و فيك بارك الرحمن أخي عبد الباسط
ممّا ظهر لي ـ و الله تعالى أعلم ـ :
أن تصحيف لفظ محبنطيا و قع أوّلا (أي قبل استعارة المثال) ، و بكر بن حبيب صحّح اللفظ و وجّه إلى الصّواب ، لكنّ شبيبا أنكر و أبى الرّجوع إلى الحقّ ، بل بالغ في الانكار و في الرّكون إلى نفسه و الإعجاب برأيه فقال : « أتقول لي هَذَا وَمَا بَين لابتيها افصح مني » .
و هذا الصّنيع يدعو خصمه للرّدّ عليه و تعريفه قدر نفسه ـ إذ ردّ الحق بمثل هذا الادّعاء ـ فقال له بكر : مَا لِلْبَصْرَةِ واللُّوب ؟ ... و المقصود لو كنت فصيحا و لغتك صحيحة ، لعلمت أنّ اللّابة هي الحرّة والحرّة أرْض تركبها حِجَارَة سود ، و هذا الوصف ليس عليه شيء من أرض البصرة ، و الفصيح لا يصحّ منه وصف البصرة بهذا .
نعم لو كان الجوّ في هذا المجلس خلِيًّا من الإنكار و الإعجاب بالرأي ، لأمكن أن يقال أنه استعارة تنزُّلا و حملا على أحسن المحامل ، أما و الأمر كما ذكر ، مقرونا بذكر الفصاحة و الإزراء بالغير ، فقد أعطى شبيب خصمه و مناظره سببا يُدخل عليه منه الخطأ و الوهم ، و هذا بذاك .
و لهذا لم يُحر شبيب جوابا و انقطع في الجدال .
و مما يُعكّر على كونها استعارة للمثال ، أنّ قولهم : أهل مكة أدرى بشعابها ، يحمل معنى صحيحا و لو تمثل به من يعيش في غيرها ، إذ معناه كما أن أهل مكة أعلم بشعابها فنحن أعلم بشعاب بلدنا أو أعلم بمسائل فنّنا و غوامضه و غير ذلك . لكن هب أن أحدا يقول لك أهل مكة أعلم بغاباتها أو أعلم ببحارها ، فإنّه لا يصّح و لا يستساغ ، إذ أنّ مكّة لا غابات لها و لا بحار ، و مثلها البصرة لا لابات لها ، و بخاصة أنّه قصد نفسه في المثال و أدخلها فيه فقال : مَا بَين لابتيها افصح مني . فهو يقصد البصرة ، لكنه دلّل على البصرة بما لا يدلّ عليها ، و معلوم أن الاستعارة تشبيه في الأصل
و العلم عند الله و هو أعلم بالصّواب
جزاك الله على التعليق و الفائدة
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 08 May 2017 الساعة 12:21 PM
|