سمعتُه يقول :"اللهم علِّمْ معاوية الكتابَ والحسابَ ، و قِهِ العذابَ ". و روى أحمد في "مسنده "( 4/216 ) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ذكرَ معاوية فقال: " اللهم ! اجعله هادياً مهدياً ، واهد به ".
هذا بعض ما قيل في معاوية رضي الله عنه، و في دينِه و إسلامِه . فإن كان هذا الكاتب قد عرفَ و استيقَنَ أنّ الروايات المتلقفة من أطراف الكُتب تنقض هذا نقضاً حتى يقول:إنّ الإسلام برئٌ منه، فهو و ما عرف. و إنْ كان يعلم أنه أحسَنُ نظرًا ومعرفةً بقريش من أبي بكر حين ولىّ يزيدَ بن أبي سفيان، وهو من بني أمية، و أنفذُ بصرًا من عمر حين ولىّ معاوية. فهو وما عَلِمَ !! و إنْ كان يعلم أنّ معاوية لم يقاتِل في حروبِ الرِّدة إلا و هو يضمِرُ النّفاقَ و الغدر، فله ما علم !! و إنْ كان يرى ما هو أعظمُ من ذلك؛ أنّه أعرفُ بصحابة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من رسولِ الله الذي كان يأتيه الخبرَ من السّماء بأسماءِ المنافقين بأعيانهم؛ فذلك ما أعيذُه منه أن يعتقدَه أو يقوله. و لكن لينظرْ فرقَ ما بين كلامه وكلام أصحاب رسول الله عن رجل آخر من أصحابه، ثم ليقطَعْ بنفسِه ما شاءَ من رحمة الله أو من عذابه. و لينظرْ أيّهما أقوى برهانا في الرواية، هذا الذي حدّثنا به أئمةُ دينِنا ، أم ما انضمّت عليه دفتا كتاب من عُرْض كتب التاريخ، كما يزعمون. و لينظُرْ لنفسِه حتى يرجحَ روايةً على روايةٍ، و حديثًا على حديث، وخبراً على خبر، و ليعلمْ أنّ الله تعالى أدّبَ المسلمين أدباً لم يزالوا عليه مذ كانت لدينِ الله الغلبة، حتى ضربَ اللهُ على أهل الإسلام الذّلة بمعاصيهم وخروجِهم عن حدّ دينهم و اتّباعهم الأمم في أخلاقها و في فكرها و في تصوّرها للحياة الإنسانية .يقول ربنا سبحانه وتعالى :" يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنُوا أنْ تُصيبُوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمِين ". ويقول تعالى :" يا أيها الذين آمنُوا اجتَنِبُوا كثيراً من الظّنِّ إنَّ بعضَ الظّنِ إثم" .و يقول تعالى :"ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم، إنّ السمعَ و البصرَ والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً " .
و لينظرْ أنىّ له أن يعرفَ أنّ معاوية كان يعمل بوحي الجاهلية لا الإسلام، وأنه بعيدُ الروح عن حقيقة الإسلام، و أنّ الإسلامَ لم يعمُرْ قلبَه، و أنه خَنَقَ روحَ الإسلام هو و بنو أبيه، و أنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم لا يُمْسِكُهم خلقٌ و لا دينٌ و لا ضمير، وأنّ في أسلاخ معاوية و بني أمية جريمة أيّ جريمة على الإسلام والمسلمين، وأنه يخيس بالعَهد و يجهَر بالكبيرة جهرةَ المتبجِّحِين، و أنّه ما لمعاوية وهذا الإسلام؟ و أنّه ينفي العنصرَ الأخلاقي من سِيرته، و يجعل مالَ الله للرشى واللهي وشراء الذمم، وأنه هو و بنو أمية آمنوا على حرف حين غلبَ الإسلامُ .
-أما أبو سفيان رضي الله عنه؛ فقد أسلمَ ليلة الفتح ، وأعطاه رسولُ الله من غنائمَ حنين كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم ، فقال له: "و الله ؛ إنكَ لكريمٌ فداكَ أبي وأمي، والله ؛ لقد حاربتُكَ فلنعمَ المحاربُ كنتَ، ولقد سالمتُكَ فلنعم المسالمُ أنتَ ، جزاك الله خيراً. " ثم شاهدَ الطائفَ مع رسول الله، وفُقئت عينه في القتال. ولاّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نجران ،
و رسولُ الله لا يولِّي منافقاً على المسلمين. و شهِد اليرموك، وكان هو الذي يحرض الناسَ ويحثّهم على القتال. و قد ذكر الكاتبُ في ما استدل به على إبطان أبي سفيان النّفاق و الكفر أنّه كان يستبشر بهزيمةِ المسلمين في يوم حنين، و في قتال المسلمين والروم فيما بعد، وهذا باطلٌ مكذوب. وسأذكر بعد تفصيل ذلك . أما قول أبي سفيان للعباس:" لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً ". قال العباس: إنها النبوة ! فقال أبو سفيان : فنعم إذن. فهذا خبرٌ طويل في فتح مكة، قبل إسلامه ، وكانت هذه الكلمة "نعم إذن " أوّلَ إيذانٍ باستجابتِه لداعي الله، فأسلم رضي الله عنه، وليست كما أولها الكاتب:" نعم إذن. و إنها كلمةٌ يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه، فما كان مثل هذا القلب ليفقه إلا معنى الملك والسلطان "!!، إلا أن يكون الله كشفَ له ما لم يكشِف للعباس و لا لأبى بكر و لا لعمر، و لا لأصحابِ رسول الله من المهاجرين والأنصار، و أعوذُ بالله مِنْ أنْ أقولَ ما لم يُكشَف لرسول الله ونبيِّه صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس: أنّ أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاثاً أعطنيهِن.قال: "نعم" . قال : تؤمرني حتى أقاتل الكفارَ كما قاتلتُ المسلمين. قال:" نعم ". قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال: " نعم" . وذكرَ الثالثةَ ، هو أنّه أرادَ أن يُزوِّجَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بابنتِه الأخرى عزّة بنت أبي سفيان و استعان على ذلك بأختِها أم حبيبة، فقال: " إنّ ذلك لا يحل لي ".
-و أمّا هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنهما ؛ فقد روي عن عبد الله ابن الزبير ( ابن سعد : 8/171 ) قال: لما كان يوم الفتح ؛ أسلمَتْ هند بنت عتبة و نساء معها، و أتين رسولَ الله وهو بالأبطح، فبايَعْنَه، فتكلّمتْ هند ، فقالت: يا رسول الله ! الحمد لله الذي أظهرَ الدين الذي اختارَه لنفسه. لتنفعني رحمُك يا محمد ! إني امرأةٌ مؤمنة بالله مصدّقة برسولِه.
ثم كشفتْ عن نقابِها. وقالت: أنا هند بنت عتبة. فقال رسولُ الله :مرحباً بكِ ".فقالت : و الله ؛ ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلُّوا من خبائك، ولقد أصبحتُ و ما على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من يعزّوا من خبائك. فقال رسول الله: وزيادة ... قال محمد بن عمر الواقدي:لما أسلمتْ هند ؛ جعلتْ تضربُ صنماً في بيتِها بالقدوم ، حتى فلذته فلذة ، و هي تقول: كنا منكَ في غرور. و روى البخاري هذا الخبرَ عن أمّ المؤمنين عائشة ( 5/40 ).
فهل يعلم عالمٌ أنّ إسلامَ أبي سفيان و هند كان نفاقًا وكذبًا وضغينة ؟ لا أدري. ولكن أئمّتنا من أهلِ هذا الدين لم يطعَنُوا فيهم، و ارتضاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، و ارتضى إسلامَهم. و أمّا ما كان من شأنِ الجاهلية ؛ فقلّ رجلٌ وامرأةٌ من المسلمين لم يكنْ له في جاهليته مثل ما فعلَ أبو سفيان أو شبيهٌ بما يُروى عن هند إنْ صحّ.
-و أما عمرو بن العاص، فقد أسلمَ عام خير قدم مهاجرا إلى الله ورسوله، ثم أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى ذات السلاسل يدعو بليّا إلى الإسلام،ثم استعمله رسولُ الله على عمان، فلم يزل والياً عليها إلى أن تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أقرّه عليها أبو بكر رضي عنه، ثم استعمله عمر. وروى الإمامُ أحمد في "مسنده" (2/327،353،354 ) من حديث أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ابنا العاص مؤمنان "؛ يعني : هشاما وعمرا. و روى الترمذي وأحمد في " مسنده "(4/155) عن عقبة بن عامر الجهني : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أسلمَ الناسُ وآمنَ عمرُو بن العاص ". وروى أحمد في " مسنده " ( 1/161 ) عن طلحة بن عُبيد الله،قال:ألاَ أُخبركم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ ؟أَلا إني سمعتُه يقول:" عمرو بن العاص من صالحي قريش ، و نعم أهلِ البيت أبو عبد الله، و أمّ عبد الله، و عبد الله ".
فإذا كان جهاد عمرو، وشهادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولية رسول الله، ثم أبي بكر ثم عمر ؛ لا تدلّ على شيء من فضلِ عمرو بن العاص، و لا تدلّ على نفي النّفاقِ في دين الله عنه ؛ فلا ندري بعد ما الذي ينفع عمرًا في دنياه وآخرته. ؟! و لستُ أتصدّى هنا لتزييفِ ما كتبه الكاتبُ من جِهة التاريخ، و لا من جهة المنهاج، ولكني أردتُ –كما قُلتُ – أن أُبِّينَ أنّ الأصلَ في دينِنا هو تقوى الله، و تصديق خبر رسول الله، وأنّ أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا لعّانين ولا طعانين ولا أهل إفحاش، ولا أصحاب جرأة وتهجّم على غيب الضمائر، وأنّ هذا الذي كانوا عليه أصلٌ لا يمكن الخروج منه؛ لا بحجّة التاريخ، ولا بحجّة النّظر في أعمالِ السابقين للعبرة و اتّقاءِ ما وقعُوا فيه من الخطأ.
ولو صحَّ كلّ ما يُذكَر مما اعتمد عليه الكاتبُ في تمييزِ صفات هؤلاء الأربعة، وصفة بني أمية عامة ؛ لكان طريق أهل الإسلام أن يحملوه على الخطأ في الاجتهاد من الصّحابي المخطئ، ولا يدفعهم داءُ العصر أن يُوغِلوا من أجلِ خبرٍ أو خبرين في نفي الدين والخُلُق و الضمير عن قومٍ هم لقربِ زمانهم وصُحبتهِم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولىَ أهلِ الإسلام بأنْ يعرِفُوا حقَّ الله وحقَّ رسولِه صلى الله عليه وسلم،و أن يعلمُوا من دين الله ما لم يعلمْهُ مجترئٌ عليهم طعّانٌ فيهم.
وأختم كلمتي هذه بقولِ النووي في "شرح مسلم "(16/93) :"اِعلمْ أنّ سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرامٌ من فواحش المحرمات، سواء من لابَس الفِتَنَ منهم وغيره ؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون. و قال القاضي:سبُّ أحدِهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا مذهب الجمهور أن يُعزَّر ولا يُقتل، و قال بعض المالكية :يقتل ".
و أُسدِي النّصيحَةَ لمن كتبَ هذا و شبهه:أنْ يبرَأَ إلى الله علانية مما كتبَ، و أنْ يتوبَ توبة المؤمنين مما فرط منه، وأنْ يُنَـزه لسانَه و يعصمَ نفسَه و يُطَهِّر قلبَه، وأنْ يدعو بدعاءِ أهل الإيمان:"ربّنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا الذين سبقُونَا بالإيمانِ و لا تجعَلْ في قلوبِنا غِلاً للذين آمَنُوا ربّنَا إنّكَ رءوفٌ رحيم ".
من أجل هذا أقول: إنّ خلق الإسلام، هو أصلُ كلّ منهاجٍ في العلمِ و الفهمِ، سواء كان العلم تاريخاً أو أدباً أو اجتماعاً أو سياسةً. و إلا فنحنُ صائرون إلى الخروج عن هذا الدين، و صائرون إلى تهديم ما بناه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إلى جعلِ تاريخ الإسلام حشداً من الأكاذيب الملفقة، و الأهواء المتناقضة، و العبَث بكل شيءٍ شريف ورثتنا إياه رحمة الله لهم و فتحَ الله عليهم، و رضاه عن أعمالهم الصالحة، و مغفرته لهم ما أساؤا، رضي الله عنهم و غفرَ لهم و أثابهم بما جاهدوا و صبروا، و علِموا و علّموا،. و استغفر اللهَ و أتوبُ إليه.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 09 Aug 2010 الساعة 11:22 PM سبب آخر: تنسيق الموضوع
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, محمودشاكر, مسائل, سيدقطب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013