منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24 Dec 2019, 01:42 PM
أبو أنس حباك عبد الرحمن أبو أنس حباك عبد الرحمن غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2016
المشاركات: 118
افتراضي نصيحةٌ في الكفّ عن اتهام النيّات

نصيحةٌ في الكفّ عن اتهام النيّات


الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فمن قبيح آثار الفتنة الأخيرة -وما أكثرها- تسلط القوم على نيّات خصومهم، فما انتصب أحدٌ يردّ على باطل لاح له إلا رموه بقوس حب الظهور و القصد السيء، وقد جال في خاطري أن أُفرد هذا الأمر الخطير بمقال مختصر عسى أن ينتفع به هؤلاء فيكفوا ألسنتهم عن التخوض بالباطل والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

مما يحسن البداءة به ههنا، التذكير بما كان عليه السلف في معالجة نياتهم فهذا الثوري وما أدراك ما الثوري؟ يقول:ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيتي فإنها تتقلب عليَّ.
فإن كان مثل هذا الإمام الجبل تتقلبّ عليه نيته ويشتد عليه علاجها بل لا يجد أشدّ منها فالأولى بمن يتهم نية غيره أن ينظر في نيته هو ويعالجها لا أن يتسلط على نيات خصومه بالقصد السيئ مجرِّدا إياهم من الإخلاص وإرادة الخير لأن لسان حاله سيكون: أنا المُخلص.

إنّ من المعلومٌ من سيرة السلف الحكم على الناس بالظاهر وتفويض السرائر لله تعالى بل نقل ابن عبدالبر الإجماع على ذلك فقال:أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن أمر السرائر إلى الله. (التمهيد 10/32 طبعة بشار).
وقد حُكي هذا المعنى حديثا مرفوعا ولا يصحُ، والثابث ما أخرجه البخاري موقوفا على عمر رضي الله عنه: إنما كانوا يُؤْخذون بالوحي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم. ( صحيح البخاري رقم 2641).

فمقتضى الإجماع المنقول أنّ المُتسلط على نية غيره قد نازع الله في شيئ لا يطلع عليه غيره سبحانه وتعالى؛ نعم قد تحتف القرائن بشخص ما فتسيء به الظن احتراسا منه لكن لا يُجعل هذا الاستثناءْ أصلاً وما أكثر ما يدخل الانحراف على الناس من هذا الباب بحيث يُهملون الحكم الثابت الدائم الأصلي ويُقيمون الضروري المستثنى مقامه من دون ضوابط، ومع ذلك فلا يحملنّك إساءة الظن بأحدٍ أن تُجرّده من الإخلاص لله.

إذا عُلم هذا وتقرّر فمن المستهجن جدّا أن يقول القائل عن بعض مشايخنا و إخواننا أنه: "ضاع إخلاصُ النيَّة لله تعالى في مقالاتهم وسطورهم، وتمكَّنَتْ منهم حظوظُ النفس والهوى" (نصيحة وتوجيه إلى منتدى التصفية). ولا يُنكر عليه مُنكرٌ بل يتناقله الأتباع فرحين بمثل هذا الكلام،ونظيره قول صاحبه: ..منها مقال صهرك الذي أخذته حمية الجاهلية (الجواب عن الجواب/ الحلقة01).
إنّي لأقرأ هذا الكلام المرّة بعد المرّة ولا ينقضي عجبي بمرور الأيام كيف استطاع أن يحكم هذا الحكم الغيبي وأجدني أتساءل هل يمكن للمرء أن يستشف بماظهر له من علاماتٍ ودلائل أنّ الإخلاص ضاع من خصمه أو أخذته حمية الجاهلية؟ وأجدني للأسف الشديد أذكر قولة ذلك المنافق الذين طعن في قسمة النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: والله إن هذه قسمة ما عُدل فيها، وما أريد فيها وجه الله (متفق عليه)،وأرجو ألا يقع في خلد أحدٍ أنّي أُشبه شيخه بالمنافقين ولكنّ القول هو القول.

ثمّ أتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه صنيعُ أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قتل رجلا وهو يقول لا إله إلا الله: يا أسامة، أقتلْتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟ قلتُ يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فمازال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. (متفق عليه واللفظ لمسلم 96)

فمع توفر دواعي إساءة الظن بالرجل بقرينة خوفه من السيف لما رآه يهوي عليه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عذر أسامة رضي الله عنه.
فلنا إذاً في نبينا صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فنقول لكم : أفلا شققتم عن قلوب خصومكم حتى تعلموا هل كتبوا إخلاصا لله أم لا؟

أيها المتخوضون في نيات الناس:
دونكم هذه المراسلة البديعة التي نقلها الإمام السعدي في بعض فتاويه عن رجلٍ قدح صاحبه في قصده فأجابه بها، تأملوا فيها رحمكم الله وقفوا عند كلماتها فإنها بلاسم لهذا الداء الوبيل الذي ألمّ بكم.

"يا أخي إنك إذا تركت ما يجب عليك من المودة الدينية ، وسلكت ما يحرم عليك من اتهام أخيك بالقصد السيء على فرض أنه أخطاْ و تجنبت الدعوة إلى الله بالحكمة في مثل هذة الأمور ، فإني أخبرك قبل الشروع في جوابي لك عما انتقدتنى عليه :
بأني لا أترك ما يجب علي من الإقامة على مودتك ، و الاستمرار على محبتك المبنية على ما أعرفه من دينك انتصاراً لنفسي ، بل أزيد على ذلك بإقامة العذر لك في قدحك في أخيك، بأن الدافع لك على ذلك قصد حسن ، لكن لم يصحبه علم يصححه ، و لا معرفة تبين مرتبته ، و لا ورع صحيح يوقف العبد عند حده الذي أوجبه الشارع عليه . فلحسن قصدك عفوت لك عما كان منك لي من الاتهام بالقصد السيء ، فهب أن الصواب معك يقيناً ، فهل خطأ الإنسان عنوان على سوء قصده ، فلو كان الأمر كذلك ، لوجب رمي جميع علماء الأمة بالقصود السيئة ، فهل سلم أحد من الخطأ ؟ وهل هذا الذي تجرأت عليه إلا مخالف لما أجمع عليه المسلمون ، من أنه لا يحل رمي المسلم بالقصد السيء إذا أخطأ ، و الله تعالى قد عفا عن خطأ المؤمنين في الأقوال و الأفعال ، و جميع الأحوال . ثم نقول : هب أنه جاز للإنسان القدح في إرادة من دلت القرائن و العلامات على قصده السيء ، أفيحل القدح فيمن عندك من الأدلة الكثيرة على حسن قصده ، و بعده عن إرادة السوء ما لا يسوغ لك أن تتوهم فيه شيئاً بما رميته به ، وإن الله أمر المؤمنين أن يظنوا باخوانهم خيراً إذا قيل فيهم خلاف ما يقتضيه الإيمان فقال تعالى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } (النور : 12 ) و أعلم أن هذه المقدمة ليس الغرض منها مقابلتك بما قلت ، فإني كما أشرت لك : قد عفوت عن حقي إن كان لي حق ولكن الغرض النصيحة ، وبيان موقع هذا الاتهام من العقل و الدين و المروءة الإنسانية.
(الفتاوى السعدية ص 61-62).

قلت: الله أكبر، ما أطهرها من كلماتٍ وما أنبلها من صفاتٍ لو تحلىّ الخائضون بثلثها أو ربعها ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، أفلم يكن بوسع هؤلاء أن يقولوا بمثل ما قال هذا الرجل:
بأن الدافع لخصومهم على ذلك قصد حسن ، لكن لم يصحبه علم يصححه ، و لا معرفة تبين مرتبته ، و لا ورع صحيح يوقف العبد عند حده الذي أوجبه الشارع عليه، دون التسلط على النيات والحكم على القصود؟؟
فاللهم أصلح نياتنا وحسّن قصودنا في صغير الأمر وكبيره.

وكتبه أبوأنس عبد الرحمن حباك
العاصمة - زوال الثلاثاء 27 ربيع الآخر 1441 هـ الموافق لـ 24 ديسمبر 2019 م

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله حيدوش ; 24 Dec 2019 الساعة 03:13 PM
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013