منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 21 Dec 2019, 12:48 AM
أبو بكر يوسف قديري أبو بكر يوسف قديري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 286
افتراضي خصائص النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الإقناع وشرحه مع التعليق عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه،
أما بعد فقد جرت عادة الفقهاء أن يذكروا خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في أول كتاب النكاح كما افتتح بذلك خليل كتاب النكاح من مختصره الجليل، وذلك لأن هذا الباب اختصّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم بخصائص أكثر من سائر أبواب الدين، لذلك حرص الفقهاء على جمع ما تمكنوا من ذكره من الخصائص النبوية في موطن واحد وهو كتاب النكاح، وذلك من باب ذكر النظير مع نظيره.
ومن هؤلاء الفقهاء صاحب الزاد موسى الحجاوي الحنبلي (ت968هـ) عقد فصلا لخصائص النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه المعتمد عند الحنابلة المتأخرين، واعتنى بهذه الفصل شارح الإقناع منصور البُهوتي (ت1051 هـ) عنايةً خاصة تمثّلت في الزيادة على المتن من جهة، ومن جهة أخرى قوله: وخالفت طريق الحواشي فيها بذكر الدليل رجاء أن يحيا بها قلبي العليل وينوّر بها بصري الكليل. انتهى.
وقد أخذتُ هذا الفصل بتمامه من شرح البُهوتي "كشاف القناع عن متن الإقناع"،وحرصتُ على تخريج مختصر لأحاديثه، وذكر أحكام المحدثين عليها تصحيحا وتضعيفا خصوصًا محدّثَ عصرنا الألباني الذي له عناية كبيرة بتخريج أحاديث الأحكام عند الحنابلة كما في كتابه الفريد "إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل". وإن لم أجد حكمًا له على الحديث انتقلت إلى غيره وإلا تركته كما هو.
كما نقلت تنبيهات علماء هذا الزمان خصوصًا اللجنة الدائمة برئاسة الإمام ابن باز على بعض المسائل العقدية كتلك المتعلقة بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاعه على المغيّبات ونحو ذلك.
وكل هذه الإضافات تجدها بين معقوفين [ ]، ومتن الإقناع بين قوسين ( )، والباقي للشارح رحمهما الله. كما اعتمدت على طبعة وزارة العدل السعودية الطبعة الأولى.
وبعد الانتهاء من هذا العمل أوقفت على كلام للشيخ بكر أبو زيد في المدخل المفصّل 2/769 يقول فيه: "وللسفّاريني شرح نظم الخصائص النبوية الواقعة في الإقناع. قال: والنظم المذكور لا ندري هل هو للسفاريني؟ أم لغيره؟"
والآن إلى الكتاب:

قال رحمه الله:
(فصل في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم)
واحتيج إلى بيانها لئلا يرى جاهل بعضَ الخصائص في الخبر الصحيح فيعملَ بها أخذًا بأصل التأسي فوجب بيانها لتعرف، وأي فائدة أهم من هذا؟
وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدريب ومعرفة الأدلة.
(خُص النبي صلى الله عليه وسلم بواجبات ومحظورات ومباحات وكرامات قاله) الإمام (أحمد).
وقد بدأ منها بالواجبات فقال:
[1- وجوب الوتر]
(فالواجبات: الوتر) لخبر «ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى» رواه البيهقي وضعفه [ورواه أحمد 2050 وضعف سنده أحمد شاكر ومحققو المسند] ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى لا أكثره، وقياسه في الوتر كذلك، قيل: والأولى أن يحمل على ثلاث ركعات لأنه نهى عن الاقتصار على ركعة، [رواه ابن عبد البر 13\254 وضعّف سنده وحكم عليه ابن القطان بالشذوذ].
(وهل هو) أي الوتر (قيام الليل أو غيره؟ احتمالان، الأظهر الثاني) أي أن الوتر غير قيام الليل لحديث ساقه ابن عقيل «الوتر والتهجد وركعتا الفجر» قال الشيخ تقي الدين [ابن تيمية]: فرّق أصحابنا هنا بين الوتر وقيام الليل. انتهى.
وأكثر الواصفين لتهجده صلى الله عليه وسلم اقتصروا على إحدى عشرة ركعة وذلك هو الوتر، وتقدم في صلاة التطوع أن التهجد بعد نوم؛ وعليه فإن نام ثم أوتر فتهجد ووتر، وإن أوتر قبل أن ينام فوتر لا تهجد.
[2- وجوب السواك]
(والسواك لكل صلاة) لأنه صلى الله عليه وسلم أُمر به لكل صلاة رواه أبو داود [48 وحسنه الألباني] وصححه ابن خزيمة وغيره
[3- وجوب الأضحية]
(والأضحية) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها ولو عبر بالتضحية لكان أولى لأن الأضحية اسم للشاة ونحوها مما يضحى به
[4- وجوب ركعتي الفجر]
(وركعتا الفجر) لحديث ابن عباس «ثلاث كتبت علي وهن لكم تطوع الوتر والنحر وركعتا الفجر» رواه الدارقطني [1631 وقال الألباني: موضوع كما في ضعيف الجامع 2561]
[5- وجوب صلاة الضحى]
(وفي الرعاية: والضحى) للخبر السابق، ورُدّ بضعف الخبر وبحديث عائشة «أنه لم يداوم على صلاة الضحى» [قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قطّ، وإني لأسبّحها. متفق عليه] (وغلّطه الشيخ) قال: ولم يكن يواظب على الضحى باتفاق العلماء بسنته.
[6- وجوب قيام الليل]
(وقيام الليل لم ينسخ) وجوبه على الصحيح من المذهب ذكره أبو بكر وغيره، قال القاضي: وهو ظاهر كلام أحمد. وقدمه في الرعاية الكبرى والفروع، وقيل: نُسخ. جزم به [ابن عقيل ] في الفصول و[السامُري في] المستوعِب، قاله [المرداوي] في الإنصاف.
[7- وجوب تخيير الزوجات]
(وأن يخير) صلى الله عليه وسلم (نساءه) رضي الله عنهن (بين فراقه) طلبا للدنيا (والإقامة معه) طلبا للآخرة، أي وجب عليه ذلك صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن} [الأحزاب: 28] الآيتين، ولئلا يكون مُكرِهًا لهنّ على الصبر على ما آثره لنفسه من الفقر. وهذا لا ينافي أنه تعوذ من الفقر لأنه في الحقيقة إنما تعوذ من فتنته كما تعوّذ من فتنة الغنى أو تعوذ من فقر القلب بدليل قوله «ليس الغنى بكثرة العَرَض وإنما الغنى غنى النفس» [متفق عليه]. وخيّرهن وبدأ منهن بعائشة فاخترن المقام.
[8- وجوب إنكار المنكر مطلقا]
(وإنكار المنكر إذا رآه على كل حال) فلا يسقط عنه بالخوف؛ لأن الله وعده بالعصمة بخلاف غيره، ولا إذا كان المرتكب يزيده الإنكار إغراء؛ لئلا يتوهم إباحته، بخلاف سائر الأمة. ذكره السمعاني في القواطع.
[9- وجوب المشاورة]
(والمشاورة في الأمر مع أهله وأصحابه) ذوي الأحلام لقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159] والحكمة أن يستن بها الحكام بعده فقد كان صلى الله عليه وسلم غنيا عنها بالوحي.
[10- وجوب مصابرة العدو الكثير]
(ومصابرة العدو الكثير) الزائد على الضِّعف (للوعد بالنصر) أي لأنه موعود بالعصمة والنصر، بل روى الدميري وغيره عن ابن عباس أنه "لم يقتل نبي أمر بالقتال".

ثم أشار إلى المحظورات بقوله:
[11- تحريم الرمز بالعين]
(ومُنع صلى الله عليه وسلم من الرمز بالعين والإشارة بها) لحديث «ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين» رواه أبو داود [2683 وصححه الألباني] وصححه الحاكم على شرط مسلم. وهي الإيماء إلى مباح من نحو ضرب وقتل على خلاف ما هو الظاهر، وسمي خائنة الأعين لشبهه بالخيانة بإخفائه، ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور.
[12- تحريم نزع اللأمة بعد لبسها]
(و) من (نزع لَأْمة الحرب) أي سلاحه كدِرعه (إذا لبسها حتى يلقى العدو) ويقاتلَه إن احتيج إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة أحد لما أشير عليه بترك الحرب بعد أن لبس لأمته «ما كان لنبي أن يلبس لأمة الحرب ثم ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه» [رواه البيهقي في الكبرى 13281 وقال: منقطع] وقضيته أن ذلك من خصائص الأنبياء.
[13- تحريم إمساك الزوجة الكارهة]
(و) من (إمساك مَن كرهت نكاحه) كما هو قضية تخييره نساءَه، واحتُجّ له بخبر العائذة بقولها: " أعوذ بالله منك " وهو قوله صلى الله عليه وسلم «لقد استعذتِ بمَعاذ، الحقي بأهلك» رواه البخاري [2254 وما بعده].
[14 و15- الشعر والخطّ]
(ومن الشعر والخطّ وتعلمهما) قال الله تعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} [يس: 69] . وقال: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت: 48] الآية. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» ونحوه فليس بشعر لأنه كلام موزون بلا قصدِ زنِته، واتفق أهل العَروض والأدب على أنه لا يكون شعرا إلا بالقصد، واختلفوا في الرَّجز أشعر هو أم لا؟ وكان صلى الله عليه وسلم يميز بين جيد الشعر ورديئه.
[16 و17- نكاح الكتابية والأمة]
(ومن نكاح الكتابية) لأنها تكره صحبته، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة.
وفي الخبر «سألت ربي أن لا أزوِّجَ [أحدًا من أمّتي ولا أتزوّج] إلا مَن كان معي في الجنة فأعطاني» رواه الحاكم [4667] وصحح إسناده [لكن ضعفه الألباني في الضعيفة 3040]
(كالأمة) أي كما منع من نكاح الأمة ولو مسلمة لأن نكاحها معتبر بخوف العنت وهو معصوم، وبفقدان مهر الحرة ونكاحُه غني عن المهر ابتداء وانتهاء. وخرج بالنكاح التسري.
[18- أخذ الصدقة]
(ومن) أخذ (الصدقة) لنفسه (ولو تطوعا أو) كانت (غير مأكولة) وكذا الكفارة لخبر مسلم «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» [رواه مسلم وأبو داود واللفظ له 2985]، وصيانةً لمنصبه الشريف؛ لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه. وأبدل بها الفيءَ الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه.
[19- الزكاة على القرابة]
(و) من (الزكاة على قرابتيه وهما: بنو هاشم وبنو المطلب) على قول في بني المطلب)، وكذا مواليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من أنفسهم» رواه الترمذي وقال هذا حسن صحيح [تحت رقم 657 وقال الطحاوي: جاءت الآثار متواترة بذلك. شرح معاني الآثار 8/2]، ولكون تحريمها على هؤلاء سبب انتسابهم إليه عد من خصائصه. أما صدقة النفل فلا تحرم عليهم.

[20] (وقال القاضي [أبو يعلى] في قوله تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك} [الأحزاب: 50] إلى قوله: {اللاتي هاجرن معك} [الأحزاب: 50] (الآية تدل على أن من لم تهاجر معه لم تحل له)، قال [ابن مفلح] في الفروع: ويتوجه احتمال أنه شرط في قرابته في الآية لا الأجنبيات، فالأقوال ثلاثة، وذكر بعض العلماء نسخَه ولم يبينه.

[21] (وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يصلي أولا) أي في أول الإسلام (على من مات وعليه دَين لا وفاء له، كأنه ممنوع منه إلا مع ضامن ويأذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه) رضي الله عنهم (في الصلاة عليه ثم نسخ المنع، فكان آخرا يصلي عليه ولا ضامن ويوفي دينه من عنده) لخبر الصحيحين: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي منهم فترك دينا فعلي قضاؤه»

[22] قال في الفروع (وظاهر كلامهم لا يمنع من الإرث، وفي عيون المسائل [لابن شهاب العكبري] :لا يَرِث ولا يَعقِل بالإجماع) واقتصر على ذلك في الإنصاف.

ثم شرع في المباحات بقوله:
[23- الزواج من غير حدّ]
(وأبيح له) صلى الله عليه وسلم (أن يتزوج بأي عدد شاء) لقوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] الآية ولأنه مأمون الجور. ومات عن تسع كما هو مشهور (وفي الرعاية [لابن حمدان]: كان له) صلى الله عليه وسلم (أن يتزوج بأيّ عدد شاء إلى أن نزل قوله تعالى {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج} [الأحزاب: 52] انتهى.
ثم نسخ لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بترك التزويج فقال تعالى: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} [الأحزاب: 50] الآية)
وقيل: نسخ لقوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] الآية.

[24] (وله) - صلى الله عليه وسلم - (التزوج بلا ولي ولا شهود) لأن اعتبار الشهود لأمن الجحود وهو مأمون منه والمرأة لو جحدت لا يلتفت إليها واعتبار الولي للمحافظة على الكفاءة وهو فوق الأكفاء.

[25] (و) له التزوج أيضا (بلا مهر) وهو بمعنى الهبة فلا يجب مهر ابتداء ولا انتهاء لقوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب: 50] الآية.

[26] (و) له التزوج (بلفظ الهبة) للآية السابقة.
[27] (وتحل له) صلى الله عليه وسلم (المرأة بتزويج الله) تعالى من غير تلفظ بعقد (كزينب) قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} [الأحزاب: 37]
[28] (وإذا تزوج) - صلى الله عليه وسلم - (بلفظ الهبة لا يجب مهر بالعقد ولا بالدخول) لظاهر الآية.

[29] (و) كان (له أن يتزوج في زمن الإحرام) لخبر الصحيحين عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم» ولكن أكثر الروايات أنه كان حلالا، كما رواه ابن عباس أيضا.
وفي مسلم وغيره «قالت تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف» وقال أبو رافع «تزوجها وهو حلال وكنت السفير بينهما» رواه الترمذي وحسنه وقد رد بهذا رواية ابن عباس الأولى.

[30] (و) له (أن يردف الأجنبية خلفه لقصة أسماء) [متفق عليه] وروى أبو داود [313 وضعفه الألباني] عن امرأة من غفار «أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبته» [الحقيبة زيادة تجعل في مؤخرة الرحل]

[31] ويختليَ بها لقصة أم حرام [متفق عليه].
[قال ابن حجر: والذي وضَح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية. فتح الباري 9/203]
قال [ابن مفلح] في الآداب: وهل له [أي لغير النبي صلى الله عليه وسلم] أن يردفها معه على الدابة مع عدم سوء الظن؟ يتوجه خلاف بناءً على أن إردافه صلى الله عليه وسلم لا مما يختص به، واختار النووي والقاضي عياض المنع.

[32] (و) له (أن يزوجها) أي الأجنبية (لمن شاء بلا إذنها وإذن وليها ويتولى طرفي العقد) لقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6] .

[33] (وإن كانت) المرأة (خليةً) من موانع النكاح (وَرغب) صلى الله عليه وسلم (فيها وجبت عليها الإجابة وحرم على غيره خِطبتها) للآية السابقة.

[34] (وأبيح له) صلى الله عليه وسلم (الوصال في الصوم) لخبر الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقيل: إنك تواصل فقال: إني لست مثلكم إني أبيت أُطعم وأسقى» أي أعطى قوة الطاعم والشارب.

[35] (و) أبيح (له خمسُ خمسِ الغنيمة وإن لم يحضر) الوقعة؛ لقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41] .

[36] (و) أبيح له (الصفيُّ من المغنم وهو ما يختاره قبل القسمة من) الغنيمة (كجارية ونحوها) كسيف ودرع ومنه صفية أم المؤمنين رضي الله عنها.

[37] (وأبيح له) صلى الله عليه وسلم (دخول مكة بلا إحرام) من غير عذر.

[38] (و) أبيح له (القتال فيها) أي في مكة (ساعة) من النهار فكانت من طلوع الشمس إلى العصر وتقدم موضحا في الحج.

[39] (وله) صلى الله عليه وسلم (أخذ الماء من العطشان) والطعام من المحتاج إليه، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

[40] (و) أبيح له (أن يقتل بغير إحدى الثلاث نصا) يعني بالثلاث المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه

[41] (وجُعلت تركته صدقة، فلا يورث) لخبر الصحيحين «إنا معاشرَ الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقةٌ» ومنه يعلم أن هذا لا يختص بنبينا، بل سائر الأنبياء مثله فهو من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

[42] (وفي عيون المسائل) ونقله الشيخ تقي الدين عن القاضي في الجامع وابنِ عقيل: (ويباح له ملك اليمين مسلمة كانت) الأمة (أو مشركة) يعني كتابية ولا يُستشكل جواز التسري بالكتابية بما عللوا أن نكاح الكتابية من كونها تكره صحبته؛ لأن التوالد لا يستلزم كراهيتها، ولأن القصد بالنكاح إصابة التوالد فاحتيط له، ويلزم في النكاح أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين بخلاف الملك.

ثم ذكر الكرامات بقوله:
[43] (وأكرم) صلى الله عليه وسلم (بأن جعل خاتم الأنبياء) قال تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40].

[44] (و) جُعل (خيرَ الخلائق أجمعين) لحديث «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» أي ولا فخر أكمل من هذا الفخر أعطيته، أو لا أقول ذلك على وجه الافتخار بل لبيان الواقع أو للتبليغ. وحديث «لا تفضلوا بين الأنبياء» [متفق عليه] ونحوه أجيب عنه بأجوبة منها: أن المراد ما يؤدي إلى التنقيص.
ونوع الآدمي أفضل الخلق فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق.

[45] (وأمته أفضل الأمم) قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]
[46] (وجُعلت) أمته (شهداء على الأمم بتبليغ الرسل إليهم) لقوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: 143] .

[47] (وأصحابه خير القرون) لحديث: «خير القرون قرني» متفق عليه.

[48] (وأمته معصومة من الاجتماع على الضلالة) لحديث: «لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة» رواه أبو داود والترمذي وفي سنده ضعيف، لكن أخرج الحاكم له شواهد [ولذلك حسنه الألباني في الصحيحة 1331].

[49] (و) لذلك كان (إجماعهم حجة) واختلافهم رحمة، [قال ابن عثيمين: أي داخل في رحمة الله وعفوه حيث لم يكلفهم أكثر مما يستطيعون ولم يلزمهم بأكثر مما ظهر لهم، فليس عليهم حرج في هذا الاختلاف بل هم فيه داخلون تحت رحمة الله وعفوه إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد. تعيلق على لمعة الاعتقاد ص165]

[50] (ونَسخ شرعُه الشرائعَ) لما مر أنه خاتم الأنبياء، وقد أمر بترك شرائع غيره من الأنبياء
[51] (ولا تُنسخ شريعتُه) لأنه لا نبي بعده.

[52] (وجُعل كتابه معجزا) لقوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله} [الإسراء: 88] الآية.
[53] (و) جعل كتابه (محفوظا عن التبديل) والتحريف لقوله تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصلت: 42] بخلاف غيره من الكتب.
[54-58] وقد اشتمل على جميع الكتب الإلهية وزيادة، وجمع كلَّ شيء، ويسِّر للحفظ، ونزل منجما، وعلى سبعة أحرف أي أوجه من المعاني متفقة بألفاظ مختلفة وبكل لغة من لغات العرب لكن أكثره بلغة أهل الحجاز ففيه خمسون لغة ذكرها الواسطي في الإرشاد.

[59] (ولو ادُّعِيَ عليه) بشيء (أو ادَّعى) على غيره (بحق كان القول قولَه) صلى الله عليه وسلم (بغير يمين) لأنه المعصوم الصادق الصَّدوق انتهى.

[60] (وظاهر كلامهم) أي الأصحاب، كما أشار إليه في الفروع (أنه في وجوب القَسْم) بين الزوجات (والتسوية بين الزوجات كغيره) قال في الفروع: وذكره [المجد بن تيمية] في المحرر و[ابن عقيل في] الفنون والفصول.انتهى. لقوله «اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» رواه ابن حبان وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم قال الترمذي: وروي مرسلا وهو أصح (وظاهر كلام ابن الجوزي أنه) أي القسم (غير واجب) عليه.
وقال الشيخ تقي الدين في المسوّدة: أبيح له ترك القَسْم قسم الابتداء وقسم الانتهاء، قاله أبو بكر والقاضي في الجامع.

[61] (وجعل) صلى الله عليه وسلم (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6] (ويلزم كل واحد أن يقيه بنفسه وماله فله طلب ذلك) حتى من المحتاج، ويفدي بمهجته مهجته صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومثله لو قصده ظالم فعلى من حضره أن يبذل نفسه دونه.
[62] (و) يلزم كل أحد (أن يحبه أكثر من نفسه) لحديث عمر مرفوعا «لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» رواه البخاري (و) أكثر من (ماله وولده) ووالده (والناس أجمعين) لحديث أنس «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» رواه البخاري وزاد النسائي " والناس أجمعين ". [بل الزيادة ثابتة في البخاري من حديث أنس رقم 15]
[قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: ولعل المراد بذلك محبة الإجلال والتعظيم، لا محبة الشوق الناشئة في الغالب عن العشق؛ فإن الإنسان قد يتشوق لمحبوبه وولده ويولع بهما أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الإجلال والتعظيم فكل مسلم يجله ويعظمه وجوبا؛ ويقدمه على نفسه وولده. أفاده المصنف –أي الشيخ مرعي- في بعض تعاليقه.]

[63] (وحرم على غيره نكاح زوجاته بعد موته) لقوله تعالى: {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} [الأحزاب: 53]
حتى من فارقها في الحياة دخل بها أو لم يدخل بها؛ قال القاضي وغيره: وهو قول أبي هريرة.
ونقل الشيخ تقي الدين عن ابن حامد: يجوز العقد على من دخل بها دون من لم يدخل بها وأطلق في الفروع: عن [ابن حامد] جواز نكاح من فارقها في حياته.
وأما تحريم سراريه صلى الله عليه وسلم على غيره فلم أره في كلام أصحابنا نفيا ولا إثباتا وللشافعية وجهان: وجزم الطوسي والبارزي وغيرهما منهم بالتحريم قياسا على زوجته، قال شيخ الإسلام زكريا في شرح البهجة: وظاهر الأدلة تقتضي أنها لا تحرم على غيره لأنها ليست بزوجته ولا أم المؤمنين، لكن المنع أقوى.
(وهن أزواجه في الدنيا والآخرة) للخبر.

[64] (وجعلهن أمهات المؤمنين) قال الشيخ تقي الدين: والزوجية باقية بينه وبينهن من ماتت عنه أو مات عنها قال تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] (في تحريم النكاح ووجوب احترامهن وطاعتهن وتحريم عقوقهن) دون الخلوة والنظر والمسافرة ونحوها (ولا يتعدى تحريم نكاحهن إلى قرابتهن) ولا أخواتهن ونحوهن على المؤمنين (إجماعا) لقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24]

[65] (وجعل ثوابهن وعقابهن ضعفين) لقوله تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} [الأحزاب: 30] الآيتين.

[66] (ولا يحل أن يسألن شيئا إلا من وراء حجاب) لقوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53] (ويجوز أن يسأل غيرهن) من النساء (مشافهة).
وأفضلهن: خديجة وعائشة. وما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين قالت له: قد رزقكَ الله خيرا منها «لا والله ما رزقني الله خيرا منها؛ آمنت بي حين كذبني الناس وأعطتني مالها حين حرمني الناس» [رواه بنحوه أحمد 24864 وأصله في البخاري 3818]، وما روي أن عائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل [متفق عليه] وخديجةَ أقرأها جبريل من ربها السلام على لسان محمد صلى الله عليه وسلم [متفق عليه] = يدلّ على تفضيل خديجة.
وخبر «فاطمةُ بضعة مني» [متفق عليه] وقوله لها «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم» [متفق عليه من حديث عائشة دون "إلا مريم" وورد بالاستثناء من حديث أم سلمة عند الترمذي 3893 وأبي سعيد الخدري عند أحمد 11618 وصححه الألباني. انظر الصحيحة 2948 و796] =يدلّ على أن فاطمة أفضل.
واحتجّ من فضّل عائشة بما احتجت به من أنها في الآخرة مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجة وفاطمة مع علي فيها.

[67] (وأولاد بناته) صلى الله عليه وسلم (ينسبون إليه) لحديث «إن ابني هذا سيد» مشيرا إلى الحسن. رواه [البخاري و] أبو يعلى.
وفي حديث «إن الله لم يبعث نبيا قط إلا جعل ذريته من صلبه غيري فإن الله جعل ذريتي من صلب علي» ذكره في الخصائص الصغرى [رواه بنحوه ابن عدي وقال: غير محفوظ، ونسبه الذهبي في الميزان للخطيب وقال: كذب.]
(دون أولاد بنات غيره) فينسبون إلى آبائهم قال تعالى: {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5]

[68] (والنجس منا طاهر منه) صلى الله عليه وسلم ومن سائر الأنبياء وبجواز أن يستشفى ببوله ودمه لما رواه الدارقطني «أن أم أيمن شربت بوله فقال: إذن لا تلج النار بطنك» لكنه ضعيف.[لم أجده عند الدارقطني ورواه الحاكم 6912 بنحوه. وروى البيهقي في السنن الكبرى 13406 عن أميمة بنت رُقَيقة وفيه أن امرأة تسمى بركة شربت بول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليها، قال الألباني سنده موصول. ونسبه للطبراني في الكبير كما في الضعيفة 1182، وأصله في سنن أبي داود 24].
ولما رواه ابن حبان في الضعفاء [1123 وفي سنده نافع أبو هرمز كذّبه ابن معين] «أن غلاما حجم النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجامته شرب دمه فقال: ويحك ما صنعت بالدم؟ قال: غيبته في بطني. قال: اذهب فقد أحرزت نفسك من النار».
[وثبت أن عبد الله بن الزبير شرب دم حجامة النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الحاكم 6343 والضياء في المختارة 276 وقال الهيثمي في المجمع 14010: رواه الطبراني والبزار باختصار ورجال البزار رجال الصحيح غير هنيد بن القاسم وهو ثقة.]
قال الحافظ ابن حجر: وكأن السر في ذلك ما صنعه الملكان من غسلهما جوفه.

[69] (وهو) صلى الله عليه وسلم (طاهر بعد موته بلا نزاع بين العلماء) واختلفوا في غيره من الآدميين والمذهب عندنا أن غيره أيضا طاهر.

[70] (ولم يكن له) صلى الله عليه وسلم (فيء) أي ظل (في الشمس والقمر لأنه نوراني والظل نوع ظلمة) ذكره ابن عقيل وغيره، ويشهد له أنه سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا وختم بقوله "واجعلني نورا" [رواه مسلم لكن المراد هو النور المعنوي بالرسالة والعبودية؛ قال علماء اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز: هذا القول باطل مناف لنصوص القرآن والسنة الصريحة الدالة على أنه صلوات الله وسلامه عليه بشر لا يختلف في تكوينه البشري عن الناس وأن له ظلا كما لأي إنسان، وما أكرمه الله به من الرسالة لا يخرجه عن وصفه البشري الذي خلقه الله عليه من أم وأب، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} الآية، وقال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الآية.
أما ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله فهو حديث موضوع.]

[71] (وكانت الأرض تجتذب أتفاله) للأخبار: [منها حديث عائشة ذكر طرقَه السيوطي في "الخصائص الكبرى" وقال: وله طريق خامس؛ قال الدارقطني في "الأفراد" حدثنا محمد بن سليمان الباهلي حدثنا محمد بن حسان الأموي حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إني أراك تدخل الخلاء ثم يجيء الذي بعدك فلا يرى لما يخرج منك أثرا؟ فقال "يا عائشة أما علمت أن الله أمر الأرض أن تبتلع ما خرج من الأنبياء." هذا الطريق أقوى طرق الحديث. قال ابن دحية في الخصائص بعد إيراده: هذا سند ثابت محمد بن حسان بغدادي ثقة صالح وعبدة من رجال الشيخين. انتهى كلام السيوطي. وقد نقل القسطلّاني في "المواهب اللدنية" عدّة آثار فيه ثم قال: وقد سئل الحافظ عبد الغنى المقدسى: هل روى أنه- صلى الله عليه وسلم- كان ما يخرج منه تبتلعه الأرض؟ فقال: قد روى ذلك من وجه غريب، والظاهر يؤيده، فإنه لم يذكر عن أحد من الصحابة أنه رآه ولا ذكره، وأما البول فقد شاهده غير واحد. وشربته أم أيمن والله أعلم انتهى.]

[72] (وساوى الأنبياءَ في معجزاتهم وانفرد بالقرآن)؛
[73] فآدم خلقه الله بيده ومحمد شق صدره وملأه ذلك الخلقَ النبويّ.
[74] وأعطي إدريس علو المكان ومحمد المعراج.
[75] ولما نجّى إبراهيم من النار نجى محمدا من نار الحرب.

[76] ولما أعطاه مقام الخلّة أعطى محمدا مقام المحبة بل جمعه له مع الخلة كما في حديث أبي يعلى في المعراج «فقال له ربه: أتخذُه خليلا وحبيبا وهو مكتوب في التوراة: ومحمد حبيب الرحمن» [قال السيوطي في الخصائص الكبرى: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبزار وأبو يعلى والبيهقي من طريق أبي العالية عن أبي هريرة. وقال ابن كثير: وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة.]
[77] ولما أعطى موسى قلب العصا حية أعطى محمدا حنين الجذع الذي هو أغرب. [البخاري 918]
[78] ولما أعطاه انفلاق البحر أعطى محمدا انشقاق القمر الذي هو أبهر؛ لأنه تصرف في العالم العلوي.
[79] ولما أعطاه تفجير الماء من الحَجر أعطى محمدا نبع الماء من بين الأصابع. [متفق عليه]
[80] ولما أعطاه الكلام أعطى محمدا الدنوّ والرؤية. [على قول ابن عباس وأنس في قوله تعالى (ثم دنا فتدلّى) إلى قوله (ولقد رآه نزلة أخرى).
وقول عائشة وابن مسعود أن المراد بذلك جبريل عليه السلام. انظر زاد المسير لابن الجوزي]

[81] ولما أعطى يوسف شطر الحُسن أعطى محمدا الحسن كله.
[ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد 3/174 أن الترمذي عن قتادة عن أنس أنه قال: "ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا". والذي في الشمائل 321 عن قتادة قوله: «ما بعث الله نبيا إلّا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيّكم صلى الله عليه وسلم حسن الوجه حسن الصوت وكان لا يرجّع» وضعفه الألباني في مختصر الشمائل 274.]
[82] ولما أعطى داود تليين الحديد أعطى محمدا اخضرار العود اليابس بين يديه. [ذكره القاضي عياض في الشفا ص368 بلا إسناد]
[83] ولما أعطى سليمان كلام الطير أعطى محمدا أن كلمه الحجر [رواه مسلم 2277]،
والشجر [رواه الترمذي 3626 الطبراني 5431 وصححه الألباني. الصحيحة 2670]،
والذراع [رواه أبو داود 4511 و4512 وصححهما الآلباني]،
والضب [قال الهيثمي 14086: رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن شيخه محمد بن علي بن الوليد البصري قال البيهقي: والحمل في هذا الحديث عليه. انتهى. وقال القسطلّاني في "المواهب": موضوع.].

[84] ولما أعطى عيسى إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى أعطى محمدا رد العين بعد سقوطها [رواه أبو يعلى 1549 وصححه الألباني في تحقيق بداية السول 41]
وهكذا.

[85] (و) أحلت له (الغنائم) ولم تحل لنبي قبله لحديث «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي» [متفق عليه]، والأنبياء منهم من لم يؤمر بالجهاد فلم تكن غنائم، ومنهم المأذون الممنوع منها فتأتي نار من السماء فتحرقها إلا الذرية.
[86] (وجعلت له ولأمته الأرض مسجدا) أي محل السجود، فأيما رجل أدركته الصلاة في مكان صلى ولم تكن الأمم المتقدمة تصلي إلا في البِيع والكنائس.
[87] (و) جعل له ولأمته (ترابها طهورا) أي مطهرا وهو التيمم عند تعذر الماء شرعا روى ذلك الشيخان وغيرهما.

[88] (ونصر بالرعب) أي بسبب خوف العدوّ منه (مسيرة شهر) أمامه وشهر خلفه من جميع جهات المدينة روى ذلك الشيخان وجعلت الغاية شهرا لأنه لم يكن إذ ذاك بينه وبين أعدائه أكثر من شه.
[89] (وبعث إلى الناس كافة) قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28] وأما عموم رسالة نوح بعد الطوفان فلانحصار الباقين فيمن كانوا معه.
وأرسل إلى الجن بالإجماع، وإلى الملائكة في أحد القولين.

[90 و91] (وأعطي الشفاعةَ العظمى والمقام المحمود) مقتضى كلامه كـ "المواهب" و"الخصائص" وغيرهما =أنهما متغايران. وذكر بعضهم في الأذان أن المقام المحمود الشفاعة العظمى لأن فيه يحمده الأولون والآخرون.
وعلى الأول فالمقام المحمود جلوسه صلى الله عليه وسلم على العرش [وهو قول مجاهد]، وعن عبد الله بن سَلَام: على الكرسي. ذكرهما البغوي.
[قال المفتي محمد بن إبراهيم في المقام المحمود: قيل الشفاعة العظمى، وقيل إِنه إِجلاسه معه على العرش كما هو المشهور من قول أَهل السنة.
والظاهر أَن لا منافاة بين القولين، فيمكن الجمع بينهما بأَن كليهما من ذلك. والإِقعاد على العرش أَبلغ. مجموع فتاواه 2/136]

[92] (ومعجزاته باقية إلى يوم القيامة) وانقضت معجزات الأنبياء بموتهم، إذ أكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى فانقرضت بانقراض من عاصرهم ولم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصيرة فتستمر إلى يوم القيامة لا يمر عصر إلا ويظهر فيه شيء أخبر أنه سيكون إذ ما يدرك بالعقل يعلمه من جاء بعد الأول.

[93] (ونبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى حلت في الماء بوضع أصابعه فيه فجعل يفور ويخرج من بين أصابعه) حين كان في غزوة تبوك [رواه مسلم 706] وكذلك روي في الصحيحين وقوعه يوم الحديبية فنفد الماء فوضع صلى الله عليه وسلم يده في ماء قليل ففار الماء من إصبعيه وشربوا وتوضؤوا وهم ألف وخمسمائة. [البخاري 3576]
(لا أنه يخرج من نفس اللحم والدم كما ظنه بعض الجهال. قاله [ابن القيم] في "الهدي") .
وفيه نظر؛ فإن هذا القول ظاهر كلام القرطبي وبه صرح النووي في شرح مسلم ويؤيده قول جابر: فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه. قال [القسطلّاني] في المواهب: "وهذا هو الصحيح، وكلاهما معجزة له صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل ذلك ولم يخرجه من غير ملابسة ماء ولا وضع إناء تأدبا مع الله تعالى إذ هو المنفرد بابتداع المعدومات وإيجادها من غير أصل."، [بل الحكمة في ذلك لئلا يُظنّ أنه الموجِد للماء كما قاله ابن حجر في الفتح]

[94] (ومن دعاه) صلى الله عليه وسلم (وهو يصلّي وجب عليه قطعها) أي الصلاة (وإجابته) لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} [الأنفال: 24]

[95] (وتطوعه صلى الله عليه وسلم بالصلاة قاعدا) بلا عذر (كتطوعه قائما في الأجر) لما روى أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عمر [الصواب: ابن عمرو] أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا فوضع يده على رأسه فقال: مالك يا عبد الله؟ قلتُ: حُدّثت أنك قلت: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم قال: أجل ولكن لست كأحد منكم» قال في الفروع: وحملُه على العذر لا يصح لعدم الفرق (وقال القفال): تطوّعه بالصلاة قاعدا (على النصف) من أجر القائم (كغيره). ويردّه ما سبق.

[96] (وكان له القضاء بعلمه) لأن الله عصمه فلا يجوز عليه خطأ يقر عليه.
[97] (وهو سيد ولد آدم) للخبر
[98] (وأول من تنشق عنه الأرض) يوم القيامة لحديث مسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض»
[99-102] (وأول شافع وأول مشفَّع وأول من يقرع باب الجنة) رواها مسلم. وأول من يدخل الجنة.
[103] (وهو أكثر الأنبياء تبعا) لحديث مسلم: «أنا أكثر الأنبياء تبعا» .
وحديث البزار [8226] «يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل السيل والليل»[ضعف سنده الهيثمي].
وحديث مسلم: «ما صُدِّق نبي من الأنبياء ما صُدِّقت» إذ من الأنبياء من لم يصدقه إلا الرجل الواحد.
[104] (وأعطي جوامعَ الكلم) رواه مسلم أي ألفاظا قليلة تفيد معاني كثيرة.
[105] (وصفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة) لحديث مسلم «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف» .

[106] (ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته) لقوله تعالى: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} [الحجرات: 2].
[107] (ولا أن يناديه من وراء الحجرات) لقوله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} [الحجرات: 4]
[108] (ولا أن يناديه باسمه فيقول يا محمد بل يقول يا رسول الله يا نبي الله) لقوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63] قال الحافظ ابن حجر: والكنية من الاسم. وأما ما وقع لبعض الصحابة من ندائه بكنيته فإما أن يكون قبل أن يسلم قائله أو قبل نزول الآية.

[109] (ويُخاطب في الصلاة بقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولو خاطب مخلوقا غيره بطلت صلاته)
[110] (وخاطب إبليسَ باللعنة في صلاته فقال «ألعنك بلعنة الله» ) وفي الفروع: قبل التحريم أو مؤول.انتهى. فظاهره عدم الخصوصية.
(ولم تبطل) صلاته.

[111] (وكانت الهدية حلالا له) فكان «إذا أتي بطعام سأل عنه قال أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة. قال لأصحابه :كلوا. ولم يأكل معهم، وإن قيل: هدية. ضرب بيده وأكل معهم» متفق عليه من حديث أبي هريرة (بخلاف غيره من ولاة الأمور فلا تحل لهم الهدية من رعاياهم) لما روى أبو حميد الساعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «هدايا العمال غلول» رواه أحمد [2601 وصححه الألباني في الإرواء 2622].

[112] (ومن رآه في المنام فقد رآه حقا لأن الشيطان لا يتمثل به) لأن الله عصمه منه. لكن لا يعمل الرائي بما سمعه منه مما يتعلق بالأحكام لعدم الضبط لا للشك في رؤيته.

[113] (وكان لا يتثاءب) لأنه من الشيطان، والله عصمه منه؛
[قال ابن حجر في الفتح: ومن الخصائص النبوية ما أخرجه بن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الأصم قال ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط. وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال ما تثاءب نبي قط. ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان. انتهى]

[114] (وعرض عليه الخلق كلهم من آدم إلى من بعده كما علم آدم أسماء كل شيء) لحديث الديلمي [في الفردوس 6519 بلا إسناد، وانظر الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس 2526]:
«مُثّلت لي الدنيا [في الفردوس: أمتي] بالماء والطين، فعُلّمتُ الأشياءَ [في الفردوس: الأسماءَ] كلّها كما علم آدم الأسماء كلها».

[115] وعُرض عليه أمته بأسرهم حتى رآهم لحديث الطبراني [3054 و3055 وضعفه الألباني في الضعيفة 3861]:
«عرضت علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها؛ صُوّروا لي بالماء والطين حتى إني لأَعرَف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه»

[116] وعُرض عليه أيضا ما هو كائن في أمته حتى تقوم الساعة لحديث أحمد وغيره [27410 وصححه الألباني في الصحيحة 1440]:
«أُريت ما تلقى أمتي بعدي وسفكَ بعضهم دماءَ بعض»
[قوله"ما هو كائن في أمته حتى تقوم الساعة" ليس على عمومه؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وما أطلع الله نبيَّه عليه من الغيب فليس بعامّ فلا يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما هو كائن في أمته بل يعلم ما أخبره الله به فقط؛ وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على مَن قالت: وفينا نبي يعلم ما في غد كما في سنن ابن ماجه 1897 وصححه الألباني من حديث الربيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي، وعندي جاريتان يتغنيان، وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر، وتقولان، فيما تقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: «أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله»
قال علماء اللجنة الدائمة:
الأصل في الأمور الغيبية: اختصاص الله بعلمها، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب، قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} وقال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} وثبت في حديث طويل من طريق أم العلاء أنها قالت: «لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك فقد أكرمك الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، فقلت: والله لا أزكي بعده أحدا أبدا » رواه أحمد وأورده البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه، وفي رواية له: «ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به » ، وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنة، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم، «أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها، فدل على أنه علم من الغيب ما أعلمه الله به دونما سواه من المغيبات، وأخبره به عند الحاجة.]

[117] (ويبلغه سلامَ الناس بعد موته) لحديث أحمد [10815 وأبو داود 2041 وصححه الألباني في الصحيحة 2266 لكن لم يرد فيه لفظ "عند قبري" فهي غير مروية في هذا الحديث]:
عن أبي هريرة مرفوعا «ما من أحد سلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام».
[قال علماء اللجنة الدائمة:
وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم «أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم » .
أما حديث: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي بعيدا بلغته» فهو حديث ضعيف عند أهل العلم (قال ابن تيمية: هذا الحديث موضوع على الأعمش بإجماعهم. فتاوى (27 / 241) .) .
وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء. انتهى.]

[118] (والكذب عليه) صلى الله عليه وسلم (ليس ككذب على غيره) لأنه عليه كبيرة، للحديث الذي ذكر المصنف معناه، والكذب على غيره صغيرة إلا فيما يأتي في الشهادات (ومن كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)

[119] (وتنام عيناه ولا ينام قلبه) لخبر الصحيحين «إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» .
وفي البخاري في خبر الإسراء «وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم» ولا يرد عليه: نومه في الوادي عن صلاة الصبح لأن طلوع الفجر والشمس إنما يدرك بالعين وهي نائمة أو يقال: كان له نومان: أحدهما تنام عينه وقلبه والثاني عينه دون قلبه وكان يوم الوادي من النوع الأول.

[120] (ولا نقض بنومه ولو مضطجعا) لخبر الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع ونام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ» .

[121] (ويرى من خلفه كما يرى أمامه رؤية بالعين حقيقة نصا) كما ثبت في الصحيحين. والأخبار الواردة فيه مقيَّدة بحال الصلاة فهي مقيِّدة لقوله: «لا أعلم ما وراء جداري هذا» قاله الحافظ ابن حجر [حيث نقل عنه المناوي في فيض القدير قوله: قال الحافظ ابن حجر: وأما ما اشتهر من خبر "لا أعلم ما وراء جداري" فلا أصل له، وبفرض وروده فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا بإطلاعه تعالى.]

[122] (والدفن في البنيان مختص به لئلا يتخذ قبره مسجدا) ولما روي عن أبي بكر مرفوعا «لم يقبر نبي إلا حيث قبض» [رواه أحمد 27 وصححه الألباني. صحيح الجامع 5201]

[123] (وزيارة قبره مستحبة للرجال والنساء) لعموم ما روى الدارقطني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج وزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي» [قال الألباني: موضوع. الضعيفة 47] وفي رواية «من زار قبري وجبت له شفاعتي» [قال الألباني: منكر. الإرواء 1128].
[قال الألباني في الضعيفة 47: واعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقد ساقها كلها السبكي في " الشفاء " وكلها واهية وبعضها أوهى من بعض، وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره، وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفا بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره فليرجع إليه من شاء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " (ص 57) : وأحاديث زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة لا يعتمد على شيء منها في الدين، ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئا منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما.
ثم ذكر هذا الحديث ثم قال: فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته وكان مؤمنا به كان من أصحابه، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " خرجاه في الصحيحين، والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج والجهاد والصلوات الخمس، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيكف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين (يعني زيارة قبره صلى الله عليه وسلم) بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه، وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب.]
وكقبره الشريف في عموم الزيارة تبعا له قبر صاحبيه رضي الله عنهما، ويكره للنساء زيارة من عداه على الصحيح وتقدم.

[124] (وخص بصلاة ركعتين بعد العصر) اختاره ابن عقيل. قال ابن بطة: كان خاصا به، وكذا أجاب القاضي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «كان يصلي بعد العصر ركعتين وينهى عنهما» رواه أبو داود [1280 وقال الألباني: منكر الضعيفة 945] من حديث عائشة.
وروى الحميدي [في مسنده 194] بسنده عنها: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قطّ. [متفق عليه]
وظاهر كلامه في المغني والشرح وغيرهما في أوقات النهي: أنه من قضاء الراتبة إذا فاتت، وليس بخصوصية، حيث استدلوا به على جواز قضاء الراتبة في وقت النهي.

[125] (ولم يكن له أن يُهديَ) شيئا (ليُعطَى) بالبناء للمفعول (أكثرَ منه) لقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} [المدثر: 6] أي لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه.

[126-130] (وله) صلى الله عليه وسلم (أن يقضي) ويفتي (وهو غضبان، وأن يقضي بعلمه ويحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده ويقبل شهادة من يشهد له) صلى الله عليه وسلم أو لولده لحديث خزيمة [رواه أبو داود 3607 وصححه الألباني]، ولأنه معصوم، وقضيته أنه يشهد ويقبل ويحكم على عدوه.

[131] وبإباحة الحمى لنفسه، وتقدم في إحياء الموات.

قال في الفروع: وظاهر كلامهم إن كان لنبي مال لزمته الزكاة. قيل للقاضي: الزكاة طهرة والنبي مطهّر؟ فقال: باطل بزكاة الفطر، ثم بالأنبياء - صلوات الله عليهم - لأنهم مطهرون، ولو كان لهم مال لزمتهم الزكاة.

وخصائصه صلى الله عليه وسلم لا تنحصر فيما ذُكر، [وقد أوصلها الشامي في "السبل" إلى أكثر من تسعمائة]
وفيها كتب مشتملة على بعضها، [ومن أجمعها "الخصائص الكبرى" للسيوطي]
.
هذا تمام الفصل.
والحمد لله رب العالمين.
أبو بكر يوسف قديري
انتهى ليلة السبت 23 ربيع الآخر 1441 هـ

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013