منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 Aug 2011, 12:39 AM
أبو محمد أحمد بوشيحه أبو محمد أحمد بوشيحه غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: ليبيا
المشاركات: 31
افتراضي الزلابية وغيرها من الطيبات بين الأصل العام والحكم التفصيلي

الزلابية وغيرها من الطيبات بين الأصل العام والحكم التفصيلي

الفتوى رقم: 934
الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة- الأطعمة
الزلابية وغيرها من الطيبات
بين الأصل العام والحكم التفصيلي
السـؤال:
لقد نشرت إحدى الصُّحفِ الجزائريةِ الأسبوعيةِ عنكم القولَ بتحريم أكْلِ حَلْوى «الزلابية» التي تنتشِرُ بكثْرَةٍ في شَهر رَمَضَانَ المباركِ، وكذا إباحتكم للرشوة والتعريض، فنريدُ مِنْكُم شيخَنَا بَيَانًا شَافِيًا عَنْ مَدَى صِحَةِ مَا نُشِرَ عنكم؟ وهل يُعَدُّ تَنَاوُلُ الزلابية من بِدَعِ رمضَانَ؟ وهل من نصيحةٍ تقدِّمونها لمن ينقل فتاويكم، وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فاعلم أنَّ «الزلابية» كغيرهَا من الحلْوى مَعْدُودَةٌ من الطيِّبَات يَتَغَذَّى بها الجسْم كسائرِ الأطعمةِ التي يكونُ لها أثرٌ طيِّبٌ على قِوامِ بدنِ الإنسانِ، والأَصْلُ فِيهَا الحلُّ، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، وقولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا﴾ [البقرة: 168]، وقولِه تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32]، واللهُ تعالى أباحَ لعبادِه المؤمنين الطيِّباتِ لينتفعُوا بها، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: 4]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الحَلاَلُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَالحرَامُ مَا حَرَّمَ الله فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»(١- أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء: (1726)، وابن ماجه في «سننه» كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن: (3367)، والحاكم في «المستدرك»: (7115)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (19873)، من حديث سلمان رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع»: (3195))، والحكْمُ بإباحَتِها كأَصْلٍ عامٍّ لا يجوز تَحْرِيمُه بحالٍ إلاَّ إذا فَصَّل الله لنا ما حرَّم، فما كان حرامًا أو مكروهًا فلا بُدَّ أَنْ يكُونَ تَحْريمهُ مُفَصَّلاً على وجْهِ الاستِثْنَاءِ من الأَصْلِ العامِّ، لقَوْله تعَالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: 119]، ويعُود التفصيلُ إلى جُمْلةِ حالاتٍ وعِللٍ تقترنُ بالحلِّ فتُصيِّره مَنْهِيًا عنْه مُحرَّما أوْ مكْروهًا بحسَبِ الحالَةِ، ومِن هذِه العِلَلِ والحالاتِ: المَضَرَّةُ والإسْرَافُ، والاسْتِعَانَةُ بِه على المعصيةِ، والتَشْريعُ. وليْسَ الحكْمُ المفصَّلُ خَاصًّا ﺑ «الزلابية»، وإنما هو عامٌّ لكلِّ طعامٍ طاهرٍ طَيِّبٍ، وَعليه:
  • فكلُّ طَعَامٍ طاهرٍ لا مضرَّةَ فيه، فهو مباحٌ، فإنْ أحْدَثَ ضَرَرًا عنْد تَنَاوُلِهِ فيُمْنَعُ شرْعًا وَطِبًّا، لِعلَّةِ الضررِ، لِوجوبِ المحافظةِ على الأبدانِ في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، ولقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، ولقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»(٢- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الأحكام: (2430)، وأحمد في «مسنده»: (23462)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «إرواء الغليل»: (896))، ومن عمُومِ هذِه النصوصِ قُعِّدتْ جُمْلةٌ من القواعدِ الفقهيةِ منها: أنَّ «التَحْرِيم يَتْبَعُ الخَبَثَ وَالضَرَرَ».
  • كلُّ طعامٍ طاهرٍ لا مَضَرَّةَ فيه مُباحٌ مَا لم يَصِل إلى حدِّ الإسرافِ والتبذيرِ فَيُمنعُ لهذه العلةِ ويشهدُ لذلك قولُه تعالى: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]، ولقولِه تعالى: ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 26-27].
  • وكلُّ طعامٍ طاهرٍ لا مَضَرَّةَ فيه ولا إسرافَ ولا تبْذيرَ مُباحٌ بشرطِ أنْ يُسْتعانَ بِهِ على الطاعةِ، ويحْرمُ إِن اسْتُعينَ به على مَعْصِيةٍ، كمن يتغذَّى باللحمِ والخبزِ والتمرِ أو الحلْوَى ليستعِينَ بها على شُربِ الخمْرِ، وإتْيانِ الفواحشِ، أو يتغذَّى ليَقْوَى على مُحَارَبَةِ دَعْوَة التوحيدِ التي جَاءَ بها النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ صَافيةً بالتشويهِ والتَضلِيلِ والصدِّ عنْ سبيلِ الله، أو يَسْتعِينُ بها على الاعتداءِ على دماءِ المسلمينَ وأمْوالهم وأعراضِهم، فَإنَّ هذهِ الطيِّباتِ يُسْأَلُ عنْها؛ لأنَّه لم يُؤَدِّ شُكْرَها، لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: 93]، ولقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: 8]، أي: عن الشكرِ عليْهِ قال ابن تيمية -رحمه الله- : «كل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه و خياطته لمن يستعين به على المعصية و الظلم و لهذا كره بيع الخبز و اللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه و بيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين به على الخمر»(٣- «شرح عمدة الأحكام» لابن تيمية:(4/386))
  • وكلُّ طعامٍ طاهرٍ لا مَضرةَ فيه ولا إسرافَ ويُستعانُ به على الطاعةِ، فلا يجوز أن يُخصَّص أيُّ مَطْعُومٍ بالعبادةِ استدراكًا على صاحبِ الشريعةِ بعدَ مَا أَتمَّها اللهُ بنبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ، وأكملَهَا قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، فدَلَّتِ الآيةُ على كمالِ الشريعةِ واستغْنَائهَا عنْ زيادةِ المبتدعين، واسْتدراكاتِ المستدركين، وقد أَتَمَّ الله هذَا الدِّينَ فلا يُنْقِصُهُ أبدًا، ورضِيَهُ فلا يَسْخَطُهُ أبدًا، وقد جاء عن النبيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم قولُه: «وَأَيْمُ اللهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ»(٤- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (5)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (688)، وفي «صحيح الجامع»: (9))، وقد بيَّن النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم هذا الدِّينَ أتمَّ البيانِ، وقامَ بواجبِ التبليغِ خيرَ قيامٍ، ممتَثلاً لقول ربِّه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: 67]، وقد شهدت له أُمَّتُه بِإبلاغِ الرسالةِ وأداءِ الأمانةِ، واسْتنطَقَهُمْ بذلكَ في أعظمِ المحافلِ في خُطبتِهِ يوْمَ حجَّةِ الوداعِ.
وعليْه، فمنْ أوْجبَ طعامًا في موْضِعِ عبادةٍ أو اسْتَحَبَّه ولم يرِدْ في الكتاب والسُّنَّة ذِكْرُه فقد شَرَّعَ أمْرًا ما أنزلَ الله به من سلطانٍ، ومثلُ هذا التشريعِ محرَّمٌ بنصِّ قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: 21]، فالحكمُ الشرعيُّ إنما يُؤخذُ من الشرعِ، إذِ الحكم لله وحدَهُ، ولا يجوزُ إثباتُ حكمٍ شرعيٍّ بغير الأدلة الشرعية التي جعلها اللهُ طريقًا لمعرفةِ أحكامه، وهذا أصلٌ عظيمٌ من أصول هذا الدين(٥- انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم: (1/50-51)، و«أضواء البيان» للشنقيطي: (7/162-173))، وعليه فإنَّ القولَ على الله بغير علمٍ محرمٌ، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: 116]، ومنه يُفْهمُ أنَّ اعتقادَ الصَّائِم أنَّ صِيامَهُ لا يَكْمُلُ أو لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بأمورٍ يُشَرِّعُهَا لنفْسِهِ، سواء كانت «الزلابية» أو غيرَها أو يعتقِدُ أنَّ عقيقَتَهُ لا تَصحُّ و لا تَكْمُل إلاَّ ﺑ «الطمينة» أو غيرِها فيحتاجُ هذا التشريعُ إلى دليلٍ من صاحبِ الشريعةِ، وإلاَّ كان بدعةً إضافيةً أصلُها شرعيٌّ ونوعُ إيرادِها باطلٌ، واعتقادُ العبادةِ فيها بدعةٌ، وهذا جريًا على قاعدة: «كُلُّ مَا أُضِيفَ إلى حُكْمٍ شرعِيٍّ يحتَاجُ إلى دَليلٍ».
وهذا القولُ لم أنْفرد به بل كُتُبُ المالكيةِ طافحةٌ بذلكَ، وعلى سبيلِ المثال: ذَكَرَ ابْنُ الحَاج المالكي في «المدخل» بدعةَ اليومِ السابعِ عن الميِّت قَالَ: «عمل الزلابية أو شراؤها وشراءُ ما تُؤْكَلُ به في اليومِ السابعِ»(٦- «المدخل» لابن الحاج: (3/292))، وقال في معرِضِ ذِكْرِ بعض بدع الخروج بالجنازة: «حملُ الخبز والخرفان أمام الجنازة وذَبحُها بعْد الدفنِ وتفريقُهَا مع الخبزِ»(٧- «المدخل» لابن الحاج: (3/366-367))، وذَكَرَ علي محفوظ في «الإبداع» عن الطيبات المقرونة بالتشريع على وجه البدعة، قال: «ذبْحُ الجامُوسِ عنْد وُصُول الجنازةِ إلى المقبرة قبل دفنِها وتفريقُ اللحمِ على مَنْ حَضَرَ»(٨- «الإبداع» للشيخ محفوظ: (114))، وذَكَرَ «الخِرْفَان تُذْبَحُ عند خروج الجنازة تحت عَتَبَةِ البابِ»(٩- المصدر السابق).
هذه بعض الصورِ من البدع الإضافيةِ، ولم يقُلْ أَحَدٌ أنَّ ذَبْح الخرفانِ محرَّمٌ ولا الجاموس ولا حملُ الخبز ولا أكلُ «الزلابية» ولا شراؤها أو شراءُ ما تُؤكلُ به؛ لأنَّ أصْلَها طيِّب صحيحٌ، لكن لما وردَت في أحوالٍ أو أيامٍ أو أماكنَ مخصوصةٍ على وجهِ العبادةِ والتشريعِ، مُنعَتْ مِنْ أجلِ هذا الاعتقادِ الفاسدِ الذي فيه اتهامٌ للشرعِ بالنقصانِ، وللنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بعدمِ تبليغهِ للرسالةِ التي كُلِّف بها، ولا شكَّ أنَّ صَاحب هذا الاعتقادِ يتقرَّب إلى الله بالمشروع وهو الصيامُ أو العقيقةُ، ويتقرَّب أيضًا بغيرِ المشروعِ؛ لأنَّ الشرعَ لم يجعل العبادةَ في هذينِ المطعومينِ من الحلوى، والواجبُ كما يكونُ العملُ مشروعًا باعتبار ذاتهِ يجب أن يكونَ مشروعًا باعتبار كيفيتهِ، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(۰١- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور: (4493)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد اتفق الشيخان على إخراجه بلفظ «من أحدث من أمرنا ما ليس منه فهو رد»)، والمعتقِدُ فيهمَا قد خلَط عملاً صالحًا وآخر سيِّئًا، وهو يعتقِدُ أنَّ الكلَّ صالح، وقد أوضَح الإمامُ أبُو إسحاقَ الشاطبي المالكي -رحمه الله- في كتابه «الاعتصام» أقوى إيضاح في الباب الخامس: «في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما»(١١- انظر: «الاعتصام» للشاطبي: (1/286)).
فالحاصل
، أنَّه كما لا يجوز إباحةُ ما حرَّم الله بالتفصيلِ لا يجوز تحريمُ ما عفَا الله بالأصلِ العامِّ ولم يُحرِّمْه، ولا تلازمَ بين إباحةِ الطيِّباتِ بالأصل الكليِّ، ومنعها بالدليلِ الجزئيِّ على نحوِ ما فصَّلناه.
وأمَّا الرشوة فالحكم فيها -أيضًا- يدور بين الأصل العامِّ والحكم التفصيلي كما بيَّنته -مفصَّلاً- في فتوى «في حكم من صانَع بماله عند الاضطرار» تحت رقم: (207).
وأَمَّا التعريضُ فقد ذكر الإمام النووي في «الأذكار» نقلاً عن أهل العلم أنهم ضَبَطوا بابَ التعريض جمعًا بين الآثار المبيحة وغير المبيحة له على الوجه التالي: «إِنْ دَعَتْ إلى ذلك مصلحةٌ راجحةٌ على خداع المخاطَب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلاَّ الكذب فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيءٌ من ذلك فهو مكروهٌ، وليس بحرام إلاَّ أن يتوصَّل به إلى أخذ باطل أو دفع حقٍّ فيصير حينئذ حرامًا»(١٢- «الأذكار للنووي» (338) باب التعريض والتورية)، هذا ما فصَّلناه لمن ابتغى الحقّ أو ألقى السمع وهو شهيد.
لكنَّ الذي كلَّف نفسَه بالردِّ وتفعيلِ الشرِّ وتسطيره -مع عدم تأدُّبه واحترامِ مَنْ يَكبُره- فأتَى بالعجائبِ حيثُ خلَط بيْن مَا هو أصلٌ عامٌّ وبينَ ما هو مُفصَّلٌ ونَسَبَ هذا لهذا، وهذا لذاك، ثمَّ رمَى به بريئًا، قال تعالى: ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [النساء: 112].
هذا، وأخيرًا فإنَّ النصيحة التي أقدِّمها في هذا المقام وجوب التبيُّن من نَقَلة الأخبار، والتثبُّت من أقوالهم، بالنظر إلى تفشِّي شهادة الزور وكتمان الحقِّ وقِلَّة التورُّع عن كثرة الكذب، فقد أَمَرَنا الله تعالى بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
ومن انعكاس الحقائق وتغيُّر الأحوال ما هو مشاهَدٌ في هذا الزمن من استئثار الأسافل بالأمور، وارتفاع الأراذل في المقام، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وتكلُّم من لا يهتمُّ بدينه في غير فَـنِّه، وذلك من علامات الساعة، فقد روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّهَا سَتَأَتْيِ عَلَى النَّاس سِنُون خَدَّاعَة، يُصَدَّق فيها الكاذِب، ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُوَيْبِضَةُ، قيل: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: «السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ»(١٣- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الفتن، باب شدة الزمان: (4036)، والحاكم في «المستدرك»: (8564)، وأحمد في «مسنده»: (7852)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث حسّنه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (15/37)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1887)).
نسأل اللهَ تعالى أن يحفظَ لنا عقولَنا ويسدِّد لنا خُطانا وأقوالنا ويُثبتَنَا بالقولِ الثابتِ في الحياة الدنيا والآخرة، ويحشُرنَا مع المتقينَ أهلِ العدلِ والدِّينِ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 04 رمضان 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 04 سبتمبر 2008م
١- أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء: (1726)، وابن ماجه في «سننه» كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن: (3367)، والحاكم في «المستدرك»: (7115)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (19873)، من حديث سلمان رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع»: (3195).‌

٢- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الأحكام: (2430)، وأحمد في «مسنده»: (23462)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «إرواء الغليل»: (896).
٣- «شرح عمدة الأحكام» لابن تيمية:(4/386).

٤- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (5)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (688)، وفي «صحيح الجامع»: (9).

٥- انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم: (1/50-51)، و«أضواء البيان» للشنقيطي: (7/162-173).

٦- «المدخل» لابن الحاج: (3/292).

٧- «المدخل» لابن الحاج: (3/366-367).

٨- «الإبداع» للشيخ محفوظ: (114).

٩- المصدر السابق: الصفحة نفسها.

١٠- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور: (4493)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد اتفق الشيخان على إخراجه بلفظ «من أحدث من أمرنا ما ليس منه فهو رد».

١١- انظر: «الاعتصام» للشاطبي: (1/286).

١٢- «الأذكار للنووي» (338) باب التعريض والتورية.
١٣-- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الفتن، باب شدة الزمان: (4036)، والحاكم في «المستدرك»: (8564)، وأحمد في «مسنده»: (7852)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث حسّنه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (15/37)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1887).



المصدر موقع الشيخ فظه الله


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الزلابية, فركوس, فقه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013